السيد محمد حسين الطباطبائي المعروف بـالعلامة الطباطبائي (قدس سره الشريف)
مفسر، متكلم، فقيه، أصولي، عارف من كبار علماء الشيعة في القرن الرابع عشر الهجري. ومن الشخصيات الشيعية الكبيرة التي تركت بصمات واضحة على الساحة العلمية والفكرية في إيران وفي العالم الإسلامي في العصر الراهن. خطّ قلمه الكثير من المصنفات القيمة، ويقع في مقدمتها موسوعته التفسيرية المعروفة بالميزان في تفسير القرآن، فضلا عن الكتب الفسلفية كبداية الحكمة ونهاية الحكمة وكتابه المعروف أصول الفلسفة والمذهب الواقعي الذي تصدى الشهدي المطهري لشرحه والتعليق عليه. تخرج من حلقة دروس العلامة الطباطبائي الكثير من الأعلام كالشهيد المطهري والالشيخ جوادي الآملي و الشيخ مصباح اليزدي والشهيد السيد البهشتي وغيرهم من التلاميذ الذين كان لهم الأثر الكبير في الساحة الفكرية والعلمية في العصر الراهن. وقد لعبت مناظراته مع الفيلسوف والمتخصص بالشأن الشيعي "الفرنسي هنري كاربن" دوراً مهما في إيصال الفكر الشيعي وصورة التشيع إلى المجتمع الأوربي.
ولادته ونسبه
ولد العلامة الطباطبائي في أواخر ذي الحجة سنة 1321 ق الموافق لعام 1282 هجري شمسي في منطقة "شاد آباد" إحدى توابع محافظة تبريز الإيرانية في أسرة عرفت بالعلم، حيث اشتهرت أسرته منذ القدم بالفضل والعلم والرياسة، وكانت سلسلة أجداده الأربعة عشر الماضين من العلماء المعروفين فيها. تنتهي سلسلة نسب العلامة الطباطبائي من جهة الأب إلى الإمام الحسن المجتبى عن طريق إبراهيم بن إسماعيل الديباج، فيما ينتهي نسبه من جهة الأم إلى الإمام الحسين . توفيت والدته وهو في الخامسة من عمره فيما توفي والده عندما بلغ التاسعة فعاش يتيم الأبويين هو وأخوه الأصغر السيد محمد حسن.
زواجه وأولاده
تزوج السيد الطباطبائي من العلوية قمر السادات مهدوي التي تنتسب هي الأخرى إلى أسرة السادة الطباطبائية. وكان لها الدور البارز في مساعدة العلامة الطباطبائي لطي رحلته التكاملية والعرفانية، وقد انجبت له ثلاثة من الأولاد توفوا جميعا في سن الطفولة حينما كان في النجف الأشرف. في تلك الفترة زار السيد القاضي الطباطبائي الذي تربطه بالسيدة قمر السادات صلة قرابة وبعد أن تحدث معهما بكلمات وعظٍ وحثٍ على الصبر قال للسيدة وهو يهم بالخروج من المنزل: سترزقون إن شاء الله ذكراً سمّوه عبد الباقي وسيسلم لكما بإذن الله تعالى، ولم يكن العلامة حتى تلك اللحظة عالما بحمل زوجته وقد صحت نبوءة السيد الطباطبائي ورزقا ولدا سمياه عبد الباقي ثم رزقا ببنت أسمياها نجمة السادات. في عام 1344 هـ توفيت العلوية قمر السادات فتزوج من السيدة منصورة روزبه.
دراسته وخوض غمار العلم
درس السيد الطباطبائي ولمدة ست سنين (ما بين 1290 إلى1296 هـ ش[ 1911 إلى 1917م)- بعد تتلمذه القرآن الكريم بطريقة الكتاتيب- الأدبَ الفارسي وبعض الدواوين الشعرية منها "كلستان"، و"بوستان" وغير ذلك، وتتلمذ الخط على يد الميرزا علي نقي الخطاط؛ ثم دخل بعد ذلك المدرسة الطالبية في تبريز حيث درس فيها قواعد الأدب العربي وبعض الحديث والفقه والأصول. فيما شرع بدراسات العلوم الإسلامية الأخرى ما بين سنة 1297 إلى 1304 هـ ش[1918- 1925]. وبعد أن فرغ من الدراسة في المدرسة الطالبية شدّ العلامة الطباطبائي الرحال مع أخيه السيد محمد حسن متوجهاً صوب النجف الأشرف حيث بقي هناك ما بين سنة 1304- 1314هـ ش[1925- 1935م]) متلمذاً على يد كبار العلماء في تحصيل العلوم الدينية ومنشغلاً بالدراسات الفقهية والأصولية والفلسفية والعرفانية والرياضية. وبسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية وضيق العيش وعدم وصول المبالغ التي كان من المقرر أن تصل إليه من أملاكه الزراعية في تبريز، قفل راجعا إلى مسقط رأسه تبريز حيث اشتغل بالزراعة لمدة عشر سنوات في قرية "شادباد" التبريزية. وقام خلال هذه الفترة بتأليف رسائل عرفانية وفلسفية. وبسبب الإضطرابات التي حدثت في محافظة أذربيجان، توجّه العلامة الطباطبائي إلى مدينة قم المقدسة سنة 1364هـ، حيث بقي فيها ما يقرب من 35 سنة قضاها بالبحث والتحقيق وتربية جيل من الأعلام والمفكرين حتى وافاه الأجل هناك.
أساتذته ومشايخه
تلقى العلامة الطباطبائي علومه على مجموعة من الأساتذة الأفاضل، نذكر منهم: الشيخ محمد حسين النائيني، والشيخ محمد حسن الكمباني في الفقه والأصول، والسيد حسين البادكوبي في الفلسفة، وكان له أثر كبير على شخصيته العلمية، ومن أساتذته أيضاً السيد أبو الحسن الأصفهاني في الفقه، حيث درس عنده عدة سنوات، والميرزا علي القاضي الطباطبائي في الأخلاق، الذي كان له تأثير عميق على شخصية الطباطبائي. وقد حصل على إجازة في الإجتهاد من الميرزا النائيني وإجازات في الرواية من الشيخ عباس القميوآية الله حسين البروجردي، وتتلمذ أيضاً على الشيخ الكوهكمري، والسيد أبو القاسم الخونساري، والميرزا علي الإيرواني، والشيخ علي أصغر الملكي.
تلامذته
تمكّن العلامة الطباطبائي من تربية جيل كبير من الأعلام ممن توفروا على البُعدَين العلمي والأخلاقي، منهم:
مؤلفاته
سطرت يراع العلامة الطباطبائي عيون المؤلفات التي أغنت المكتبة الإسلامية في أكثر من حقل معرفي، منها:
هذا كله فضلا عن المقالات المتعددة التي كانت تنشر في المجلات العلمية آنذاك.
وفاته
توفي السيد الطباطبائي قبل ظهر يوم الأحد شهر آبان من السنة الهجرية الشمسية 1360 الموافق للثامن عشر من محرم الحرام سنة 1402 ق. وتم تشييعه تشييعا مهيبا في اليوم الثاني من مسجد الإمام الحسن العسكري باتجاه حرم السيدة فاطمة المعصومة (سلام الله عليها) بنت الإمام الكاظم ، وكان في مقدمة المشيعيين المرجع الكبير السيد محمد رضا الكلبايكاني (ره) الذي أقام صلاة الميت على الجثمان الطاهر متقدما الحشود الكبيرة من المشيعين، ثم حمل إلى مثواه الأخير في مسجد "بالا سر" الواقع في حرم السيدة المعصومة (س) حيث ووري الثرى هناك.