خان الشيلان

من المعالم الشاخصة في مدينة النجف الاشرف خان الشيلان الذي يعرف اليوم بمتحف التراث النجفي وثورة العشرين، اذ شهد هذا الخان العديد من الاحداث السياسية وانتفاضات ابناء المدينة بوجه القوات العثمانية والاحتلال البريطاني حتى اصبح مقرا للحكومة المحلية التي تم تأسيسها من قبل ابناء المدينة في فترة الأعوام 1915ـ1917، كان مقرا وشاهدا لانطلاق شرارة ثورة العشرين واسر العديد من الجنود البريطانيين فيه، فأضحت جدرانه تحكي قصص ووثائق تاريخية مهمة، فالخان الذي أصبح متحفا يروي تلك الحكايات، يحوي طابقين الاول يضم عددا من الغرف المتداخلة التي تعرض فيها اليوم مجموعة من المقتنيات والثاني يضم بعض آثار الاسرى على الجدران، فضلا عن عدد من الوثائق التاريخية المهمة.. ويتوسط الباحة نصب تذكاري لاحد الثوار يحمل بإحدى يديه الفالة وفي الاخرى المكوار وهي بعض الاسلحة التي استخدمها ثوار ثورة النجف الأشرف وثورة العشرين آنذاك.

الخان .. المتحف
تجولنا في باحة الخان بعد دخولنا من بوابته الكبيرة المطلة على شارع الخورنق لنتعرف عما يضمه هذا المتحف وكانت بداية جولتنا ان التقينا بمديره الدكتور حمزة الخالدي والذي أخذنا بحديثه الى قرن مليء بالأحداث وتاريخ مدينة ناضل ابناءها في سبيل الحفاظ على دينها وكرامتها وشرفها. وعن بداية تأسيس هذا الخان بيّن الخالدي بان «الخان أنشئ لأول وهلة كفندق للزوار لكنه لم يؤد الدور المراد منه للظروف والاحداث الكبيرة التي مر بها العراق عامة والنجف الأشرف خاصة» وأشار الخالدي «ان خان الشيلان بُني في عام 1895م اواخر العهد العثماني وانتهى العمل منه عام 1899م ونتيجة للاحداث التي جرت في المدينة ومنها بدايات التدخل البريطاني وقيام عدة انتفاضات من قبل اهالي النجف الأشرف واهمها الانتفاضة التي خرجت عام 1915م او ما يطلق عليه بحركة الشمرت والزكرت التي كانت توحد هذين الندين المتصارعين عند الشدائد والمحن، فكانوا ينضمون صفوفهم عندما يرومون مضايقة القوات البريطانية او الدرك العثماني.

مقر الحكومة العثمانية
وأمام احد أواوينه الكبيرة اكمل الخالدي حديثه قائلا: هذا المكان استغله الحاكم العثماني لكبر حجمه وسعة مساحته ويعتبر من ابرز المعالم في ذلك الوقت فاصبح مقرا للحكومة العثمانية ومن خلال هذا اصبح مقرا لمدينة النجف الاشرف بالنسبة للموقع الاداري والسياسي وهذا المكان يعتبر مركزاً للاحداث الوطنية السياسية والنضالية لمدينة النجف الأشرف في الحقبة الممتدة من عام 1915 ـ1920م وفي هذا المكان اقامت الحكومة المحلية لمدينة النجف والتي تعتبر من اهم الحكومات التي حكم فيها اهالي المدينة انفسهم بانفسهم، ولهذا المكان ايضا حدث مهم وهو اعتقال مجموعة من الأسرى البريطانيين وبحدود 167 اسيراً منهم من هو برتبة ضابط وعددهم اثنان، ومن هنا تم تكوين جمعية الاسرى البريطانيين التي تعتبر اول جمعية في العالم اي قبل جمعية حقوق الانسان وقبل جمعية رعاية الاسرى وبقوا بحدود اربعة اشهر ولازالت كتاباتهم ورسوماتهم وعناوينهم موجودة في الطابق العلوي للخان.

(الما يزور الشيلان عمره خساره )
وأشار الخالدي في معرض حديثه الى الاهزوجة المعروفة عند اهالي مدينة النجف الاشرف في ذلك الوقت وهي (الما يزور الشيلان عمره خساره) والتي قالها الشاعر الشعبي والمجاهد ابراهيم ابو شبع, موضحا سبب إطلاق الاهزوجة قائلا: ان هذا المكان إبان الاحتلال البريطاني اصبح سجنا للوطنيين الذين يناهضون الحكم البريطاني وكان الخان مميزاً من حيث كبره وطرازه وسراديبه، وثانيا ان الشاعر حينما قال اهزوجته بعد ان انهى فترة سجنه أراد منها أن كل من لا يناضل ضد الاحتلال البريطاني عمره خساره.

تأهيل وإعمار خان الشيلان
واما عن اعادة ترميمه وصيانته اوضح الخالدي انه مر بظروف عديدة بعد ثورة العشرين الى سنة 2010م وبجهود الخيرين من ابناء مدينة النجف الأشرف وبمساعدة الخبراء من دائرة التراث استطاعوا ان يعيدوا لهذا المبنى المدمر الحياة، حتى أصبح الآن متحفا للتراث النجفي فضلا عن حفظه لتراث ووثائق ثورة العشرين، فأصبح مقصدا تزوره أعداد كبيرة من الطلبة من مختلف المراحل التربوية والجامعية، فضلا عن طلبة الدراسات العليا والباحثين والمهتمين، اضافة الى الزوار من مختلف دول العالم.
وأضفى موقعه القريب من مرقد الامام علي عليه السلام ميزة تواجد العديد من الزوار القادمين من خارج العراق لزيارة المرقد المطهر مغتنمين فرصة تواجدهم لزيارة هذا المعلم التراثي، ويقصد بعض السائحين هذا المكان لمشاهدة كتابات الاسرى الانكليز اضافة الى معالمه التراثية الجميلة .

أقسام المتحف التراثي
وحول أقسام المتحف ومرافقه تحدث الخالدي، قائلا: المتحف الان مقسم الى قسمين القسم الارضي وفيه اثنان وعشرون غرفة اضافة الى الأواوين الكبيرة والتي تضم مقتنيات مدينة النجف الاشرف ومدن الفرات الاوسط وغيرها ومنها تشكيلات من الملابس التي كانت تلبس آنذاك، والاسلحة التي كانت تستخدم اضافة الى بعض الحلي والادوات التي كانت تستعمل. اما الإيوان الشمالي للخان وهو الايوان الكبير ففيه بانوراما مؤثرة وجميلة جدا تحكي بداية انطلاق الشرارة الاولى لثورة العشرين الى وقوع الاسرى الانكليز في خان الشيلان, ويفتح بابه اليوم للزائرين لتعريفهم بتاريخ وذاكرة هذه المدينة وقوة وبسالة ابنائها في الوقوف ضد الطامعين والمحتلين .
اما الطابق العلوي ففيه مجموعة من الوثائق المهمة والكبيرة التي تم الحصول عليها من الارشيف العثماني اضافة الى الارشيف البريطاني هذه الوثائق هي من ثورة 1915 الى الحكومة المحلية اضافة الى ثورة العشرين ومراسلات المرجعية الدينية مع زعماء العشائر والوجهاء والمجاهدين من شمال العراق الى جنوبه اضافة الى مخططات الثوار في ثورة العشرين من خلال المعارك.

درسوا الوطنية العراقية
وأشار مدير المتحف الى مسألة حصلت مع أحد ضيوف المتحف، قائلا : سألني احد الخبراء البريطانيين بعدما شاهد مخطط معركة الرارنجية خلال ثورة العشرين فبادر قائلا هل ان هؤلاء الذين قاموا بالهجوم على القوات البريطانية كانوا قد درسوا في المعاهد الاكاديمية العسكرية ؟ فقلت له : هم زعماء ووجهاء عشائر فقط، مما دفعه للاستغراب، واستدركت: لكنهم درسوا الوطنية العراقية .
تخلف السياحة والمدينة المصغرة
ورغم ما يحمل هذا الخان من تاريخ طويل مما جعله متحفا للمدينة فإن عدداً من المهتمين بالآثار والتراث يرون بان الاهتمام بالأماكن التراثية سيسهم في تطور السياحة وتذكير الاجيال بتاريخ مدينتهم، اذ يشير التراثي الدكتور عبد الهادي الابراهيمي, بقوله حول خان الشيلان والحركة السياحية بمجملها في النجف الأشرف: ان حركة السياحة غير جيدة وغير مفرحة ونحن سبق ان تطرقنا في عدد من وسائل الاعلام الى مشاريع لتطوير السياحة والاثار لكننا لم نجد من يسمع لهذا الامر، اذ اقترحنا في وقت سابق ان يكون هذا المكان الذي يضم خان الشيلان واعدادية الخورنق ركنا ثقافيا مبرزا، باعتبار ان آثار سور النجف القديمة موجودة ايضا خلف الخان وخلف اعدادية الخورنق، وبعد ان يتم استملاك الفنادق والمحلات الموجودة وتعويض اصحابها يتم إظهار السور بشكل لائق بتاريخ هذه المدينة الحاضرة بعمق التاريخ الانساني وفعله الحضاري، ويمكن ان يرافق هذا المشروع الثقافي والتراثي إحياء بعض البيوت التراثية كالزورخانه القديمة الموجودة اثارها لحد الآن، ولإظهار هذه الشواخص والمعالم التراثية بشكل لائق وبارز يجب إزالة عمارة البلدية ليخرج خان الشيلان من مخبئه هذا مطلا على ساحة الميدان، وبهذه الحالة ستكون لدينا مدينة اشبه بمدينة النجف القديمة المصغرة، فتكون جاذبة للسياح.
ويضيف الابراهيمي قائلا : يقع على عاتق المسؤولين في وزارة الآثار والسياحة أو في ديوان المحافظة أم في مجلس المحافظة مسؤولية هذا الواقع المتردي للسياحة والآثار والتراث وطرق إحيائها واستثمارها، فالكل مقصرون ويتغاضون ايضا عن التجاوزات التي تحصل اذ بنيت وقبل فترة بناية وعدد من المحلات على نفس السور القديم، مما يزيد في كل يوم من تآكل هذا المشهد واندثاره.

الحضارة مركز اشعاع انساني
فنتمنى ان يكون هذا الأمر الذي طالبنا به كمقترح بمثابة قفزة نوعية في المحافظة على مستوى التراث مضيفا جمالية كبيرة للمدينة، فضلا عن كونه ثقافة مجتمعية بالنسبة للاجيال القادمة، وهذه واحدة من فوائد التطوير العمراني في المحافظة على صعيد التراث والمشاهد التاريخية المضيئة ليعلم الاجيال بذاكرة المدينة لأنهم جزء منها، وعلى اعتبار ان النجف الأشرف هي من الحواضر الاسلامية القديمة، ويرجع تاريخها الحضاري الى ما قبل الاسلام، فعلى الجميع التكاتف والتعاون لتطوير ما خبأه الزمن من كنوز تحكي قصص المجد والرقي الانساني وقيمها الفاضلة والفاعلة في حركة التطور الانساني منذ آلاف السنين والى يومنا هذا، في أرض هي مركز الكون حيث بنيت الحضارة الانسانية في بواكيرها.

نشرت في الولاية العدد 98