فَجْرٌ من الحقّ
ألقيت في المهرجان العالمي الثامن الذي أقيم في كربلاء المقدّسة في الحسينية الحيدرية في 13/ 7/ 1386 هـ، الموافق 26/ 10/ 1966م بمناسبة ذكرى ميلاد أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام، نشرت في مجلّة الإيمان النجفية، العدد (3-4) من السنة الثالثة، الصادر 1967م/ 1387هـ.
فَجْرٌ مِن الحَقِّ حَيّانا فأحْيانا
تَبارَكَ الفَتْحُ قُرْآناً وفُرْقانا
***
فَجْر مِن المَوْلِدِ الميْمُونِ طالِعُهُ
قدْ لاحَ في جَبَهاتِ الدَّهْرِ كَيْوَانا
***
أضْفى على هذهِ الدُّنيا، فنَّوَّرها
وتَوَّجَ الأفْقَ ياقُوتاً ومَرْجانا
***
تُفاخِرُ الأرْضُ فيهِ الشُّهْبَ مِنْ شَرَفٍ
وتَسْتَطيلُ على الأفلاكِ سُلْطانا
***
والشَّمْسُ تَجْري.. ومِنْهُ المُسْتَقَرُّ لها
يكادُ يَخْشَعُ إذْلالاً وإذْعانا
***
فَجْرٌ تَغَذَّى مِنَ الإسْلامِ فَلْسَفةً
وعَبَّ مِنْ سَلْسبيلِ الوحيِّ ألْبانا
***
ونَسْمةٌ مِنْ جنانِ الخُلْدِ نَفْحَتُها
فاضَتْ عَبيراً، ونِسْريناً ورَيْحانا
***
ونَغْمَةٌ تُسْكِرُ الأرْواحَ نَبْرَتُها
فتحْسَبُ الحَفْلَ أسْماعاً وآذانا
***
سُبْحانَ رَبِّكَ.. أهْلُ البيتِ سِرُّهُمْ
ما زالَ للمُكْرماتِ الغُرِّ مَيْدانا
***
يا عاطفاتٍ (عليُّ الطُّهْرِ) لا تَهْنَيْ
فقدْ أقِمْتِ على عَلْياكِ بُرْهانا
***
لا أسْتَطيعُ بياناً فيكَ مِنْ عَجَزي
ولا أُطيق لهذا السِّرِّ كتمانا
***
أيُّ البشائرِ عِنْدي لَستُ أغْبطُها
كَوْني بحُبِّ بني الزَّهْراءِ ولْهانا
***
كَوْني بحَبْلِ عليِّ الطُّهْرِ مُعْتَصِماً
كَوْني بدينِ رَسُولِ الله إنْسانا
***
رَضَعتُ حُبَّكُمْ طِفْلاً، فصاحَبَني
مَعَ الشَّبيبةِ بالألطافِ مُزْدانا
***
إنْ مَرَّ ذكْرُكُمْ في القَلْبِ آنَسَني
أوْ لاحَ طَيْفُكُمْ مُتّعَتُ وسْنانا
***
لا فَرَّقَ اللهُ ما بَيْني وبَيْنَكُمُ
دُنْياً وآخِرَةً، حَيّاً وجُثْمانا
***
لوْ كانَ حُبُّكُمُ ناراً، وبُغْضُكُمُ
جناتُ عَدْنٍ، أذقْتُ النَّفْسَ نيرانا
***
هذي العواطفُ لو أنْزلْتُها جَبَلاً
رأيْتَهُ خاشعاً للهِ قُرْبانا
***
سُلافةٌ مِنْ رسُولِ اللهِ باقيةٌ
ما زالَ حُبِّي بها للآنَ سَكْرانا
***
يا مَوْلِداً جَدَّدَ التذْكارُ رَوْعَتَهُ
أعَدْتَ سُوقَ عُكاظٍ بعدما بانا
***
سَيَّرْتَ مَكْرُمَةً.. أجْرَيْتَ عاطِفَةً
نَوَّرْتَ قافيةً.. أسْرَجْتَ ديوانا
***
لَوْ أسْتَطيعُ نَظَمْتُ النَّجْمَ قافيَةً
تصير السَّارياتُ السَّبعُ أوْزانا
***
ولانْبَعَثْتُ بلا لَهْو ولا طَرَبٍ
أُذيبُ قَلْبي تَرَانيماً وألْحانا
***
طالعتْنا مِثْلَما زارَ الحَيا غصناً
يذْوي، فغادَرهُ جَذْلانَ فينانا
***
بُوركَتَ مِنْ (مَرْبِدٍ) للهِ يُوثقُنا
بالوعيِ حِيناً، وبالإحْساسِ أحْيانا
***
أرَيْتَنا أيَّ رُشْدٍ في عَقيدتِنا
وشُمْتَ أيَّ ضَلالٍ في نَوايانا
***
حتّى تَنَبَّهَ غافٍ، وانْجَلَتْ شُبَهٌ
وازْهَرَتْ بالأماني البيضِ دُنْيانا
***
ذكَّرتْنا أنَّ أهْلَ الحَمدِ أسْبَقُهُمْ
إلى العَقيدةِ.. مَنْ أعْلى لَها شانا
***
لا فارغُونَ اكْتنازَ المالِ هَمَّهُمُ
بالصُّبْحِ تِبْراً، وبالإمْساءِ عِقْيانا
***
شَتَّانَ ما بين قَلْبٍ فائضٍ طَمَعاً
وبينَ قَلْبٍ طَهُورٍ فاضَ إيمانا
***
ومُدَّعينَ بأنَّ الدِّينَ مَنْقَصَةٌ
شتَّانَ ما بينَ دَعْواهُمْ ودَعْوانا
***
أولاءِ مِنْطِقُهُمْ نابٍ؛ لأنَّهُمْ
يَسْتَشْعِرُونَ بما في النَّفْسِ نُقْصانا
***
لوْ ساءلُوا العالمَ الأدْنى وآهلَهُ
واسْتَنْطَقُوا العالَمَ العُلْويَ سُكَّانا
***
لما أجابا – وإنْ لَمْ يَرْتَدِعْ نَفَرٌ –
بوحْي ما شَرَّعَ الإسْلامُ تِبْيانا
***
بأنَّ ديناً أصيلاً في معادِنِهِ
أسْمَى الشَّرائعِ تَشْييداَ وبُنْيانا
***
يُواكِبُ الجِيلَ عِمْلاقاً بفكْرَتِهِ
ويدْعَمُ العَصْرَ خَلَّاقاً بما زانا
***
ويَسْتَقِلُّ مِنَ القُرْآنِ دَوْلَتَهُ
ويَسْتَظِلُّ مِنَ الإيمانِ أغْصانا
***
يَغْفُوا الزَّمانُ، ويَسْتَلْقي بسكْرَتِهِ
وما يَزَالُ حديدَ الطَّرْفِ يقظانا
***
ولا يَقِرُّ على ضَيْمٍ يُرَادُ بِهِ
كالليْثِ يَزْأرُ بالمَيْدَانِ غَضْبانا
***
وشاهدٌ لي فيما قُلْتُ يَعْضُدُني
لمَحْتُهُ في جَبينِ الدَّهْرِ عُنْوانا
***
(أئمةٌ) حَطَّمُوا للشِّرْكِ أوْثانا
وقارَعُوا الجَوْرَ إسْراراً وإعْلانا
***
والقائمُ (الحُجَّةُ المَهْديِّ) يَمْلَؤُها
عَدْلاً، كما مُلِئَتْ ظُلْماً وعُدْوانا
***
يا أُمَّةً لَمْ يَزَلْ تاريخُها عَطِراً
ولَمْ يَزَلْ صَوْتُها الهَدَّارُ مرْنانا
***
سَرَتْ مَعَ الدَّهْرِ في شَتَّى عَوَاصِفِهِ
وقَلَّبْتَ صِرْفَهُ ربْحاً وخُسْرانا
***
فما لنا قد تَنَكَبْنا طَرَائقَها
مُذَبْذبينَ زُرافاتٍ ووحْدانا
***
مُرَوِّجينَ دعاياتٍ مُضَلِّلةً
الهَوْلُ باكَرَنا فيها وغادانا
***
فلا نُسامِحُ إلّا مِنْ تجافانا
ولا نُصافِحُ إلَّا مَنْ تَحاشانا
***
عُدْنا كفاجِرَةٍ تُبْدي قَدَاستَها
يَوْماً؛ لِتغْسِلَ فيه العارَ أزْمانا
***
نُديفُ مَعْسُولَ قَوْلِ في ظَواهِرنا
مُغْرٍ بعَلْقَمِ سُمٍّ مِنْ خَفايانا
***
ولا نُعالِجُ خُرْقاً مِنْ مَساوئِنا
إلَّا بأقْبَحَ فِعْلاً مِنْ خَطايانا
***
داءُ الخُمُولِ بنا قدْ حَمَّ مَرْجِلُهُ
ولَمْ تَعُدْ نَصْطَفي للفَتْحِ أعْوانا
***
كأنَّ ذاكَ الحُفاظَ المُرَّ قد خَمُدَتْ
نِيرانُهُ، واغْتَدَى برداً وخُذْلانا
***
كأنَّ ذاكَ الجهادَ الحُرَّ قد طُويَتْ
أعْلامُهُ، واغْتَدَى سِلْماً وسُلْوَانا
***
(فلَيْتَ لي بِكُمْ قَوْماً إذا ركبُوا
شَنُّوا الأغارةَ رُكباناً وفُرْسانا)
***
الحمدُ للهِ.. إنَّ الوَضْعَ مُزْدَهِرٌ!!
والشَّعْبَ مُغْتَبطٌ رُوحاً ووحْدَانا
***
فالجاهليةُ عادتْ بعدما طُويَتْ
تُديفُ سُمّاً، وأحْقاداً وأضْغانا
***
والطائفيّةُ ما زالتْ جَرَائرُها
تَجْتاحُ بالحَيْفِ والبَلْوَى رعايانا
***
وما تَزَالُ يَدُ التَّمْييزِ شاهِرة
سِلاحها، فاسْألُوا عَنْها ضَحايانا
***
هذا هُوَ المَنْطِقُ الكابي، وأفْجَعُها
أنّا قَتَلْنا، ونَبْكي فوقَ قَتْلانا
***
وما وَنَتْ هَجَماتُ الجَوْرِ تَلْحَقُنا
ولَمْ تَزَلْ نَزَعاتُ الظُّلْمِ تَغْشانا
***
وما تَزالُ على الكُرْسيِّ ساجِدَةً
تلكَ الجِباهُ بطاريقاً ورُهْبانا
***
وشَهْوَةُ الحُكْمِ، قدْ ألفَتْ صَيارِفةً
مِنَّا، فأرْخَتْ غَثانيناَ وأذْقانا
***
وبالأراجيف يَلْهُو كُلَّ مُحْتَكِمٍ
وبالأضاليل.. نلْقاها وتلْقانا
***
وكُلُّ آنٍ على زَيْفٍ يُحَشِّدُها
مَكاسباً وانْتصاراتٍ وفُرْسانا
***
وسارَ مِنْ خَلْفِهِ (المِذْياعُ) يُشْبِعُنا
مِنَ البُطُولاتِ أطْناناً فأطْنانا
***
(لَوْ كُنْتُ مِنْ مازنٍ لَمْ تَسْتَبِحْ إبِلي
بنُو اللقيطةِ مِنْ ذُهْلِ بنِ شَيْبانا)
***
(لكنَّ قَوْمي وإنْ كانُوا ذوي عَدَدٍ
لَيْسُوا مِنَ الشَّرِّ في شَيءٍ وإنْ هانا)
***
يا فتْيَةَ الوَطَنِ الغالي اعْمَلُوا وثِقُوا
أنَّ العَقيدَةَ سِرٌّ في حَنايانا
***
أنَّ العقيدةَ في أرْواحِنا وضَحٌ
مِنَ الثقافةِ غُذّاناً وروّانا
***
فاسْتَقْبلُوا يَوْمَكُمْ بالعَزْمِ وانْتَظِمُوا
صَفّاً.. يُحطِّمُ للطُغْيانِ أرْكانا
***
وجاهدُوا في سَبيلِ اللهِ واعْتَصَمُوا
بحَبْلِهِ، وأنْعَمُوا في الدِّينِ اخْوانا
***
إنّا وأنْتُمُ على دَرْبٍ مَسيرتُهُ الـ
ـكُبْرى قد ازْدَحَمَتْ أُسْداً وذُؤبانا
***
قد وحَدَّتْنا انْطلاقاتٌ مُقدَّسَةٌ
وقرَّبَتْ بَيْنَنا شِيباً وشُبَّانا
***
وفخْرُنا أنَّنا لَمْ نَنْحَرفْ زَيْغاً
ولَمْ نبدِّلْ بالأدْيانِ أدْيانا
***
مُحلَّئينَ عَنِ الأطْماعِ أفئدَةً
مُحَلِّقينَ قشاعيماً وعُقْبانا
***
ما أبْعدَ النَّقْص عَنَّا في عَقيدتِنا
وما أقَيْربهُ وصْلاً بأعْدانا
***
لئنْ سَرَتْ بخُطى الأحْزابِ جَمْهَرةٌ
فالحَمْدُ للهِ للإسْلامِ مَسْرَانا
***
مُحمَّدٌ يَتَبَنَّانا.. فيَعْضُدُنا
وحَيْدَرٌ يَتَولاَّنا.. فيرْعانا
***
وأنْتُمُ يا حُماةَ الدِّينِ حَسْبَكُمُ
أنْ تَقْطفُوا مِنَنَ الرَّحْمانِ رُضْوانا
***
ويا رجالاً زكَتْ اعْرَاقُهُمْ، وسَمَتْ
أمْجادُهُمْ.. وأثارُوا النَّفْسَ بُرْكانا
***
مُشَمِّرين بسُوحِ الحَرْبِ أرْدانا
وقائدينَ مَصاليتاً وشُجْعانا
***
وخائضينَ غِمارَ المَوْتِ، ما ارْتَجَفُوا
خَوْفاً، ولا سَحَبُوا للذُلِّ أرْدَانا
***
على الوُجُوهِ مِنَ التَّقْوَى علائمُهُ
وفي الضَّمائرِ ما يُحْييكَ عِرْفانا
***
للهِ دَرُّكُمُ مِنْ مَعْشَرٍ صُبُرٍ
على المكارهِ أحْزاناً وأشْجانا
***
مَنْ فيكُمُ مَنْ لَمْ يُقارعْ ألْفَ مُحْتَرِفِ
ولَمْ يُصارعْ (فِرْعَوْناً) و(هامانا)
***
صَبْراً على هذه الدُّنيا وقَسْوتِها
وحَسْبُنا ما أعدَّ اللهُ غُفْرانا