حِجَّة الوداع
تليت يوم عيد الغدير في صور سنة 1967م.
ودِّع المصطفى «الحطيم» و«زمزم»
وانتهى من طوافهِ ثم سلَّمْ
***
وسعى.. فالصَّفا تردِّد وجداً
والحصى تحت وطأة الخُفِّ حَمحم!
***
ثم أومى «للبيت» آخرَ إيما
ءِ! فكادت أحجارَه تتكلَّم!
***
وإذا «الركنُ والمصلَّى وحِجْرُ» الـ
ـوحي – من لهفةٍ – تئنُّ وتألم
***
شعرت كلُّها وداعٌ رسول الـ
ـلَّهِ! فاستوحشت وذابتْ من الغم!
***
.. ما أمرَّ الوداعَ! «فالبيت» يهفو
للنبيِّ، الأب الرحيمُ المعظَّم
***
ما أمرَّ الفراق! «فالحجر الأسـ
ـودَ» قد كاد رُكنُه يتهدَّم!!!
***
ذاكراً ثورة الهدى.. صنماً ينْـ
ـعَى آخاهُ! وثالثاً يتحطَّم!
***
يومَ أن قوَّضتْ يمينُ عليٍّ
كلَّ ربٍّ أصمَّ – في البيتِ - أبكم
***
ومشى موكب الهدى في هجيرٍ
كان كالنَّار وقدُه يتضرَّم
***
وعلى رأسه النبيُّ شَرودَ الْـ
ـفكر.. في عزْمهٍ يُحاكى ويُلهم
***
يزِن الأمر.. سامِعاً صَوت جبـ
ـرائيل، يدعوه.. دون صوتٍ ولا فم:
***
بلِّغِ الناس في عليٍّ.. وقلها
لا تدعْها تَلْتاك في شدق أرقم
***
هو مِن بعدك الوصيُّ، وإنْ لم
تعلن الأمر، لاتَ ساعَة مندَم!
***
أَوْصِ واللهُ من ورائك يحمي
بيضةَ الدِّين.. لا تخف أن تهدَّم
***
وبدت حيرةٌ بنفس رسول الـ
ـلّه من قولةٍ يواكبُها الهم
***
.. وانْثنى صادعاً بأمرٍ جليلٍ
عن جليلٍ بأمرهِ ما تعلثم
***
مومِئاً للحجيج: قِفْ لصلاة الـ
ـظُّهر «حوَّلْ بنا الحجيج إلى «خُمّ»..
***
فأصاخ الجميع، مُصغين للتَّهـ
ـليل.. فالجوُّ بالتهاليلِ مُفعم!
***
.. وقفوا.. فالرَّسول يأمرُ بالأحـ
ـداجِ تُلقى بقربه، وتُكوُّم
***
ثم يرقى الأحداج.. أين ذرى الجَو
زاءِ من منبرٍ أجلُّ وأعظم!!
***
مُشرق الوجه، ثابِتُ القلبِ، يتلو
بيِّناتٍ عن ربِّه تترجم
***
رافعاً كَفَّه بكفٍّ عليٍّ
هي كفٌ تزهو بأشرف معصم!
***
وعليٌّ يغضُّ طرفاً حييّاً
وعليه خشوعٌ عيسى بن مريم!
***
قال: هل تعلمون أني أولى
منكمُ بالنُّفوس، والمال، والدَّم؟!
***
فأجابوا: نعم، وربَّك.. إنَّا
طَوع ما يأمر الرسولُ المعظَّم
***
قال: إنِّي أُمِرْتُ أن أختم الوحـ
ـيَ بأمرٍ لكم به كلُّ مغنم
***
إسمعوا: لا يفوز إلَّا مطيعٌ
وسيلقى جزاءه مَنْ تأثَّم:
***
فعَلِي ولاؤهُ كولائي
هو عِدلُ القرآن بالكيف والكَمّ
***
هو مولاكُم، اسمعوا وأطيعوا
أمرَه، فهو بالرِّسالة أعلم
***
أنا في العلم كالمدينة، وهو الْـ
ـبابُ.. فالحكم عنده إن تأزَّم
***
هذه عزمةٌ أتاني بها الوحـ
ـيُ.. ويا ويلَ مَن طغى وتبرَّم!
***
أيُّها الناس: هل ترونيَ بلَّغـ
ـتُ؟! فقالوا: بلَّغت، والله يعلم..
***
.. واستجابوا.. فأحدقوا بعليٍّ
وتهاوَوا على الوصيِّ المكرَّم
***
يقدُم النَّاس للتَّهاني «أبو بكـ
ــرٍ» ومن بعدِه الحجيجُ تقدَّم
***
«عمرٌ» قال بعده لعليٌّ:
صرتَ فينا الإمامَ، يا خيرَ مَنْ أُمّ!
***
ومضى الكلُّ – مُهطعين بعين الـ
ـلّه – واللهُ يشهد الفيلقُ الجمّ:
***
موجةٌ إثر موجةٍ، في خضمٍّ
طاف من حول حيدرٍ وتزاحم
***
صافحوا كفُّه، وداروا حوالَيْـ
ـهِ، كما دارَ بالأساور مِعصَم!
***
فانقضتْ بَيعةٌ له لزِمتهم
هي في عُنقهم كوسْمةِ مِيسَم
***
إنّها مغنمٌ لِمن قد رعاها
وهيَ للنَّاكثين سُحقٌ ومَغرم!
***
إنَّ «يوم الغَدير» يومٌ كريمٌ
أنزل الله فيه حكماً، وأبرم
***
هكذا قال أحمدٌ.. ليس بعد الـ
ـلَّهِ أو أحمدٍ مقالٌ لأشْرم!
***
هو أمرٌ قد خُطَّ في قلم الغيـ
ـبِ، على اللَّوح، في قضاءِ مُحتَّم
***
نوَّهت فيه نومةٌ في فِراشٍ
لعليٍّ، وحوله ألفُ أخْزم
***
والمؤاخاةُ.. والزواجُ بِبكْرٍ
هيَ من خيرَ من أطاعَ وأسلَم!
***
نوَّهَ الوحي فيه سرّاً وجهراً
وصريحاً، واللهُ أَدرى وأعلم!
***
نوَّه المصطفى به يومَ نادى
لعليٍّ علمٌ يضيق به أليَمّ!!!
***
.. لم يقلِّد بها ربيباً، وصِهراً
ليس عند الرَّحمنِ صهرٌ ولا عمّ!
***
وعليٌّ مهما نُبالغْ بِمدحٍ
- كانَ من كلِّ ما نُحاولُ أعظم!
***
سيفُه سَوْطُ نقمةٍ وعذابٍ
لِلأعادي، ونارُ سخطٍ وعلقم!
***
قد رأوهُ «بخيبرٍ» و«حُنَيْنٍ»
شفرتاه لا تَرْويان بِلا دَمّ!
***
ورأَوهُ في يومِ «بدرٍ» و«أحد»
يترك الظالمين أنفاً مهشَّم!
***
وبيوم «الأحزاب» أو يوم «عَمْروٍ»
سَلْ حُساماً جزَّ الطُّغاةَ، وقَسَّم
***
أيَّ حربٍ سَلْها، تجبك: عليٌّ
هو بِكرٌ في الناس من عهد آدم!
***
هو لغزٌ تحار فيه عقولُ الـ
ـنَّاس! لا يحتويه لفظٌ منظَّم!
***
هو من أحمدٍ كهارون، لولا
أنه خاتمٌ، به الدِّينُ قد تمّ..
***
أيُّ قولٍ يعطي عليّاً مديحاً
بعد مدحٍ به (الكتاب) تكلَّم
***
يومَ أعطى الزَّكاةَ وهو يصلّي
وحواليْهِ ألفُ وجهٍ تجهَّم!
***
فأتتْ آية الولايةِ فيه
وفْقَ تصريحها البديع المعظَّم
***
.. ما ترانا نقول في آيةِ القر
بَى؟! ماذا يسوغَ أن نتهجَّم؟!
***
ما ترانا نقول بعدك يا ر
بَّاهُ، أو بعد أحمدٍ؟! يخسأُ الفم..
***
أنا آمنتُ.. كلُّ جارحةٍ فِـ
ـيَّ، عليها من حُبِّه وسم ميسم
***
أنا آمنتُ فيه برّاً رحيماً
وأباً لليتيم، يرعى ويرحم
***
قسَّم المال، لا عواطفَ قُرْبى
أخذته، أو غايةٌ عند مغنم
***
لم يُقِم للحياة وزناً كبيراً
إنَّه قايض الحياة بدرهم!
***
فارق العيشُ دون صفراءَ أو بيـ
ـضاءَ، أو تاركاً سواراً بمعصم!
***
عادلَ الحكم، واضحَ الخطِّ، لا تمـ
ـويهَ في قوله.. يقول، فيُفهم..
***
عاش إسلامَهُ على خير وجهٍ
لم يماكَس في دينهِ أو يُساوَم!
***
هَمُّه كان في حِياطة دينِ
إِن تُؤخَّر إمامةٌ، أو تُقدمَّم..
***
قال: إنَّ الحياةَ عندي كشِسْعِ الـ
نَّعلِ، إنْ لم أقم بها الحقَّ، أو لم..
***
أنا طلَّقتها ثلاثاً، وإنَّي
لستُ ممَّن يقول قولاً فيندم
***
أطمعَ الناس فيَّ أنّيَ موصى
من نبيِّي!. وليس حُرٌّ كمُلجم!
***
سيِّدي: عُذْرَ منطقي وقصوري
وعليك الإله صلَّى وسلم..