عليٌّ صَوتُ العَدالةِ الإنسانية
ألقيت في الاحتفال التاريخي الكبير الذي أقيم في جامع بُراثا ببغداد، بمناسبة ذكرى شهادة الإمام علي عليه السلام - رمضان المبارك 1381 هـ الموافق 2/3/ 1962م.
قَدَّسْتُ مَجْدَكَ أنْ يُقابَلَ بالثَّنا
وأمامَهُ فِكْرُ البَيانِ قدْ انْحَنى
***
مُتَنقِّلُ الأطيافِ.. يَنْهَضُ أمَّةً
ويُنيرُ داجِيَةً، وينطق ألْكَنا
***
مُتَكامِلُ الأجْزَاءِ يَبْعَثُ للبَقا
خَلْقاً يُنَوِّرُهُ، ويَهْزَأُ بالفَنَا
***
أضْفَتْ إشِعَّتُهُ على من قَبْلَنا
وتَظَلُّ ضافيةً على مَنْ بَعْدَنا
***
ما زَالَ مَجْدُكَ يَسْتَجِدُّ معاجِزاً
تُعْيِي العُقُولَ، وتَسْتَجِذُّ الألْسُنا
***
كالبَدْرِ في كَبِدِ السَّماءِ مُحَلِّقاً
وشُعاعُهُ مُتألِّقاً، يزْجي السَّنا
***
(جُرْدَاقُ) صَوَّرَهُ فأدْركَ بَعْضَهُ
مَنْ لي كجُرْدَاقٍ أجادَ وأحْسنا
***
هذا الإمامُ.. فأيُّ مَجْدٍ شامِخٍ
أسْمَى عُلاً مِنْهُ، وأشْرَفَ مَوْطِنا
***
صُنْوُ النَّبيِّ.. تحيَّة قد وقَعت
نَبَراتُها بالرَّائعاتِ تَفَنُّنا
***
أفْرَغْتُ قَلْبي قطعةً فتفتَّحَتْ
بالنُّورِ تَعْتَنِقُ الفُؤادَ تَحضُّنا
***
وسَبَكْتُ مِنْ فِكْري خَيالاً شاعِراً
سُكِبَتْ بِهِ رُوحي هَوًى وتَحَنُّنا
***
أمَنْتُ أنَّ الشِّعْرَ كَنْزٌ خالدٌ
بمديحِ غَيْركَ يَسْتَبِدُّ بِهِ الفَنا
***
فأتاكَ يَسْتَوْحي الشُّعُورَ قصائداً
بسواكَ مُثْمرةُ الجَنى لَنْ تُجْتَنى
***
ما كانَ بالشَّيْءِ اليَسير مَواهِبٌ
تُبْدي المُنَى، ومَذاهِبٌ تَهْدي الدُّنى
***
ألْقَتْ أعِنَّتَها إليكَ فصغْتها
عِقْداً فريداً زانَ مَجْدَكَ مُثْمَنا
***
سَيِّرْتُ فيها العالمينَ: فرائحٌ
بهُداكَ آزرها، وغادٍ آمِنا
***
لَمْ تَسْتَلِنْ عُوداً، ولَمْ تَقْصُرْ يَداً
حتّى اسْتقامَ بناؤُها وتَكوَّنا
***
وخَلَقْتها خَلْقاً جَديداً لَمْ يَكُنْ
لوْلاكَ خَلْقاً عَبْقَرياً مُتْقنا
***
ووهَبْتَها للعالمينَ رِسالةً
أضْحَى بها الدِّينُ الحَنيفُ مُقَنَّنا
***
فمَضى مَعَ الأجْيالِ يُرْسِلُ هاتِفاً
دوَّى وهَلَّلَ للجِهادِ واذنا
***
إيهٍ أميرُ المُؤمنينَ.. ولَمْ يَزَلْ
يَرْنُوا الزَّمانُ بطَرْفِهِ لكَ مُمْعِنا
***
حَيَّرْتَهُ في كُنْهِ ذاتِكَ فارْتَمَى
جاثٍ على قَدَمَيْكَ عَبْداً مُؤمِنا
***
أعْجَبْتَهُ مُتَيَقِّناً، وخَبَرْتَهُ
مُتَكَهِّناً.. وسَرَرْتَهُ متَيَمِّنا
***
أخبَرْتَ أخْبارَ العَليمِ بأمْرِهِ
وبِسِرِّهِ بالمُصَرَّحاتِ وبالكِنَى
***
فالدَّهْرُ يَكْشِفُ ما تَرَكْتَ مُدَوَّناً
والعِلْمُ يثْبتُ ما تَقُولُ تَمَدُّنا
***
لوْ عادَ (أفلاطُونُ) بعَدَ مماتِهِ
حَيّاً.. لَحَثَّ الخَطْوَ نَحْوَكَ واعْتَنَى
***
ولَوْ أنَّ (سُقْراطَ) الحكيم بوَعْيِهِ
وافاكَ.. طأطأ حَوْلَ شَخْصِكَ وانْثَنَى
***
فلقدْ حَمدْتَ صحائفاً ومَواقفاً
أظْهَرْتَ فيها سِرَّ ما قد أُبْطِنا
***
فتحطَّمَ الإجْرامُ في نَزَواتِهِ
مُتَشَكِّكاً بحديثِهِ مُتَظَنِّنا
***
وتَرَاقصَ الإسْلامُ في قَسَماتِهِ
مُتَحَقِّقاً بمَصِيرِهِ مُتَيَقِّنا
***
ومَشَى يُحَرِّرُ أُمَّةً لمْ تَنْتَقِصْ
شَرَفاً، ولَمْ يَعْلُقْ بها وضَرُ الخَنَا
***
يا قائداً قادَ العُقُولَ، ودَرْبُهُ
زاهي السَّنا، يَرْتادُ نَهْجاً بَيِّنا
***
أوْضَحْتَ قانُونَ العَدالَة مُعْلِناً
وشَرَحْتَ أهْدافَ الشَّريعةِ مُحْسِنا
***
فمنَ العَدَالةِ.. أنْ تكُونَ و(قَنْبَراً)
مُتَساويَيْنِ.. عَظُمَت عَدْلاَ دَيْنا
***
ومِنَ القَدَاسَةِ.. أنْ تَبيتَ بليْلة الـ
ـجُوع واكبَها علَيْكَ وَهيْمنا
***
ومِنَ البُطُولَةِ.. أنْ تكُونَ أرقَّ مِنْ
أرجِ الصَّبا، ومِنَ الأسِنَّةِ أخْشَنا
***
ومِنَ الرجُولَةِ.. أنْ تَكُونَ أمضّ مِنْ
وَقْعِ الشَّبا، ومِنْ الخمائلِ ألينا
***
ومِنَ الصَّلابةِ.. أنْ تُسَدِّدَ مَضْرَباً
للمارقينَ.. وأنْ تُحَكِّمَ مَطْعَنا
***
ومِنْ الشَّهامَةِ.. أنْ تُعالجَ مُدْنِفاً
بوباءِ نازلةِ الخُمُولِ تَدَرُّنا
***
ومِنْ الزَّعامةِ أنْ.. تُمَرِّنَ يائساً
أهْوَى بميْدانِ الحياةِ ليمَرنا
***
ماذا أُحَدِّثُ عَنْ إمام جامعٍ
سَنَّ الفضائلَ للشُّعُوبِ وقَنَّنا
***
لَمْ يَبْقَ.. إلَّا أنْ تُسَيْطِر قُوَّةٌ
للهِ.. تَلْهَمُني القريضَ فأحسنا
***
يا مُلْهمَ الأجْيالِ سِرَّ خُلُودِها
ما زلَت سِرّاً سَرْمَدياً مُكْمَنا
***
ويُزَلْزلِ الطُغْيانَ طُوداً يَنْحَني
للأرْضِ مهْطاعَ الكرامةِ مُذْعِنا
***
دالَ الزَّمانُ بنا، وفرَّقَ جَمْعُنا
وسَطا الخَنَا بَغْياً فَطَوَّحَ مَجْدنا
***
وعلى العُقُولِ مِنِ الخُمُولِ سَحابةٌ
رانَتْ، تَوَطَّدَ ظِلُّها وتَمَكَّنا
***
والجُبْنُ ملءُ نُفُوسِنا وقُلُوبِنا
إذْ شامَنا مِنْ قَلْبِ صافِرَ أجْبنا
***
مَشَتْ الشّكُوكُ بكُلِّ عُضْوٍ عِنْدَنا
والهَوْلُ مِنْ هَنّا وهَنَّا حَفَّنا
***
عُدْنا كمحْتَطبٍ بقاعٍ أجْردٍ
مِنْ أدْوَنٍ يُهْدى لآخَر أدْوَنا
***
أوْ تائهٍ ضلَّ الطَريقَ، وحَوْلهُ
هام السُّعالى.. ما تَلَفَّتَ أوْ رَنا
***
أيسُرُّكُمْ؟ أنَّا نَعيشُ كما ارْتَمى
ماءٌ على مُسْتَنْقَعٍ فَتَعَفَّنا
***
أيسُرُّكُمْ؟ أنَّا نكُونُ أذلَّ مِنْ
عِيرِ الفَلا، ومِنَ السَّوائمِ أهْوَنا
***
هَيْهاتَ ما بَلَغَ المُنَى مَنْ كانَ في
حَلَكِ الزَّوايا قابِعاً مُسْتَوطِنا
***
لا بُدَّ مِنْ وعْيِ الجُمُوعِ، وإنْ غَفَا
طَرْفٌ وهَوَّمَ.. فالوعيد قد إدَّنى
***
لا بُدَّ أنْ تَلِدَ العقيدةُ
ثورةً تَجْتاحُ غَدَّاراً، وتَسْحَقُ أرْعَنا
***
يا أيُّها النَّبأُ العظيمُ.. شِكايةً
مِنْ شاعِرٍ لعَميمِ لُطْفِكَ قَدْ رنَا
***
أشْكُوا إليكَ مَهازِلاً نَحْيا بها
في الرَّافدينِ على الشَّقاءِ تَضُمُّنا
***
فالفوْضَويَّةُ.. ما تَزالُ كأمْسِها
تزْجي السُّمُومَ.. وتَسْتَجِدُّ لنا الظَّنا
***
والعُنْصُريَّةُ.. ما وَنَتْ نَزَعاتُها
بالإثم تُجْنى.. والمكارهِ تُقْتَنى
***
والطائفيّةُ.. أيُّ داءٍ فاتكٍ
بُليَ العِراقُ بسُمِّهِ فتدَرَّنا
***
والطائفيّةُ.. داءُ كُلِّ مُظَلِّلِ
ضَحِلُ الشُّعُورِ به النِّفاق تَبَيَّنا
***
وسِلاحُ كُلِّ مُغَرَّرٍ.. أعْيَتْ به
حِيَلٌ، فعادَ مُقَبِّحاً ومُحَسِّنا
***
لا عُذْرَ للمُسْتأجرينَ إذا هُمُ
هَدَمُوا مِنَ الإسلامِ صَرْحاً مُبْتَنى
***
فالمُسْلمُونَ.. إذا تَرَامتْ محنَّةٌ
كَفٌّ تُوَحِّدَ جَمْعُهُمْ لنْ يَذْعِنا
***
والعَزْمُ والإقْدامُ خَلَّدَ مَجْدَنا
والدينُ والإسْلامُ وحَّدَ أمْرنا
***
لا طائفيَّةَ إنَّ دينَ محمَّدٍ
أسْمى عُلاً ممّا به قَدْ أوْهنا
***
فالدينُ مِنْ أقصى الخَليجِ رسالةٌ
عِبْرَ المُحيطِ.. تعدُّ جيلاُ مُؤْمِنا
***
آمَنْتُ أنَّ الدينَ لا رَجْعيةٌ
فيهِ، ولا فَوْضى تُشادُ وتُبتَنى
***
فوقَ الميُولِ.. فلا قَريبٌ عِنْدَهُ
إلَّا بتقْواهُ هُدىً وتَدَيُّنا
***
دينٌ عليهِ المسْلمُونَ تَواكَبَتْ
خَطَواتُهُمْ بأغَرَّ مِنْ ألَقِ السَّنا
***
وكتابُ وحيٍ.. فُصِّلَتْ آياتُهُ
فمُحي بها لَيْلُ الشُّكُوكِ الأدْكَنا
***
ونِظامُ حَقٍّ.. قد زَهَتْ بَسماتُهُ
فترَنَّحَتْ بالبِشْرياتِ وبالهَنا
***
ولُمُوعُ بَرْقٍ.. طَوَّقَتْ مِشْكاتُهُ
أُفْقَ الجَزيرةِ رَوْعةً فتزَيْنا
***
ونَشيدُ مَجْدٍ.. رُتِّلَتْ نَغماتُهُ
بأرقِّ عُودٍ يَصْطَفي مُتَع الغِنا
***
وزئيرُ عَزْمٍ.. رُجِعَتْ أصْواتُهُ
بالفاتحينَ.. وبالنِّضالِ مُلَحّنا
***
وصِراطُ قُدْسٍ.. أزْهَرَتْ جَنباتُهُ
لِتَصُونُ دَرْبَ السائرينَ مِنْ العَنَا
***
ورفيعُ بَيْتٍ.. شُيِّدَتْ شُرفاتُهُ
بالصالحاتِ عَقيدةً فتحَصَّنا
***
وجِهادُ جِيلٍ.. ما ذكتْ جَمراتُهُ
إلَّا لتُبْدي المُسْتَحيلَ المُمْكنا
***
سُبْحانَكَ اللهم.. طالَ بِنا المَدَى
وسَرى، وضاعَفَنا وباءً مُزْمِنا
***
وفَضائحاً تَبْكي السَّماءُ لأجْلِها
حمَماً، ومِنْها الأرْضُ تَزْخَرُ بالعَنَا
***
نائَتْ بكَلْكَلِها، وألْقَتْ عِبْئُها
وأقامَ فادحُ رُزْئِها فَتَوَطَّنا
***
ومبادئاً شَرْقِيةً.. غَرْبيّةً
جَمَعَتْ رؤُاها مِنْ هُنالكَ أوْهَنا
***
فَتَعَهَدَتْها عُصْبَةٌ لا أصْلُها
زاكٍ، ولَمْ تُنْجِبْ لَنا إلَّا الخَنَا
***
ومُذْبْذبينَ.. بكُلِّ خطْوٍ عِنْدَهُمْ
رأيٌ تَرَاهُ مُغَلَّفاً ومُبَطَّنا
***
طَوْراً إلى أقْصَى اليَمينِ.. وتارةً
(للكرملين) وغَيْرُ ذلكَ بَيِّنَنَا
***
ومُثَقَّفينَ.. وكُلُّ ما في وسْعِهِمْ
أنْ يَسْتَقيمَ العَيْشُ مَوْفُورَ الهَنَا
***
أنْ تَرْتَوي بالفِسْقِ صُبْحاً ضاحكاً
أوْ تَنْتَشي بالخَمْرِ ليلاً مُدْمنا
***
ومُنافقينَ.. تَقَمَّصُوها بِدْعَةً
باسمِ الصَّلاحِ تَصَيُّداً وتَحَيُّنا
***
طَوْراً بمِحْرابِ الصَّلاةِ، وتارةَ
ذئبُ الفلاةِ شَراسةً وتَفرْعنا
***
رُحْماكَ ربِّي.. إنَّ تلكَ خَطيئةٌ
لا يَسْلَمُ الشَّرفُ الرفيعُ بها لَنا