في ذكرى عيد الغدير
ألقيت في الاحتفال الرائع المهيب الذي أقيم في حدائق ثانوية الإمام الجواد ( عليه السلام ) في بغداد الكرادة الشرقية، بمناسبة عيد الغدير، وذلك في 31/ 12/ 1383 هـ/ الموافق 6/5/1965م،ونشرت في العدد السابع والثامن من مجلّة الإيمان النجفية الصادر في مايس 1964م.
بذكْراكَ يَنْطلِقُ المُزْبِرُ
ويَنْهَلُّ فِكْرٌ ويَسْتَمْطِرُ
***
ويَنْعَمُ جيلٌ بآرائِهِ
ويَضْحَكُ عَهْدٌ ويَسْتَبْشِرُ
***
ويَنْجابُ لَيْلٌ بَهيم الدُّجَى
ويَرْبُوا صَباحٌ ويَخْضَوْضرُ
***
ويَنْتَظِمُ الكُوْنُ أُغْرُودَةً
يُسامِرُ إيقاعَها عَبْقَرُ
***
ويَزْدَهِرُ الدَّرْبُ للسَّالكين
مُضيئاً، فما عُذْرُ مَنْ يَعْثَرُ
***
ويَنْشَقُّ فَجْرٌ مِنَ الأمْنياتِ
على صَفْحَتَيْهِ السَّنا يُنْشَرُ
***
يُنوّرُ مِنْ أُمَّةٍ لَمْ يَزَلْ
يُدَاهِمُها حالكٌ أكْدَرُ
***
فَتُبْصِرُ أنَّ الدُّجَى مُرْتَمٍ
صَريعاً، وأنَّ الضُحى مُسْفِرُ
***
عَسَى أنْ يُقَوَّمَ معْوَّجُها
ويَنْصاعَ للرُّشْدِ مُسْتَبْصِرُ
***
ويَنْهَضُ تاريخُها خَيِّراً
يُواكِبُهُ جيلُنا الخَيِّرُ
***
فقد أثقلَتْ بالسُّباتِ العَميقِ
جُفُونٌ، وقد ضَجَرَ المحْجَرُ
***
وقد آنَ للوعيِ أنْ يَسْتعيدَ
كياناً بَناهُ لَنا (حَيْدَرُ)
***
أبا الفَخْرِ والمُثُلِ الصَّاعداتِ
بكَ الدَّهْرُ مُغْتبطاً يَفْخَرُ
***
ويا نَفْحَةً مِنْ رياضِ الجنانِ
تأرَّجها المِسْكُ والعَنْبَرُ
***
ويا نَغْمَةً مِنْ صَميمِ الحَياةِ
ترنَّمها العُودُ والمِزْهَرُ
***
تعالَيْتَ مِنْ ناقِدٍ خالدٍ
إلى المَجْدِ آفاقُهُ تُصْحِرُ
***
وقُدِّسْتَ مِنْ قائِدٍ صامِدٍ
يَكُرُّ إذا شاءَ، أوْ يَظْفَرُ
***
وبُورِكْتَ مِنْ رائدٍ ذائدٍ
شُمُوخُ الطُّغاةِ بِهِ يُصْهَرُ
***
يَحنُّ لذِكْراكَ قَلْبُ السِّنين
وتَعْشَقُ أيامَكَ الأعْصُرُ
***
لأنَّكَ مِنْ عالمٍ مُشْرقٍ
بَزَغَتَ، ومِنْ أُفُقٍ يَزْهَرُ
***
ولمَّا تَزَلْ مِنْكَ أُنْشُودَةٌ
تَرِقُّ، وقيثارةٌ تُسْحِرُ
***
يُلَحِّنُها نَهْجُكَ العالمي
ويَنْضَحُها حُكْمُكَ الأزْهَرُ
***
وهاتيكَ مِنْ مُعْطياتِ الضَّميرِ
شَذاهُ، ومِن قَطْفِهِ مجمر
***
تُعبِّرُ أنَّ نتاجَ الرجالِ
بتاريخِها الغضِّ يُسْتَثْمر
***
وأنَّ الكرامةَ صُنْوُ الخُلُودِ
لَها فَلَكٌ، ولَها مِحْوَرُ
***
تَدُورُ على هالةٍ شُهْبُها
يُشَعْشِعُها فِكْرُكَ النَّيِّرُ
***
وحَيَيْتُ عِيدَكَ عِيدَ الغَدِيرِ
وصَدْري مِنْ ألَمٍ مُوغَرُ
***
وقُلْتُ: ابْتلاءاتُ ذاكَ الزَّمانِ
كثارٌ، وأهْوَنُها الأوفَرُ
***
وإنَّ الأراجيفَ لمّا تَزَلْ
لَها مَوْردٌ، ولَها مَصْدَرُ
***
وإنَّ الرُّواةَ بما لَفَّقُوهْ
على المُسْلمينَ، وما زوَّرُوا
***
أرادُوا بأحْداثِها فِتْنَةً
إرْضاءَ ما سَرَّهُ أضْمَرُوا
***
إلى أنْ صَدّقتُ أحاديثُهُم
وقامَ على صِدْقِها مَخْبَرُ
***
فأيْقَنْتُ أنَّ انْتقاصَ الكمالِ
يُرَادُ.. وإعْدادَهُ يُؤثِّرُ
***
لذلكَ.. وللحَقِّ، لا يَسْتلينُ
عَدَتْكَ الخلافةُ والمَنْبَرُ
***
وقُدِّمَ مَفْضُولُها عُنْوَةً
وبالحَيْفِ فاضِلَها أخَرُّوا
***
ولوْ رَشَّحُوكَ إذنْ وُفِّقُوا
ولَوْ قَدَّمُوكَ إذنْ أوْجَرُوا
***
ولَوْ أنْصَفُوا كُنْتَ عِمْلاقَها
وكُنْتَ المُبَرَّزُ.. لَوْ أبْصَرُوا
***
فأذْعَنْتَ للأمْرِ عَنْ حِكْمةٍ
وصَبْرُكَ مِنْ غَيْرِهِ أجْدَرُ
***
فثارَتْ – ويا للهُدَى - فتْنَةٌ
تَضِجُّ، ومُشْكلةٌ تَزْأرُ
***
وما بَرحَتْ بحنايا الزَّمانِ
فماً صارخاً، وصَدى يَهْدرُ
***
فيالَكَ مِنْ شَرَفٍ باذخٍ
يُضامُ، ومِنْ أمَلٍ يُقبَرُ
***
ويالَكَ مِنْ لَهَبٍ صارخٍ
إلى الحَشْرِ أنفاسُهُ تَسْعَرُ
***
شبابَ العراقِ، وقلبَ البلادِ
إلى الجِدِّ عَن ساعدٍ شَمِّروا
***
وكُونُوا على حَذَرٍ يُتَّقى
فقدْ يأمَنُ الغَيبَ مَنْ يَحْذَرِ
***
ولا تَهِنُوا إنْ طَغَى عاصِفٌ
وإنْ ثارَ مِنْ رَهَجٍ عِثْيَرُ
***
وصُونُوا بلادَكُم.. مِنْ يَدٍ
تَعيثُ بها.. ويَدٌ تَغْدِرُ
***
وسيروا خِفافاً بأثْقالِكُمْ
فدَرْبُ العَقيدةِ مُسْتَوْعَرُ
***
فعندَ غَدٍ إذْ يحمُّ الوغى
ويَصْطَكُّ مِضْمارُهُ الأحْمَرُ
***
ويَبْرُزُ للمَوْتِ مَنْ يَرْتَمي
شَرَاراً عَلَيْهِ.. وَمَنْ يَصْبِرُ
***
سَيُعْلَمُ مَنْ فيهِ قد قَصرتْ
طُرُوفٌ، ويُعْلَمُ مَنْ يَقْصُرُ
***
فما سَرَّني أنَّ في الرَّافديْنِ
كما سائني أنَّها مِحْنَةٌ
***
كما ساءني أنَّها مِحْنَةٌ
نَعيشُ لَهَا، وبِها نُقْبَرُ
***
وأنَّا بإمْرةٍ مُسْتَعْمَرٍ
نُسَخَّرُ حيناً ونُسْتأجَرُ
***
وإنَّ صُنُوفاً مِنَ النائباتِ
يُخَيِّمُ كابُوسُها المُذْعرُ
***
وثَمَّةَ أمْثِلةٌ جَمَّةٌ
وسَيْلُ المهازلِ لا يُحْصَرُ
***
وعِنْدي مِنَ الهَمِّ ما لا يُطيقُ
تَحَمُّلَهُ الجَبَلُ المُوقَرُ
***
شُؤونٌ تُدالُ لِمُسْتَعْمِرٍ
ويُلْعنُ فيهُنَّ مُسْتَعِمِرُ
***
يحاوِلُ إظْهارَها مُضْمِرٌ
ويَجْهَدُ إظْمارَها مُظْهِرُ
***
فلا هيَ تَبْدُو كما يُرْتجى
ولا هِيَ – فاجِرَةً - تُسْتَرُ
***
تَضُجُّ المَهازلُ مِنْ هُزْئِها
ومِنْ كَيْدِها يَخْجَلُ المُنْكِرُ
***
فَبَيْعٌ يُساوِمُهُ تاجِرٌ
وبَيْعٌ يُصَرِّفُهُ مَتْجَرُ
***
وأمْرٌ يُحاكُ على غِرَّةٍ
وأمْرٌ على مَلأٍ يُشْهَرُ
***
ووضْعٌ يُسيءُ، ووضْعُ يَسُرُّ
ووضْعٌ عَوَاقِبُهُ تُنْظَرُ
***
كما اخْتَصَرَ السَّارقُونَ الطَّريقِ
يخافُونَ مِنْ فَلَقٍ يُسْفرُ
***
وهاتيكَ فَلْسَفةٌ مُرَّةٌ
مآسي الحَياةِ بها تُسْطَرُ
***
فَطَوْراً يُباركُها مُوسِرٌ
وطَوْراً يُحاربُها مُعْسِرُ
***
فإنْ جِئْتَ مُنْتَقِداً سَيْرَها
بما فِيهِ قد يَصْلُحُ الأكْثرُ
***
رَمَوْكَ بما يَضْحَكَ الجاهِلُونَ
عَلْيِهِ، ويَسْخَرُمَنْ يَسْخَرُ
***
وقالوا (مُؤامَرةٌ) جُدِّدَتْ
وأسْماؤُهُمْ في غَدٍ تُنْشَرُ
***
فقُلْ لي: برَبِّكَ ماذا تَرَى؟
أنَصْمُتُ في الحقِّ، أمْ نَجْهَرُ
***
سَلامٌ على غَدِنا المُرتَجَى
سَلامٌ على الزَّحْفِ إذْ يُنْفرُ
***
سَلامٌ على سائرٍ في المَدى
حَثيثٍ.. وهِمَّتُهُ أكْبَرُ
***
ولَيْسَ على تائهٍ تافِهٍ
على كُلِّ قارعةٍ يَعْبُرُ
***
ولَيْسَ على خانِعٍ خاضعٍ
يُقدِّمُ خَطْواً، ويَسْتأخِرُ
***
سَلامٌ على مُسْلِمٍ ناقِمٍ
على الوضْعِ أخطارُهُ تَنْذِرُ
***
ولَيْسَ على مُسْلمٍ كاذبٍ
بجِنْسيَّةٍ دِينَهُ أشَّرُوا
***
سَلامٌ على المُسْلمينَ الأُلى
إذا الشَّرُّ طاولَهُمْ زَمْجَرُوا
***
على رائدي شَرَفٍ يُصْطْفى
على ذائدي ذلَّةٍ تَقْهَرُ
***
مَصاليتُ إنْ جَدَّ يَوْمَ الوغَى
وإنْ حَمَّ مَرْجِلُهُ كَبَّرُوا
***
مناحيدُ في حين لا مُنْجِدٌ
مُساعيرُ في حينِ لا مُسعرُ
***
أولئكَ مِنْ عِزِّهِمْ عِزُّنا
ومَجْدِهِمْ مَجْدُنا الأوْقَرُ
***
ولا بُدَّ مِنْ أمَلٍ باسِمٍ
يُباكِرُهُ عارضٌ مُمْطِرُ