من الآثار التي لا زالت قائمة مشاهدة لأمير المؤمنين (عليه السلام)، الباب الرئيسي لمسجد الكوفة حيث دخل منه الإمام (عليه السلام) في أول دخوله إلى الكوفة وذلك لما شخص (عليه السلام) عن البصرة، واستعمل عليها عبد الله بن عباس، فلما انتهى إلى المربد التفت إلى البصرة، ثم قال: الحمد لله الذي أخرجني من شر البقاع تراباً، وأسرعها خراباً، وأقربها من الماء، وأبعدها من السماء. ثم سار.
فلما أشرف على الكوفة، قال: ويحك يا كوفان، ما أطيب هواءك، وأغذى تربتك، الخارج منك بذنب، والداخل إليك برحمة، لا تذهب الأيام والليالي، حتّى يجيء إليك كل مؤمن، ويبغض المقام بك كل فاجر، وتعمرين، حتّى إن الرجل من أهلك ليبكر إلى الجمعة فلا يلحقها من بعد المسافة.
وكان مقدمه الكوفة يوم الاثنين لاثنتي عشر ليلة خلت من رجب سنة ست وثلاثين(1).
لم يكن لجامع الكوفة أبواب عند تأسيسه، وإنما كانت ممرات محدودة تؤدي إليه من خلال الخندق المحيط به، ويبدو ان الجامع بني بالخشب واللبن بعد أشهر قليلة من استقرار المسلمين في الكوفة، وما الخندق الذي أشار إليه المؤرّخون غير صورة أولية لتحديد مساحة الجامع بالنسبة لخطط القبائل المجاورة له وهذا البناء يمثل العمارة الأولى للجامع والتي بقيت طيلة العصر الراشدي وفي هذه الفترة كان للجامع أبواب عديدة منها ما عرف باسم القبائل المتاخمة للجامع أو باسم بعض المهن الحرفية، ومنها ارتبط اسمها بحوادث تاريخية معينة.
وفي العصر الأموي أي بعد العمارة الثانية والضخمة للجامع على عهد زياد شيدت الأبراج المرتفعة التي تدعم أسوار الجامع وأبقي في هذه العمارة على بعض الأبواب التي كانت في العمارة الأولى في نفس مواضعها الأولى وأغلق القسم الآخر وفق الطراز الجديد الذي اقتضته العمارة الجديدة.
وأهم أبواب الجامع التي بقيت في نفس موضعها الأول: الباب الرئيسية – باب الثعبان أو باب الفيل، والباب المرتبطة بقصر الإمارة من خلال الضلع القبلي. وتقع باب الفيل أو باب الثعبان في طرف جدران المؤخرة الشمالي الشرقي لجامع الكوفة.
ويتألف المدخل بصورة عامة من اطار مستطيل الشكل يتوسطه عقد مدبب عند الوسط بناؤه من الآجر حوله زخرفة آجريه تتألف من وحدات نجميه اثني عشرة ناتئة بنسق هندسي متناظر حول عقد المدخل وبنى هذه الزخرفة وعقد المدخل زخرفة آجريه قوامها وحدات نجمية سداسية في الوسط حولها ستة مسبعات ترتسم حول رؤوس النجمة السداسية فتؤلف فيما بينها دوائر ملتحمة متداخلة والنجوم السداسية والمسبعات محفورة جميعها حفراً مخمليا ويفصل هذه الدوائر شريط رفيع وصف واحد من بناء الآجر – على رأسه – يشكل فوق عقد الباب حلية زخرفية جميلة، والزخرفة جميعها تعود على الأغلب على القرن السادس والسابع للهجرة (ق12 – 12م) ويتوسط المدخل بعد ذلك الباب خشبي حديث الصنع مزين بالنقوش والزخارف.
أما فيما يخص تسمية الباب فقد ورد أنها كانت تعرف أول الأمر بباب الثعبان نسبة إلى معجزة للإمام علي (عليه السلام) وممن ذكرها ابن شهر آشوب نقلها من كتاب فضائل الكوفة لعمر بن حمزة العلوي قال:
(كان أمير المؤمنين ذات يوم في محراب جامع الكوفة إذا قام بين يديه رجل للوضوء فمضى نحو رحبة الكوفة يتوضأ فإذا بأفعى قد لقيه في طريقه ليلتقمه فهرب الرجل من بين يديه إلى أمير المؤمنين فحدثه بما لحقه في طريقه فنهض أمير المؤمنين حتّى وقف على باب الثقب الذي فيه الأفعى فأخذ سيفه وتركه في باب الثقب وقال: ان كنت معجزة مثل عصا موسى فأخرج الأفعى، فما كان إلا ساعة حتّى خرج يساره ثم رفع رأسه إلى اللإعرابي وقال: انك ظننت أني رابع أربعة لما قمت بين يدين فقال: هو صحيح، ثم لطم على رأسه وأسلم)(2).
وهناك رواية أخرى تختلف عنها ذكرها الشيخ حسين بن عبد الوهاب – من أعلام القرن السادس الهجري – قال بالإسناد إلى الإمام الصادق:
(كان أمير المؤمنين يخطب يوم الجمعة على المنبر إذ سمع عدو الرجال يتواقعون بعضهم على بعض، قال لهم مالكم؟ قالوا: يا أمير المؤمنين ثعبان عظيم قد دخل ونفزع منه ونريد أن نقتله، فقال الإمام: لا يقربنه أحد منكم واتركوه فإنه رسول جاء في حاجة فتركوه، فما زال يتخلل الصفوف حتّى صعد المنبر فوضع فمه في أذن أمير المؤمنين فنق في أذنيه نقيقاً ونزل عن المنبر فانساب بين الناس فالتفتوا فلم يروه، فسألوا الإمام عنه فقال: هذا رسول من الجن وقد اختلفوا في أشياء وانفذوه إلي فجاء وسألني عنها وأخبرته الجواب)(3).
وقد ورد ذكر هذه الحادثة في الكثير مذن الشعر، ومن ذلك ما قاله الوراق:
علي مناجي الأفعوان وجيشه حواليه من جاث إليه وجشم(4)
وقال ابن علوية:
أو يعلمون وما البصير كما العمي تأويــــل آية قصـة الثعـــبان
إذ جـــــاء وهو مــراتب في منبـر يعطي العباد مبارك العيدان(5)
وقال ابن عضد الدولة:
من كلم الثعــــبان إذ كلمــــه والليث قد كلمه ليث الشرى(6)
وقال آخر:
وجـــــــــاءه الجان على منبر الكوفة يسعى سعي متأثر(7)
أما لماذا عرفت الباب باب الفيل:
فهذا موضع اختلاف أيضاً واثبت عند البلاذري في تعليل نسبة الباب إلى الفيل، ما ذكره عن أبي مسعود الكوفي، أنه قال (حدثنا يحيى بن سلمة بن كهيل الحضرمي عن مشائخ من أهل الكوفة، ان المسلمين لما فتحوا المدائن أصابوا بها فيلاً، وقد كانوا قتلوا ما لقيتهم قبل ذلك من الفيلة، فكتبوا فيه إلى عمر فكتب اليهم بيعوه ان وجدتم له مباعاً، فاشتراه رجل من أهل الحيرة فكان عنده يريه للناس ويجلله ويطوف به في القرى، فمكث عنده حيناً ثم انام أيوب بنت عمارة بن عقبة بن أبي معيط امرأة المغيرة بن شعبة – وهي التي خلف عليها زياد بعده – احبت النظر إليه وهي تنزل دار أبيها فأتى به ووقف على باب المسجد الذي يدعى اليوم باب الفيل فجعلت تنظر إليه ووهبت لصاحبه شيئاً وصرفته، فلم يخط إلا خطاً حتّى سقط ميتاً فسمي الباب باب الفيل، وقد قيل ان الناظرة إليه إمرأة الوليد بن عقبة بن أبي معيط)(8).
(وذكر هذا الخبر الطبري باختصار وهو يتحدث عن أم أيوب هذه قال: كانت تحت المغيرة بن شعبة بالكوفة فلما مات المغيرة تزوجها زياد بن أبيه وهي حدثة. فكان زياد يأمر بفيل كان عنده، فيوقف، فتنظر إليه أم أيوب، فسمي باب الفيل)(9).
وان ذلك حدث سنة 42 هـ .
ومن الآراء الأخرى التي تعلل تسمية الباب باب الفيل (ان ساحراً أرى الناس أنه خرج من هذا الباب فيلاً على حمار وذلك باطل)(10).
وقيل: (الاجانة التي في المسجد حملت على فيل وادخلت من هذا الباب فسمي باب الفيل) (11).
وقال بعضهم (إن فيلاً لبعض الولاة اقتحم هذا الباب فنسب إليه)(12).
وقيل: إن الأمويين كرهوا المعجزة التي سميت لأجلها الباب باب الثعبان فأرادوا أن يصرفوا عنها أنظار الناس فربطوا بالباب فيلاً فعرف بباب الفيل.
والمدخل الحالي لباب الثعبان اجريت عليه تعميرات عديدة عبر عشرات السنين والوضع الماثل الآن أجري سنة (1374 هـ - 1955م) حيث زين المدخل المحيط بباب الفيل بالقاشاني وهو مسقوف عند الوسط بآجر مزخرف، وعلى هيئة وحدات، تتألف كل واحدة منها من نجوم اثني عشرية، ذات نسق هندسي متناظر، ويشاهد الداخل زخارف آجرية بسيطة، تتألف من وحدات على هيئة نجوم سداسية يعود تاريخها إلى القرنين السادس والسابع الهجريين، وكتب عليه آيات قرآنية وأحاديث مختلفة، من ذلك قوله تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالآصالِ) وتحتها على جانبي قمة العقد المدبب زخارف متنوعة غاية في الفن والجمال وفي وسط كل جانب عبارات تزين النقوش، فعلى اليمين حديث لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو قوله: (أنا مدينة العلم وعلي بابها) وفي أعلى يمين الباب كتبت سطور عن فضل مسجد الكوفة جاء فيها (بسمه تعالى، اللهم صلي على محمد وآل محمد، هذا أحد المساجد الأربعة التي تشد إليها الرحال، ويستحب فيها الإعتكاف)، وقد قال أمير المؤمنين في حديث عنه: (إن مسجد الكوفة يشفع لمن يصلي فلا تهجروهن وتقربوا بالصلاة فيه، وارغبوا إليه في قضاء حوائجكم فلو يعلم الناس ما فيه من البركة لاتوه من أقطار الأرض ولو حبواً على الثلج)، وعن الإمام الباقر (عليه السلام): (الصلاة في مسجد الكوفة تعدل بألف صلاة في غيره من المساجد).
وتعلو المدخل مأذنة حديثة، شيدت سنة 1956م، مكان المأذنة القديمة التي يعود تاريخها إلى القرنين السادس والسابع الهجريين، ويبلغ ارتفاعها 12 متراً.
وكتب على أعلى يسار الباب من الجهة اليسرى لمحات من تاريخ الجامع والعمارات المارة عليه وهي:
ان هذا الجامع الشريف أول مسجد تأسس في العراق (13)، في عهد الفتوحات الإسلامية الأولى سنة 17 هـ وكان الحكام يتعاهدونه بالعمارة والإصلاح في عهد العباسيين وآل بويه والإليخانية والصفوية وآل عثمان إلى أن تداعت عمارته القديمة أوائل القرن الثالث عشر فسعى بتصليح سوره الحالي وما فيه من المقامات العلامة السيد محمد مهدي بحر العلوم الطباطبائي، وقد تم تجديد بابه هذا واصلاحه، والملوك والسلاطين يتعاهدونه داخله وخارجه... الخ).
وكتب تحت كل من هاتين الكتابين من الجانبين الدعاء الوارد في أعمال مسجد الكوفة والذي يقرأ عادة قبل الدخول إلى المسجد من باب الفيل وأول الدعاء بعد البسملة: (السلام على مولانا أمير المؤمنين ..).
ومما كتب أيضاً على واجهة باب الفيل هذه الأبيات للشيخ محمد علي اليعقوبي (المتوفى سنة 1385):
زر حمــى مســجد تجلـــت مــن الله عليــه قدسية ومهـــــابه
فيه طابت عراص كوفان كالبيت غـــدت فيه مكة مســــتطابه
ليس للقائمين في ســوى الأجــر ومـــا للــداعين الا الاجــابه
عج بمحراب حيدر فيه واســـأل عنه ان أسدل الظلام حجابه
حوله المنبــــر الــــــذي في ذراه عرف الناس من فنون الخطابه
ثم عرّج لمـــــرقد ابن عقيــــــــل تجد الليث رابضاً وسط غـــابه
لـــــذ به واستـــجر باعتاب بــاب فتــــــح الله للهــدى فيه بــــابه
وبمناسبة تجديد المدخل هذا فقد أرخ سنة التجديد عدد من الشعراء منهم الشيخ علي البازي في تاريخين شعريين، الأول:
ذا مســـجد الكوفة من عهود قديمة أســس في المدينه
كعبـــة قــــدس والصلاة فيه كحجة مبـــرورة ثمينـــه
وبابه جـــــــدد مذ تــــداعى بفكــــــرة ثاقبة رصــينه
بخير عهد فيه شبل غــازي يرعاه في رعاية حصينه
مســـجدها للســـــائلين أرخ (يجب للناظـــرين زينه)(14)
وقال في الثاني:
ذا مســجد الكوفة خير مسجد فرض على كل الورى تقديسه
ان رمت ان تعرف ما تأريخه (فمسجد على التقى تأسيسه)
وقال السيد مرتضى الوهاب الكربلائي:
دون مصلى المرتضى المساجد والكلـــــــم الطيب منه صاعد
أبـــوابه للقــــــاصدين فتحـــت حطــت على أعتابها المقاصـد
خلــــــــــد باني بـــابـه مورخاً (في مسجد الكوفة باب خالد)
وقال السيد محمد الحلي النجفي 1374 هـ:
قــــــد جددوا ووســـعوا باباً لأسمــــــى معبـــد
مســـــجد كوفان وماوى ركــــــــــــع وســـــجد
لم يـــــدر من ينظـــــره بعين حــــرر نيقــــــــد
امفخـر التـــــــــــــاريـخ (أم منظر باب المسجد)
وللدخول منه إلى المسجد أعمال تعبدية منها أن تقول:
الله أَكْبَرُ الله أَكْبَرُ الله أَكْبَرُ هذا مَقامُ العائِذِ بِالله وَبِمُحَمَّدٍ حَبِيبِ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَبِوِلايَةِ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ وَالأَئِمَّةِ المَهْدِيِّينَ الصَّادِقِينَ النَّاطِقِينَ الرَّاشِدِينَ الَّذِينَ أَذْهَبَ الله عَنْهُمْ الرِّجْسَ وَطَهَّرَهُمْ تَطْهِيراً رَضَيْتُ بِهِمْ أَئِمَّةً وَهُداةً وَمَوالِيَ، سَلَّمْتُ لأمْرِ الله لا اُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً وَلا أَتَّخِذُ مَعَ الله وَلِيّاً كَذَبَ العادِلُونَ بِالله وَضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً، حَسْبِيَ الله وَأَوْلِياء الله أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلاّ الله وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلّى الله عَلَيهِ وَآلِهِ وَأَنَّ علياً وَالأَئِمَّةِ المَهْدِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ عَلَيْهِمُ، السَّلامُ أَوْلِيائِي وَحُجَّةُ الله عَلى خَلْقِهِ .
(1) نصر بن مزاحم، وقعة صفين، ص 45.
(2) المناقب لابن شهر آشوب 2/ 134.
(3) عيون المعجزات/ 13.
(4) مناقب آل أبي طالب: 2/ 88، مدينة المعاجز: 1/ 139 ح78، بحار الأنوار: 39/ 178 ح78.
(5) مناقب آل أبي طالب: 2/ 88، مدينة المعاجز: 1/ 139 ح78، بحار الأنوار: 39/ 178 ح78.
(6) المناقب لابن شهر آشوب 2/ 134.
(7) المناقب لابن شهر آشوب 2/ 134.
(8) المناقب لابن شهر آشوب 2/ 33.
(9) المناقب لابن شهر آشوب 2/ 33.
(10) فتوح البلدان/ 352..
(11) تاريخ الطبري 5/ 180.
(12) فتوح البلدان/ 253.
(13) مع أن أكثر المصادر تشير إلى أن جامع البصرة أسس قبل جامع الكوفة في سنة 14 هـ .
(14) ظ: د. الجبوري، تاريخ الكوفة الحديث ج1، الطريحي، العتبات المقدّسة في الكوفة، ص 78.