اجري اللقاء بتاريخ 2008/5/3
سماحة الشيخ باقر المقدسي : خطيب من الخطباء الحسينيين البارعين ، ولد بمدينة النجف الأشرف عام 1939م، التحق بالحوزة العلمية بالنجف الأشرف عام 1958 وبقي بعد تخرجه ملازما للدروس في الحوزة ثم هاجر إلى الأهواز عام 1970
بدأ الخطابة وله من العمر 19 عشر عاما قرأ في البصرة والكويت والبحرين وقطر ومسقط والإمارات ولبنان ولندن ، كما حصل على الدكتوراه في التوعية الإسلامية من الجامعة العالمية الإسلامية في لندن.
التقيناه في بيته في مدينة قم المقدسة بعد ان طلبنا منه اجراء لقاء معه فأجاب بالقبول ورحب بنا خير ترحيب وبعد حسن الضيافة سألناه عن السيرة الذاتية فتفضل قائلا:
ادعى باقر بن الشيخ محمد علي بن الحاج محمد المقدسي ولدت في النجف الأشرف عام 1939م وتزوجت سنة 1966م ورزقني الله تعالى بولدين وخمس بنات.
السيرة الذاتية ودخول طريق طريق العلم؟
كنت أحب العلم منذ صغر سني حيث دخلت عند الكتاتيب وكان أول شيخ أدرس عنده في مكتب الشيخ عبد الله التبريزي وواصلت دراستي وتعلمت القرآن والرياضيات، عندما فتحت المدرسة العلوية بعد الحرب العالمية الثانية دخلت فيها وكان من جملة زملائي فيها الشيخ محمد مهدي الآصفي، وواصلت دراستي فكنت أحضر الدرس في جامع الترك وفي الصحن الشريف حيث كان درسنا فوق الكيشوانية حتى وصلت سن البلوغ وأنا على علم بجميع المسائل الشرعية التي هي محل ابتلاء الشاب.
لماذا اخترتم طريق الخطابة ولم تواصلون الدرس؟
عندما أكملت درس العقائد عند أستاذي الشيخ محمد علي الدخيل وصلت إلى مفترق طريق فأما أن أكمل طريق الدرس (الطريق الحوزوي) أو أن أسلك طريق الخطابة، وبعد استشارتي لأستاذي الذي كان يعرف ما لدي من قدرة على الحفظ والصوت الجميل فأشار عليّ طريق الخطابة (طريق الحسين عليه السلام) لأن قدراتي في هذا المجال أكبر ولكي استعين على دهري وكسبي
أول من تأثرتم به من الخطباء؟
كنت كثيراً ما استمع إلى خطابة السيد جواد شبر إذ كان مجلسه عامراً فكنت أحفظ مجلسه كاملاً وأردده في نفسي. بعدها بدأت أقرأ المقدمة للخطيب الشيخ محمد علي.
وكان لأستاذي الشيخ عبد الوهاب الكاشي الفضل في اتجاهي وتعليمي وتوجيهي بالاتجاه الصحيح، وكان ينصحني بعدم الخروج من النجف وعدم القراءة في المحافظات أولاً لأنه حسب رأيه أنه إذا اشتهر الخطيب في النجف فإنه سيعرف في العالم الإسلامي.
سماحة الشيخ اشتهرتم بقراءة الدعاء مثلما عرفتم بالخطابة فكيف كانت البداية؟
أول الأمر كان بعد توجيه الدعوة لي من السيد موسى الصدر للقراءة في لبنان، ذهبت هناك وقرأت في مدينة صور وكانت أيام شهر رمضان وكنت أقرأ في (نادي الصادق) وكان يحضر هذا النادي الكثير من الناس، فأخبرت السيد موسى الصدر، يا حبذا لو نقرأ الدعاء بعد قراءة المجلس، لما له الأثر خصوصا ونحن في شهر رمضان، فوافق على ذلك، وبدأنا نقرأ كل ليلة أدعية شهر رمضان، ثم قرأنا دعاء كميل في ليالي الجمع، ودعاء أبو حمزة الثمالي في ليالي القدر، ودعاء الجوشن، وهكذا فبدأً الدعاء ينتشر، وكان له صدى رائعاً عند الناس، وعندما هاجرنا من العراق في بداية السبعينات، ذهبت إلى الأهواز، وبدأت أعمل في إذاعة الأهواز مع الدكتور حسين جوبين، وكنا نذيع هذه الأدعية، حيث كان لها الأثر الكبير في نفوس المسلمين السنة والشيعة وكانت تصلنا رسائل من مختلف العالم الإسلامي على إعجابهم بهذه الأدعية التي تدعو إلى توحيد الله تعالى وتنزيهه وهذا هو هدف الأئمة عليهم السلام.
ما أبرز البلدان التي قرأتم فيها وكيف كان تفاعل الجمهور معكم؟
قرأت في بلدان كثيرة مثل دول الخليج العربي ولبنان وسوريا وبريطانيا والسويد وغيرها وأرى تفاعل الجمهور معي كبيراً لأني أحاول أن أخدمهم بكل صدق، ولكن الحقيقة هو أنَّ الجمهور العراقي جمهور واعٍ ومثقف وعندهم براءة حب الحسين وأهل بيته عليهم السلام فتراهم يتأثرون ويبكون بحرقة ولوعة.
الدراسة الأكاديمية لسماحة الشيخ المقدسي ؟
في الواقع أنا وبالرغم من انشغالي بالخطابة لم أترك الدراسة الأكاديمية وبعد نجاحي في الإعدادية قُبلت في كلية الفقه عام 1960م وتخرجت فيها عام 1964ومن جملة أستاذتي د. صالح الشماع في الفلسفة و د.حاتم الكعبي في علم الاجتماع ود. عبد الرزاق محي الدين في الأدب العربي.
وبعد تهجيري من العراق عام 1970م كان انشغالي كبيرا وتنقلي كثيرا وبعد استقراري في مدبنة قم قررت إكمال الدراسة من أجل تطوير قدراتي وحبي للتعلم وبالفعل حصلت على شهادة الماجستير من باكستان في مدينة آسلام آباد، وقد حثني أحد أصدقائي عن نيل شهادة الدكتوراه فشحذت همتي على ذلك فذهبت إلى لندن في الجامعة الإسلامية وكان فيها الدكتور محمد علي الشهرستاني الذي سهل لي الكثير من الأمور وقدمت أطروحتي الموسومة (دور المنبر الحسيني في التوعية الإسلامية) وبفضل الله وتوفيقه حصلت على شهادة الدكتوراه بعد مناقشة طويلة من قبل الأساتذة المناقشين لرسالتي وقد كان أحدهم من أحد المذاهب الإسلامية الأخرى.
ما مؤلفات الشيخ المقدسي؟
في الحقيقة وبسبب انشغالي في الخطابة وتحضيري للمحاضرات والمجالس التي تأخذ الوقت الأكبر مني فلا يوجد لدي وقت فراغ للكتابة والتأليف، ولكن رسالة الدكتوراه التي نلتها من لندن، طبعت ككتاب وقد حصل هذا الكتاب على جائزة الكتاب الأول للحوزة في قم في ذلك العام، وكذلك لي تحقيق كتاب (فدك نحلة) ووضعت له ملاحق.
أول مجلس لسماحة الشيخ خارج النجف الاشرف ؟
أول مجلس قرأته خارج النجف الاشرف كان في مدينة البصرة وفي منطقة (أبو فلوس) وقد نجحت فيه نجاحا باهرا وبعدها قرأت في (أبو الخصيب).
حديث عن الشيخ الوائلي
في الحقيقة إن سماحة الشيخ الدكتور أحمد الوائلي قد جاء بنهج جديد في الخطابة الحسينية وأعتبره هو صاحب مدرسة جديدة في الخطابة حيث لم تكن سابقا، وكان أسلوبه في الخطابة أو محاضراته مميزا حيث يبدأ بعد قراءة المقدمة بتلاوة آية من القرآن الكريم ثم يبدأ بتفسيرها ويذكر آراء المفسرين ومن خلال هذا الشرح يقوم بضخ المعلومات والالتفاتات الدينية والعقائدية والفقهية وفي الختام يذكر مصاب الحسين وأهل البيت عليهم السلام .
ذكريات مع العلماء؟
لي ذكريات كثيرة وعديدة، وأذكر هنا حادثة مع السيد الشهيد محمد باقر الصدر، ففي أواخر الستينات من القرن الماضي، أرسل بطلبي سماحة السيد موسى الصدر للقراءة في لبنان خصوصاً بعد النجاح الذي حققته هناك في الخطابة والدعاء ولكنْ كانت لدي ظروف عائلية خاصة بي فكنت متردداً حينها فقررت أن استخير الله تعالى في الضريح المقدس للمولى أمير المؤمنين (عليه السلام) وعند جهة الرأس فاستخرت في ذلك الوقت عند أحد السادة الأجلاء، وعندما فتحت القرآن للاستخارة كانت آية (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) وفيها تهديد ووعيد حينها قال لي السيد بأن الخيرة (مو زينة) فقررت عدم السفر إلى لبنان، وفي اليوم التالي جاءني سماحة السيد الشهيد محمد باقر الصدر إلى البيت وطلب مني الذهاب إلى لبنان للقراءة لأن السيد موسى الصدر قد أوصاه بذلك فاعتذرت منه لكنه حاول أن يقنعني بطريقة مهذبة أخيراً قلت له، قد استخرت الله وجاءت الخيرة (مو زينة) وأخبرته بأن الآية التي خرجت فيها الخيرة فيها تهديد ووعيد، حينها قال لي ما تلك الآية؟ فأخبرته (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) عندها قال لي لو أخذت الخيرة عندي لقلت لك بأنها جداً جيدة، قلت له كيف ذلك، فقال لي (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ) ليس الذهب والفضة فقط بل أيضاً العلم فأنت لديك علم ومعرفة وهناك في منطقة لبنان بحاجة إلى هذا العلم والمعرفة وأنت لا تنفقهما، فتنبهت حينها إلى دقة تفسيره وتأويله للأمر، ولكني أخبرته برغم اقتناعي بفكرته لكني لدي ظرف عائلي خاص بي.
كلمة أخيرة؟
كلمتي أولاً إلى الخطباء وهي يجب أن يكون الخطيب واعظاً ومعلماً ومرشداً وموجهاً وهادياً للناس وموحد كلمتهم لا أن يجعل هدف عطائه وتحصيله المعرفة وخطابته هي لكسب العيش لأن عطاء المنبر كبير وخاصة منبر الحسين (عليه السلام) وأكبر دليل على ذلك هو حب الناس لسماحة المرحوم الشيخ الوائلي الذي خرجت الملايين لا شعورياً لتشييعه هذا هو الحب الخالص.
وأتمنى للعراقيين خاصة كل الخير والاستقرار وتوحيد الكلمة وإتباع المرجعية الرشيدة، وأنا على ثقة تامة بأن العراقيين سيجتازون هذه المحنة لأن العراقي عبقري وواعٍ وعنده فطرة طيبة.
وأخيراً أشكركم لإتاحتي هذه الفرصة للتحدث وأتمنى لكم مزيداً من التطور والازدهار في خدمة مولانا أمير المؤمنين عليه السلام.