فَجْرٌ من الحقّ

{ محمدحسين الصغير }

ألقيت في المهرجان العالمي الثامن الذي أقيم في كربلاء المقدّسة في الحسينية الحيدرية في 13/ 7/ 1386 هـ، الموافق 26/ 10/ 1966م بمناسبة ذكرى ميلاد أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام، نشرت في مجلّة الإيمان النجفية، العدد (3-4) من السنة الثالثة، الصادر 1967م/ 1387هـ. 

 

فَجْرٌ مِن الحَقِّ حَيّانا فأحْيانا

تَبارَكَ الفَتْحُ قُرْآناً وفُرْقانا

***

فَجْر مِن المَوْلِدِ الميْمُونِ طالِعُهُ

قدْ لاحَ في جَبَهاتِ الدَّهْرِ كَيْوَانا

***

أضْفى على هذهِ الدُّنيا، فنَّوَّرها

وتَوَّجَ الأفْقَ ياقُوتاً ومَرْجانا

***

تُفاخِرُ الأرْضُ فيهِ الشُّهْبَ مِنْ شَرَفٍ

وتَسْتَطيلُ على الأفلاكِ سُلْطانا

***

والشَّمْسُ تَجْري.. ومِنْهُ المُسْتَقَرُّ لها

يكادُ يَخْشَعُ إذْلالاً وإذْعانا

***

فَجْرٌ تَغَذَّى مِنَ الإسْلامِ فَلْسَفةً

وعَبَّ مِنْ سَلْسبيلِ الوحيِّ ألْبانا

***

ونَسْمةٌ مِنْ جنانِ الخُلْدِ نَفْحَتُها

فاضَتْ عَبيراً، ونِسْريناً ورَيْحانا

***

ونَغْمَةٌ تُسْكِرُ الأرْواحَ نَبْرَتُها

فتحْسَبُ الحَفْلَ أسْماعاً وآذانا

***

سُبْحانَ رَبِّكَ.. أهْلُ البيتِ سِرُّهُمْ

ما زالَ للمُكْرماتِ الغُرِّ مَيْدانا

***

يا عاطفاتٍ (عليُّ الطُّهْرِ) لا تَهْنَيْ

فقدْ أقِمْتِ على عَلْياكِ بُرْهانا

***

لا أسْتَطيعُ بياناً فيكَ مِنْ عَجَزي

ولا أُطيق لهذا السِّرِّ كتمانا

***

أيُّ البشائرِ عِنْدي لَستُ أغْبطُها

كَوْني بحُبِّ بني الزَّهْراءِ ولْهانا

***

كَوْني بحَبْلِ عليِّ الطُّهْرِ مُعْتَصِماً

كَوْني بدينِ رَسُولِ الله إنْسانا

***

رَضَعتُ حُبَّكُمْ طِفْلاً، فصاحَبَني

مَعَ الشَّبيبةِ بالألطافِ مُزْدانا

***

إنْ مَرَّ ذكْرُكُمْ في القَلْبِ آنَسَني

أوْ لاحَ طَيْفُكُمْ مُتّعَتُ وسْنانا

***

لا فَرَّقَ اللهُ ما بَيْني وبَيْنَكُمُ

دُنْياً وآخِرَةً، حَيّاً وجُثْمانا

***

لوْ كانَ حُبُّكُمُ ناراً، وبُغْضُكُمُ

جناتُ عَدْنٍ، أذقْتُ النَّفْسَ نيرانا

***

هذي العواطفُ لو أنْزلْتُها جَبَلاً

رأيْتَهُ خاشعاً للهِ قُرْبانا

***

سُلافةٌ مِنْ رسُولِ اللهِ باقيةٌ

ما زالَ حُبِّي بها للآنَ سَكْرانا

***

يا مَوْلِداً جَدَّدَ التذْكارُ رَوْعَتَهُ

أعَدْتَ سُوقَ عُكاظٍ بعدما بانا

***

سَيَّرْتَ مَكْرُمَةً.. أجْرَيْتَ عاطِفَةً

نَوَّرْتَ قافيةً.. أسْرَجْتَ ديوانا

***

لَوْ أسْتَطيعُ نَظَمْتُ النَّجْمَ قافيَةً

تصير السَّارياتُ السَّبعُ أوْزانا

***

ولانْبَعَثْتُ بلا لَهْو ولا طَرَبٍ

أُذيبُ قَلْبي تَرَانيماً وألْحانا

***

طالعتْنا مِثْلَما زارَ الحَيا غصناً

يذْوي، فغادَرهُ جَذْلانَ فينانا

***

بُوركَتَ مِنْ (مَرْبِدٍ) للهِ يُوثقُنا

بالوعيِ حِيناً، وبالإحْساسِ أحْيانا

***

أرَيْتَنا أيَّ رُشْدٍ في عَقيدتِنا

وشُمْتَ أيَّ ضَلالٍ في نَوايانا

***

حتّى تَنَبَّهَ غافٍ، وانْجَلَتْ شُبَهٌ

وازْهَرَتْ بالأماني البيضِ دُنْيانا

***

ذكَّرتْنا أنَّ أهْلَ الحَمدِ أسْبَقُهُمْ

إلى العَقيدةِ.. مَنْ أعْلى لَها شانا

***

لا فارغُونَ اكْتنازَ المالِ هَمَّهُمُ

بالصُّبْحِ تِبْراً، وبالإمْساءِ عِقْيانا

***

شَتَّانَ ما بين قَلْبٍ فائضٍ طَمَعاً

وبينَ قَلْبٍ طَهُورٍ فاضَ إيمانا

***

ومُدَّعينَ بأنَّ الدِّينَ مَنْقَصَةٌ

شتَّانَ ما بينَ دَعْواهُمْ ودَعْوانا

***

أولاءِ مِنْطِقُهُمْ نابٍ؛ لأنَّهُمْ

يَسْتَشْعِرُونَ بما في النَّفْسِ نُقْصانا

***

لوْ ساءلُوا العالمَ الأدْنى وآهلَهُ

واسْتَنْطَقُوا العالَمَ العُلْويَ سُكَّانا

***

لما أجابا – وإنْ لَمْ يَرْتَدِعْ نَفَرٌ –

بوحْي ما شَرَّعَ الإسْلامُ تِبْيانا

***

بأنَّ ديناً أصيلاً في معادِنِهِ

أسْمَى الشَّرائعِ تَشْييداَ وبُنْيانا

***

يُواكِبُ الجِيلَ عِمْلاقاً بفكْرَتِهِ

ويدْعَمُ العَصْرَ خَلَّاقاً بما زانا

***

ويَسْتَقِلُّ مِنَ القُرْآنِ دَوْلَتَهُ

ويَسْتَظِلُّ مِنَ الإيمانِ أغْصانا

***

يَغْفُوا الزَّمانُ، ويَسْتَلْقي بسكْرَتِهِ

وما يَزَالُ حديدَ الطَّرْفِ يقظانا

***

ولا يَقِرُّ على ضَيْمٍ يُرَادُ بِهِ

كالليْثِ يَزْأرُ بالمَيْدَانِ غَضْبانا

***

وشاهدٌ لي فيما قُلْتُ يَعْضُدُني

لمَحْتُهُ في جَبينِ الدَّهْرِ عُنْوانا

***

(أئمةٌ) حَطَّمُوا للشِّرْكِ أوْثانا

وقارَعُوا الجَوْرَ إسْراراً وإعْلانا

***

والقائمُ (الحُجَّةُ المَهْديِّ) يَمْلَؤُها

عَدْلاً، كما مُلِئَتْ ظُلْماً وعُدْوانا

***

يا أُمَّةً لَمْ يَزَلْ تاريخُها عَطِراً

ولَمْ يَزَلْ صَوْتُها الهَدَّارُ مرْنانا

***

سَرَتْ مَعَ الدَّهْرِ في شَتَّى عَوَاصِفِهِ

وقَلَّبْتَ صِرْفَهُ ربْحاً وخُسْرانا

***

فما لنا قد تَنَكَبْنا طَرَائقَها

مُذَبْذبينَ زُرافاتٍ ووحْدانا

***

مُرَوِّجينَ دعاياتٍ مُضَلِّلةً

الهَوْلُ باكَرَنا فيها وغادانا

***

فلا نُسامِحُ إلّا مِنْ تجافانا

ولا نُصافِحُ إلَّا مَنْ تَحاشانا

***

عُدْنا كفاجِرَةٍ تُبْدي قَدَاستَها

يَوْماً؛ لِتغْسِلَ فيه العارَ أزْمانا

***

نُديفُ مَعْسُولَ قَوْلِ في ظَواهِرنا

مُغْرٍ بعَلْقَمِ سُمٍّ مِنْ خَفايانا

***

ولا نُعالِجُ خُرْقاً مِنْ مَساوئِنا

إلَّا بأقْبَحَ فِعْلاً مِنْ خَطايانا

***

داءُ الخُمُولِ بنا قدْ حَمَّ مَرْجِلُهُ

ولَمْ تَعُدْ نَصْطَفي للفَتْحِ أعْوانا

***

كأنَّ ذاكَ الحُفاظَ المُرَّ قد خَمُدَتْ

نِيرانُهُ، واغْتَدَى برداً وخُذْلانا

***

كأنَّ ذاكَ الجهادَ الحُرَّ قد طُويَتْ

أعْلامُهُ، واغْتَدَى سِلْماً وسُلْوَانا

***

(فلَيْتَ لي بِكُمْ قَوْماً إذا ركبُوا

شَنُّوا الأغارةَ رُكباناً وفُرْسانا)

***

الحمدُ للهِ.. إنَّ الوَضْعَ مُزْدَهِرٌ!!

والشَّعْبَ مُغْتَبطٌ رُوحاً ووحْدَانا

***

فالجاهليةُ عادتْ بعدما طُويَتْ

تُديفُ سُمّاً، وأحْقاداً وأضْغانا

***

والطائفيّةُ ما زالتْ جَرَائرُها

تَجْتاحُ بالحَيْفِ والبَلْوَى رعايانا

***

وما تَزَالُ يَدُ التَّمْييزِ شاهِرة

سِلاحها، فاسْألُوا عَنْها ضَحايانا

***

هذا هُوَ المَنْطِقُ الكابي، وأفْجَعُها

أنّا قَتَلْنا، ونَبْكي فوقَ قَتْلانا

***

وما وَنَتْ هَجَماتُ الجَوْرِ تَلْحَقُنا

ولَمْ تَزَلْ نَزَعاتُ الظُّلْمِ تَغْشانا

***

وما تَزالُ على الكُرْسيِّ ساجِدَةً

تلكَ الجِباهُ بطاريقاً ورُهْبانا

***

وشَهْوَةُ الحُكْمِ، قدْ ألفَتْ صَيارِفةً

مِنَّا، فأرْخَتْ غَثانيناَ وأذْقانا

***

وبالأراجيف يَلْهُو كُلَّ مُحْتَكِمٍ

وبالأضاليل.. نلْقاها وتلْقانا

***

وكُلُّ آنٍ على زَيْفٍ يُحَشِّدُها

مَكاسباً وانْتصاراتٍ وفُرْسانا

***

وسارَ مِنْ خَلْفِهِ (المِذْياعُ) يُشْبِعُنا

مِنَ البُطُولاتِ أطْناناً فأطْنانا

***

(لَوْ كُنْتُ مِنْ مازنٍ لَمْ تَسْتَبِحْ إبِلي

بنُو اللقيطةِ مِنْ ذُهْلِ بنِ شَيْبانا)

***

(لكنَّ قَوْمي وإنْ كانُوا ذوي عَدَدٍ

لَيْسُوا مِنَ الشَّرِّ في شَيءٍ وإنْ هانا)

***

يا فتْيَةَ الوَطَنِ الغالي اعْمَلُوا وثِقُوا

أنَّ العَقيدَةَ سِرٌّ في حَنايانا

***

أنَّ العقيدةَ في أرْواحِنا وضَحٌ

مِنَ الثقافةِ غُذّاناً وروّانا

***

فاسْتَقْبلُوا يَوْمَكُمْ بالعَزْمِ وانْتَظِمُوا

صَفّاً.. يُحطِّمُ للطُغْيانِ أرْكانا

***

وجاهدُوا في سَبيلِ اللهِ واعْتَصَمُوا

بحَبْلِهِ، وأنْعَمُوا في الدِّينِ اخْوانا

***

إنّا وأنْتُمُ على دَرْبٍ مَسيرتُهُ الـ

ـكُبْرى قد ازْدَحَمَتْ أُسْداً وذُؤبانا

***

قد وحَدَّتْنا انْطلاقاتٌ مُقدَّسَةٌ

وقرَّبَتْ بَيْنَنا شِيباً وشُبَّانا

***

وفخْرُنا أنَّنا لَمْ نَنْحَرفْ زَيْغاً

ولَمْ نبدِّلْ بالأدْيانِ أدْيانا

***

مُحلَّئينَ عَنِ الأطْماعِ أفئدَةً

مُحَلِّقينَ قشاعيماً وعُقْبانا

***

ما أبْعدَ النَّقْص عَنَّا في عَقيدتِنا

وما أقَيْربهُ وصْلاً بأعْدانا

***

لئنْ سَرَتْ بخُطى الأحْزابِ جَمْهَرةٌ

فالحَمْدُ للهِ للإسْلامِ مَسْرَانا

***

مُحمَّدٌ يَتَبَنَّانا.. فيَعْضُدُنا

وحَيْدَرٌ يَتَولاَّنا.. فيرْعانا

***

وأنْتُمُ يا حُماةَ الدِّينِ حَسْبَكُمُ

أنْ تَقْطفُوا مِنَنَ الرَّحْمانِ رُضْوانا

***

ويا رجالاً زكَتْ اعْرَاقُهُمْ، وسَمَتْ

أمْجادُهُمْ.. وأثارُوا النَّفْسَ بُرْكانا

***

مُشَمِّرين بسُوحِ الحَرْبِ أرْدانا

وقائدينَ مَصاليتاً وشُجْعانا

***

وخائضينَ غِمارَ المَوْتِ، ما ارْتَجَفُوا

خَوْفاً، ولا سَحَبُوا للذُلِّ أرْدَانا

***

على الوُجُوهِ مِنَ التَّقْوَى علائمُهُ

وفي الضَّمائرِ ما يُحْييكَ عِرْفانا

***

للهِ دَرُّكُمُ مِنْ مَعْشَرٍ صُبُرٍ

على المكارهِ أحْزاناً وأشْجانا

***

مَنْ فيكُمُ مَنْ لَمْ يُقارعْ ألْفَ مُحْتَرِفِ

ولَمْ يُصارعْ (فِرْعَوْناً) و(هامانا)

*** 

صَبْراً على هذه الدُّنيا وقَسْوتِها

وحَسْبُنا ما أعدَّ اللهُ غُفْرانا