اية الله السيد رضي المرعشي دام ظله 6 جمادى الاولى 1427 هـ ، 2007/6/2 م
عالم رباني.. من جهابذة علماء النجف الأشرف.. جليل القدر.. شديد التواضع.. له هيبة ووقار.. وأخلاق قل نظيرها.. وسيماء الصالحين واضحة من وجهه.. وكلامه.. ومشيته.. ولد في النجف الأشرف.. في هذه البقعة المباركة.. التي شرفها الله تعالى لخاصة اولياءه بعد ان ضمت الجسد الطاهر لمولى الموحدين وإمام المتقين.. فعاش بين جنباتها ونشأ في مدارسها ومساجدها العامرة بالدرس والبحث.
وفي سعي حثيث من مكتبة الروضة الحيدرية المطهرة من أجل حفظ ما تكنه صدور علمائنا من نفحات ورياحين في أرشيف مصور ومكتوب،كان لقاؤنا بسماحة اية الله السيد رضي المرعشي في بيته.. بعد أن طلبنا من ولده السيد عباس مفاتحة والده حول إجراء اللقاء، حيث قام بتهيئة أسباب هذا اللقاء بعد حصوله على موافقة والده الكريمة، فذهبنا برفقة أحد المصورين إلى بيت السيد المرعشي في محلة الحويش، وعند دخولنا البيت كان منهمكاً بإعطاء درس البحث الخارج لتلامذته، فانتظرنا برهة من الزمن حتى انتهى درسه.. وبعد انتهاء الدرس رحّب بنا كثيراً،فعلى الرغم من مرضه وحالة الارتعاش التي تظهر عليه لكنه أبدى تفاعله معنا، ومن صفاته التي لمسناها منه هدوؤه الكبير، فتشعر حين تكلّمه كأنه في عالم آخر غير عالم الدنيا، لذا كان قليل الكلام وحتى إجاباته كانت مقتضبة.
سألناه عن ولادته ونشأته فتفضل قائلاً:
الولادة في النجف الأشرف في السابع من ربيع الأول عام 1356هـ وفي نفس المحلة (محلة الحويش) في كنف والدي المرحوم السيد جعفر المرعشي، الأستاذ في الحوزة العلمية، والذي يعدُّ أُستاذي الأول، أمّا من جهة الأُم فوالدتي العلوية بنت السيد حسين الأشكوري وهو من الأعلام.
بداياته في الدرس والدخول في الحوزة العلمية في النجف الأشرف:
دخلت إلى الحوزة العلمية عام 1366 هـ وبدأت بالدرس والتعلم وقرأت أدبيات الحوزة في مرحلة المقدمات سنة 1370هـ، وفي بداية سنة 1380هـ درست السطوح، وبعد إكمالها حضرت البحث الخارج لمدة 30 سنة حتى سنة 1410هـ .
خلال أيام الدراسة ومنذ دخوله الحوزة وحتى البحث الخارج تتلمذ السيد على يد نخبة من العلماء والأساتذة الأجلاء، فمن هم أبرز اساتذتكم:
أول أساتذتي ـ كما قلت سابقاً ـ هو والدي الذي وضع قدمي على أول طريق العلم والتعلّم، ثمّ درست المقدمات عند السيد محمد علي الأفغاني، ومرحلة السطوح عند السيد محمد تقي القمي، أمّا البحث الخارج فحضرت عند نخبة من جهابذة العلماء، فقد حضرت عند سماحة آية الله العظمى السيد محسن الحكيم (قدس سره)، وعند سماحة آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي (قدس سره)، وكذلك حضرت لمدة سنتين عند السيد الخميني (قدس سره)، وعند الشيخ حسين الحلي (قدس سره).
الحوزة العلمية لها طبيعة مميزة لدى طلبة العلوم الدينية، فخلال مراحل الدراسة يقوم الطالب بالدرس والتدريس من أجل تقوية الملكات، وبعد هذه الفترة الطويلة من حضور الدروس كان السيد المرعشي أحد اساتذة الحوزة العلمية في النجف الأشرف:
قمت بإعطاء الدروس للكثير من طلبة العلم، وقد درّست العديد من الدورات ما يقارب 7 أو 6 دورات كفاية ومكاسب، وأنا مستمر ـ بحمد الله ـ بإعطاء الدروس.
أما عن حصوله على إجازات من العلماء الأعلام او إعطاء إجازات لأعلام آخرين:
لم أُفكر في الحصول على إجازات من العلماء، ولم أُعط إجازة لأحد.
خلال أيام الدراسة في الحوزة العلمية والحضور عند الأساتذة والعلماء لابد أنه كانت هناك تصورات أو ذكريات عن أولئك الأساتذة، يقول سماحة السيد رضي:
هناك الكثير من الذكريات والتصوّرات عن تلك الثلّة الطيبة من العلماء الأفاضل رحمهم الله، فلقد كان السيد محسن الحكيم يحثّ الطلبة على الأخلاق ويؤكد عليها بصورة كبيرة، بحيث يتحلّى طالب العلم خاصة بقدر كبير من الأخلاق؛ ليكون قدوة في المجتمع، وكان للسيد الحكيم (قدس سره) كلام جميل أتذكره دائماً، كان يقول (قدس سره): الإنسان يتكون من شيئين جسم وروح، الجسم يراد له طعام، أما الروح فتحتاج إلى معارف روحية وتوجّه لله تعالى،وكلما كثر التوجّه إلى الله تكون الروح أنشط وأقوى لتبلغ الكمالات، وكلّما قلّ التوجّه إلى الله يكون الجسم أكسل،وإذا شاهدت أحداً يهتم بأمور نفسه يجب أن ننبّهه على أمور روحه. وكان للسيد الخوئي (قدس سره) نشاط كبير؛ إذ كان يقبل على الطلاب عند حضور الدرس بنشاط وحيوية وبحث، ويشجّع الطلبة على الدرس والدراسة، وكانت أخلاقه طيبة، وفي إحدى المرات وقبل بداية الدرس حدث تنازع بين شخصين، فلما علم السيد الخوئي (رحمه الله) تعالى بهذا النزاع قال:إنّ هدف طلاب العلم والمراجع هو تكريم الدرس وليس الهدف ان نكتب الدرس، بل يجب أن يكون الدرس لسمو أنفسنا في كيفية العمل والاخلاق.
أمّا الشيخ حسين الحلّي (قدس سره)،فقد كان عالماً جليل القدر، ويتمتّع بنشاط ملحوظ، ولا يتكلّم إلا عن دقّة وبعد مراجعة المصادر، وكان يؤكد ويحثّ الطلبة على مراجعة المصادر؛ليكون حديث طالب العلم مسنداً.
ينحدر سماحة السيد رضي المرعشي من أُسرة علمية ضمّت الكثير من العلماء والشخصيات البارزة، عن هذه الأُسرة يقول سماحة السيد:
أُسرة المرعشي أُسرة علمية تقطن في مناطق مختلفة من إيران، وقد هاجر جدي من مدينة تستر إلى طهران، وبقي جدي الأعلى هناك، ثم انتقلنا إلى مدينة النجف الأشرف سنة 1311 للهجرة. وقد ضمّت الأسرة وبحمد الله الكثير من العلماء، منهم آية الله التستري الذي له مؤلفات كثيرة، والسيد سلطان العلماء وغيرهم، وهناك أيضاً في الأسرة الوجهاء ممّن شغلوا مناصب وزارية في إيران في مدن مختلفة في تستر ومازندران وأصفهان وقزوين.
كذلك قدمت الأسرة الكثير من الشهداء على مرّ التاريخ، فتفضّل السيد المرعشي قائلاً:
بالفعل ضمّت الأسرة الكثير من الشهداء، كان على رأسهم آية الله التستري صاحب الكتاب الشهير (إحقاق الحق)، ذلك العالم الذي خرج من إيران إلى الهند لنشر الإسلام، وبقى هناك أكثر من 25 سنة يعنى بنشر تعاليم الدين وقيمه، حتّى أحبّه العامة والخاصة، وقربه السلطان،وعرض عليه القضاء، واشترط حينها لتولّي المنصب أن يقضي بأخذ آراء جميع الفقهاء من المسلمين واستخلاص الرأي الاصوب وهكذا لكي يصل إلى الحكم على المذهب الشيعي الخاص بأهل البيت عليهم السلام،ولكن هذا أغاط علماء السلطان واللاهثين وراء الدنيا، فصنعوا له المكايد بعد أن جنّدوا أحد طلبة العلم في الدرس ليتقرب منه وأخذ يذكر فضائل الامام علي (عليه السلام) حتّى أقنعه بتشيعه، وكان للسيد التستري كتاب يخطّه عن فضائل الامام علي (عليه السلام) فاستعاره منه واستنسخه وردّه إليه وأعطاه لعلماء البلاط الذين سارعوا بتقديمه للسلطان ليثبتوا انّه من الشيعةوبهذا أمر السلطان بتصفيته، ومثّلوا به أبشع تمثيل، إلى أن قُتل مظلوماً شهيداً، وتمّ قتل أخي الشهيد محمد تقي المرعشي سنة 1353هـ، في زمن النظام البائد،وتم تصفية أولاد أخي أحمد ومحمد، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
أما عن مؤلفاته وبعض آثاره فيقول سماحة السيد المرعشي:
قمت بكتابة تقريرات ومباحث السيد الخوئي في الفقه، وهي ما يقارب 30 مجلداً، وصحتي لا تساعدني بالاستمرار في الكتابة والتأليف.
وفي أثناء اللقاء جاء ولده الأكبر السيد حسن المرعشي وقال:إنّ صحة والده لاتسمح بإلقاء الكثير من الأسئلة، فأنهينا اللقاء وشكرنا سماحة السيد رضي المرعشي لتفضّله بإعطائنا جزءاً من وقته الثمين والمشغول بالدرس والتدريس والقراءة، ودعا لنا بالخير والموفقية.