المجتهد والمرجع الديني

إذا انتهى طالب الحوزة العلمية من دراسة المقدمات ثم أعقبها بدراسة السطوح وأنهى مرحلة البحث الخارج وتأهل لدخول مرحلة الاجتهاد والبحث في الأدلة التفصيلية بشكل واسع ومعمق ليختار منها ما يسوقه إليه اجتهاده في المسائل التي تعرض له أو يسأله غيره عنها. ووجد الباحث المجدّ منهم في نفسه - بصدق وإخلاص وتجرّد- القدرة على الاجتهاد ثم أعمل رأيه فيما عنَّ له من مسائل عُدَّ حينذاك مجتهدا.

     وإذا تصدى المجتهد للإفتاء فيما انتهى إليه رأيه واجتهاده من مسائل فعمل المكلفون بآرائه ورجعوا إليه فقلدوه فيها عدّ مرجعا دينيا وقاضيا بالقسط بين الناس في أمورهم المختلفة، هاديا إلى الحق والهدى والصلاح، معلّما الكتاب والسنة والحكمة والشريعة، مزكيا ومطهرا ما أمكنه نفسه ونفوس الآخرين من الزيغ والضلال والانحراف، حارسا للعقيدة الحقة، آمرا بالمعروف، ناهيا عن المنكر، محافظا على بيضة الإسلام، مبينا أحكامه الشرعية، وربما متوليا ما استطاع لأمرها في زمن الغيبة على خلاف بين الفقهاء في سعة هذه الدائرة وضيقها وفي دليلها ومدركها، وهل أنها تقف عند حدود الأمور الحسبية والضرورات الشرعية التي لا يرضى الشارع المقدس بإهمالها وتركها من قبل خيار المؤمنين على نحو الجزم واليقين، أو أنها أوسع من ذلك. ثم ما هي حدود هذه السعة على تقدير القول بها..؟

بعض الشروط الواجب توفرها في المجتهد والمرجع الديني

     يشترط في المرجع الديني من بين أمور أخرى - غير الاجتهاد، والتقوى، والتعلق بحبل الله المتين، وحبه والخوف منه جل شأنه، والتنزه عن التعلق بأمور الدنيا الفانية، والسعي لتحقيق مرضاة الله تعالى في كل أمر والتقرب إليه في كل مسعى - عدالة بدرجة عالية تلزمه أن يكون على مرتبة من التقوى تمنعه عادة من مخالفة التكليف الشرعي، ومن الوقوع في المعصية، وإن كانت صغيرة، بحيث لو غلبته نوازع النفس ودواعي الشيطان ـ نادراً ـ فوقع في المعصية لأسرع للتوبة وأناب لله تعالى ورجع إليه.