أشهر المخاطر التاريخية التي مرت على النجف

لقد تعرّضت النجف على مدى التاريخ لأحداث تاريخية مهمّة, لعل من ابرزها:

  1. ففي القرن الرابع هـ كان هجوم مُرّة الخارجي على النجف، ودخلها بعد حصار وحرب داما ستة أيّام، وأراد أن ينبش القبر المطهر، فحدثت كرامة لصاحب القبر جعلت هذا الخارجي عبرة لمن اعتبر، وسبب إقدامه على ذلك أن الإمام علياً (عليه السّلام) قتل الكثيرين من آبائه وأجداده من الخوارج المارقين.
  2. وفي سنة 858 هـ كانت حادثة المشعشعي الغالي حيث هجم على النجف، وكسر الصندوق الذي على قبر أمير المؤمنين وأحرقه ونهب المشهد المقدس، وعاث فساداً في المدينة المقدسة، حيث قتل أهلها قتلاً ذريعاً، وشرّد الكثيرين منهم.
  3. وفي سنة 997هـ سار ملك الأُزبك عبدالمؤمن خان بالعساكر، ونزل على مشهد الإمام عليّ عليه السّلام وقتل أهل النجف بشكل بشع وفظيع.
  4. وفي سنة 1032هـ حاصر الأتراك النجف، فقاومهم النجفيون، واستمرّ الحصار زمناً طويلاً، ولم يظفروا منهم بطائل.
  5. وفي أيّام السلطان مراد حين توجه إلى فتح بغداد، تعرّضت النجف لعدة هجمات، كان عسكر الشاه عباس الاول في النجف يدفعها.
  6. وفي سنة 1040 هـ استولى كنج عثمان على النجف وكربلاء.
  7. وفي سنة 1041 هـ احتلّ النجف خسرو باشا حينما عجز عن السيطرة على بغداد التي كانت تحت سيطرة الصفويين.
  8. وبعد ظهور الوهّابية في الحجاز، صار الوهّابيون يُغيرون على النجف طمعاً بالذخائر والتحف والأموال، وبدافع من عصبية بغيضة، فيُنذر النجفيون بهم، فيغلقون أبواب السور، فيطوف الوهّابيون بالسور، ويقتلون من يظفرون به، ويلقون برأسه إلى داخل البلد.
  9. وفي سنة 1216 هـ هجم الوهّابيون على كربلاء، وقتلوا أهلها، وهتكوا حرمة الحرم الحسيني، ثمّ توجهوا إلى النجف وحاصروها، وكانت النتيجة أن انكسر الوهّابيون أمام النجفيين شرّ كسرة.
  10. وفي سنة 1217 هـ جاؤوا مرة أخرى، وأغاروا على النجف بمناسبة عيد الغدير، وقتلوا جملة من العلماء والمجاهدين.
  11. وفي سنة 1221 هـ بلغ أهلَ النجف نبأ توجّه الوهّابيين إليهم، فنقلوا خزانة الأمير إلى الكاظمية، خوفاً عليها من النهب، واستعدوا للدفاع، وكان القائم بعبء ذلك الشيخ جعفر صاحب كتاب (كشف الغطاء)، بمساعدة آخرين من العلماء الأبرار. وجاء الوهّابيون ونزلوا على النجف ليلاً، على أمل أن يهجم ابن سعود على البلدة نهاراً، ويُوسع أهلها قتلاً ونهباً، وكان أكثر أهل النجف قد فرّوا إلى العشائر من خوفهم، ولم يبقَ فيها إلا حوالي مائتين من المقاتلين وقد وطّنوا أنفسهم على الموت؛ لقلّتهم وكثرة عدوهم، ولتداعي السور الذي يدافعون من خلفه.

وبات ابن سعود بجنده خارج البلدة وهم خمسة عشر ألف رجل، وما أصبح الصباح إلا و قد انجلَوا عن البلدة المشرّفة، وتفرقوا أيدي سبأ، وقد قُتل منهم سبعمائة رجل وكفى الله العباد والبلاد شرَّهم، ويظهر من بعض النصوص: أنّ سبب ذلك هو أن النجفيين فاجأوهم ليلاً، فصار الوهّابيّون يقتل بعضهم بعضاً، وانتهى الأمر بهزيمتهم شرّ هزيمة.

12- ثمّ كانت بعد ذلك حوادث الاحتلال البريطاني، فبعد إعلان الحرب العالمية الأولى قام العراقيون مع الأتراك وأفتى علماء الشيعة بوجوب الدفاع عن بيضة الإسلام، بل لقد اشترك العلماء بأنفسهم في الدفاع ضد الإنجليز، وقد قاد السيّد محمّد سعيد الحبّوبيّ جيشاً جرّاراً إلى جبهة الشِّعيبة وكذلك غيره من العلماء الأعلام، لكنّ الأتراك خسروا الحرب، وأساؤوا معاملة العراقيين، والنجف بشكل خاص، فثار النجفيون في وجههم وطردوهم، وألّفوا حكومة محلية وطنية تحكم بلدهم دامت سنتين.

13- وبعد ذلك احتال البريطانيون في بغداد حتّى وضعوا أيديهم على النجف، ولكن النجفيين بدافع من دينهم ووطنيتهم أبَوا هذا الحكم الدخيل، وشكّلوا تنظيمات تقود الناس إلى الحصول على حريتهم وكرامتهم، وكان العلماء الأعلام فيها في طليعة الأحداث، وهم الذين يخططون ويدبّرون ويشتركون في التنفيذ في كثير من الأحيان. وحصل الصدام الأول بينهم وبين الإنجليز الذين حشّدوا له أربعين ألف مقاتل وقتلوا من حوالي سبعمائة جندي في مقابل أربعين قتيلاً، كثير منهم من الناس العزّل، ولم يسيطر الإنجليز على الوضع إلا بعد وقت طويل وجهد شاق.

14- وبعد ذلك قامت ثورة العشرين بقيادة النجف وعلمائها ومفكّريها ضدّ الاحتلال الإنجليزي، وكان إعلان الثورة من النجف في يوم الأحد في النصف من شوال 1338 هـ، قاد كل زعيم قومَه إلى الجهاد، فانسحب الإنجليز من النجف إلى الكوفة، واحتشد الجند هناك، وتوالت الثورات في أكثر نقاط الفرات الأدنى، وكان الأسرى من الجيش الإنجليزي يُجلَبون إلى النجف حيث مركز قيادة الثورة، وقد جيء من معركة الرارنجية بـ 160 أسيراً إلى النجف.

    وعلى كل حال.. فإنّ ثورة العشرين التي قادتها النجف بعلمائها ومفكّريها هي التي دفعت العراق إلى السير في طريق الاستقلال وقيام حكم يَدين بالإسلام ـ مبدئياً ـ بدلاً من الحكم الاستعماريّ المقيت[1].

 

--------------------------------------------------------------------------------------

[1] ينظر: جعفر مرتضى العامليّ, دراسات وبحوث في التاريخ والإسلام 203:2- 218.