الدكتور محمد التيجاني ( حفظه الله )

الدكتور محمد التيجاني ( حفظه الله )

 الاستاذ الدكتور محمد التيجاني 

في الحضرة المطهرة وفي يوم مبارك وهو الأول من رجب المرجب عام 1430هـ التقينا سماحة الدكتور والمحقق والمؤلف السيد محمد التيجاني السماوي صاحب كتاب (ثم اهتديت) الذي أحدث هزة عنيفة في الشارع الإسلامي لما أبداه من حقائق وكيف أبصر الحق في مدينة باب علم رسول الله صلى الله عليه واله في النجف الأشرف.

        فبعد غياب لأكثر من (30)عاماً عاد إلى النجف الاشرف وكله شوق وحنين إلى روضة أمير المؤمنين (عليه السلام) وإلى المدينة التي فتحت عينيه على نور الحقيقة وإلى علماؤها الأعلام تلاميذ مدرسة أهل البيت عليهم السلام الذين نهل من علمهم وهديّ على أيديهم، فكان لقاءنا معه لقاء ممتع وعميم الفائدة لما يحمله من أخلاص وصدق وروح مرحة فعندما تستمع إليه يجذبك بحديثه وطريقة إلقاءه وتواضعه وأخلاقه العالية، وكان يردد دائماً قول الإمام (عليه السلام) يجب أن نكون دعاة صامتين بأخلاقنا وأفعالنا أولاً لنكون من الموالين والتابعين لأئمتنا قولا وفعلا.

الترحيب بالدكتور التيجاني!

في بداية لقاءنا به رحبنا بالدكتور التيجاني ضيفاً عزيزاً ومدافعاً عن الإسلام وأهل البيت، فقاطعنا قائلاً:

أنا أشكركم كثيراً لأنكم ستضعون اسمي في هذا المكان المقدس، فأنا لست من العلماء ولست من العظماء، أنا العبد الفقير، ولكن بكل فخر انتمي لهذه المدرسة العظيمة مدرسة آل البيت عليهم السلام وأنا على يقين بإن هناك مؤمنين يحبونني لوجه الله تعالى فأنا التقي معهم عبر هذا اللقاء وما أعظمه من اسم لأنه اسم يختص بالإمام أمير المؤمنين وبولايته المباركة التي لا تقبل الأعمال مهما كانت إلا بها.

البطاقة الشخصية والسيرة الذاتية للدكتور التيجاني؟

اسمي محمد التيجاني السماوي التونسي أنحدر من النسل الفاطمي العلوي ومن السادة الموسويين الذين نزحوا من بلدة السماوة إلى تونس، فأنا عراقي الأصل تونسي المولد.

ولدت في مدينة قفصة في الجنوب التونسي في الثاني من شهر ابريل عام 1943 حيث كانت الحرب العالمية الثانية على اشدها، تزوجت عام 1965 ولدي ستة أولاد 2 من الذكور و4 من الإناث وولدي الكبير شرف متزوج وأصبح جد الآن.

أما سيرتي الذاتية، ففي بداية حياتي دخلت الكتاتيب ودرست بها وحفظت كتاب الله العزيز وأنا صغير السن بعدها التحقت بالمدارس الحكومية الابتدائية وكانت في وقتها المدرسة الفرنسية العربية ثم أكملت دراستي عبر المراحل الدراسية ودخلت جامعة الزيتونة وهناك بدت تبرز عني الملامح الدينية وما يتعلق بالإسلام فدرست لمدة (3) سنوات في هذه الجامعة وتخرجت منها وأصبحت مدرساً في المعاهد التونسية لمدة 17 عام.

هل درستم حوزوياً؟

منذ صغري وأنا أحب العلوم الدينية وقد حفظت القرآن على صغر سني وكنت أحب القراءة والبحث ودرست دراسة دينية في تونس على المذهب السني وبعد أن هداني الله تعالى إلى طريق الحق وولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) كنت أتردد على النجف الأشرف من سنة 1967 وحتى سنة 1971 في العطلة الصيفية في كل سنة أقضي خلالها ما يقارب ثلاثة أشهر بين علماء النجف وفضلاء الحوزة وطلبتها فأخذت الكثير عنهم وتعلمت وحضرت دروس في الدعوة إلى الإسلام في الحقيقة كانت دروس مهمة وليس كل أحد باستطاعته أن يحصل على هكذا فرصة، علوم شتى بكل ما يرتبط بالدين وخصوصاً عند آية الله العظمى السيد الخوئي وآية الله السيد محمد باقر الصدر وآية الله العظمى السيد محسن الحكيم قدس الله سرهم وغيرهم فقد اسفتدت خلال هذه السنين فائدة عظيمة تعلمت من خلالها أساليب الحوار والمناقشة فأصبح لدي ملكة من العلوم الحوزوية.

هل هذا يعني إنك حضرت دروس البحث الخارج:

نعم بفضل الله تعالى حضرت دروس البحث الخارج عند آية الله العظمى السيد الخوئي (رحمه الله) وعند آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر (رحمة الله عليه) الذي اهتم بي كثيراً وقربني كثيراً وأدناني من مجالسه ودروسه حتى أنه وصفني بـ(بذرة التشيع) في بلاد المغرب العربي.

هل حصلتم على إجازات من العلماء الأفاضل:

حصلت على (13) إجازة من علماؤنا الأعلام فقد حصلت على إجازة من آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي (رحمه الله) والسيد المرعشي النجفي والسيد الكلباكياني والسيد فاضل اللنكراني وآية الله السيد السيستاني وآية الله السيد الشيرازي والشيخ اليزدي والشيخ مكارم الشيرازي والسيد علي الخامنئي وغيرهم.

هل أكملتم الدراسة الأكاديمية؟

بعد توفيق من الله تعالى على هدايتي إلى ولاء أهل البيت عليهم السلام وانطلاقاً من علماء النجف الاشرف الذين تشرفت بمعرفتهم عبر قصتي التي رويتها في كتاب (ثم اهتديت) أصبحت كثير البحث والتقصي والتنقيب والوصول إلى دراسات عليا فدخلت جامعة السوربون في فرنسا وحصلت على شهادة الدبلوم ثم الدكتوراه وبعدها شهادة الدكتوراه الأولية وكانت بحوثي الدراسية تتعلق حول التفكير الإسلامي في نهج البلاغة.

أبرز مؤلفات الدكتور التيجاني؟

بعد تفرغي للكتابة والتأليف ألفت بفضل الله تعالى ما يربو على (12) مؤلفاً وكان أول مؤلفاتي هو كتابي (ثم اهتديت) وهو رحلتي إلى النجف الأشرف والالتقاء بعلماءها وتحول حياتي إلى حياة أخرى، ثم الفت كتاب (لأكون من الصادقين) وكتاب (اعرفوا الحق) وكتاب (اتقوا الله) وكتاب (كل الحلول عند آل الرسول)، و (سيروا في الأرض) و (أجيبوا داعي الله)..

أين مقركم الآن وما عملكم؟

أنا دائم الترحال والتجوال بين دول العالم المختلفة الإسلامية وغيرها انقل فكر أهل البيت فكر الإسلام الصحيح بعيداً عن التعصبات والعنصرية ولكن استقر في الولايات المتحدة في ولاية ديترويت وأعمل في دار الحكمة الإسلامية حيث أقيم صلاة الجماعة بالإضافة إلى إقامة الدروس التي تتعلق بشرح وتفسير القرآن بالإضافة إلى إني مرشد إلى تلك الجماعات الإسلامية هناك وحل مشاكلهم والتصدي لأمور الزواج والطلاق وما شابه ذلك.

ذكرياتكم عن النجف وعلماؤها؟

لدي ذكريات جميلة جداً عن النجف وعلماؤها فكل من التقيته كان له ذكرى خاصة وحوادث أثرت في من السيد الخوئي والسيد محمد باقر الصدر والسيد محسن الحكيم وغيرهم الكثير ولو تحدثت لك عنهم فالوقت لا يكفينا ولكنني سأنقل لك حادثة كنت قد سمعتها من الكاتب القدير (أسد حيدر) صاحب كتاب (الإمام الصادق والمذاهب الأربعة) روى قصة عن والده قال: ذهب والدي إلى بيت الله الحرام للحج فالتقى هناك بعالم تونسي من علماء الزيتونة فأعجب والده بهذا العالم التونسي وبلباسه فتمنى أن يجالسه وفي المساء أرسل خادمه خلف والدي يطلب منه الحضور فأسرع والدي فقال له العالم التونسي يبدو إنك من الشيعة فقال له نعم وأنا من النجف الأشرف، فقال له أنتم معشر الشيعة تدعون إلى ولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام)  فقال له هل لديك دليل على ذلك فعد له ثلاثة أو أربعة أدلة فقال  هذا كل ما لديك فقال له نعم فقال له العالم التونسي هل لديك مسبحة قال له والدي نعم فقال أخرج مسبحتك وعد معي فعد العالم التونسي مائة دليل على ولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) فوقع عليه والدي يقبله وقال أنت إذن من الشيعة فقال نعم أنا من الشيعة وعرفت الحقيقة ولكن أرجوك استر علي ولا تفصح عني حتى لا يؤذونني وهذا هو واقع الحال في العالم الإسلامي فالذين يعرفون الحق كثيرون ولكنهم لا يفصحون عنها.

القارئ لمؤلفاتكم يرى تأثركم بأية الله العظمى الشهيد السيد محمد باقر الصدرقدس سره؟

في الحقيقة أنا تأثرت كثيراً بعلماء النجف في تلك الفترة لما يحملون من علم وافر وخلق عظيم وبالخصوص منهم السيد الشهيد محمد باقر الصدر فقد ترك بصمات واضحة في نفسي وتفكيري لأخلاقه العالية وبساطة أجوبته التي لم يكن فيها أي تعقيد فهو يستمع لكل شخص ويجيبه بكل وضوح، فحقيقة  تأثرت بهذه الرجل الفاضل وبدعوته إلى التواضع ومخاطبة الناس بما يعملون والدعوة إلى الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة لا بالعنف والقوة والحمد لله تتبعت نصائحه واستفدت منها كثيراً.

لعلماء المسلمين الدور الأكبر في قيادة الشارع الإسلامي كيف تقيّمون منهجيه علماء الفريقين؟

القارئ للتاريخ والفاهم له الفهم الصحيح سيرى هناك منهجان اتبعا في قيادة الأمة منهج الحوار والجدال بالتي هي أحسن والسؤال عن كل صغيرة وكبيرة وهذا ما طبقه الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) فنرى العراقيون اكتسبوا هذا العلم وهذا الجدل فنجد علماؤهم كثيري البحث وكثيري التنقيب والتفتيش فإمامهم كان يقول سلوني قبل أن تفقدوني وكان يسألونه بشتى المسائل ولا يعنف أحد منهم، أما الخط الآخر فكان على العكس تماماً وهو منهج القوة والسيف وقيادة الناس إلى الجهل والابتعاد عن الحقيقة وتكفير كل معارض وهذا ما أسسته الفئة الباغية بقيادة معاوية عليه لعائن الله وهناك قصة قد رويتها في مؤلفاتي تنفع في هذا المقام حصلت لأحد علماء الشيعة يقول كنت زائراً لمقام حجر بن عدي الكندي في الشام فرأيت رجلاً يبكي بكاءً شديداً فدنوت منه وسلمت عليه وسألته هل أنت موالي أهل البيت فقال: لا فقلت له لماذا تبكي؟ فقال: أبكي على سيدنا حجر بن عدي (رضي الله تعالى عنه) لأنه قتله سيدنا معاوية بن أبي سفيان (رضي الله تعالى عنه) لأنه امتنع من سب سيدنا علي (رضي الله تعالى عنه)، فقال له العالم الشيعي وأنا أبكي عليك (رضي الله عنك) لأنك ما فهمت شيئاً وهذا هو الواقع الذي يعيشه الكثير من المسلمين إذ يتساوى عندهم الحق والباطل والظالم والمظلوم والقاتل والمقتول وهذا كله سبب علماء السوء لأنهم ساروا على دين ملوكهم وأفهموا الناس بأن هذا هو الصواب.

كيف تنظرون بعد هذا الغياب الطويل إلى الحوزة العلمية في النجف الأشرف وإلى مراجعها العظام:

في الواقع إني لم أغب فعلماء النجف حاضرون في كل المحافل بعلمهم وحكمتهم وجئت اليوم لكي أزورهم وأتزود منهم، وأنا قلتها في أكثر من مكان وأكثر من دولة ما دام موجود علماء في النجف والعراق مثل السيد السيستاني فلا خوف على العراق ولا خوف على شيعة العراق وسنته وطوائفه، فوقفة هذا الرجل في أحداث العراق قد بهرت العالم الإسلامي وحتى الغرب، فرجل ليس لديه سلاح ولا جيش ولكنه بكلمة يسكت ويهدي الملايين من الجماهير الغاضبة فقد بلغني أنه قال لبعض المتحمسين من قتل سنياً فقد اعتدى عليّ شخصياً، فقد أوقف السيد بهذه الكلمات حرباً شعواء كانت ستأتي على الأخضر واليابس.

يسود الشارع الإسلامي التعصب الفئوي الديني، فما منشأه من وجهة نظركم؟

إن منشأ هذا التعصب هو سياسي بالدرجة الأولى ولو كان تعصباً لدين الله لوجهه تعالى لكان هذا التعصب مبارك ولكنه تعصب سياسي ولأغراض ومصالح معروفة وواضحة، فدين الله واضح وهو لا يقصي أحداً، وإمامنا أمير المؤمنين (عليه السلام) قال الناس اثنان أما أخ لك في الدين أو نضير لك في الخلق، إذن لماذا هذا القتل ولماذا هذا التفريق والتشتت، الله يقول لنا المؤمنون أخوة والإسلام يقول من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله عصم دمه وماله ويأتي عالم ضال يفتي بقتل شريحة واسعة من المسلمين لأنهم ليسوا على مذهبه.

من خلال ترحالكم في الكثير من دول الغرب كيف ترون تفاعل الغرب مع مذهب آل البيت عليهم السلام؟

في الحقيقة  المذهب الشيعي لا زال مستوراً ومتخفياً حتى لا يعرفه الناس ويتأثرون به، فمن خلال رحلاتي الكثيرة وحيث إن هذا المذهب محارباً من جهات (معينة ومعروفة) من خلال نقل الصورة السيئة عن المذهب وإظهار حالات العنف والدم وللأسف إن بعض عوام الشيعة يساعدهم على ذلك فواجب علينا نحن أتباع أهل البيت عليهم السلام أن تعرف الناس حقيقة مذهبنا وإنه الإسلام الخالص وأن نكون دعاة صامتين بأفعالنا وأقوالنا كما أوصانا الإمام (عليه السلام) ومن خلال هذا اللقاء أدعو جميع المؤمنين إلى الالتزام بأقوال وأفعال أئمتنا في أفعالنا وسلوكنا وشعائرنا وعلينا الابتعاد عن  تلك الشعائر الدموية مثل التطبير وغيرها حتى نعطي الصورة الحقة عن الإسلام ومذهب أهل البيت (عليه السلام) .

أتهم بعض المخالفين الدكتور التيجاني في كتابه ثم اهتديت إنها قصة ملفقه أو مبالغ فيها؟

يشهد الله عليَّ إن كل ما جاء في كتابي (ثم اهتديت) هو واقع وحقيقة وإني قلت الحقيقة كاملة بدون أي تحريف أو تزويق وإلى الآن أتذكر تلك اللحظات عندما جئت إلى النجف أول مرة وأنا على مذهب أهل السنة كيف كنت اعتقد في نفسي بأني عالماً كبيراً لأني قبل أيام قلائل طلب مني شيوخ الأزهر التدريس فيه وجعلي أستاذ هناك، بينما عندما دخلت جامع الخضرة استوقفني طلاب صغار لا تتجاوز أعمارهم (10ـ 14) سنة وسألوني أسئلة بقيت متحيراً كيف أجيب عنها فحاولت إشغالهم بسؤالي لهم كم تبعد النجف عن بغداد وغيرها فعلمت حينها إن هنا علماً غير العلم الذي نعرفه نحن معاشر السنة والدليل على صدق كتابي هو دخوله قلوب الناس فما يخرج من القلب يصل إلى القلب.

كلمة أخيرة

أشكركم كثيراً على هذا اللقاء وأتمنى أن نلتقي مرة أخرى في زيارة أخرى ستكون قريبة إن شاء الله تعالى في شهر رمضان القادم بإذنه تعالى لنقيم محاضرات في ليالي رمضان في الصحن الشريف بالتعاون مع المؤمنين ومعكم إن شاء الله تعالى