مجلة العرفان اللبنانية

مجلة العرفان اللبنانية

مكتبة الروضة الحيدرية

              الرسائل الجامعية ـ 32

 

تأليف 

مجيد حميد عباس الحدراوي

 

المقدمة 

وقف القطر اللبناني رائداً في النهضة الحديثة للفكر العربي، فكانت الصحافة أهم عوامله، إذ إتخذ رواد النهضة الفكرية العربية الحديثة، من الصحافة سبيلاً لنشر أفكارهم، فقد صدرت في بيروت أول صحيفة عربية عام 1858م، تبعها صدور صحف كثيرة، نادت بالأفكار الحديثة وتبنى معظمها الحس القومي، ازدادت في بداية القرن العشرين، وفي أعقاب الثورة الدستورية العثمانية عام 1908م، شهدت الصحافة العربية انطلاقة جديدة، إذ بلغ عددها قرابة (350) صحيفة تصدر باللغة العربية في أنحاء الدولة العثمانية.

وفي صيدا هذه المدينة الفينيقية ذات الإرث التاريخي العظيم أبصر جبل عامل نور الصحافة وبدأ نشاطها في ذلك الجزء من لبنان بتأسيس مجلة (العرفان) في 5 شباط من عام 1909، فكانت أول مجلة عربية إسلامية شيعية في العالم.

ألّف ذلك السبق الذي أحرزته المجلة مسوغاً رئيسياً في اختيار (العرفان) موضوعاً لرسالة الماجستير، إذ وجدت في دراستها غاية مهمة لمعرفة أهمية الصحافة العربية في تلك المرحلة ومدلولاتها وميولها وانطباعاتها وأبحاثها المتشعبة.

مثلت (العرفان) حالة من الانفتاح في حرية إبداء الرأي والرأي الآخر، إذ برزت على صفحاتها اتجاهات فكرية، وتجديدية، وإصلاحية، أسهم في بلورتها وشرح مضامينها جيل من رواد حركة النهضة العربية، اتسمت مقالاتهم بالموضوعية والجرأة في إبداء آراءهم، فألف ذلك مسوغاً ثانياً في اختيار الموضوع.

أظهرت (العرفان) في مواقفها وآرائها في المدة (1909-1936) بعداً فكرياً قومياً ظهر في معالجاتها لقضايا كثيرة ومتنوعة عاصرتها المجلة، لذلك كانت من بين المصادر الرئيسة للتاريخ المرتبط بقضايا العرب والمسلمين، فكان ذلك مسوغاً ثالثاً لدراستها.

حملت (العرفان) على صفحاتها هموم الشعوب العربية والإسلامية والشرقية عامة الرازحة تحت نير التخلف والجهل والاستعمار، فكانت الصوت الإصلاحي المتطلع إلى التقدم والنهوض بالواقع البائس، حتى أن بعضهم عدها (مدرسة الأمة السيارة)، فقد بثت في الأمة روح النهضة، إذ كانت صفحاتها ميداناً رحباً لأقلام كبار مصلحي العرب وبناة أفكارهم، ونقلت لجمهور قرائها باستمرار صوراً حية عن التقدم والتطور الأوربي في الوقت الذي انتقدت فيه حرص بعض الفئات الاجتماعية الإبقاء على مظاهر التخلف والجمود الفكري تحت ذرائع وحجج تستند على دوافع دينية رأت (العرفان) بطلانها وبينت توافق التعاليم الإسلامية مع ما أحرزته أوربا من تطور في ميدان العلم داعية إلى الاستفادة من تلك التطورات.

هذه الأسباب فضلاً عن تنوع معالجات (العرفان) التي ألفت بمجموعها ما يمكن تسميته بموسوعة (العرفان)، حفزت الباحث وزادته اشتياقاً إلى دراستها بوصفها أنموذجا متميزاً لدور التأسيس والريادة للصحافة العربية المنفتحة على كل الطوائف والقوميات في ظل حرية انعدمت معها الرقابة التي تفرض في غيرها من الصحف من القائمين عليها.

وكان لسيرة صاحب العرفان الشيخ احمد عارف الزين وبذله كل ما يملك في سبيل إصدارها والمواظبة على تحمل المصاعب لاستمرار صدورها ومواقفه المبدئية في الحركة العربية التي كلفته بطش الأتراك وقسوة الفرنسيين، فكان من اشد المتمسكين بالوحدة العربية والداعين إليها وأنموذجاً من نماذج النخبة المثـقفة العربية التي أسهمت بنشاط في حركة النهضة العربية أوائل القرن العشرين، كان ذلك دافعاً آخر في اختيار موضوع الرسالة.

الى جانب ذلك فأن جميع الرسائل الجامعية العراقية والتي تناولت تاريخ المنطقة العربية لم تتناول موضوع الصحافة العربية على الرغم من أهميتها في الدراسات التاريخية خاصة كونها تؤلف مصدراً مهماً لابد منه لتاريخ تلك المرحلة. ويبدو أن سبب عزوف الباحثين عن دراسة الصحافة العربية يعود لأسباب كثيرة يأتي في مقدمتها صعوبة الحصول على أعداد الصحف الصادرة في تلك المرحلة بشكل كامل، من هنا جاءت دراستي هذه تؤلف أول خطوة في هذا  الميدان، إذ إن معظم الدراسات الأكاديمية التي بحثت في تاريخ الصحافة ركزت على الصحافة العراقية خاصة، كذلك فأن معظم مؤلفي الكتب لم يفردوا مؤلفاً خاصاً لصحيفةٍ عربيةٍ بعينها، إلا دراسة الدكتور فاروق صالح العمر المعنونة (من المجلات العربية في مرحلة التأسيس الجنان 1870-1886م، دراسة وتوثيق) فإنها أعطت القارئ صورة متكاملة الأبعاد عن مجلة (الجنان) وابرز معالجاتها.

يعود سبب اختيار عام 1909م بداية للبحث إلى صدور مجلة (العرفان) في صيدا، أما سبب توقف البحث عند عام 1936م، فيأتي بسبب مرور (25) عاماً على صدور (العرفان) فتكون دراستي للعرفان في ربع قرن والرغبة في تحديد مدة الدراسة وحصرها، لأن المجلة استمرت في الصدور حتى عام 1996م، ولأن المدة (1909-1936) مثلت العصر الذهبي لـ (العرفان) لعطائها الثر في فئات متنوعة من النخب العربية المثقفة في تلك المدة.

هدفت الرسالة إلى البحث في مجلة (العرفان) على مدى ربع قرن (1909-1936)، وما تخللت هذه المرحلة الحرجة من تاريخ العرب من حوادث عربية ودولية ألقت بظلالها على معالجات المجلة في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأدبية.

وقد اقتضت صورة البحث أن ينعقد على هذه المقدمة وخمسة فصول وخاتمة، وضع فيها الباحث خلاصة دراسته عن المجلة، وختمها بثبت المصادر والمراجع المعتمدة.

تناول الفصل الأول: سيرة ومواقف وآثار الشيخ احمد عارف الزين صاحب مجلة (العرفان)، تحدث فيه عن حياته وابرز مواقفه السياسية كونه أحد الشخصيات العاملية التي تعد من أركان التيار العربي الوحدوي، وأوضح جانباً من مواقفه الاجتماعية فضلاً عن عرض آثاره وفضائله.

وكان الفصل الثاني: (مجلة العرفان اللبنانية .. الفكرة والظهور والتطور 1909-1936)، مخصصاً لدراسة الظروف السائدة قُبيل إصدارها، عرج فيه على الأهداف وخطة الإصدار وأبواب ومالية ومطابع المجلة وأوقات صدورها إلى جانب وقوفه عند ابرز من حرر فيها وكتب من أصحاب الأقلام الحرة، وبيّن معاناة المجلة والتوقفات التي أصابتها في عهدي الاحتلال العثماني والانتداب الفرنسي بسبب مواقفها الوطنية والقومية وجرأتها في الوقوف بوجه المحتلين، فضلاً عما تعرضت له من معارضة داخلية قادها بعض رجال الدين المتزمتين وصلت حد إصدار الفتاوى التي تحرم قراءة (العرفان) بسبب مواقفها الإصلاحية.

وقدم الفصل الثالث: (معالجات مجلة العرفان التربوية والتعليمية والاجتماعية 1909-1936) عالج فيه الباحث اهتمام المجلة ـ من خلال مجموعة كبيرة من مقالاتها ـ تناولت فيها قضايا اجتماعية: كالتربية والتعليم والمرأة وتأكيد أهمية الأخلاق في رقي المجتمعات، فضلاً عن معالجتها للأوضاع الصحية المحلية وأهمية الارتقاء بها من جهة، والوقوف على ابرز التطورات العالمية في هذا الميدان من جهة أخرى.

ودرس الفصل الرابع (معالجات مجلة العرفان التاريخية 1909-1936)، الذي ظهر فيه اهتمام مجلة (العرفان) بموضوعات تاريخية مختلفة كماً ونوعاً منها ما جاء في فلسفة التاريخ وكتابته، وأسباب أحداثه والشروط الواجب توفرها في المؤرخ من وجهة نظر (العرفان) مستعرضاً مقالاتها التي صُنفت لتنوعها على ما اختص منها بالآثار والتاريخ القديم، وأخرى في تاريخ العرب قبل الإسلام وبعده، وثالثة في التاريخ الحديث والمعاصر، بين فيه مختصراً، أبرز الأحداث التاريخية على الصعيدين العربي والعالمي.

وأخيراً تناول الفصل الخامس: (معالجات مجلة العرفان السياسية والاقتصادية واللغوية والأدبية 1909-1936) ما قدمته (العرفان) من مقالات اتسمت مضامينها بالتنوع كان في مقدمتها السياسة ومصطلحاتها (الحرية والديمقراطية والدستور والاستبداد وغيرها)، فضلاً عن تغطيتها أحداث الثورة الدستورية الإيرانية وتداعياتها السياسية وتأثيراتها في المنطقة العربية، إذ كان لها حضور بارز على صفحاتها، كما كان لمعالجات (العرفان)، في ميدان الاقتصاد حضورها، وعبرت المجلة في مقالات كثيرة عن أهتمامها باللغة العربية والادب العربي، فقد كانت منبراً حراً لفئةٍ من كبار شعراء العرب، هذه المعالجات وان اختلفت عناوينها، إلا أنها اتحدت بوصفها نتاجاً فكرياً ظهر واضحاً على صفحات المجلة التي كان لسعة أبحاثها وتنوعها أثر في جمع تلك المعالجات في هذا الفصل.

كونت مجلدات (العرفان) الـ(26)، التي ضمت (206) أعداد، العمود الفقري في مصادر الرسالة. يتضح ذلك جلياً من هوامشها، فقد أعانت افتتاحيات (العرفان) ـ التي كتب معظمها الشيخ احمد عارف الزين ـ الباحث في الاطلاع على طبيعة منهجها وأهدافها وخطتها ومواقفها الوطنية والقومية ورؤاها الإصلاحية في الميادين الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فضلاً عن الوقوف على آراء طليعة النخبة المثقفة من خلال كتاباتهم فيها؛ لذا كانت معيناً لا ينضب وفر معظم المعلومات اللازمة في إعداد هذه الرسالة.

وكان للدراسات والمصادر التي بحثت في تاريخ الحركة الفكرية في جبل عامل أثرها في أغناء الرسالة بمعلومات مهمة يأتي في مقدمتها دراسة المستشرقة الفرنسية صابرينا ميرفان بعنوان (حركة الإصلاح الشيعي علماء جبل عامل وأدباؤه في نهاية الدولة العثمانية إلى بداية استقلال لبنان)، التي كانت مواكبة لمرحلة البحث إذ ناقشت فيها بالتفصيل ظروف الإصلاح وبوادره ووسائله والقائمين بأمره وأمور أخرى ارتبطت بجبل عامل وموقف العثمانيين والفرنسيين منه أفادت الباحث في إدراك وفهم البيئة التي ولدت من رحمها مجلة (العرفان)، فضلاً عن إيجازها الذي قدمته عن المجلة وصاحبها الشيخ احمد عارف الزين، كما كان لكتاب (الحركة الفكرية والأدبية في جبل عامل) لمؤلفه محمد كاظم مكي دوره في تعرف الباحث  أمورا كثيرة تتصل بالحركة الفكرية وابرز روادها في جبل عامل، كما استفاد الباحث من عدد غير قليل من المصادر والمراجع والمعاجم والموسوعات فضلاً عن بعض الصحف العراقية والعربية، وشكلت المقابلات الشخصية التي أجراها الباحث مع مجموعة من المعاصرين لـ (العرفان) رافداً آخر في أغناء الرسالة.

وكان هناك نصيب للدراسات والبحوث الأكاديمية في مصادر البحث جاء في مقدمتها رسالة الماجستير للباحثة رغدة نحاس الزين المعنونة (الشيخ احمد عارف الزين 1884-1960 رائد إصلاحي في جبل عامل أوائل القرن العشرين)، إذ أفادت الباحث في إدراك فكر صاحب العرفان في كثير من القضايا المختلفة، وعلى الرغم من أهمية الرسالة يعتقد الباحث إنها لم تعالج موضوعها معالجة وافية، إذ اكتنف بعض فقراتها الغموض.

لقد تحمل الباحث خلال مدة إعداد الرسالة جهداً استثنائياً كان مرهقاً في ظل الظروف التي يعيشها عراقنا الحبيب فكان البحث عن شتات مجلدات (العرفان) في المكتبات الخاصة والعامة، يعدْ هماً كبيراً كان لابد من انجازه استغرق وقتاً ليس بالقصير؛ بسبب عدم توفر أعداد المجلة كاملةً في المدة موضوع البحث (1909-1936) في المكتبات العامة وامتناع بعض أصحاب المكتبات الخاصة في مدينة النجف الأشرف ممن تتوفر أعداد مهمة من المجلة في مكتباتهم عن تزويد الباحث بها أو السماح له بجردها على الأقل، على الرغم من اعترافهم للباحث بوجودها، إلا أن هذا الموقف السلبي كان حافزاً في الإصرار على استكمال أعدادها، الأمر الذي تطلب السفر إلى سوريا فكان لمكتباتها دور متميز في إطفاء ظمأه.

وأخيراً فأنني لا أدعي الكمال لهذه الرسالة وإنما الكمال لله وحده، وحسبي أني ابتدأت السير في طريق البحث العلمي بتوجيه ورعاية أساتذتي جزاهم الله عني كل خير والله الموفق. 

 

الفهارس 

 

المقدمة......................................................................................................... 5

الفصل الاول

سيرة الشيخ احمد عارف الزين صاحب مجلة (العرفان)

وآثاره ومواقفه السياسية والاجتماعية

المبحث الاول: اسمه ونسبه ولقبه ............................................................... 15

المبحث الثاني: ولادته ونشأته وتعليمه ........................................................ 19

المبحث الثالث: آثاره ونتاجاته وفضائله ....................................................... 26

المبحث الرابع: مواقفه السياسية والاجتماعية والتربوية ................................. 31

الفصل الثاني

مجلة العرفان اللبنانية... الفكرة والظهور والتطور

1909م - 1936م

المبحث الاول: فكرة المجلة، الظروف والاهداف وخطة الاصدار .................... 67

المبحث الثاني: ابواب ومالية ومطابع المجلة .................................................. 82

المبحث الثالث: صدور المجلة وابرز كتابها .................................................. 101

المبحث الرابع: مجلة العرفان في عهدي الاحتلال العثماني، والانتداب الفرنسي والمشاكل التي واجهتها ............................................................................ 107

الفصل الثالث

معالجات مجلة العرفان التربوية والتعليمية والاجتماعية 1909م – 1936م

توطئة .................................................................................................... 123

المبحث الاول: معالجات مجلة العرفان التربوية والتعليمية ........................... 125

المبحث الثاني: معالجات مجلة العرفان لقضايا المرأة .................................... 148

المبحث الثالث: معالجات مجلة العرفان الاخلاقية ....................................... 164

المبحث الرابع: معالجات مجلة العرفان الصحية .......................................... 170

الفصل الرابع

معالجات مجلة العرفان التاريخية 1909م – 1936م

المبحث الاول: معالجات مجلة العرفان في ميدان فلسفة التاريخ كتابته............ 179

المبحث الثاني: معالجات العرفان في ميدان الآثار والتاريخ القديم ............... 185

المبحث الثالث:معالجات مجلة العرفان في ميدان تاريخ العرب قبل الاسلام وبعده 197

المبحث الرابع: معالجات مجلة العرفان في ميداني التاريخ الحديث المعاصر...... 224

الفصل الخامس

معالجات مجلة العرفان السياسية والاقتصادية

واللغوية والادبية 1909م –1936م

المبحث الاول: معالجات مجلة العرفان السياسية ......................................... 267

المبحث الثاني: معالجات مجلة العرفان الاقتصادية ...................................... 281

المبحث الثالث: معالجات مجلة العرفان في ميدان اللغة العربية ..................... 291

المبحث الرابع: معالجات مجلة العرفان في ميدان الادب العربي .................... 300

الخاتمة .................................................................................................... 327

المصادر والمراجع .................................................................................... 327

الفهرس.................................................................................................. 355

                                                  ***