سور النجف الاشرف بين الحاضر والماضي

   أحاطت النجف نفسها بسور يقيها هجمات الأعداء وهم كثر وبخاصة غارات أعراب البوادي، ولذلك فقد حصنت عتبتها المقدسة وأهاليها بسور كان:"على بعد خطوات من مرقد الإمام، واتخذت المقبرة خلف السور مباشرة، ثم بدأ الأحياء بغزو الأموات كلما ضاقت المدينة بالنفوس فيزول السور وتزول معه المقابر ليقوم سور آخر على مسافة أبعد منه، ولا يعرف كم سورا أقيم على النجف منذ تأسيسها عدا الأسوار الأربعة التي يذكرها المؤرخون، وكانت المدينة تضيق بالنفوس فلا يسعها أن تتجاوز السور خوفا من السطو على بيوتها الخارجية، وقد شهد الكثير منا بقية علائم الخوف ورأى كيف كانت المدينة تبادر الى إغلاق أبواب السور عند غروب الشمس أو بعيد الغروب بقليل ولا بدّ أن نكون قد سمعنا بما كان يقع من السلب والقتل للذين يتخلفون في الطريق الى وقت متأخر بين أبي صخير والنجف وبين الكوفة والنجف وليست حادثة سلب الشاعر مهدي الجواهري لتغيب عن ذهني والوقت كان لا يزال في أول الليل والجواهري على بعد خمسمائة متر أو أقل من ذلك عن المدينة".

     ولقد كان من الأسوار المتينة للنجف سور تم بناؤه سنة (1810م)، وتصدعت أجزاء منه خلال الحصار الذي فرضته القوات البريطانية على النجف الأشرف أثناء مقاومة النجفيين المحاصرين للغزاة الأجانب الذين منعوا عنهم إمدادات الغذاء والدواء عام (1920م)، وقد أزيل من السور أغلبه سنة (1937م)، ثم هدمته حكومة الهدام البائدة لاحقا, وهو السور السادس لمدينة النجف الأشرف التي أعتاد أعداؤها الكثر أن يشنوا الهجمات عليها لإسكات صوت الحق الهادر منها، فكان كلما تداعى سور بني سور بديل عنه وهكذا حتى السور السادس[1] وهو السور الأخير.

وقد وجد الرحالة الإنكليزي (لوفتس) الذي زار النجف سنة 1853م أن أسوارها عالية ممتازة يحيط بها خندق عميق خال من الماء.

     وكان " من أسباب الأمان في النجف بعد ذلك سورها الأخير والخندق العميق حوله المشار اليه سابقا والذي انفق عليه مبالغ خيالية في ذلك العصر الصدر الأعظم نظام الدولة جدّ أُسرة آل نظام النجفية، وكان يومئذٍ وزيراً لفتح عليّ شاه، وقد تم بناؤه سنة 1226هـ أي قبل وفاة الشيخ كاشف الغطاء بسنتين، وبه صارت النجف قلعة حصينة لا تستطيع أية قوة في ذلك العصر أن تقتحمها، وظل هذا السـور قائماً خلـف موقـع الرابطة الأدبية حتّى عام 1980 م ".

     قد أعان هذا السور الرصين أهالي المدينة المحاصرة في صد ومقاومة هجمات الجيش البريطاني لمدة زادت عن الشهر خلال فترة حصار الإنكليز لمدينة النجف الأشرف بعد ثورتها العارمة عام 1918م.

     وقد كان لهذا السور حين بني" أربعة أبواب تسمى بأسماء مختلفة فالذي يؤدي الى الكوفة يسمى الباب الكبير، والذي الى جانبه ومنه يخرج الناس الى كربلاء يدعى الباب الصغير أما المؤدي الى البركة ومزارع النجف فيسمى باب الثلمة ويسمى الباب الرابع باب الحويش بالتصغير أو باب أشتابية أي الطابية، وقد وضع هذا السور على هيئة حربية تصد الهاجمين على النجف والواقف على مرتفع ينظر الى هذا السور يلمحه على هيئة أسد رابض يطوقه خندق وضع لهذه الغاية ".

     وكنت حين أذهب وأقفل راجعا الى المقر العام جمعية الرابطة الأدبية في النجف الأشرف أمر على بقايا السور المذكور لسنين، حتى هدمت بقاياه حكومة صدام حسين فخسرت النجف يومها معلما من معالمها، ومصدّا يذكّر أبناءها بصمود وشجاعة مراجعهم وحوزتهم الدينية وآبائهم وأمهاتهم دفاعا عن مدينتهم المقدسة التي طالما كانت ولا زالت حتى يوم الناس هذا شوكة في عيون أعدائها التكفيريين رغم محاولاتهم المستمرة للنيل منها ومن مرجعيتها العليا لعموم الشيعة في العالم.

 

------------------------------------------------------------------

[1] أما السور الأول فقد بناه محمد بن زيد الداعي المتوفى سنة (287هجرية)، ثم توالت الأسوار على المدينة المهددة باستمرار، فكان أن شيّد السلطان عضد الدولة البويهي سورا بين سنتي 367- 372هجرية، ثم بنى الحسن بن سهل وزير عضد الدولة سوراً آخر حول النجف الأشرف سنة 400، ويقال إن نادر شاه أمر بتسوير المدينة المقدسة حين زارها سنة 1156هجرية.