سماحة الشيخ علي الساعدي (رحمه الله) 5 ذي القعدة 1429 - 4/11/2008
سماحة الشيخ علي الساعدي من خطباء المنبر الحسيني، أغنى الساحة الإسلامية بخطابه الواقعي الرصين الذي يحاول فيه محاورة العقول وتهيئتها لمعرفة الغث من السمين، سار على نفس النهج والدرب الذي سلكه عميد المنبر الحسيني الدكتور أحمد الوائلي والذي يصفه (أبي) فلقد كان لمطابقة صوته ونبراته بصوت الراحل الوائلي ومحاضراته العلمية القيمة بكسب قاعدة جماهيرية عريضة، فهو يخاطب العقل قبل العاطفة، انطلق في عالم الخطابة بأسس صحيحة حيث درس الدراسة الأكاديمية حتى حصل على الدكتوراه عام (1997) ، ودرس الدراسة الحوزوية حتى حضر دروس البحث الخارج لعدد من العلماء وما زال مستمراً على الدرس والعطاء، عند تشرفه لزيارة إمام المتقين (عليه السلام) التقيناه فحدثنا بصراحة وواقعية كبيرة.
السؤال التقليدي الذي نبتدئ به دائماً البطاقة الشخصية لسماحتكم؟
علي بن فالح بن تهيم الساعدي، ومن مواليد (1956) في منطقة الرحمانية الجعيفر ببغداد، درست الابتدائية في تلك المنطقة ثم انتقلنا إلى منطقة علي الصالح وبعدها أقمنا في مدينة الثورة فأكملت الدراسة المتوسطة والثانوية فيها وبعدها دخلت في كلية التربية ـ جامعة بغداد قسم القرآن الكريم.
متى بدأتم الدراسة الحوزوية؟
تزامنت دراستي الحوزوية مع دراستي الأكاديمية فقد ذهبت إلى كربلاء ودرست فيها لمدة ستة سنوات متواصلة، فقد كانت الدراسة أنذاك في كربلاء تحت إشراف سماحة آية الله السيد محمد الشيرازي (قد) فدرست المقدمات ثم السطوح على يد أساتذة أذكر منهم الشيخ محمد الكرباسي والشيخ محمد علي الطيبين إلى أن وصلت البحث الخارج عند آية الله السيد محمد الشيرازي (قدس).
الدراسة الحوزوية في النجف الأشرف متى بدأت؟
الدراسة في النجف لها خصوصية خاصة، فبعد أن قامت السلطات أنذاك بتهجير آية الله السيد محمد الشيرازي (قد) إلى الكويت ازداد الوضع سوءاً في كربلاء واشتدت الفتن، فذهبت إلى النجف وسكنت في دار عمي الشيخ شبيب الساعدي في محلة العمارة ولم أسكن في المدارس الدينية خوفاً من سطوة النظام أنذاك، واستمررت بالدراسة وحضرت درس البحث الخارج لسماحة آية الله السيد أحمد المستنبط (قد) ودرس البحث الخارج لسماحة آية الله السيد محمد علي الحمامي (قد) وبقيت متواصلاً مع الحوزة العلمية في النجف الأشرف ولحد الآن.
الإجازات التي حصلتم عليها؟
حصلت على إجازات عدة من العلماء الإعلام، قسم من هذه الإجازات خطية ومحفوظة لديّ وقسم منها تم حرقها من قبل الأهل بعد اعتقالي، ومن العلماء التي حصلت على إجازة منهم آية الله العظمى السيد الخوئي (قد) وآية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر وآية الله العظمى السيد محمود الشاهرودي وآية الله العظمى السيد علي السيستاني وآية الله العظمى السيخ علي الغروي (قد) وآية الله السيد حسين بحر العلوم (قد) وآية الله السيد محمد صادق الصدر (قد) حيث كانت إجازات خطية وبلقب حجة الإسلام والمسلمين ولقب علامة وكذلك إجازة برواية الحديث.
هل أكملتم الدراسة الأكاديمية؟
كما أسلفت حصلت على البكالوريوس من كلية التربية، وبعدها أكملت الدراسة وحصلت على الماجستير بالغة العربية سنة (1989 ــ 1990) ثم حصلت على شهادة الدكتوراه سنة (1996 ــ 1997) بالرسالة الموسومة (ابن سينا نحوياً) فقد تخصصت باللغة العربية.
بعد التطور العلمي الكبير وتوفر الوسائل السمعية والبصرية، كيف تقيمون الواقع العلمي بالنسبة لطلبة العلوم؟
كانت الدراسة في السابق دراسة موضوعية وتركيزية وكان الأستاذ يهتم لإفهام الطالب، فلقد كان استاذنا الشيخ جعفر الرشتي استاذ اللغة العربية الذي درس الكثير من العلماء منهم آية الله السيد محمد الشيرازي وغيره لقد كان هذا الأستاذ أحضر عنده درس الألفية فكان يعلمنا في اليوم بيت واحد لنحفظه أولاً ثم يعطينا الدرس والشرح واي طالب لا يحفظ البيت ولا يشرح الدرس إلا بعد حفظه، لقد كان الأساتذة يعلمون ويدرسون بدون مقابل ومن أجل الدين والعلم ولديهم مفهوم يعلمون به وهو طالب اليوم استاذ الغد وهذا المفهوم اليوم غير موجود عند الكثيرين.
تكثر الآن المؤسسات الثقافية والدينية والأكاديمية وكثر معها منع الشهادات والألقاب بين أوساط المجتمع، فهل يعد هذا مؤشراً لرقي المجتمع؟
برأي إذا أردت أن تعرف التحصيل العلمي لأي شخص لا تسأله عن تحصيله ولكن اسمع منه بماذا يتحدث لتعلم ما عنده من حصيلة علمية، وهذا ما أكد عليه الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) إذ يقول (المرء مخبوء تحت طي لسانه لا طي لسانه)، وقال أحد الأدباء الانكليز الرجل يعرف بلسانه، فكثير من الدارسين والحاصلين على شهادات عندما تحادثه تجده فارغ تماماً، دعيت أحد المرات إلى احتفالية تأبين سنوي للسيد عبد الكريم المدني وكانت الكلمة الأولى في احتفالية للأستاذ الدكتور البروفسور عميد كلية المأمون، أولاً ألقى الكلمة بورقة وهذا عيب كبير على من مثله، بالإضافة إلى ذلك ذكر الكثير من الكلمات الخاطئة وألحن الكثير من قراءته وكان بجنبي الأستاذ الشيخ محمد صفر الكرباسي أستاذ اللغة العربية تتعجب لكثرة قراءته الخاطئة، فمثل هؤلاء درسوا دراسة سطحية من أجل الشهادة لا من أجل العلم والتعلم، وغير ذلك نلاحظ الكثير من الطلبة يتبجحون بالدراسة عند الأساتذة الأفاضل المعروفين أو بحضور دروس البحث الخارج وهم أساساً غير مؤهلين لدخول هذه الدروس فقد كان آية الله السيد محمد الشيرازي لا يقبل أي طالب لم يصل إلى مستوى درس البحث الخارج بحضور الدرس حيث كان يخاطبه يقول هذا الدرس لا ينفعك، وسألت مرة آية الله السيد محمد الصدر (قد) كم عدد الطلاب الذين يحضرون درس البحث الخارج عندك؟ قال يحضرون (200) طالب، فقلت له الواصلين منهم؟ قال (10) طلاب وهذا خير مثال على ما أقول.
متى بدأ تم الخطابة؟
ارتقيت المنبر سنة (1980) وبشكل متقطع لأني أعطيت لدرسي الأهمية الكبرى، فقد بدأت بقراءة مجالس صغيرة في مدينة الثورة وبعد بروزي اتسعت هذه المجالس وبدأت أقرأ مجالس كبيرة جداً من حيث الحضور وانطلقت شهرتي من بغداد فكنت أقرء في اليوم معدل ثلاث مجالس وبعدها قرأت في كربلاء والنجف في بيت محي الدين وكان مجلساً كبيراً يحضره الكثير من الناس بحيث يغلق الشارع بالرغم من أن كانت قوات الأمن زمن هدام تراقب المكان وتحاصره.
القراءة خارج العراق متى بدأت؟
أول مجلس خارج العراق كان في سلطنة عمان سنة (1997)، ثم قرأت في رومانيا وسوريا والبحرين والكويت وإيران ولا أزال أقرء في الخليج فقط.
عاصرت الكثير من الخطباء، كيف تنظر لهم؟
بالفعل عاصرت ودرست عند الشيخ عبد الزهراء الكعبي (رحمه الله)، والسيد محمد كاظم القزويني صاحب كتاب (علي من المهد إلى اللحد) وعاصرت أبي العزيز الشيخ الدكتور الوائلي وتأثرت بهؤلاء كثيراً وأخذت منهم الكثير.
صوتك يطابق صوت الشيخ الوائلي (رحمه الله) فهل هذا تقليد؟
إن الطبقات الصوتية هي منحة من الله تعالى والإنسان لا يستطيع الاستمرار في التقليد، وهذا التشابه بين صوت الدكتور الوائلي وصوتي هو من الله تعالى، لقد عاشرت الشيخ الوائلي وعاصرته قبل أن يخرج من العراق وبعد أن خرج وكانت علاقتي به علاقة ودية ومتواصلة وكنا نلتقي كثيراً في مواسم القراءة وخصوصاً في دول الخليج وكنت أجله كثيراً واعتبره الأب والمثل والقدوة وحتى بأولاده تربطني علاقة طيبة وخاصة نجله علي، وكانت أحدى بناته متزوجة وتسكن في بغداد اسمها أم آيات فكانت ترسل زوجها لأقرأ لهم جلس خاص بهم لتتذكر والدها عندما أقرء وكانت تستمع وتبكي بكاءاً حاراً.
صفات الخطيب الناجح؟
هناك صنوف من الخطباء فخطيب ارتزاقي همه الحصول على المال يخلط الغث بالسمين، وخطيب كلاسيكي قديم همه إبكاء الناس بشتى الطرق، وهناك الخطيب الواقعي المعاصر وهو المطلوب والمرغوب، فالخطيب الناجح المعاصر يجب أن يكون ضليعاً بارعاً بالعلوم المرتبطة بالمنبر كالفقه والأصول والمنطق وعلم اللغة العربية بالإضافة إلى التفسير والبلاغة وغيرها يجب أن يكون عالماً في هذه العلوم محقق كي يحقق الرواية الصحيحة من الضعيفة ليكون المنبر صادقاً في مخاطبة الجمهور، وكذلك يجب على الخطيب أن يوصل المادة إلى ذهن المجتمع ببساطة ولسهولة وألا يسمع المستمع أي كلام نابي لأن هذا ليس من حقه، فالمنبر هو الكلمة الطيبة.
كيف ترون واقع الخطابة اليوم؟
للأسف أقول لا يوجد لدينا الآن خطباء فأغلبهم برأي مهرجين ولا يفقهون من الخطابة شيئاً وتجمهر الناس بسبب جهل الناس والتهريج الذي اقصده هنا هو الكلام الذي يتكلم به الخطيب وهو ليس من طوره او اختصاصه.
كيف تقيمون الجمهور هنا في العراق؟
الجمهور العراقي الذين يفهمون الخطابة والخطيب قليل جداً والأغلب لا يعرفون ماذا يريد الخطيب وما هو هدف محاضرته فالكثير منهم يقيمون الخطيب على الشهرة أو الصوت الجميل أو طوره في النعي أو ماشابه ذلك.
كيف تقرؤون الوضع في العراق؟
بعد التفجير الذي حصل في النجف الشرف سألتني الإذاعة البرتغالية: ماذا ترى من الأفق العراقي؟
فأجبت بأن المستقبل غيب والغيب لا يعلمه إلا الله ولكن من منظور مواطن عراقي مرت به أحداث كثيرة وجسيمة في العراق، العراق عمره (5000) سنة وهذه فترة موثقه بتواريخ هذا البلد لم ير الخير والآمان أبداً، وأرجوا من الله تعالى أن ينقذنا مما نحن فيه بتعجيل فرجه الشريف لأن الوضع خطير وللأسف أقول هذا الكلام ولكن هذه رؤيتي.