الاستاذ كمال السيد ( حفظه الله )

الاستاذ كمال السيد ( حفظه الله )

 الاستاذ كمال السيد (عباس حسن علي الموسوي) 17 جمادى الاولى  1431 -   2/5/2010

الاستاذ كمال السيد .. رقيق المشاعر، مرهف الإحساس.. تعلو محياه ابتسامة حزينة.. خائفة وجلة! تحتار كيف تصف ملامحه.. وماذا يدور في خلده أهي صدمة الماضي.. أم مفاجئات المستقبل.. فقد  ابدع باسلوبه القصصي الراقي حيث قراءة التاريخ من الأعماق في خلجات النفس، مع أنين المظلومين وجبروت الطغاة ليقدم قراءة واقعية للتاريخ.

رغم أنه في متوسط العمر لكنه ينبض بالشباب والحيوية.. ذو أخلاق عالية وهادئ جداً ويعلو محياه الخجل أدبا وفكراً.. وبعد السلام والترحيب بادرناه بالسؤال:

هل (كمال السيد) اسمك الحقيقي، أم ماذا؟

فتبسم، قال هذه قصة طويلة، اسمي الحقيقي هو عباس حسن علي الموسوي ولدت في بغداد سنة 1959م حيث عشت بالقرب من نهر الخير نهر دجلة ثم انتقلت مع عائلتي إلى مدينة الثورة عام 1967م، هذه المدينة التي تعتبر امتداد لمناطق الجنوب العمارة والناصرية والبصرة، وأما قصة (كمال السيد) فقد كان لي صديق عزيز عليّ لدرجة كبيرة وكنا سويا في الجيش السابق وكان اسمه كمال ولكن الظلم والبطش من أزلام صدام تم إعدام هذا الصديق، فبقي في ذاكرتي وعندما هاجرت سألوني عن أسمي فقلت لهم كمال اعتزازا بصديقي ولأني سيد من ذرية رسول الله صلى الله عليه واله فقلت لهم (كمال السيد) خصوصا بعد هجرتنا كنا بدون مستمسكات أو هويات شخصية أو غيرها.

كلام بدأه بحزن وبقصد التعريف باعدام صديق عزيز، ولكني حاولت ان ارجع به إلى أيام طفولته ونشأته فقال:

في السنة السادسة من عمري دخلت المدرسة الابتدائية في منطقة البتاوين وبعدها أكملت في الدراسة المتوسطة والإعدادية في ثانوية المصطفى والمدرسة الجعفرية، وفي عام 1976 دخلت معهد المهن الصحية، وقد كنت في بداياتي المبكرة من حياتي أحب المطالعة والكتاب واتذكر أبقى حتى الصبح أطالع كتب التاريخ والرحلات الجغرافية.

وعن توجهه للكتابات الدينية بالرغم من أنه في جو بعيد عن هذه الأمور قال:

كنت منذ فترة المراهقة ومن بعدها فترة الشباب أحب العلم والعلماء وأحرص على زيارة المراقد المقدسة لأهل البيت عليهم السلام ، حتى اني اعتقلت في عام 1977 في الانتفاضة التي قادها ابناء النجف الأشرف ضد الذين منعوهم من زيارة الأربعين وكنت حينها في كربلاء واعتقلت واطلق سراحي بعد أسابيع، وكنت أتردد دائما على بيوت العلماء وفي أحد الأيام ذهبت لزيارة السيد محمد باقر الصدر في النجف ولاحظت أثناء دخولي ان قوات الأمن تراقب الداخل والخارج ولكي لم أبالي وعندما جلست في البراني الخاص باستقبال الزائرين كنت اسمع الاستفسارات والأجوبة وفي هذه المرة جاء شاب وسأل سماحة السيد الصدر ما يقارب من 20 سؤالاً كلها أسئلة حساسة وغاية في الأهمية وكان السيد يجيب عليها بكل صراحة وواقعية وكنت الحظ حركات السيد الشهيد فكأنه كتلة من الهدوء والاتزان وبينما نحن كذلك وإذا بالأذان يرفع وإذا بهذه الكتلة الهادئة المطمئنة تتحول إلى ارتباك وتعلو وجهه صفرة لأنه يستعد إلى الصلاة ولقاء ربه وبقيت هذه الحالة محفورة بذاكرتي وبعد خروجنا من بيت السيد تم اعتقالنا من قبل الأمن قرب جامع الترك بعد ان تم اخذ الهويات اطلق سراحنا في النجف وتم اعتقالنا في بغداد بعد ورود المعلومات وبعد فترة قصيرة تم اطلاق سراحنا.

كان حديث (كمال السيد) بكثير من الأسى والآهات لما مر به من أحداث ومواقف عصيبة ويتذكر كلام أخيه الكبير الذي عاش في كنفه عند انقلاب عام 1968 الأسود ان هؤلاء الحكام يشكلون خطرا كبيرا على العراق، ولكن أي الأحداث التي شكلت نقطة تحول في حياتك فيجيب؟

كان نبأ إعدام السيد محمد باقر الصدر واخته العلوية حدثا كبير على كل المؤمنين وكنت حينها في الجيش انتظر التسريح وإذا نسمع من إذاعة لندن (مصرع السيد محمد باقر الصدر) كنت حينها في معسكر كيبان شمال العراق واتذكر ذلك اليوم جيداً، حيث اصفرت الدنيا واظلمت وسقطت قطرات مطر دافئة، حتى قال أحد الجنود ما الذي حصل (هل قتلوا سيداً) وبعدها سمعنا الخبر المفجع وقال أحدهم لقد ضعنا، وهذه الحادثة أشعرتني بغربة كبيرة وربما هي كانت السبب في لجوئي إلى التاريخ لأنسى هذه الغربة وأنسى الواقع المظلم، وهذا ما ساعدني على التصور فيما جرى في تلك الحقب التاريخية فكانت تحدث عندي حالة من الاشتعالات النفسية لفهم التاريخ.

هل اكملت الدراسة الأكاديمية؟ وهل درست دراسة حوزوية؟

كما قلت انهيت الدراسة الأكاديمية بحصولي على دبلوم فني، ولم أدرس دراسة حوزوية ولكني لدي مطالعات كثيرة للكتب الحوزوية ولكن كدراسة منهجية لم ادرس.

متى بدأت الكتابة! وما أول قصة كتبتها؟

بعدما هاجرت من العراق سنة 1981 بسبب الظلم والاضطهاد وبعد استقراري في ايران كتبت اول قصة لي (وداعا يا وطني) عام 1981واتبعتها بقصة ثانية سميتها (وأشرقت الشمس) وهي قصة تحكي تجربة خروجي من العراق.

كيف كان المهجر بالنسبة لكم، كشباب اختار الرحيل عن وطنه بسبب الظلم والاضطهاد؟

موجة التهجير في العراق التي حدثت نهاية السبعينات وبداية الثمانينات انتشر العراقيون في مدن إيران المختلفة في إيلام ويزد، طهران، أصفهان، مشهد، وقم، وكرمانشاه، وكان لهم حضور كبير خاصة في المؤسسات الثقافية هنالك وقدموا الكثير من المنتجات  على مستوى البرامج الإذاعية والتلفزيونية والمؤلفات المختلفة، وكنت أحدهم فقد ساهمت في الكثير من الاصدارات الأدبية.

يعتبر الأستاذ (كمال السيد) من المبدعين في النتاجات الأدبية والكثيرين فيها فما عدد إصداراتكم؟

في الحقيقة تنوعت إصداراتي بين التأليف والقصة والترجمة، ولدي ما يقارب على 240 مؤلف كلها مطبوعة ولله الحمد فعلى مستوى الترجمة فقمت بترجمة كتاب (اليابان وإستراتيجيته) وكتب كثيرة أهمها (ألم ذلك الحسين) الذي كانت له أصداء كثيرة  وكتاب (إلا علي) وكتاب (وكانت صديقة) وهذا الكتاب ترجم إلى الفارسية وحصل على جوائز كثيرة وكتاب (عاصفة السلام) وهو كتاب تناولت فيه حياة الإمام الحسن T وكيف أنه تنازل عن السلطة والمال.. من أجل حياة الأمة.

وآخر عمل هو رواية (آخر أساطين الحب) وهي قصة حقيقية تكشف عن تاريخ هذا الجيل وكيف واجه الشباب المؤمن صدام وزبانيته في السجون وفي الحياة العامة، فتاريخنا الحقيقي هو تاريخ هؤلاء الشباب الذين ضحوا بكل ما يملكون من أجل الدين والوطن وكانت للمرأة دور كبير وأذكر في قصتي فاطمة الحسيني، الأسدي، والربيعي، تلك النساء المؤمنات اللواتي واجهن أعنف دكتاتورية في التاريخ.

وعن مشاريعه المستقبلية التي ينوي القيام بها قال؟

لدي تصميم كبير ان اكتب ما لا يقل عن 10 روايات على غرار رواية (آخر أساطين الحب) وقد اقترح التلفزيون الإيراني العمل عليها واخراجها على شكل سلسلة، وكم كنت اتمنى ان يكون هذا الاهتمام من قبل بلدي العراق ولكن لا يوجد اهتمام بالأدب والفن الصادق..!

وكذلك هنالك عمل روائي (السماء تفتح أبوبها في المساء) وهي مواجهه بطولية بين الظلم والاضطهاد والحرية والتعبير.

كيف تقرؤون المشهد الثقافي في العراق؟

المشهد الثقافي في العراق لا يزال حائرا فالمثقف العراقي عموما حائرا وضائعا، لذا نرى الو ضع الثقافي في العراق لا يزال ساكتا، يبحث عن هويته عن مستقبله لا يدري إلى اين يسير، فأنا إلى هذه اللحظة لم اطلع على عمل أدبي يهتم بهوية الشارع العراقي.

وعن العوامل التي تنهض بالثقافة والأدب خاصة مع ما يمتلكه من أرث حضاري كبير قال:

على وزارة الثقافة ان تعمل بكل طاقاتها من اجل النهوض بالواقع الثقافي العراقي، فالعراق مدمر يحتاج إلى بناء وصياغة وخطاب تربوي عميق، يجب الاهتمام بالثقافة والتربية والاستفادة من تاريخنا المجيد، وخاصة تاريخ أهل البيت عليهم السلام الذي يمتلك النهج الكامل لبناء العراق، ويجب الاهتمام بثقافة عاشوراء بنظرة متجددة هذه الثورة التي جاءت من أجل الناس المحرومين، المقهورين لأن أهل البيت عاشوا للناس جميعا لكل الإنسانية وهذه التجارب كافية لإعادة التوازن في العراق.

من خلال حديثك ونظراتك، أرى الحزن يغلب على نبرات صوتك، والأسى ظاهر في عينيك.. فتبسم ابتسامة خفيفة وقال:

أنا انتمي إلى حقبة زمنية مضت ولن تعود ولأني في غربة من الزمان والمكان لذا تحس هذا الحزن والأسى عندي، وللخروج من هذا اتجهت إلى الأدب والذي اعتقده إن الأدب هو الذي يفسر الحياة ويعبر أمواج البحر إلى الأعماق ويستكشف ما في داخله.

وعن هذه النظرة التشاؤمية التي تملأ تفكيره ونظرته إلى الأمور يقول؟

صحيح لدي نظرة تشاؤمية خاصة بالنسبة إلى العراق فأنا أقرء المشهد الثقافي من بعد وشاهدت الكثير ممن سجدوا للثروة المال والمركز والجاه، ولكني رغم هذا إني لم أطلع على المراكز الثقافية المهمة في العراق كالنجف الأشرف فأني لم أزور سوى بغداد أثناء تكريمي هناك وقد قدم لي درع بغداد، وقد رسمت تصوري هذا أثناء زيارتي لبغداد ربما قد تكون قراءتي خاطئة أو ناقصة فإني لم أتمكن من الاطلاع على مدينة العلم والعلماء مدينة النجف الأشرف واالتعرف على مؤسساتها الثقافية والعلمية وعلى الحركة العلمية والأدبية فيها.

لديكم الكثير من النتاجات الأدبية ولكن ما هو العمل الذي تعتبرونه ابداعا لكم؟

في كتاب (الشمس ورواء السحب) اعتقد بأني قمت بخطوة بالاتجاه الصحيح وهو الاتجاه التاريخي الواقعي وهي دراسة تاريخية في اثبات ولادة الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) واعتقادي ان الكتابة الروائية عن أهل البيت صلوات الله عليهم اجمعين  منها مضمون إنساني وإنها تجارب ملهمة وهم ابطال للإنسانية وليس للمسلمين فقط وليسو لحقبة زمنية معينة بل هم نموذج أمثل للإنسانية في كل الأزمان والأوقات.

في نهاية حديثنا ماذا تحب أن تقول؟

أولاً: أشكر اهتمامكم بالثقافة والمثقفين والكتاب، وأتمنى زيارة النجف الأشرف للإطلاع على الاستعدادات لتكون عاصمة للثقافة الإسلامية عام 2012 لأنها مصدر ومركز الإشعاع الفكري قديما وحديثا، فهي التي انجبت الأعلام.

ثانياً: العراق هو مركز انطلاقة العالم مستقبلا والشعب العراقي يوجد الكثير في أعماقه للانطلاق والإبداع، وسيتجاوز المحن رغم كل الظروف التي مرت بها بإرادة شعبه وصبره.

ثالثا: أتمنى اللقاء بكم بظلال نخلة عراقية، وظلال أهل البيت عليهم السلام .