معاني الأخبار

للشيخ الجليل الأقدم الصدوق

أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي

المتوفى 381

الجزء الأول والثاني

 

قدم له

العلامة الجليل السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان

 

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

ترجمة المؤلّف والتعريف بالكتاب:

الحمد لله ربّ العالمين، والعاقبة للمتقين، وصلّى الله على محمّد خاتم النبيين، والسلام على آله الطيبين الطاهرين، وصحبه المهتدين، والتابعين لهم باحسان إلى يوم الدين.

وبعد، فانّ هذا الكتاب الّذي طلب إليَّ أن اُقدّمه اليوم للقرّاء، وهو كتاب معاني الأخبار، ذخيرة علمية صالحة من تراثنا الإسلامي المجيد في القرن الرابع الهجري، انتظمت فيه مجموعة كبيرة من الأحاديث نافت على الثمانمائة حديث.

من تآليف شيخنا أبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه الصدوق القمي (ت 381 هـ) وقد سبق لي أن قدّمت لخمسة من كتبه نشرتها المكتبة الحيدرية، وطلبت منّي تقديمها وهي:

1 ـ كتاب التوحيد، وقد طبع سنة 1386 هـ.

2 ـ كتاب كمال الدين وتمام النعمة، وقد طبع سنة 1389 هـ.

3 ـ كتاب الأمالي، وقد طبع سنة 1389 هـ.

4 ـ كتاب عيون أخبار الرضا(عليه السلام)، وقد طبع سنة 1390 هـ.

5 ـ كتاب الخصال، وقد طبع سنة 1391 هـ.

وهذا هو الكتاب السادس من مؤلّفات الشيخ الصدوق(رحمه الله) الّتي وفقت إلى تقديمها من بين مجموعة طيبة تولّت نشرها جميعاً المكتبة الحيدرية، بعناية صاحبها الأخ الشيخ محمّد كاظم الكتبي سلّمه الله وكان في عونه.

وحيث سبق لي أن ترجمت لشيخنا الصدوق(رحمه الله) في مقدّمة كتبه الّتي أشرت إليها، فمن الخير أن أكتفي باثبات آخر ترجمة له مع اضافة ما جد لي في ذلك توفيراً للوقت، وتفادياً من هجنة التكرار الممل، ولئلاّ يخلو الكتاب من تعريف بالمؤلّف.

وبذلك أكون قد جمعت بين حقّ التقديم الّذي لابدّ فيه من تعريف المؤلّف، وبين الإفادة من الوقت وصرفه في تعريف الكتاب، والله الهادي والموفّق للصواب.

 

الشيخ الصدوق مؤلف الكتاب:

هو أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي.

ولم ترفع كتب التراجم نسبه إلى ما فوق بابويه، الأمر الّذي يدلنا على أنّه الشخصية الاُولى من آبائه الّذي تمتع بشهرة حتّى صارت النسبة إليه، كما يترك المجال مفتوحاً لاحتمال نسبة عدة من المحدثين والعلماء المشهورين ينسبون إلى مثل هذا الاسم (بابويه)، إنّهم من لحمة الشيخ الصدوق وأبناء عمومته، فإنّهم أيضاً لم ترفع أنسابهم إلى من فوق بابويه إلاّ في واحد كما سيأتي، ونظراً لتقارب عصورهم مع عصر الصدوق فيبدوا احتمال أ نّهم جميعاً من أسرة واحدة ويرجعون إلى جد واحد وهو بابويه، وقد ذكرت ذلك في رسالتي (التنويه بأسماء المختومين بويه) عند ذكر أسماء الأعلام من المحدثين المنسوبين إلى بابويه وإن لم أجزم به.

أمّا الأشخاص المشار إليهم آنفاً ممن نسب إلى بابويه ولم يرفع نسبه إلى من فوقه إلاّ في واحد وهو:

1 ـ محمّد بن سليمان بن بابويه بن مهرويه المخرمي ـ كما في الإكمال ـ وفي رواية الخطيب أ نّه بابويه بن فهرويه بن عبدالله، سمع عثمان بن عبدالله بن عمرو ابن عثمان العثماني وغيره، حدّث عنه ابنه عبيدالله ـ الآتي ذكره ـ وغيره، توفى سنة 307 هـ .

2 ـ عبيدالله بن محمّد بن سليمان ـ الآنف الذكر ـ أبو محمّد الدقاق، حدّث عن أبيه، وجعفر الفريابي، وإبراهيم بن عبدالله بن أيوب المخرمي وغيرهم.

3 ـ أبو القاسم محمّد بن عبيدالله بن بابويه ـ الرجل الصالح ـ وهو ممّن يروي عنه أبو نصر أحمد بن الحسين بن أحمد بن عبيدالله الضبي، وهذا من مشايخ المؤلّف شيخنا الصدوق، روى عنه كما في أسانيد كتبه.

4 ـ الحسين بن إبراهيم بن بابويه، عدّه سماحة السيّد الوالد دام ظلّه من جملة مشايخ الصدوق في مقدّمة الفقيه(1) استناداً إلى ما ذكره المحدّث النوري في خاتمة المستدرك، ولم نجد ذكره في أسانيد الصدوق في كتبه، نعم وردت رواية الصدوق عنه بواسطة في إسناد حديث في بشارة المصطفى(2) حيث ذكر أنّ الصدوق يروي عن الحسين بن موسى عن الحسين بن إبراهيم بن بابويه، عن عليّ ابن إبراهيم بن هاشم القمي.

5 ـ أبو الحسن عليّ بن عبدالله بن أحمد بن بابويه المذكر، وهو من شيوخ الصدوق، روى عنه في معاني الأخبار(3).

6 ـ أبو الحسن عليّ بن محمّد بن بابويه الأسواري الأصبهاني، قال ابن مندة: هو آخر الأغنياء الأتقياء، ورع دين، دخل شيراز وسمع من جماعة، وكتب، مات سنة (358 هـ).

7 ـ أحمد بن الحسن بن عليّ(4) بن بابويه الحنائي، حدّث عن يوسف بن موسى القطان، وحدّث عنه عمر بن أحمد بن شاهين في معجم شيوخه، وابن شاهين هذا ولد سنة (297 هـ) وأوّل ما سمع الحديث منه (305 هـ) وله إحدى عشرة سنة(5)، وتوفي سنة (385 هـ) .

8 ـ أبو الحسن عليّ بن بابويه قتيل القرامطة في الطواف بالمسجد الحرام، ذكره القطبي في كتابه الإعلام بأعلام بيت الله الحرام: أنّ القرامطة لمّا أغاروا على الحجاج في سنة (317 هـ) ودخلوا المسجد الحرام أيّام الموسم، وراثت خيولهم في المسجد، وقتلوا خلقاً كثيراً في المطاف قدرهم بألف وسبعمائة طائف محرم، وكان عليّ بن بابويه ممّن يطوف فلم يقطع طوافه، وجعل يقول:

ترى المحبين صرعى في ديارهم *** كفتية الكهف لا يدرون كم لبثوا

والسيوف تقفوه إلى أن سقط ميتاً، رحمه الله تعالى(6).

9 ـ أبو الحسن عليّ بن الحسين بن بابويه الرازي، خرج لنفسه أربعين حديثاً رواها عنه أبو المجد محمّد بن الحسين بن أحمد القزويني (ت 622 هـ) بسماعه منه(7).

ومن الواضح أنّ هؤلاء كلّهم إلاّ الأخير منهم ممّن يقارب عصرهم عصر الصدوق أو عصر والده كتقارب بلدانهم، فيا هل ترى وجاهة احتمال أ نّهم من ذرية بابويه جد المؤلّف، أو أ نّهم من بابويه آخر أو آخرين.

ومهما يكن الواقع فانّ بني بابويه ـ اُسرة المؤلّف ـ من بيوتات القميين المشتهرة بالعلم والفضيلة، وقد تبوأ رجال منهم مكان الصدارة والمرجعية، كما كان بيتهم حتّى القرن السادس بيت علم وحديث، ذكرت المعاجم الرجالية منهم عدة علماء ومحدّثين، أحصينا منهم ما يقرب من عشرين عالماً من بينهم شيخ الإسلام وثقة الدين، كما فيهم من تسمى باسم جدهم الأعلى (بابويه) إحياءً لذكره.

وبالرغم من كثرة البحث في تاريخ هذه الاُسرة الكريمة الباسقة أفنانها والناضجة ثمارها، لم نقف على مبدء سكناهم في قم الحاضرة الإسلامية ومهد العلم في ذلك العصر، لكن الّذي لا نشك فيه أنّ والد المؤلّف ـ وهو الشيخ أبو الحسن عليّ بن الحسين ـ كان في قم، ومن أبرز أصحاب الشيوخ الأجلّة سعد ابن عبدالله بن أبي خلف الأشعري، وأبي العباس عبدالله بن جعفر الحميري صاحب قرب الاسناد، وأبي الحسن عليّ بن إبراهيم بن هاشم القمي المفسّر وطبقتهم.

كما كانت له مكانة مرموقة في وسطه، بل يعد من علية رجالات بلده، وفي الطليعة بين أعلامهم الطائري الصيت إن لم يكن هو الأوّل المشار إليه من بينهم، وقد أثنى عليه علماء الرجال ووصفوه بكل جميل، ممّا يكشف عن عظيم قدره، وعلو كعبه.

كما ذكروا أنّ الإمام الحسن العسكري(عليه السلام) (ت 260 هـ) كتب إليه كتاباً فيه ما يغني عن سرد جمل الثناء العاطر، وآيات التعظيم، جاء فيه:

(اعتصمت بحبل الله، بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله ربّ العالمين، والعاقبة للمتقين، والجنة للموحّدين، والنار للملحدين، ولا عدوان إلاّ على الظالمين، ولا إله إلاّ الله أحسن الخالقين، والصلاة على خير خلقه محمّد وعترته الطاهرين).

وفيه: (أمّا بعد، اُوصيك يا شيخي ومعتمدي وفقيهي أبا الحسن عليّ بن الحسين القمي، وفّقك الله لمرضاته، وجعل من صلبك أولاداً صالحين برحمته).

وفيه: (فاصبر يا شيخي يا أبا الحسن عليّ، وأمر جميع شيعتي بالصبر، فانّ الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين، والسلام عليك وعلى جميع شيعتنا ورحمة الله وبركاته).

والّذي يلفت النظر في فقرات هذا الكتاب خطاب الإمام(عليه السلام) لأبي الحسن بن بابويه بالشيخ، ولابدّ أن يكون من باب شيّخه تشييخاً دعاه شيخاً تبجيلا وتعظيماً(8)، وإلاّ فلا مجال للقول بأنّ ابن بابويه كان حين صدور الكتاب شيخاً في السن، أي من الخمسين إلى الثمانين، كما هو معنى الشيخ على ما حكاه ابن سيّده في المخصص وغيره.

ولو كان شيخاً لعدّ من المعمّرين، إذ أنّ وفاة الإمام العسكري(عليه السلام) كانت سنة (260 هـ)، وعاش أبو الحسن ابن بابويه بعد الإمام(عليه السلام) ما يقرب من سبعين عاماً حيث كانت وفاته سنة (328 هـ)، ولم يذكر أ نّه كان من المعمّرين الّذين تجاوزوا المائة وناهزوا المائة وخمسين مثلا، ولم يذكر في ترجمته ما يشير إلى ذلك ولو من بعيد.

على أ نّه لو كان من المعمّرين الّذين تجاوزوا المائة وناهزوا المائة وخمسين مثلا لأشار ولده الشيخ الصدوق إلى ذلك في كتابه إكمال الدين في باب التعمير والمعمّرين، وما يناسب ذلك من أبواب الكتاب، فلابدّ إذن من أن يكون المعني بالشيخ هو التبجيل والتعظيم، ولعلّ في مخاطبته بالكنية ما يشعر بذلك مضافاً إلى وصفه بالمعتمد والفقيه، فهو من الشيوخ شأناً، وإن لم يكن منهم سناً.

وممّا يسترعي الانتباه أنّ هذا الكتاب لم يروه ولده الصدوق في تضاعيف كتبه الّتي وصلت إلينا على كثرة الأبواب المناسبة لذكره، كما لم يذكره القدماء من أصحابنا.

وأقدم مصدر حكى عنه ـ فيما أعلم ـ هو كتاب الاحتجاج لأبي منصور أحمد ابن عليّ الطبرسي، اُستاذ الحافظ ابن شهرآشوب السروي (ت 588 هـ)، حكاه عنه البحراني في لؤلؤة البحرين(9)، ولم أجده في مطبوع الاحتجاج.

ورواه بصورة مختصرة الحافظ ابن شهرآشوب في المناقب(10)، وذكره مفصّلا القاضي المرعشي في مجالس المؤمنين(11)، والخوانساري في الروضات(12)، والنوري في خاتمة المستدرك(13) وغيرهم من المتأخّرين.

ذكر الشيخ النجاشي في رجاله(14) أبا الحسن ـ والد المؤلّف ـ ووصفه بقوله:

شيخ القميين في عصره، ومتقدّمهم وفقيههم وثقتهم، كان قدم العراق واجتمع مع أبي القاسم بن روح(رحمه الله)، وسأله مسائل ثمّ كاتبه بعد ذلك على يد عليّ بن جعفر الأسود(15) يسأله أن يوصل رقعة إلى الصاحب(عليه السلام) ويسأله فيها الولد، فكتب إليه: قد دعونا لك بذلك، وسترزق ولدين ذكرين خيّرين.

وذكر الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة(16) أنّ عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه كانت تحته بنت عمّه محمّد بن موسى بن بابويه، فلم يرزق منها ولداً، فكتب إلى الشيخ أبي القاسم بن روح(رضي الله عنه) أن يسأل الحضرة أن يدعو الله أن يرزقه أولاداً فقهاء، فجاء الجواب: إ نّك لا ترزق من هذه، وستملك جارية ديلمية، وترزق منها ولدين فقيهين.

وفي لفظ الصدوق ـ مؤلّف الكتاب ـ قال: حدّثنا أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الأسود، قال: سألني عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه(رحمه الله) بعد موت محمّد بن عثمان العمري(رضي الله عنه) (وكانت وفاته سنة 305 هـ) أن أسأل أبا القاسم الروحي أن يسأل مولانا صاحب الزمان(عليه السلام) أن يدعو اللهU أن يرزقه ولداً ذكراً، قال: فسألته فأنهى ذلك، فأخبرني بعد ذلك بثلاثة أيّام انّه قد دعا لعليّ بن الحسين، وأ نّه سيولد له ولد مبارك ـ كذا ـ ينفعه اللهU به وبعده أولاده.

قال أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الأسود(رضي الله عنه):وسألته في أمر نفسي أن يدعو الله لي أن يرزقني ولداً ذكراً، فلم يجبني إليه وقال: ليس إلى هذا سبيل، قال: فولد لعليّ ابن الحسين(رضي الله عنه) محمّد بن عليّ ـ مؤلّف الكتاب ـ وبعده أولاد، ولم يلد لي شيء.

وهكذا تم للشيخ ـ والد المترجم له ـ ما كان يصبو إليه من الدعاء بالولد الصالح، كما تم له بعد ذلك حصول الأثر، فملك الجارية ورزق منها أوّل مولود ذكر، كان هو شيخنا ـ المترجم له ـ أبا جعفر محمّد بن عليّ الصدوق، ولعلّ في اختيار والده لاسمه ما يشعر بأ نّه من بركات دعاء صاحب هذا الاسم وهو صاحب الأمر (عجل الله فرجه الشريف)، وكانت ولادته بعد سنة (305 هـ) الّتي هي سنة وفاة العمري وأولى سني سفارة الروحي، ولعلّها كانت سنة (306) كما استقر بها السيّد الوالد دام ظلّه واستدلّ عليها، وأياً ما كان فقد ولد شيخنا الصدوق ببركة دعوة الناحية المقدّسة.

ومن الطبيعي أن يكون لتلك الدعوة أثرها في تقويم شخصيته، وتكوين مؤهلاته العلمية، حتّى توقّع الناس ظهور أثرها بيناً في تاريخه، فكان الأمر كما أملوا، وكانوا بعد ولادته ونشأته يرجعون جلّ تلك الظواهر من مميزاته إلى أثر تلك الدعوة الصالحة الّتي بارك بها الإمام(عليه السلام) وليد أبي الحسن عليّ بن موسى بن بابويه، كما كان المؤلّف نفسه يفتخر بذلك ويقول: أنا ولدت بدعوة صاحب الأمر (عجل الله فرجه الشريف)(17).

وقال في ذيل حديثه الآنف عن ابن الأسود: وكان أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الأسود(رحمه الله) كثيراً ما يقول إذا رآني أختلف إلى مجلس شيخنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد(رضي الله عنه)، وأرغب في كتب العلم وحفظه: ليس بعجب أن تكون لك هذه الرغبة في العلم، وأنت ولدت بدعاء الإمام(عليه السلام)(18).

قال أبو عبدالله بن سورة(رحمه الله): كلّما روى أبو جعفر ـ مؤلّف الكتاب ـ وأبو عبدالله الحسين ابني عليّ بن الحسين شيئاً، يتعجب الناس من حفظهما، ويقولون لهما: هذا الشأن خصوصية لكما بدعوة الإمام لكما، وهذا أمر مستفيض في أهل قم(19).

ومن الغريب ما ذكره دوايت م دونلدسن في كتابه عقيدة الشيعة(20) أنّ المؤلّف ولد بخراسان أثناء زيارة والده لمشهد الرضا، ولم نقف على مستند يثبته، وقد تابعه على ذلك صاحب المنجد في الأدب والعلوم(21).

وأغرب من ذلك ما ذكره الدكتور محمّد مصطفى حلمي ـ اُستاذ الفلسفة الإسلامية والتصوف بكلية الآداب بجامعة القاهرة ـ في تعليقه على كتاب توفيق التطبيق حيث قال: وقد ترك في صباه خراسان عام سنة (355 هـ ـ 966 م) إلى بغداد ... الخ(22).

فمع الاغماض عمّا ذكر من كونه بخراسان، إلاّ أنّ الدكتور زعم أ نّه ترك خراسان في صباه سنة (355 هـ) إلى بغداد، ولو بحث قليلا عن ولادته لعلم أ نّه حين ورد بغداد سنة (355 هـ) كان قد ناهز الخمسين من عمره، فكيف يصح قوله في صباه؟!

نشأ المترجم له تحت رعاية أبيه الّذي سبق أن وقفنا على شيء من مكانته، والّذي اشتهر بعلمه وتمسكه بدينه، وعرف بورعه وتقواه، ورجعت إليه الشيعة في كثير من الأقطار، وأخذوا عنه أحكامهم، ولم يمنعه سمو مقامه في العلم من اتخاذ وسيلة لمعاشه، وركائز تضمن الرفعة عمّا في أيدي الناس، شأن الأحرار في الدنيا، فكانت له تجارة يديرها غلمانه ويشرف عليهم بنفسه، فيعتاش ممّا يرزقه الله من فضله، ولم يشأ أن يثرى على حساب الغير، أو يكون اتّكالياً في رزقه(23).

وليس من شك أنّ أباه أولاه عناية كبيرة، ورعاه رعاية صالحة، لأ نّه أمله في هذه الحياة الدنيا، ورسالته الباقية بعده، نتيجة البشارة الّتي حبي بها من الناحية المقدّسة، فكان الفتى الكامل آية في الحفظ والذكاء، يحضر مجالس الشيوخ ويسمع منهم ويروي عنهم، فقد اختلف إلى مجلس شيخه محمّد بن الحسن بن الوليد ـ وكان من أكابر الشيوخ وأعاظم العلماء ـ وهو حدث السن.

وأدرك من أيّام أبيه أكثر من عشرين عاماً، اقتبس خلالها من أخلاقه وآدابه ومعارفه وعلومه ما سما به على أقرانه، حتّى روى عنه جميع مصنفاته، وهي مائتا كتاب فيما يذكره ابن النديم في فهرسته.

قال: قرأت بخطّ ابنه محمّد بن عليّ على ظهر جزء: (قد أجزت لفلان ابن فلان كتب أبي عليّ بن الحسين وهي مائتا كتاب، وكتبي وهي ثمانية عشر كتاباً)(24).

ومع الأسف الشديد ضياع تلك الثروة العلمية الضخمة، فلم نعثر إلاّ على أسماء ما يقارب من عشرين كتاباً ذكرها الشيخ النجاشي والشيخ الطوسي في فهرستيهما، ولم يبق منها إلاّ كتاب الأخوان الّذي يعرف بمصادقة الأخوان، ونسب اشتباهاً إلى ولده مؤلّف هذا الكتاب، ونصوصاً من رسالته الّتي كتبها إلى ابنه.

فممّا يكشف عن مزيد عناية الأب بتربية ابنه، رسالته الّتي كتبها لأجله لخص له فيها كثيراً من الاُصول الحديثية، فاختصر الطريق بطرح الأسانيد والجمع بين النظائر، والإتيان بالخبر مع قرينه حتّى قيل أ نّه أوّل من ابتكر ذلك في رسالته إلى ابنه، وكثير ممّن تأخّر عنه يحمد طريقته فيها، ويعوّل عليها في مسائل لا يجد النص عليها، لثقته وأمانته وموضعه من الدين والعلم، وهذه الرسالة من مصادر كتاب من لا يحضره الفقيه نقل عنها المؤلّف كثيراً، وصرّح بذلك.

والّذي يسترعي الانتباه كثرة مرويات المؤلّف عن طريق أبيه كثرة تفوق مروياته عن كلّ من شيوخه الآخرين، ممّا يدلّنا على مدى استعداده الذهني والنبوغ المبكّر الّذي كان له أكبر الأثر في قابليته الجيدة لكلّ ما يقرأ ويسمع.

ولا غرابة في نتائج الإحصاء والمقارنة الّتي تثبت أنّ الأب ـ وهو المنبع الأوّل من منابع ثقافة وليده المرجّى ـ بذل أقصى جهده في سبيل تثقيف ولده وإسماعه أكبر عدد من مروياته، حتّى كان أكثر ما يرويه الولد هو عن طريق شيخه الأوّل ومربّيه الأكمل، والده أبي الحسن(رحمه الله).

وللتدليل على ذلك خذ مثلا كتاباً من كتب المؤلّف(رحمه الله)، ونظّم احصاءاً شاملا لمروياته عن كلّ من شيوخه، فستخرج بنتيجة أنّ للأب السهم الأوفر من تلك الروايات.

وهذا كتابه (من لا يحضره الفقيه) لمّا كان هو أكبر كتبه وأكثرها رواية، فقد اختصر أسانيده مقتصراً على ذكر من ينتهي إليه سند الرواية، وكان هو الراوي الأوّل، ووضع في آخره مشيخة ذكر فيها إسناده إلى اُولئك الرواة الّذين ورد الحديث عنهم في الكتاب ولم يعرف طريق المصنّف إليهم، ومن هذه المشيخة يستطيع الباحث كشف حقيقة ما قلناه عن كثرة رواياته عن أبيه على قصر المدة الّتي عايشه فيها، حتّى فاقت رواياته ما يرويه عن أشهر شيوخه الآخرين وأكثرهم ملازمة زمنيّة، لتأخّر وفاته عن وفاة والد المؤلّف المذكور، كابن الوليد مثلا الّذي مات سنة (343 هـ) أي بعد وفاة عليّ بن الحسين بن بابويه بنحو خمسة عشر عاماً.

فالباحث يجد المؤلّف ذكر في المشيخة (215) راوياً روى عنهم في كتابه من طريق أبيه، بينما روى عن (124) راوياً من طريق شيخه محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، وعن (50) راوياً من طريق محمّد بن عليّ ماجيلويه، وعن (39) راوياً من طريق محمّد بن موسى بن المتوكل، وهؤلاء من أشهر شيوخه الّذين اشتهر بالتلمذة عليهم والأخذ عنهم، وعرف بشدة الإتصال بهم.

وهكذا تتضاءل النسبة في مروياته عن سائر شيوخه الآخرين الّذين هم دون هؤلاء شهرة أو أقل اتصالا بهم.

وكذلك تكون نتائج الاحصاء عند المقارنة بين مروياته في سائر كتبه الأخرى، فهذان كتابا معاني الأخبار والأمالي، نجد المؤلّف يكثر الرواية عن طريق أبيه فيهما حتّى فاق ما يرويه عن طريقه سائر ما يرويه عن باقي شيوخه، فله في كتاب المعاني ما يناهز المائتين، وفي كتاب الأمالي ما يقرب من (160) حديثاً، بينما نجد جميع ما يرويه عن طريق شيخه محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد في الكتابين معاً، لا يبلغ ما يرويه عن أبيه في كتاب المعاني وحده، أمّا إذا نظرنا إلى الأحاديث الّتي يرويها عن شيخه محمّد بن موسى بن المتوكّل، فجميع ما ورد عن طريقه في الكتابين معاً لا يبلغ (120) حديثاً، وعلى هذا القياس تتضاءل أيضاً نسبة مروياته عن سائر شيوخه الآخرين في هذين الكتابين(25).

وثمّة ظاهرة في مؤلّفات هذا الشيخ الجليل لها قيمتها، هي توريخه السماع غالباً مع ذكر المكان ممّا يزيد في قيمة السند والرواية.

فإنّا إذا رجعنا إلى كتب المؤلّف(رحمه الله)، نجده يمتاز في أسانيده عن شيوخه الكثيرين بتحديد زمان سماعه، والمكان الّذي سمع فيه غالباً، وهذه الظاهرة كما أوقفتنا على منهج المؤلّف، دلّتنا على ما أنار لنا جوانب من تاريخه أهملها مؤرّخوه.

فهو لم يقتصر في أخذه عن مشايخ بلده فحسب، بل رحل إلى كثير من البلدان طلباً للحديث واستزادة في العلم، وسمع الكثير من شيوخ العلم في مختلف الحواضر العلمية، وربّما حدّث هو في بعض تلك البلاد، فسمع منه أشياخ البلد على حداثة سنّه.

وقد ذكر شيوخه سماحة سيّدي الوالد دام ظلّه، فأنهى عددهم إلى أكثر من مائتي شيخ، اقتبسنا منهم العلويين خاصة، فذكرناهم في مقدّمة كتابه (التوحيد) مع بسط تراجمهم فكانوا سبعة(26).

أمّا البلاد الّتي رحل إليها فأوّلها الري، وقد التمسه أهلها للإقامة بينهم، وزاد في اقناعه باجابتهم ما طلبوا وجود الأمير ركن الدولة البويهي، وما كان عليه من رعاية العلماء وإكرامهم والقيام بشؤونهم، ولم نعثر على تحديد تاريخ هجرته إلى الري، إلاّ أنّ في أسانيده ما يشير إلى وجوده بقم في رجب سنة (239 هـ) حيث سمع بها من الشريف أبي يعلى حمزة بن محمّد الزيدي العلوي(27)، كما إنّا نجده يحدّث عن سماعه في الري من أبي الحسن محمّد بن أحمد الأسدي المعروف بابن جرادة البردعي في رجب سنة (347 هـ)(28)، وأ نّه لم تنقطع صلته بوطنه الأوّل قم، فربّما دخلها إمّا لزيارة المشهد فيها أو للقاء الشيوخ، كما يظهر من مقدّمة كتابه إكمال الدين حين صرّح بوجوده بقم، وذلك بعد عودته من زيارته للمشهد الرضوي، وكانت زيارته الاُولى سنة (352 هـ) فقد اجتمع بقم بالشيخ نجم الدين أبي سعيد محمّد بن الحسن بن محمّد بن أحمد بن عليّ بن الصلت القمي، وكان قد ورد من بخارى فذاكره في أمر الغيبة وسأله أن يصنّف فيها كتاباً(29).

وقد خرج إلى خراسان قاصداً زيارة الإمام الرضا(عليه السلام) في طوس سنة (352 هـ) فاستأذن الأمير البويهي ركن الدولة فأذن له، ولمّا خرج من عنده
استدعاه ثانياً وسأله أن يدعو له عند المشهد(30)، فكانت تلك الزيارة هي اُولى زياراته الثلاث، فقد زار المشهد ثانياً سنة (367 هـ) بعد موت الأمير البويهي المذكور بسنة، كما زار المشهد ثالثاً في سنة (368 هـ) في طريقه إلى بلاد ما وراء النهر.

وفي سنة (352 هـ) في شعبان كان في نيسابور في طريقه إلى المشهد الرضوي، فسمع في ذلك التاريخ أبا الطيب الرازي(31)، وابن عبدوس النيسابوري(32)، وأبا سعيد المعلم(33)، والحسين بن أحمد البيهقي، وكان سماعه منه في داره(34).

وقد سمع في نيسابور من شيوخ آخرين لم نعثر على تاريخ سماعه منهم، فلا ندري هل في سفره هذا أم في أسفاره الّتي بعد ذلك، وكان منهم أبو نصر الضبي وقال عنه: وما لقيت أنصب منه، وبلغ من نصبه أ نّه كان يقول: اللّهمّ صلِّ على محمّد فرداً، ويمتنع من الصلاة على آله(35)، وعبدالله بن محمّد بن عبدالوهاب السجزي(36)، وأحمد بن إبراهيم الخوزي(37).

وفي مرو الروذ سمع من رافع بن عبدالملك، ومحمّد بن عليّ بن الشاه الفقيه المروذي في داره، كما سمع في سرخس أبا نصر محمّد بن أحمد بن إبراهيم بن تميم السرخسي الفقيه، كلّ ذلك في طريقه إلى خراسان في أسفاره إليها.

ولمّا عاد من خراسان في سنته تلك (352 هـ) توجّه إلى بغداد في طريقه إلى الحجّ فدخلها في تلك السنة، وسمع منه شيوخ الطائفة وهو حدث السن(38)، وقد
سمع ببغداد من جماعة منهم أبو الحسن عليّ بن ثابت الدواليبي(39)، والشريف النسّابة أبو محمّد الحسن بن محمّد بن يحيى العلوي المعروف بابن أخي طاهر بداره طرف سوق العطش، كما أجاز له ممّا صح عنده من حديثه(40).

ويبدو أ نّه لم يتجاوز بغداد في سفره هذا، لكنه في سنة (354 هـ) حجّ بيت الله الحرام، فسمع بالكوفة من محمّد بن بكران النقاش(41)، ومن أحمد بن هارون الفامي في مسجد الكوفة(42).

ومن الحسن بن محمّد بن سعيد الهاشمي الكوفي(43)، وهؤلاء قد أرّخ سماعاته منهم، وأ نّها في سنة (354 هـ).

أمّا الّذين لم يؤرّخ سماعاته منهم، وصرّح بسماعه منهم في الكوفة فهم عليّ ابن عيسى المجاور في مسجد الكوفة، وأبو القاسم الحسن بن محمّد بن السكوني المذكر الكوفي، ومحمّد بن عليّ بن الفضل الكوفي في مسجد أميرالمؤمنين(عليه السلام)في الكوفة، وعليّ بن الحسين بن شقير الهمداني في منزله بالكوفة(44)، وغيرهم ممّن لم يسمّهم، فقد ذكر في نوادر كتابه الفقيه أ نّه سمع رجلا من أهل المعرفة باللغة في الكوفة(45).

كما سمع بعد منصرفه من الحجّ بفيد ـ وهو اسم مكان منتصف الطريق تقريباً بين مكة والكوفة ـ من أبي عليّ أحمد بن جعفر البيهقي(46)، وسمع ممّن يثق به من أهل المدينة في شأن وادي مهزور، والظاهر أنّ سماعه منه كان بها(47).

ولمّا قفل راجعاً إلى الري، ومرّ في طريقه بهمدان، سمع بها من الفضل بن الفضل بن العبّاس الكندي وأجازه(48)، ومن القاسم بن محمّد بن أحمد بن عبدويه الزاهد السراج الهمداني(49).

وفي سنة (367 هـ) توجّه لزيارة المشهد الرضوي ثانياً، حيث أملى المجلس الخامس والعشرين من أماليه في يوم الجمعة (13) ذي الحجة من تلك السنة، وعاد إلى الري في سنة (368 هـ) حيث أملى المجلس السابع والعشرين في يوم الجمعة غرة المحرم سنة (368 هـ) بها.

وفي شهر رجب توجّه لزيارة المشهد الرضوي ثالثاً، ومرّ في طريقه بنيسابور، فأملى عدة مجالس من أماليه، منها في دار الشريف أبي محمّد يحيى بن محمّد العلوي الأفطسي المعروف بشيخ العترة وسيّد السادة المجلس التاسع والثمانين في يوم الأحد غرة شعبان من تلك السنة.

وأملى بنيسابور عدة من مجالسه، آخرها ما أملاه يوم الجمعة (12) شعبان، وهو المجلس الثالث والتسعون، وسافر إلى طوس لزيارة المشهد، فكان بها يوم الثلاثاء (17) شعبان حيث أملى المجلس الرابع والتسعين، وهكذا بقي في المشهد الرضوي حتّى ختم أماليه بالمجلس (97) يوم الخميس (19) شعبان من سنة (368 هـ).

وتوجّه إلى بلاد ما وراء النهر، فدخل بلخ وسمع بها جماعة من شيوخ الحديث، منهم الحسين بن محمّد الأشناني، وعبيدالله بن أحمد الفقيه وقد أجازه، وطاهر بن محمّد بن يونس بن حيوة الفقيه، ومحمّد بن سعيد بن عزيز السمرقندي وغيرهم.

وورد سرخس، فسمع محمّد بن أحمد بن تميم السرخسي الفقيه، كما دخل سمرقند وسمع بها عبد الصمد بن عبد الشهيد، وعبدوس بن عليّ الجرجاني، ووصل إلى إيلاق ـ وهي كورة تتاخم كور الشاش وهما من أعمال سمرقند ـ فأقام بها، وسمع الحديث من محمّد بن الحسن بن إبراهيم الكرخي الكاتب، ومحمّد بن عمرو بن عليّ بن عبيدالله البصري.

وفي مدّة إقامته بها اجتمع بالشريف أبي عبدالله محمّد بن الحسن العلوي المعروف بنعمة، وسمع كلّ منهما من الآخر، ووقف الشريف المذكور على أكثر مصنّفات الصدوق الّتي كانت معه فنسخها، كما سمع منه أكثرها، ورواها عنه كلّها، وكانت مائتي كتاب وخمسة وأربعين كتاباً(50).

ودخل فرغانة، وسمع بها من محمّد بن جعفر البندار الشافعي، وإسماعيل بن منصور بن أحمد القصار، وتميم بن عبدالله بن تميم القرشي وغيرهم.

وهكذا نرى المؤلّف وهو في سن الشيخوخة ـ إذ قد تجاوز الستين ـ لا يزال يطوي المسافات الشاسعة في طلب الحديث وسماعه وإسماعه، ومعه من مصنّفاته (245) كتاباً.

وأكبر الظنّ أ نّه لم يسافر بعد سفره إلى ديار ما وراء النهر في سنة (368 هـ) حتّى توفى سنة (381 هـ) بالري، إذ لم نعثر على ما يشير إلى ذلك، ولا شك أ نّه كان في اُخريات أيّامه بالري، حيث أقام بها بعد أن قطع المسافات الشاسعة، وطاف كثيراً من البلدان النائية في سبيل سماع الحديث وإسماعه لم يتلهّف لماضي تمنى رجوعه، كما لم يتوجّع لحادث يخشى وقوعه، بالرغم من تقدّم سنه في الشيخوخة، ومضافاً إلى مكانته الإجتماعية، وصلاته الوثيقة برجال الحكم في الري، فانّه لو أراد أن ينعم بظلال الحياة الوارف كغيره من القابعين في بيوتهم; لكان ذلك من أيسر ما يروم، لكنّه العالم الّذي عرف لذة العلم، فهو لا يأنس إلاّ بكتابه، ولا يطربه إلاّ صرير قلمه، ولا يرى الكرامة والسعادة إلاّ بين المحابر والدفاتر.

فلا غرابة إذا ما أنتج عقله النتاج القيّم، وأثمر علمه الكثير الطيب، فهو في نحو سبعة عقود ونصف من أعوام الحياة الّتي عاشها، غذّى المكتبة الإسلامية في فنون العلم والآداب نحواً من ثلاثمائة مصنّف(51)، وقيل أكثر من ذلك.

وقد ذكر سماحة سيّدي الوالد دام ظلّه في رسالته حياة الشيخ الصدوق تفصيل أسماء آثاره، مع الإشارة إلى ما وصلت إلينا نسخته، وهو يبلغ العشر بالنسبة إلى ما حفظ اسمه واندثر رسمه، ومجموعها (220) كتاباً ورسالة، أمّا ما بقي فقد استأثر به التاريخ، فلم يسمح حتّى باسمه.

وقد ذكرت في مقدّمة كتاب التوحيد(52) تفصيل آثاره الباقية مع الإشارة إلى المخطوط والمطبوع منها، وأنّ فيها وفيما بقي من أسماء كتبه الاُخرى، الّتي سجلها أصحاب الفهارس وما لم يسجّلوها(53) لدلالة على جودة البضاعة ووفور الرصيد العلمي; حتّى تفجّرت تلك العقلية عن مئات من المصنّفات في فنون الآداب والعلوم الإسلامية.

فألّف في التفسير والفقه، والحديث، والكلام، والعقائد، والتاريخ، والرجال، والأخلاق، والآداب الشرعية، والدعاء، والزيارات، سوى ما كتبه في أجوبة المسائل الواردة إليه من سائر البلاد الإسلامية كمصر، وبغداد، والكوفة، والبصرة، وواسط، والمدائن، ونيسابور، وقزوين، أو ما كتبه في جواب مسائل شخصية; كجوابه إلى أبي محمّد الفارسي في شهر رمضان وغيره.

 

كتاب معاني الأخبار:

1 ـ توطئة:

لقد استفدت من خلال تجاربي في تقديم بعض الكتب أنّ أجدى سبيل، وأقرب أداة لتعريف المؤلّف وكتابه، هو ما يستفيده الباحث من نفس الكتاب أوّلا، وبما سجّله الآخرون عنه ثانياً، وهي طريقة حمدتها كثيراً، ولمست نتائجها الحسنة المثمرة، ونوّهت بها مكرراً.

فصار من عادتي حين يطلب إليِّ تقديم كتاب ما واُجيب الطلب، أن أبدأ بملاحظة الكتاب مرّة بعد اُخرى، أتصفح أبوابه وفصوله، وربّما قرأت الكتاب كلّه، أو فصولا وأبواباً منه، لاُسجل ما تقع عيني عليه ممّا يلفت نظري، وأرى في تسجيله مادة للتقديم، وينفعي إمّا في تعريف المؤلّف أو الكتاب.

ومن الطبيعي انّ أوّل ما أقرأ منه هي افتتاحية المؤلّف، وتسمّى بخطبة الكتاب وبالمقدّمة أيضاً، لأتعرّف السبب الّذي دعا المؤلّف إلى تأليفه ذلك، ثمّ موضوع الكتاب والمنهج الّذي سلكه فيه.

هذه هي عادتي ولعلّها عادة كثير من اخواني الباحثين.

فكان أوّل ما لفت نظري في هذا الكتاب ـ معاني الأخبار ـ هو خلوه عن المقدّمة الّتي يفتتح بها عادة الكتاب لتعريف الموضوع والمنهج والسبب، وللمقدّمة شأن في تعريف الكتاب، وقد جرت عادة المؤلّفين على اثباتها في أوّل كتبهم سواء منهم الأقدمون ومنهم شيخنا الصدوق(رحمه الله) في بعض كتبه، أو المحدثون وإن اختلفت أنظارهم إليها وأساليبهم فيها، فبين مطوّل ومطنب، وبين موجز ايجازاً كبيراً، ولكن مع غاية الإيجاز فهم لا يتركون الكتاب بدون مقدّمة غالباً إلاّ لعذر(54).

فهذا أبو الفرج محمّد بن إسحاق الورّاق الكاتب المعروف بابن النديم (ت 385 هـ)، وهو من معاصري شيخنا الصدوق(رحمه الله)، صدّر كتابه الفهرست بخطبة موجزة أبان فيها سبب إيجازه ذلك حيث قال:

«ربّ يسّر برحمتك، النفوس تشرئب إلى النتائج دون المقدّمات، وترتاح إلى الغرض المقصود دون التطويل في العبارات، فلذلك اقتصرنا على هذه الكلمات في صدر كتابنا هذا، إذ كانت دالّة على ما قصدناه في تأليفه إن شاء الله، فنقول وبالله نستعين..

فهذا فهرست كتب جميع الاُمم من العرب والعجم، منذ ابتداء كلّ علم اخترع إلى عصرنا هذا، وهو سنة سبع وسبعين وثلثمائة للهجرة»(55).

وقد رجعت إلى بقيّة مؤلّفات الشيخ الصدوق(رحمه الله) الّتي وصلت إلينا أعيانها، أبحث فيها عن موضوع المقدّمات في مفتتحها، فوجدت جملة منها بلا مقدّمات، وجلّ تلك الكتب ممّا لها مكانة محترمة بين مؤلّفات الشيخ الصدوق، ولفت نظري أيضاً انّ بينها كتاب يلتقي وكتابنا هذا في أكثر من نقطة إذ يسايره بحثاً ونهجاً، ويشابهه مادّة، ويواكبه موضوعاً، وذلك هو كتاب (علل الشرائع).

وهذا ما ترك باب التخمين والتخرص في ادراك السبب لتركهما وعدة اُخرى بدون تقديم مفتوحاً أمامي، وافترضت عدة احتمالات أثبتها لنرى أيّها أنسب بالمقام، وأقرب إلى تخمين الواقع:

1 ـ احتمال أنّ هذين الكتابين بمثابة مجاميع أو مسودات حشد المؤلّف فيهما مادّة الكتاب، وهو لم ينتهي بعد من إقرار الصورة النهائية لوحدتها التأليفية، لذلك لم يقدّم لهما.

وهذا احتمال قد يتبادر إلى أذهان البعض، ولكنّه لا يثبت أمام حوالات المؤلّف من وعلى هذين الكتابين، أحدهما على الآخر وعليهما باسميهما في سائر كتبه الاُخرى، ممّا دلّ على انّ كلّ واحد منهما كتاب انتهى المؤلّف من تأليفه، وله وحدته التامة وطابعه الخاص حتّى صار أهلا للحوالة عليه.

ولا يمنع من ذلك الحاق المؤلّف اضافات ببعض كتبه، فقد أوضحت بيان ذلك في مقدّمة كتاب الخصال(56) في بيان الحوالة الدورية بعد نهاية تأليفه.

2 ـ احتمال أنّ المؤلّف صدّر كتابيه هذين وسائر كتبه بمقدّمات، لكنّها لم تصل إلينا لأنّ النسخ الّتي وصلت إلينا ناقصة، وهذا مع أ نّه احتمال واه في نفسه، يدفعه أنّ النقص إن كان مصدره النسخ الأصلية للمؤلّف ـ وهي الاُم ـ فهو خلاف فرض الاحتمال، وإن كان من النسخ الّتي تفرّعت عنها، فيبعده سقوط جميع المقدّمات من جميع تلك النسخ في جميع تلك الكتب.

3 ـ احتمال أنّ المؤلّف سها أو شغل عن وضع خطبة لتلك الكتب، وهذا كسابقه في تفاهته وردّه، وكيف يسهو المؤلّف أو يشغل عن تقديم جملة من كتبه، وهي كتب لها أهمية بين مؤلّفاته الاُخرى، ولو كان فرض السهو في كتاب واحد لأمكن احتماله، لكنّه في عدّة من كتبه بعيد غايته.

4 ـ احتمال أنّ المؤلّف كان عامداً في ترك التقديم، وهادفاً في ذلك تجنب الآثار الّتي قد تنجم عن الإفصاح في مقدّمات تلك الكتب عن الموضوع والهدف والسبب، أو لحاجة اُخرى في نفسه.

هذه محتملات المقام ولعلّ رابعها أقواها في النفس، إذا ما قرأنا ما في كتابنا هذا وكتاب علل الشرايع ـ الّذي هو صنو كتابنا في مكانته بين سائر مؤلّفات الشيخ الصدوق، بل هما الوحيدان في موضوعيهما ممّا وصل إلينا من كتب شيوخنا الأقدمين كوحدة تامة قائمة بذاتها في التأليف ـ ولاحظنا بإمعان ما عالج فيهما المؤلّف من مواضيع حساسة في الدين، وأحكام الشريعة، وما يمت إليهما بصلة كمسائل التوحيد، والعدل، والإمامة، والروح، والكون، والآخرة، وهي أبحاث شائقة شائكة يتحامى كثير من العلماء الخوض فيها فضلا عن التأليف، لأ نّها تصطدم وآراء جملة من أصحاب الفرق والمذاهب المعاصرة يومئذ، وقلّ أن يسلم المؤلّف فيها من نقد أو تجريح أو مؤاخذة، خصوصاً وأنّ الصراع المذهبي يومئذ على أشدّه.

فألّف الشيخ الصدوق(رحمه الله) كتابيه ـ المعاني والعلل ـ كجواب عملي هادىء لتلك الأصداء الّتي كانت تثيرها التيارات الفكرية، وعالج فيها بعض المسائل الّتي أثار البحث فيها كثيراً من الشكوك والأوهام، حتّى أحدثت هزات عنيفة في هيكل الوجود الإسلامي.

ولم يشأ أن يقدّم لهما ببيان السبب الداعي إلى التأليف، أو كشف الموضوع الّذي يروم الخوض فيه; لئلاّ يثير لغط فرقة أو إجلاب اُخرى.

وقد يكون لهذا الاحتمال نصيب من الوجاهة، إذا ما عرضنا بايجاز لمجموعة من النصوص تعكس لنا حالة العصر الّذي ألّف فيه الشيخ الصدوق كتابيه، وهو العصر الّذي نشطت فيه الحركات الفكرية لدى أصحاب الفرق ومن ورائها الأجهزة الحاكمة السياسية ذات الاتجاهات المتباينة والمصالح المتعاكسة.

 

النشاطات المختلفة في القرن الرابع الهجري:

(والمهم في تاريخنا أن نقلّبه كلّ مقلّب، لا ندلّس فيه ولا ندالس، نخادع ونداهن، لنتعرف الحقائق في صورتها الجلّية النافعة)(57).

فليس من شك أو ريب أنّ القرن الرابع الهجري كان من عصور الحضارة الإسلامية الزاهية، ازدهرت فيه الحركات الفكرية بالنشاطات العقائدية، فتركت ثروة فيها فنون من العلم والمعرفة، غذّت الأجيال المتأخّرة، بمعطيات عقلية جمّة.

وليس من شك كنتيجة لتطوّر الذهنية العربية; للتزاوج والتمازج مع الشعوب الاُخرى الّتي دخلت في الإسلام، فقد بدت آراء ومنازع فكرية نقداً وتأييداً لجملة من الألفاظ الدينية والمعتقدات في الشريعة، وصارت آيات القرآن الحكيم، وأحاديث الرسول الكريم(صلى الله عليه وآله وسلم)، عرضة لتلك النوازع والآراء.

ومن ثمّ ظهر النشاط الملموس لبعض المدارس الفكرية، وحدثت الانقسامات حتّى تعدت ميادين الفكر والقلم إلى صراع دموي أحياناً بين أصحاب المذاهب والفرق.

ففي أواخر القرن الثالث خرج أبو الحسن الأشعري (ت 330) على المعتزلة بعد أن كان منهم، وبدأ يحاربهم بسلاحهم، وعلى هذا نشأ في القرن الرابع الهجري المذهب الكلامي الرسمي القائم على العلم والنظر العقلي، وكان مذهب الأشعري مذهب توفيق، وذلك شأن كلّ مذهب رسمي، ولذلك سمي مذهباً أوسط(58).

(وفي غضون القرن الرابع الهجري، كان أصحاب مذهب السنّة القدماء يحاربون الشيعة الّذين صغروا خدودهم ببغداد، ويضيّقون على متكلّمي المعتزلة في سائر البلاد حتّى نغّصوا عليهم العيش)(59).

(ولكن الحنابلة كانوا (وظلوا) يخاصمون الأشعري، فيقول ابن الجوزي (في القرن السادس) إنّ الأشعري ظلّ على مذهب المعتزلة زماناً طويلا ـ 40 سنة ـ ، ثمّ تركه وأتى بمقالة خبط بها عقائد الناس).

(وفي أقصى المشرق كان الماتريدية ينافسون الأشاعرة، وذلك على الرغم ممّا بين الفريقين من تشابه في أصل المذهب.

وكان لابدّ للأشاعرة أيضاً أن يدرأوا هجمات الحنابلة الّذين كان شيخهم حوالي عام 400 يلعن أبا الحسن الأشعري أمام الملأ وينال من الأشاعرة)(60).

(ونبغ رجل متنسك بالزهد من سجستان يقال له أبو عبدالله بن كرام، قليل العلم قد تحشى من كلّ مذهب ضغثاً وأثبته في كتاب وروّجه على أغتام ـ من لا يفصح في كلامه ـ غزنة وغور وسواد بلاد خراسان، فانتظم ناموسه وصار بعد ذلك ـ في القرن الرابع ـ مذهباً قد نصره محمود بن سبكتكين السلطان(61) وجرّ البلاء على أصحاب الحديث والشيعة من جهتهم، وهو أقرب مذهب إلى مذهب الخوارج وهم مجسّمة)(62).

فكان لابد للأشاعرة أيضاً (أن يقاوموا هجمات الكرامية الّذين تحزبوا على الأشاعرة)(63).

(ولمّا كانت كلّ فرقة من الفرق في هذا العصر ـ القرن الرابع الهجري ـ تعتد بالقرآن وترجع إليه، بحيث كان مصدرها الأكبر للاستشهاد ومستودعها الّذي تتسلح به في أدلّتها، فقد كان لابدّ للقرآن ككلّ كتاب مقدّس أن يتعرض لكثير من التكلف في التفسير)(64).

فإنّ (القرآن الكريم هو الأصل الأوّل لهذه الشريعة، وعلى هذا أجمع المسلمون لا فرق في ذلك بين سنّي وشيعي، فهو عمادها وفيه الأصل لها، وهو الجامع لكلياتها والسنّة هي بيانه، وعلى هذا اتفق الجمهور مع الشيعة.

فالكتاب عند الجميع هو حبل الله الممدود إلى يوم القيامة، وهو نوره المبين الهادي إلى الحق وإلى صراط مستقيم)(65).

(لأ نّه الكتاب الّذي يضمن اصلاح البشر ويتكفّل بسعادتهم وإسعادهم، والقرآن مرجع اللغوي، ودليل النحوي، وحجة الفقيه، ومثل الأديب، وضالة الحكيم ومرشد الواعظ، وهدف الخُلقي، وعنه تؤخذ علوم الاجتماع والسياسة المدنية، وعليه علوم الدين، ومن إرشاداته تكتشف أسرار الكون ونواميس التكوين)(66).

فكان من الطبيعي أن تنشأ الخلافات حول تفسير ذلك الكتاب العزيز الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، بحسب اختلاف الأفهام، وكيفية الاستفادة منه.

وكثر البحث بين أصحاب الفرق الآنفة الذكر خصوصاً المعتزلة والأشاعرة حول مسائل بالغة الأهمية في الدين كمسائل الخالق جلّ وعلا فجعلوا الأسماء والصفات الإلهية وحتّى في وجوب الإيمان بالله تعالى وذهبت كلّ فرقة إلى خلاف ما قالت فيه الأخرى.

فالمعتزلة يرون ـ في أساس وجوب الإيمان بالله تعالى ـ انّه العقل، والأشاعرة يرون انّه الشرع لأنّه واجب علينا شرعاً أن نؤمن بالله تعالى والماتريدية يرون انّ وجوب الإيمان بالله أساسه الأمر الإلهي ـ كما يرى الأشاعرة ـ ولكن هذا الأمر يدركه العقل ـ أي ان العقل وإن لم يكن المرجع للإيمان بالله فإنّه الأداة في ذلك»(67).

وفي الصفات الإلهية ومسألة الحسن والقبح ومسائل الكون والنفس والآخرة اختلف في ذلك المسلمون، فالمعتزلة كانوا يرون ان العقل هو مقياس هذا كلّه، فكان واجباً عليهم أن يستأصلوا ما لا يتفق وسموّ الله تعالى من الأفهام أو التصورات التجسيمية التي توجد في المذهب السنّي التقليدي هذا المذهب الّذي كان لا يقبل شيئاً غير التصديق الحرفي للتعابير أو النصوص المجسّمة والمشبهة الّتي جاءت في القرآن والحديث»(68).

ومن ثمّ نشأت مسألة فكرة الإيمان الأعمى بحرفية النص، فقالت الأشاعرة بالرؤية وهذّبها بعضهم فقالوا (بلا كيف) وللزمخشري نبز لأهل السنّة في شعر معروف وردت فيه لفظة (بلكفة) ومعناها (بلا كيف). وكثرت التأويلات الباطلة وتنازع آي الذكر الحكيم وأحاديث الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) أصحاب الأهواء والبدع كلّ يفسّر بما يشتهيه، حتّى انّ الشلمغانيّة وهم أتباع ابن أبي العزاقر الملحد الحلولي أوّلوا القرآن عن معانيه الظاهرة، فمثلا قالوا: انّ الجنة معرفتهم وانتحال مذهبهم ومعنى النار الجهل بهم والصدود عن مذهبهم.

وقس على ذلك القرامطة والباطنية والكرامية وأصحابهم ممن كان على شاكلتهم، ومتسماً بطابع انحرافي في اتجاهاته يجافي الدين ويضادد أحكامه.

وإلى جانب هؤلاء جميعاً (كذلك كان لابدّ لللغويين من التدقيق في الألفاظ حتّى أمكن وضع مصطلحات دينية خاصة تتميز عن اللغة المألوفة)(69).

(وكذلك ظهرت في القرن الرابع دراسة جدية للاشتقاق اللغوي وبقيت عصراً طويلا)(70).

وقد لجأ الأشاعرة إلى التعمل اللغوي، والاستفادة من الاشتقاق اللفظي وتعدد المعاني في اللغة، وحين لا يسعفهم فقه اللغة بحاجاتهم تظهر آثار حنقهم عليه، فمثلا لمّا رووا (انّ الجحيم سوف لا ترضى حتّى يضع الجبار قدمه فيها) فجاء التفنن المقنوع الّذي استخدمه أهل السنّة في هذا النصّ المضايق للفهم أو للتصور لله تعالى، فتارة حذفوا الفاعل الظاهر واستبدلوه بالضمير المستتر، واُخرى فسّروا الجبّار بمعنى العاصي المتمرد إذ لم تنجح كلتا المحاولتين فأوّلوا القدم بمعنى جماعة من الناس ترسل إلى الامام، ولكن ذلك لم يثبت أيضاً أمام ما رووه هم أنفسهم في صورة اُخرى ورد فيها (رجل) بدل (قدم) ويكون المراد بها هو العضو المخصوص، تعالى الله عمّا يصفون، فقالوا له بالبلكفة الّتي مرت الإشارة إليها، إلى غير ذلك من التمحلات التافهة.

ونشطت في ذلك القرن مسألة حرية التفسير بالرأي، حتّى أفرط قوم في ذلك فنبذوا كثيراً من الأحاديث للتشكيك في صدورها لأ نّها لا تلتقي ومنازعهم الفكرية، فاهتموا بالقرآن وحده، وأمّا الحديث فقد كان اهتمامهم به أقل من القرآن، إذ كان لديهم الوسيلة السهلة الميسورة وهي ان يعلنوا ببساطة عدم صحة الأحاديث التي توجد فيها تعابير شائكة، وبذلك لا يشغلون أنفسهم بعد هذا بشيء من التفسير والتأويل العقلي(71) وهؤلاء هم المعتزلة وإلى جانب هؤلاء كان إفراط الآخرين الذين جهدوا على الأثر، ولم يكن للعقل في ميزانهم أي حساب وأضاعوا هم الآخرون طاقات عقلية مثمرة، نتيجة حسابهم الخاطئ بأنّ التعدي عن الأثر إنّما هو تفسير بالرأي، وهؤلاء هم الأشاعرة.

(فكلّ تفسير يجب أن يستند إلى أثر وارد عن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) ولا يجوز أن يعتمد فيه على الرأي، ولا يكون القول بالرأي إلاّ في التفسير اللغوي للألفاظ)(72).

وتوسعت شقة الخلاف وكان النزاع المذهبي آخذاً بالنشاط المتزايد الملموس تدعمه قوى الأجهزة الحاكمة الّتي كانت تستفيد من أئمّة المذاهب في مصالحهم السياسية وهم الّذين عناهم الغزالي (في القرن السادس) بقوله:

(فلما أفضت الخلافة إلى أقوام تولوها بغير استحقاق ولا استقلال بعلم الفتاوى والأحكام اضطروا إلى الاستعانة بالفقهاء وإلى استصحابهم في جميع أحوالهم لاستفتائهم في أحكامهم)(73) وكانت النتائج السيئة لذلك الصراع انتصار أصحاب المذهب الرسمي على خصومهم وانكماش الآخرين، منتظرين مواتاة الظروف، كما كانت ردود الفعل الّتي تحدث تبعاً لتغير الزمان والمكان قاسية جداً، والشواهد على ذلك كثيرة، من قبل القرن الرابع وفيه وبعده.

(فحينما كان للمعتزلة الحظ في أن يكون مذهبهم هو المذهب الرسمي في عهد ثلاثة من خلفاء العباسيين فرض هذا المذهب على الناس بقسوة التفتيش والتحقيق والإرهاب)(74).

(وتأصّل مذهب مالك والشافعي وابن حنبل وأبي حنيفة بسلطان تلاميذهم وأنصارهم وراح كلّ ملك يحرص على نشر مذهبه إذا مكّن له في الأرض بادر الناس إلى الأخذ بمذهبه وحرصوا على اتباع ملكهم أو أميرهم حرصهم على اتباع إمامهم.

يقول ابن حزم: إنّ مذهبين انتشرا في بدء أمرهما بالرياسة والسلطان، الحنفي بالمشرق والمالكي بالمغرب)(75).

وبلغ الحال في القرن الرابع أنّ بعض الحاكمين أمر بحمل الرعية على اختلاف مذاهبهم على العمل بكتاب واحد يرتضيه بحجة قسم الفوضى، وهو أمر ورثوه من المنصور والمأمون وغيرهما ممّن سبقت أيّامهم.

كما صنع الوزير يعقوب بن كلس وزير الفاطميين بمصر، فإنّه ألّف كتاباً في فقه الإسماعيلية، حرّج على الناس أن لا يطالعوا غيره، ونشط الفاطميون كلّ من حضره ودعاه.

وكان ابن كلس أحضر في سنة 380 هـ جماعة الفقهاء وأهل الفتيا وأخرج لهم كتاب فقه عمله وقال: هذا عن مولانا الإمام العزيز بالله(عليه السلام) عن آبائه الكرام، وقرأ عليهم رسالته، وبعض كتاب الطهارة، وهذا الكتاب يعرف بالرسالة الوزيرية، ويقال: انّه جمع على عمل هذه الرسالة أربعين فقيهاً(76).

ومرت الإشارة إلى مذهب الكرامية ونصرة السلطان محمود بن سبكتكين له وجرّ البلاء على أصحاب الحديث والشيعة من جهتهم.

وقد دامت البلية وتفاقم الشرّ حين أصدر الخليفة القادر العبّاسي في سنة 408 كتاباً عرف باسم الاعتقاد القادري نهى فيه عن الكلام والمناظرة في الاعتزال والرفض والمقالات الأخرى المخالفة للإسلام، وكتب الفقهاء خطوطهم فيه: انّ هذا اعتقاد المسلمين ومن خالفه فقد فسق وكفر.

وامتثل السلطان محمود في غزنة أمر أميرالمؤمنين واستنّ بسنّته في قتل المخالفين ونفيهم وحبسهم وأمر بلعنهم على المنابر (وصار ذلك سنّة في الإسلام)(77).

وكانت بلد الري ـ وهي موطن شيخنا الصدوق(رحمه الله) وهي مدينة مشهورة من اُمهات البلاد وأعلام المدن(78) ـ أجمع البلاد للمقالات والاختلافات في المذاهب على تضادها وكثرتها كما يقول ابن فارس اللغوي الشهير(79).

ففي مثل هذا العصر المليء بالمفارقات العجيبة والمآسي الغريبة، وفي خضم تلك الأحداث المذهبية ووسط تلك التيارات الفكرية المتصارعة، يكتب شيخنا الصدوق(رحمه الله) كتابيه (معاني الأخبار وعلل الشرائع)، ويبحث فيهما كثيراً من المسائل المتنازع فيها من عقائد دينية، ومصطلحات في الشريعة وردت في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة.

ونظراً إلى انّ بعضها كان منه منطلق الهمز واللمز وعنده انقسمت الفرق فجعلت من وحدتها شيعاً وأحزاباً، وأشعلت بينها نار الفتن والخصومات، كان من الوجاهة بمكان أن لا يقدّم الشيخ الصدوق لكتابيه مقدّمة يكشف فيها الدواعي والأسباب في تأليفه، ما دام ـ وهو شيخ الشيعة ورئيس المحدّثين، الحافظ للأحاديث، البصير بالفقه والأخبار والرجال، الناقد للأخبار، الّذي لم ير في القميين مثله في حفظه وكثرة علمه ـ حتّى وُصف بمبارز القميين(80) ـ غرضه تصحيح بعض المفاهيم الخاطئة عن تلك المسائل العقيدية والمصطلحات الدينية، وهو الحريص على كلمة الإسلام ونواميسه وأعرافه وحدوده.

فلا يهمه التقديم بقدر ما كانت تهمّه النتيجة، ويهدف نحو الغرض المقصود، دون أن يعير الأسباب اهتماماً فيشرحها.

ثمّ ما يدرينا وهو هو في مكانته السامية ومقامه الرفيع، كان يخشى شرّ التعصب المذهبي المقيت ويحذر بطش الحاكمين ونزق المتنطعين باسم الدين، خصوصاً وهو الرحّالة الّذي ما برح يطوف البلاد الإسلامية من شرقيها إلى غربيها، حتّى دخل ديار ما وراء النهر ووصل إلى بغداد وزار الحرمين الشريفين في الحجاز، ومن المعلوم انّ جميع تلك البلاد لم تكن تحت حكم واحد ولا على مذهب واحد، وقد مرّت بنا صور من حالة المسلمين يومذاك.

وبعد هذا كلّه ألا يكون احتمال ترك المؤلّف كتابيه بلا مقدّمة عن قصد هو الأقرب والأنسب من غيره؟

على انه افتتح كتابنا هذا (معاني الأخبار) بباب عنوانها (الباب الّذي من أجله سمّينا هذا الكتاب كتاب معاني الأخبار) ثمّ ذكر فيه ثلاثة أحاديث سنذكرها في موضوع الكتاب فهي تكشف عن اسمه وتشير إلى موضوعه.

والّذي دعاني إلى بحث هذه الناحية بإسهاب، والتركيز على هذه النقطة بالذات هو عدم التنبيه عليها في مقدّمتي الكتابين (المعاني والعلل) في طبعاتهما الحديثة، وقد قدّم للمعاني متتبع خبير، ولعلل الشرايع علامة كبير. ولعلّهما لم يعيرا هذه النقطة اهتماماً أو لم يتفطنا إليها أصلا، مع أنّ بحثها والتنبيه عليها يجلي لنا حقائق لها صلة بتاريخ حياة الشيخ الصدوق(رحمه الله).

 

موضوع الكتاب:

لمّا كان كتابنا ـ معاني الأخبار ـ خلواً من مقدّمة للمؤلّف تكشف عن موضوعه، لابدّ لنا من استيحاء ذلك من اسم الكتاب ومادّته.

واسم الكتاب ـ معاني الأخبار ـ وكلمة معاني هي جمع معنى، والمعنى تارة يراد به ما يفهم من اللفظ بحسب التركيب، وهو الّذي نسميه بمدلول اللفظ المطابقي مع رعاية مقتضى الحال. واُخرى يراد به غرض المتكلّم مع اشتماله على الخصوصيات من تعريف وتنكير، وحذف واضمار، وتقديم وتأخير وغيرها ممّا يورده المتكلّم لغرض في نفسه، وهذا ما نسميه بمدلولي اللفظ التضمني والإلتزامي.

فأيّ التفسيرين يوحيه اسم معاني الأخبار؟ والجواب: أ نّه يوحي بهما معاً، ويؤكّد ذلك ما نجده في مادّة الكتاب.

وقد رجعنا إلى الكتاب نستجوبه عن وحدته الموضوعية، نقرأ أبوابه وعناوينه ونلاحظ مفردات أحاديثه، فكان أوّل ما طالعنا هو الباب الأوّل منه، وقد سمّاه المؤلّف:

(الباب الّذي من أجله سمي الكتاب بمعاني الأخبار).

فذكر فيه ثلاثة أحاديث رواها بأسانيده عن الإمام الصادق(عليه السلام) وهي:

1 ـ عنه(عليه السلام) يقول لأصحابه: أنتم أفقه الناس إذا عرفتم معاني كلامنا، إنّ الكلمة لتنصرف على وجوه، فلو شاء إنسان لصرف كلامه كيف شاء ولا يكذب.

2 ـ عنه(عليه السلام)، عن أبيه الإمام الباقر وقد قال له: يا بني اعرف منازل الشيعة على قدر روايتهم ومعرفتهم، فانّ المعرفة هي الدراية للرواية، وبالدرايات للروايات يعلو المؤمن إلى أقصى درجات الإيمان، إنّي نظرت في كتاب لعليّ(عليه السلام)فوجدت في الكتاب: إنّ قيمة كلّ امرىء وقدره معرفته، إنّ الله تبارك وتعالى يحاسب الناس على قدر ما آتاهم من العقول في دار الدنيا.

3 ـ عنه(عليه السلام) قال: حديث تدريه خير من ألف حديث ترويه، ولا يكون الرجل منكم فقيهاً حتّى يعرف معاريض كلامنا، وإنّ الكلمة من كلامنا لتنصرف على سبعين وجهاً، لنا من جميعها المخرج.

وكلّ هذه الأحاديث الثلاثة حين تدعو إلى الدراية والتفكّر في الرواية، تهدف إلى الإحاطة بمعاني الكلام على سائر أنحاء المعرفة، وكلّما كان الإنسان أقدر على التدبّر للرواية، والتفكّر في استخراج معاريض الكلام فهو أفقه، وذلك هو مقاس تقدير الرجال، وبه يتفاوت حسابهم أيضاً، فانّ قيمة كلّ امرىء وقدره معرفته، وانّه تعالى يحاسب الناس على قدر ما آتاهم من العقول.

ولدى مراجعة باقي أبواب الكتاب وتصفّح أحاديثه وجدت فيه:

1 ـ بيان المراد ممّا أشكل لفظه في الأخبار، ففسّر تفسيراً لغوياً على نحو الدلالة المطابقية.

2 ـ بيان المراد ممّا احتمل قصد المتكلّم إرادة بعض المعنى على نحو الدلالة التضمنية.

3 ـ بيان ما اُريد من لفظه أكثر من معنى واحد، وفسّر تفسيراً مجازياً على نحو الدلالة الالتزامية.

4 ـ بيان معان لا تمت بشيء إلى احدى الدلالات الثلاث السابقة، وإنّما فسرت تفسيراً رمزياً.

ثمّ انّ تلك المعاني منها ما كان تصوّرها بديهياً بيّناً على نحو اللازم بالمعنى الأخص أو بالمعنى الأعم، ومنها ما كان تصوّرها غير بيّن وكان لزومها نظرياً.

كلّ ذلك نجده في كتابنا (معاني الأخبار) عند تفسير الأسماء المقدّسة وغير المقدّسة، والصفات والمصطلحات الدينية ونحوها ممّا ورد في القرآن الكريم، والسنّة النبوية الشريفة، وترددت على ألسنة الفقهاء والعلماء واختلف المسلمون في معانيها، لأ نّها جميعاً ممّا تحتاج إلى الشرح والبيان عن طريق تؤمن لسالكها النجاة، وتقيه العثار، وتجنّبه المخاطر والمزالق، وليس ذلك إلاّ طريق أئمّة أهل البيت(عليهم السلام) الّذين أمر النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) بالتمسّك بهم في حديث الثقلين وغيره.

كما نجد فيه سوى ذلك تفاسير حرفية للألفاظ اللغوية، واُخرى حروفية رمزية، فهو إذن في وحدته الموضوعية: تفسير للآثار الدينية عن طريق الحديث الّذي هو أبعد عن التفسير بالرأي والتمحّل فيه، على أ نّه ضمّ أشتاتاً وجمع أنواعاً من الدلالات سواء الحقيقية أو المجازية، الظاهرة البيّنة وغير البيّنة والرمزية.

 

منهج المؤلّف في الكتاب:

والملحوظ في هذا العنوان بحث التخطيط الّذي سلكه المؤلّف في كتابه وذلك:

1 ـ من الناحية العامة في تقسيم الكتاب إلى وحدات صغيرة.

2 ـ من الناحية الفنّية في التخطيط بلحاظ الفنون الّتي بحثها.

3 ـ من الناحية العلمية في التخطيط بلحاظ المواضيع الّتي أدرجها.

أمّا منهجه في الناحية العامة في تقسيم الكتاب إلى وحدات صغيرة، فقد نهج فيه منهجاً يسّر فيه معرفة ما يتطلّبه القارئ من أخبار.

فقسّم الكتاب إلى جزئين، وكلّ جزء إلى وحدات صغيرة حسب مواضيعها المتناسبة، وجعلها تحت أبواب بلغت (428) باباً، كانت حصة الجزء الأوّل منها (183) باباً، وحصة الجزء الثاني (245) باباً، ضمّت مجموعها ما يزيد على الثمانمائة حديث، كان نصيب كلّ باب حديثاً واحداً في الغالب، وقد يتجاوز ذلك أحياناً فيضمّ أكثر من حديث واحد.

وتلك الأبواب الّتي اشتملت على أكثر من حديث واحد لا تتجاوز المائة، وهي دون نسبة الربع من مجموع الأبواب، وأكثر باب ضمّ أحاديث متفرقة هو باب نوادر المعاني الّذي بلغت أحاديثه (105) حديثاً، وقد عنون لأحاديث الأبواب بعنوان يحكي ما تضمّه الباب من أحاديث.

وأمّا منهجه في الناحية الفنّية بلحاظ الفنون الّتي بحثها، فقد بحث جوانب لغوية في (85) باباً، وتناول أحاديث تخص علم الكلام والفلسفة في (31) باباً، وسلك مسلك أهل الحروف في (7) أبواب، ذكر فيها أحاديث فسرت تفسيراً رمزياً بطريقة الحساب الأبجدي، وبحث فنوناً اُخرى متنوعة في باقي أبواب الكتاب البالغة (305) باباً، وقد عملت فهرستاً أحصيت فيه كلّ تلك الأبواب حسب مواضيعها الفنية، آثرت عدم ذكره هنا روماً للإختصار.

وأمّا منهجه في الناحية العلمية، فقد بدأ كتابه بباب في وجه تسمية الكتاب، ثمّ معنى (الاسم) فمعاني أسماء الله تعالى شأنه وصفاته، ثمّ معاني حروف المعجم والجمل وما يمت إليهما بصلة، ثمّ معاني أسماء الأنبياء والرسل(عليهم السلام) من آدم(عليه السلام)إلى نبيّنا محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)، وأسماء الأئمّة الطاهرين، وأسماء فاطمة الزهراء عليهم السلام أجمعين، ثمّ معاني ألفاظ وردت في صفات النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، والثقلين، والعترة، والآل، والأهل، والاُمة، والإمام المبين.

ثمّ معاني ألفاظ وردت في آي من الذكر الحكيم والسنّة الشريفة يكثر استعمالها بين المسلمين، وبالتالي جمع ما تناثر، ولم يدخل تحت عناوين الأبواب في باب نوادر المعاني، وقد رتب معاني الأخبار على الحروف الهجائية الشيخ داود بن الحسن بن يوسف الأوالي البحراني، فقدّم معاني الأسماء الّتي أوّلها الألف على ما كان أوّلها الباء، وهكذا إلاّ فيما يحتاج إلى تقطيع الخبر لاشتماله على معاني أسماء كثيرة.

 

جهد المؤلّف في كتابه:

ليس تخفى على الباحثين جهود المؤلّف في كتابه هذا، فإنّها مضافاً إلى ما سبق في منهج الكتاب كثيرة في ثناياه، جليلة في كشف خباياه، وتبدو جلية في تعقيباته الّتي ذيّل بها بعض الأحاديث ذات الأهمية البالغة، بما كشف عمّا يكتنزه من ذخيرة علمية طائلة.

وقد نافت تعقيباته على الخمسين، ولولا الإطالة لقدّمت ثبتاً بها للقارئ، ولكنّه سيجدها أمامه عند مراجعة الكتاب.

كما يجد الباحث ردّاً هادئاً رصيناً على بعض أصحاب الفرق كالمعتزلة والأشاعرة وأصحاب الحديث وغيرهم، كما في باب: (معنى حديث من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه) وفي باب (معنى عصمة الإمام).

وقد يعجب القارئ إذا ما أخبرته أنّ أحاديث ـ معاني الأخبار ـ أخرجها عن خمسة وسبعين شيخاً من شيوخه، كان أكثرهم أثراً فيه هو والده الشيخ أبو الحسن عليّ بن الحسين بن بابويه، فقد أخرج فيه من طريقه ما يناهز المائتين حديثاً.

وقد أفادتنا ملاحظة شيوخه الّذين أخرج عنهم في كتابه هذا، أ نّه ألّفه بعد رجوعه من بلاد ما وراء النهر كبلخ وفرغانة وإيلاق، وبعد رجوعه من بغداد والكوفة وهمدان ونيسابور وسرخس، ففي هذا الكتاب الرواية عن شيوخ سمع منهم بتلك البلاد وغيرها، وبعض سماعاته الّتي أرّخها كان سنة (354 هـ) كما في سماعه بالكوفة من الحسن بن محمّد بن سعيد الهاشمي، ومحمّد بن بكران النقاش، وسماعه بهمدان من القاسم بن محمد بن أحمد بن عبدويه الزاهد السرّاج.

فزمن تأليف الكتاب كان بعد جولاته في تلك العواصم العلمية الإسلامية للسماع والإسماع، بقي علينا أن نتلمس في الكتاب مدى تأثر المؤلّف فيه بغيره.

وليس من شك أ نّه لم يكن الكتاب الأوّل الّذي عالج الأخبار الشائكة، وبحث المواضيع الّتي بحثها، فالمسائل الإعتقادية فيه هي في أكثر الكتب الكلامية، عولجت بشكل ضاف واف، ولا أظن انّي بحاجة إلى اعمال موازنة بين كتابنا وباقي الكتب الحديثية الّتي تناولت الأبحاث العقائدية.

إنّما المهم أن نعرف الموازنة بين كتابنا وباقي الكتب الّتي بحثت معاني الأسماء والمصطلحات الإسلامية، فإنّ الشيخ الصدوق(رحمه الله) لم يكن هو واضع اللبنة الاُولى لعلم معاني الأسماء، أو هو الأوّل السابق إلى جمع شتاتها في كتاب.

فقد كان ابن قتيبة (ت 276 هـ) في كتابه غريب القرآن، وأبو حاتم الرازي (ت 334 هـ) في كتابه الزينة، وأبو بكر ابن الأنباري (ت 328 هـ) في كتابه الزاهر،
وغيرهم ممّن سبق أو عاصر الصدوق، قد طرقوا الموضوع نفسه، وإن اختلفوا في الاحاطة والشمول.

ولو أردت عرض موازنة شاملة بين كتابنا هذا والكتب الّتي ذكرتها لطال بنا الحديث، ونحن في تقديم كتاب، ولسنا في مقام الموازنة فحسب، ولكن لا نترك ذلك كلّياً بل نختار منها كتاب أبي حاتم الرازي; لأ نّه من أهل الري ومؤلّفنا موطنه الري، ولأنّ أبا حاتم مات سنة (324 هـ) وعمر شيخنا الصدوق يومئذ دون العشرين، فاحتمال تأثّره بكتاب أبي حاتم أقرب من غيره.

وعند مراجعة الكتابين والمقارنة بينهما لمسنا موارد إتفاق وموارد إنفراد، ونحن نعرض نماذج منها في الأمثلة الآتية:

فقد ورد معنى (البسملة) في كتابنا المعاني بنحو ما ورد في كتاب الزينة(81)، وورد معنى (الصمد) في كتابنا المعاني بنحو ما ورد في كتاب الزينة(82)، وكذلك معنى (الأوّل والآخر)(83)، ومثله معنى (إبليس)(84).

أمّا موارد الإنفراد فهي:

ورد معنى (الله جلّ جلاله) في كتابنا بغير ما في الزينة(85) إذ سلك أبو حاتم مسلك الإشتقاقيين، وورد معنى (الأحد) في كتابنا بغير ما في الزينة(86). وورد معنى (الكرسي) في كتابنا بغير ما في الزينة(87).

هذه نماذج من الموازنة بين كتابنا وكتاب الزينة، ولا أدّعي أ نّها شاملة لجميع ما في الكتابين، ولكن لا اُصدّق دعوى تأثر الصدوق بأبي حاتم لمجرد وجود نصوص في كتابه تضاهي ما ورد في كتاب الزينة، ولو كانت تلك الموارد قد استفادها منه على نحو الإقتباس لصرّح بذلك، وهو الثقة الثبت الأمين فيما ينقل، وقد عوّدنا على الصراحة في نقله.

لاحظ باب (معنى الكبر) في كتابنا حيث صرّح بنقله من كتاب الخليل بن أحمد.

ولاحظ باب (أسنان الإبل) وباب (الشجاج وديّاتها) حيث صرّح بانّه وجده مثبتاً بخط سعد بن عبدالله بن أبي خلف.

بل نجد أمانته فيما سمعه من تفسيرات لغوية، فقد صرّح بمصادر سماعه في تعقيباته فضلا عن رواياته، فانّه في باب صفات النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) وباب (خطبة الزهراء(عليها السلام)) وباب (معنى الخطبة الشقشقية) صرّح بانّه سأل عنها جميعاً الحسين ابن عبدالله بن سعيد العسكري.

وفي باب (الإمام المبين) وباب (النبوّة) صرّح بانّه سأل عنهما أبا بشر اللغوي بمدينة السلام، وفي باب (معنى ضرب القرآن بعضه ببعض) صرّح بانّه سأل عنه محمّد بن الحسن بن الوليد، وفي باب (معنى الشفر وفيض النفس) نقل معناه عن أبي العباس الطالقاني عن ابن الأنباري.

وبلغ في الأمانة على الحديث مبلغ الاحتياط الكامل، فمثلا حينما روى في باب (صفات النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)) الحديث من طريقين، أحدهما من طريق أبي القاسم ابن منيع، والآخر من طريق جميع بن عمير بن عبدالرحمن العجلي، ولمّا كانت رواية ابن منيع تنتهي قبل رواية الآخر أشار إلى ذلك في محلّه.

وروى في باب معنى قوله(صلى الله عليه وآله وسلم): (بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنّة) حديثاً لم يصادق على تأويله، فتعقّبه بأ نّه إنّما أورده كما ورد ولم يرتض معناه.

فبعد هذا كلّه كيف يسعني المصادقة على دعوى تأثره بأبي حاتم في كتاب الزينة(88)، أو اقتباسه منه دون أن يشير إلى ذلك من قريب أو بعيد.

ومن الكتب الّتي بحثت معاني الأخبار كتاب (بحر الفوائد) ويسمّى (مفتاح معاني الأخبار)(89) للحافظ أبي بكر بن أبي إسحاق محمّد بن إبراهيم الكلاباذي البخاري المتوفى سنة (380 هـ) أو (384 هـ)، فهو من معاصري الصدوق(رحمه الله)، وقد يظنّ أ نّه ترسم خطاه وتأسّى به في تأليف كتاب معاني الأخبار، ولكنّي نظرت كتاب الكلاباذي نظرة فاحصة فلم أجد أي تشابه بينهما.

وذلك أنّ الكلاباذي ذكر في كتابه (222) حديثاً، ومنهجه أ نّه يذكر الحديث بسنده ثمّ يعقّبه بقوله: قال الشيخ(رحمه الله)، ويذكر ما عنده من تعقيب، وقد يذكر في تعقيباته بعض الأحاديث الاُخرى كشواهد لما عنده، وجلّ ما لديه تأويلات لأحاديث نبوية.

وإليك أوّل حديث من كتابه، رواه بسنده عن ابن عباس(رضي الله عنه) قال: قال النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم): «أحبوا الله لما أرفدكم به من نعمة، وأحبوني لحب الله، وأحبوا أهل بيتي لحبي».

قال الشيخ(رحمه الله): يجوز أن يكون قوله(عليه السلام): «أحبوا الله» خبراً عن محبتهم إيّاه، وإن كان لفظه لفظ الأمر، وقد جاء مثله في كلام العرب، مثل قولهم: عش رجباً تر عجباً، أي إن تعش رجباً تر عجباً، لأنّ العيش ليس إلاّ للإنسان فيؤمر بأن يعيش.

وجاء في آخره: وجملة من الأحاديث المروية في هذا الكتاب من أوّله إلى آخره مائتان واثنان وعشرون حديثاً مفسّرة، وثلاثمائة وسبعون حديثاً شواهد، فيكون جملتها خمسمائة واثنان وتسعون حديثاً.

فلم أر أيّ مشابهة بين كتاب معاني الأخبار للصدوق، وبين كتاب معاني الأخبار للكلاباذي، لا في المنهج ولا في الأسلوب، ولا في نوعية الأخبار وعرضها، ولا في تعقيباتها.

وقد يظنّ أ نّه تأثر بالبرقي صاحب كتاب المحاسن، حيث ترسم خطاه في عدة من تآليفه، فجاراه في جملة منها فمثلا:

للبرقي كتاب الاشكال والقرائن، وللصدوق كتاب الخصال، وللبرقي كتاب ثواب الأعمال، وللصدوق كتاب ثواب الأعمال، وللبرقي كتاب عقاب الأعمال، وللصدوق كتاب عقاب الأعمال، وللبرقي كتاب العلل، وللصدوق عدة كتب في العلل أشهرها علل الشرايع.

مضافاً إلى أنّ البرقي منسوب إلى برقة، وبرقة من أعمال قم ومؤلّفنا قمي المولد والمنشأ وجل أخذه عن القميين، والبرقي من أعلام القرن الثالث والصدوق من أعلام القرن الرابع، لذلك كلّه قد يظنّ بأ نّه تأثّر الصدوق به في حياته التأليفية مع ما سبق من الشواهد على ذلك.

ولكن بالرغم من ذلك كلّه، فانّه لم يتأثّر به في هذا الكتاب، إذ ليس للبرقي في ذلك تأليف خاص بين كتب المحاسن، ومجرد نقل الصدوق الرواية عنه في كتابه هذا ـ كما في باب معاني ألفاظ وردت في التوحيد وفي ذيل حديث 6، وفي باب معنى جامع مجمع، وربيع مربع، وكرب مقمع، وغل قمل ـ لا يدلّ على تأثّره به، وإن ترسم نهجه في كتب اُخرى.

وأنا لا أعرض جميع هذا لأتخذ منه حجّة في أصالة الشيخ الصدوق(رحمه الله) في أبحاثه، أو شرفاً اضافياً يضم إلى شرفه الذاتي، فانّه ـ في عقيدتي ـ لا يحتاج إلى ذلك ما دام يشهد بعلوّ مكانته من سمو حقيقته العلمية.

وبالموازنات الدقيقة بين كتبه وكتب أصحاب الحديث الّذين سايرهم أو سايروه في مختلف العصور، تظهر حقيقة ما ذهبنا إليه، ويعجبني أن أختم هذا الموضوع بكلمة لأبي هلال الصابي وهي(90):

وإنّما يبيّن مواضع الفضل، ويقوم معالم العدل بالموازنة والقياس والتطبيق بين الناس والناس، وإلاّ فالنوع شامل، والجنس متشاكل، والأزمان متقاربة، والأوقات متناسبة، وما جعل الله الفضيلة محجوزة عن قوم دون قوم محجوبة لأنّ بابها ممنوع، ورائدها مدفوع، وطريق منالها مسدود، وعقد مرامها مشدود، بل لأنّ التطلّب متعب، والمسلك متوعر، ولذلك قال الأعرابي:

لا تحسب المجد تمراً أنت آكله *** لن تبلغ المجد حتّى تلعق الصبرا

 

قيمة الكتاب:

لا أظن ـ وظن الألمعي يقين ـ أنّ باحثاً في الحديث يجد نفسه في غنى عن الرجوع إلى هذا الكتاب، لاستهدائه في حل مشكلات بعض الأخبار، والاستفادة منه إفادة تجلو له الغامض، أو تنير له الدرب على الأقل، خصوصاً وهو يمتاز بصفة عامة، هي الأسانيد الّتي روى بها المؤلّف ما أودعه في كتابه، فهو في كتابه هذا لا يكاد يخطئه التوفيق في حسن العرض، وجودة التبويب، ولا أقول أ نّه حلّ جميع معاني الحديث المغلقة أو أتى على جميع مشكلاته.

فما من مخلوق يمكنه القول أ نّه وعى كلّ ما جاء في دين محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)وشريعته من عمق، فسبر غوره، وعلم بجميع مكنوناته وأسراره.

ولكن الأمر الّذي لا ينكره منصف أنّ الشيخ الصدوق(رحمه الله)، كان من اُولئك النفر الصالح الّذين دأبوا جادين، وفكروا مخلصين في معالجة مشاكل حديثية، ووضع نتائج أعمالهم في متناول أيدي المسلمين، ليتمكّنوا من إدراك ما لم يدركوه، ولم يدع الشيخ الصدوق(رحمه الله) ولا غيره من أضرابه، انّهم بلغوا الغاية في فهم معاني الأخبار، بل هم مؤمنون انّ دراستهم مهما كانت عميقة لن تصل بهم إلى الغور، وكلّما تقدّم الناس في الزمن وتوسعت مداركهم، وجدوا في الأخبار معان أبكاراً وأشياء جديدة.

ولا يمنعنا جميع ما تقدّم من الإصحار بالحقيقة، هي أنّ هذا الكتاب كسائر الكتب الاُخرى يخضع لميزان النقد، ففيه روايات مخدوشة السند معلولة الدلالة وغير ذلك من المؤاخذات.

وإنّ مثل هذه الهنات في أعمال الرجال تعويذة عين الكمال، فلا تحط من قيمة الكتاب العلمية، ولا من تقييم جهود مؤلّفه.

وبالتالي فهو كتاب ضمّ ثروة ثرة معطاءة تمد الباحثين بكثير من المعارف، وتسلط الأضواء على كثير من الأحاديث الغامضة الّتي يجهل معناها كثير من المسلمين.

وقد بقيت ثمة ملاحظات كنت أود الإشارة إليها في هذه المقدّمة، كبحث الجانب الإشتقاقي عند الصدوق، وكتاب المعاني وأثره في باقي تآليف الصدوق، والأثر العقيدي لبعض الفرق في هذا الكتاب، وطبيعة العصر الّذي ألّف فيه وغيرها ممّا طويت عنه كشحاً حيث طال بنا المقام، وعسى أن يتنبه لها آخرون ممّن يهمهم بحث ذلك.

وختاماً نحمدك اللّهمّ على ما أنعمت علينا من بقاء هذا الكتاب الّذي هو من النخبة الصالحة من آثارنا الإسلامية، سالماً طيلة القرون العشرة الّتي مرّت عليه، لم تلّفه أعاصير الزمن، ولم تتلفه عواصف الإحن، كما كان نصيب باقي اخوانه من كتب الصدوق(رحمه الله)، والّتي لم تصل إلينا أعيانها، أو الّتي لم نسمع بأسمائها، كما مرّت الإشارة إلى ذلك في آخر ترجمة المؤلّف، حيث ذكرنا أنّ له أكثر من ثلاثمائة مصنف، ولم يصل إلينا إلاّ أسماء (222) منها، ولم يبق من أعيانها اليوم إلاّ أقل من نسبة العشر إلى ذلك العدد الضخم.

 

محمّد مهدي السيّد حسن

الموسوي الخرسان

(1) من لا يحضره الفقيه 1: 23، 75.

(2) بشارة المصطفى: 150 الطبعة الثانية (المطبعة الحيدرية).

(3) معاني الأخبار: 408.

(4) كذا في رسالة التنويه نقلا عن الذهبي، وفيها أيضاً عن المعلمي أ نّه أحمد بن عليّ بن الحسين بن بابويه.

(5) ورد في لسان الميزان 4: 283 أ نّه أوّل ما سمع الحديث في سنة ثمان وخمسين ؤ
وثلاثمائة، وله إحدى عشرة سنة، وهو من سهو القلم من ابن حجر إذ سبق منه ذكر ولادة ابن شاهين في سنة (297) ومعلوم أ نّه لمّا سمع وله إحدى عشرة سنة، فيكون الصواب سنة ثمان وثلاثمائة لا كما ذكر، فلاحظ.

(6) ذكر القصة ابن كثير في تاريخه في حوادث سنة (317) ولم يسم عليّ بن بابويه، بل قال: وقد كان بعض أهل الحديث يومئذ يطوف، فلمّا قضى طوافه أخذته السيوف، فلما وجب أنشد وهو كذلك ثمّ ذكر البيت.

ومن الغريب أنّ الشيخ الطريحي ذكر في مجمع البحرين (قرمط) نقلا عن الشيخ البهائي أنّ الحادثة كانت سنة (310 هـ) وهو غير صحيح، فانّ دخول القرامطة إلى مكة كان في سنة (317) كما في تاريخ الكامل لابن الأثير، والبداية والنهاية لابن كثير وغيرهما، وورد ذكرها في حوادث سنة (316 هـ) في كتاب صلة تاريخ الطبري، فراجع.

(7) ذهب المرحوم الدكتور مصطفى جواد في هامش إكمال الإكمال: 17، إلى أنّ عليّ بن الحسين بن بابويه المذكور، هو والد الصدوق المتوفى سنة (328 هـ) ولمّا تفطن إلى أنّ بين وفاة ابن بابويه الّذي عينه وبين وفاة أبي المجد القزويني الراوي عنه سماعاً (294) سنة تمحل في تفسير قوله (بسماعه منه) فقال: يعني بسماع الجزء منه عن جماعة من الشيوخ، وهذا إجتهاد من الدكتور في مقابل النص، على أ نّه لم يذكر بين مؤلّفات والد الصدوق كتاب إسمه (الأربعين) فراجع فهرستي النجاشي والطوسي وغيرهما.

(8) تاج العروس 2: 268، طبع سنة (1286 هـ).

(9) لؤلؤة البحرين: 384.

(10) المناقب 3: 527.

(11) مجالس المؤمنين 1: 453.

(12) روضات الجنّات: 377.

(13) خاتمة المستدرك 3: 527.

(14) رجال النجاشي: 184.

(15) في إكمال الدين: 467، والغيبة للطوسي: 201، انّه محمّد بن عليّ الأسود.

(16) الغيبة للطوسي: 201.

(17) رجال النجاشي: 261.

(18) إكمال الدين: 467، طبع الحيدرية سنة 1389.

(19) غيبة الطوسي: 201.

(20) عقيدة الشيعة: 284.

(21) المنجد في الأدب والعلوم: 56.

(22) توفيق التطبيق: 168.

(23) في نفس المصدر: 262، تجد خبر منابذته للحلاّج حين دخل قم، واخراج أبي الحسنؤ
ابن بابويه له من مجلسه حين أتاه في (سرايه) محله التجاري، فأمر غلمانه بأن يجروا برجله ويدفعوا بقفاه، فما رؤي بقم بعد ذلك.

(24) الفهرست: 277.

(25) إنّما خصصت هذين الكتابين بالذكر دون باقي كتبه، لأ نّي كنت نظمت فهرستاً خاصاً بأسماء شيوخه في الحديث لبيان مواضع رواياته عنهم في سائر كتبه، وابتدأت يومئذ بكتابيه المعاني والأمالي، ولم تسنح الفرصة باستيعاب باقي آثاره، نسأل المولى التوفيق لإكمال ذلك إن شاء الله.

(26) راجع مقدّمة كتاب التوحيد: 15 ـ 25.

(27) عيون الأخبار باب 22 حديث 5، والخصال 1: 11، طبع قم سنة 1376، ومعاني الأخبار: 301.

(28) الأمالي: 206، طبع الحيدرية بتقديمنا.

(29) لاحظ إكمال الدين: 2 ـ 3 طبع الحيدرية بتقديمنا.

(30) عيون الأخبار باب 69، في ذيل الحديث الثاني من الباب تجد كلام الأمير البويهي مع المؤلّف، فراجع.

(31) عيون الأخبار باب 59 حديث 2.

(32) نفس المصدر باب 8 حديث 5.

(33) التوحيد: 40، طبع الحيدرية بتقديمنا.

(34) عيون الأخبار باب 2 حديث 1.

(35) معاني الأخبار: 56 .

(36) التوحيد: 307.

(37) المصدر السابق: 6.

(38) رجال النجاشي: 276، طبع بمبئي، وفيه أ نّه ورد بغداد سنة (355)، فلعلّ ذلك بعدؤ
حجّه في سنة (354)، ولم أقف على من صرّح بدخوله في سنة (355) في غيره، وفي سماعاته بهمدان تصريح بأ نّها بعد حجّه في سنة (354).

(39) عيون الأخبار باب 6 حديث 29.

(40) إكمال الدين: 469، 507.

(41) عيون الأخبار باب 11 حديث 26.

(42) نفس المصدر باب 25 حديث 2.

(43) نفس المصدر باب 26 حديث 22.

(44) مقدّمة من لا يحضره الفقيه: 19.

(45) من لا يحضره الفقيه 4: 261.

(46) مقدّمة من لا يحضره الفقيه: 19.

(47) من لا يحضره الفقيه 3: 56.

(48) التوحيد: 40، طبع الحيدرية.

(49) الخصال 1: 84 ، طبع الحيدرية.

(50) من لا يحضره الفقيه 1: 3.

(51) فهرست الطوسي: 135، ومعالم العلماء: 111، وراجع بشأنها مقدّمة الفقيه: 34 ـ 60.

(52) التوحيد: 34 ـ 35.

(53) عثرت على اسم كتاب له أحال عليه في كتابنا هذا، وهو (وصف قتال الشراة المارقين) وثمة اسم كتاب آخر ذكره في كتابه التوحيد: 228، وقال عنه: وسأخرج الأخبار الّتي رويتها في ذكر عظمة الله تبارك وتعالى في كتاب العظمة إن شاء الله، وهذان ممّا لم يسجلا في الفهارس.

(54) ثمة كتب ومؤلّفات لأصحاب القرن الثالث كلّها خلت من المقدّمات ولعلّ ذلك كان نمطاً جارياً في ذلك القرن فطبقات ابن سعد (230) واخبار أبي نؤاس لأبي هفان (257) والأخبار الطوال لأبي حنيفة الدينوري (281) والورقة لابن الجراح (296) والمعاني الكبير لابن قتيبة (276) ومسند أحمد (241) وسنن الدارمي (255) وصحيح البخاري (256) وسنن ابن ماجه (273) وسنن أبي داود (275) فإنّها خلت من المقدّمات، وأنساب الأشراف للبلاذري (279) وفتوح البلدان له أيضاً.

(55) الفهرست لابن النديم: 8، ط الاستقامة.

(56) الخصال: 13 ـ 14.

(57) الإسلام والحضارة العربية لمحمّد كرد عليّ 2: 92.

(58) آدم منز، الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري 1: 377.

(59) نفس المصدر 1: 379.

(60) آدم منز، الحضارة الإسلامية 1: 380.

(61) حكم من سنة 388 إلى سنة 421.

(62) الملل والنحل للشهرستاني بهامش الفصل لابن حزم 1: 37.

(63) آدم منز، الحضارة الإسلامية 1: 380.

(64) نفس المصدر 2: 366.

(65) محمّد أبو زهرة ـ محاضرات في اُصول الفقه الجعفري: 74.

(66) سيّدنا الاُستاذ الإمام الخوئي ـ البيان 1 :3، ط الأولى.

(67) جولد تسيهر، العقيدة والشريعة في الإسلام: 111.

(68) نفس المصدر: 107.

(69) آدم منز، الحضارة الإسلامية 2: 367.

(70) نفس المصدر 2: 437.

(71) جولد تسيهر، العقيدة والشريعة في الإسلام: 125 في حديثه عن المعتزلة.

(72) آدم منز، الحضارة الإسلامية 2: 363.

(73) محمّد كرد عليّ ، الإسلام والحضارة العربية 2: 6.

(74) جولد تسيهر، العقيدة والشريعة في الإسلام: 118 .

(75) محمّد كرد عليّ، الإسلام والحضارة 2:7.

(76) نفس المصدر 2: 75 ـ 76.

(77) آدم منز، الحضارة الإسلامية 1: 381 نقلا عن المنتظم.

(78) معجم البلدان للحموي 2: 355.

(79) نزهة الألباء: 393.

(80) معالم العلماء: 111 طبع الحيدرية 1380.

(81) كتاب الزينة 2: 3.

(82) نفس المصدر 2: 43.

(83) نفس المصدر 2: 48.

(84) نفس المصدر 2: 92.

(85) نفس المصدر 2: 12.

(86) نفس المصدر 2: 22.

(87) نفس المصدر 2: 151.

(88) لا يفوتني تنبيه القارئ إلى خطأ فاحش وقع فيه الاُستاذ حسين بن فيض الله الهمداني اليعبري الحرازي محقق كتاب الزينة، حيث ذهب في مقدّمته إلى أنّ سعد بن عبدالله القمي ممّن أخذ عن أبي حاتم الرازي صاحب كتاب الزينة، وغفل عن تقدّم طبقة سعد على أبي حاتم هذا، فانّ سعد بن عبدالله توفي قبل أو بعد الثلاثمائة بسنة واحدة، وأبو حاتم صاحب الزينة توفي سنة (324 هـ)، والّذي دعاه إلى ذلك هو ما وجده من نصوص في كتاب فرق الشيعة لسعد بن عبدالله تضاهي ما ورد في كتاب الزينة، على أ نّه يمكن قلب الدعوى ويكون الآخذ والمقتبس هو أبو حاتم الرازي أخذ من كتاب فرق الشيعة لسعد، ومنشأ وهمه هو ما وجده من رواية سعد عن أبي حاتم الرازي، فظنّه هو صاحب كتاب الزينة، ولم يعلم أنّ ثمة أبا حاتم الرازي آخر وهو محمّد بن إدريس الحنظلي (ت 277 هـ)، وقد ترجمه ابن حجر في التقريب، وهو الّذي يروي عنه سعد بن عبدالله القمي.

(89) نسخة منه مصورّة بمكتبة الإمام أميرالمؤمنين العامّة في النجف الأشرف برقم 2952 / 2953 في مجلدين، وتاريخ النسخة 12 شهر رجب سنة 552 هـ.

(90) تحفة الاُمراء: 6.