ظهر الكوفة

  ان اسم (ظهر الكوفة) يعد من الأسماء المعروفة المتداولة بين أرباب الرواية، والدراية، واللغويين، والمؤرخين، لشهرته الكبيرة الواسعة وكثرة وقوعه في كلامهم، ويمتاز بإشاعته ووروده في أحاديث أهل البيت (عليهم السلام)، وفي كتب المتقدمين... وإليك ما جاء في هذا الباب من الأحاديث الصحيحة الثابتة، ومن ورائها كلمات اللغويين، والمؤرخين:

     قال غياث الدين السيد ابن طاووس: رأيت في كتاب عن الحسن بن الحسين ابن طحال المقدادي، قال: روى الخلف عن السلف، عن ابن عباس ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لعلي (عليه السلام): يا علي، إن الله عز وجل عرض مودتنا أهل البيت على السماوات، فأول من أجاب منها السماء السابعة، فزينها بالعرش والكرسي، ثم السماء الرابعة، فزينها بالبيت المعمور. ثم السماء الدنيا فزينها بالنجوم ثم أرض الحجاز فشرفها بالبيت الحرام. ثم ارض الشام فشرفها ببيت المقدس. ثم أرض طيبة فشرفها بقبري. ثم ارض كوفان، فشرفها بقبرك يا علي.

   فقال يا رسول الله: أقبر بكوفان العراق؟ فقال: نعم يا علي، تقبر بظاهرها قتلاً بين الغريين، والذكوات البيض، وهذا خبر حسن كاف في هذا الموضع ناطق بالحجة والبرهان.

   روى أبو عبد الله محمد بن علي بن الحسن بن عبد الرحمان العلوي الحسيني، في كتاب (فضل الكوفة) بإسناد رفعه إلى عقبة بن علقمة أبي الجنوب، قال: اشترى أمير المؤمنين علي(عليه السلام) ما بين الخورنق إلى الحيرة إلى الكوفة من الدهاقين، بأربعين ألف درهم، وأشهد على شرائه، قال: فقيل له يا أمير المؤمنين، تشتري هذا بهذا المال، وليس تنبت قط؟ فقال: سمعت من رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: كوفان يرد أولها على آخرها، يحشر من ظهرها سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب، واشتهيت أن يحشروا في ملكي.

    أقول: هذا الحديث فيه إيناس بما نحن بصدده، وذلك أن ذكره ظهر الكوفة، إشارة إلى ما خرج عن الخندق، وهي عمارة آهلة إلى اليوم، وإنما اشترى أمير المؤمنين (عليه السلام) ما خرج عن العمارة إلى حيث ذكروا. والكوفة مصرت سنة سبع عشرة من الهجرة، ونزلها سعد في محرمها، وأمير المؤمنين دخلها سنة ست وثلاثين، فدل على أنه اشترى ما خرج عن الكوفة الممصرة بدفنه بملكه أولى، وهو إشارة إلى دفن الناس عنده، وكيف يدفن بالجامع ولا يجوز أو بالقصر، وهو عمارة الملوك ولم يكن داخلاً في الشراء لأنه معمور من قبل.

    خاتم العلماء نصير الدين، عن والده، عن السيد فضل الله الحسني الراوندي، عن ذي الفقار بن نعبد عن الطوسي، ومن خطه نقلت عن المفيد، عن محمد بن أحمد بن داود، عن محمد بن بكار، عن الحسن بن محمد الفزازي، عن الحسن بن علي النحاس، عن جعفر الرماني، عن يحيى الحماني، عن محمد بن عبيد الطيالسي، عن مختار التمار، عن أبي مطر، قال: لما ضرب ابن ملجم الفاسق أمير المؤمنين (عليه السلام) قال له الحسن (عليه السلام): أقتله؟ قال: لا، ولكن أحبسه، فإذا مت فاقتلوه. فإذا مت فادفنوني في هذا الظهر في قبر أخوي، هود، وصالح.

    علي بن محمد عن علي بن الحسن، عن الحسين بن راشد، عن المرتجل بن معمر، عن ذريح المحاربي، عن عباية الأسدي، عن حبة العرني، قال: خرجت مع أمير المؤمنين إلى ظهر الكوفة، فوقف بوادي السلام، كأنه مخاطب لأقوام، فقمت بقيامه حتى أعييت، ثم جلست حتى مللت، ثم قمت حتى نالني مثل ما نالني أولاً، ثم جلست حتى مللت ثم قمت وجمعت ردائي، فقلت يا أمير المؤمنين إني قد أشفقت عليك من طول القيام فراحة ساعة ثم طرحت الرداء ليجلس عليه فقال يا حبة: إن هو إلا محادثة مؤمن أو مؤانسته. قال: قلت يا أمير المؤمنين، وإنهم لكذلك؟ قال: نعم لو كشف لك لرأيتهم حلقاً حلقاً، محتبين يتحادثون، فقلت: أجسام أم أرواح؟ فقال: أرواح وما من مؤمن يموت في بقعة من بقاع الأرض إلا قيل لروحه، الحقي بوادي السلام، وإنها لبقعة من جنة عدن.

    عن سهل، عن الحسن بن علي، عن أحمد بن عمر، رفعه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له إن  أخي ببغداد، وأخاف أن يموت بها، فقال: ما تبالي حيث ما مات أما أنه لا يبقى مؤمن في شرق الأرض وغربها، إلا حشر الله روحه إلى وادي السلام. فقلت له: واين وادي السلام؟ قال: ظهر الكوفة، أما إني كأنهم بهم حلق حلق قعود يتحدثون.

    أقول: روى السيد علي بن عبد الحميد في كتاب الغيبة بإسناده إلى الفضل ابن شاذان، من أصل كتابه بإسناده إلى الأصبغ بن نباتة، قال: خرج أمير المؤمنين عليه السلام إلى ظهر الكوفة فلحقناه، فقال: سلوني قبل أن تفقدوني، فقد ملئت الجوانح مني علماً، كنت إذا سألت أعطيت، وإذا سكت ابتديت، ثم مسح بيده على بطنه، وقال: أعلاه علم، وأسفله ثفل. ثم مر حتى أتى الغريين فلحقناه، وهو مستلقي على الأرض بجسده، ليس تحته ثوب فقال له قنبر: يا أمير المؤمنين ألا أبسط تحتك ثوبي؟ قال: لا هل هي إلا تربة مؤمن ومن أحمته في مجلس فقال الأصبغ: تربة المؤمن قد عرفناها كانت أو تكون، فما من أحمته بمجلسه؟ فقال: يا ابن نباتة لو كشف لكم لألفيتم أرواح المؤمنين في هذه حلقاً حلقاً يتزاورون ويتحدثون، إن في هذا الظهر روح كل مؤمن، وبوادي برهوت روح كل كافر. ثم ركب بغلته.

    عن بدر بن خليل الأسدي، عن رجل من أهل الشام، قال: قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه، أول بقعة عبد الله عليها ظهر الكوفة، لما أمر الله الملائكة أن يسجدوا لآدم سجدوا على ظهر الكوفة.

وروى أن أمير المؤمنين (عليه السلام) نظر إلى ظهر الكوفة فقال: ما أحسن منظرك وأطيب قعرك، اللهم أجعل قبري بها[1].

 

-------------------------------------------------------

[1] المصدر السابق: 1/ 39.