وأمّا قوله: إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) حاكَمَ يهوديّاً على الوجه الواجب في سائر الناس، فقد روي ذلك، إلاّ أنّ أمير المؤمنين لم يفعل من ذلك ما كان يجب عليه أن يفعله، وإنّما تبرّع به، واستظهر بإقامة الحجة فيه؛ وقد أخطأ من طالبه ببيّنة كائناً من كان.
فأمّا اعتراضه بأمّ سلمة فلم يثبت من عصمتها ما ثبت من عصمة فاطمة (عليها السلام)، فلذلك احتاجت في دعواها إلى بيّنة.
فأمّا إنكاره وادعاؤه أنّه لم يثبت أنّ الشاهد في ذلك كان أمير المؤمنين، فلم يزد في ذلك إلاّ مجرد الدعوى والإنكار، والأخبار مستفيضة بأنّه (عليه السلام) شهد لها، فدفع ذلك بالزّيغ لا يغني شيئاً! وقوله: إنّ الشاهد لها مولىً لرسول الله (صلى الله عليه وآله) هو المنكر الّذي ليس بمعروف.
وأمّا قوله: إنّها جوّزت أن يحكم أبو بكر بالشاهد واليمين فطريف؛ مع قوله فيما بعد: «إنّ التركة صدقة، ولا خصم فيها»، فتدخل اليمين في مثلها؛ أفترى أن فاطمة لم تكن تعلم من الشريعة هذا المقدار الّذي نبّه صاحب الكتاب عليه! ولو لم تعلمه ما كان أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو أعلم الناس بالشّريعة يوافقها عليه.
وقوله: إنّها جوّزت عند شهادة مَنْ شهد لها أن يتذكّر غيرهم فيشهد باطل، لأنّ مِثلَها لا يتعرّض للظِّنّة والتهمة، ويعرّض قوله للردّ، وقد كان يجب أن تعلم مَنْ يشهد لها ممّن لا يشهد حتى تكون دعواها على الوجه الّذي يجب معه القبول والإمضاء، ومَنْ هو دونها في الرتبة والجلالة والصيانة من أفناء الناس لا يتعرّض لمِثل هذ الخطّة ويتورّطها، للتجويز الّذي لا أصل له، ولا أمارة عليه.
ثم إنّ الأمر في أنّ الكلام في النحل كان المتقدم ظاهراً، والروايات كلّها به واردة؛ وكيف يجوز أن تبتدئ بطلب الميراث فيما تدّعيه بعينه نحلاً! أو ليس هذا يوجب أن تكون قد طالبت بحقها من وجه لا تستحقّه منه مع الاختيار! وكيف يجوز ذلك والميراث يشركها فيه غيرها، والنحل تنفرد به!
ولا ينقلب مثل ذلك علينا من حيث طالبت بالميراث بعد النحل؛ لأنّها في الابتداء طالبت بالنحل، وهو الوجه الّذي تستحق فَدَك منه، فلمّا دُفعت عنه طالبت ضرورة بالميراث، لأنّ للمدفوع عن حقّه أن يتوصّل إلى تناوله بكلّ وجه وسبب، وهذا بخلاف قول أبي عليّ، لأنّه أضاف إليها ادعاء الحق من وجه لا تستحقه منه، وهي مختارة.
وأما إنكاره أن يكون عمر بن عبد العزيز ردّ فَدَك على وجه النحل، وادعاؤه أنّه فعل في ذلك ما فعله عمر بن الخطاب من إقرارها في يد أمير المؤمنين (عليه السلام)، ليصرف غلاتها في وجوهها، فأوّل ما فيه أنّا لا نحتجّ عليه بفعل عمر بن عبد العزيز على أيّ وجه وقع، لأنّ فعله ليس بحجّة، ولو أردنا الاحتجاج بهذا الجنس من الحجج لذكرنا فعل المأمون، فإنّه ردّ فَدَك بعد أن جلس مجلساً مشهوراً حكم فيه بين خصمين نصبهما، أحدهما لفاطمة، والآخر لأبي بكر، وردّها بعد قيام الحجة ووضوح الأمر.
ومع ذلك فإنّه قد أنكر من فعل عمر بن عبد العزيز ما هو معروف مشهور بلا خلاف بين أهل النقل فيه، وقد روى محمّد بن زكريا الغلابيّ عن شيوخه، عن أبي المقدام هشام بن زياد مولى آل عثمان، قال: لما ولي عمر بن عبد العزيز ردّ فدك
قال أبو المقدام: فنقمت بنو أميّة ذلك على عمر بن عبد العزيز وعاتبوه فيه، وقالوا له: هجّنتَ فعل الشيخين، وخرج إليه عمر بن قيس في جماعة من أهل الكوفة، فلمّا عاتبوه على فعله قال: إنكم جهلتم وعلمت، ونسيتم وذكرت، إنّ أبا بكر محمّد بن عمرو بن حزم حدّثني عن أبيه عن جده أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: «فاطمة بضعةٌ منّي يسخطها ما يسخطني، ويرُضيني ما أرضاها»، وإنّ فَدَك كان صافية على عهد أبي بكر وعمر، ثمّ صار أمرها إلى مروان، فوهبها لعبد العزيز أبي، فورثتها أنا وإخوتي عنه، فسألتهم أن يبيعوني حصّتهم منها، فمن بائع وواهب، حتى استجمعت لي، فرأيت أن أردّها على ولد فاطمة، قالوا: فإن أبيت إلاّ هذا فأمسك الأصل، وأقسم الغلّة، ففعل.
وأمّا ما ذكره من ترك أمير المؤمنين (عليه السلام) فَدَك لما أفضى الأمر إليه، واستدلاله بذلك على أنّه لم يكن الشاهد فيها، فالوجه في تركه (عليه السلام) رد فَدَك هو الوجه في إقراره أحكام القوم وكفّه عن نقضها وتغييرها، وقد بيّنا ذلك فيما سبق، وذكرنا أنّه كان في انتهاء الأمر إليه في بقية من التقية قوية.
فأمّا استدلاله على أنّ حجر أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كانت لهنّ بقوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ}(1) فمن عجيب الاستدلال، لأنّ هذه الإضافة لا تقتضي المِلك، بل
____________
1- الأحزاب: 33.
فأما ما رواه من أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قسم حجره على نسائه وبناته، فمن أين له إذا كان الخبر صحيحاً أنّ هذه القسمة على وجه التمليك دون الإسكان والإنزال! ولو كان قد ملّكهنّ ذلك لوجب أن يكون ظاهراً مشهوراً.
فأما الوجه في ترك أمير المؤمنين لما صار الأمر إليه في يده منازعة الأزواج في هذه الحجر فهو ما تقدّم وتكرّر.
وأما قوله: إنّ أبا بكر هو الّذي صلّى على فاطمة وكبّر أربعاً، وإنّ كثيراً من الفقهاء يستدلّون به في التكبير على الميّت _ وهو شيء ما سُمِع إلاّ منه، وإن كان تلقّاه عن غيره _ فمّمن يجري مجراه في العصبية(2)، وإلاّ فالروايات المشهورة
____________
1- الطلاق: 1.
2- روى ابن عدي في الكامل 4: 258، نقلاً عن موطأ مالك قال: أخبرنا جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال: (توفيت فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليلاً, فجاء أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وسعيد وجماعة كثيرة سماهم مالك فقال أبو بكر لعليّ: تقدم فصلّ عليها, قال: لا والله لا تقدمت وأنت خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال: فتقدم أبو بكر فصلى عليها فكبّر عليها أربعاً ودفنها ليلاً).
أقول: ولم أقف على الخبر في الموطأ برواية يحيى بن يحيى الليثي المطبوع بشرح السيوطي المسمى تنوير الحوالك، كما قد خلت النسخة الناقصة المطبوعة بتونس برواية ابن زياد, ولم يذكره ابن عبد البر في كتابه التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، وقد ذكر في ج 1: 316، ما ورد في الموطأ من حديث جعفر بن محمد وقال: لمالك عن جعفر بن محمد في الموطأ من حديث النبي (صلى الله عليه وآله) تسعة أحاديث منها خمسة متصلة أصلها حديث واحد وهو حديث جابر الطويل في الحج, والأربعة منقطعة تتصل من غير رواية مالك من وجوه... ولم يشر إلى رواية مالك عن جعفر بن محمد على ما هو موقوف عليه.
وروى الواقدي: بإسناده في تاريخه، عن الزهري؛ قال: سألت ابن عباس: متى دفنتم فاطمة (عليها السلام)؟ قال: دفنّاها بليل بعد هدأة؛ قال: قلت: فمن صلّى عليها؟ قال: عليّ.
وروى الطبري عن الحارث بن أبي أسامة، عن المدائني، عن أبي زكريا العجلاني أنّ فاطمة (عليها السلام) عُمل لها نعش قبل وفاتها، فنظرت إليه، فقالت: سترتُموني ستركم الله!
قال أبو جعفر محمّد بن جرير: والثبت في ذلك أنّها زينب، لأنّ فاطمة دفنت ليلاً، ولم يحضرها إلاّ عليّ و العباس والمقداد والزبير.
وروى القاضي أبو بكر أحمد بن كامل بإسناده في تاريخه، عن الزهري؛ قال: حدّثني عروة بن الزبير أنّ عائشة أخبرته أنّ فاطمة عاشت بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ستة أشهر، فلمّا توفيت دفنها عليّ ليلاً، وصلّى عليها. وذكر في كتابه هذا أنّ عليّاً والحسن والحسين (عليهم السلام) دفنوها ليلاً، وغيّبوا قبرها.
وروى سفيان بن عيينة، عن عمرو بن عبيد، عن الحسن بن محمّد بن الحنفيّة، أنّ فاطمة دُفنت ليلاً.
وروى عبد الله بن أبي شيبة، عن يحيى بن سعيد القطّان، عن معمر، عن الزهري مثل ذلك.
وقال البلاذريّ في تاريخه: إنّ فاطمة (عليها السلام) لم تُرَ متبسّمة بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولم يعلم أبو بكر وعمر بموتها.
والأمر في هذا أوضح وأشهر من أن نُطنب في الاستشهاد عليه، ونذكر الروايات فيه.
وروى أنّه عَفَّى قبرها وعلّم عليه، ورشّ أربعين قبراً في البقيع، ولم يرشّ قبرها حتى لا يُهتدى إليه، وأنهما عاتباه على ترك إعلامهما بشأنها، وإحضارهما الصلاة عليها، فمن هاهنا احتججنا بالدّفن ليلاً، ولو كان ليس غير الدفن بالليل من غير ما تقدّم عليه وما تأخّر عنه، لم يكن فيه حجة.
وأما حكايته عن أبي عليّ إنكار ضرب الرجل لها، وقوله: إنّ جعفر بن محمّد وأباه وجدّه كانوا يتولّونهما، فكيف لا ينكر أبو عليّ ذلك، واعتقاده فيهما اعتقاده! وقد كنّا نظنّ أنّ مخالفينا يقتنعون أن ينسبوا إلى أئمتنا الكفّ عن القوم والإمساك، وما ظننّا أنّهم يحملون أنفسهم على أن يُنسبُوا إليهم الثناء والوَلاء.
وقد علم كل أحد أنّ أصحاب هؤلاء السادة المختصّين بهم، قد رووا عنهم ضدّ ما روى شعبة بن الحجّاج وفلان وفلان، وقولهم: هما أوّل من ظلمنا حقّنا،
وأمّا ذكره إسرافيل وميكائيل فما كنّا نظنّ أنّ مثله يذكر ذلك، وهذا من أقوال الغُلاة الّذين ضلّوا في أمير المؤمنين (عليه السلام) وأهل البيت، وليسوا من الشّيعة ولا من المسلمين، فأيّ عيب علينا فيما يقولونه! ثمّ إنّ جماعة من مخالفينا قد غلوا في أبي بكر وعمر، ورووا رواياتٍ مختلفة فيهما تجري مجرى ما ذكره في الشناعة، ولا يلزم العقلاء وذوي الألباب من المخالفين عيب من ذلك.
وأمّا معارضة ما روي في فاطمة (عليها السلام) بما روي في: «أنّ حبّهما إيمان، وبغضهما نفاق»، فالخبر الّذي رويناه مجمع عليه، والخبر الآخر مطعونٌ فيه، فكيف يعارَض ذلك بهذا!
وأمّا قوله: إنّما قصد من يورد هذه الأخبار تضعيف دلالة الأعلام في النفوس، من حيث أضاف النفاق إلى من شاهدها؛ فتشنيعٌ في غير موضعه، واستنادٌ إلى ما لا يجدي نفعاً، لأن من شاهد الأعلام لا يضعفها ولا يوهن دليلها، ولا يقدح في كونها حجة، لأنّ الأعلام ليست ملجئة إلى العلم، ولا موجبة لحصوله على كلّ حال، وإنّما تثمر العلم لمن أمعن النظر فيها من الوجه الّذي تدلّ منه، فمَن عَدَل عن ذلك لسوء اختياره لا يكون عدوله مؤثراً في دلالتها.
فكم قد عدل من العقلاء وذوي الأحلام الراجحة والألباب الصحيحة عن تأمّل هذه الأعلام وإصابة الحق منها! ولم يكن ذلك عندنا وعند صاحب الكتاب قادحاً في دلالة الأعلام.
فأمّا قوله: إنّ حديث الإحراق لم يصحّ، ولو صحّ لساغ لعمر مثل ذلك؛ فقد بيّنّا أنّ خبر الإحراق قد رواه غير الشيعة.
وقوله: إنّه يسوغ مثل ذلك؛ فكيف يسوغ إحراق بيت عليّ وفاطمة (عليهما السلام)! وهل في ذلك عُذْر يصغى إليه أو يسمع! وإنّما يكون عليّ وأصحابه خارقين للإجماع ومخالفين للمسلمين؛ لو كان الإجماع قد تقرّر وثبت، وليس بمتقرّر ولا ثابت مع خلاف عليّ وحده، فضلاً عن أن يوافقه على ذلك غيره.
وبعد، فلا فرق بين أن يُهدّد بالإحراق لهذه العلّة، وبين أن يضرب فاطمة (عليها السلام) لمثلها؛ فإنّ إحراق المنازل أعظم من ضرب سوط أو سوطين؛ فلا وجه لامتعاض المخالف من حديث الضّرب إذا كان عنده مثل هذا الاعتذار!
قال ابن أبي الحديد: قلت: أمّا الكلام في عصمة فاطمة (عليها السلام) فهو بفنّ الكلام أشبه، وللقول فيه موضع غير هذا.
وأمّا قول المرتضى: إذا كانت صادقة لم يبق حاجةٌ إلى مَنْ يشهد لها؛ فلقائل أن يقول: لم قلت ذلك؟ ولم زَعمت أنّ الحاجة إلى البينة إنّما كانت لزيادة غلبة الظنّ؟ ولم لا يجوز أن يكون الله تعالى يُعبّد بالبيّنة لمصلحة يعلمها؛ وإن كان المدّعي لا يكذب! أليس قد تعبّد الله تعالى بالعدّة في العجوز الّتي قد أيِست من الحمل؛ وإن كان أصل وضعها لاستبراء الرحم!
وأما قصّة خُزيمة بن ثابت؛ فيجوز أن يكون الله تعالى قد علم أنّ مصلحة المكلّفين في تلك الصورة أن يكتفي بدعوى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وحدها؛ ويستغني فيها عن
ويبين ذلك أنّ مذهب المرتضى جواز ظهور خوارق العادات على أيدي الأئمة والصالحين؛ ولو قدّرنا أنّ واحداً من أهل الصلاح والخير ادّعى دعوى، وقال بحضرة جماعة من الناس من جملتهم القاضي: اللهم إن كنتُ صادقاً فأظهر عليّ معجزة خارقة للعادة؛ فظهرت عليه، لعلمنا أنّه صادق؛ ومع ذلك لا تقبل دعواه إلاّ ببيّنة.
وسألت عليّ بن الفارقيّ مدرّس المدرسة الغربية ببغداد، فقلت له: أكانت فاطمة صادقة؟ قال: نعم، قلت: فلم لم يدفع إليها أبو بكر فَدَك وهي عنده صادقة؟ فتبسّم، ثمّ قال كلاماً لطيفاً مستحسناً مع ناموسه وحُرْمته وقلّة دعابته، قال: لو أعطاها اليوم فَدَك بمجرّد دعواها، لجاءت إليه غداً وادّعت لزوجها الخلافة، وزحزحته عن مقامه، ولم يكن يمكنه الاعتذار والموافقة بشيء؛ لأنّه يكون قد أسجل على نفسه أنّها صادقة فيما تدّعي كائناً ما كان من غير حاجة إلى بيّنة ولا شهود. وهذا كلام صحيح؛ وإن كان أخرجه مخرج الدُّعابة والهزْل.
فأما قول قاضي القضاة: لو كانت في يدها لكان الظاهر أنّها لها، واعتراض المرتضى عليه بقوله: إنّه لم يعتمد في إنكار ذلك على حجّة، بل قال: لو كانت في يدها لكان الظاهر أنّها لها، والأمر على ما قال؛ فمن أين أنّها لم تخرج عن يدِها على وجه! كما أنّ الظاهر يقتضي خلافه؛ فإنّه لم يجب عمّا ذكره قاضي القضاة؛ لأنّ معنى قوله: إنّها لو كانت في يدها، أي متصرفة فيها لكانت اليد حجّة في الملكيّة؛ لأنّ اليد والتصرّف حجّة لا محالة، فلو كانت في يدها تتصرّف فيها وفي ارتفاقها كما يتصرّف الناس في ضياعهم وأملاكهم لما احتاجت إلى الاحتجاج بآية الميراث ولابِدعوى النحل؛ لأنّ اليد حجّة.
فأمّا تعجّب المرتضى من قول أبي عليّ: إنّ دعوى الإرث كانت متقدّمة على دعوى النحل، وقوله: إنّا لا نعرف له غرضاً في ذلك، فإنّه لا يصح له بذلك مذهب، ولا يبطل على مخالفيه مذهب؛ فإنّ المرتضى لم يقف على مراد الشيخ أبي عليّ في ذلك؛ وهذا شيء يرجع إلى أصول الفقه، فإنّ أصحابنا استدلّوا على جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد بإجماع الصحابة، لأنّهم أجمعوا على تخصيص قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أوْلادِكُمْ}(1) برواية أبي بكر عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا نورّث، ما تركناه صدقة».
قالوا: والصحيح في الخبر أنّ فاطمة (عليها السلام) طالبت بعد ذلك بالنحل لا بالميراث، فلهذا قال الشيخ أبو عليّ: إنّ دعوى الميراث تقدّمت على دعوى النحل، وذلك لأنّه ثبت أنّ فاطمة انصرفت عن ذلك المجلس غير راضية ولا موافقة لأبي بكر، فلو كانت دعوى الإرث متأخّرة، وانصرفت عن سخط لم يثبت الإجماع على تخصيص الكتاب بخبر الواحد.
أمّا إذا كانت دعوى الإرث متقدّمة، فلمّا روى لها الخبر أمسكت وانتقلت إلى النزاع من جهة أخرى، فإنّه يصحّ حينئذٍ الاستدلال بالإجماع على تخصيص الكتاب بخبر الواحد، فأمّا أنا فإنّ الأخبار عندي متعارضة، يدلّ
____________
1- النساء: 11.