النص الخامس(1): قال: (وقد تنوزع في بيعة علي بن أبي طالب إياه، فمنهم من قال: بايعه بعد موت فاطمة بعشرة أيام، وذلك بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) بنيف وسبعين يوماً، وقيل بثلاثة أشهر، وقيل بستة، وقيل غير ذلك).
النص السادس(2): قال: (وقد أعرضنا عن ذكر كثير من الأخبار في هذا الكتاب طلباً للإختصار والإيجاز فيها... وأخبار من قعد عن البيعة ومن بايع، وما قالت بنو هاشم، وما كان من قصة فدك، وما قاله أصحاب النص والاختيار في الإمامة، ومن قال بإمامة المفضول وغيره، وما كان من فاطمة وكلامها، وقولها متمثلة حين عدلت إلى قبر أبيها (صلى الله عليه وآله) من قول صفية بنت عبد المطلب:
قد كان بعدك أنباء وهنبثة | لو كنت شاهدها لم تكثر الخُطب |
إلى آخر الشعر، وغير ذلك مما تركنا ذكره من الأخبار في هذا الكتاب، إذ كنّا قد أتينا على جميع ذلك في كتابينا أخبار الزمان والأوسط، فأغنى ذلك عن ذكره هاهنا).
النص السابع(3): قال: (كان عروة بن الزبير يعذر أخاه إذا جرى ذكر بني هاشم وحصره اياهم في الشعب، وجمعه الحطب لتحريقهم ويقول: إنّما أراد بذلك إرهابهم ليدخلوا في طاعته، إذ هم أبو البيعة فيما سلف، وهذا خبر لا يحتمل ذكره كتابنا هذا، وقد أتينا على ذكره في كتابنا مناقب أهل البيت وأخبارهم المترجم بكتاب حدائق الأذهان).
____________
1- المصدر نفسه 2: 309.
2- المصدر نفسه 2: 310.
3- المصدر نفسه 2: 86.
ولما كانت هذه الجملة موجودة في الطبعات القديمة كما في طبعة بولاق سنة 1283هـ، والطبعة الأزهرية سنة 1303 هـ، وبهامشها روضة المناظر لابن شحنة، وطبعة مصرية ثالثة بهامش تاريخ ابن الأثير، وطبعة العامرة البهية سنة 1346 هـ(1)، ففي جميعها كان النص كما يلي:
(كان عروة بن الزبير يعذر أخاه إذا جرى ذكر بني هاشم وحصره إياهم في الشعب، وجمعه الحطب لتحريقهم ويقول: إنّما أراد بذلك إرهابهم ليدخلوا في طاعته، كما اُرهب بنو هاشم وجمع لهم الحطب لإحراقهم إذ هم أبو البيعة فيما سلف...) لكن الطبعات الحديثة بمصر وبيروت، فقد أسقطت جملة: (كما اُرهب بنو هاشم وجمع لهم الحطب لإحراقهم) ستراً على السلف.
راجع طبعات مصر بتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد التي استخدمناها، وهي الطبعة الثالثة وكتب عليها مزيدة ومنقحة، فيبدوا أن التنقيح هو حذف ما فيه التجريح، وكذلك طبعات بيروت في دار الفكر ودار الأندلس، فجميعها حذفت الجملة المشار إليها، وقد عمي المحققون لهذه الطبعات عما نمّ به السارق على نفسه بإثباته جملة: (إذ هم أبوا البيعة فيما سلف) فهي لا تتفق ولا تتسق إلاّ مع
____________
1- المصدر نفسه 2: 79 طبعة بولاق, والطبعة الأزهرية 2: 72، والطبعة المصرية 6: 161.
وكان المستشرق شارل بلا أوفى ذمة في تحقيقه مروج الذهب(1)، فقد ذكر ذلك في الهامش عن نسخة / م، وفات الجميع انّ ابن أبي الحديد في شرحه(2) ذكر الخبر بتمامه نقلاً عن المسعودي، وذكر ما قاله المسعودي تعقيباً على الخبر كما مرّ في (وقفة تحقيق لابد منها).
ما ذكره الجوهري:
السادس عشر: ماذا عند أبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري (كان حياً سنة 322 حيث قرئ عليه كتابه السقيفة في ربيع الأول سنة 322 هـ).
النص الأوّل: قال الجوهري: وأخبرني أبو بكر الباهلي، عن إسماعيل بن مجالد، عن الشعبي قال: قال أبو بكر: يا عمر أين خالد بن الوليد؟ قال: هو هذا، فقال: انطلقا إليهما _ يعني علياً والزبير _ فأتياني بهما، فانطلقا، فدخل عمر ووقف خالد على الباب من خارج، فقال عمر للزبير: ما هذا السيف؟ قال: أعددته لاُبايع علياً.
قال: وكان في البيت ناس كثير منهم: المقداد بن الأسود وجمهور الهاشميين، فاخترط عمر السيف فضرب به صخرة في البيت فكسره، ثم أخذ بيد الزبير فأقامه ثم دفعه فأخرجه، وقال: يا خالد دونك هذا، فمسكه خالد، وكان في خارج البيت مع خالد جمع كثير من الناس أرسلهم أبو بكر ردءاً لهما، ثم دخل عمر فقال لعلي: قم فبايع، فتلكأ واحتبس، فأخذ بيده فقال: قم، فأبى أن يقوم، فحمله ودفعه كما دفع الزبير حتى أمسكهما خالد، وساقهما عمر ومن معه سوقاً عنيفاً.
____________
1- مروج الذهب 3: 276، برقم: 1943.
2- شرح ابن أبي الحديد 20: 147.
النص الثاني: وقال أبو بكر الجوهري: حدّثني أبو زيد عمر بن شبّة، قال: حدّثني إبراهيم بن المنذر، قال: حدّثنا ابن وهب، عن ابن لهيعة، عن أبي الأسود قال: غضب رجال من المهاجرين في بيعة أبي بكر بغيرمشورة، وغضب علي والزبير فدخلا بيت فاطمة معهما السلاح.
فجاء عمر في عصابة فيهم أسيد بن حضير ومسلمة بن سلامة بن قريش (وقش) وهما من بني عبد الأشهل، فاقتحما الدار فصاحت فاطمة وناشدتهما الله، فأخذوا سيفيهما فضربوا بهما الحجر حتى كسروهما، فأخرجهما عمر يسوقهما حتى بايعا(2).
النص الثالث: وقال أبو بكر _ الجوهري _: وذكر ابن شهاب بن ثابت: أنّ قيس بن شمّاس _ أخا بني الحارث من الخزرج _ كان مع الجماعة الذين دخلوا بيت فاطمة(3).
النص الرابع: وقال أبو بكر _ الجوهري _: وروى سعد بن إبراهيم أنّ عبد الرحمن بن عوف كان مع عمر ذلك اليوم، وانّ محمد بن مسلمة كان معهم، وأنّه هو الذي كسر سيف الزبير(4).
النص الخامس: وقال أبو بكر _ الجوهري _: وحدّثني أبو زيد عمر بن شبّة عن رجاله قال: جاء عمر إلى بيت فاطمة في رجال من الأنصار ونفر قليل من المهاجرين، فقال: والذي نفسي بيده لتخرجنّ إلى البيعة أو لأحرقنّ البيت عليكم،
____________
1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي 2: 19.
2- المصدر نفسه 2: 19 و 6: 47.
3- المصدر نفسه 2: 19 و 6: 48.
4- المصدر نفسه 2: 19 و 6: 48.
النص السادس: قال أبو زيد: وروى النضر بن سهيل قال: حمل سيف الزبير لما ندر من يده إلى أبي بكر، وهو على المنبر يخطب فقال: اضربوا به الحجر، قال أبو عمرو بن حماس: ولقد رأيت الحجر وفيه تلك الضربة، والناس يقولون: هذا أثر ضربة سيف الزبير(2).
النص السابع: قال أبو بكر: وأخبرنا أبو زيد قال: حدّثنا محمد بن يحيى، قال: حدّثنا غسان بن عبد الحميد، قال: لما أكثر في تخلّف علي عن البيعة، واشتد أبو بكر وعمر في ذلك، خرجت أم مسطح بن أثاثة فوقفت عند قبر النبي (صلى الله عليه وآله) ونادته: يا رسول الله:
قد كان بعدك أنباء وهينمة | لو كنت شاهدها لم تكثر الخُطب |
انّا فقدناك فقد الأرض وابلها | فاختلّ قومك فاشهدهم ولا تغبِ(3) |
النص الثامن: وقال أبو بكر: وحدّثني أبو الحسن علي بن سليمان النوفلي قال: سمعت أبيّاً يقول: ذكر سعد بن عبادة يوماً علياً بعد يوم السقيفة، فذكر أمراً من أمره - نسيه أبو الحسن - يوجب ولايته، فقال له ابنه قيس بن سعد: أنت سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول هذا الكلام في علي بن أبي طالب ثم تطلب الخلافة، ويقول أصحابك منّا أمير ومنكم أمير، لا كلمتك والله من رأسي بعد هذا كلمة أبداً(4).
____________
1- المصدر نفسه 2: 19 و 6: 48.
2- المصدر نفسه 2: 19 و 6: 48.
3- المصدر نفسه 6: 43، وفي لسان العرب: (وهنبثة)، وهي: الاختلال في القول، ونسبهما إلى فاطمة (عليها السلام)، وقد مرّ ما يتعلق بهما.
4- المصدر نفسه 6: 44.
النص العاشر: قال أبو بكر: وحدّثنا علي بن جرير الطائي قال: حدّثنا ابن فضل، عن الأجلح، عن حبيب بن ثعلبة بن يزيد قال: سمعت علياً يقول: «أما ورب السماء والأرض _ ثلاثاً _ إنه لعهد النبي لأمّي إليّ، لتغدرنّ بك الأمة من بعدي»(3).
النص الحادي عشر: وقال أحمد بن عبد العزيز الجوهري، حدّثنا أحمد وقال: حدّثنا ابن عفير، قال: حدّثنا أبو عوف عبد الله بن عبد الرحمن، عن أبي جعفر محمد بن علي (رضي الله عنهما): أن علياً حمل فاطمة على حمار، وسار بها ليلاً إلى بيوت الأنصار يسألهم النصرة، وتسألهم فاطمة الانتصار له، فكانوا يقولون: يابنت رسول
____________
1- يقال: لبّب فلان فلاناً أخذ بتلبيبه، أي جمع ثيابه عند صدره ونحره ثم جرّه.
2- المصدر نفسه 6: 45.
3- أخرجه الحاكم في المستدرك 3: 140، وصححه, وكذلك الذهبي في التلخيص, وله مصادر أخرى كثيرة, ونحوه وقريباً منه ما روته عائشة قالت: رأيت النبي (صلى الله عليه وآله) التزم علياً وقبّله ويقول: بأبي الوحيد الشهيد، بأبي الوحيد الشهيد. وهذا أخرجه ابن عساكر في ترجمة الإمام 3: 285، وله مصادر أخرى، ولا يبعد عن جو الحديثين في نبوءته (صلى الله عليه وآله) بوقوع المآسي من بعده ما أخرجه ابن عساكر في ترجمة الإمام 2: 321 قال: وذكر الحديث بعدّة أسانيد عن أبي عثمان النهدي, عن علي بن أبي طالب قال: (كنت أمشي مع النبي (صلى الله عليه وآله) فأتينا على حديقة, فقلت: يا رسول الله ما أحسن هذه الحديقة؟ فقال: ما أحسنها ولك في الجنة أحسن منها، حتى أتينا على سبع حدائق وفي كل ذلك أنا أقول: يا رسول الله ما أحسنها؟ فيقول: لك في الجنة أحسن منها، فلما أن خلا به الطريق اعتنقني ثم أجهش باكياً، فقلت: يا رسول الله ما يبكيك؟ قال: ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها لك إلاّ بعدي، فقلت: في سلامة من ديني؟ قال: في سلامة من دينك).
النص الثاني عشر: وقال أبو بكر أحمد بن عبد العزيز: وحدّثنا أحمد قال: حدّثني سعيد بن كثير قال: حدّثني ابن لهيعة، أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما مات وأبو ذر غائب وقدم، وقد ولي أبو بكر، فقال: أصبتم قناعه وتركتم قرابه، لو جعلتم هذا الأمر في أهل بيت نبيكم لما اختلف عليكم اثنان(2).
النص الثالث عشر: قال أبو بكر: وأخبرنا أبو زيد عمر بن شبّة، قال: حدّثنا أبو قبيصة محمد بن حرب قال: لما توفي النبي (صلى الله عليه وآله)، وجرى في السقيفة ما جرى، تمثل علي:
وأصبح أقوام يقولون ما اشتهوا | ويطغون لما غال زيداً غوائله(3) |
النص الرابع عشر: قال أبو بكر: وروى أبو زيد عن حبّاب بن يزيد، عن جرير، عن المغيرة أنّ سلمان والزبير وبعض الأنصار كان هواهم أن يبايعوا علياً بعد النبي (صلى الله عليه وآله)، فلما بويع أبو بكر قال سلمان للصحابة: أصبتم الخير ولكن أخطأتم المعدن.
قال: وفي رواية أخرى: أصبتم ذا السن منكم ولكنكم أخطأتم أهل بيت نبيكم، أما لو جعلتموها فيهم ما اختلف منكم اثنان ولأكلتموها رغداً(4).
____________
1- شرح النهج 6: 13.
2- المصدر نفسه 6: 13.
3- المصدر نفسه 6: 14.
4- المصدر نفسه 6: 43.
النص الخامس عشر: قال أبو بكر: وحدّثنا أبو زيد عمر بن شبّة باسناد رفعه إلى ابن عباس قال: إنّي لأماشي عمر في سكة من سكك المدينة يده في يدي، فقال: يابن عباس ما أظن صاحبك إلاّ مظلوماً، فقلت في نفسي: والله لا يسبقني بها، فقلت: يا أمير المؤمنين فاردد إليه ظلامته، فانتزع يده من يدي، ثم مرّ يهمهم ساعة، ثم وقف فلحقته فقال لي: يابن عباس ما أظن القوم منعهم من صاحبك إلاّ أنّهم استصغروه، فقلت في نفسي: هذه شر من الأولى، فقلت: والله ما استصغره الله حين أمره أن يأخذ سورة براءة من أبي بكر(2).
النص السادس عشر: قال أبو بكر: وأخبرني أبو زيد عمر بن شبّة قال: حدّثنا محمد بن حاتم، عن رجاله، عن ابن عباس، قال: مرّ عمر بعلي وأنا معه بفناء داره فسلّم عليه، فقال له علي: أين تريد؟ قال: البقيع، قال: أفلا تصل جناحك ويقوم معك؟ قال: بلى، فقال لي علي: قم معه، فمشيت معه إلى جانبه فشبّك أصابعه في أصابعي ومشينا قليلاً، حتى إذا خلّفنا البقيع قال لي: يابن عباس، أما والله انّ صاحبك هذا لأولى الناس بالأمر بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، إلاّ انّا خفناه على اثنين، قال ابن عباس: فجاء بكلام لم أجد بداً من مسألته عنه، فقلت: ما هما يا أميرالمؤمنين؟ قال: خفناه على حداثة سنه، وحبّه بني عبد المطلب.
____________
1- المصدر نفسه 6: 43.
2- المصدر نفسه 6: 45، وللمحاورة مصادر أخرى مذكورة في (موسوعة عبد الله بن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن).
1 _ غضب رجال من المهاجرين في بيعة أبي بكر لأنها عن غير مشورة، كما غضب علي والزبير فدخلا بيت فاطمة معهما السلاح كما في النص الثاني، أما من هم اولئك الرجال من المهاجرين، فهذا ما لم يفصح عنه النص، كما أفصح عن غضب علي والزبير فسماهما، إلا أن النص الأول جاء فيه: وكان في البيت _ بيت فاطمة _ ناس كثير منهم المقداد بن الأسود وجمهور الهاشميين، وهو أيضاً لم يفصح عن أسماء (ناس كثير) سوى المقداد، غير أنّا عرفنا أسماء جماعة آخرين منهم: سلمان، وأباذر، وعمّار، وغيرهم من مصادر أخرى كما سيأتي ذكرهم مع ذكر أسماء الداخلين في الخاتمة إن شاء الله تعالى.
2 _ إنّ أبا بكر أرسل عمر وخالداً ليأتياه بعلي والزبير، وأرسل جمعاً كثيراً من الناس ردءاً لهما كما في النص الأول، فجاء عمر في عصابة فيهم أسيد بن حضير وسلمة بن سلامة بن قريش(1) فاقتحما الدار، فصاحت فاطمة وناشدتهما الله كما في النص الثاني، وجاء عمر في رجال من الأنصار ونفر قليل من المهاجرين، عرفنا من الأنصار قيس بن شماس وزياد بن لبيد ورجلاً آخر لم يسمه كما في النص الخامس أيضاً، ومن المهاجرين عبد الرحمن بن عوف ومحمد بن مسلمة كما في النص الرابع.
____________
1- كذا في المصدر, والصواب: وقش, كما في اُسد الغابة, وغيره.
4 _ ثم اقتحم عمر ومن معه الدار فقال لعليّ: قم فبايع، فتلكأ واحتبس، فأخذ بيده فحمله ودفعه كما دفع الزبير حتى أمسكهما خالد، «ثم أخرجهم بتلابيبهم يساقون سوقاً عنيفاً حتى بايعوا أبا بكر» كما في النص الخامس، وباقي النصوص كلها تدل على نحو ذلك، كما أنّ النص الحادي عشر دلّ على أنّ الإمام لم يترك المطالبة بحقه حتى استنصر الأنصار لكنه لم يجد معيناً، ومرّ في النصوص اعتراف عمر لابن عباس بأنّ علياً هو ولي الأمر.
وإلحاقاً بما مرّ من النصوص التي رواها الجوهري في كتابه السقيفة، هذا الخبر الذي رواه عن المؤمل بن جعفر قال: حدّثني محمد بن ميمون قال: حدّثني داود بن المبارك قال: أتينا عبد الله بن موسى بن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ونحن راجعون من الحج في جماعة، فسألناه عن مسائل وكنت أحد من سأله، فسألته عن أبي بكر وعمر، فقال: أجيبك بما أجاب به جدي عبد الله بن الحسن، فإنّه سئل عنهما فقال: كانت أمّنا صديقة ابنة نبي مرسل، وماتت وهي غضبى على قوم، فنحن غضاب لغضبها.
قال ابن أبي الحديد بعد روايته لما تقدم: قلت: قد أخذ هذا المعنى بعض شعراء الطالبيين من أهل الحجاز، أنشدنيه النقيب جلال الدين عبدالحميد بن محمد بن عبد الحميد العلوي، قال أنشدني هذا الشاعر _ وذهب عنّي اسمه _ قال:
يا أبا حفص ا لهوينا وما | كنت ملياً بذاك لولا الحمامُ |
أتموت البتول غضبى ونرضى | ماكذا يصنع البنون الكرامُ |
ثم قال: أتموت أمّنا وهي غضبى ونرضى نحن؟! إذن لسنا بكرام، فإن الولد الكريم يرضى لرضى أبيه وأمّه، ويغضب لغضبهما، ثم قال ابن أبي الحديد: والصحيح عندي أنّها ماتت وهي واجدة على أبي بكر وعمر، وأنّها أوصت أن لا يصليا عليها(1).
وستأتي نصوص أخرى نقلها ابن أبي الحديد أيضاً في دفاعه المستميت عن الشيخين، فانتظر ماذا عند ابن أبي الحديد.
ما ذكره الطبراني:
السابع عشر: الحافظ الطبراني (ت360 هـ)، صاحب التصانيف الكثيرة، ومنها المعاجم الثلاثة الكبير والأوسط والصغير، نحن نختار واحداً مما جاء في الكبير منها، وقد حققه وطبعه حمدي السلفي عن طبعته الثانية بالموصل.
ذكر في أول مسند أبي بكر وهو حديث مثلثات أبي بكر عند احتضاره في حديثه مع عبد الرحمن بن عوف، وقد تقدم ذكره مفصلاً فلا حاجة بنا إلى إعادته، وتقدم التعقيب عليه.
ما ذكره ابن عبد البر:
الثامن عشر: ابن عبد البر المالكي (ت 463 هـ) صاحب الاستيعاب والاستذكار والتمهيد وغيرها ، فماذا عنده؟
____________
1- شرح نهج البلاغة 2: 20.
قال ابن سيرين: فبلغني أنه كتبه على تنزيله، و لو أصيب ذلك الكتاب لوجد فيه علم كثير.
النص الثاني: روى أيضاً في ترجمة أبي بكر بسنده عن ابن أبجر قال: لمّا بويع لأبي بكر جاء أبو سفيان بن حرب إلى علي فقال: غلبكم على هذا الأمر أرذل بيت في قريش، أما والله لأملأنّها خيلاً ورجالاً، قال: فقال علي: ما زلت عدواً للإسلام وأهله، فما ضرّ ذلك الإسلام وأهله شيء، وإنا رأينا أبا بكر لها أهلاً.
ثم قال أبو عمر ابن عبد البر: وهذا الخبر ممّا رواه عبد الرزاق عن ابن المبارك.
النص الثالث: روى بسنده عن زيد بن اسلم، عن أبيه أن علياً (رضي الله عنه) والزبير كانا حين بويع لأبي بكر يدخلان على فاطمة فيشاورانها، ويتراجعون في أمرهم، فبلغ ذلك عمر، فدخل عليها عمر فقال: يابنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما كان أحد من الخلق أحب إلينا من أبيك، وما أحد أحب إلينا بعده منك، وقد بلغني أنّ هؤلاء النفر يدخلون عليك، ولئن بلغني لأفعلنّ ولأفعلنّ، ثم خرج وجاؤوها فقالت لهم: انّ عمر قد جاءني وحلف لئن عدتم ليفعلنّ، وأيم الله ليفينّ بها، فانظروا في أمركم ولا ترجعوا إليّ، فانصرفوا فلم يرجعوا حتى بايعوا لابي بكر.
النص الرابع: وروى بسنده عن عبد الله بن أبي بكر أنّ خالد بن سعيد لما قدم من اليمن بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) تربص ببيعته شهرين، ولقي علي بن أبي طالب وعثمان بن عثمان وقال: يا بني عبد مناف لقد طبتم نفساً عن أمركم يليه غيركم، فأما أبو بكر فلم يحفل بها، وأما عمر فاضطغنها عليه، فلما بعث أبو بكر خالد بن سعيد أميراً على ربع من أرباع الشام، وكان أول من استعمل عليها، فجعل عمر يقول:
النص الخامس: وقال ابن أبي عزة القرشي الجمحي:
شكراً لمن هو بالثناء خليق | ذهب اللجاج وبويع الصديق |
من بعد ما دحضت بسعد نعله | ورجا رجاء دونه العيوق |
جاءت به الأنصار عاصب رأسه | فأتاهم الصديق والفاروق |
وأبو عبيدة والذين اليهم | نفس المؤمل للبقاء تتوق |
كنّا نقول لها علي والرضى | عمر وأولاهم بتلك عتيق |
فدعت قريش باسمه فأجابها | إنّ المنوّه باسمه الموثوق |
هذه هي النصوص التي ذكرها في ترجمة أبي بكر مما يتعلق بتوليه الخلافة، وما في متونها الأربعة الأولى مرّ نحوه في المصادر السابقة، فليس فيها من جديد، وما قلناه تعقيباً عليها في مواضعها يغني عن الإعادة في التعقيب، إلاّ أنّ النص الخامس لم يسبق لنا ذكره، ولم أقف عليه في مصدر آخر، وأنا أشك في صحة ما ذكره أبو عمر ابن عبد البر، واعتقد أنّ الشعر منحول، إذ لا يوجد في بني جمح من اسمه أبو عزة، إلاّ أبو عزة عمرو بن عبد الله بن عمير بن أهيب، وهذا قتله رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم أحد صبراً، وكان قد منّ عليه يوم بدر فأطلقه، وهذا لا عقب له(1).
فمن هذا ابن أبي عزة الجمحي قائل الشعر؟ ومتى ولد من رحم الغيب فأنشأ الشعر المذكور ورواه ابن عبد البر، وقد مرّ بنا أنّ كتاب الاستيعاب تعرّض للسطو عليه بالزيادة والنقصان، فراجع الفصل الثالث فيمن ذكر المحسن سقطاً.
ما ذكره الشهرستاني:
التاسع عشر: أبو الفتح عبد الكريم الشهرستاني (ت 549 هـ) فماذا عنده؟
____________
1- راجع جمهرة النسب لابن حزم: 162.
فأول تنازع في مرضه عليه فيما رواه محمد بن إسماعيل البخاري باسناده عن عبد الله بن عباس قال: لما اشتد بالنبي (صلى الله عليه وآله) مرضه الذي مات فيه قال: «ائتوني بدواة وقرطاس أكتب لكم كتاباً لاتضلوا بعدي»، فقال عمر: إنّ رسول الله قد غلبه الوجع، حسبنا كتاب الله، وكثر اللغط، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): «قوموا عنّي لا ينبغي عندي التنازع». قال ابن عباس: الرزية كل الرزية ما حال بيننا وبين كتاب رسول الله.
النص الثاني: قال(2): الخلاف الثاني في مرضه أنّه قال: «جهزوا جيش أسامة لُعِنَ مَنْ تخلّف عنها»، فقال قوم: يجب علينا امتثال أمره، وأسامة قد برز من المدينة، وقال قوم: قد اشتد مرض النبي فلا تسع قلوبنا لمفارقته والحالة هذه، فنصبر حتى نبصر أيّ شيء يكون من أمره.
ثم قال الشهرستاني: وإنّما أوردت هذين التنازعين لأنّ المخالفين ربما عدّوا ذلك من الخلافات المؤثرة في أمر الدين وهو كذلك، وإن كان الغرض كله إقامة مراسم الشرع في حالة تزلزل القلوب، وتسكين نائرة الفتنة المؤثرة عند تقلّب الأمور.
ثم ذكر الخلاف الثالث في اختلاف عمر وأبي بكر في موت النبي (صلى الله عليه وآله) ، والخلاف الرابع في موضع دفنه (صلى الله عليه وآله وسلم).
____________
1- الملل والنحل 1: 13.
2- المصدر نفسه 1: 14.