بحر النجف

ومن معالم النجف الأخرى )بحر النجف)، ويقع عند حافة الهضبة الصحراوية في الجنوب الغربي من المدينة حيث تطل مدينة النجف الأشرف اليوم على مزارع شاسعة يشقها جدول عذب الماء صغير يوصل عذب مائه اليها من عبير نهر رائق يجري في مدينة (أبي صخير) المجاورة.

    وتصل بحر النجف - الذي أسماه الآراميون قديما باسم " فرثا " ومعناها البثقة - مياه الجداول والأنهار من الفرات، وتصب فيه مياه الفيضانات لانخفاض أرضه.

    وقد أشار الى بحر النجف الجغرافي والمؤرخ المعروف أبو الحسن المسعودي المتوفى سنة (346هجرية) في كتابه مروج الذهب بقوله: " وكان البحر حينئذ في الموضع المعروف بالنجف وكانت تقدم هناك سفن الهند والصين ترد الى ملوك الحيرة ".

    وقد نقل الينا ابن الدبيثي عن عبد الجبار بن معية العلوي أنه " خرج قوم من أهل الكوفة يطلبون (الأحجار الغروية) يجمعونها لأيام الزيارات والمعيشة بها - وبالكوفة من يعمل ذلك الى اليوم- وأبعدوا في الطلب الى النجف، وساروا فيه حتى خافوا التيه، فوجدوا ساجة كأنها سكّان مركب عتيقة، وإذا عليها كتابة، فجاؤوا بها الى الكوفة، فقرأناها فإذا عليها مكتوب: سبحان مجري القوارب، وخالق الكواكب، المبتلي بالشدة امتحانا، والمجازي بالإحسان إحسانا، ركبت في البحر في طلب الغنى ففاتني الغنى وكسر مركبي، فأفلتُّ على هذه الساجة، وقاسيت أهوال البحر وأمواجه ومكثت عليها سبعة أيام، ثم ضعفت عن مسكها، فكتبت قصتي بمدية كانت معي في خريطتي، فرحم الله عبدا وقعت هذه اليه فبكى لي، وامتنع عن مثل حالي".

    يقول الباحث الدكتور كاظم الجنابي في بحثه الأكاديمي: " وتدل الآثار والأبنية المنتشرة على الضفة الشرقية لبحر النجف انها كانت مسكونة في الفترة الواقعة من العصر الساساني المتأخر الى القرن الثالث الهجري تقريبا، كما أثبتت حفائر منطقة الخورنق وتل أم عريف، ومما يسترعي النظر أننا عثرنا على جملة سلالم مشيدة بالآجر الأحمر قياس: 24× 24 ×8 سم كانت تتنزل من أعلى الضفة الشرقية الى ساحل بحر النجف "، وكان من الشائع أن تبنى هذه السلالم إما كمتنزهات ملحقة بقصور الحيرة، وإما كأرصفة للتجارة البحرية".

     ويدعم الاحتمال الثاني أن تجارة الحيرة أيام ازدهارها " قد ارتبطت ارتباطا وثيقا ببحر النجف فقد كان أحد المسالك الرئيسة لنقل تجارتها، سواء كان نقلا داخليا أم نقلا خارجيا عبر الخليج العربي ومن ثم الى العديد من البلدان، فعن طريق بحر النجف ونهر الفرات والخليج العربي ينقل سكان الحيرة من التمور والمواشي والمحاصيل، كما أنه عبر هذا الطريق المائي تصلهم الواردات من الشام وبلاد الرومان واليونان ومن الهند والصين وشرق أفريقيا، ومن المعادن والحرير والقرنفل والصمغ والمرجان وغيرها ".