دور المرأة في الثورة الحسينية - زينب الكبرى انموذجا

{ د. أمل سهيل عبد الحسيني / جامعة كربلاء / كلّية العلوم الإسلامية }

دور الــــمرأة فــي الثــورة الحــسينية
(زينب
عليها السلام أنموذجاً)

 

المقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم على اعدائهم الى قيام يوم الدين، وبعد:

فان مقاطع كثيرة من تاريخ الإسلام تشهد للدور المؤثر والمصيري للمرأة في مختلف المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية ،بل وحتى العسكرية منها. وقلما نجد برهة من التاريخ لم تشهد نساء يعتلين قمم العظمة والعفاف والعرفان والايثار والدفاع عن القيم وتثبيت الاديان الالهية ومواجهة الظلم .

نعم ... شهد التاريخ حضوراً نسائياً فعالاً لبعض النساء الى جانب الأنبياء والأوصياء كالزهراء (عليها السلام) ،وقبلها كانت أمها خديجة الكبرى أم المؤمنين (عليها السلام) ،بعدما تربعت على عرش العظمة قبلهما آسيا بنت مزاحم زوجة فرعون التي سبقت السيدة مريم العذراء في وقفتها المشهودة في الدفاع عن ولدها النبي عيسى (عليه السلام).

وشهدت المجتمعات في مقاطع تاريخية مختلفة حضوراً فعالاً لنساء أخريات كالسيدة سمية أول شهيدة في الإسلام، والخنساء وأم حكيم اللتين كانتا نموذجاً للمرأة الأدبية والشاعرة والمربية للشهداء، وسودة وأم الخير اللتين كانتا مثالاً للمرأة الحاضرة في الساحة السياسية وساحة التضحية والإيثار، ورابعة الشامية ورابعة البصرية ورابعة العدوية اللاتي كن من النساء العارفات بالله،وغيرهن الكثير الكثير.

ولكن للأسف، فالتاريخ لم يهتم كثيراً بتلك النسوة، فبقين مجهولات لكثير من المسلمين ولسنين متمادية. وبين هذه النساء الخالدات شع نور عقيلة الهاشميين زينب (عليها السلام) المرأة العظيمة التي ارتقت سنام العظمة. ونحن عندما نريد ان نكتب عنها نقول على لسان أبيها أمير المؤمنين علي (عليه السلام):( نحن أهل البيت لا يقاس بنا احد) (1).

وقد صدق الجاحظ الذي علق على هذه الجملة ، إذ قال:(صدق علي في قوله ؛نحن أهل البيت لايقاس بنا احد،وكيف يقاس بقوم منهم رسول الله ،والاطيبان علي وفاطمة ، والسبطان الحسن والحسين ، والشهيدان حمزة وذو الجناحين جعفر، وسيد الوادي عبد المطلب، وساقي الحجيج العباس، وحليم البطحاء والنجدة ،والخيرة فيهم الأنصار من نصرهم، والمهاجرون من هاجر إليهم، ومعهم، والصديق من صدقهم، والفاروق من فرق بين الحق والباطل فيهم، والحواري حواريهم، وذو الشهادتين، لأنه شهد لهم (2) ولا خير إلا فيهم ولهم ومنهم، وابان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أهل بيته بقوله :( إني تارك فيكم الخليفتين : كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الأرض،وعترتي أهل بيتي ، نبأني اللطيف الخير إنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض) ولو كانوا كغيرهم لما قال عمر لما طلب مصاهرة علي: إني سمعت رسول الله يقول: كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة الا سببي ونسبي، أما علي فلو أردنا ان ندون لأيامه الشريفة، ومقاماته الكريمة، ومناقبه السنية، لافنينا في ذلك الطوامير، العرق صحيح، والمنشأ كريم، والشأن عظيم، والعمل جسيم، والعلم كثير، والبيان عجيب، واللسان خطيب، والصدر رحب، أخلاقه وفق أعراقه، وحديثه يشهد لقديمه)(3).كذلك الحال بالنسبة لعقيلة الطالبيين الحديث عنها حديث عن من قال فيهم تعالى :( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) (الأحزاب : 33)

حديث عن ذلك البيت الذي قال فيه أمير المؤمنين :( نحن أهل البيت لايقاس بنا احد) لأنها من ذلك البيت، أما عن دورها في أهم حدث عصف بالأمة الإسلامية بعد رحيل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، إلا وهو واقعة كربلاء، التي فيها تجلى تيار الردة الى الجاهلية، والانقلاب على الأعقاب، ووصل الى قمته وذورته، من خلال المعسكر الأموي ... كما تجسد وتبلور خط الرسالة والقيم الإلهية في الموقف الحسيني العظيم، وفيها شرعت للأمة مقاومة الظلم والطغيان، وشقت طريق الثورة والنضال أمام الطامحين للعدالة والحرية .

وقد كان لها سلام الله عليها دوراً أساسياً رئيسياً في هذه الثورة العظيمة ، فكانت الشخصية الثانية على مسرح الثورة بعد شخصية أخيها الإمام الحسين ،فكانت معه في اغلب الفصول والمواقف، بل أنها قادت الثورة بعد استشهاد الإمام الحسين وأكملت حلقاتها.

فلولا كربلاء لما بلغت شخصيتها هذه القمة والتألق والخلود ... ولولا السيدة زينب لما حققت كربلاء أهدافها ومعطياتها وآثارها في واقع الأمة والتاريخ .

المبحث الأول: أدوار النساء في الثورة الحسينية

لقد كرم الإسلام هذه المخلوقة التي قال عنها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (رفقاً بالقوارير)(4)،ورفع شأنها؛ وذلك بان وضع القوانين والأسس التي ترعاها وتكفل لها الحقوق الكاملة، سواء أكانت زوجة أم أم، إبنه أم كأخت، وصانها من الهوان والابتذال. ولو نقبت في كتب الفقه لو جدت مصداق ذلك .

كما ان القرآن الكريم قد زخرت آياته بالحديث عن نساء سجلن على صفحات الإنسانية مواقف ناصعة، في سبيل إعلاء كلمة الله والدفاع عن الشرائع السماوية، وأخريات أعطين دروساً في الجهاد والفقه، رغم ما كان يكتنف عصورهن من ظلم وطغيان، فيروي لنا قصص عن نساء الأنبياء وامهاتهن وبناتهن وأزواجهن، فهذه أم موسى(عليه السلام) وهذه مريم العذراء (عليها السلام) وتلك ابنة شعيب زوجة النبي موسى (عليه السلام) ،وهذه آسية بنت مزاحم زوجة فرعون وغيرهن كثيرات .

كذلك تزخر كتب التاريخ والسيرة بسير نساء كن مثالاً في النبل والكرامة والشجاعة والوفاء ،والعفة والطهارة ، والجهاد في سبيل إعلاء كلمة الحق ، فكانت على رأسهن فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين (عليها السلام)، وأمها الصديقة خديجة الكبرى (عليها السلام) أول المجاهدات بمالها وصبرها وعونها للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من اجل دين الله ، تشهد كتب التاريخ وكتب السيرة والكتب التي تناولت واقعة الطف الأليمة التي راح ضحيتها نتيجة الغطرسة الأموية والعصبية القبلية ثلة مؤمنة من آل الرسول مع ثلة مؤمنة أخرى من الصحابة المنتجبين ، وكان على رأسهم قائد البيت الهاشمي وزعيمهم الإمام الحسين (عليه السلام) في العاشر من المحرم سنة إحدى وستين للهجرة المباركة .

أشارت هذه الكتب الى وقوع حوارات دارت بين الإمام الحسين (عليه السلام) والعديد من الشخصيات البارزة في ذلك الحين قبل رحيله من المدينة الى الكوفة –بعد ان عقد العزم على ذلك- كانت تتخوف من ذهاب الإمام الحسين الى الكوفة، وتحثه على عدم الرحيل خوفاً عليه، ولكن إصراره (عليه السلام) على هذا الأمر جعل تلك الشخصيات -لا سيما أخوه محمد بن الحنيفة- تطرح تساؤلاً مرفقاً بالرجاء عن سبب اصطحابه العيال من نساء وأطفال، فكان جوابه (عليه السلام) حينذاك : ( ان الله شاء ان يراني قتيلاً وشاء ان يراهن سبايا)(5).

اذا كان هذا هو الهدف، ومن وراءه تكمن أهدافاً وأهدافا. من هنا سنحاول الدخول على ما نريد الحديث عنه وهو وجود نساء الأنصار ومشاركتهن  في واقعة الطف الأليمة؛ لأن جواب الحسين (عليه السلام) يوحي أن لأولئك النسوة دوراً هاما سيقمن به اثناء تلك الواقعة، أو حتى فيما بعد الواقعة التي بقيت حتى يومنا هذا صفحة سوداء في تاريخ البشرية والمرحلة التي بعدها، فهي كما قال عباس محمود العقاد :( واقعة الطف تمثل نكسة الضمير الإنساني ).

فالذي قرأ التاريخ قراءة صحيحة أمكنته رؤية تلك النسوة اللائي قاتلن إلى جانب الرجال، وبعضهن قد نلن الشهادة فيها او بعدها بقليل، وأخر حاولن المشاركة في القتال لكنهن فوجئن برفض الإمام الحسين(عليه السلام) ذلك ،بينما كان دور الأخريات منهن دور المحرض لرجالهن وأبنائهن على خوض المعركة دفاعاً عن آل الرسول،ونساء قمن بدور الرعاية والإشراف وحفظ النسوة  والأطفال خلال المعركة وما بعدها كالعقيلة زينب (عليها السلام)التي سنتحدث عن دورها في ذلك مفصلاً. نحاول قبل الحديث عن دور العقيلة زينب الوقوف على دور أبرز من شاركن في المعركة، ونحن إذ نورد هذا العدد المحدود منهن، فهذا لايعني انه لايوجد غيرهن، ولكننا في هذه العجالة نكون مضطرين للوقوف على بعض دون بعض؛ لأن الوقوف عليهن كلهن معناه تأليف كتاب واسع؛ لأن المعسكر الحسيني الذي مَثُل في كربلاء رغم صغره وقلة افراده احتوى على اطياف الامة كافة، ففيه المولى والعبد، والشيخ والطفل، والصحابي والتابعي ، والأبيض والأسود، وفيه القوي والضعيف، وفيه الرجل الى جانب المرأة.

وهنا نحاول الوقوف على اسماء ابرزهن، وادوارهن سواء ماكان قبل الواقعة ومابعدها .

  1. النساء اللائي كان دورهن قبل الواقعة:

إن لكل واحدة ممن ناصرن آل الرسول ووقفن معهم دور يختلف عن الأخرى ،ولكن يجمعهن الإيمان بأرقى مفاهيمه الإنسانية والتي جاء بها الاسلام، ولخصها في شخص الإمام الحسين (عليه السلام) وأهدافه، فممن كن على ضفاف نهضته المباركة :

اولاً: مارية بنت منقذ العبدي :المرأة التي موّلت الثائرين، اذ كانت أرملة استشهد زوجها في معركة الجمل نصرة لأمير المؤمنين(عليه السلام)، ومع هذا كانت موالية للحق دون أي ملل او كلل، تحوز على موالية للخف دور أي ملل وكلل،وكانت تحوز مكانة مرموقة في المجتمع العلوي البصري، وتمتلك اموالاً طائلة، ولما بدأ الصراع العلوي الأموي على أشده فتحت بيتها للزعماء الموالين لآل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)،ولعلي وبنيه (عليهم السلام)، ليكون نادياً فكرياً يتناقش فيه الزعماء قضايا الامة، ومركز اتصال وتواصل لدعم المعارضة، ولما عرفت بوصول رسائل الإمام ابي الاحرار (ع) الى أشراف البصرة، خرقت ببكائها الغاضب محفل الأشراف الذين كانوا يجتمعون في بيتها لتقول كلمتها المدوية بعدما سألوها عن سبب غضبها وبكائها :( ويلكم ما اغضبني احد،ولكن أنا امرأة ما اصنع؟ سمعت ان الحسين ابن بنت نبيكم استنصركم وانتم لا تنصرونه؟، فأخذوا يعتذرون بعدم امتلاكهم السلاح والراحلة، عندها أخذت كيساً مليئاً بالدنانير الذهبية والدراهم الفضية ،وأفرغته أمامهم وقالت :( فليأخذ كل منكم ما يحتاجه وينطلق في نصرة سيدي ومولاي الحسين (عليه السلام))(6)، فيا ترى من جاد بماله في نصرة الحق والعقيدة؟، فهذه المرأة قد ضربت مثلاً سامياً لما يجب ان تكون عليه المرأة المسلمة ،وان كانت ما قامت به فوق السمو؛ لأن المرأة- إلا ما عصم الله- تميل –بطبعها- الى حب المال واقتناء الحلي، بينما هذه المرأة المؤمنة أنفقت مالها في سبيل نصرة الحق وأهله.

اذاً كان دور هذه المرأة الصالحة نابعا من وحي ايمانها بمبادئها، فكانت تدفع باتجاهين: معنوي ومادي، اما المعنوي فهو شحذ الهمم، واما المادي فتمثل في تمويل الثوار.

ثانياً:طوعة الكوفية : المرأة التي احتضنت الثائر الذي وجد نفسه وحيداً بعد ان نقض الكوفيون عهودهم ومواثيقهم مع الحسين، فقد كانت هذه المرأة كباقي النساء تحمل حبا لإبنها الوحيد، فكانت تقف بالباب تنتظر قدومه خوفاً من ان يصيبه مكروه، وكانت قلقة عليه فترة غيابه عن البيت، وكانت الكوفة آنذاك في انتفاضة عارمة ضد الطاغية يزيد وأعوانه وجلاوزته  الذين كانوا يمارسون القمع والاضطهاد، فبينما هي واقفة كعادتها على الباب واذا بالثائر المنتفض والسفير القائد على بابها، انه مسلم بن عقيل سفير الحسين (عليه السلام) يبحث عن شربة ماء يسد بها رمقه، وعن ملجأ آمن يأوي اليه من غدر الغدرة، فقد تعرفت عليه طوعة من حديث دار بينهما، فلم تتردد ولو لحظة في القيام بالواجب الملقى على عاتقها من إيواء الثائر المخلص، فقامت بالترحيب به، وأسرعت بخفة معهودة عند النساء، فجهزت له بيتاً يأوي اليه  وهيأت له كل مستلزمات الضيافة والتكريم، و جاء ابنها المدلل بلال ذلك المتعاون مع السلطة، الذي كان من مصاديق قوله تعالى:(ويخرج الميت من الحي)(يونس 31)، ولما عرف بالأمر اخذ يفكر في هذا الصيد الثمين الذي كان يبحث عنه وكان  من امره ِ ان أخبر السلطان بالأمر، وكان من أمر مسلم خوض المعركة مع الظالمين حين جاؤوا للقبض عليه، وما كان أمام طوعة إلا ان تتبرأ من إبنها بلال :( انه عمل غير صالح ) ( هود 46 ) فتعتذر من مسلم بن عقيل :( لا تؤاخذني بما نسيت ) ( الكهف 73) وطلبت من الله الغفران :( ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا أو أخطأنا ) (البقرة 286) ومسلم ينهض ليستعد لمواجهة القوم ويلتفت إليها ( لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم )( يوسف 92)، فأخذ يودعها ويقول : رحمك الله وجزاك عني خيراً. فمن يا ترى احتضن رجلاً خطيراً كمسلم؟ (7) ، فكان دورها (رضوان الله عليها) احتضان ذلك الثائر الذي عجز الرجال عن احتضانه معرضة حياتها للخطر، فكانت مثالا للشجاعة والايثار والتضحية ونكران الذات

ثالثاً : الأسدية: وهي زوجة علي بن مظاهر الاسدي من المؤمنات  المواليات لأهل البيت (عليهم السلام)التي من الله عليها بشرف صحبة الركب الحسيني والتزود من معاشرة عقيلة بني هاشم وأخواتها وبنات أخيها, وشاركت بحبها ومشاعرها ودموعها وعقلها وجسمها بنات الرسالة في أحداث كربلاء وما بعدها من سبي وسفر بعيد وسياط مؤلمة وجوع وعطش واشتهار في شوارع الكوفة والشام الذي هو اشد المصائب على مخدرات الرسالة والمؤمنات اللواتي معهن, ولكي نقف على عظمة هذه المرأة الموالية التي ملئت حباً وتضحية لأهل البيت (ع) والتي تلبست بثوب الصابرين فنالت مقامهم الرفيع, وصارت قدوة للنساء، واسوة في الموالاة والمودة لأهل البيت (عليهم السلام).

يقال: ان الإمام الحسين (عليه السلام) في ليلة عاشوراء قال لا صحابه : ( اجلسوا رحمكم الله و جزاكم الله خيراً)، ثم قال :( ألا ومن كان في رحله إمرأة فلينصرف بها الى بني أسد)، فقام علي بن مظاهر وقال:(ولماذا يا سيدي؟)، فقال الحسين (عليه  السلام) :( ان نسائي تسبى بعد قتلي وأخاف على نسائكم من السبي)، فمضى زوجها إليها فاستقبلته قائلة:( يا ابن مظاهر أني سمعت غريب فاطمة خطب فيكم وسمعت في اخرها همهمة ودمدمة فما علمت ما يقول , فاخبرها بما قال الحسين (عليه السلام) فقالت ما انت صانع؟ قال :( قومي حتى الحقك ببني عمك بني اسد فقامت ونطحت رأسها  بعمود الخيمة وقالت : والله ما انصفتني يا بن مظاهر، أيسرك ان تسبى بنات رسول الله وأنا آمنه من السبي؟ أيسرك ان تسلب زينب ازارها وانا استتر بأزاري؟ أيسرك ان تذهب من بنات الزهراء اقراطها وانا اتزين بقرطي؟, ايسرك ان يبيض وجهك عند رسول الله ويسود وجهي عند فاطمة الزهراء، والله انتم تواسون الرجال ونحن نواسي النساء، فرجع علي بن مظاهر الى الحسين (عليه السلام) وهو يبكي فقال له الحسين (عليه السلام): ما يبكيك؟, فقال: سيدي: ابت الاسدية الا مواساتكم، فبكى الحسين (عليه السلام) وقال: (جزيتم منا خيراً ) (8).

فجسد موقفها هذا إيمانها بنهضة الإمام الحسين (عليه السلام) , فهي بذلك خير من رجال هذه الامة التي جاءت لقتل الإمام (عليه السلام) بل هي خير من رجال عدوا من الصحابة أختاروا  السلامة على المشاركة .

  1. النساء اللائي كان دورهن بعد الواقعة :     

اولاً:دلهم بنت عمرو الكوفية: ورد اسمها هذا في بعض المصادر التاريخية، وورد في البعض الآخر باسم ( ديلم بنت عمرو) (9)

ولم نجد لها ذكراً في كتب الرجال ولا التاريخ إلا بعد ان جاء رسول الحسين يدعو زهيراً .

بيد ان موقفها الذي سجله لها التاريخ بكل عز وافتخار جعلها في رتبة النساء المميزات, وكشف عن عمق ولائها ومعرفتها بالحق, وأدبها الرفيع في التعامل مع إمامها وزوجها. روى الطبري عن أبي مخنف، قال: فحدثتني دلهم بنت عمرو وامرأة زهير بن القين (10).

قالت لزوجها: سبحان الله أيبعث إليك إبن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)ثم لا تأتيه؟، فلو أتيته فسمعت من كلامه فمضى زهير بن القين، فما لبث ان جاء مستبشراً قد أشرق وجهه، فأمر بفسطاطه وثقله ومتاعه، فحولَ الى الحسين (عليه السلام) وقال لإمرته: انت طالق، فاني لا أحب ان يصيبك بسببي إلا خير, وقد عزمت على صحبة الحسين (عليه السلام) لأفديه بنفسي، وأقيه بروحي، ثم أعطاها مالها وسلمها الى بعض بني عمها كي يوصلها الى أهلها، فقامت إليه  وبكت وودعته وقالت: كان الله عوناً ومعيناً، خار الله لك، أسألك ان تذكرني في القيامة عند جد الحسين (عليه السلام) (11)، فقال لأصحابة: من أحب ان يصحبني و إلا فهو آخر العهد مني به.

وبالرغم من ان هذا النص التاريخي لا يتضمن أكثر من موقف واحد لا أكثر، إلا أنه يكشف عن صورة تكاد تكون شاملة تؤدي الى تفاصيل تستوعب حياة هذه الحرة العظمية، لأن عقل الإنسان لا يعرف إلا في المواقف الصعبة التي تحتاج الى اتخاذ القرار في فتره وجيزه  لتحديد المسار على مفترق الطرق، سيما إذا كان الطريقان من الخطورة بمكان، فأما الى الجنة والسعادة الأبدية، وإما الى النار و الشقاوة السرمدية, فهذهِ الزوجة أدركت بحسها المرهف، وشعورها اللطيف ان زهيراً وقع في ورطة بين أولئك الرجال الذين كانوا يحيطونه، وكانوا على الأغلب عثمانية - كما نص على ذلك بعض المؤرخين- فتحركت بعقلها ومداراتها لتستوعب الموقف وتخرج زهيراً من حرجه بين القوم، فانبرت تحرضه على قبول دعوة ابن رسول الله،لتكون مشجعة له من جهة ،وتقدم له مبرراً أمام القوم للاستجابة من جهة أخرى ،وهكذا يجب ان يكون دور المرأة الصالحة التي هي عاملة من عمال الله في الأرض،يهمها سعادة زوجها، وان تراه في الموضع الذي يحبه الله ورسوله وابن رسوله، ولا تستسلم لأنانيتها وخلودها الى الدعة والراحة، فإذا ضمنت ما يرضيها لا تعير لما أصاب زوجها  خيراً كان ام شراً، سعيداً كان او شقياً . ويقال انها بعد مصرع زوجها بعثت كفناً بيد غلام لها وقالت له: اذهب وكفن مولاك، فذهب الغلام ليكفن سيده فوجد الحسين (عليه السلام) بلا كفن فكفنه به ورجع واخذ كفناً آخر وكفن به مولاه زهير بن القين (12).

على ان الذي عليه علماء الإمامية ان الإمام السجاد هو من تولى تكفين ودفن الإمام الحسين (عليه السلام).

وهكذا يكون دور هذه المرأة التضحية والفداء والتأثير المباشر على زوجها في انقلاب المعتقد والافكار، وهذا قلما نجده عند باقي النساء، فهي قامت بدورين: تمحيص الراي، والنصرة والتضحية.

ثانياً : أم وهب النصرانية ،وزوجته:أم وهب بن حباب الكلبي ، وقيل أم وهب بن عبد الله بن حباب الكلبي ، المرأة التي آمنت وضحت، قد كانت وابنها وهب على الديانة النصرانية ، ولم يعرفا عن الإسلام ما يجعلهما يفكران بجد في التحول عن معتقدهما، ولكن الصدفة لعبت دوراً بذلك ، فقد صدف ان نزلاً في مكان سبقهم الإمام الحسين اليه، فوقعت  هيبة الإمام الحسين في نفسه وامه مأخذاً عظيماً، فدخل نور الهداية قلبهما بعد ان تحدثا للإمام الحسين (عليه السلام)، وبعد ان علما انه نهض لإحقاق الحق وإزهاق الباطل ،قررا الالتحاق به ، فلما وقعت واقعة الطف كان دور الأم دوراً مشرفاً،فقد وقفت موقف الأم التي تشجع ولدها على القتال لتقدمه شهيداً بعد أيام من إسلامها بين يدي ابن صاحب الرسالة،ولم تكتف بذلك بل وبعد استشهاده أخذت بيدها عمود الخيمة ، وأخذت تدافع عن الحسين وآله (عليه السلام)، فلما شاهدها الإمام  سارع الى إرجاعها الى الخيمة معلماً اياها ان الجهاد قد وجب على الرجال دون النساء ووعدها بالجنة وضمن لها ذلك ، أي انها ضمنت الجنة بعد ثلاثة عشر يوماً فقط من اسلامها (13)، فضربت بذلك مثلاً للنساء المواليات الصابرات المؤمنات اللاتي حضرن في كربلاء عازمة على المواساة، غير راضية الا بقتل فلذة كبدها وقرة عينها ولدها وهب بين يدي إمامه (عليه السلام)، علماً أن هناك امرأة أخرى تكنى بأم وهب وهي : أم وهب بنت عبد، اسمها قمر، او قمري  زوجة عبد الله بن عمير الشهيد بأرض الطف يوم عاشوراء (14).

أما زوجته فكانت مثال المرأة المجاهدة، فقد نزلت بعد استشهاد زوجها حاملة عموداً بيدها، تدافع عن عقيدتها ودينها، فأرجعها الإمام الحسين (عليه السلام) ودعا لها، وكانت قد منعته في بداية القتال من النزول الى ساحة الوغى- على اعتبار انهما كانا عروسين – ويقال ان وهب لما خرج للقتال، وأحسن في الجلاد وبالغ في الجهاد، وكان معه امرأته وأمه، فرجع إليهما، وقال: يا أماه أرضيت أم لا؟، فقالت الأم: ما رضيت حتى تقتل بين يدي الإمام الحسين (عليه السلام).

وقالت امرأته: بالله عليك لا تفجعني بنفسك فقالت له أمه: يا بني اعزب عن قولها، وارجع فقاتل بين يدي ابن بنت نبيك تنل شفاعة جده يوم القيامة .

فرجع، فلم يزل يقاتل حتى قطعت يداه، فأخذت امرأته عموداً فاقبلت نحوه وهي تقول: فداك ابي وامي قاتل دون الطيبين حرم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فاقبل كي يردها الى النساء ، فأخذت تجاذب ثوبه ، وقالت : لن أعود دون ان أموت معك، فقال الحسين (عليه السلام) : جزيتم من اهل بيت خيراً ، ارجعي الى النساء رحمك الله(15).

ويرى صاحب البحار ان وهباً هذا قتل من معسكر عمر بن سعد أربعة وعشرين راجلاً ، واثني عشر فارساً ،ثم اخذ اسيراً لابن سعد فقال : ما اشد صولتك ؟ ثم أمر بضرب عنقه ، ورمي برأسه الى عسكر الحسين (عليه السلام) ، فأخذت أمه رأسه فقبلته ثم رمت بالرأس الى عسكر ابن سعد فأصابت به رجلاً فقتلته ، ثم شدت بعمود الفسطاط ، فقتلت رجلين (16).

وبهذا يكون دورهن الايثار المطلق، فقد آثرن طاعة المعصوم على محبة الولد والزوج والعيش برفاهية ونعيم.

ثالثاً: بحرية الخزرجية :بحرية بنت مسعود الخزرجي، وهي أم عمرو بن جنادة، كانت مثالا للمرأة التي تجهز ابنها للشهادة،وكانت ممن حضرن كربلاء مع زوجها جنادة بن كعب الخزرجي، فلما استشهد زوجها بين يدي الإمام الحسين (عليه السلام) وبما أنها لم تمتلك وسيلة أخرى للدفاع عن الحق غير هذا الولد الذي لم يتجاوز العقد الأول من عمره، بادرت فألبسته لامة الحرب وقلدته السيف، وقالت له: اخرج بني وقاتل بين يدي ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعند خروجه للحرب رآه الحسين (عليه السلام) فقال: هذا شاب قتل أبوه في المعركة، ولعل أمه تكره خروجه، فقال الغلام: يا ابن رسول الله، بابي أنت وأمي ان أمي أمرتني بذلك، وهي التي حملتني السيف، فرخصه الحسين (عليه السلام) حتى جاء المعركة مرتجزاً :

أميري حسين ونعم الأمير   سرور فؤاد البشير النذير

له طلعة مثل شمس الضحى   له غرة مثل بدر منير

 فقاتل حتى نال شرف الشهادة، فقطعوا الأعداء رأسه ورموا به الى جيش الحسين (عليه السلام)، فأخذت الأم رأس ولدها ورفعته على صدرها، وقالت: أحسنت يا ولدي ويا قرة عيني وقامت واخذت عمود خيمة وحملت على جيش ابن سعد وقالت مرتجزة بارجوزة أم وهب، فأرسل إليها الحسين(عليه السلام) وأمرها بالرجوع (17).

فمن يا ترى اليوم من نساءنا تمتلك قلباً مفعماً بالإيمان والشجاعة كقلب هذه الموالية؟، فقد كانت حقاً سخية في تضحيتها، عارفة بتكليفها الشرعي، موالية محبة لأهل البيت، زاهدة في دنياها راغبة في آخرتها .

 

3- النساء اللائي تعاطفن مع واقعة كربلاء :

هذه ثلة من أسماء نساء شارك أزواجهن في معركة الطف ضد الإمام الحسين، فلما رأين واعية الإمام الحسين، رفضن ما حدث، ووقفن وقفة عاطفية إزاء النهضة الحسينية منهن:

اولاً:امرأة من بني بكر بن وائل :قال الخوارزمي: روى حميد بن مسلم قال: رأيت امرأة من بني بكر بن وائل كانت مع زوجها في أصحاب عمر بن سعد، فلما رأت القوم قد اجتمعوا على نساء الحسين فسطاطهن وهم يسلبوهن، أخذت سيفاً وأقبلت نحو الفسطاط وقالت: يا آل بكر بن وائل تسلب بنات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا حكم لله، يالثارات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخذها زوجها وردها الى رحله(18).

وموقفها هذا موقف المرأة التي عصفت بها العاطفة فانبرت مدافعة عن بنات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولعل موقفها هذا نبع من قباحة ما رأته من موقف الجيش الممسوخ ووحشيته وانتهاكه حرمة النساء اللواتي لا دخل لهن في هذه الحرب، فهاجت بها الحمية العربية التي تستنكر بشدة أي اعتداء على المرأة .

ثانياً: نوار بنت مالك الحضرمية : هي زوجة الخولي بن يزيد الاصبحي الذي كان يحمل رأس الإمام الحسين (عليه السلام)الى طاغية عصره عبيد الله بن زياد، فقد حضر الخولي الى بيته في ساعة متأخرة من الليل فاخذ الرأس الشريف الى بيته، وخبأه في التنور، فسألته زوجته نوار عن ما يخبئه في التنور، فقال لها بعد حوار طويل بينهما: جئتك بغنى الدهر ،هذا رأس الحسين معك في الدار، فقالت:ويلك جاء الناس بالذهب والفضة وجئت برأس ابن رسول الله،لا والله لا يجمع راسي وراسك بيت ابدا،ثم أضافت قائلة: إرجع ، وأخذت عموداً وأوجعته ضرباً، وقالت : والله ما انا بزوجة ولا أنت لي ببعل (19).

وهكذا كان موقفها موقف المرأة التي رفضت زوجها، وفارقته لتعلّم الآخرين درساً في التعامل مع الظالمين وان كان الظالم ولي نعمتهم.

ثالثا: هند بنت عبد الله بن عامر: هي زوجة يزيد بن معاوية، كانت تعمل خادمة في بيت امير المؤمنين قبل ان يتزوجها يزيد اللعين، وكانت على معرفة بأهل بيت النبوة، وكانت خدمتها لهم تقرباً الى الله تعالى، وبعد مقتل الإمام الحسين دخلت عليها جاريتها قائلة لها: ياهند هذه الساعة اقبلوا بسبايا ولم اعلم من أين هم، فلعلك تمضين اليهن وتتفرجين عليهم، فقامت هند ولبست افخر ثيابها وتخمرت بخمارها ولبست ازارها وأمرت خادمة لها ان تحمل الكرسي، فلما رأتها العقيلة زينب التفتت الى اختها أم كلثوم وقالت لها: أخية أتعرفين هذه الجارية؟ قالت :لا والله، قالت لها : أخية هذه خادمتنا هند بنت عبد الله فسكتت زينب ولم ترد عليها جواباً.

وبعد ان استقر بها المقام سألت السيدة زينب قائلة لها: أخية من أي البلاد انتم؟ فقالت لها زينب: من بلاد المدينة، فلما سمعت بذكر المدينة نزلت من الكرسي وقالت: على ساكنها أفضل السلام، فسألتها زينب (عليها السلام) عن سبب نزولها عن الكرسي فأجابتها: اجلالاً لمن سكن في ارض المدينة، ثم قالت لها: أخيه أريد ان أسالك عن بيت في المدينة، أريد ان أسالك عن دار علي بن أبي طالب؟، قالت لها زينب: وأين لك معرفة بدار علي؟ فبكت وقالت: إني كنت خادمة عندهم، قالت لها زينب: وعن اي تسألين؟، قالت: أسالك عن الحسين وعن إخوته وأولاده وعن بقية أولاد علي  واسالك عن سيدتي  زينب وعن أختها أم كلثوم وعن بقية مخدرات فاطمة الزهراء (عليها السلام)، فبكت زينب وقالت لها: (يا هند أما إن سألت عن دار علي فقد خلفناها تنعى أهلها، وأما إن سألت عن الحسين فهذا رأسه بين يدي يزيد، وأما إن سألت عن العباس وعن بقية أولاد علي فقد خلفناهم على الأرض مجزرين كالأضاحي بلا رؤوس، وإن سألت عن زين العابدين فهو عليل نحيل لا يطيق النهوض من المرض، وهؤلاء بقية مخدرات فاطمة الزهراء .

فلما سمعت كلام زينب رقت وبكت ونادت واإماماه وا سيداه وا حسيناه ليتني كنت قبل هذا اليوم عمياء لا أنظر بنات فاطمة الزهراء على الحالة، ثم تناولت حجراً وضربت رأسها، فسال الدم على وجهها ومقنعتها وغشي عليها، فلما أفاقت ركضت نحو البلاط بحالة لم يعهد لها من قبل، وإذا بالطاغية مجتمع بأركان دولته في جلسة رسمية ليستقبل بعض الوافدين المهنئين بالنصر، وكلما حاول اقناعها مغطياً رأسها ليمنع نظرات الحاضرين إليها إلا انها رفعت صوتها قائلة: أخذتك الحمية عليَّ؟، فلم لا أخذتك الحمية على بنات فاطمة الزهراء،هتكت ستورهن وأبديت وجوههن وأنزلتهن في دار خربة، والله لا ادخل حرمك حتى ادخلهن معي، فأقامت أول عزاء للإمام الحسين (عليه السلام)(20).

فلما سمع الناس بقولها دب الهمس والغمز بين الشاميين بان آل الوحي هم السبايا وليس كما ادعى يزيد واعوانه أنهم خوارج، انها الطامة الكبرى، لقد كشفت عن زيف وادعاءات بني امية ،وبذلك شاءت السماء ان تخرج الفضيحة من داره.

هذه الكوكبة من النساء الطاهرات اللواتي حملن مشعل الكرامة والحرية، وقدمن مالم يستطع تقديمه الرجال، وهؤلاء النسوة كن من الأنصار الذين أحبوا حسينا ووالوه،أضافة الى نساء بعض ممن حارب الإمام الحسين (عليه السلام)قد تعاطفن مع الفاجعة لانها هدت الأنام .

أما من كان مع الإمام الحسين من نساء بيت الرسالة فهن كثيرات ومواقفهن لا تعد ولا تحصى، لكن الحق يقال ان دور السيدة زينب (عليها السلام) قد غطى على كل دور نسائي، فهذه أم كلثوم الأخت الثانية للإمام الحسين (عليه السلام) قد شاركت أخاها(عليه السلام) في الواقعة، فكل ما نزل بآل البيت من مصائب كان لها نصيب منها، فهي تارة شاركته - أي الإمام الحسين - الركب الحسيني وسفره وعنائه، وأخرى عند عطش النساء والأطفال، والاخرى عند وداع وشهادة الإمام (عليه السلام) وولده وإخوته وأصحابه، ورابعة عند حرق الخيام وهجوم الخيل، وخامسة عندما اخذ رجل قرطي أم كلثوم وخرم اذنيها، وسادسة عند ضرب المتون ولطم الوجوه، وسابعة عند ركوب النياق الهزل، وثامنة عند السبي، وتاسعة عند دخول الكوفة ،وعاشرة عند دخول مجلس الطاغية ابن زياد و.....ومصائب اخرى شاركت فيها أختها زينب، في كل ذلك كانت صابرة محتسبة واقفة كالجبل الشامخ لا تبالي، ففيها شموخ علي وصبر الزهراء، وهذه سكينة بنت الإمام الحسين (عليه السلام)،هذه الابنة الصابرة المحتسبة التي تربت في حجر الرباب بنت أمرئ القيس وعاشت مع اخويها الإمام السجاد وعلي الأكبر شهيد كربلاء، هذه السيدة التي اتهمها المؤرخون المنحرفون عن مبدأ اهل البيت بشتى الاتهامات، فقد لصق بها الأصفهاني صاحب كتاب الأغاني شتى الإتهامات والأباطيل، لكنها كانت في كربلاء في موقع الحدث، شاهدت مصائب كربلاء التي لا يقوى عليها إلا من سبكته الظروف الصعبة والمحن ولا يتحملها الا من وصل الى كماله وعلوه، ولا يصبر عليها الا من تخلق باخلاق الأنبياء وابناء الانبياء .

تلتها البنت الثانية للإمام الحسين، الا وهي فاطمة الصغرى التي شاركت الركب الحسيني في رحلته وآلامه وأحزانه، وكان لها دور في بعض الوقائع، فقد فقدت هذه السيدة زوجها وابن عمها الحسن بن الحسن في واقعة الطف صابرة محتسبة، ولكن الذي فجع قلبها وأدماه هو ساعة الوداع مع الإمام المفترض الطاعة والاب الحنون بعد ان جمعهم الإمام الحسين (عليه السلام) قائلاً:(استعدوا للبلاء، واعلموا ان الله حافظكم وحاميكم وسينجيكم من شر الأعداء، ويجعل عاقبة أمركم الى خير، ويعذب اعدائكم بأنواع البلاء، ويعوضكم عن هذه البلية بانواع النعم والكرامة، فلا تشكوا ولا تقولوا بالسنتكم ما ينقص قدركم. ثم أمرهن بلبس ازرهن ومقانعهن، فسألته أخته زينب عن ذلك فقال :( كأني أراكم عن قريب، كالإماء والعبيد، يسوقونكم أمام الركاب، ويسومونكم سوء العذاب)(21).

أما زوجات الإمام الحسين(عليه السلام) فقد كانت لهن مواقف مشرفة في هذه الواقعة، لكن التاريخ قد ركز على اثنتين منهن، فقد صحبن الإمام  في الواقعة، فالأولى السيدة الرباب بنت امرئ القيس بن عدي بن اوس ،فهذه السيدة عندما يذكرها التاريخ يقف بكل إجلال واحترام لها لما لها من الصفات والأخلاق العالية، فقد ذكرها السيد الأمين في أعيان الشيعة بقوله :( كانت الرباب من خيار النساء جمالاً وأدبا وعقلاً ،اسلم أبوها في خلافة عمر ،وكان نصرانيا من عرب الشام،فولاه عمر على قومه من قضاعة ،وما أمسى حتى خطب إليه علي بن أبي طالب ابنته الرباب على ابنه الحسين، فزوجه إياها)(22)،هذه الزوجة الوفية التي رفضت ان تستضل بسقف بعد ان رأت جسده تصهره الشمس وتغطيه الرمال، يقول ابن الاثير :( وكان مع الحسين امرأته الرباب بنت امرئ القيس ،وهي أم ابنته سكينة، وحملت الى الشام فيمن حمل من أهله، ثم عادت الى المدينة، فخطبها الأشراف من قريش، فقالت : ما كنت لاتخذ حمواً بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وبقيت بعده سنة لم يضلها سقف بيت حتى بليت وماتت كمدا)(23).

والثانية: ليلى الثقفية: وهي أم علي الأكبر شهيد كربلاء، وهي امرأة كبيره المنزلة ، عالية المقام، رفيعة الشرف اغترفت من أهلها خلقا وأدبا ومحبة لأهل البيت (عليهم السلام)، فأبوها أول من استجاب لدعوة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) من أهل الطائف ، شهدت واقعة الطف مع زوجها الإمام الشهيد، كذلك شهادة ولدها علي الأكبر صابرة محتسبة.

 

المبحث الثاني :السيدة زينب (عليها السلام) ودورها في الواقعة

ترجم لها ابن الاثير بقوله : (زينب بنت علي بن أبي يطالب واسمه عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم القريشية الهاشمية، وأمها فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أدركت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وولدت في حياته، ولم تلد فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد وفاته شيئاً، وكانت زينب امرأة عاقلة لبيبة، جزلة، زوجها أبوها علي (رض)من عبد الله بن أخيه جعفر، فولدت له علياً وعوناً الأكبر وعباسا ومحمداً وأم كلثوم، وكانت مع أخيها الحسين (رض) لما قتل وحملت الى دمشق وحضرت عند يزيد بن معاوية، وكلامها ليزيد حين طلب الشامي أختها فاطمة بنت علي من يزيد مشهور مذكور في التواريخ، وهو يدل على عقل وقوة جنان)(24).

روي أنها جعلت مجلساً للنساء اللواتي كن يقصدنها من اجل طلب التفقه في الدين ، وكان ابن عباس (رض) إذا روى عنها يقول: حدثتني عقيلتنا زينب بنت علي، فكان إذا ذكرت العقيلة لم يعن بذلك سواها، وكان يقال لبنيها بنو العقيلة .

هي معصومة بالعصمة الثانوية، لا كالعصمة التي يمنحها الله تعالى للأنبياء؛ لان عصمة الانبياء والأئمة (عليهم السلام) واجبة لوقوعهم في طريق التبليغ، فلو لم يكونوا معصومين لجاز أن يقع منهم الخطأ والسهو (25).

فهناك أشخاص غير واجبي العصمة، أي ليس من ضروريات الدين عصمتهم؛ لأنهم لم يقعوا في طريق التبليغ، لكنهم نالوا هذه المنزلة الرفيعة.... وتعرف هذه الملكة عندهم بأمرين .

1-شهادة المعصوم، فهي حجة بحقهم.

2-مرورهم بالأزمات العظيمة والنكبات المذهلة، ومع ذلك لم يصدر منهم الا الرضا والتسليم لامره سبحانه وتعالى .

والعقيلة زينب واحدة من هؤلاء كما يعتقد علماؤنا الإعلام، فقد حصل لها الأمر الأول - شهادة المعصوم - بكلمة الإمام زين العابدين (عليه السلام) عندما خاطبها بعد مقتل الإمام الحسين (عليه السلام) بقوله: عمه أنت عالمة غير معلمة، وفهمة غير مفهمة، فهي اشارة إلى هذه المنزلة، أما الأمر الثاني - مرورهم بالأزمات-فان ما صدر عنها في مأساة الطف اكبر شاهد على ذلك، فقد وقفت عصر عاشوراء على أخيها الحسين (عليه السلام) وهو مقطع بالسيوف قائلة:(اللهم تقبل منا هذا القليل من القربان).

وتقول ليزيد: الحمد لله الذي ختم بالسعادة والمغفرة لسادات شبان الجنان)(26).

توفيت (عليها السلام) في15 رجب سنة 65هجرية،.ولها اليوم  قبر معروف في ضواحي دمشق، يناسب جلالتها وعظمتها، يتوافد إليه المسلمون من مختلف أقطار المعمورة، ولها مشهد آخر في مصر لا يقل روعة وزواراً عن مشهدها في دمشق (27).

هذه مقتطفات من حياة جبل الصبر، والمرأة الفولاذية زينب (عليها السلام)، فهي لم تعش بعد اسشتهاد الإمام الحسين (عليه السلام) إلا مدة قليلة، ولكن حياتها القصيرة كانت كافية لتبدل مجرى التاريخ، ووافية لاستكمال دورها في تحمل العبئ الملقى على عاتقها.

وقد كان ظن بني أمية ساذجاً عندما تخيلوا ان مسيرة الحسين (عليه السلام)  بل ودين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ينتهي بعد واقعة كربلاء، وما أبدعوه من أسلوب وحشي فيها، نعم بل لم يكن يرجى ان تقوم لآل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قائمة بعد المجزرة التي لا مثيل لها عبر التاريخ، خصوصاً بعدما فني الرجال ولم يبق غير الصبية اليتامى والنسوة والثواكل، لولا زينب الحوراء عقيلة الهاشميين الكاملة الفاضلة، عابدة آل علي (عليه السلام) والتي خبرت الحياة وخبرتها وجربتها وعاشت مأساة أمها فواجهتها بصبر أبيها (عليه السلام) وحكمته ووعيه، فلم تدع فرصة إلا استغلتها لصالح الدين، ولم تترك مجالاً إلا بمزيد من السم الزعاف في كؤوس الظافرين.

والذي يبحث في سيرتها العطرة لايستطيع القول ان دورها كان فقط في الواقعة - أي الطف- بل لابد ان يبحث في أدوارها جميعاً خصوصاً دورها ما بعد الطف؛ لان أدوارها (عليها السلام) سلسلة لا يمكن دراسة واحد بمعزل عن الآخر؛ لان احدهم كان مكملاً للآخر، بل جزءاً منه، فهكذا هي حياة العظماء، خصوصاً انها (عليها السلام) كانت عالمة بما سيحدث لأخيها الحسين (عليه السلام) قبل الوقوع، بل في عهد جدها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقد اخرج الترمذي في صحيحه أنها (عليها السلام) رأت في منامها رؤيا افزعتها وأذهلتها، فأسرعت الى جدها تقص عليه، ولما مثلت بين يديه أجلسها في حجره ولاطفها ودللها وقبلها، فقالت له:( يا جداه رأيت رؤياً البارحة، قال (صلى الله عليه وآله وسلم): قصيها عليَّ، قالت: رأيت ريحاً عاصفاً إسودت الدنيا منه وأظلمت، ففزعت الى شجرة عظيمة فتعلقت بها من شدة العاصفة، فقلعتها الريح وألقتها على الأرض، فتعلقت بغصن قوي من تلك الشجرة فقطعتها الرياح، فتعلقت بفرع أخر فكسرته الرياح ايضاً، وسارعت فتعلقت بأحد فرعين من فروعها فكسرته العاصفة ايضاً، ثم استيقظت من نومي، فأجهش النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالبكاء وفسر لها رؤياها قائلاً:( أما الشجرة: فجدك، واما الفرع الأول: فأمك فاطمة، والثاني: أبوك علي، والفرعان الآخران هما: أخواك الحسن والحسين، تسود الدنيا لفقدهم وتلبسين لباس الحداد على رزيتهم)(28).

وكانت زينب حينها طفلة صغيرة، فلم يشأ صلوات الله عليه ان يجرح قلبها الصغير ويخبرها بما سيحدث لها بل اكتفى بالقول: أنها قادمة على رزايا عظيمة تمر عليها تعجفها، تدعوها لارتداء السواد حزناً على ذلك.

هذا بالإضافة الى حديث السيدة أم أيمن الذي روته لزينب (عليها السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، والذي بدورها (عليها السلام) عرضته على أمير المؤمنين (عليه السلام) عند وفاته فأقره لها، وهي قد أخبرت به الإمام زين العابدين(عليه السلام) عندما وجدته يجود بنفسه على أجساد الشهداء قبل الرحيل الى الكوفة، والحديث كما نقله جبرائيل لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قائلا له: (ان سبطك هذا واوحى جبرائيل(عليه السلام) الى الحسين(عليه السلام) مقتول في عصابة من ذريتك وأهل بيتك وأخيار من أمتك بضفة الفرات بأرض يقال لها كربلاء، من اجلها يكثر الكرب والبلاء على أعدائك وأعداء ذريتك في اليوم الذي لاينقضي كربه ولا تفنى حسرته، وهي أطيب بقاع الأرض وأعظمها حرمة، يُقتل فيها سبطك وأهله وإنها من بطحاء الجنة، فإذا كان اليوم الذي يقتل فيه سبطك وأهله، وأحاطت به كتاب أهل الكفر واللعنة، تزعزت الأرض من أقطارها ومادت الجبال وكثر اضطرابها، واصطفقت البحار بأمواجها، مماجت السموات باهلها غضبا لك يامحمد ولذريتك، واستهضاما  لما ينتهك من حرمتك، ولشر ماتكافى به في ذريتك وعترتك، ولا يبقى شي من ذلك إلا استأذن الله عز وجل في نصرة اهلك المستضعفين المظلومين الذين هم حجة الله)(29).

اذاً هي عالمة بما سوف يجري( ولكون زينب (عليها السلام) عالمة  بجميع ما يجري عليها من المصائب والنوائب والمحن وإنها على بصيرة من أمرها قابلت تلك الرزايا والفوادح بجميل الصبر وعظيم الاتزان  وقوة الإيمان وكامل الإخلاص)(30) .

لذا نرى أنها بعد الواقعة كانت مستعدة لها بكل جوارحها، وما رواه ابن قولويه القمي (ت367هـ أو368هـ) في كتابه كامل الزيارات لخير دليل على ذلك، فقد روى بسند متصل الى الإمام زين العابدين(عليه السلام) انه قال: (لما أصابنا بالطف ما أصابنا، وقتل أبي (عليه السلام) وقتل من كان معه من ولده وإخوته وساير أهله، وحملت حرمة نساؤه على الاقتاب يراد بنا الكوفة، فجعلت انظر إليهم صرعى، ولم يواروا، فيعظم ذلك في صدري، ويشتد لما ارى منهم قلقي، فكانت نفسي تخرج، وتبينت ذلك مني عمتي زينب بنت علي الكبرى، فقالت: مالي أراك تجود بنفسك يا بقية جدي وأبي وإخوتي؟

فقلت لها: وكيف لا اجزع ولا اهلع، وقد أرى سيدي واخوتي وعمومتي، وولد عمي وأهلي مصرعين بدمائهم، مرملين بالعراء، مسلبين، لا يكفنون ولا يوارون، ولا يعرج عليهم احد، ولا يقريهم بشر، وكأنهم أهل بيت من الديلم والخزر؟، فقالت: لايحزننك ما ترى، فوالله ان ذلك لعهد من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الى جدك وأبيك وعمك... ولقد اخذ الله ميثاق أناس من هذه الأمة لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض وهم معروفون في أهل السماوات أنهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرقة فيوارونها، وهذه الجسوم المضرجة، وينصبون لهذا الطف علماً لقبر أبيك سيد الشهداء لايدرس أثره ولا يمحو رسمه، على كرور الليالي والأيام، وليجتهدن أئمة  الكفروأشياع الضلالة في محوه وتطميسه فلا يزداد أثره إلا ظهوراً وأمره إلا علواً ،فقلت: وماهذا العهد وما هذا الخبر؟ فقالت حدثتني أم أيمن ......)(31)، وروت حديث أم أيمن المتقدم.

من هذه المعرفة الحقة يمكننا تصور دورها قبل الواقعة وبعدها ،فهذه الأحاديث قد مهدت في نفسها للواقعة؛ لذا مرت بعدة ادوار بعد ان ارتكب بنو امية أبشع جريمة  في تاريخ البشرية سماها عباس محمود العقاد (نكسه الضمير الإنساني )(32)،فقد صبوا جم حقدهم الدفين في هذه الواقعة، وهذا ما أظهره شعر يزيد الذي تمثل بقول ابن الزبعرى:

   ليت أشـيــاخي ببدر شهدوا     جزع الخزرج من وقع الاسل

  لأهـــــلوا واســــتهلوا فرحاً     ثــــــم قـــالوا يا يزيد لاتشل

  قد قتلنا القرم من أشياخهم     وعــــدلناه ببدر فاعتدل (33)

جرى كل هذا ليجعلوا من الحسين (عليه السلام) عبرة لمن اعتبر؛ حتى لا يقدر لاحد بعد الحسين(عليه السلام) ان يقوم بهذا النهج ويتابع المسيرة، سواء كان من أهل بيته أم من غيرهم؛ لان من يرى ويسمع بما جرى من أهوال ومصائب على الشيخ الكبير والطفل الصغير، وعلى النساء والمرضى والأطفال، وأثناء المعركة وبعد ان وضعت الحرب أوزارها على حرم رسول الله وأهل بيته سوف لن يجد الجرأة ولا الشجاعة الكافية لكي يفكر بأية نهضة أو ثورة ضد يزيد وأعوانه.

أما هذه البطلة العظيمة فنجدها قد نفضت عن أكتافها غبار الجولة الأولى، ووقفت على الجسد الشريف لتطلق الرصاصة الأولى معلناة حرباً من نوع آخر تقودها هي بذاتها رغم كل الآلام التي جرت عليها لتدك (حصون الظالمين)وتدمر جميع ما احرزوه من الانتصارات، لتحول الهزيمة الى نصر، وتلحق بمن حسب نفسه انه انتصر الهزيمة والعار، ثم لتملأ بيوتهم مأساة وحزناً.

لقد اقبلت هذه الصخرة الصماء التي لا تحركها العواصف الى ساحة المعركة وهي تشق صفوف الجيش (تفتش عن جثمان اخيها الإمام العظيم، فلما وقفت عليه شخصت لها أبصار الجيش، واستحال الى مستمع، فماذا تقول أمام هذه الخطوب المذهلة التي تواكبت عليها؟، إنها وقفت عليها غير مدهوشة، لم تذهلها الرزايا التي تميد منها الجبال، فشخصت ببصرها الى السماء وهي تقول بحماسة الإيمان وحرارة العقيدة قائلة: اللهم تقبل منا هذا القربان، وأطلقت بذلك أول شرارة للثورة على الحكم الأموي، بعد اخيها، وود الجيش ان تسيخ به الأرض، فقد استبان له عظيم ما اقترفه من الاثم، وانه قد اباد عناصر الإسلام، ومراكز الوعي والإيمان)(34). فسجلت بذلك موقفاً عظيما ينم عن عظم شخصها العظيم لتكون بعدها صاحبة الأدوار  والمواقف العظيمة؛ لأنها كانت تمثل لمن بقى من آل الرسول الأم الحنونة، والزوجة الوفية ، والعمة العطوفة، والخالة الرؤوفة، والأخت المسؤولة، التي لم تكن قدوة للنساء فقط بل وحتى للرجال، فأخذت على عاتقها ادواراً مختلفة يصعب على المرء حصرها، لكننا نشير الى أهم تلك الأدوار ؛لأنها كانت شريكة الإمام الحسين(عليه السلام) في نهضته عرفت دورها فأجادت تطبيقه .

المبحث الثالث: ادوار السيدة زينب في الميزان

ان المرء ليحتار عندما يتحدث عن أدوارها ومواقفها، اذ ان لها مواقف قبل الوصول الى ارض المعركة، كما انه أنيطت لها ادوراً أخرى وهي على ارضها ، نعم فقد كانت الشرارة الأولى لثورتها قد انطلقت بتلك الصرخة الزينبية على الجسد الطاهر في ساحة الوغى، ولكن هذا لايمنع ان يكون لها دورا قبل ذلك ، لكن دورها لحظة استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) بدا شوطاً جديداً مستقلاً عن الحسين (عليه السلام)؛ لانتهاء دور الإمام الحسين، إذ قدم اغلى ما عنده وبذل روحه في سبيل إعلاء كلمة الحق ورفع راية لا اله إلا الله، فجاء دورها في الجولة الثانية من المعركة وهي جولة الفكر وبيان الحقيقة، جولة الحفاظ على الدماء التي بذلت ان لا تذهب هدراً، جولة شحن النفوس واشعال الثورات، وقطف الثمار، فمن أولى منها بتحمل هذه المسؤولية .

الدور الأول :كشف الحقيقة وبيان عظيم الجريمة:

وقد تجسد هذا الدور في اماكن عدة، أبانت من خلالها الحقائق والمواقف الكبرى والتي ناتي عليها متسلسلة وهي:

1-الوقوف على أجساد الشهداء:

عندما شاهدت الإمام الحسين (عليه السلام) مقتولا مسلوب العمامة والردا صاحت بابن سعد: (ويحك أيقتل ابو عبد الله وانت تنظر إليه؟! فصرف وجهه عنها ودموعه تسيل على وجهه ولحيته)(35)، فعند ذلك صاحت (عليها السلام): ( ويحكم، أما فيكم مسلم؟ فلم يجبها احد)(36).

فقد أرادت بذلك ان تذكره بان هناك وجه قربي بينه وبين الحسين لكنه تناسى ذلك، فقد شغله الطمع بحكم الري عن معرفة ما يصح وما لايصح، كذلك أرادت ان تذكر القتلة بأنهم مسلمون على ملة الإسلام، فلو لم يكونوا كذلك ماذا كانوا يفعلون؟!

وعندما مروا بالركب على الشهداء بعد الأسر وقفت (عليها السلام) لتبين المصيبة التي ارتكبها هؤلاء القوم، وان كان لكل صاحب مصيبة في هكذا ظرف ان يصدر منه كلام وانين ونياحة وتفجع، لكنها لم تنح هذا المنحى، بل فضلت إثارة الأحزان وكشف الحقيقة وتبيين عظم المصاب، يقول ابن الاثير: (فأقام عمر بعد قتله يومين، ثم ارتحل الى الكوفة ومعه بنات الحسين واخواته، ومن كان معه من الصبيان وعلي بن الحسين مريض، فاجتازوا  بهم على الحسين وأصحابه صرعى فصاح النساء ولطمن خدودهن،وصاحت زينب اخته: (يا محمداه صلى عليك ملائكة السماء، هذا الحسين بالعراء، مرمل بالدماء، مقطع الأعضاء وبناتك سبايا، وذريتك مقتلة، تسفى عليها الصبا، فأبكت كل عدو وصديق )(37).

فهي (عليها السلام) بعد ان ذكرتهم بأنهم مسلمون، فلما لم تجد منهم جواباً تحاول هنا ان تذكرهم - أي جيش عمر بن سعد - بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتشير الى ان الحسين (عليه السلام) وما جرى عليه من أهوال، وما فعل به هذا الجيش من فعل، ثم تخاطب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بان بناتك سبايا وذريتك مقتلة، فيا أيها الجيش من فعل هذا؟ ألستم قريبي العهد بالنبي وذريته، ألستم تعرفون جيداً حرمة النبي، وحرمة بناته وذريته، فتحاول هنا ان تثير الأحزان، وتحرك النفوس الميتة المتعلقة بالدنيا، التي ليس لها الا البكاء على ما جنته أيديها،(فوجم القوم مبهوتين، وفاضت دموعهم، وبكى العدو والصديق، فقد استبان عظيم الجريمة التي اقترفوها وودوا ان الأرض قد ساخت بهم)(38).

  1. حديثها مع أهل الكوفة بعد دخول السبايا للكوفة :

خاطبت القوم قائلة: أما بعد يا أهل الكوفة ألا وهل فيكم إلا الصلف النطف، والصدر الشنف؟، خوارون في اللقاء، عاجزون عن الأعداء، ناكثون للبيعة، مضيعون للذمة، فبئس ما قدمت لكم أنفسكم ان سخط الله عليكم وفي العذاب انتم خالدون)(39). 

حينما رأت حفيدة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) زينب الجموح الزاخرة التي ملأت الشوارع والازقة، وقد أحاطت بها، اندفعت الى الخطابة لبلورة الرأي العام وإظهار المصيبة الكبرى والجريمة العظيمة التي ارتكبت وهدت أركان العالم  الإسلامي، فقد بينت لهم ( بخطابها البليغ، وعرفتهم زيف إسلامهم، وكذب دموعهم، وإنهم من احط المجرمين، فقد اقترفوا أفظع جريمة وقعت في الأرض ،فقد قتلوا المنقذ والمحرر الذي أراد لهم الخير، وفروا بقتله كبد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وانتهكوا حرمته، وسبوا عياله، فأي جريمة أبشع من هذه الجريمة)(40).

فقالت : (أتدرون ويلكم يا أهل الكوفة  أي كبد لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فريتم، وأي دم له سفكتم، وأي حرمة له انتهكتم؟، لقد جئتم شيئاً ادا، تكاد السموات يتفطرن منه، وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا)(41).

الى آخر خطبتها التي أبكت العيون، وجعلت أهل الكوفة يجرون الحسرة والندامة على ما فرطوا في جنب الله، فقد رمتهم سهاما لا تخطيء الفؤاد، وبالسن حداد أهون منها سياط الجلاد، فقد أخذتهم بسخط الله ورسوله عليهم.

  1. حوارها مع ابن زياد :

فقد حاول ابن زياد بعد دخول السبايا الى مسجد الكوفة ان يبين للملأ انه على حق، وانه  قد انتصر في هذه المعركة، وليس عليه أي ملامة، بل يدعي ان الله فضح الحسين وأهل بيته(عليهم السلام) فقال لها: الحمد لله الذي فضحكم واكذب أحدوثتكم)(42)، وليته لم يقرع سمعها (عليها السلام) بهذه الكلمات حتى لاتعمد  الى أهانته  بهذه الطريقة التي تدل على أنها ورثت شجاعة أبيها حيدرا الذي كان يقول الحق في كل زمان ومكان لا يخشى لومة لائم، فأجابته قائلة: (الحمد لله الذي اكرمنا بنبيه محمد(ص) وطهرنا من الرجس تطهيراً وانما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر وهو غيرنا والحمد لله (43)، فأجابها الفاسق ابن زياد: ( كيف رأيت فعل الله بأهل بيتك؟ قالت: كتب الله عليهم القتل فبرزوا  الى مضاجهم، وسيجمع الله بينك

 فقد بدأت خطبتها او كلامها معه بحمد الله الذي من بها على اهل بيت النبوة، اذ اكرمهم بنبوة محمد (ص)، وانما ارادت بذلك بيان قربها من رسول الله (ص)لتذكر الجمع انها من هذا البيت، فكانت كلماتها على رأس ابن زياد اشد من حد السيف؛ لانها وكما هو واضح وجلي بمناسبات المقام وباسلوب اللغة العربية انها تعنيه هو بالذات وانه هو الفاجر الكاذب، والفاسق المفتضح، فتكون بذلك قد وبينهم 

فتحاجون اليه و تختصمون عنده!، فغضب ابن زياد واستشاط فقال لها: لقد شفا الله نفسي من طاغيتك والعصاة من اهل بيتك، فقالت : لعمري لقد قتلت كهلي، وابرت اهلي،  وقطعت فرعي، واجتثثت اصلي، فان يشفك هذا فقد اشتفيت) (44).

وفي رواية ابن اعثم الكوفي والسيد ابن طاووس ان ابن زياد لما سأل زينب (ع) قائلا: كيف رأيت صنع الله بأخيك واهل بيتك، قالت: ما رأيت الا جميلا، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا الى مضاجعهم،  وسيجمع الله بينكم وبينهم يا ابن زياد  فتحاجون وتخاصمون  فأنظر لمن الفلج يومئذ ثكلتك امك  يا ابن مرجانه (45).

اكملت خطتها في فضح ابن زياد في مجلسه وامام مرئى ومسمع من الجميع، فتكون بذلك قد القمته حجراً على الرغم من لوعتها وأساها وضعفها بينت له ولمن يحضر مجلسه انها هي الاقوى.وشجاعتها هذه هي التي فتحت الباب امام عبد الله بن عفيف الازدي، ذلك الرجل الضرير ليقوم بوجه ابن زياد ويوجه له الاهانة في مجلسه وامام الملأ.

4- حين دخول السبايا سجن الكوفة:

فبعد هذا الذي صدر منها أمر ابن زياد بحسبهم في دار جنب المسجد الأعظم، فطلبت زينب (ع) من العسكر قائلة:(لا تدخلن علينا عربية إلا أم ولد او مملوكة فأنهن سُبين كما سبينا)، هذه الكلمات أطلقتها تريد بها: ان تشيع خبراً بين الناس وهو عدم دخول أي حرة وأي سيدة على نساء آل البيت(عليهم السلام)، فهناك غضبٌ عليهن، فهن معززات، بينما نساء آل البيت قد سبين، نعم يحق لام ولد أو مملوكه الدخول عليهن، فكانت سياستها واضحة؛ وهي محاولة إثارة حفيظة نساء أهل الكوفة؛ فلماذا يحق للمملوكة ولأم الولد الدخول ولا يحق لهن ويحرمن من التقرب إليها ومن معها، والاطمئنان عنها، والاعتذار إليها؟ فأجابت عن هذا التساؤل بنفسها: (لأنهم سُبين كما سُبينا)، فحاولت بيان حجم المعاناة والمأساة التي مرت عليهن، وعظم المصيبة، وبالتالي فضح سياسة يزيد وابن زياد، وما فعله أهل الكوفة؛ لتؤجج النفوس وتلهب المشاعر وتهيء للثورة، والنهوض ضد الظلمة وأعوانهم، وتحرك الرأي العام ضد السياسة الأموية التي سعت إلى إيذاء النبي (ص) بعترته وأهل بيته، كذلك فعلت عندما دفعت بالصدقات وردتها عندما حاول بعض أهل الكوفة إعطائها للأطفال في موكب السبي بقولها: ( نحن اهل بيت لا تحل علينا الصدقة)، وهذا تاكيد آخر ارادت من خلاله ايضاح امرهم بانهم لحمة رسول الله(ص).

5- حين الرحيل إلى الشام وفي مجلس يزيد:

لا نريد هنا سرد كلامها أو خطبتها في مجلس يزيد كاملاً لئلا يطول بنا المقام ولكن نورد بعضاً منه. والذي نريد قوله: انها في هذه الخطبة قد أوضحت لمن كان قد حضر في مجلس يزيد مهنئاً بالانتصار على الخارجين عن حكمه ان هذه السبايا وهذه النسوة المسبيات إنما هم أبناء صاحب الرسالة (ص)، لا كما اخبر يزيد إنهن خارجيات، بل هن اقرب شيء لصاحب الرسالة واشد عروة به، وأوثق لحمة له.

 ان اقرب عهد ببيت النبوة ذلك البيت الذي اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، كيف ان هذا الطاغية قد هتك ستورهن، واصبح يتصفح وجوههن القاصي والداني، البعيد والقريب، الدنيء والشريف، ليس معهن حامٍ ولا راعٍ؛ لذا قامت العقيلة  خاطبة فقالت: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على رسوله واله اجمعين، أمن العدل يا ابن الطلقاء تخديرك حرائرك واماءك وسوقك بنات رسول الله سبايا، قد هتكت ستورهن وأبديت وجوههن، تحدو بهن الأعداء من بلد الى بلد، ويستشرفهن أهل المناهل والمناقل، ويتصفح وجوههن القريب والبعيد والدني الشريف، ليس معهن من حمائهن حمي ولا من رجالهن ولي ......)(47).

واذا بيزيد يشبك عشراً على رأسه ويحول بعينيه يمنة ويسرة، ماذا يقول عنه الناس؟  وماذا يفعل؟ كيف الخلاص من هذه الفضيحة؟ من جاء بهذه المرأة؟، فقد كان الهدف من هذا الاجتماع ان يفرح بنشوة النصر؛ واذا به ينقلب هما وغما وفضيحة. لقد كان النصر مكللا في القصر، فاذا به ينقلب عزاء وبكاء على آل الرسول، وقف حائراً، وكأني به يقول : ( كنت قبل دقائق انا الأمير، وهذه رؤوس وسبايا الخوارج، فإذا بي أصبح أنا الخارج عن الدين وتنكشف حقيقة هذه الرؤوس وهذه السبايا لأنها اقرب شيء إلى الدين والى النبي .

(كيف يستبطأ في بغضنا أهل البيت من نظر إلينا بالشنف والشنآن والإحن والاضغان، منحنيا على ثنايا أبي عبد الله سيد شباب أهل الجنة تنكثها بمخصرتك، وكيف لا تقول ذلك وقد نكات القرحة واستأصلت الشأفة؛ بإراقتك دماء ذرية محمد(ص) ونجوم الارض من آل عبد المطلب).

(ولتردن على رسول الله (ص) بما تحملت من سفك دماء ذريته وانتهكت من حرمته في عترته ولحمته حيث يجمع الله شملهم ويلم شعثهم ويأخذ لهم بحقهم، ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون وحسبك بالله حاكماً وبمحمد(ص) خصيماً وبجبرئيل ظهيراً، إلا فالعجب كل العجب لقتل حزب الله النجباء بحزب الشيطان الطلقاء).

(هذه الأيدي تنطف من دمائنا، والأفواه تتحلب من لحومنا، وتلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل وتعقرها أمهات الفراعل، ولئن اتخذتنا مغنما لتجدننا وشيكاً مغرماً حيث لا تجد إلا ما قدمت يداك وما ربك بظلام للعبيد) (48).

هذه خطبتها أمام طاغية العصر يزيد، رغم انه لم يكن يدور في خلدها انها ستخطب يوماً ما في مجتمع كبير حاشد بالأعداء والشامتين، ولكن قاتل الله الظروف التي أبرزتها حتى خطبت، وهي التي كانت لا يرى لها شخص، ولا يسمع لها صوت .

وكأنما الظروف نفسها التي أخرجت امها الزهراء (ع) الى مسجد رسول الله (ص)حين خطبت خطبتها الشهيرة .

الدور الثاني: الحفاظ على البقية من أهل بيت النبوة(عليهم السلام):

يعد حفاظها على عيال وأطفال الحسين (عليه السلام) من أبرز ما قامت به، فقد قامت بجمعهم ومواساتهم، ثم بحراستهم في الليل والسهر عليهم بعد ذلك اليوم العسير .

يقول السيد محسن الأمين: (وكان لزينب (ع) في واقعة الطف المكان البارز في جميع الحالات وفي المواطن كلها، فهي التي كانت تمرض العليل وتراقب احوال أخيها الحسين ساعة بساعة وتخاطبه وتسأله عن كل حادث، وهي التي كانت تدبر امر العيال والأطفال، وتقوم في هذا مقام الرجال (49)، ونحاول هنا الوقوف على أهم المواقف الحساسة التي كان لها دور بارز في الدفاع عن العيال والأطفال لا سيما الامام السجاد(عليه السلام)، فقد تعرض الإمام السجاد لمحاولة القتل والتصفية أكثر من مرة، مرة عندما حاول الشمر (لعنه الله) فتعلقت به قائلة:(لا يقتل حتى اقتل دونه)، فكف اللئام عنه، ولولا السيدة زينب لمحيت ذرية أخيها الحسين(50)، كذلك حاولت التخفيف عن آلامه(عليه السلام)، وكما أسلفنا من حديثها معه حينما رأته على المحمل وهو يجود بنفسه فخففت عنه عندما ذكرته بحديث أم أيمن المتقدم.

كذلك أنقذته من القتل في مجلس عبيد الله بن زياد  في الكوفة حينما وقف الامام السجاد وقفته الشجاعة امام عبيد الله، فهدده عبيد الله بالقتل، وأمر جلاوزته بقتله فتعلقت به وقالت: (يا ابن زياد، حسبك من دمائنا, واعتنقته وقالت: والله لا أفارقه، فان قتلته فاقتلني معه, وفي رواية ابن طاووس: ان الامام قال لإبن زياد:(أبالقتل تهددني يا بن زياد أما علمت ان القتل لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة(51)، فهذا الموقف من الامام (عليه السلام) كفيل ان يعرضه للقتل لولا الموقف الزينبي الخالد, التي كان تدخلها في اللحظات الحرجة؛ لتنقذ هذا الدين وتحفظ البقية الطاهرة من آل الرسول (ص), أما في مجلس يزيد الطاغية, فكان لها صولة عندما حاول احد الحضور ان يأخذ فاطمة بنت علي (عليه السلام) بقوله ليزيد: يا أمير هب لي هذه الجارية (52), فدار بينها وبين يزيد حوار طويل بعد ان تعلقت بها فاطمة طالبة النجدة منها يكشف عن حقيقة مبدئها في الدفاع عن الرسول .

الدور الثالث: بث العلم والمعارف والرجوع إليها في الأحكام:

بعد ان عادت الى مدينة جدها (ص) كان دورها بارزاً في عودة الشيعة والموالين في اخذ العلوم عنها والأحكام؛ لأن الامام السجاد كان تحت المراقبة الشديدة، فلم يؤت الفرصة الكافية من اجل ذلك .

فقد أورد الصدوق في كمال الدين وتمام النعمة رواية عن حكيمة أخت الامام العسكري طويلة نأخذ هنا موضع الشاهد، يقول الراوي: فقلت لها: اقتدي بمن وصيته الى المرأة؟ فقالت: اقتداء بالحسين بن علي بن أبي طالب، ان الحسين بن علي (عليهما السلام) أوصى الى أخته زينب بنت علي بن أبي طالب في الظاهر، وكان ما يخرج من على بن الحسين من علم ينسب الى زينب بنت علي تستراً على علي بن الحسين، ثم قالت: أنكم قوم اصحاب اخبار، أما رويتم ان التاسع من ولد الحسين (عليه السلام) يقسم ميراثه وهو في الحياة )(53).

فعلى هذه الرواية الصريحة يكون دورها (عليها السلام) ورجوع الشيعة إليها في أمورهم، تستراً على الامام السجاد(ع) وحفاظاً عليه.

يقول الصدوق: (كانت زينب لها نيابة خاصة عن الحسين(عليه السلام)، وكان الناس يرجعون إليها في الحلال والحرام حتى بريء زين العابدين من مرضه)(54).

الدور الرابع: متابعة المسيرة الحسينية والنهج المحمدي:

لم تترك عقيلة الهاشميين فرصة لفضح يزيد الا استغلتها، فقد فضحت جيش عمر بن سعد، وأسكتت أهل الكوفة ووبختهم، وتهجمت على ابن زياد، فهي (عليها السلام) عندما تقول لإبن زياد: فتحاج وتخاصم، فانظر لمن الفلج يومئذ ثكلتك أمك يا ابن مرجانة، فكلامها هذا ثورة، وتهجمها على الطاغية، تدعو عليه بالفقد والموت، وتوبخه، وهذا ليس موقف الضعيف ولا المستكين- كما يصفها بعض أرباب المنابر- إنما هو موقف صاحب الثورة، وصاحب الحق والقضية التي لا يتخلى عنها بأغلى الأثمان.

أما قولها ليزيد:( فمهلاً مهلاً لا تطش جهلاً، أنسيت قول الله تعالى :( ولا تحسبن الذين كفروا إنما نملي لهم خيرا لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين.... فو الله ما فريت إلا جلدك ولا حززت الا لحمك ولئن جرت عليّ الدواهي مخاطبتك إني لاستصغر قدرك واستعظم تقريعك واستكبر توبيخك، لكن العيون عبرى والصدور حرى، الا فالعجب كل العجب لقتل حزب الله النجباء بحزب الشيطان الطلقاء)(55). فمن يا ترى غير زينب ابنة علي الذي صرع الابطال تستطيع ان تقف امام يزيد الطاغية وتنطق بهذه الكلمات، فهي لا تعبأ به، ولا تقيم له وزناً، فقد اخرجته بكلامها عن الدين القويم، ونعتته بالكفر والجهل والطيش، وهي تستصغر قدره .

فهذه الكلمات أظهرت روح الثورة على يزيد وحكمه، وبدت لا تهزها الحوادث التي جرت، بل ستواصل الطريق والنهج لكي يبقى ذكر أهل البيت ويمحى يزيد وآل أمية من ذاكرة التاريخ، فقالت له:( فكد كيدك واسع سعيك وناصب جهدك، وفو الله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا ولا تدرك امرنا ولا تدحض عنك عارها وهل رأيك الا فند وأيامك إلا عدد ،وجمعك الا بدد يوم ينادي المنادي الا لعنة الله على الظالمين)(56). يقول محمد جواد مغنية:( كيف قابلت السيدة هذه الصدمة والأحداث الجسام: هل أصابها ما يصيب النساء في مثل هذه الحال من الاضطراب واختلال الأعصاب؟ هل هيمنت عليها العاطفة العمياء التي لا يبقى معها اثر للعقل أو الدين؟ وبالتالي، هل خرجت عن حدود الاتزان والاحتشام؟، حاشا بنت النبي وفاطمة وعلي وأخت الحسنين، وحفيدة الكبرى ان تتمكن منها العواطف أو تزعزعها العواصف، فلقد نزلت بها عن معنى من اسمى معاني الكمال والجلال، وعن سر من أسرار الإيمان النبوي المحمدي، وان اعتصامها بالله، وإيمانها به تماماً كإيمان جدها رسول الله)(57).

الدور الخامس :استنهاض الأمة وبث روح الثورة فيها وتحميلها المسؤولية:

قرأنا خطبها في الكوفة وفي الشام، وفي كل مكان مرت به السبايا وكلها كانت عبارة عن خطب رامت من ورائها الحوراء بث روح الثورة والحماس ضد الظلم وضد الطاغية، ففي الكوفة حاولت زرع روح اللوعة والندم على ما جرى، حينما القت بالملامة عليهم وحملتهم تبعات ما حصل ، وكان هذا وحده كفيلاً بتأجيج النفوس ولهب الأرواح، كذلك ما فعلت في مجلس يزيد بحيث حولت المجلس الى مجلس فجيعة على ما حصل؛ اذ رأى المسلمون في السبايا من الفجيعة اكبر ما رأوا من قتل الحسين(عيه السلام) وأهل بيته . من هنا فهم الصحابة معنى قول الامام الحسين:( شاء الله ان يراهن سبايا)، فقد صحب الحسين(عليه السلام) النساء معه عن قصد وتصميم ليطوف بهن الأمويون في البلدان، ويراهن كل إنسان وتعلن بلسان الحال: (ايها المسلمون، انظروا ما فعلت امية التي تدعي الاسلام بآل نبيكم ).

ولنفرض ان زينب (عليها السلام) بقيت في المدينة، وقتل الحسين(عليه السلام) في كربلاء، فماذا تصنع؟ وأي شيء تستطيع القيام به غير البكاء وإقامة العزاء، أما الآن فهي قد استطاعت ان توصل الرسالة واستطاعت ان تدمر ما أحرزه يزيد من انتصارات، ملحقة به الهزيمة والعار .

يقول باقر شريف القرشي: (وقد قمن تلك السيدات بدور مشرف في إكمال نهضة أبي الشهداء(عليه السلام) فأيقظن المجتمع بعد سباته، واسقطن هيبة الحكم الأموي، وفتحن باب الثورة عليه، ولولاهن لم يتمكن احد ان يفوه بكلمة واحدة أمام ذلك الطغيان الفاجر، وقد ادرك ذلك كل من تأمل في نهضة الامام ودرس ابعادها)(58).

وقد أثار إصرارهن وصبرهن إعجاب مَن كان على نهجهم أم لم يكن، فهذه بنت الشاطيء تقول:(لم تمض زينب(عليها السلام) الا بعد ان أفسدت على ابن زياد ويزيد لذة النصر، وسكبت قطران من السم الزعاف في كؤوس الظافرين!، فكانت فرحة لم تطل ... وكان نصراً مؤقتاً لم يلبث ان أفضى الى هزيمة قضت اخيراً على دولة بني امية ، فلم تكد زينب(عليها السلام) تخرج من عند يزيد حتى احس ان سروره بمقتل الحسين(عليه السلام) قد شابَهُ كدرٌ خفي، ظل يزداد حتى استحال الى ندم، كدر صفو الأعوام الثلاثة الأخيرة من حياته، ولحق منه بابن زياد شر كثير)(59).

وهاهي بنت الشاطيء تعترف بان زينب هي من حولت ملحمة الطف الى مهرجان سنوي يحتفل به المسلمون فتقول: ( اجل هي زينب(عليها السلام) التي جعلت من مصرع اخيها الشهيد مأساة خالدة وصَيرت من يوم مقتله مأتماً سنوياً للأحزان والآلام، وكذلك كانت زينب(عليها السلام) عقيلة بني هاشم في تاريخ الإسلام وتاريخ الإنسانية: بطلة استطاعت أن تثأر لأخيها الشهيد العظيم، وان تسلط معاول الهدم على دولة بني امية، وان تغير مجرى التاريخ)(60).

وهكذا صار واضحاً في كل زمان معنى مقولة الامام الحسين(عليه السلام):(شاء الله ان يراهن سبايا)؛ نتيجة ما قامت به زينب وحرائر الرسالة، والى ذلك أشار العلامة كاشف الغطاء بقوله:( وهل تشك وترتاب في ان الحسين(عليه السلام)  لو قتل هو وولده، ولم يتعقبه قيام تلك الحرائر في تلك المقامات بتلك التحديات لذهب قتله جباراً، ولم يطلب به احدٌ ثأراً، ولضاع دمه هدراً، فكان الحسين(عليه السلام) يعلم ان هذا عمل لا بد منه، وانه لا يقوم به إلا تلك العقائل، فوجب عليه حتماً ان يحملهن معه، لا لأجل المظلومية بسبيهن فقط، بل لنظر سياسي وفكر عميق وهو تكميل الفرص وبلوغ الغاية من قلب الدولة على يزيد، والمبادرة الى القضاء عليها قبل ان تقضي على الاسلام، وتقود الناس الى جاهليتها الأولى...)(61).

هذه إذاً أدوارها(عليها السلام) التي قامت بها على أتم وجه ممكن، ورسمت مع اخيها معالم الطريق من انطلاقة الحسين(عليها السلام) حتى استشهاده، ومن ركب السبايا حتى استقرارها في المدينة وقد خططت سلام الله عليها معه لكل ذلك بصدق وإخلاص وتضحية :( يَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ )(التوبة : 32) .

نعم ، لقد ثأرت(عليها السلام) لأخيها وأهل بيتها، أيما ثأر، فقُتل يزيد وابن مرجانة وكل من شارك بقتل شهداء الطف، وقامت الثوراتو، سقطت دولة بني امية، ولكن الأسمى من هذا وذاك هو خلود دين جدها محمد(ص) بسبب تضحيات هذه العقيلة الطاهرة، وهذه الثلة من النسوة الصابرات فتحققت كل تلك النبوءات عندما قالت قولتها ليزيد:( فو الله لاتمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا،ولا تدرك أمرنا، ولا ترحض عنك عارها وهل رأيك الا فند، وأيامك الا عدد، وجمعك الا بدد...)،وكذلك ما تنبأت به عند حديثها مع الامام السجاد قد تحقق ايضاً فقد قالت له:(... وينصبون بهذا الطف علماً لقبر أبيك سيد الشهداء لا يدرس اثره ولايعفو رسمه على كرور الليالي والأيام، وليجتهدن أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه فلا يزداد اثره الا ظهوراً وامره الا علواً)،  فهذا المرقد الشريف قد تألق في الفضاء وعانقت منائره السماء وصار قبلةً للزائرين من أنحاء الدنيا، وملاذاً لأصحاب الحوائج المتعسرة التي يصعب حلها الا من كان عنده حظٌ في الأنام كالحسين بن علي وآله الأطهار.

هذه الكوكبة من النساء الطاهرات اللواتي حملن مشعل الكرامة والحرية ،وقمن بما لا يقوم به الرجال، وكان لكل واحدة من هذه العناصر النسوية لمن كان لها ارتباط بالمعسكر الحسيني دوراً رائعاً بقيت الأجيال تتحدث عنه، لكننا اليوم نحس إننا أمام مشكلة تعاني منها بناتنا ونساؤنا؛ وهي افتقارهن الى القدوة الحسنة؛ وذلك لأنهن لم يقرأن التاريخ جيداً وخصوصاً تاريخ واقعة الطف؛ لذا افتقرن الى المثل الاعلى المتمثل بزينب(عليها السلام) والثلة الصالحة من المؤمنات اللائي كن معها في واقعة الطف عندما حولن الهزيمة الى نصر، وحققن ماعجزت السيوف عن تحقيقه – مع قلة الناصر وكثرة الاعداء- فالمسلمات من أخواتنا السنّيات بصورة خاصة قد حرمن أنفسهن من هذا التراث الضخم لأهل البيت(عليهم السلام)؛ وذلك لعدم دراستهن سيرة السيدة زينب(عليها السلام)- الا ما قلَّ منهن- والنسوة اللائي كن معها اللاتي بذلن الغالي والنفيس والأهل والولدان، والمال والأزواج من اجل المبادئ والدين، أما نحن الشيعيات، فأن الكثرة الكثيرة قد فاتهن هذا النموذج الحسن أو لنقُل أنهن قد تناسين هذا الإرث العظيم عن هؤلاء النسوة الصامدات، أما الثلة المؤمنة منهن فقد سرن على الطريق القويم، وواسين زينب وأخواتها المؤمنات الأخريات بما قدمن للإسلام والمسلمين، فهذه آمنة الصدر(بنت الهدى)، وتلك فاطمة الطالقاني، وهذه أحلام، وهذه ... وهذه .... ممن سرن على طريق زينب الحوراء قد حققن النصر على العدو، وحولن دماءهن الزاكية الهزيمة الى نصر، فتغيرت الموازين بصبرهن وجهادهن فسقط الصنم، يزيد العصر، صدام المجرم، وسقطت معه دولة التجبر والطغيان الى الأبد.

الخـــاتمة والنـــتائج

قدمنا في هذه الوريقات القليلة نماذج متعددة لنساء شاركن في المعسكر الحسيني، فكن بحق مثلاً يحتذى به خلِصنا من هذه المشاركة الى :

  1.  المرأة هي الوحيدة القادرة على صنع المستحيل، فهي وحدها تستطيع ان تكون زينب في كل عصر وزمان، وكذلك هي وحدها تستطيع ان تكون هند بنت عتبة -زوجة ابو سفيان- وتنزل الى مستوى اقل من مستوى الحيوان .
  2.  هذه النساء الخالدات حولن الهزيمة الى نصر، فسقطت أصنام وأصنام على مر التاريخ والأعوام .
  3.  ان الارض لا تخلو من مثل هذه الماجدات الصابرات على مر التاريخ وحتى في عصرنا الحاضر، لكن نهضة الحسين(عليه السلام) جمعت كل مقومات الحياة الكريمة، فكانت نهضته مثلاً رائعاً لكل الشعوب، وكان للمرأة دورٌ كبيرٌ فيها .
  4.  ان الحوراء زينب(عليها السلام) أخذت على عاتقها ادواراً مختلفة يصعب على المرء حصرها، فكان أهمها هو تفصيل وتكريس الأهداف التي من أجلها نهض الامام الحسين(عليه السلام) ؛وذلك بعد شهادته، أو لنقل تكميل ذلك الدور واستمراريته، فقد وقع على عاتقها ان التاريخ لا يستطيع نسيان ذلك الدور، ولولا جهودها لما اثمرت تلك النهضة المباركة بهذا الشكل الذي أثمر . 

 

 

الهـــــوامش

 القرآن الكريم خير ما نبتدأ به

  1. علل الشرائع : الصدوق : أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين (ت:381هـ)1/177.المكتبة الحيدرية ، النجف 1385هـ-1966م.
  2. ذو الشهادتين : هو خُزيمة بن ثابت الصحابي ، ويقال له ذو الشهادتين لان رسول الله جعل شهادته شهادة رجلين ، المجلسي : بحار الانوار22/141.
  3. كشف اليقين: العلامة الحلي : الحسن بن يوسف بن المطهر (ت:726هـ) تح: حسين دركاهي، طهران، 1411ه-1991.
  4. بحار الأنوار:المجلسي، محمد باقر (ت:1111هـ) 16/297، دار احياء التراث العربي-بيروت،ط3، 1403هـ-1983.
  5. مختصر بصائر الدرجات: الحسن بن سليمان الحلي(ت:ق9هـ)، 132،المطبعة الحيدرية ، النجف ، ط1 ، 1370هـ-1950.
  6. انظر : إبصار العين في أنصار الحسين: محمد بن طاهر السماوي ، تحقيق محمد جعفر الطبسي، ص25، مركز الدراسات الإسلامية لحرس الثورة، ط1 ، 1419هـ.
  7. انظر : أعلام النساء المؤمنات : محمد الحسون، أم علي مشكور ص544-545،دار الأسوة، إيران ، ط2،1421هـ.
  8. معالي السبطين في أحوال السبطين الإمامين الحسن والحسين:محمد مهدي المازندراني الحايري، ص208، دار التراث الإسلامي ، بيروت، لبنان(د.ت).
  9. الملهوف على قتلى الطفوف: رضى الدين ابي القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس(ت:664هـ) ص153، دار الأسوة ، ايران،ط1 ، 1414هـ.
  10. تاريخ الطبري: أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت: 310هـ)3/449،دار الاميره للطبع، بيروت، ط1 ، 1426هـ-2005.
  11. بحار الأنوار الجامعة لدرر اخبار الأئمة الأطهار : محمد باقر المجلسي (ت: 1111هـ)44/372، دار إحياء التراث العربي ، بيروت، لبنان، ط3، 1403هـ-1983.
  12. اعلام النساء المؤمنات:محمد الحسون ص393، مصدر سابق.
  13. انظر:معجم أنصار الحسين(النساء) محمد صادق محمد الكرباسي، ص103-104.المركز الحسيني للدراسات- لندن ،المملكة المتحدة ، ط1 ،1430هـ-2009.
  14. م.ن ،ص218.
  15. الملهوف على قتلى الطفوف : ابن طاووس ص44.
  16. بحار الأنوار : المجلسي 44/390 مصدر سابق.
  17. رياحين الشريعة في ترجمة عالمات نساء الشيعة: الشيخ ذبيح الله المحلاتي ، 3/ 304، دار الكتب الاسلامية .
  18. مقتل الامام الحسين (ع) :الخوارزمي،ابو المؤيد الموفق بن احمد المكي أخطب خوازم (ت: 568هـ)تح: محمد السماوي ص55، نشر مكتبة المفيد، قم.
  19. انظر معجم أنصار الحسن:محمد صادق محمد الكرباسي ص1090مصدر سابق).
  20. انظر معالي السبطين في أحوال الحسن والحسين:الحائري ص103.
  21. الملهوف على قتل الطفوف: ابن طاووس ، ص108(مصدر سابق).
  22. أعيان الشيعة :محسن الأمين، 6/449، دار التعارف للمطبوعات ، ط5، 1420هـ-2000م.
  23. تاريخ الطبري: الطبري،3/488 (مصدر سابق).
  24. أسد الغابة في معرفة الصحابة :ابن الاثير، ابو الحسن علي بن محمد بن عبد الكريم، 5/469 ، المكتبة الإسلامية ، طهران.
  25. انظر: الامامي الشريف المرتضى علي بن حسين الموسوي العلوي،تحقيق ابو الفضل إبراهيم 2/347 دار احياء التراث العربي –القاهرة 1373هـ-1954.
  26. انظر اعلام النساء :علي محمد علي دخيل ص276-2778، الدار الاسلامية بيروت- لبنان، ط3، 1412هـ-1992.
  27. انظر المصدر نفسه ص270.
  28. صحيح الترمذي 21/ 308، عن كتاب (السيدة زينب بطلة التاريخ ورائدة الجهاد في الإسلام) باقر شريف القرشي64، دار المحجة البيضاء ، لبنان ، ط1 ، 1422هـ-2001.
  29. كتاب كامل الزيارات :ابو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه القمي (368ه) تح: جواد الفيومي ص442-445.
  30. وفيات الائمة : مجموعة من علماء البحرين والقطيف ، مكتبة السعادة ، القاهرة،ط1، 1972.
  31. كامل الزيارات : ابن قولويه القمي ص444-445.
  32. علي وبنوه: عباس محمود العقاد، ص41، مكتبة السعادة ، القاهرة، ط1، 1972.
  33. مقاتل الطالبين : أبو الفرج الأصفهاني (ت: 356ه)ص80. مؤسسة دار الكتاب ، قم ، ط2 ، 1385هـ-1965.
  34. حياة الامام الحسين(ع) : باقر شريف القرشي،ص302-303، مطبعة الآداب ، النجف الاشرف ، ط1 ، 1975.
  35. الكامل في التاريخ:ابن الاثير، أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني، (ت: 630هـ) 3/ 434 دار الكتب العلمية –بيروت- لبنان 1407هـ-1987.
  36. الارشاد في معرفة حجج الله على العباد:المفيد: محمد بن محمد بن النعمان العكبري(ت:413هـ)دار المفيد ، بيروت، ط2، 1414هـ-1993.
  37. الكامل في التاريخ:ابن الاثير3/434، مصدر سابق.
  38. السيدة زينب بطلة التاريخ ورائدة الجهاد في الاسلام: باقر القرشي ص252.
  39. الامالي: المفيد،322،تحقيق:علي اكبر الغفاري،المطبعة الاسلامية،قم،ط2،1414هـ
  40. السيدة زينب بطلة التاريخ: باقر القرشي،ص259-260 مصدر سابق .
  41. مثير الأحزان : ابن نما الحلي: محمد بن جعفر بن ابي البقاء(ت:645هـ) ص72.
  42. م .ن ص71.
  43. الإرشاد : المفيد ، 115  مصدر سابق .
  44. المصدر نفسه ، 115.
  45. الملهوف على قتلى الطفوف ": ابن طاووس ص200-201 مصدر سابق.
  46. المصدر نفسه ، ص202 .
  47. م .ن ص215 .
  48. م . ن ، ص216
  49. اعيان الشيعة :محسن الامين 7/ 137.
  50. السيدة زينب بطلة التاريخ : باقر القرشي ص254.
  51. الملهوف على قتلى الطفوف : ابن طاووس ص202.
  52. الامالي : الصدوق،231،مؤسسة البعثة،قم،ط1،1417هـ
  53. كمال الدين وتمام النعمة:الصدوق، ص501 ، مكتبة الصدوق ايران ، طهران 1300هـ.
  54. وفيات الائمة :مجموعة علماء البحرين والقطيف ، مصدر سابق .
  55. الملهوف على قتلى الطفوف : ابن طاووس ، ص203 .
  56. المصدر سابق، ص204 .
  57. الحسين وبطلة كربلاء : محمد جواد مغنية، ص42 ـ دار الجواد بيروت، لبنان ، ط4، 1404 ه.
  58. حياة الامام السجاد، باقر القرشي2/ 297.
  59. تراجم سيدات بيت النبوة: بنت الشاطيء ص790 ، دار الكتاب العربي ، بيروت، لبنان .
  60. المصدر نفسه ، ص802 .
  61. نقلاً عن كتاب حياة الإمام الحسين : باقر القرشي 2/ 297 .