من وحي الإمام

{ الشاعر د. ابراهيم الوائلي - ديوانه ج2 }

صهر النبوة حسبي منك إيحاء

دنياك صوت ودنيا الناس أصداء

***

آمنت بالحق لم تعصف بموكبه

هوج الخطوب ولم تفلله أرزاء

***

وبالصراحة أدنى ما يراد بها

للخلق أن يتساوى الذئب والشاء

***

يا أيها الآية العظمى ألا قبس

من الهدى فحواشي الأفق ظلماء

***

أشرق على السفح وانظر كيف جانبه

فإنه اليوم لا نبت ولا ماء

***

واستنطق البيد هل في البيد قافلة

يقتادها لبلوغ القصد حدّاء

*** 

دنيا مفككة لا شيء يجمعها

كأنها في زوايا القفر أشلاء

***

سرى الخلاف بها حتّى غدت شيعاً

أقصى معارفها حقد وشحناء

***

وأضحت الأيكة الشماء خاوية

تلفّها من بنات الريح هوجاء

***

عدل أطلّ على دنيا الوجود كما

يطل فجر وراء الليل وضّاء

***

وفوقه الراية الكبرى مرفرفة

يحوطها معشر صيد أشدّاء

***

قد عاد لعبة أفاكين سيرتهم

في مسرح الدهر إضحاك وإبكاء

***

يا طور سيناء إن الركب منحدر

إلى الحضيض فأين اليوم سيناء

***

ويا سنا النور أوضح من معالمنا

ما ليس يوضحه همس وإيماء

***

ماذا على السيف لو ألقى مغامده

وقيل: زالت عن الجبين أصداء

***

فقد طغى الجرح واستشرت مخاطره

في كل جانحة واستفحل الداء

***

سيف أقيمت به للعدل قاعدة

أكنافها في ذرى التأريخ شماء

***

ودكّ للجهل أصناما وآلهة

عبّادها في الدجى أعمى وعمياء

***

ما كان أجداه لو أذكى مضاربه

ولاح منه بهذا الأفق لألاء

***

فنزعة الشر قد شاعت مظاهرها

كما تكشف في الظلماء أسواء

***

جيل أسفّ وضلّ الدرب رائده

وطال منه لداعي الجهل إصغاء

***

وراح يتّبع الأهواء جامحة

تبثّها زمرة في الناس رعناء

***

واستدرجته دعاوات ملفقة

باسم التحرر تزجى وهي أدواء

***

حرية الفكر ما كانت مكبلة

لو لم تعكر صفاء العيش أقذاء

***

ولا الحقيقة ما ديست جوانبها

لولا هياكل ملء الأرض جوفاء

***

صهر النبوة ما أسماك في بشر

أغرتهم من فضول العيش صفراء

***

وما أجلّك في دنيا يمالئها

من الحثالة أذناب أذلّاء

***

باعوا الضمائر حتّى لات مُدّكرا

وأنت أنت بجنب الله ميفاء

***

هم ناوؤك وكان الشر قائدهم

لكل حرب كما تنقاد عشواء

***

وكان عيشك غيظا في قلوبهم

تذكيه من نزوات الحقد بغضاء

***

وفي الجوانح أضغان مؤججة

على الوجوه ترى منهن سيماء

***

حتّى أثيرت فلم تخمد لها شعل

قد اكفهرت بها بيد وأرجاء

***

وراح يوقضها في كل ثانية

لؤم الطباع وبعض اللؤم إيذاء

***

فأصبح الحق أنقاضا مبعثرة

وتمّ للنفر الباغين ما شاؤوا

***

وقوضت شرعة ما كان منهجها

إلّا لتشمل هذا الخلق نعماء

***

أم الشرائع أقصاها وأوّلها

ظل على الخلق ممدود وأفياء

***

فلا الغنيّ غنيّ حين تنظره

لأن ميزته في الناس إثراء

***

ولا الفقير فقير حين تبصره

لأن سيماءه عُدْم وبأساء

***

كل سواسية لا فرق بينهم

لولا نعوت وألقاب وأسماء

***

صهر النبوة إن العدل قد عبثت

به المطامع واجتاحته أهواء

***

أين الجهاد الذي كانت مواكبه

خفاقة النصر يحدوهنّ أكفاء

***

وأين سيف مشت والموت ضربته

وطعنة في مدب الشرّ نجلاء

***

قل للكتائب تنهض من مراقدها

فقد خلت من صهيل الخيل بيداء

***

ولبّ للحق يا ابن الحق دعوته

فقد عراه من التضليل إعياء

***

كتيبة الله لم تهدأ على ترة

أو تستجب للتغاضي وهي خرساء

***

صهر النبوة كم من حادث عجب

تلته بعدك أحداث وأنباء

***

عمر طويت به التأريخ أجمعه

فكل سفر عليه منك طغراء

***

تلك البلاغة ما كانت خلاصتها

إلّا لتلتمّ حول النور دهماء

***

ماذا جنيت فنالت منك بغيتها

تحت الظلام يد من قبل جذّاء

***

واغتيل أصيد لم تفلل عزيمته

بيض السيوف ولم ترهبه هيجاء

***

دم بكوفان مطلول تسيل به

من جانب البيت ساحات وبطحاء

***

يا مشرق النور إن الليل معتكر

تجهمت منه آفاق وأنحاء

***

متى نرى الفجر يمحو كل داجية

وتستجد بهذا الكون أضواء

***

هذي الركائب في الصحراء قد وقفت

حيرى وفي البيد أهوال ورمضاء

***

وذي السفينة والأمواج صاخبة

لا يستقيم لها في اليمّ إرساء

 

*** 

1945         بغداد