سماحة الخطيب الشيح شاكر القرشي 6ربيع الثاني 1428 - 24/4/2007
خطيب ألمعي ومحقق فاضل.. ومؤرخ قدير سبر غور التاريخ فأخرج لآلئه ، ذلك هو سماحة العلامة الشيخ شاكر بين الشيخ محمد بن الشيخ عبد الله القرشي، ففي ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي كان ضمن الخطباء القلائل الذين استمروا بقراءة المحاضرات في تلك الفترة الحرجة التي كان الانسان يقتل ويفعل به و بأهله ما يفعل لمجرد الانتماء لمذهب أهل البيت عليهم السلام ومع ذلك استمر الشيخ القرشي بالتبليغ وارشاد الناس ، درس الشيخ القرشي في مدينة باب علم رسول الله صلى الله عليه واله حاضرة العلم والعلماء النجف الأشرف ونهل من علومها الأعلام، فكان داعياً إلى الله بمجالسه الواعية والهادفة حتى أطلق عليه البعض خطيب العلماء، فهو متحدث بارع ومتبصر في العلوم الإسلامية وله اسلوب منهجي تاريخي في خطبه ومجالسه العامرة، وبالرغم من أنه قد فقد بصره لكنه شاكرا ذاكرا لأنعم الله تعالى ،وتراه ايضا كثير المطالعة عن طريق احد المعارف الذين هيأهم الله له ليقرأ له ويسمعه فهو يجلس في مكتبته همه الكتاب والمكتبة وتراه يعنى كثيرا بجديدها والحصول على اخر ما يصدر في عالم الكتب ، اضافة إلى ذلك فهو يسعى لإصدار كتاب يتعلق بالمكتبات التي فقدت او اندثرت او ضاعت في سجل التاريخ وهوعمل جبار على انسان يبصر النور ! كيف والشيخ كفيف البصر ؟ ولكنه يعمل بجد واخلاص رغم كبره وشيخوخته ...
وقد إلتقيناه في مكتبته العامرة ـ مكتبة الإمام الحسين في مدينة الكوفة ـ فاستقبلنا بحفاوة وتكريم وأخلاق عالية وتواضع رفيع وطلبنا منه حديثاً شاملاً موسعاً عن النجف الأشرف والعلم والعلماء وعن نشأته وتاريخه فحدثنا لساعات طوال وفي ايام مختلفة ، وهذا جانباً من الحديث لقرائنا الكرام.
السيرة الشخصية لسماحة الشيخ شاكر القرشي؟
أما سيرتي الشخصية فقد ولدت في مدينة النجف الأشرف وفي محلة العمارة سنة 1929م في بيت كان يضم بعض العلماء كالشيخ جعفر القرشي عم الوالد والشيخ محمد علي القرشي الذي كان من الأفاضل وغيرهم من الفضلاء.
أصرّ المرحوم الشيخ صالح الجعفري وهو من الأساتذة على والدي بأن يدخلني في المدرسة التي كانت في دار الشيخ محمود في محلة العمارة والتي أصبحت فيما بعد داراً للمرحوم آية الله العظمى السيد محسن الحكيم (قدس) ولكني لم اقبل لصغر سني، وعندما بلغت السابعة من عمري دخلت المدرسة الحيدرية وأكملت الدراسة الابتدائية فيها وكان والدي معارضاً للدخول في المدارس الحكومية ولكن وبعد حصولي على درجات عالية في الامتحانات النهائية وإصرار الشيخ صالح الجعفري الذي كان مشرفاً على الامتحانات أكملت دراستي في مدرسة منتدى النشر الكائنة في محلة الحويش آنذاك والتي كانت تضم خيرة من الأساتذة منهم مدير المنتدى الشيخ محمد الشريعة الذي كان من الفضلاء والمخلصين في عمله ومدرسته وكذلك الشيخ كاظم آل الشيخ راضي والشيخ محمد رضا المظفر وغيرهم، وبعدها جاء بي والدي إلى المرحوم السيد جواد شبر فتتلمذت على يديه الخطابة فكنت أدرس نهاراً وفي الليل أخرج مع السيد جواد شبر إلى المجالس، وفي عام 1943 التحقت بالحوزة العلمية.
أساتذة الشيخ شاكر القرشي؟
دخلت الحوزة العلمية فقرأت المبادئ الأولية في القطر على يد الشيخ هادي القرشي ثم على يد الشيخ علي نور الدين الذي كان من العلماء العاملين، وبعدها قرأت المنطق على المرحوم الشيخ هاد ي القرشي كما قرأت المختصر على يد الشيخ عبد المنعم الفرطوسي وقد كانت حلقته تضم جملة من أهل العلم من سائر بلدان الإسلام وكان درسه يستمر أكثر من ساعة وربع وقد عين لي وقتاً خاصاً للدراسة، وبعدها تتلمذت على يد الشيخ محمد علي الجواهري فقرأت عليه اللمعة والمكاسب والمسائل واقترح أن نقرأ الرياض ودرست المكاسب على يد المرحوم السيد باقر الشخص الذي كان من العلماء الأفاضل وبعدها حضرت درس آية الله العظمى السيد محسن الحكيم (قدس) ودرس الفقه عند آية الله العظمى السيد الخوئي (قدس) ولم أحضر دورة كاملة وقد أخبرني أستاذي الشيخ محمد علي الجواهري بأنه حضر دورتين في الأصول للسيدين العلمين.
ضمت أسرة القرشي كثيراً من العلماء والفضلاء؟
كانت أسرتنا تحوي جماعة من الفضلاء والعلماء والدعاة إلى الله تعالى كالشيخ جعفر القرشي والشيخ محمد علي القرشي وكان جدي الشيخ عبد الله القرشي من أفاضل أهل العلم وقد مات وهو شاب، وقد ندبه الشيخ حسين الخليلي للإصلاح مرتين، فالأولى كانت في الكويت عندما وقع اختلاف بين الشيعة هناك فذهب للإصلاح ووفق له والثانية في جبال قولي خان، وعندما رجع مرض في مدينة الكاظمية قبل أن يصل إلى النجف، فقد حدثني تلميذه الشيخ محمد رضا الغراوي الذي نشأ في بيتنا وكان من أهل الفضل والعلم أنه عندما علم بمرض استاذه ذهب إلى الكاظمية ليكون في خدمة استاذه ومعه الشيخ جعفر القرشي وقد صار بخدمته إلى أن حلت ليلة وفاته وقد أفاق وقال للشيخ جعفر اذهب وادعوا لي في صحن الإمامين الكاظمين، وقال لي بني محمد رضا خذ شيئاً من عمامتي وضعه على وجهي وشد الإبهامين ثم اغمي عليه وبعد فترة أفاق وقال لي كنا نظن إن حضور أهل البيت T عند المحتضر حضوراً مثالياً فانكشف لنا أن حضورهم حضوراً شخصياً ثم فاضت روحة الطاهرة عند الفجر وبمثل هذا حدثنا المرحوم السيد حسن الخرسان.
سماحة الشيخ لو حدثتنا عن الحالة الاجتماعية في النجف قديماً وحسب ما أدركتها؟
كانت النجف الأشرف متراصة ومتكاتفة خصوصاً قبل أن يهدم السور الذي كان محيطاً بها فقد كان الناس متحابين متآلفين فيها بينهم مقبلين على العبادة ويحافظون على حق المجاورة للإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) ويكتفوا بالشيء القليل من الطعام وحطام الدنيا ومما حدثني الوالد أن الشخص إذا أراد التجوال بالنجف آنذاك قبل الفجر فيسمع الدوي داخل البيوت لأداء صلاة الليل وقراءة القرآن والتهجد وقبل طلوع الفجر يتوجه الناس إلى الحرم العلوي الشريف ويتزاحمون عند الباب قبل فتحه وإذا فتح الباب فإنهم يسارعون إلى الدخول.
وقد حدثني ممن سمع المرحوم السيد علي اليزدي قال أدركت أكثر من (400) من أهل العلم وأهل النجف يؤدون صلاة الليل في رواق الإمام علي (عليه السلام) فكان الناس مقبلون على العبادة والطاعة وكان مثلهم (ماء البير وخبز الشعير ومجاورة وزيارة الأمير) فكانوا مقبلين على العبادة الخالصة لله عز وجل والالتفاف حول مرقد الأمير سلام الله عليه.
للحوزة العلمية في النجف الأشرف تاريخ مشرق وقد عاصرتم أجيالاً من الأساتذة والطلبة فما ذكرياتكم عنها؟
كانت النجف وما زالت تكتظ بأهل العلم من جميع أقطار المسلمين ففيها الفارسي والتركي والهندي والعربي والباكستاني.. وإذا مررت على المساجد والمدارس تسمع أصوات الدرس والعلم والبحث، فأذكر جامع الهندي الذي كان مشغولاً بالدرس من الصباح وحتى المساء وبصلاة الجماعة واعتبره من المساجد المباركة واذكر هنا قصة الرجل الهندي الذي بنى الجامع عندما أراد وضع حجر الأساس قال لا يضعه إلا من لم تفته صلاة الليل أبداً منذ بلوغه السن الشرعي فتوقف العلماء فقال أنا ثم وضع حجر الأساس، فهو من المساجد الميمونة والمشغولة بالدرس والصلاة وكان يعج بأصوات العلم وهذا هو حال باقي المساجد في النجف الأشرف وكان من عادة أهل العلم يدرسون طيلة ايام الاسبوع ويجعلون يومي الخميس والجمعة ايام تعطيل ومذاكرة لما تم دراسته في أيام الاسبوع، وقد كان للعلامة الحلي دور في جعل يومي الخميس والجمعة أيام مذاكرة فقد كان العلامة الحلي يتوجه يومي الخميس والجمعة من الحلة إلى النجف الأشرف لزيارة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو صاحب المدرسة السيارة فتلاميذه معه وكتبه معه وحتى أثناء المسير إلى الزيارة لا يترك الدرس والكتابة وقد ألف المؤلفات العظيمة فلا يترك ساعة بدون درس أو تدريس أو تأليف وقد جمعوا مؤلفاته ووزعوها على ايام حياته فظهر أنه كان يكتب في كل يوم كراس.
وأذكر جامع الطوسي ودرس السيد الخراساني ودرس الشيخ الآخوند الذي كانت الطلبة تتزاحم على الجامع حتى يصعدون إلى السطح وكان صوت الشيخ جهورياً فكان الكل يسمعه حتى الذي فوق السطح وكان عالماً مهيباً لا يجرأ أحد أن يشكل عليه إلا المرحوم الشيخ جعفر القرشي الذي كان يناقشه.
هذه حوزة النجف فقد كان العلماء والأفاضل فيها دأوبين في طلب العلم والمعرفة وقد خرجت جامعة النجف الأشرف آلاف العلماء والمجتهدين والطلبة على مر التاريخ نشروا علوم آل محمد في أرجاء المعمورة.
ما ذكرياتكم عن المرقد العلوي الطاهر؟
كما أسلفت إن محور الحياة في النجف والهدف الأسمى كان هو مجاورة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في الدنيا والدفن بجواره بعد الموت وكنا نتسابق للزيارة قبل الفجر وقد أدركت آية الله العظمى السيد أبو الحسن (قدس) يقيم الجماعة في الصحن الحيدري الشريف وبعدها كانت تقام عند الفجر عدة جماعات لصلاة الصبح جماعة السيد المستنبط وجماعة الشيح موسى دعيبل وجماعة السيد عبد الله الشيرازي وجماعة آية الله العظمى السيد محسن الحكيم (قدس) فكانت تتم الصلاة جماعة بعد أخرى.
أما الأذان فكان قبل أن يتم تجهيز الصحن بالكهرباء يصعد المؤذن إلى أعلى المأذنة ويؤذن وكان الشيخ جويدة جوهري الصوت يدخل صوته إلى كل بيت وقد سمعت من يقول أن صوته كان يصل في الصباح إلى الكوفة وبعدها كان ولده الشيخ حسين مؤذن الصحن الشريف وقد عرفوا باسرة آل المؤذن.
الاتجاه إلى الخطابة؟ وتاريخ الخطابة الحسينية؟
بعد دخولي مدرسة منتدى النشر كنت أتتلمذ على يد السيد جواد شبر ليلاً وأخرج معه إلى المجالس وكان له دور كبير في معرفة أصول الخطابة وتوجيهي الوجهة الصحيحة وقد قرأت الكثير من المجالس داخل النجف أولاً ثم انتقلت إلى محافظات العراق وبعدها قرأت في كثير من الدول كالبحرين وقطر والكويت ومسقط والسعودية ولبنان وسوريا وإيران، وقد درس عندي الكثير من الخطباء وأما تاريخ المنبر الحسيني، فالمنبر كما تعلمون هو وسيلة لنشر تعاليم الإسلام ومبدأ أهل البيت عليهم السلام و قد حورب هذا المنبر منذ نشأة ثورة الحسين (عليه السلام) وخصوصاً في أيام العهد البويهي ويحدثنا الذهبي بأن أول مأتم أقيم ببغداد علانية سنة 353هـ والظاهر غير ذلك لأن أول مأتم أقيم سنة 336هـ كما يحدث بذلك الحموي، وهكذا كانت المجالس بين مد وجزر وكان أشدها أيام نظام البعث البائد وقد استدعيت مراراً إلى الأمن العامة في النجف وبغداد وخصوصاً بعد اعتقال السيد محمد باقر الصدر لأني كنت أقرء في مجلسه وتم استجوابي مراراً.
ما ابرز مؤلفات سماحة الشيخ القرشي؟
بفضل الله تعالى كنت اقرأ كثيراً وقد وفقت للكتابة ولكني لم أطبع كتبي وأثناء نقل مكتبي إلى الكوفة نكبت بها وفقدت الكثير من كتبي فقد أخذتها الأيدي والنكبة الأكثر أن كتاباتي التي وضعتها في حقيبة قد سرقت واختفت فقد ألفت الكثير من المؤلفات القيمة وبجهود سنين طوال، والآن في يدي كتاب أقوم بتأليفه حول نكبات الكتب والكتاب أسميته (لباب الألباب فيما جرى على الكتب والكتاب) في العصر الإسلامي منذ القرن الأول وحتى القرن الخامس عشر الهجري فقد ذكرت الكتب والمكتبات التي ضيعت بالحرق أو بالغرق وغيرها.
امتازت النجف الأشرف بأدبها الراقي وكتبها القيمة ونواديها الحافلة فما ذكرياتكم عنها؟
كانت النجف تمثل مكانة راقية من الناحية الأدبية بشعرائها وكتابها ونواديها الحافلة بتلك النوادي الثقافية والأدبية كالرابطة الأدبية والتحرير الثقافي والأدب الرفيع ومنتدى النشر وكانت تصدر منها عدة مجلات ذات قيمة علمية وأدبية كمجلة العلم والاعتدال والبيان والنجف والغري وغيرها.
كلمة أخيرة:
التعريف بسيرة الشخصيات العلمية والأدبية والثقافية اعتبرها خطوة ميمونة ومباركة أتمنى لها التوفيق والنجاح وأتمنى لكم الموفقية والفلاح.