لقد تعرّضت النجف على مدى التاريخ لأحداث تاريخية مهمّة, لعل من ابرزها:
وبات ابن سعود بجنده خارج البلدة وهم خمسة عشر ألف رجل، وما أصبح الصباح إلا و قد انجلَوا عن البلدة المشرّفة، وتفرقوا أيدي سبأ، وقد قُتل منهم سبعمائة رجل وكفى الله العباد والبلاد شرَّهم، ويظهر من بعض النصوص: أنّ سبب ذلك هو أن النجفيين فاجأوهم ليلاً، فصار الوهّابيّون يقتل بعضهم بعضاً، وانتهى الأمر بهزيمتهم شرّ هزيمة.
12- ثمّ كانت بعد ذلك حوادث الاحتلال البريطاني، فبعد إعلان الحرب العالمية الأولى قام العراقيون مع الأتراك وأفتى علماء الشيعة بوجوب الدفاع عن بيضة الإسلام، بل لقد اشترك العلماء بأنفسهم في الدفاع ضد الإنجليز، وقد قاد السيّد محمّد سعيد الحبّوبيّ جيشاً جرّاراً إلى جبهة الشِّعيبة وكذلك غيره من العلماء الأعلام، لكنّ الأتراك خسروا الحرب، وأساؤوا معاملة العراقيين، والنجف بشكل خاص، فثار النجفيون في وجههم وطردوهم، وألّفوا حكومة محلية وطنية تحكم بلدهم دامت سنتين.
13- وبعد ذلك احتال البريطانيون في بغداد حتّى وضعوا أيديهم على النجف، ولكن النجفيين بدافع من دينهم ووطنيتهم أبَوا هذا الحكم الدخيل، وشكّلوا تنظيمات تقود الناس إلى الحصول على حريتهم وكرامتهم، وكان العلماء الأعلام فيها في طليعة الأحداث، وهم الذين يخططون ويدبّرون ويشتركون في التنفيذ في كثير من الأحيان. وحصل الصدام الأول بينهم وبين الإنجليز الذين حشّدوا له أربعين ألف مقاتل وقتلوا من حوالي سبعمائة جندي في مقابل أربعين قتيلاً، كثير منهم من الناس العزّل، ولم يسيطر الإنجليز على الوضع إلا بعد وقت طويل وجهد شاق.
14- وبعد ذلك قامت ثورة العشرين بقيادة النجف وعلمائها ومفكّريها ضدّ الاحتلال الإنجليزي، وكان إعلان الثورة من النجف في يوم الأحد في النصف من شوال 1338 هـ، قاد كل زعيم قومَه إلى الجهاد، فانسحب الإنجليز من النجف إلى الكوفة، واحتشد الجند هناك، وتوالت الثورات في أكثر نقاط الفرات الأدنى، وكان الأسرى من الجيش الإنجليزي يُجلَبون إلى النجف حيث مركز قيادة الثورة، وقد جيء من معركة الرارنجية بـ 160 أسيراً إلى النجف.
وعلى كل حال.. فإنّ ثورة العشرين التي قادتها النجف بعلمائها ومفكّريها هي التي دفعت العراق إلى السير في طريق الاستقلال وقيام حكم يَدين بالإسلام ـ مبدئياً ـ بدلاً من الحكم الاستعماريّ المقيت[1].
--------------------------------------------------------------------------------------
[1] ينظر: جعفر مرتضى العامليّ, دراسات وبحوث في التاريخ والإسلام 203:2- 218.