آية الله الشيخ محمد محمد طاهر الخاقاني دام ظله 12 ربيع2 1428 - 30/4/2007
النجف الأشرف مدينة العلم والعلماء.. معين لا ينضب تنهل منه الألباب والأفئدة لتنطلق نحو الرقي والإبداع والمعرفة بكل جوانبها.. من هنا كانت انطلاقة العالم الفاضل سماحة الشيخ محمد محمد طاهر آل شبير الخاقاني، فقد نشأ وترعرع في ظل أسرة عليمة، وقد هاجر من النجف إلى دول مختلفة، لكنه حطّ الرحال اخيرا في هذه المدينة المقدسة مهوى الأفئدة حيث الفضيلة والعلم، وقد التقينا سماحة الشيخ في مكتبه بعد أن طلبنا منه في وقت سابق إجراء لقاءات عن حياته العلمية فاستجاب بكل سرور، وطلب منا الابتعاد عن الخوض في السياسة والاقتصار على الجوانب العلمية والثقافية والتاريخية حتى لا تتولد حساسية من بعض الأُمور التي نحن في غنى عنها،وفي أحد اللقاءات سجلنا له درس في الفلسفة وقد امتلأت قاعة الدرس التي كانت في الطابق السفلي من مكتبه (السرداب) بالطلبة والفضلاء.
الشيخ محمد محمد طاهر آل شبير الخاقاني في سطور:
ولدتُ في النجف الأشرف عام 1942، في طرف العمارة، والدي سماحة آية الله الشيخ محمد طاهر آل شبيب الخاقاني، ووالدتي أُخت المرجع الديني الميرزا محمد زين الدين،وقد توفيت والدتي وأنا ابن خمس سنوات، ومضيت مدة من الزمن في النجف الاشرف قبل الانتقال إلى المحمرة لمدّة قصيرة ورجعت بعدها إلى النجف وواصلت الدرس، وكانت دراستي ابتداءً في مدرسة منتدى النشر، وكان من بين أساتذتي الشيخ محمد الغبان، بعدها انتقلت إلى الدراسة الحوزوية، وقد حثني والدي على الدراسة الحوزوية أكثر من الدراسة الأكاديمية فواصلت الدرس الحوزوي.
أبرز أساتذة سماحة الشيخ الخاقاني:
حضرت أولاً درس اللغة العربية عند الشيخ تقي الخاقاني، وحضرت درس المنطق عند الشيخ عبدالهادي الفضلي، وتابعت الدرس في مرحلة السطوح عند الشيخ محمد جواد آل راضي، ودرس اللمعة عند الشيخ هادي حموزي، ولمعرفتي باللغة الفارسية كنت أحضر عند الشيخ صدرا البادكوبي الرسائل والمكاسب، أمّا درس الكفاية والرسائل فحضرت عند خالي الشيخ علي زين الدين مع جملة من طلاب العلوم الدينية وخاصة في منطقة الخليج العربي، وواصلت دروسي في السطوح بمثابرة، ثم دخلت مرحلة البحث الخارج فدرست ابتداءً عند استاذنا الجليل السيد الخوئي (قدس سره) ثم حضرت عند الميرزا حسن البروجردي صاحب القواعد الفقهية،وحضرت عند الميرزا باقر الزنجاني وعند الشيخ محمد طاهر آل راضي في المباحث الأصولية،كان الرجل مع سعة اطلاعه يطلع على آراءالشيخ محمدعلي الأصفهاني، وحضرت عند آية الله الشيخ الكرباسي، وحضرت الدرس عند والدي آية الله العظمى الشيخ محمد طاهر بعض درس السطوح ودرس البحث الخارج مكرراً، وكان الدرس في النجف وقسم آخر منه في المحمرة، وبعد انتقالنا إلى مدينة قم قسراًحضرت درس البحث الخارج عند كبار المراجع مثل السيد كاظم شريعتمداري وآية الله السيد الكلبايكاني والميرزا هاشم الآملي وهو من ابرز تلامذة الشيخ ضياء الدين العراقي.
ما الإجازات التي حصلتهم عليها من قبل العلماء الأعلام؟
حصلت على إجازة في الاجتهاد المطلق من آية الله العظمى الميرزا هاشم الآملي، وإجازة من آية الله العظمى الشيخ محمد طاهر والدي (قدس سره) وإقرار من آية الله العظمى المرجع السيد الخوئي (قدس سره).
لسماحة الشيخ محمد طاهر آل شبير الخاقاني والدكم شأنية علمية واجتماعية لا تخفى، حبذا لو تحدثونا عنها؟
والدي آية الله العظمى الشيخ محمد طاهر نجل آية الله الشيخ عبدالمجيد نجل المرجع آية الله عيسى الخاقاني، وقد حصل والدي على الاجتهاد من آية الله العظمى الميرزا النائيني، ومن آية الله العظمى السيد أبو الحسن الأصفهاني، ومن آية الله العظمى ضياء الدين العراقي، وانتشرت مرجعيته في الخليج وايران وأطراف العراق، وكان قد تصدى للقضاء، وكل من تصدى للقضاء يكون مجتهداً، أسرتنا من الأسر العلمية، وترجع هذه الأسرة العربية إلى آل جويبر أعمامنا وأرحامنا تقطن في الناصرية، وقد هجّر أو أُعدم الكثير منهم، وكان للمرحوم الوالد دور مهم في الحركات الاجتماعية والسياسية التي مرّت بها البلاد، وخصوصاً في خوزستان، فقد تصدى للكثير من الحركات المنحرفة،وتصدى للبهائية حينما أرادوا أن يبنوا لهم محلاً للعبادة في تلك المناطق، حتى أخرجهم وأزاحهم من المنطقة، وكانت له مواقف مشهودة في زمن الشاه وأثناء المظاهرات التي أطاحت به، وقيام الثورة الإسلامية في ايران.
الحوزة العلمية في النجف الأشرف لها خصوصيتها العلمية والتاريخية، كيف تقيمون المراحل التي مرت بها؟
المدرسة النجفية فيها عمق علمي، وهي ليست كباقي المدارس بنموها وروعتها وسعة أفقها ومجالها العلمي، ولو نأخذ مثلاً في زمان معين ومرحلة مهمة من حقب الحوزة النجفية وأنا اعتبرها الفترة الذهبية في زمان الأعلام الثلاثة الميرزا النائيني والمحقق العراقي والشيخ الأصفهاني،إضافة إلى السيد أبو الحسن (قدس سره)، فهؤلاء الأعلام كل ذهب إلى أطروحة ومدرسة معينة، فكانوا مدارس علمية، فالمحقق النائيني سار بقوة أصولية من خلال حركة القواعد المنطقية وطبقها على المباني الأصولية فجمع بين الجانب المنطقي والأصولي، أمّا الشيخ الأصفهاني فسار بمنحى فسلفي تطبيقي مع حالة من الإظهار لأصولية المبنى الفلسفي، وقد جمع بين مدرستين أصوليتين، أمّا الشيخ العراقي فقد جاء إلى القوة الأصولية من حيث انّها أصولية بعيداً عن الجانب الفلسفي أو المنطقي، أمّا السيد أبو الحسن (قدس سره) فقد سار بمنحى ذوقي فقهي؛ لذا يقال عليه الفقيه الذوقي، فسار على الأمر العرفي، حيث طبّق واقع الفقه على الجانب العرفي.
ما منهجكم في الدرس والتدريس وهل لديكم آراء ورؤى خاصة؟
منهجي العلمي هو منهج حديث يجمع بين الأكاديمية والحوزوية، والذي أسير عليه بلهجة تقليدية لأتماشى مع مواكبة الحوزة، وهناك لهجة أخرى في الطرح في الجانب الأكاديمي. وقد تعرضت لعدة مباني وحالات ربما يسير عليها الفقيه، فقد أشرنا هناك إلى عدة موارد مثل التعرف على النظريات الحديثة، وقد أشرت إلى بعض منها في مدرك العروة ودراسات أصولية لأنّ الأصول ينقسم إلى قسمين أصول عامة وأصول خاصة. ولي بعض الرؤى الخاصة في بعض الجوانب العلمية، فالأعلمية على سبيل المثال يرى البعض أنّها عبارة عن حسن الذوق وسعة الاطلاع، وبعضهم يفسّر الأعلمية عن طريق كيفية تطبيق المباني على مواردها، فمنهم من يرى حسن الذوق والسعة، ومنهم من يرى حسن التطبيق، وهناك آخرون يرون الإبداع في المباني هو الذي يحدّد الأعلمية، ونحن نؤكد على الإبداع في المباني لأنه سيكون الرائد والأعلم، فلا بد للأعلم من أن يكون مبدعاً في المباني،والميزان الذي يرتكز عليه الفقه الإمامي الاثنا عشري هو حركة إبداع في المباني والقواعد.
كيف تنظرون إلى الواقع الثقافي والعلمي في العراق؟
لي نظرة إذا طبّقت فلها بعدها العلمي والثقافي الكبير، وهي أن تكون حركة ثقافية عامة في العراق وأن تشكل مؤسسات قائمة على تشكيل لجان مختصة في نظرية الإبداع العلمي من خلال الاختراعات والنظريات وهذه المؤسسة تنظم مؤتمرات وندوات لتكون هناك حالة من الجمع في ناحية الحوار العلمي، ولكي تجمع الآفاق بين الشرق والغرب، وقد طرحت هذه الرؤى أمام الطلبة في المدرستين الحوزوية والأكاديمية من خلال تقسيم عنوان البحث إلى أكاديمي وحوزوي، وآخر يجمع بين الأكاديمية والحوزوية، وهنا لابدّ أن يرجع إلى القاعدة والضابطة، والضابطة العلمية التي أبني عليها نظرية التجديد في المباني وهذه النظرية شيء، ونظرية الحاجة إلى مجتمع شيءآخر.
ما أبرز مؤلفات سماحة الشيخ الخاقاني؟
التوجه الأول للجانب الفقهي، فقد كتبت أكثر من 15 مجلداً في الطهارة، وشرعنا في الصلاة والزواج والطلاق.
وأول ما أصدرت كتاب النقد المذهبي التجريبي يحتوي على أكثر من ستين دليل على العالم التجريبي في السير إلى الله تعالى، وانتشر هذا الكتاب حتى في الولايات المتحدة، وحصل على الجائزة الأولى في المطبوعات، ولهذا الكتاب قصة فقد كان يطرح في ذلك الوقت التيار المادي والتيار التجريدي، وقد برز في ذلك الوقت الفكر المادي، وأردت أن أُقابل هذا الفكر بفكر علمي رصين بحيث يكون هذا الفكر له أطروحته الأكاديمية.
الكتاب الثاني (عناصر العلوم)، وهو محتوى فلسفي، هذا الكتاب يدرّس الآن في جامعة ادنبره، وهناك بعض الكتب التي قمت بتأليفها تهتم بعلم السياسة والاجتماع والأخلاق، وكذلك كتاب الإبداع العلمي بين الاستقراء والاستنباط، وهناك كتب من الناحية التفسيرية هي عبارة عن نظريات أصولية في ضوء القرآن أسميتها (القرآن والأًصول الموضوعة).
موقف مهم لسماحة الشيخ الخاقاني؟
عند بدء الثورة الاسلامية في إيران كنت منعزلاً ومهتما بالدرس، وبعد أن سقطت المحمرة عسكرياً قبل دخول السيدالخميني بشهرين الذي كان حينها في فرنسا،كنت في المحمرة،ووالدنا في الكويت،فعندما وجدت المظاهرات خرجت إلى الشوارع من الإيرانيين خاصة،طلبت من العشائرالعربية أن يخرجوا بمظاهرة لتكون الكلمة واحدة في الدعوة إلى الوحدة،وطلبت من العشائرالمشاركة في تلك التظاهرات فأجابوا ذلك،وجاؤوا صباحا بحدود (30) ألف شخص إلى مسجد الإمام الصادق(عليه السلام) حيث تجمّعوا فيه، وانطلقت المظاهرة منذ الساعة 8 صباحاً وأخذت تسير في الشوارع إلى أن وصل العدد إلى أكثرمن(200) ألف، ورجعنا في الثانية ظهراً، بعدها طلبت من القائد العسكري في مناطقنا الخروج من تلك المناطق التي تجمع بين العربي والأعجمي،فاستجاب وخرج،وحسبما انكشف لي انّه كان تكتيك عسكري وكان الانسحاب ليلاً، وأصبحت المنطقة خالية من الجيش، فاستلمت المنطقة في ذلك الوقت، والحكومة تجردت عن تلك المنطقة فشكلت لجنة خاصة للسجون ولجنة قضاة للحفاظ على المنطقة ولجنة لشرطة المرور وإدارة المنطقة بشكل كامل،وقد مررت بتلك الفترة وأنا بأشد الحاجة للمساعدة، لأنه كان عملاً فردياً، وانّ جاء العلماء لمساعدتي لاسيما انّ المحمرة فيها الميناء وفيه تقريباً السفن التجارية وكان مايقارب أكثر من(30) سفينة محملة بالبضائع تريد إفراغ حمولاتها،فحاولت إيجاد الحلول وتسيير الأمور في البلدة.
حينها، ووجدت نفسي وحيداً لذا اتصلت بسماحة الوالد وأخبرته بضروة القدوم إلى بلده،حيث لا يمكنني إدارة البلدة بمفردي. وبالفعل جاء الوالدعن طريق العراق من الكويت إلى البصرة ثم جاءعن طريق الشلامجة، وقد استقبلته الناس من الشلامجة إلى المحمرة بالآلاف، وعند وصوله إلى المحمرة دخل المسجد وتسلم إدارة الأمور.
في اليوم الثاني قلت له هذه بلادك وأرجو إعفائي من المسؤولية، وغادرت إلى قم، وبقيت أترقب الأحداث، إلى ان دخل السيد الخميني(قدس سره) إلى طهران، وكانت أيام عصيبة،اتصلت بالوالد وأخبرته انّ التيارجارف فلا تصطدم بالأمور؛لان الناس لايعرفون المنطق والديمقراطية والحرية، والناس في حالة انفعال ولاسيما التيارالقومي، فالرجاء من سماحتك الحيطة والحذر، قال:دخلت بهذا لما شعرت بالمسؤولية. وظلّ الوالد يقدّم النصيحة لهم، وقد كان حينها السيد أحمد ابن السيد الخميني مستمربالدراسة عند والدنا وينصحه ويقول ليقل لوالدك أن يحفظ الدماء والناس بعدها ذهبت إلى الكويت وعكفت على الدرس والتأليف.
بعض الذكريات التي حدثت مع المرحوم سماحة الشيخ الوالد؟
سماحة الوالد حصل على إجازة الاجتهاد من الميرزا النائيني وعمره (25) سنة، وكذلك حصل على إجازة اجتهاد من الشيخ ضياء الدين العراقي ومن السيد أبي الحسن (قدس سره)، وقد طلب منه السيد أبو الحسن أن يكون وكيلاً عاماً له في خوزستان فامتنع الوالد وأصر عليه السيد أبو الحسن فأجابه والدي،ونحن من أسرة تعيش على التجارة وليس على الصدقات ووضعنا مستقل، وغير تابعينحيث لا نستظل تحت مرجعية أخرى، فقال السيد أبو الحسن: أنا استاذك، فقال له والدي: أنا افتخر بذلك وأخشى من تهم الناس وأنا مستغن بفضل الله تعالى، فقال السيد ابو الحسن:إذا أبيت ذلك فكن لي مستشاراً، وفي يوم التالي دخل الشيخ عبدالكريم الجزائري على والدي، وكانت له صداقة معه رغم فارق السن بينهما، فأخبره أنّالسيد أبا الحسن (قدس سره) يريد أن يجتمع بك ويعرفك، فقد كان درس السيد أبي الحسن يحضره عدد كبير من الطلبة بحيث انّ السيد لا يعرف الكثير منهم، فذهب الوالد مع الشيخ الزنجاني إلى بيت السيد في الكوفة فدخلا وسلّما عليه، وعرّف الشيخ الزنجاني السيد بالوالد، عندها قال السيد: هذا تلميذي الذي يجادلني ويناقشني كثيراً، ثم عانقني طويلاً وأصبحت بعد هذه الحادثة علاقة وثيقة بين الوالد والسيد أبي الحسن.
هناك حادثة وقصة ذكرها سماحة الوالد في محاضرة ألقاها في حضورأكثرمن (30) ألف شخص،وكانت في بداية الثورة الإيرانية، ذكر انّ الشيخ خزعل (شيخ المحمرة وعربستان) جاء متنكراً صباحاً، ودخل على سماحة جدنا الشيخ عيسى، فاستغرب الشيخ عيسى، وقال :ماخبرك؟ قال شيخنا انّ البريطانيين جاؤوني يريدون مني تقسيم إيران،وأنا بين أمرين، إمّا أن أقدّم المصلحة الشخصية أوالمصلحة العامة؟
استغرب الشيخ عيسى من منطق الشيخ خزعل، وقال :أتريد إجابة صريحة مني؟ قال: نعم، قال: اعلم ياخزعل إذا قدمت بتقسيم إيران فأنا أول شخص أعارضك وأخرج بكفني ضدك وضد من يريد تنفيذ هذا المخطط ؛ لأنّ إيران تحمل علم جعفرالصادق(عليه السلام)،فتقسيم إيران تقسيما للجميع.
وقد كرر المرحوم الوالد نفس الموقف، حيث قال:أنا منطقي منطق جدي،لانقبل أن تقسّم إيران، وإن فرضت إيران على الناس قيود قومية مشددة وعلى الشعب في خوزسستان وما حولها،ولكن إذا سرت بهذا المسارسوف تتشظى وتتفكك ايران، يجب أن تكون يقضاً وتحفظ حقوق الشعب العربي وغيره، وأنا أقول أنه لافرق بين عربي وكردي وفارسي،يجب على إيران أن تكون حذرة وواعية.
وهناك الكثير من الذكريات تمّ ذكرها مع الكثير من العلماء لم نذكرها خوفاً من الاطالة.