الاستاذ جورج جرداق ( رحمه الله )

الاستاذ جورج جرداق ( رحمه الله )

        آديب وكاتب مسيحي كبير , وعلماً من اعلام العالم العربي واحد هاماته , كان سخياً بعطائه الثقافي , اتخذ من قلمه عقارٌ جعله خالداً مدى الحياة , فقد ابدع واجاد واحسن بكتابته المتنوعه , عندما التقيناه وسمعنا حديثه والاجواء التي يعيشها ادركنا حينها ان كتاباته بحق الامام علي (عليه السلام) هي كتابات أدبية ذات بعد انساني فالإمام في نظره مصلح قد تربع على عرش الانسانية بعلمه وعمله وليس ذات بعد ديني أو عقائدي .

ولكن يبقى الاستاذ جرداق مفكر وأديب وشاعر وكاتب مسيحي قل نظيره، له قلم واسلوب مميز فتح به افاقاً واسعة في طريق الأدب والفكر الذي اضحى باسلوبه الموضوعي والمتجرد عن كل الميول والاتجاهات... فهو يكتب للكتابة والأدب والوجدان والضمير، وما يشعر به من انفتاح انساني وعاطفي .

البطاقة الشخصية للأستاذ جورج جرداق؟

ولدت سنة 1931 في منطقة (شوير) في لبنان وبعد فترة من الزمن تركنا المكان وذهبنا إلى جنوب لبنان وسكنا في منطقة تدعى (مرجعيون) وهي منطقة تقع في حدود فلسطين ـ لبنان ونحن ننحدر من عائلة مسيحية عربية أصيلة، فقد كانت تسكن منطقة مرجعيون عرب مسيحيين اقحاح، وكنا نعيش بسلام ووئام مع المسلمين وكثير من اسماءنا لها صلة بالإسلام فالكثير سمي بناتهم زينب وفاطمة وغيرها وأسماء الرجال أحمد ومحمود وبالمقابل فإن المسلمين كانوا يسمون بأسماء المسيحية.

 بدأت دراستي هناك وانهيت الدراسة الابتدائية والثانوية ثم ذهبت إلى بيروت وأكملت الدراسة الجامعية في الكلية البطاريكية في بداية العقد الخمسين من القرن الماضي.

من خلال كتاباتك الرائعة تظهر تعلقا شديد بالإمام علي عليه السلام، كيف ومتى بدأ ذلك التعلق وهذا الاهتمام بهذه الشخصية الإسلامية؟

منذ ان كنت في المراحل الدراسية الأولى واتذكر ان عمري لم يتجاوز الحادية عشر كنت احب الشعر والقراءة فكنت اهرب من المدرسة لأجلس تحت ظل شجرة او جنب نبع ماء وأقرأ الشعر فقد كنت احب الشعر كثيرا خصوصا كنت اقرأ ديوان المتنبي وابن الرومي..

وكنت مستمر على هذه الحالة فعلم اخي الأكبر (فؤاد) الذي كان شاعرا وأديبا رائعاً، قال لي سوف اعطيك كتابا تقرأه خيرا لك من هذا الشعر فيه بلاغة وسحر في المعاني وبالفعل اتاني بكتاب نهج البلاغة فكنت اطالعه بشغف كبير وأنا أرى البلاغة والمعاني الجميلة والألفاظ بالرغم من اني لا أعرف إلى ماذا يتحدث هذا الكتاب أو ماذا يريد ان يقول هذا الرجل، ولكني علمت ان قائل هذه الكلمات لا بد ان يكون رجلا عظيما فذاً..

وأخذت اتعلق بهذا الكتاب وعند بلوغي المرحلة الجامعية اردت ان اعرف الكثير عن هذا الرجل المسلم ، فقرأت كتب التاريخ والسير وقرأت كتب طه حسين والعقاد وغيرهم ولكن بالواقع لم يشفوا غليلي لأني أرى ان شخصية الإمام علي (عليه السلام) هي فوق ما يصفوها لأنه عظيم بكل ما تحمله الكلمة من معاني في ولادته وفي نشأته وفي حياته وفي اخلاصه وفي عبادته وفي حروبه وفي اخلاقه فكل شيء فيه عظمة، لا تعرف عن أي الجوانب نتحدث عندما نذكر هذه الشخصية العظيمة، فدائما العظماء لهم جانب معين يبرزون فيه، ولكن الإمام (عليه السلام) عظيم في كل جوانبه.

متى بدأت الكتابة والتأليف:

بعد ان انهيت دراستي الجامعية، بدأت ادرس الأدب العربي والفلسفة العربية، ومن المعلوم ان الإمام علي (عليه السلام) مطلوب في هاتين المادتين خصوصا، ومن اجل زيادة ثقافتي ودراستي بدأت بالقراءة والتعلم والتوسع والبحث عن هذه الشخصية العظيمة، فقرأت وقرأت وقرأت الكثير فتعلمت من خلال أبحاثي وقراءتي ان هذه الشخصية لها قدر أكبر مما يكتب عنها وإن الإمام علي أكبر مما في تصوري وداخلي فعمدت إلى قراءة نهج البلاغة بصورة ثانية بتفحص وتمعن وبصورة معمقة فبدأت اكتب تصوري من خلال الشخصية التي لا مثيل لها وكان كتاب صوت العدالة الإنسانية في نهاية العقد الخمسين من القرن الماضي حوالي سنة 1958، فبدأت بالكتابة وعمري لا يتجاوز الخامسة والعشرين.

كتاب صوت العدالة الإنسانية بحق كان كتاب من الكتب المميزة، فهل كانت كتابته فترة طويلة وجهد كبير، خصوصا فيه جهد علمي واسلوب مميز؟

قبل ان يطبع هذا الكتاب كنت انشر منه في مجلة الرسالة وهي مجلة للرهبان، كنت انشر مقالات وفصول في هذه المجلة وكانت لهذه المقالات صدى واسع بين المسيحيين والمسلمين وقد اتصل رئيس الرهبانية المارونية عن طريق أحد الأًصدقاء، وأبدى اعجابه الكبير بهذه المقالات والفصول وأخبرني بأنه مستعد لطباعتها على شكل كتاب بعد انتهاءه، وبالفعل بعد نهاية المقالات طبع هذا الكتاب الذي نال رواجا ونجاحاً منقطع النظير وحقق ارباحاً كبيرة وقد جمعت جزء من ارباح الكتاب لإعطاءها إلى رئيس الرهبان لسد نفقات طباعة الكتاب، فأبى ان يأخذ المال وقال هذا الكتاب هدية مني إلى الإمام علي والى الكاتب لأسلوبه الرائع، وبالمقابل أحزنني كثيرا تصرف مكتبة المثنى (قاسم الرجب) في العراق فبعد شهر من صدور الكتاب، تم طباعة الكتاب من قبل هذه المكتبة بدون أخذ الأذن مني أو محادثتي بشأنه وأنا أأسف لهذا التصرف.

ما هي مؤلفاتك الأخرى؟

لقد كتبت مقالات كثيرة في مجلة الطريق والرسالة وغيرها فبالإضافة إلى مؤلفاتي الخمسة في حق الإمام علي (عليه السلام) (صوت العدالة الإنسانية، الإمام علي والثورة الفرنسية ، الامام علي وحقوق الانسان ، الامام علي وسقراط) جاء كتاب روائع نهج البلاغة، ولي مؤلفات قصصية مثل (نجوم الظهر، قصور وأكواخ، ضفاف باريس، حديث الملاهي، حديث الغواني) وكذلك لي عدة مسرحيات مثل مسرحية (صلاح الدين وريكاردوس قلب الأسد) الذي مثلها نخبة من اشهر الممثلين، ولدي حكايات من ثلاث مجلدات مثل المشردون ورفيقي وغيرها وأخيرا لي ديوان شعر كبير لم يطبع بعد.

بعد صدور هذه السلسة من الكتب بحق الإمام علي (عليه السلام) بالرغم من كونك على الديانة المسيحية؟ ما هي ردود الأفعال من المسيحيين والمسلمين على هذه الكتب؟

لقد اخبرتكم بأن المسيحيين هم أول من وقفوا بجانبي لطباعة هذا الكتاب وكانوا فرحين جدا بصدور هذا الكتاب، وقد توالت علي كتب الشكر والعرفان والثناء بعد صدور هذه الكتب، وقد اتصل بي الكثير من علماء النجف الأشرف وبعثوا لي بكتب الثناء والتقدير على كتاباتي واسلوبي المميز والحديث كما وصفوه وكذلك من باقي الدول الإسلامية وشخصياتها العلمية.

هل في العائلة من هو على نمط جورج جرداق؟

في الواقع نحن عائلة مسيحية تحب الأدب والفن ولسنا عائلة كبيرة فلدي ابن وحيد اسمه هادي، ولكن يوجد الكثير من المثقفين والأساتذة في عائلتنا، ولكن أخي الأكبر (رحمه الله) كان شاعرا كبيرا وأديبا بارعاً.

جورج جرداق لمن يحب ان يقرأ من الكتاب؟

أنا كثير المطالعة والقراءة وأقرأ لكثير من مفكري وأدباء الغرب والعرب وغيرهم فأحاول ان ألم بجميع الثقافات فأقرأ مثلا ديستوفسكي كما أقرأ لتوفيق الحكيم وغيرهم.

كيف تقرؤون واقعة الثقافة العربية اليوم؟

أقولها بكل صراحة وللأسف أصبحت اليوم تعطى الشهادات وتمنح بدون اعتبارات عليمة او موضوعية، فكثرت في الوقت الحاضر الألقاب والمسميات ولكن بالواقع بدون علمية.

هل زرتم العراق؟

وجهت لي من اللجنة المنظمة للاحتفال بالإمام علي (عليه السلام) عام 1965 لزيارة العراق وبالفعل ذهبت إلى العراق والى كربلاء حيث اقيم احتفال بمناسبة ذكرى ولادة الإمام علي (عليه السلام) وقد القيت محاضرة في حسينية الإمام علي (عليه السلام) بالمناسبة.

وقد طلبت منه النسخة الخطية لكتاب الإمام علي صوت العدالة الإنسانية وباقي كتبه لتوضع في مكتبة الإمام علي بالإضافة إلى استعداد العتبة على اعادة طباعة كتبه عن الإمام علي بعد كتابه مقدمة جديدة؟

أنا على اتم الاستعداد لذلك، فقط أقروا بالفعل تنفيذ العمل، وسأعمل جاهدا لكل ما تطلبوه.

وقد وجهنا له دعوة لزيارة معرض الكتاب الدولي الرابع الذي تقيمه العتبة العلوية المقدسة بمناسبة ذكرى ولادة الرسول الأعظم صلى الله عليه واله :

فقال يسعدني ذلك كثيرا ولكن صحتي هذه الأيام لا تساعد على السفر وخصوصا إني اخشى الركوب بالطائرة ولا أسافر إلا براً.

وفي نهاية اللقاء اعرب عن تقديره وشكره الكبير لهذه المقابلة الخاصة واهتمام العتبة بالشخصيات الأدبية والعلمية.