أول ماء جرى في النجف هو قبل الاسلام اجراه الحارث بن عمرو من ملوك الحيرة وكان في عصر قباذ بن فيروز الساساني . حكي عن كتاب تجارب الأمم لأحمد بن محمد مسكويه أنه قال في زمن الجاهلية شق الحارث بن عمرو من ملوك العرب في عصر قباذ الساساني بإشارة أحد تبابعة اليمن نهرا من شط الفرات إلى أرض النجف وأجرى الماء على ارض الحيرة وحوالي ارض النجف وذكر الطبري في تاريخه ان الحارث بن عمرو الكندي ملك الحيرة في عصر قباذ بن فيروز ارسل إلى تبع وهو باليمن أني قد طمعت في ملك الأعاجم فاجمع الجنود واقبل فجمع تبع الجنود وسار حتى نزل الحيرة وآذاه البق فامر الحارث بن عمرو ان يشق له نهرا إلى النجف ففعل وهو نهر الحيرة انتهى . وأول من اجرى الماء في ارض النجف بعد الاسلام سليمان بن أعين أخو زرارة بن أعين توفي سليمان سنة 250 قال أبو غالب الزراري في رسالته في آل أعين عند ذكر مخلفات سليمان المذكور : وأرضا واسعة جميعها في النجف مما يلي الحيرة وكان قد استخرج لها عينا يجريها إليها في قني عملها من صدقته بالحيرة وتعرف بقبة الشنيق قد رأيت أنا آثار القني وكان سبب استخراجه العين ان بعض أهل زوجته من خراسان ورد حاجا فاشتهى ان يرى الحيرة فخرج معه إليها وكانت قبة الشنيق أحد الأشياء التي يقصدها الناس للنزهة وكانت مما يلي النجف فلما جلسوا للطعام قال الخراساني هاهنا ماء ان استنبط ظهر ثم ساروا فرأى النجف وعلوه على الأرض إلى ما يسفله فقال يوشك ان يسيح ذلك الماء على هذه الأرض فابتاع سليمان تلك الأرض ثم عمل على استنباط العين فظهر له من الماء ما ساقه في القني إلى تلك الأرض ثم خرج ولده عن هذه الأرض التي في النجف انتهى وهذه الأرض الظاهر أنها في المكان المنخفض غربي النجف إلى جهة الجنوب من ناحية الحيرة . والعين التي استنبطها سليمان يظهر انها في جهة الحيرة فإن كان أحد يسكن النجف في ذلك الوقت فيمكن ان يكون شربه من ذلك الماء . ثم إن المشهور على ألسن الناس في النجف يتناقله الخلف عن السلف ان السلطان عضد الدولة فناخسرو بن بويه الديلمي أراد اجراء الماء إلى النجف من الفرات سنة 369 فعثر في أثناء حفره شمالي النجف على عين ‹ صفحة 288 › غزير ماؤها فمنعه ذلك الماء عن متابعة الحفر فاكتفى باجرائه إلى النجف تحت الأرض في قناة عالية محكمة يتخللها آبار مبنية بناء محكما متصلة بعضها ببعض تتخلل دور المدينة ويصب ماؤها في المكان المنخفض خارج البلد ولذلك كانت آبار النجف يعد ماؤها من الماء الجاري ولا تعد آبارا شرعية ولكن هذا الماء كان مالحا لا يصلح للشرب فاكتفى الناس به لحوائجهم وجعل أهل الثروة يجلبون الماء بالروايا من الفرات من ناحية ذي الكفل ، والفقراء يشربون من ذلك الماء المالح وربما كان ماء بعض الآبار أقل ملوحة فيتزاحم عليه الناس وتسمى هذه العين عند النجفيين أم البيار ولا تزال باقية إلى اليوم . ولكن في تاريخ النجف لبعض المعاصرين ان عضد الدولة أصلح القناة السالفة لآل أعين فاشتهرت بقناة عضد الدولة أو قناة آل بويه وبني المنهدم منها وأحكمها أشد من الأول وما زالت تسقي النجف وأهله أعذب ماء حتى خربت بعد مئات من السنين انتهى ولم يذكر هذه القناة التي تستمد منها آبار النجف في كتبه أصلا . وعن فرحة الغري ان السلطان سنجر بن ملكشاه السلجوقي اجتهد في إسالة ماء الفرات إلى النجف فلم يتفق له ثم إن الصاحب عطاء الملك بن محمد الجويني صاحب ديوان الدولة الايلخانية حفر نهرا من الفرات إلى الكوفة وأمر ببناء قناة من الكوفة إلى النجف تحت الأرض وكان القائم على حفره تاج الدين بن الأمير علي الدلقندي الحسيني فسمي النهر باسمه وقيل لتلك الأرض التي تسقى منه التاجية وبقي هذا اسمها إلى اليوم وعن روضة الصفا انه انفق على حفره ما يزيد على مائة ألف دينار احمر وعن فرحة الغري انه كان جري الماء به حول النجف في رجب سنة 676 ثم خرجت هذه القناة . ولما قامت الدولة الصفوية وجاء الشاه إسماعيل الأول لزيارة النجف الأشرف سنة 914 امر بحفر نهر من الفرات إلى النجف فأوصله إليها بقناة لارتفاع ارض النجف عن الفرات كما أشار اليه في تاريخ عالم آرا ص 707 وحدثت عليه ضياع وبساتين وجعلها الشاه وقفا على المحقق الكركي وأولاده فلم تزل النجف تستقي من ذلك النهر إلى زمن محاصرة العثمانيين النجف أيام السلطان سليم فطم النهر ثم امر الشاه طهماسب بحفر نهر من الفرات إلى النجف فحفر ولم يتم وسقيت منه ارض بنواحي الكوفة تعرف إلى اليوم بالطهماسية ولما جاء الشاه عباس بن محمد خدابنده بن طهماسب بن إسماعيل الأول إلى النجف سنة 1032 امر بتنظيف النهر الذي حفره جده الاعلى إسماعيل فحفر وعمر وعملت فيه عساكر الشاه وجرى الماء فيه حتى دخل مسجد الكوفة وهو المعروف اليوم بنهر المكرية وحيث إن النجف مرتفع ارتفاعا كليا عن ارض الكوفة امر الشاه بحفر قناة توصل الماء إلى النجف فحفرت ووصل الماء إلى الروضة المطهرة ومنها إلى بحر النجف وعمل له بركة في النجف ينزلون إليها ويستقون منها . ذكر ذلك في تاريخ عالم آرا ثم خربت هذه القناة وفي سنة 1042 حفر الشاه صفي نهرا عميقا عريضا من حوالي الحلة إلى مسجد الكوفة ومر به على عمارة الخورنق وأوصلوا الماء إلى داخل السور وبواسطة الدولاب جرى الماء على وجه الأرض والشوارع والصحن الشريف وبنيت بركة للماء بشكل بحيرة ثم درس ذلك كله و في سنة 1208 ارسل يحيى خان آصف الدولة وزير محمد شاه أحد ملوك الهند أموالا طائلة لحفر نهر من الفرات يبتدئ من بلدة المسيب ويمر بالكوفة وسمي هذا النهر نهر الهندية ويقال انه اخذ منه قناة تحت الأرض جري فيها الماء إلى منخفض النجف ويقال ان بعض زعماء النجف طم تلك القناة خوفا من توطن امراء الدولة العثمانية في البلد وإجراء قوانينهم عليها . ثم إن امين الدولة عبد الله خان وزير فتح علي شاه القاجاري ارسل خمسين ألف تومان لاصلاح قناة النجف ورتب المهندس ميرزا تقي على العمل وابتدأوا به من جهة أبو فشيقة إلى كري سعد شرقي النجف وأقاموا على هذا الكري القنطرة الماثلة حتى الآن إزاء أبو فشيقة واطلقوا الماء في الكري فجرى حينا ووقف وساقوه من حيث وقف إلى النجف في قناة والظاهر أنها قناة قديمة وان قيل إنها من صنع امين الدولة وانه شارف العمل بنفسه ولم يطل عمر هذه القناة على ما هو المعروف . كذا عن بعض مجاميع الفاضل الشيبي . ثم إن الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر استعان ببعض ملوك الهند وهو السلطان ثريا جاه محمد امجد علي شاه الهندي المتوفى سنة 1263 فأرسل له ثمانين ألف تومان وأرسل له غيره من أهل الهند أموالا طائلة فحفر نهرا من نهر آصف الدولة نهر الهندية إلى سور النجف وأجرى الماء فيه فوقف في محل يقال له الطبيل يبعد عن النجف نحو أربعة أميال من جهة الشمال الغربي وذلك لعدم كون الحفر على هندسة فنية إذ لم ينتبه القائمون على العمل إلى أن النهر من جهة النجف يعلو كثيرا عن أول المجرى وان المقدار الذي حفر لا يكفي لجريان الماء بل يحتاج إلى اضعافه وانه امر غير ممكن بهذه الصفة وتوفي الشيخ في هذه الأثناء ولم يتم ذلك العمل ويرى شئ من ذلك الحفر على بعد بضع خطوات من سور النجف من جهة الشرق ثم إن السيد أسد الله الذي نحن بصدد ترجمته عزم على إتمام ما شرع به الشيخ محمد حسن وشرع في العمل وأتمه في مدة ست سنوات وبقيت الناس تنتفع به نحو 19 سنة كما مر فلما كانت سنة 1307 وذلك قبل مهاجرتنا إلى النجف بسنة جاء في تلك السنة برد عظيم ومطر كثير فجرف الرمول إلى تلك الآبار وسد مجاري الماء وصرفت أموال كثيرة في سبيل إصلاحها فلم تصلح لضعف الهمم وفتور العزائم . وكان قد جفف البحر الذي كان غربي النجف بسد مجرى الماء عنه من جهة الحيرة من النهر المسمى أبو صخير في زمن السلطان عبد الحميد العثماني وجعل موضع النهر مزارع وبساتين تابعة لأملاك السلطان المسماة بالأراضي السنية وفي سنة 1305 أجري لسقيها جدول من نهر الحيرة أبو صخير ولما انقطع ماء القناة سنة 1307 بنيت على هذا الجدول بركة يستقي منها السقاؤون وتردها الدواب والمواشي وكان المباشر لحفرة رجل اسمه عبد الغني وهو القائم باعمال الأراضي السنية من قبل السلطان فنسب النهر اليه فقيل نهر عبد الغني لكن الكثيرين كانوا يسمونه نهر الحيدرية بل لم أسمع من يسميه نهر عبد الغني ولكنه كان معرضا للانقطاع بأحد الفلاحين لمائه لسقي مزارعهم وبوقوع الرمول فيه من هبوب العواصف في الصيف ومن السيول في الشتاء فتبقى الناس ظماء نحو أسبوع حتى يتم تنظيفه وتشتري الماء الذي يجلب من الكوفة بأغلى القيم ولا تجده الا قليلا فامر السلطان عبد الحميد بعد مراجعته بواسطة والي بغداد الحاج حسن باشا بحفر جدول إلى جانب الجدول القديم لاستقاء الناس خاصة وبذل لذلك ألف ليرة ذهبية من خزانته الخاصة ولاصلاحه والمحافظة عليه كل سنة مائة ليرة ذهبية فتم ذلك ووصل الماء في أوائل شهر رمضان سنة 1310 ونحن في النجف الأشرف لكنه أيضا كان معرضا للانقطاع بما مر من العواصف والسيول في الصيف والشتاء وخرجنا من النجف عام 1318 والحال على هذا وفي سنة 1319 ابتدئ باصلاح القناة على يد الشيخ ميرزا حسين بن ميرزا خليل الفقيه المشهور وفرع منه سنة 1327 ولكنه لضعف مجرى الماء من نهر الهندية وتجمع المياه المالحة في الآبار لم يكن صالحا للشرب وفي سنة 1330 ألفت شركة تجارية في النجف لشراء آلة بخارية رافعة توضع على نهر الكوفة واستحضر لذلك أنابيب ضخمة ثم جاءت الحرب العامة وأهمل ذلك وفي أيام الثورة العراقية أتلفت جملة من هذه الأنابيب وبقي الكثير مكدسا في طريق الكوفة وبعد احتلال الإنكليز للعراق نصبت آلةبخارية رافعة على نهر الحيرة تصب الماء في الجدول المقدم ذكره وفي سنة 1342 بذل الحاج محمد علي الشوشتري الملقب رئيس تجار عربستان والد الحاج مشير نزيل دمشق ثلاثمائة ألف روبية على أن تصرف في حفر جدول من محل يعرف بالمزيديات ينتهي مصبه إلى بحيرة النجف القديمة غربي المدينة وما يحدث على ضفة النهر من زروع وبساتين يصرف ريعه بعد أخذ العشر منه للدولة على اصلاح الجدول وعلى مستشفيات ومدارس في النجف وان زاد ففي كربلاء وأعطيت الرخصة بذلك من الدولة في غرة رمضان سنة 1342 وحضر الملك فيصل وأخذ المسحاة بيده وحفر شيئا من الأرض وحفر معه الحاج رئيس وجماعة من وجهاء النجف واستمر العمل مدة ثم سحب الحاج رئيس ذلك المال الذي تعهد به وكان قد وضعه في البنك لأمور نظن أن أهمها معارضة كثيرين له في ذلك وطلبهم اليه العدول عنه لأنه يضر باهل النجف بزعمهم ولا ينفعهم ، واطلعني وهو في دمشق على نحو من أربعين صحيفة جاءته في دفعتين من أناس يلومونه ويقولون له : أنت بعملك هذا تعمل شرا لا خيرا وذلك لأنه بلغهم أن الدولة تريد ان تكلفهم بتكاليف لهذا الامر والله أعلم . وفي سنة 1346 طلب الحاج محمد البوشهري الملقب معين التجار امتيازا من الحكومة العراقية بجلب الماء من الكوفة إلى النجف فأعطته ذلك فجلب آلتين رافعتين عظيمتين إحداهما انكليزية والأخرى ألمانية حتى إذا تعطلت إحداهما كانت الأخرى حاضرة جلبهما في اسرع وقت ونصبهما في الكوفة وأتم جميع ما يلزم لهذا العمل وقد رأيتهما في سفري إلى العراق عام 1352 والماء يجري بواسطتهما إلى أكثر دور النجف عذبا زلالا صافيا بأجور معينة . وفي هذه السنة وهي سنة 1357 عزمت بلدية النجف على إسالة الماء على حسابها وابطال ما كان عمله معين التجار واستحضرت الآلات اللازمة لذلك .