المشهد

 ان من اسماء مدينة النجف الاشرف, هي مشهد , وهي تعني: مجمع الخلق ومحفلهم وكل مكان يشهده البشر وتحتشد به فهو مشهد. وحيث أن المراقد المقدسة لم تزل مزدحمة بالزوار من كل بقاع الأرض عرفت بالمشاهد، بيد أنَ استعمال المشهد في الحرم العلوي أكثر وإطلاقه عليه اظهر حتى كاد أن يختص بها، ولهذا يقال في النسبة إليه مشهدي كما يقال نجفي[1].

وقال الحسن بن محمد الديلمي: كان لمشهد علي في النجف أهمية تفوق أهمية المشاهد الشريفة عند الشيعة الأمامية[2].

     وهذا الاسم وإن كان مشتركاً بين بقعة النجف، وبين بقاع أخرى إلا أنه أصبح خاصاً بالنجف لشهرته وكثرة وقوعه في الكلام. والمشهد، معناه مجمع الخلق ومحفلهم، وكل مكان يشهده الإنسان وتحتشد فيه الجموع، ولما كانت المراقد المقدسة في كل بقعة وبلدة، مزدحمة بالوافدين ومحتشدة بالزائرين من جميع النقاط والجهات الشاسعة والقريبة، عرفت بالمشاهد، فيقال: مشهد الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، ومشهد الإمام الحسين (عليه السلام)، ومشهد الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام)، ومشهد الإمام الرضا (عليه السلام)، غير أن إطلاق كلمة المشهد على النجف أكثر، وإطلاقه عليه أظهر، كما جاء في الأحاديث الدينية، بحيث كاد أن يختص به، ولهذا يقال في النسبة إليه المشهدي، كما يقال: الغروي، والنجفي.

وقد كان الاسم هذا (المشهد) متداولاً وشائعاً في التاريخ قديماً وحديثاً، وجاء في أحاديث المحدثين، والرواة وقصائد الشعراء، وكلمات المؤرخين، والأدباء بصورة واضحة، وإليك النصوص الدينية، والتاريخية، والأدبية الناطقة به.

     حدثني الحسين بن محمد بن مصعب الزراع، وأخبرني أبو الحسين زيد بن علي ابن محمد بن يعقوب بن زكريا بن حرب الشيباني الخلال، قراءة عليه، في رحا أبي أيوب بالكوفة، قال: أخبرني الحسين بن محمد، عن مصعب إجازة عنه، قال الحسين ابن مصعب الزراع: حدثني محمد بن الحسين بن ابي الخطاب، قال: حدثني صفوان ابن علي البزاز، قال: حدثني صفوان الجمال، إنه قال: خرجت مع الصادق (عليه السلام) من المدينة اريد الكوفة، فلما جزنا باب الحيرة، قال يا صفوان: قلت لبيك، يا ابن رسول الله، قال: تخرج المطايا إلى القائم وجد الطريق إلى الغري، قال صفوان فلما صرنا إلى قائم الغري، أخرج رشاء معه دقيقاً قد عمل من الكنبار ثم تبعد من القائم مغرباً خطى كثيرة ثم مد ذلك الرشاء حتى انتهى إلى آخره. فوقف ثم ضرب بيده إلى الأرض فأخرج منها كفاً من تراب فشمه ملياً، ثم اقبل يمشي حتى وقف على موضع القبر الآن، ثم ضرب بيده المباركة إلى التربة فقبض منها قبضة ثم شهق شهقة حتى ظننت أنه فارق الدنيا، فلما أفاق، قال: ها هنا والله مشهد أمير المؤمنين (عليه السلام).

     ثم خط تخطيطاً، فقال: يا ابن رسول الله ما منع الأبرار من أهل بيته من إظهار مشهده؟ قال: حذراً من بني مروان، والخوارج أن تحتال في أذاه.

     وذكر محمد بن المشهدي، في مزاره أن الصادق (عليه السلام) علم محمد بن مسلم الثقفي، هذه الزيارة، وقال: إذا أتيت مشهد أمير المؤمنين، فاغتسل غسل الزيارة وألبس أنظف ثيابك.

     وقال ابن أبي الحديد، عند ترجمته لأبي القاسم علي بن الحسين المغربي: قال أبو جعفر (يحيى بن محمد بن زيد العلوي نقيب البصرة) وكان أبو القاسم المغربي، ينسب في الأزد، ويتعصب لقحطان على عدنان، وللأنصار على قريش... فقد كتب القادر إلى شرف الدولة بإلقاء القبض عليه اتصل الخبر بأبي القاسم قبل وصول الكتاب إلى شرف الدولة، فهرب ليلاً ومعه بعض غلمانه وجارية كان يهواها ويتحظاها، ومضى إلى البطيحة ثم منها إلى الموصل، ثم إلى الشام، ومات في طريقه. فأوصى أن تحمل جثته إلى مشهد علي، فحملت في تابوت ومعها خفراء العرب حتى دفن بالمشهد بالقرب منه عليه السلام.

     وقد عبر عز الدين علي بن محمد بن الأثير، عن النجف في كثير من مواضع تاريخه بالمشهد، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الاسم هذا كان متداولاً ومعلوماً عند الأقدمين قال:

- في شوال اشتدت علة عضد الدولة، وهو ما كان يعتاده من الصرع فضعفت قوّته عن دفعه فخنقه فمات منه ثامن شوال ببغداد، وحمل إلى مشهد أمير المؤمنين علي عليه السلام فدفن به.

- في هذه السنة (379) توفى الملك شرف الدولة ابو الفوارس شيرزيل بن عضد الدولة مستسقياً، وحمل إلى مشهد أمير المؤمنين علي عليه السلام فدفن به.

- وكان الوزير أبو الحسن المغربي، قد سار من مشهد علي (عليه السلام)، إلى العزيز بمصر، وأطمعه في حلب فسير جيشاً.

 

 

 

-----------------------------------------------------------------------------------

[1] ماضي النجف وحاضرها: 1/11.

[2] أرشاد القلوب: 2 /231.