الخطيب سماحة السيد جاسم الطويرجاوي 17 محرم 1429 - 26/1/2009
( ناعي الطف )– السيد جاسم الطويرجاوي ( حفطه الله و رعاه ) علم من اعلام المنبر الحسيني سطر اسمه بحروف من ذهب في سجل خدم أهل البيت عليهم السلام حيث افنى عمره الشريف في طريق خدمتهم ، ومن منا لم يبقى في ذاكرته ذلك الصوت الشجي الأخاذ الذي يأسر النفوس التواقة حيث لا يمتلك الانسان نفسه إلا ان يتفاعل معه بالحزن و الاسى لما يضيف صوته الشجي من الالم و اللوعة اضافة لما تمثله مصائب اهل البيت عليهم السلام بحد ذاتها.
التقينا سماحة السيد الطويرجاوي على هامش مشاركته في اقامة مجلس العزاء المقام من قبل موكب النجف الاشرف وذلك في اليوم السابع عشر من شهر محرم الحرام سنة 2009م. ، فبعد عودته من قراءة المجلس في مسقف الزائرين في محيط الصحن الشريف وعند دخوله إلى الفندق لغرض الاستراحة في غرفته الخاصة تبعناه وأجرينا معه لقاء خاص فأبدى استعداده الكامل رغم تعبه وإرهاقه، وقد لمسنا منه دماثة الأخلاق والبساطة والتواضع.
البطاقة الشخصية للسيد جاسم؟
السيد جاسم بن السيد عبد بن السيد عباس من السادة العرد، وأنا من محافظة النجف الأشرف ناحية الحرية (الصليجية) ومن مواليد 1947م ولي خمسة أولاد وسبعة بنات.
إذن أنت من محافظة النجف! فمن أين أتى لقب الطويرجاوي؟
في الواقع أنا كنت قد عقدت مجلس في كربلاء تحت قبة الحسين منذ عام 1962م وحتى عام 1980م وكنت في البداية أقرأ في طويريج قبل أن آتي إلى هذا المجلس في كربلاء فعندما أصل كانوا يقولون وصل الطويرجاوي وقد سار هذا الاسم عليّ.
دراسة أكاديمية درست أم حوزوية؟
في الواقع أنا درست الدراستين معاً ولكن المنبر الحسيني لم يترك لي مجال كي أكمل دراستي، ففي الدراسة الأكاديمية وصلت إلى المتوسطة، أما في الدراسة الحوزوية فقد درست في النجف الأشرف المقدمات، وكان من أبرز أساتذتي الشيخ عز الدين الجزائري والشيخ طه البصري حيث كنت في مدرسة القوام ومدرسة الجزائري.
متى خرجت من العراق؟
خرجت من العراق عام 1980م في الشهر العاشر بعد تدهور الأوضاع في تلك الفترة من إعدامات واعتقالات وقد ذهبت إلى الكويت وقد استقبلوني بأحسن استقبال وبقيت هناك إلى دخول العراق الكويت عندها خرجت من الكويت متوجهاً إلى إيران عام 1990م.
في أي البلدان قرأت وكيف تفاعل الجمهور معك؟
قرأت في سوريا ولبنان والسعودية والكويت والبحرين وقطر وإيران وبريطانيا وكان تفاعل الجمهور كبيراً معي أينما أقرأ، ولكني أقولها للحقيقة لا يشفي قلبي وغليلي إلا الجمهور العراقي فهنا يبكون بحرقة ولوعة فلم أجد أكثر منهم تعلقاً بالحسين عليه السلام .
المحاضرات التي تلقونها هل يتم إعدادها سابقاً أم تكون ارتجالية؟
لكل مجلس له حالة معينة وحسب تأثري بالمجلس أسيّر المحاضرة فأنا لا أحضّر أو أعد المحاضرة مسبقاً أو اكتبها، واشعر بأني لو فعلت ذلك بأنها ستكون غير مؤثرة وكما قال لي أحد الفضلاء إذا أردت أن توصل الصوت الديني فعليك بالرثاء على الحسين وبالفعل أجد أنه من خلال النعي والبكاء على الحسين كاف أن أصل إلى قلوب الناس ومن ثم إرشادهم.
متى بدأتم الخطابة؟
منذ كان عمري (10) سنوات بدأت القراءة، فقد كان الشيخ حسين جواد يقرأ عند خوالي فطلبت منه أن يعلمني القراءة، فقال لي هل بامكانك حفظ الشعر، فقلت له نعم، وحفظني أول بيت من الشعر وهو؟
إن كان عندك عبرة تجريها فانزل بأرض الطف كي نسقيها
وبالفعل حفظت هذه الأبيات وطلب مني أن أقرئها مقدمة قبل مجلسه، وقرأتها، وأتذكر كانت عندي خالة تجيد كثيراً القراءة فلما سمعت بقراءتي خرجت تزغرد اعتزاز بي، وبعدها بدأت أقرء المقدمات لكثير من الخطباء.
أكثر شخصية أثرت فيك في مسيرة حياتك؟
أمي، هي التي ربت في داخلي حب الحسين عليه السلام، فمنذ أن كنت صغيراً كانت تضعني في حضنها وتطحن بالرحى وتنعى الحسين وتبكي، فأقول لها لماذا تبكين؟ فنقول ابكي على الحسين، فمنذ ذلك الحين عشقت الحسين وصرت احفظ ما تقوله أمي وأبكي معها عند قراءتها.
ذكريات السيد الطويرجاوي عن بعض خطباء المنبر الحسيني السابقين؟
كانت لي علاقة طيبة مع أغلب الخطباء السابقين التقيهم دائماً وفي أيام المواسم، وخصوصاً الشيخ أحمد الوائلي والذي هو مقرب إلى قلبي جداً بسبب علميته وطرحه الجميل وكنت أقول له يا حبذا لو تكثر الرثاء على الحسين فكان يقول ليس لي (مهجة)، وكذلك الخطيب السيد جواد شبر وهو من الخطباء المرموقين، والشيخ عبد الزهراء الكعبي فهو من الخطباء الطيبين والشجعان وأتذكر أنه في سنة 1970 ذهبت معه إلى البحرين لقراءة المجالس هناك وأثناء جلوسنا في الطائرة طلب مني احد رجال الأمن النزول من الطائرة والتوجه إلى غرفة امن المطار وأبى أن يسافر وقال انزل معك ما يصيبك يصيبني وبالفعل نزل معي وذهبنا إلى غرفة امن المطار ولكن كانت حاله اشتباه ورجعنا وسافرنا معاً إلى البحرين، وأتذكر الخطيب الشيخ محمد علي اليعقوبي الذي كنت أقرء مقدمة له وكان يوصيني دائماً ومن جملة وصاياه قال: إذا أردت أن تنجح في خدمة الحسين فيجب أن تبتعد عن الأنانية وأن تكون صاحب تقوى، ولا أنسى السيد مرتضى القزويني وهو من الخطباء المبدعين وصاحب خلق رفيع ومتواضع.
كيف تنظرون إلى المرجعية الدينية في النجف الأشرف؟
كنا في مرجعية آية الله السيد محسن الحكيم (قدس) نعتبره الأب الروحي لنا حيث كان دائم التوجيه لنا، وفي أحد المرات قرأت له مجلس في مكتبه وقد دعا لي (الله يوفقك لهذه الخدمة الجليلة) وكانت أيام عصيبة أيام شدة ومحنة، وكنت دائم التردد على المراجع العظام في النجف الأشرف وفي أحد المرات دخلت على أية الله العظمى السيد الخوئي (قدس) وكان في مجلس مهيب فأدناني منه وأجلسني جنبه وقال لي أنت ناعي الحسين فأهلاً بك، وكذلك آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر (قدس) كان يأتي إلى كربلاء في ليالي الجمع ويجلس ويسمع قراءتي، فأنا والحمد لله دائم الصلة بالعلماء، وبعد رجوعي إلى العراق كنت أتمنى زيارة المراجع في النجف الأشرف لكني لم أتوفق لذلك، حيث كنت أتمنى لقاء آية الله العظمى السيد السيستاني ولكني لست محظوظاً بلقائه بسبب كثرة ارتباطاتي ومشاغلي، فأنا أحب العلماء وأعزهم كثيراً.
وأحب أن أروي هذه الرؤيا التي شاهدتها للسيد السيستاني في أيام قراءتي في كربلاء في حرم الحسين، فقد رأيته داخل الحرم الحسيني وقد نصبت له خيمة خضراء داخل الصحن الحسيني ونصب لي منبر، ورأيت الناس وقفوا بالصف ليسلموا على السيد السيستاني ووقفت معهم لكي أسلم عليه فجاءه شخص وأخبره بوجودي فخرج من مكانه واستقبلني وقال لي أهلاً (بمحب العلماء).
يمر العراق بحالة عصيبة من التعصب والفتن والفرقة، فما هو رأيكم في الخروج من ذلك؟
نحتاج إلى توجه صادق إلى الله تعالى لكي نتخلص مما نحن فيه، وإذا توحدت جهودنا وعدنا يد واحدة ونهجنا نهج الحسين، فبهذا وحده يخلص العراق مما هو فيه، ونسأل من الله تعالى أن يخلص العراق، وإنا لا أعرف السياسة ولكني أفهم سياسة أهل البيت عليهم السلام هم يقولون أصبحوا يداً واحدة تنتصرون، وقد تسأل أمير المؤمنين (عليه السلام) بماذا انتصرتم في معركة بدر، قال (عليه السلام) صدقنا الله فأنزل علينا نصره ويجب أن نبتعد عن التناحر والسب والقذف والشتائم، وأن يرحم بعضنا بعضاً لكي يندفع البلاء.
كيف ترى مجالس العزاء في النجف الأشرف وما هو أول مجلس قرأت فيه؟
مجالس النجف الأشرف لها أهمية خاصة وأنا لا استغرب إذا كانت المجالس في النجف قوية لأنها مدينة العلم والعلماء، بل استغرب إذا كان العكس، وقد لاحظت الشباب مندفعين بشكل كبير والذي زادني فرحاً وسروراً هو توفيقي بالقراءة في الحرم العلوي المطهر بعد أن دعوني خدام العتبة بالقراءة، أما أول مجلس في النجف فقد كان في بداية الستينات في منطقة خان المخضر عند مرقد السيد أبو عربيد، وقبلها قرأت في المشخاب والكوفة.
خلال قراءتكم في العتبة العلوية والحسينية كيف وجدتم العاملين فيها؟
هنيئاً لكم خدمة أمير المؤمنين والحسين وأهل البيت عليهم السلام فحقيقة أقول أرى مسحة نور على هؤلاء والشباب العالمين في العتبات وأراهم طيبين ويخدمون الزائر وقد أكرموني في العتبة العلوية بأن سمحوا لي أن أقرء داخل الحرم المطهر وكذلك في العتبة الحسينية فقد أكرموني وسمحوا لي أن أقرء داخل الحرم الحسيني ودعوني إلى مراسيم فتح الشباب الطاهر فهنيئاً لهم هذه الخدمة المباركة.
خلال مسيرتكم الطويلة هذه وخدمتكم هل حصلت معكم كرامات لأهل البيت عليهم السلام ؟
لقد حصلت معي كرامات كثيرة جداً وشاهدت كرامات حصلت لأناس آخرين وليس عجباً لأهل بيت الرحمة (عليه السلام) إلى هذه الكرامات التي حصلت معي ظهرت لي وأنا في الكويت ندبة تحت اذني وذهبت إلى أحد الأطباء هناك وقال لي يجب أن ترفعها وفي سنة 1998 كبرت هذه الندبة بشكل كبير شعرت بالخوف منها وذهبت إلى دكتور في إيران وقال لي خطرة جداً وحتى في حالة رفعها ستصاب بالشلل فرجعت إلى الكويت لإجراء العملية هناك بعد التوكل على الله والدعاء بأهل بيت الرحمة عليهم السلام وكان لي أحد الأصدقاء ذاهب إلى الحج فطلبت منه الدعاء عند الكعبة وقبر الرسول صلى الله عليه واله ، وأجريت هذه العملية وقد تكللت بالنجاح، وفي ليلة إجراء العملية هاتفني صديقي الذي ذهب إلى الحج ودعا لي بأنه قد رأى في الرؤيا بأن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال قل للسيد جاسم بأنا قد شفعنا له، وأنا كنت قد رأيت في ليلة العملية بأني واقف على باب أمير المؤمنين سلام الله عليه وهي مغلقة، فقلت يا كاشف الكرب عن وجه ابن عمه رسول الله صلى الله عليه واله اكشف كربي فانفتحت لي الباب ودخلت وأديت الزيارة، وبعد العملية تعجب الدكتور الذي أجرى لي العملية وكان نصراني وقال لي لقد كانت العملية خطرة جداً وكنا نعتقد بأنك ستصاب بخمسة أمور بعد العملية أولها الشلل ولكن لا نعرف ماذا حصل فتيقنت بأنها كانت بفضل الله وبركة أهل البيت عليهم السلام.
هل تكون محاضراتك في المجالس حسب أهمية المجلس والحضور؟
أنا أقرء للحسين ولا يهمني المكان أو الحضور أو المال فالمهم الخدمة والإخلاص، وأي أحد يدعوني مهما كان قدره ألبي دعوته، ففي أحد الأيام كان هناك لي مجلس كبير وضخم في قم وبعد انتهاء المجلس طلب مني أحد الناس الضعفاء القراءة فذهبت معه ولم أجد مكان خاص للقراءة وكان ضيقاً جداً ومع ذلك قرأت كما قرأت في ذلك المجلس الكبير وقد لامني بعض المقربين على ذلك ولكني قلت لهم هذه مجالس أهل البيت عليهم السلام وكلها واحدة ولا فرق بين مجلس كبير وآخر صغير.
لأي الشعراء تحب أن تقرأ؟
أحب أن أقرء شهر الرثاء لأهل البيت عليهم السلام لكل شاعر، ولكني أخص شعر عبد الأمير الفتلاوي والسيد عبد الحسين الشرع والشاعر عبود غفلة، أما الشيخ معين السباك فأجده شعراً مؤثراً في نفسي، وأنا أتأثر جداً وأنسجم معه عند القراءة والنعي.
هل تعرضت للمضايقات وملاحقات الأمن في العهد البائد؟
لقد تعرضت للكثير من المضايقات فقد دعاني مدير الأمن وحدثني حول زيارة عاشوراء واعتبرها بأن هذه اللعن الموجود فيها يمس للأمة العربية ثم قال ما فائدة هذه الشعائر والطبخ والتوزيع وهذه كلها أموال تكلف الدولة، وطلب مني التعاون معهم لذا قررت مغادرة العراق عام 1980 وأصروا على إيذائي فقد قاموا بإعدام ولدي قحطان سنة 1982 ولم نقف على قبره لحد الآن.
هل تستوفي أجر على مجالسك؟
أنا نذرت نفسي للحسين وأهل البيت (عليهم السلام )، فأنا لا أطلب أجراً على المجلس ولكن الناس يكرموني ويبالغون في إكرامي حباً بالحسين (عليه السلام) ، وكل ما أنا فيه فهو من فضل الله تعالى الذي وفقني لخدمة المنبر الحسيني.
كيف وجدت خدم العتبة العلوية المقدسة؟
أناساً طيبين مخلصين محبين لمحمد وآل محمد وأراهم يعملون بكل جد وهمة وأنا أشكرهم كثيراً لما قدموه لي من احترام وتقدير حيث وفقني الله أن أقرأ داخل الضريح المقدس للمولى علي بن أبي طالب سلام الله عليه وهذا ما كنت أتمناه وأرجو من الله تعالى أن لا يستبدل بهم غيرهم برحمته الواسعة.
كلمة أخيرة؟
أقول إلى كل من العالم الإسلامي ومحبي أهل البيت خاصة عليكم بالتعاضد والتعاون وعدم التفرقة وبحب الحسين (عليه السلام) بكل صدق وإتباع المراجع العظام، فالحسين خرج وهدفه الأسمى الإصلاح في أمة جده.