عليٌّ صَوتُ العَدالةِ الإنسانية

{ محمد حسين الصغير }

ألقيت في الاحتفال التاريخي الكبير الذي أقيم في جامع بُراثا ببغداد، بمناسبة ذكرى شهادة الإمام علي عليه السلام - رمضان المبارك 1381 هـ الموافق 2/3/ 1962م.

 

قَدَّسْتُ مَجْدَكَ أنْ يُقابَلَ بالثَّنا

وأمامَهُ فِكْرُ البَيانِ قدْ انْحَنى

***

مُتَنقِّلُ الأطيافِ.. يَنْهَضُ أمَّةً

ويُنيرُ داجِيَةً، وينطق ألْكَنا

***

مُتَكامِلُ الأجْزَاءِ يَبْعَثُ للبَقا

خَلْقاً يُنَوِّرُهُ، ويَهْزَأُ بالفَنَا

***

أضْفَتْ إشِعَّتُهُ على من قَبْلَنا

وتَظَلُّ ضافيةً على مَنْ بَعْدَنا

***

ما زَالَ مَجْدُكَ يَسْتَجِدُّ معاجِزاً

تُعْيِي العُقُولَ، وتَسْتَجِذُّ الألْسُنا

***

كالبَدْرِ في كَبِدِ السَّماءِ مُحَلِّقاً

وشُعاعُهُ مُتألِّقاً، يزْجي السَّنا

***

(جُرْدَاقُ) صَوَّرَهُ فأدْركَ بَعْضَهُ

مَنْ لي كجُرْدَاقٍ أجادَ وأحْسنا

***

هذا الإمامُ.. فأيُّ مَجْدٍ شامِخٍ

أسْمَى عُلاً مِنْهُ، وأشْرَفَ مَوْطِنا

***

صُنْوُ النَّبيِّ.. تحيَّة قد وقَعت

نَبَراتُها بالرَّائعاتِ تَفَنُّنا

***

أفْرَغْتُ قَلْبي قطعةً فتفتَّحَتْ

بالنُّورِ تَعْتَنِقُ الفُؤادَ تَحضُّنا

***

وسَبَكْتُ مِنْ فِكْري خَيالاً شاعِراً

سُكِبَتْ بِهِ رُوحي هَوًى وتَحَنُّنا

***

أمَنْتُ أنَّ الشِّعْرَ كَنْزٌ خالدٌ

بمديحِ غَيْركَ يَسْتَبِدُّ بِهِ الفَنا

***

فأتاكَ يَسْتَوْحي الشُّعُورَ قصائداً

بسواكَ مُثْمرةُ الجَنى لَنْ تُجْتَنى

***

ما كانَ بالشَّيْءِ اليَسير مَواهِبٌ

تُبْدي المُنَى، ومَذاهِبٌ تَهْدي الدُّنى

***

ألْقَتْ أعِنَّتَها إليكَ فصغْتها

عِقْداً فريداً زانَ مَجْدَكَ مُثْمَنا

***

سَيِّرْتُ فيها العالمينَ: فرائحٌ

بهُداكَ آزرها، وغادٍ آمِنا

***

لَمْ تَسْتَلِنْ عُوداً، ولَمْ تَقْصُرْ يَداً

حتّى اسْتقامَ بناؤُها وتَكوَّنا

***

وخَلَقْتها خَلْقاً جَديداً لَمْ يَكُنْ

لوْلاكَ خَلْقاً عَبْقَرياً مُتْقنا

***

ووهَبْتَها للعالمينَ رِسالةً

أضْحَى بها الدِّينُ الحَنيفُ مُقَنَّنا

***

فمَضى مَعَ الأجْيالِ يُرْسِلُ هاتِفاً

دوَّى وهَلَّلَ للجِهادِ واذنا

***

إيهٍ أميرُ المُؤمنينَ.. ولَمْ يَزَلْ

يَرْنُوا الزَّمانُ بطَرْفِهِ لكَ مُمْعِنا

***

حَيَّرْتَهُ في كُنْهِ ذاتِكَ فارْتَمَى

جاثٍ على قَدَمَيْكَ عَبْداً مُؤمِنا

***

أعْجَبْتَهُ مُتَيَقِّناً، وخَبَرْتَهُ

مُتَكَهِّناً.. وسَرَرْتَهُ متَيَمِّنا

***

أخبَرْتَ أخْبارَ العَليمِ بأمْرِهِ

وبِسِرِّهِ بالمُصَرَّحاتِ وبالكِنَى

***

فالدَّهْرُ يَكْشِفُ ما تَرَكْتَ مُدَوَّناً

والعِلْمُ يثْبتُ ما تَقُولُ تَمَدُّنا

***

لوْ عادَ (أفلاطُونُ) بعَدَ مماتِهِ

حَيّاً.. لَحَثَّ الخَطْوَ نَحْوَكَ واعْتَنَى

***

ولَوْ أنَّ (سُقْراطَ) الحكيم بوَعْيِهِ

وافاكَ.. طأطأ حَوْلَ شَخْصِكَ وانْثَنَى

***

فلقدْ حَمدْتَ صحائفاً ومَواقفاً

أظْهَرْتَ فيها سِرَّ ما قد أُبْطِنا

***

فتحطَّمَ الإجْرامُ في نَزَواتِهِ

مُتَشَكِّكاً بحديثِهِ مُتَظَنِّنا

***

وتَرَاقصَ الإسْلامُ في قَسَماتِهِ

مُتَحَقِّقاً بمَصِيرِهِ مُتَيَقِّنا

***

ومَشَى يُحَرِّرُ أُمَّةً لمْ تَنْتَقِصْ

شَرَفاً، ولَمْ يَعْلُقْ بها وضَرُ الخَنَا

***

يا قائداً قادَ العُقُولَ، ودَرْبُهُ

زاهي السَّنا، يَرْتادُ نَهْجاً بَيِّنا

***

أوْضَحْتَ قانُونَ العَدالَة مُعْلِناً

وشَرَحْتَ أهْدافَ الشَّريعةِ مُحْسِنا

***

فمنَ العَدَالةِ.. أنْ تكُونَ و(قَنْبَراً)

مُتَساويَيْنِ.. عَظُمَت عَدْلاَ دَيْنا

***

ومِنَ القَدَاسَةِ.. أنْ تَبيتَ بليْلة الـ

ـجُوع واكبَها علَيْكَ وَهيْمنا

***

ومِنَ البُطُولَةِ.. أنْ تكُونَ أرقَّ مِنْ

أرجِ الصَّبا، ومِنَ الأسِنَّةِ أخْشَنا

***

ومِنَ الرجُولَةِ.. أنْ تَكُونَ أمضّ مِنْ

وَقْعِ الشَّبا، ومِنْ الخمائلِ ألينا

***

ومِنَ الصَّلابةِ.. أنْ تُسَدِّدَ مَضْرَباً

للمارقينَ.. وأنْ تُحَكِّمَ مَطْعَنا

***

ومِنْ الشَّهامَةِ.. أنْ تُعالجَ مُدْنِفاً

بوباءِ نازلةِ الخُمُولِ تَدَرُّنا

***

ومِنْ الزَّعامةِ أنْ.. تُمَرِّنَ يائساً

أهْوَى بميْدانِ الحياةِ ليمَرنا

***

ماذا أُحَدِّثُ عَنْ إمام جامعٍ

سَنَّ الفضائلَ للشُّعُوبِ وقَنَّنا

***

لَمْ يَبْقَ.. إلَّا أنْ تُسَيْطِر قُوَّةٌ

للهِ.. تَلْهَمُني القريضَ فأحسنا

***

يا مُلْهمَ الأجْيالِ سِرَّ خُلُودِها

ما زلَت سِرّاً  سَرْمَدياً مُكْمَنا

***

ويُزَلْزلِ الطُغْيانَ طُوداً يَنْحَني

للأرْضِ مهْطاعَ الكرامةِ مُذْعِنا

***

دالَ الزَّمانُ بنا، وفرَّقَ جَمْعُنا

وسَطا الخَنَا بَغْياً فَطَوَّحَ مَجْدنا

***

وعلى العُقُولِ مِنِ الخُمُولِ سَحابةٌ

رانَتْ، تَوَطَّدَ ظِلُّها وتَمَكَّنا

***

والجُبْنُ ملءُ نُفُوسِنا وقُلُوبِنا

إذْ شامَنا مِنْ قَلْبِ صافِرَ أجْبنا

***

مَشَتْ الشّكُوكُ بكُلِّ عُضْوٍ عِنْدَنا

والهَوْلُ مِنْ هَنّا وهَنَّا حَفَّنا

***

عُدْنا كمحْتَطبٍ بقاعٍ أجْردٍ

مِنْ أدْوَنٍ يُهْدى لآخَر أدْوَنا

***

أوْ تائهٍ ضلَّ الطَريقَ، وحَوْلهُ

هام السُّعالى.. ما تَلَفَّتَ أوْ رَنا

***

أيسُرُّكُمْ؟ أنَّا نَعيشُ كما ارْتَمى

ماءٌ على مُسْتَنْقَعٍ فَتَعَفَّنا

*** 

أيسُرُّكُمْ؟ أنَّا نكُونُ أذلَّ مِنْ

عِيرِ الفَلا، ومِنَ السَّوائمِ أهْوَنا

***

هَيْهاتَ ما بَلَغَ المُنَى مَنْ كانَ في

حَلَكِ الزَّوايا قابِعاً مُسْتَوطِنا

***

لا بُدَّ مِنْ وعْيِ الجُمُوعِ، وإنْ غَفَا

طَرْفٌ وهَوَّمَ.. فالوعيد قد إدَّنى

***

لا بُدَّ أنْ تَلِدَ العقيدةُ

ثورةً تَجْتاحُ غَدَّاراً، وتَسْحَقُ أرْعَنا

***

يا أيُّها النَّبأُ العظيمُ.. شِكايةً

مِنْ شاعِرٍ لعَميمِ لُطْفِكَ قَدْ رنَا

***

أشْكُوا إليكَ مَهازِلاً نَحْيا بها

في الرَّافدينِ على الشَّقاءِ تَضُمُّنا

***

فالفوْضَويَّةُ.. ما تَزالُ كأمْسِها

تزْجي السُّمُومَ.. وتَسْتَجِدُّ لنا الظَّنا

***

والعُنْصُريَّةُ.. ما وَنَتْ نَزَعاتُها

بالإثم تُجْنى.. والمكارهِ تُقْتَنى

***

والطائفيّةُ.. أيُّ داءٍ فاتكٍ

بُليَ العِراقُ بسُمِّهِ فتدَرَّنا

***

والطائفيّةُ.. داءُ كُلِّ مُظَلِّلِ

ضَحِلُ الشُّعُورِ به النِّفاق تَبَيَّنا

***

وسِلاحُ كُلِّ مُغَرَّرٍ.. أعْيَتْ به

حِيَلٌ، فعادَ مُقَبِّحاً ومُحَسِّنا

***

لا عُذْرَ للمُسْتأجرينَ إذا هُمُ

هَدَمُوا مِنَ الإسلامِ صَرْحاً مُبْتَنى

***

فالمُسْلمُونَ.. إذا تَرَامتْ محنَّةٌ

كَفٌّ تُوَحِّدَ جَمْعُهُمْ لنْ يَذْعِنا

***

والعَزْمُ والإقْدامُ خَلَّدَ مَجْدَنا

والدينُ والإسْلامُ وحَّدَ أمْرنا

***

لا طائفيَّةَ إنَّ دينَ محمَّدٍ

أسْمى عُلاً ممّا به قَدْ أوْهنا

***

فالدينُ مِنْ أقصى الخَليجِ رسالةٌ

عِبْرَ المُحيطِ.. تعدُّ جيلاُ مُؤْمِنا

***

آمَنْتُ أنَّ الدينَ لا رَجْعيةٌ

فيهِ، ولا فَوْضى تُشادُ وتُبتَنى

***

فوقَ الميُولِ.. فلا قَريبٌ عِنْدَهُ

إلَّا بتقْواهُ هُدىً وتَدَيُّنا

***

دينٌ عليهِ المسْلمُونَ تَواكَبَتْ

خَطَواتُهُمْ بأغَرَّ مِنْ ألَقِ السَّنا

***

وكتابُ وحيٍ.. فُصِّلَتْ آياتُهُ

فمُحي بها لَيْلُ الشُّكُوكِ الأدْكَنا

***

ونِظامُ حَقٍّ.. قد زَهَتْ بَسماتُهُ

فترَنَّحَتْ بالبِشْرياتِ وبالهَنا

***

ولُمُوعُ بَرْقٍ.. طَوَّقَتْ مِشْكاتُهُ

أُفْقَ الجَزيرةِ رَوْعةً فتزَيْنا

***

ونَشيدُ مَجْدٍ.. رُتِّلَتْ نَغماتُهُ

بأرقِّ عُودٍ يَصْطَفي مُتَع الغِنا

***

وزئيرُ عَزْمٍ.. رُجِعَتْ أصْواتُهُ

بالفاتحينَ.. وبالنِّضالِ مُلَحّنا

***

وصِراطُ قُدْسٍ.. أزْهَرَتْ جَنباتُهُ

لِتَصُونُ دَرْبَ السائرينَ مِنْ العَنَا

***

ورفيعُ بَيْتٍ.. شُيِّدَتْ شُرفاتُهُ

بالصالحاتِ عَقيدةً فتحَصَّنا

***

وجِهادُ جِيلٍ.. ما ذكتْ جَمراتُهُ

إلَّا لتُبْدي المُسْتَحيلَ المُمْكنا

***

سُبْحانَكَ اللهم.. طالَ بِنا المَدَى

وسَرى، وضاعَفَنا وباءً مُزْمِنا

***

وفَضائحاً تَبْكي السَّماءُ لأجْلِها

حمَماً، ومِنْها الأرْضُ تَزْخَرُ بالعَنَا

***

نائَتْ بكَلْكَلِها، وألْقَتْ عِبْئُها

وأقامَ فادحُ رُزْئِها فَتَوَطَّنا

***

ومبادئاً شَرْقِيةً.. غَرْبيّةً

جَمَعَتْ رؤُاها مِنْ هُنالكَ أوْهَنا

***

فَتَعَهَدَتْها عُصْبَةٌ لا أصْلُها

زاكٍ، ولَمْ تُنْجِبْ لَنا إلَّا الخَنَا

***

ومُذْبْذبينَ.. بكُلِّ خطْوٍ عِنْدَهُمْ

رأيٌ تَرَاهُ مُغَلَّفاً ومُبَطَّنا

***

طَوْراً إلى أقْصَى اليَمينِ.. وتارةً

(للكرملين) وغَيْرُ ذلكَ بَيِّنَنَا

***

ومُثَقَّفينَ.. وكُلُّ ما في وسْعِهِمْ

أنْ يَسْتَقيمَ العَيْشُ مَوْفُورَ الهَنَا

***

أنْ تَرْتَوي بالفِسْقِ صُبْحاً ضاحكاً

أوْ تَنْتَشي بالخَمْرِ ليلاً مُدْمنا

***

ومُنافقينَ.. تَقَمَّصُوها بِدْعَةً

باسمِ الصَّلاحِ تَصَيُّداً وتَحَيُّنا

***

طَوْراً بمِحْرابِ الصَّلاةِ، وتارةَ

ذئبُ الفلاةِ شَراسةً وتَفرْعنا

***

رُحْماكَ ربِّي.. إنَّ تلكَ خَطيئةٌ

لا يَسْلَمُ الشَّرفُ الرفيعُ بها لَنا