سراديب النجف

تشتهر مدينة النجف الأشرف بالسراديب وهي أبنية تحت الأرض ينزل اليها النجفيون في الصيف للنوم والاستراحة،وبخاصة في ساعات الظهيرة، توقيا من قيظ الصيف الحارق أو تلافيا لهبات العواصف الرملية الشديدة التي تعصف بالمدينة المقدسة أحيانا، كما تستعمل السراديب كبرادات للمياه وأماكن لحفظ المأكولات في الصيف، ومخابيء للاحتماء من هجمات الأعداء الذين دأبوا على مهاجمة النجف الأشرف بين الفينة والأخرى، كما تستعمل آبار السراديب الموصولة ببعضها للهرب من ملاحقة الأعداء وقت الحروب والاعتداءات،وقد تسلل عبرها بعض ثوار النجف الأشرف بعد قضاء الانكليز على ثورتهم التحررية الكبرى ناجين بأنفسهم من حملات المداهمة والاعتقال وأحكام الإعدام.

  وللسراديب بشكل عام نظام تهوية في أحد جدرانه متكون من ممر هوائي يربط بين السرداب وسطح الدار يسميه النجفيون بالبادكير.

    وقد صنف النجفيون سراديب النجف الى أصناف منها: الأرضي ويبلغ معدل عمقه 6 أمتار يخترق خلالها الطبقة الأولى من طبقات هضبة النجف.وسرداب نصف السن ويبلغ معدل عمقه حدود 11 مترا ويخترق الطبقتين الأولى والثانية من الهضبة. وسرداب السن ويبلغ معدل عمقه حدود 14 مترا ويصل الى الطبقة الرابعة من الهضبة وسرداب سن الطار ويبلغ عمقه بحدود 18 مترا ويصل الى الطبقة السادسة من طبقات الهضبة. 

     وتشتهر بعض المدارس الدينية بسراديبها الواسعة نتيجة حاجة نزلائها من الطلاب لها وقد وصف لنا الشيخ محمد الخليلي تصميم بعضها فقال:" لقد روعي في هندسة المدارس العلمية في النجف طبيعة البلد فكان لابد من حساب (للسراديب) في أغلب أبنية المدارس وتقوم هذه السراديب في جهة واحدة من عمارة المدرسة أو جهتين أو الجهات الثلاث أو الجهات الأربع من العمارة ينزل اليها بواسطة سلالم، وتسمى بالسراديب الفوقانية في مصطلح النجفيين، وفي بعض المدارس الاُخرى سراديب تقام تحت السراديب الفوقانية وهي ما تسمى بالسراديب (نيم سن) والكلمة فارسية معناها منتصف (السن) والسن طبقة من الرمل المتحجر ينحت فيه الناحت سرداباً آخر، وهنالك من السراديب ما هو أعمق من (النيم سن) ويسمى بسرداب (السن) ويحفر (للسن) أو (للنيم سن) في وسط المدرسة حفيرة على هيئة متوازي الأضلاع بقطر مترين أو أقل من ذلك وفي عمق عشرين متراً أو أقل من ذلك لينفذ هذا الحفر من متوازي الأضلاع إلى وسط السرداب بقصد ايصال النور وسحب الماء البارد إلى الأعلى كما تحيط بالسراديب من أطراف أعاليها شبابيك لنفوذ النور والهواء، فضلا عن عدد من المنافذ الهوائية المتصلة من أعلى سطح العمارة بالسراديب الفوقانية وهي التي تسمى (بالبخاريات) ثم تبنى هذه السراديب في الغالب بالآجر وتزخرف وقد تترك سراديب السن على حالها وهي منحوتة من طبقة السن التي تشبه الصخور أو تزين جدرانها بالآجر وقد تزين الجدران وأرض السراديب بالكاشاني.

     وكثيراً ما تفتح في السراديب منافذ تتصل ببئر المدرسة إذ المفروض أن يكون في كل بيت وفي كل عمارة بئر ماء تتصل بالبئر المجاورة لها وهذه تتصل ببئر اُخرى. وهكذا حتى تتجمع المياه في بئر كبيرة تستمد مياهها من نهر الفرات ويتحول السكن في الصيف في وسط البيت أو وسط المدرسة إلى هذه السراديب وتتم فيها المطالعة وتناول طعام الغداء والقيلولة وقد تمسي في بعض ليالي الصيف عند اجتياح العواصف الرملية المدينة ملاذاً للطلاب يقضون فيها الليل نياماً ".

     ولطالما وقانا السرداب ووقى طلاب العلوم الدينية وضيوف وزوار النجف الأشرف ببرودته وتهويته ورطوبته المحببة من لسعات الحر وعواصف الغبار طيلة أشهر الصيف وبعض من أشهر الربيع التي غالبا ما تصاحبها هبات الغبار والأتربة، ووفر لنا السرداب ساعات استراحة مقبولة وأوقات قراءة ودراسة وكتابة مبتغاة، نهارا غالب الأحيان، وليلا متى ما دعت الظروف الجوية الحارة لذلك.