من وحي الإمام
صهر النبوة حسبي منك إيحاء
دنياك صوت ودنيا الناس أصداء
***
آمنت بالحق لم تعصف بموكبه
هوج الخطوب ولم تفلله أرزاء
***
وبالصراحة أدنى ما يراد بها
للخلق أن يتساوى الذئب والشاء
***
يا أيها الآية العظمى ألا قبس
من الهدى فحواشي الأفق ظلماء
***
أشرق على السفح وانظر كيف جانبه
فإنه اليوم لا نبت ولا ماء
***
واستنطق البيد هل في البيد قافلة
يقتادها لبلوغ القصد حدّاء
***
دنيا مفككة لا شيء يجمعها
كأنها في زوايا القفر أشلاء
***
سرى الخلاف بها حتّى غدت شيعاً
أقصى معارفها حقد وشحناء
***
وأضحت الأيكة الشماء خاوية
تلفّها من بنات الريح هوجاء
***
عدل أطلّ على دنيا الوجود كما
يطل فجر وراء الليل وضّاء
***
وفوقه الراية الكبرى مرفرفة
يحوطها معشر صيد أشدّاء
***
قد عاد لعبة أفاكين سيرتهم
في مسرح الدهر إضحاك وإبكاء
***
يا طور سيناء إن الركب منحدر
إلى الحضيض فأين اليوم سيناء
***
ويا سنا النور أوضح من معالمنا
ما ليس يوضحه همس وإيماء
***
ماذا على السيف لو ألقى مغامده
وقيل: زالت عن الجبين أصداء
***
فقد طغى الجرح واستشرت مخاطره
في كل جانحة واستفحل الداء
***
سيف أقيمت به للعدل قاعدة
أكنافها في ذرى التأريخ شماء
***
ودكّ للجهل أصناما وآلهة
عبّادها في الدجى أعمى وعمياء
***
ما كان أجداه لو أذكى مضاربه
ولاح منه بهذا الأفق لألاء
***
فنزعة الشر قد شاعت مظاهرها
كما تكشف في الظلماء أسواء
***
جيل أسفّ وضلّ الدرب رائده
وطال منه لداعي الجهل إصغاء
***
وراح يتّبع الأهواء جامحة
تبثّها زمرة في الناس رعناء
***
واستدرجته دعاوات ملفقة
باسم التحرر تزجى وهي أدواء
***
حرية الفكر ما كانت مكبلة
لو لم تعكر صفاء العيش أقذاء
***
ولا الحقيقة ما ديست جوانبها
لولا هياكل ملء الأرض جوفاء
***
صهر النبوة ما أسماك في بشر
أغرتهم من فضول العيش صفراء
***
وما أجلّك في دنيا يمالئها
من الحثالة أذناب أذلّاء
***
باعوا الضمائر حتّى لات مُدّكرا
وأنت أنت بجنب الله ميفاء
***
هم ناوؤك وكان الشر قائدهم
لكل حرب كما تنقاد عشواء
***
وكان عيشك غيظا في قلوبهم
تذكيه من نزوات الحقد بغضاء
***
وفي الجوانح أضغان مؤججة
على الوجوه ترى منهن سيماء
***
حتّى أثيرت فلم تخمد لها شعل
قد اكفهرت بها بيد وأرجاء
***
وراح يوقضها في كل ثانية
لؤم الطباع وبعض اللؤم إيذاء
***
فأصبح الحق أنقاضا مبعثرة
وتمّ للنفر الباغين ما شاؤوا
***
وقوضت شرعة ما كان منهجها
إلّا لتشمل هذا الخلق نعماء
***
أم الشرائع أقصاها وأوّلها
ظل على الخلق ممدود وأفياء
***
فلا الغنيّ غنيّ حين تنظره
لأن ميزته في الناس إثراء
***
ولا الفقير فقير حين تبصره
لأن سيماءه عُدْم وبأساء
***
كل سواسية لا فرق بينهم
لولا نعوت وألقاب وأسماء
***
صهر النبوة إن العدل قد عبثت
به المطامع واجتاحته أهواء
***
أين الجهاد الذي كانت مواكبه
خفاقة النصر يحدوهنّ أكفاء
***
وأين سيف مشت والموت ضربته
وطعنة في مدب الشرّ نجلاء
***
قل للكتائب تنهض من مراقدها
فقد خلت من صهيل الخيل بيداء
***
ولبّ للحق يا ابن الحق دعوته
فقد عراه من التضليل إعياء
***
كتيبة الله لم تهدأ على ترة
أو تستجب للتغاضي وهي خرساء
***
صهر النبوة كم من حادث عجب
تلته بعدك أحداث وأنباء
***
عمر طويت به التأريخ أجمعه
فكل سفر عليه منك طغراء
***
تلك البلاغة ما كانت خلاصتها
إلّا لتلتمّ حول النور دهماء
***
ماذا جنيت فنالت منك بغيتها
تحت الظلام يد من قبل جذّاء
***
واغتيل أصيد لم تفلل عزيمته
بيض السيوف ولم ترهبه هيجاء
***
دم بكوفان مطلول تسيل به
من جانب البيت ساحات وبطحاء
***
يا مشرق النور إن الليل معتكر
تجهمت منه آفاق وأنحاء
***
متى نرى الفجر يمحو كل داجية
وتستجد بهذا الكون أضواء
***
هذي الركائب في الصحراء قد وقفت
حيرى وفي البيد أهوال ورمضاء
***
وذي السفينة والأمواج صاخبة
لا يستقيم لها في اليمّ إرساء
***
1945 بغداد