من وحي الميلاد

{ محمد حسين الصغير }

ألقيت في الاحتفال الأكبر الذي أقامه النجفيُّون في الجامع الهندي في النجف الأشرف، احتفاءً بميلاد أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام في 13/ 7/ 1379م، الموافق 12/ 1/ 1960، وقد قوطعت القصيدة من قبل سلطات الأمن، وقد غادر الشاعر النجف إلى بغداد سرًّا، والقصيدة تمثلُ المناخ السياسي آنذاك، وحُذف منها ما يشبه الإعلام السياسي المقذع.

 

حَيَّيْتُ ذكْرَاكَ والذِّكْرى تُحَيِّينا

فالحَمْدُ للهِ.. نُحْييها فتُحْيينا

***

تَدَافعَ النُّورُ طُوفاناً بمَوْكِبِها

وأشْرَقَتْ بدَرَاريها لَيالينا

***

وازْدَانَ أُفْقُ المعالي، وانْجَلَتْ ظُلَمٌ

وفاحَ نَفْحُ عَبيرٍ في نَوَادينا

***

تَرَاقَصَ الكَوْنُ مَزْهُوًّا، فخِلْتُ رؤًى

للرَّائعاتِ وألطافاً تُوَاتينا

***

حتَّى إذا شَعَّتِ الآفاقُ وازْدَهَرَتْ

وانْجابَ لَيْلُ الرَّزايا مِنْ حَوَاشينا

***

آمَنْتُ أنَّ شُعاعاً مِنْكَ يَغْمُرُنا

ولَمْحةً مِنْ بهاءِ القُدْسِ تَضْوينا

***

وقُبَّةً مِنْ سَنا الإيمانِ لامعةً

قدْ طَوَّقَتْ بهُدَى الأضْواءِ وادينا

***

ونَفْحةً مِنْ شَذَا الإسْلامِ عاطِرةً

فاضَتْ أريجاً، أوْ اهْتَزَّتْ رياحينا

***

ما زَالَ مَجْدُكَ فينا يَبْتَني قِمَماً

ويَصْطَفي حكماً، تغذُو الملايينا

***

كالشَّمْسِ تعنُو لها الأبْصارُ خاشِعةً

ونُورُها سائراً يغزُو الميادينا

***

يا مَوْلِداً عَمَّتِ الدُّنيا بَشائرُهُ

ومَدَّتِ الصَّوْتَ تَرْنيماً وتَلْحينا

***

رتَّلْتُ فيكَ القَوافي الغُرَّ صادحةً

مَدَى الزَّمانِ، وأسْرَجْتُ الدَّواوينا

***

وهَلْ تُوَفِّيكَ إذْ تُتْلى قَصائدُنا؟

وهَلْ تُدَانيكَ إذْ تُنْشى قَوافينا؟

***

تَنَفَّسَتْ رِئةُ الأجْيالِ فيكَ فما

تَقْوَى – إذا زغْرَدَتْ نَشْوَى - أغانينا

***

سارَ الزَّمانُ الى علياكَ مُكْتَهِلاً

وعادَ بالحَمْدِ مَحْني الظَّهْرِ عُرْجُونا

***

وما يَزَالُ نَدِيَّ العُودِ فائحَهُ

كالأمْسِ يَعْبَقُ رَيْحاناً ونِسْرينا

***

عَفْواً أميرَ الهُدَى إنْ شَطَّ بي كَلِمي

فأنْتَ أسْمَى عُلاً مِنْ قَوْلِ مُطْرينا

***

يا رَبَّ (أُحدٍ) وسرَّ(الفتحِ) في يدهِ

ورَبَّ (بدرٍ) و(أحزابٍ) و(صفِّينا)

***

 ورَبَّ (خَيْبَرَ) والتاريخُ خَلَّدَهُ

و(النَّهْرَوانانِ) إذْ فاضا مُضَحِّينا

***

للهِ دَرُّكَ، ما أسْماكَ مِنْ بَشَرٍ

قد خَطَّ بالفَوْزِ في الدُّنيا عَناوينا!

***

أنَّى تَلَفَتَّ أراءٌ مُقَدَّسَةٌ

للمَجْدِ تَدْفَعُنا، والحَقُّ تُهْدينا

***

في كُلِّ جيلٍ لها صَوْتٌ وألْسِنةٌ

يُزْجي التَّرانيمَ، أوْ يُوحِي التَّلاحينا

***

أتى بكَ الدَّهْرُ عِمْلاقاً لهُ هَطَعَتْ

حتّى الجَبابرةُ الأعْلُونَ عِرْنينا

***

إذا نَطَقْتَ، فَشَيءٌ أنْتَ قائلُهُ

سَمحُ البيانِ.. أجابَ الدَّهْرُ آمينا

***

إذا تَلَكَّاتِ الدُّنيا بحجَّتِها

سُقْتَ الأدِلَّةَ، واقْتَدْتَ البَراهينا

***

قُلْ للذينَ أذلَّ اللهُ جانِبَهُمْ

لا نَرْتَضي غَيْرَ دينِ المُصْطَفى دينا

***

دينٌ بناهُ لنا الهادي وعِتْرَتُهُ

لا شكَّ أنَّا لَهُ في الدَّهْرِ حامُونا

***

دينٌ أقرَّ حُقُوقَ الشَّعْبِ أجْمَعُها

وسَنَّ للعَدْلِ دُسْتُوراً وقانُونا

***

دينُ النَّبيِّ بنِ عبدِاللهِ مَنْ خُتِمَتْ

بِهِ الشَّرائعُ تَشْييداً وتَكْوينا

***

دينٌ يَسيرُ مَعَ التاريخِ مَوْكِبُهُ

إلى الأمامِ.. نقيَّ البُرْدِ مَيْمُونا

***

أسْمَى وأرفَعُ قَدْراً أنْ يُشَوِّهَهُ

وَغْدٌ، ويَمْسَخَهُ غِرٌّ ليُغْرينا

***

وما تَضُرُّ دِعاياتٌ مُضَلَّلَةٌ

مَسْعُورةُ القولِ تلْفيقاً وتلْقينا

***

هَلْ غَيْرُ أنْ شاءتْ الفَوْضى مُحاوِلَةً

تُكيلُ للدينِ تَزْييفاً وتَوْهينا

***

والحَقُّ أعلى مُقاماً.. إذْ يُطاولُهُ

مِنَ الأباطيلِ رأيٌ قد هَوَى دُونا

***

هَبْ أنَّهُ قيلْ: (أفْيُونُ الشُّعُوبِ) فما

ذَنْبٌ الكَواكبِ إذْ تَعْلي السَّنا فينا

***

فَرُبَّ قَوْلٍ مَريضٍ مِنْ مخارجِهِ

نَعي المفاهيم، أو نَدْري المضامينا

***

(الفَوْضَويُّونَ) داءٌ لا دَوَاءَ لَهُ

عَيّاً، فيا لَيْتَ شِعْري مَنْ يُداوينا!

***

القَتْلُ والسَّحْلُ والتَّخْريبُ دَيْدَنُهُمْ

والنَّهْبُ والسَّلْبُ ألْفَوْهُ مَوَازينا

***

ضَجَّ العِرَاقُ بأهْليهِ بما ارْتَكَبُوا

وجَرَّعُوا الشَّعْبَ زَقُّوماً وغسْلينا

***

تَهَرَّأَ الوَضْعُ وانْهارَتْ قوَاعِدُهُ

وسَوفَ تَحْمَرُّ في الجَلْيِ مَواضينا

***

وسَوْفَ يَنْجابُ لَيْلٌ سادَ أرْبَدُهُ

وسَوف يَشْرقُ فَجْرٌ في مغانينا

***

فقدْ تَمادَى بنا الطُّغْيانُ وانْفجَرَتْ

هَوَجُ العَوَاصِفِ بالأشْجانِ تَغْزونا

***

كُنَّا نقولُ– وقد جَلَّتْ رَزِيَّتُنا

مَتى تُصَوِّتُ بالبَلْوَى نَواعينا

***

حتّى إذا ازْدَحَمَتْ، والغَيُّ باعِثُها

فظائعٌ، أجَّجَتْ في القَلْبِ كانُونا

***

تَحَسَّسَ الشَّعبُ وابْيَّضَتْ مَوَاقِفُهُ

وازْدَهَرَتْ مِنْهُ بالآمالِ تَزْهُونا

***

وسارَ قُدْماً قَويّاً في إرادتِهِ

يُزْجي الأضاحي، ويَقْتادُ القَرابينا

***

وراحَ يُنْشِدُ تَضْميناً مُغَرِّدُهُ

والشَّعْبُ أجْدَرُ بالأمْثالِ تَضْمينا

***

(لَوْ كُنْتُ مِنْ مازنٍ لَمْ تَسْتَبِحْ إبِلي

بنُو اللقيطةِ) مِنْ (أتْباعِ لِينينا)

***

(لكنَّ قَوْمي وإنْ كانُوا ذَوي عَدَدٍ)

لا يدرؤون (شُيُوعِياً) و(صُهْيُونا)

***

يا قادَةَ النَّجفِ الأعْلى وساسَتهُ

فيمَ الوُجُومُ، وقد جَلَّتْ مآسينا؟

***

تتابعتْ حَوْلنا الأحْداثُ وارْتَطَمَتْ

بالحَيْفِ تَنْشرُنا آناً وتَطْوينا

***

أنَّى اتَّجَهْتَ رواياتٍ مُشَوَّهةً

تَمَثَّلَتْ في حَناياها مَسَاوينا

***

والنائباتُ بنا قد حمَّ مَرْجِلُها

طَوْراً عَصُوفاً، وأحْياناً بَرَاكينا

***

تُنْبيكَ عَنْ حاضِرٍ جَهْمِ الرؤى عَبسٍ

نحيا بظُلْمَتِهِ.. أنْباءُ ماضينا

***

دالَ الزَّمانُ، وغامَ الأفْقُ وانْدَلَعَتْ

شَرَارةُ خَلَقَتْ مِنَّا شياطينا

***

وهكذا.. كُلُّ حينٍ تَرْتَئِي لَعباً

فينا الصُّروفُ مَياديناً ميادينا

***

هذا الغُرُورُ الذي ما زالَ يُتْحفُنا

في كُلِّ آنٍ بما يَعْيي الأساطينا

***

لا شكَّ أنَّا سَنَفْنيهِ بسَيْفِ رَدًى

تَنْجابُ عَنْهُ كميَّاتٍ مَذاكينا

***

لابُدَّ أنْ تألفَ الآسادُ أجْمتَها

وتُسْتَذَلَّ الأفاعي والثَّعابينا

***

ويَسْتَفيقَ زمانٌ بعدَ سَكْرَتِهِ

صَحْواً، فيُنْعشُنا عَزْماً ويُصْحينا