المحسن بن علي، خامس أولاد أمير المؤمنين عليه السلام من السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام، وقد مات شهيداً حينما أُسقط أثناء هجوم رجال الخليفة أبي بكر على دار علي عليه السلام لأخذ البيعة منه. اختلفت المصادر في تاريخ شهادته، وبناء على بعض الروايات التاريخية كانت شهادته بعد وفاة الرسول صلی الله عليه وآله وسلم بأربعين يوماً أو أكثر.
تتحدث الأخبار أنّ النبي (ص) سمّى الابن الثالث للسيدة فاطمة الزهراء عليها السلام محسناً.[1]
ولما كانت المصادر الشيعية تؤرخ له من يوم شهادته التي حدثت بعد إجهاض والدته الزهراء عليها السلام فمن الطبيعي أن لا تتحدث عن ولادته.
في حين اختلفت كلمة الباحثين والمؤرخين من العامّة، فذهب فريق إلى القول بأنّه ولد، وتوفي في زمن الرسول الأكرم صلی الله عليه وآله وسلم في حين سكتت أكثر مصادرهم عن الحديث عن ولادته، واكتفت بالحديث عن وفاته صغيراً، ويظهر ذلك من ابن حزم وابن حجر وأبي الفداء والقندوزي الذين اكتفوا بالقول بأنّه «مات صغيراً».[2][3][4][5]
وقال الدمشقي وابن كثير «مات وهو صغير».[6][7]
ولم تختلف عبارة الطبري وابن الأثير عن هؤلاء إلا بتبديل مات صغيراً، وتوفي صغيراً،[8][9] فيما استبدلها ابن قتيبة وغيره بعبارة «فهلك صغيراً»[10] أو «هلك صغيراً».[11][12]
وقد استعمل البلاذري عبارة «درج صغيراً»،[13] وابن الجوزي «مات طفلاً».[14] وعبر الصالحي الشامي وابن الصباغ المالكي عنه بعبارة «مات سقطاً».[15][16]
والمتابع لكلمات القوم يرى أنّها لم تشر إلى وفاته في حياة النبي (ص)، بل عباراتهم تدل على أنّه ولد حيّاً إلا عبارة ابن حزم حيث قال: «مات صغيراً جداً إثر ولادته».[17]
المحسن في المصادر الاسلامية
تعرضت أكثر مصادر التاريخ والأنساب من الفريقين للحديث عن المحسن بن علي(ع) وهذه الوثائق التاريخية وافرة وعديدة، لدرجة لا تدع مجالاً للشك في أصل وجوده أو التشكيك بمصداقيتها وإن اختلفت كلمتهم في تاريخ ولادته ووفاته.
المصادر الشيعية
اتفقت المصادر الشيعية على شهادة المحسن بن علي(ع) سقطاً، مع اختلافها في كيفية وزمن إسقاطه والشخص المسقط له. فذهب فريق إلى القول بأنّ المحسن بن علي(ع) من فاطمة الزهراء عليها السلام، منها:
اليعقوبي (ت 292 هـ) في تاريخه.[18]
المسعودي (ت 346 هـ) في مروج الذهب.[19]
محمد بن سليمان الكوفي (حيّا سنة 300 هـ) في كتاب مناقب أمير المؤمنين(ع).[20]
الخصيبي (ت 334 هـ) في الهداية الكبری.[21]
القاضي نعمان صاحب دعائم الإسلام (ت 363 هـ) في شرح الأخبار.[22]
الشيخ المفيد (ت 413 هـ) في الإرشاد.[23]
النسابة العلوي (ت حو 460 هـ) في المجدي في أنساب الطالبيين.[24]
الطبرسي (ت 548 هـ) في إعلام الورى.[25]
ابن شهر آشوب (ت 588 هـ) في مناقب آل أبي طالب.[26]
الأربلي (ت 693 هـ) في كشف الغمّة في معرفة الأئمة.[27]
ووافقهم في ذلك الكثير من أعلام الشيعة الإمامية الذين جاؤوا في القرون اللاحقة، وممن أرّخوا لأمير المؤمنين(ع) وذريته.
في مصادر اهل السنة
أما المصادر السنية التي أدرجت المحسن من بين أبناء أمير المؤمنين عليه السلام من فاطمة الزهراء عليها السلام، فهي:
أحمد بن حنبل (ت 241 هـ) في مسنده.[28]
البخاري (ت 256 هـ) في الأدب المفرد.[29]
ابن قتيبة (ت 276 هـ) في المعارف.[30]
البلاذري (ت 279 هـ) في أنساب الأشراف.[31]
الدولابي (ت 310 هـ) في الذرية الطاهرة.[32]
الطبري (ت 310 هـ) في تاريخ الرسل والملوك.[33]
ابن حبان البستي (ت 354 هـ) في كتاب الثقات.[34]
الحاكم النيشابوري (ت 405 هـ) في المستدرك علی الصحيحين.[35]
ابن حزم الأندلسي (ت 456 هـ) في جمهرة أنساب العرب.[36]
البيهقي (ت 458 هـ) في السنن الكبری.[37]
ابن عبد البر القرطبي (ت 463 هـ) في الإستيعاب.[38]
الشهرستاني (ت 545 هـ) في الملل والنحل.[39]
ابن عساكر الدمشقي (ت 571 هـ) في تاريخ دمشق عند ترجمته للإمامين الحسن والحسين عليهما السلام.[40]
ابن عساكر ، في ترجمة الإمام الحسين(ع) من تاريخه.[41]
ابن الأثير (ت 630 هـ) في أسد الغابة.[42] وفي الكامل.[43]
سبط ابن الجوزي (ت 654 هـ) في تذكرة الخواص.[44]
عبد الله الطبري (ت 694 هـ) في ذخائر العقبی. الطبري، أحمد بن عبد الله ( م 694هـ).[45]
أبو الفداء (ت 732 هـ) في المختصر في أخبار البشر.[46]
شهاب الدين النويري (ت 733 هـ) في نهاية الإرب.[47]
شمس الدين الذهبي (ت 748 هـ) في سير أعلام النبلاء.[48]
ابن كثير (ت 774 هـ) في البداية والنهاية.[49]
الزرندي (ت 750 هـ) في نظم درر السمطين.[50]
الهيثمي (ت 807 هـ) في مجمع الزوائد.[51]
ابن حجر العسقلاني (ت 852 هـ) في الإصابة.[52]
ابن دمشقي (ت 871 هـ) في جواهر المطالب.[53]
الصالحي الشامي (ت 942 هـ) في سبل الهدی والرشاد.[54]
القندوزي (ت 1294 هـ) في ينابيع المودة.[55]
وغير هؤلاء الأعلام ممن أدرجوا المحسن في عداد أبناء أمير المؤمنين(ع) من فاطمة الزهراء عليها السلام .
كيفية شهادته
جاء في الكثير من المصادر أنّ استشهاد المحسن وقع إبّان الهجوم على دار فاطمة الزهراء عليها السلام حينما أرادوا أخْذ البيعة من أمير المؤمنين عليه السلام، ومن هؤلاء الأعلام الذين تبنّوا هذا الرأي إبراهيم بن سيّار المعروف بالنظام (ت 230 هـ) من كبار أعلام المعتزلة كما نقل ذلك الشهرستاني (ت 548 هـ) في كتابه الملل والنحل معلقاً على ذلك بقوله وزاد في الفرية فقال: «إن عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتى ألقت الجنين من بطنها، وكان يصيح أحرقوا دارها بمن فيها».[56]
ولعل موقف النظام هذا مضافاً إلى بعض عقائده هي التي جرّت إلى الحكم بتكفيره من قبل بعض علماء العامّة.[57]
وكلام النظام يكشف عن إذعانه بهذه الواقعة وهو اعتراف – كما يرى بعض الشيعة- من النظام. بالإضافة إلى ما نقله ابن أبي الحديد عن أستاذه أبي جعفر النقيب من تعارض الأخبار في هذه القضية الكاشف عن وجود رأي يدعم إسقاط الجنين ويقول إنّ فاطمة رُوّعت فالقت المحسن.[58]
انطلاقاً من هذه الرواية التاريخية يكون المحسن قد أسقط إبّان أخذ البيعة من أمير المؤمنين(ع) وبعد رحيل النبي الأكرم صلی الله عليه وآله وسلم.
تاريخ شهادته
لم تحدد لنا الوثائق التاريخية اليوم الذي استشهد فيه المحسن إلا أنّ التأمل في تلك الوثائق يكشف لنا عن تحديد إجمالي للواقعة لا يتعدى الشهر بعد رحيل النبي الأكرم صلی الله عليه وآله وسلم إلا بأيام قلائل على أقصى التقادير، ومن هنا لا يصح ما اشتهر من كون الإسقاط حصل بعد أيّام من رحيله صلی الله عليه وآله وسلم، ولعل منشأ التوهم يعود إلى تصوّر البعض بأنّ بيت فاطمة عليها السلام قد تعرض لهجوم واحد، في حين أنّ البيت تعرض لأكثر من هجوم، ولم يقع في الهجوم الأوّل مصادمة بين الجهتين لينجر الأمر إلى سقوط المحسن، وعليه فما يؤرخ له تحت عنوان الأيام المحسنية في الأيام الأولى من ربيع الأول لا ينسجم مع الواقع التاريخي.
والشاهد على ذلك أنّ الزهراء عليها السلام مارست بعد تلك الأيام وخلال شهر من رحيل النبي الأكرم صلی الله عليه وآله وسلم نشاطات سياسية وتحركات اجتماعية تحتاج إلى سلامة بدن، بالإضافة إلى رجوع جيش أسامة بن زيد إلى المدينة وعلاقته بالهجوم على بيت علي(ع)، ولا ريب أنّ الرجوع لم يكن في الأيام الأولى، بل رجع بعد أن عسكر خارج المدينة أكثر من شهر.
الحركة الاجتماعية و السياسية للسيدة الزهراء سلام الله عليها
من القضايا التي دخلت فيها الزهراء(ع) في نزاع من السلطة هي قضية فدك وغصبها من قبل الخليفة، وهذا يحتاج إلى قوة بدنية تساعد على التحرك. وقد أشار الإمام الصادق عليه السلام إلى أن السيدة فاطمة عليها السلام بقيت آثار العصرة القاسية في جسمها، وأصبحت مريضة عليلة حزينة.[59] مما يدل على أن تحركاتها عليها السلام ضد السلطة الحاكمة كانت قبل مرضها وعجزها عن الحركة، ومن أبرز مصاديق ذلك التحرك:
طلب المؤازرة من الأنصار والمهاجرين
سجّل لنا التاريخ أنّ السيدة الزهراء عليها السلام كان تدور على بيوت المهاجرين والأنصار طالبة منهم المؤازرة والدعم في إحقاق الحقّ، فقد روي عن سلمان الفارسي، أنّ أمير المؤمنين عليه السلام حمل فاطمة عليها السلام ، وأخذ بيدي ابنيه الحسن والحسين عليهما السلام، فلم يدع أحداً من أصحاب رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم إلا أتاه في منزله، فناشدهم الله حقه، ودعاهم إلى نصرته...[60] مضيفاً أن فاطمة عليها السلام لم تزل– بعد ضربها- صاحبة فراش حتى ماتت عليها السلام من ذلك شهيدة.[61] مما يكشف عن أن تحركها حول بيوت الأنصار والمهاجرين كان قبل ضربها وفي وقت لم يكن الهجوم على دارها الذي أسقط فيه المحسن قد تم من قبل رجال الخليفة.
الخطبة الفدكية
هذه القرينة تدلّ أيضاً على أنّ حركة السيدة فاطمة عليها السلام كانت قبل الهجوم على دارها وضربها، وقد وصف ابن أبي الحديد ذهابها إلى المسجد، قائلاً: «لما بلغ فاطمة عليها السلام إجماع أبي بكر على منعها فدك لبست خمارها، وأقبلت في لمّة من حفدتها ونساء قومها تطأ في ذيولها ما تخرم مشيتها مشية رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم، حتى دخلت على أبي بكر...»[62] ويستفاد من قوله «ما تخرم مشيتها مشية رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم» أنها كانت في سلامة من بدنها، وإلا لما شابهت مشيتها، وتطابقت مع مشي رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم مما يدل على أن الخطبة الفدكية هي الأخرى وقعت قبل الهجوم على الدار وحادثة الإسقاط.
رجوع جيش اسامة
ذكر المؤرخون أن الهجوم على بيت فاطمة عليها السلام حصل بعد رجوع جيش أسامة بن زيد إلى المدينة بعد أن كان معسكراً خارجها لأكثر من شهر، مستدلين على ذلك بوجود بريدة بن الحصيب الأسلمي الذي كان في عداد جيش أسامة من جهة، وكان من المعترضين على الهجوم على الدار من جهة أخرى وشهد أحداثها، مما يكشف عن تأخر زمن الهجوم إلى ما بعد رجوع أسامة وجيشه.[63]