ولادته ونسبه:
ولد السيد محمد هادي الميلاني في ليلة السابع من شهر محرم الحرام عام 1313 هـ في مدينة النجف الأشرف، في عائلة علمية معروفة بالفضل والتقوى. كان والده آية الله السيد جعفر من المراجع الكبار والشخصيات البارزة في القرن الرابع عشر الهجري.
أمّا جده السيد أحمد الميلاني فقد كان من العلماء المعروفين، وأما والدته فقد كانت إمرأة جليلة فاضلة، قال فيها المامقاني هي من خير نساء عصرنا وأنجبهن وأعقلهن.
دراسته وأساتذته:
ـ بدأ الدراسة في سن الطفولة فأكمل المقدمات عند أساتذة الحوزة العلمية في النجف الأشرف، منهم الشيخ الهمداني، والملا حسن التبريزي وآخرين.
ـ درس السطوح عند مجموعة من العلماء الكبار من أمثال الشيخ ابراهيم السالياني، و السيد جعفر الأردبيلي، والشيخ علي الايرواني ، و الشيخ غلام علي القمي ( السامرائي )، والشيخ أبي القاسم المامقاني
ـ درس البحث الخارج في الفقه والأصول عند آية الله العظمى شيخ الشريعة الاصفهاني، وآية الله العظمى ضياء الدين العراقي.
ـ درس الفلسفة عند آية الله السيد حسين البادكوبي، وآية الله محمد حسين الغروي.
ـ درس الاخلاق عند الشيخ علي القاضي، و عبد الغفار المازندراني.
ـ درس علم المناظرة والتفسير عند العلامة المجاهد آية الله الشيخ البلاغي ( قدس سره ).
ـ درس علم الرياضيات عند السيد أبي القاسم الخونساري.
وبهذه التحصيلات يكون السيد محمد هادي قد جمع بين المعقول والمنقول.
بالنظر لاستعداداته القوية فقد استطاع هذا العالم الكبير الإحاطة بآراء وتقريرات أساتذته الثلاثة، الذين كانوا محور الحوزة العلمية في النجف الأشرف آنذاك، وهم ( آية الله النائيني، وآية الله الاصفهاني، وآية الله العراقي ـ رحمهم الله ـ )، وحاز على درجة الإجتهاد وهو لم يتجاوز العقد الرابع من عمره الشريف، وأصبح فيما بعد موضع إهتمام العلماء والفضلاء بسبب دقة نظره واهتمامه بالتحقيق.
وقد قال فيه آية الله الشيخ محمد حسين الاصفهاني: كان السيد الميلاني من أدق تلامذتي. لهذا دعاه آية الله العظمى حسين القمي للمجيء إلى الحوزة العلمية في مدينة كربلاء المقدسة، لغرض تقوية أركانها; فأجاب الدعوة ورحل إليها وأقام فيها بضع سنوات.
تدريسه:
بدأ بإلقاء دروسه عندما كان في النجف الأشرف، وبعد ذهابه إلى كربلاء المقدسة أخذ يلقي الدروس في حوزتها العلمية الفتية. وشيئاً فشيئاً فقد أخذ عدد الطلاب الذين كانوا يحضورن دروسه بالإزدياد.
ولما ذهب إلى مدينة مشهد المقدسة لزيارة الإمام الرضا ( عليه السلام )، طلب منه فضلاء الحوزة هناك الإقامة فيها ، لغرض الإستفادة من دروسه; فقبل الدعوة بعد أن استخار الله، وأخذ يدرس الفقه والأصول، وقد طبعت تلك الدروس على شكل كتاب مستقل بعنوان ( محاضرات في فقه الإمامية ـ بعشرة اجزاء ـ ).
أمّا عن طريقته في التدريس فقد كان يحدد المسألة المراد بحثها، ثم يقوم بذكر الروايات المتعلقة بها، ويأخذ بالتدقيق وإمعان النظر فيها بشكل يجمع فيه بين النظرة العرفية والدقة العقلية.
وكان لآية الله العظمى السيد الميلاني إعتناءً خاصاً بدروس التفسير فكان يلقيها أيام اقامته في مدينة كربلاء المقدسة، وقد استفاد طلابه كثيراً من التوضيحات المفيدة التي كان يُنبههم عليها، وكانوا يدونونها في دفاترهم، حتى أن أحد بحوثه حول ( سورة الجمعة وسورة التغابن ) قد طبع بشكل كتاب مستقل، وأصبح موضع اهتمام طلاب العلوم الدينية.
وأمّا عن طريقته في كيفية التعامل مع طلابه، فقد كان يجيب على جميع أسئلتهم وإستفساراتهم بكل رحابة صدر، حتى الأسئلة التي لم تكن لها علاقة بموضوع الدرس، وكان يثني على الطلاب الذين يطرحون الأسئلة الموضوعية والمنطقية، ويشجعهم ويكافئهم.
درس عند آية الله العظمى السيد الميلاني كثير من الطلبة، وبهذه المناسبة نذكر جملة منهم:
الشيخ حسين وحيد الخراساني، السيد إبراهيم علم الهدى، السيد عباس الصدر، السيد محمد باقر حجت الطباطبائي، السيد حسين الشمس، الشيخ محمد رضا الدامغاني، الشيخ محمد تقي الجعفري، السيد نور الدين الميلاني.
يمكن ايجاز خصائصه و مميزاته بمايأتي :
1 ـ إلمامه بعلم الحديث: بالإضافة إلى سعة إطلاع السيد الميلاني بعلوم الفقه والأصول والكلام والفلسفة فقد كان متبحراً بعلم الحديث، وقد كانت له مباحثات في هذا العلم مع آية الله الشيخ علي القمي مدة ثماني سنوات.
2 ـ تعلقه بالأدب والشعر: كان السيد الميلاني واسع الإطلاع بالأدب الفارسي والعربي، ويمتلك في الوقت نفسه خطاً جميلا وإنشاءً جذاباً، وله أشعار لطيفة جداً.
3 ـ إحترامه لأساتذته: كان السيد الميلاني يحترم أساتذته إحتراماً كبيراً، ويتواضع لهم جميعاً، وعلى الأخص أستاذه محمد حسين الغروي، فقد كان عندما يلاقيه يُسارع إلى تقبيل يده، ويمشي خلفه ويقتدي به في صلاة الجماعة.
4 ـ تواضعه: كان يتواضع لجميع الناس، العالم منهم والعامي، العالي منهم والداني، القريب منهم والبعيد. وعندما كانت تأتيه أعداد كثيرة من الزوار يقوم باستقبالهم والترحيب بهم ولكن نتيجة لكثرتهم أحياناً يغفل عن الاهتمام ببعضهم نراه يقصدهم ويقدم إعتذاره لهم بكلام لين عذب لطيف.
5 ـ وقاره وأدبه: كان ملتزماً بالآداب ولم يُنقل عنه أنه في يوم من الأيام تكلم مع أحد من الناس بصوت عال، أو كان يضحك بقهقهة، وكان على الدوام يوصي طلابه والمقربين منه بضرورة التمسك بالوقار، وفي إحدى المرات قال لأحد أبنائه: أنا أعشق الوقار.
6 ـ إخلاصه لله سبحانه: كان السيد مبتعداً عن التظاهر والرياء، لا يحب الزعامة ولا يسعى إليها ومن وصاياه التي كان يوصي بها المبلّغين الذين كانوا يذهبون للإرشاد والتبليغ، والتي تعبر عن مدى صدقه وإخلاصه لله سبحانه هي عدم ذكر اسمه في المناطق التي يبلغون فيها.
7 ـ ذوبانه في أهل البيت ( عليهم السلام ): لانستطيع وصف شدة تعلقه بالأئمة الطاهرين ( عليهم السلام )، فقد كان يعايشهم في أحواله كافة عند زيارته للمراقد المقدسة، وفي مجالس العزاء، وفي الأعياد الدينية وفي المحاضرات والمراسلات.
وفي إحدى الرسائل التي أرسلها إلى أحد أحفاده جاء فيها: ( لأستكمال الفضائل لابد من أربع: المعارف، والتقوى، والفقه وأصوله، ومكارم الاخلاق، ولكي تصل إلى هذه الأركان الأربعة لابد لك من وسيلة تصل بها إلى ذلك، والوسيلة المضمونة إن شاء الله هي: التوسل بأهل البيت ( عليهم السلام )، والتعلق بالحجة المنتظر - أرواحنا لمقدمه الفداء ).
ومن مميزاته الأخرى: الحلم والصبر والعفو عند المقدرة، والإبتعاد عن الإسراف والتبذير، والبساطة في العيش والإكتفاء بالضروري.
كان آية الله العظمى السيد الميلاني من العلماء البارزين الذين أخذوا على عاتقهم مهمة التصدي لممارسات الشاه التعسفية، وعلى الأخص عندما قام ( مجلس الأمة ) الشاهنشاهي بالتصويت على قانون الإنتخابات العامة والمحلية، ذلك القانون الجائر الذي تصدى له علماء الدين، ومنهم السيد الميلاني الذي أرسل برقية شديدة اللهجة إلى رئيس الوزراء آنذاك، حذّره فيها من عواقب إصدار هذه اللائحة القانونية.
ويمكن ايجاز مواقفه الأخرى بما يأتي:ـ
1 ـ قام بكتابة رسالة إلى العلماء بمناسبة الحوادث المؤلمة التي جرت في المدرسة الفيضية بقم المقدسة، والتي قُتل وجرح فيها كثير من طلبة العلوم الدينية.
2 ـ بتاريخ 2 / 5 / 1342 هـ ش ( 1963 م ) أصدر بياناً إلى أبناء الشعب كافة، استنكر فيه إعتقال الإمام الخميني، وفضح فيه المواقف الخيانية لنظام الشاه.
3 ـ وفي رده على إستفسارات المواطنين حول المشاركة بإنتخابات الدورة الحادية والعشرين لمجلس الأمة آنذاك، أجاب قائلا: المشاركة في الأنتخابات حرام، ومعارضتها واجب شرعي.
4 ـ بعد أن ضيّق عليه النظام ووضعه تحت الإقامة الجبرية في طهران بسبب مواقفه المتصلبة أُجبر على ترك العاصمة والرجوع إلى مدينة مشهد المقدسة، وبعد رجوعه أصدر بياناً تحدث فيه عن الممارسات اللإنسانية للنظام ضد علماء الدين، وعلى رأسهم الإمام الخميني ( قدس سره ).
مشاريعه الخيريّة:
1 ـ تأسيس أربع مدارس في مدينة مشهد المقدسة لدراسة العلوم الدينيّة.
2 ـ بناء المدرسة المنتظرية ( الحقاني ) في قم المقدسة.
3 ـ إرسال المبلغين إلى مناطق البلاد المختلفة، لغرض إرشاد الناس إلى الأحكام الشرعية.
4 ـ ترميم العديد من المدارس الدينية في مختلف أنحاء البلاد.
5 ـ المساهمة في بناء الكثير من المدارس الدينية والمشاريع الخيرية، في خراسان وفي مناطق أخرى من ايران.
6 ـ بناء العديد من المساجد والحمّامات في القرى والأرياف.
7 ـ دعم وإسناد المبلغين والكتّاب الإسلاميين المقيمين خارج ايران، وعلى الخصوص المتواجدين في أوربا، وذلك عن طريق تقديم المساعدات المادية وغير المادية، وكذلك الهدايا.
8 ـ إنجاز المراحل الأخيرة من بناء مسجد هامبورغ في ألمانيا، الذي أمر ببنائه آية الله العظمى السيد البروجردي.
له كثير من المؤلفات القيّمة التي تعبر عن مدى طول باعه وسعة إطلاعه بمختلف العلوم، نذكر منها:
1 ـ تفسير سورة الجمعة والتغابن.
2 ـ مئة وعشر أسئلة .
3 ـ محاضرات في فقه الإمامية: (عشرة اجزاء).
4 ـ قادتنا كيف نعرفهم؟: في ذكر سيرة وفضائل أهل البيت (تسعة أجزاء).
5 ـ حاشية على العروة الوثقى: إلى آخر كتاب الإعتكاف.
6 ـ نخبة المسائل: رسالة عملية.
7 ـ مختصر الأحكام.
8 ـ مناسك الحج.
إنتقل إلى رحمة الله تعالى يوم الجمعة آخر شهر رجب المرجب من عام 1395 هـ، في مدينة مشهد المقدسة، ولما انتشر نبأ وفاته عم الحزن والأسى هذه المدينة المقدسة، فهب الناس للمشاركة في تشييعه، وبعد أن أقيمت عليه صلاة الميت تم دفنه على بعد سبعة أمتار من المرقد الشريف للإمام علي الرضا ( عليه السلام ).