مسجد السهلة أحد أكبر المساجد التي شُيدت في الكوفة خلال القرن الهجري الأول، وما زال أثرها وذِكرها خالداً إلى الآن. ويبدو أن بني ظفر هم بُناة المسجد الحقيقيون، وهؤلاء بطن من الأنصار نزلوا الكوفة؛ ولهذا عرف المسجد أول الأمر بمسجد بني ظفر، ثم إن المسجد عُرف بـ(مسجد السهلة)، وهي التسمية المتداولة حالياً. والسهلة مقبرة من مقابر الكوفة القديمة، فالمسجد يكون على طرفٍ من مقبرة السهلة، وممّن دُفن بالسهلة: علي بن إبراهيم الخيّاط (ت207هـ)، وأحمد بن محمد الطائي (ت281 هـ)، ومجد الدين حسن بن الحسين الطاهر العلوي (ت 645 هـ).. وغيرهم. ومسجد السهلة الحالي مستطيل الشكل، يتألّف من أربعة أضلاع آجرية، والمشاهد أو المقامات التي تُزار الآن داخل المسجد هي:
1- مقام الإمام علي زين العابدين، السجاد (عليه السلام): يقع وسط المسجد، عن شماله مقام الإمام الصادق (عليه السلام)، وعن جنوبه مقام الإمام المهدي (عليه السلام) وإليه أقرب.
2- مقام الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): يقع وسط المسجد تماماً، ومحرابه مُجوّف، كُتب على القاشاني الذي يكسو التجويف أحد الأدعية المأثورة في السهلة، وتُقام على دكته المستطيلة صلاة الجماعة.
3- مقام الإمام المهدي المنتظر عجل الله فرجه: وُعرف بمقام صاحب الزمان، يقع في وسط الضلع القبلي.
4- مقام النبي الخضر (عليه السلام): في الزاوية بين الضلعين الجنوبي والغربي.
5- مقام النبي إدريس: يُقال إنه كان بيت إدريس يقع في الزاوية بين الضلعين الجنوبي والشرقي.
6- مقام الصالحين: ويُعرف بمقام الأنبياء هو وصالح (عليهما السلام)، يقع في الزاوية بين الضلعين الشمالي والشرقي.
7- مقام النبي إبراهيم الخلي: يُقال إنه كان بيت إبراهيم يقع في الزاوية بين الضلعين الشمالي والشرقي. والمظنون أن كان لمسجد السهلة منارة قديمة هُدمت في وقت لم نُدركه، والمنارة الحالية شُيدت سنة 1378 هـ / 1967م، أرخ بناءها السيد محمد الحلي بقوله:
للسهلةِ أقصُدْ واستَجِرْ مِن كلِّ نائبةٍ وكَبْتِ
هو مسجدٌ سَمَتِ العِبادةُ فيه في سَمْتِ وصمتِ
قد عُمّرتْ فيه المنارةُ للأذان برفْعِ صَوْتِ
مُذ قيل في تاريخهـــا: ويُؤذّنون بكلِّ وقتِ(1)
وقد أُلحق بالمسجد قديماً صحن واسع، وهو مقسم إلى قسمين:
الأوّل: الذي في الطرف الجنوبي (خان الزوار)، وهو شبيه بالخانات الشاخصة الآن على طريق النجف – كربلاء القديم، ويعود تاريخه إلى حوالي 300 سنة.
والثاني: يقع في الجانب الشمالي، وفيه بيوت خدم المسجد وقد هُدمت أوائل سنة 1979م/ 1399 هـ.
الإمام علي ومسجد السهلة
سأل أمير المؤمنين (عليه السلام) مالك بن ضمرة العنبري قائلاً: أتخرج إلى المسجد الذي في جنب دارك تصلي فيه؟ قال: فقلت له يا أمير المؤمنين ذاك مسجد تصلي فيه النساء، فقال لي (عليه السلام): يا مالك ذاك مسجد ما أتاه مكروب قط يصلي فيه فدعا إلا فرج الله عنه وأعطاه حاجته(2).
ويسمى هذا المسجد بعدة أسماء منها:
أ- مسجد بني ظفر: نسبة إلى ما روي عن الإمام علي (عليه السلام) أنه قال: إن بالكوفة أربع بقاع مقدمة ذكر من بينها مسجد ظفر، واستطرد مؤكداً وقال (وهو مسجد السهلة).
وفي رواية أخرى عنه (عليه السلام) قال: مسجد بني ظفر مسجد مبارك، والله ان فيه لصخرة خضراء وما بعث الله من نبي إلا فيها تمثال وجهه وهو مسجد السهلة وعلة تسميته بهذا الإسم لاحتمالين الأول هو: أن المسجد يجاور ويحادد خطة بني ظفر. والثاني: أن بني ظفر هم بناة هذا المسجد، وهؤلاء بطن من الأنصار نزلوا الكوفة.
ب– مسجد القرى: ورد أن الإمام الصادق (عليه السلام) سأل العلاء بن رزين: أتصلّي في المسجد الذي تسمونه مسجد السهلة ونحن نسميه مسجد القرى؟ فأجابه: إني لأصلي فيه جعلت فداك.
ج– المسجد البري: ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام)، أنه قال: تصلي في المسجد الذي عندكم تسمونه مسجد السهلة، ونحن نسميه المسجد البري، والبِر: الاتساع في الاحسان والزيادة.
د– مسجد بني عبد القيس.
هـ- مسجد السهلة: ورد في الكثير من الروايات المروية عنهم (صلوات الله عليهم) ولفظ السهلة: يعني: رَمل ليس بالدقاق.
و- مسجد سهيل: كذلك ورد عنهم (عليهم السلام) ولعله اسم بانيه أو أحد المتعبدين فيه ورد في الكثير من فضائل هذا المسجد المبارك روايات تتعلق بالأنبياء (عليهم السلام)،
منها:
أ- أما علمت إنه موضع إدريس النبي (عليه السلام) الذي كان يخيط فيه، ومنه رفع إلى السماء، وأجير من مكروه الدينا ومكائد أعدائه، ومقامه فيه مشهور.
ب- منه سار إبراهيم (عليه السلام) إلى اليمن بالعمالقة، ومقامه فيه مشهور.
ج- منه سار داود (عليه السلام) إلى جالوت.
د- منه سار داود (عليه السلام) إلى طالوت.
هـ- إن فيه لصخرة خضراء فيها مثال كل نبي ومن تحت تلك الصخرة أخذت طينة كل نبي... وفيه زبرجدة فيها صورة كل نبي وكل وصي.
و- وفي المسجد مقام ينسب إلى النبي صالح (عليه السلام) ويقال له أيضاً مقام الصالحين والأنبياء والمرسلين وفي المسجد وردت أيضاً ان فيه مناخ الراكب والراكب هو الخضر (عليه السلام). إن الله تعالى لم يرسل نبياً قط إلّا وصلّى فيه.
الأئمة (عليهم السلام) ومسجد السهلة
أ- الإمام علي (عليه السلام): وقد ذكره ضمن المساجد المباركة في الكوفة وإن مسجد السهلة مناخ الخضر (عليه السلام) ما أتاه مغموم إلّا فرج الله عنه.
ب- الإمام السجاد (عليه السلام): من صلّى في مسجد السهلة ركعتين زاد الله في عمره سنتين.
ج- الإمام الصادق (عليه السلام): ذكر (عليه السلام) أخباراً كثيرة في فضله منها:
لو أن عمي زيداً أتاه فصلى فيه واستجار لأجاره الله عشرين سنة – ما أتاه مكروب قط فصلّى فيه بين العشاءين ودعا الله إلا فرج الله كربته – كل من أقام فيه فكأنما قام في خيمة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) . وما من مؤمن ولا مؤمنة إلّا وقلبه يحن إليه. وما من أحد يطلب فيه الأمان إلّا آمنه الله من كل ما يخاف.
أما من يوم أو ليلة ألّا وتنزل الملائكة لزيارته وعبادة الله فيه.
هو من البقاع التي أحب الله أن يدعى فيها.
أما أني لو كنت بالقرب منكم ما صليت صلاة إلّا فيه.
وقد ورد أن الإمام الصادق (عليه السلام) أتاه أكثر من مرّة ودعا فيه بالدعاء المعروف والمذكور في مقامه (عليه السلام).
ومنها أنه صلّى ركعتين كان قد صلّاهما لقضاء حاجة امرأة تناولها الجلاوزة العباسيون بالضرب ثم الحبس فأخرجت وأكرمت والامام (عليه السلام) بعدُ في المسجد.
ولقد وردت أخبار كثيرة أخرى في فضل هذا المسجد منها:
وفيه المعراج وقد أوّل العلامة المجلسي هذا الحديث بعروج الدعاء فيه إلى السماء. وهو الفاروق الأعظم. وفيه ينفخ في الصور وإليه المحشر ويحشر من جانبه سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب.
من خواص هذا المسجد المبارك الاستجارة فيه من البلاء كما ورد عنهم (صلوات الله عليهم) (.. لو أن عمي زيداً استجار الله لاجاره عشرين سنة (أي في هذا المسجد)).
وذكر الشيخ جعفر الكبير في كتابه كشف الغطاء بعد هذا الحديث، وقد استجرت به في سنة الطاعون مع ما يقرب من أربعين شخصاً على الظاهر وقد أفني الخلق ثم بعد انقضائه ما فُقد منهم أحد على الظاهر.
ليس هناك مصادر تأريخية تدل دلالة علمية تاريخية كاملة على تأسيس المسجد وتأريخه والعمارات التي طرأت عليه، إلّا أن أقوالاً عديدة تنص على أن المسجد كان بيتاً لإدريس (عليه السلام) مرّة ومرّة لإبراهيم (عليه السلام)، ومن خلال نصوص بعض الروايات المذكورة سابقاً من أقوالهم (عليهم السلام).
ويمكن القول بأن المسجد كان مؤسساً قبل زمن خلافة الإمام علي (عليه السلام) في الكوفة (35 – 40 هـ) وليس ببعيد أن يكون الإمام قد أدّى إحدى صلواته فيه وذلك لقدسيته وفضله.
(1) الطريحي، العتبات المقدّسة في الكوفة، ص 134.
(2) فضل الكوفة ومساجدها ص 37.