الآخوند الخراساني الملّا محمد كاظم (1255 ــ 1329 هـ / 1839 ــ 1911م)، فقيه أصولي ومرجع تقليد للشيعة وزعيم ديني سياسي في عهدالحركة الدستورية. هو الإبن الأصغر للملّا حسين الواعظ الهراتي الذي كان يسكن مدينة مشهد حيث ولد هناك محمد كاظم ودرس مقدمات العلوم وتزوج فيها.

مواقفه إزاء ثورة الدستورية وقراره الجاد على مغادرة النجف متوجها إلى إيران للإحتجاج على احتلال أجزاء منها تعبر عن رفضه الكامل للاستعمار والاستبداد.

كان الآخوند يرى الحركة الدستورية آلية للحيلولة دون الظلم والاضطهاد في حق الشعب وكان يرى أنّ من الواجب دعم تلك الحركة. لذلك دعا إلى الجهاد والكفاح بعد أن قصف الشاه محمد علي القاجاري المجلس النيابي في 23 جمادي الأولى سنة 1326 هـ.

ومن ضمن الخدمات الإجتماعية التي قدمها الآخوند الخراساني بناء ثلاث مدارس علمية في النجف كما أنّه أسّس مدارس للعلوم الحديثة في النجف وكربلاء وبغداد.

وتتلمذ الكثير من الأعلام والمجتهدين على يدي الآخوند الخراساني منهم: الميرزا محمد حسين النائيني، والسيد أبو الحسن الأصفهاني، والسيد حسين الطباطبايي البروجردي، والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، والشيخ ضياء العراقي، والشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي.

ولادته 

هو الشيخ محمد كاظم بن الملا حسين الهروي الخراساني النجفي، المعروف بالآخوند، ولد  في مدينة مشهد المقدسة  في عام 1255 هـ.

أكمل الشيخ دراسة المقدّمات في مدينة مشهد المقدسة، ثمّ ذهب في سنة 1277 هـ إلى مدينة سبزوار لدراسة الحكمة والفلسفة، وبقي فيها مدّة قصيرة، ثم ذهب إلى طهران لمواصلة دراسته وبقي فيها مدّة قصيرة، وفي عام 1278 هـ، سافر إلى مدينة النجف الأشرف لإكمال دراسته الحوزوية، وبعد سفر أُستاذه السيد محمد حسن الشيرازي في سنة 1291 هـ إلى مدينة سامراء التحق به، وبقي هناك مدّة قصيرة يحضر دروسه، ثمّ عاد إلى مدينة النجف الأشرف.

استاتذته 

لقد تتلمذ الشيخ الآخوند الخراساني على يد مجموعة من علماء عصره، في مشهد، وسبزوار، وطهران، والنجف الأشرف، وسامراء، ومنهم:

الشيخ الملا هادي السبزواري

الميرزا أبو الحسن جلوه

الشيخ حسين الخوئي

السيد علي التستري

الشيخ راضي بن الشيخ محمد النجفي

الشيخ مرتضى الأنصاري

السيد محمد حسن الشيرازي، المعروف بالمجدد الشيرازي.

تدريسه 

يعتبر الشيخ الخراساني من مدرسي علم الأُصول البارزين، وقد انشغل بتدريس العلوم الحوزوية مدّة أربعين سنة، وتمتاز طريقته بالتدريس بالسهولة وحسن البيان، وله أسلوب خاص بالتقريرات، حيث ينتقل من مطلب إلى آخر بسرعة، ولهذا أصبحت لدروسه شهرة واسعة بين أوساط الطلبة، حتى اتجه العلماء وطلبة العلوم الدينية من جميع بلاد الشيعة إلى النجف الأشرف للحضور في حلقات درسه، حيث كان عدد الطلاب كبيرا جدا ولم يسمع بمثل ذلك أحد حتى تلك الفترة. وقد قيل إنّ هذا العدد في آخر دورة دراسية له في الأصول كان يتراوح ما بين 1200ـ 1220 تلميذا، و500 منهم كانوا من المجتهدين.

تلامذته

أشهر الشخصيات العلمية التي حضرت مجلسه ودرست عنده هم:

الميرزا أبوالحسن المشكيني

الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء

الشيخ محمد جواد البلاغي

الشيخ ضياء الدين العراقي

الشيخ محمد علي الشاه آبادي

السيد محسن الأمين العاملي

السيد أبو الحسن الأصفهاني

السيد حسين القمي

السيد محمد تقي الخونساري

السيد عبد الحسين الحجة

السيد حسن المدرس

الشيخ محمد حسين الأصفهاني (الكمباني)

السيد صدر الدين الصدر

السيد حسين البروجردي

السيد عبد الله البهبهاني

السيد عبد الهادي الشيرازي

السيد محسن الحكيم

السيد محمود الشاهرودي

أغا بزرك الطهراني.

مرجعيته

بعد وفاة الميرزا الشيرازي بدأ نجم الحوزة العلمية في سامراء بالأفول؛ واتجهت الأنظار مرة أخرى إلى حوزة النجف العلمية وزعيمها، حيث خلف الآخوند الخراساني الميرزا الشيرازي واعتبر مرجع تقليد للشيعة.

مؤلفاته 

لدى الآخوند مؤلّفات في مواضيع أصولية، وفلسفية، وفقهية منها كتب مستقلة ومنها شروح على كتب أخرى، نذكر منها ما يلي:

كفاية الأصول، وهو من أهم مؤلّفاته، كتاب دراسي للطلاب في نهاية المرحلة الدراسية المتوسطة في الحوزة العلمية والذي يعتبر أساسا لمنهج المدّرسين في المرحلة العالية لعلم الأصول. وقد كتب أكثر من 100 مجتهد حواشي وتعليقات على هذا الكتاب.

تعليقة على المكاسب لمرتضى الأنصاري، انتهى الآخوند من كتابته في محرم سنة 1319 ه وطبع عدة مرات.

درر الفوائد في شرح الفرائد حاشية على كتاب «فرائد الأصول» المعروف بكتاب الرسائل المرتضى الأنصاري.

حاشية على منظومة السبزواري، حاشية على كتاب «المنظومة» لهادي السبزواري.

تكملة التبصرة، مؤلَّف فقهي وهو يتضمن أهم فتاواه وتم تأليفه على نمط كتاب تبصرة المتعلمين للعلامة الحلي.

لدى الأخوند رسائل فقهية استدلالية في مواضيع شتى تم جمعه في مجلد واحد وطبع تحت عنوان "الرسائل الفقهية".

رسالة في مسألة الإجارة من مؤلفاته الفقهية وهي غير تامة.

شرح مفصّل على الخطبة الأولى من نهج البلاغة إلا أنّه طبع باسم "شريعة اصفهاني" وذلك خطأ.

الاجتهاد والتقليد

كتاب في الوقف.

نشاطه السياسي

وفي الوقت الذي كان فيه الآخوند منهمكا بأعماله العلمية وتربية الطلاب وإدارة شؤون الحوزة العلمية التي كان يتألق نجمها يوما بعد يوم، كان يتابع الأحداث السياسية في إيرانمتابعة دقيقة

لكن ذيوع صيت الآخوند كزعيم سياسي بدأ في الفترة التي كان يمارس فيها نشاطاته الجادة في حركة الدستور. وأصبح الآخوند في مقدمة زعماء الحركة مع اثنين من المجتهدين الكبار المعاصرين له، وهما الميرزا حسين الطهراني والشيخ عبدالله المازندراني، وذلك بإرسالهم الرسائل والبرقيات للزعماء الدينيين والسياسيين في داخل إيران، واصدارهم منشورات للتوعية وكان العلامة الميرزا محمد حسين النائيني يساعد الآخوند في هذا المجال حيث ألّف كتابا عنوانه "تنبيه الأمة وتنزيه الملّة"، سعى لتبرير النظام الدستوري من وجهة نظر الشريعة الإسلامية ورفض حجج العلماء المعارضين. وقد كتب الآخوند الخراساني مقدمة لذلك الكتاب أعلن فيها أنّ أُسُس الحركة الدستورية مأخوذة من الشريعة الإسلامية الحقة.

وكان الآخوند وأنصاره المرافقون له ينظرون إلى النظام الدستوري على أنّه وسيلة لوضع حد للظلم، ويرون أنّ على جميع المسلمين الاشتراك في هذه الحركة. وعندما أصبحمحمد علي شاه ملكا (1324ه/ 1907م) أرسل الآخوند له رسالة نصحه فيها ودعاه إلى الإلتزام بموازين الشريعة والعدالة والسعي في طريق تأمين استقلال البلاد. ولكن محمد علي شاه وعلى الرغم من تظاهره بتأييد الحركة الدستورية كان يريد أن يحكم البلاد بصورة ديكتاتورية.

وكانت النتيجة أن قصف المجلس النيابي وعندها صعّد الآخوند من حربه ضد الملك حتى أنّه سعى للاستفادة من قدرات الايرانيين الأحرار الذين كانوا يعيشون في اسطنبول لدعم الصراع ضد ديكتاتورية محمد علي شاه. كما أنّه أرسل برقية إلى "انجمن سعادت ايرانيان" (جمعية إسعاد الإيرانيين) التي أسسها مجموعة من الايرانيين الاحرار في اسطنبول، وذلك عندما علم أنّ محمد علي شاه ينوي رهن المجوهرات الملكية مقابل أخذه قرضا من الحكومة الروسية، وطلب منهم فيها أن يعلنوا رسميا وعن طريق سفراء الدول العظمى وصحفها أنّ حكومة إيران وبموجب المادتين 24 و25 من الدستور لا يحق لها مطلقا أن تعقد أية معاهدة أو تأخذ أي قرض الإ بموافقة البرلمان وأنّ المجوهرات الموجودة في خزينة طهران تعود إلى الشعب الإيراني الذي لن يعترف بأي قرض يعطى لمحمد علي شاه ولن يتحمل أية مسؤولية تجاه ذلك.

وبعد ذلك، طلب الآخوند من الشعب الإيراني أن يمتنع عن دفع الضرائب لجباة محمد علي شاه وأن يسعى للاطاحة بحكومته، وذلك من خلال البيان الذي وقعه هو والميرزا حسين الطهراني والشيخ عبدالله المازندراني.

كما طلب هؤلاء الثلاثة في بيان لهم الثوار المسلمين في القفقاس وتفليس والمناطق الأخرى أن يسارعوا إلى مساعدة ثوّار تبريز وأن يضعوا نهاية لديكتاتورية القاجاريين.

وتشير وثائق وزارة الخارجية البريطانية إلى اتفاق حكومتي روسيا وانجلترا في تلك الفترة على ارغام الشاه من جهة على القبول بنوع من الحكم الدستوري الشكلي بغية تهدئة الخواطر، والعمل من جهة أخرى بما في وسعهما على إبعاد علماء الدين عن ميدان النشاط السياسي.

و بالفعل فقد وجهت الحكومتان مذكرة مشتركة إلى الآخوند وبقية الزعماء الدستوريين المقيمين في العراق وطلبتا منهم إيقاف نشاطاتهم السياسية. كما طلبتا من زعماء الفئات المطالبة بالحكم الدستوري في داخل إيران الالتزام بالاعتدال. وجاء في المذكرة أنّ عملية إنهاء النشاطات السياسية ستعود بالنفع على المجتهدين أنفسهم.

لكن العلماء لم يعبؤوا بهذه المذكرة التي كانت تحمل طابع التهديد لهم، وبخاصة الآخوند الذي لا يلين. ومنذ ذلك الحين، نشرت وسائل الإعلام الانجليزية موضوعات معادية جدا للآخوند

العزم على السفر الى ايران 

وفي تلك الأثناء، اتخذ علماء النجف بزعامة الآخوند قرارا بالسفر بصورة جماعية إلى إيران للاطلاع عن كثب على كيفية الصراع والحرب التي يقوم بها دعاة الدستور الإيرانيون وظروف المواجهة وأوضاع زعماء الحركة في داخل إيران. لكنهم عندما وصلوا إلى مدينة كربلاء قادمين من النجف أخبروا بأن قوّات السبهسالار التنكابني والسردار أسعد البختياري قد احتلت طهران وأسقطت محمد علي شاه عن العرش.

وآنذاك، أخذ بعض العلماء الذين كانوا ينظرون منذ البداية إلى الحركة الدستورية وزعمائها نظرة شك وريبة، ينحون باللائمة على العلماء الداعين إلى الحكم الدستوري أكثر من ذي قبل. وكان منهم السيد كاظم اليزدي الذي كان يسكن النجف. فقد أعلن عن مقاطعة الحركة الدستورية

انتقد الآخوند بشدة أعمال الزعماء السياسيين المعرضين للحركة.لكنه واصل دفاعه عن مبدأ الدستور. وأخيرا ولأجل الإطلاع عن كثب، والوقوف بوجه الانحرافات؛ فقد اتخذ الآخوند قرارا بالسفر إلى إيران برفقة عدد من العلماء.

 

وفاته 

 

قبل يوم من مغادرته النجف الأشرف توفي الإخوند الخراساني وبشكل مفاجئ وكان هذا في 20 ذي الحجة 1329 ه بعد إقامة صلاة الصبح وكان عمره حين وفاته 74 سنة. و لم يعتبر موته طبيعيا. و ليس من المستبعد أن أذناب الإنجليز قد دسّوا السمّ في طعامه أو شرابه. و كان الشيخ عبدالله المازندراني قد أعلن في إحدى المناسبات قبل 14 شهرا من موت الآخوند بأنّ حياته و حياة الآخوند معرّضتان للخطر.