النص الثاني(1): بسنده عن ابن عباس أنه قال: يوم الخميس، وما يوم الخميس؟ اشتدّ فيه وجع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وبكى ابن عباس طويلاً، ثم قال: فلما اشتد وجعه قال (صلى الله عليه وآله): «إئتوني بالدواة والكتف أكتب لكم كتاباً لا تضلون معه بعدي أبداً»، فقالوا: أتراه يهجر، وتكلموا ولغطوا، فغم ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأضجره، وقال: «إليكم عنّي». ولم يكتب شيئاً.
النص الثالث(2): بسنده عن جابر انّ النبي (صلى الله عليه وآله) دعا بصحيفة أراد أن يكتب فيها كتاباً لاُمته، فكان في البيت لغط، فرفضها.
النص الرابع(3): بسنده عن ابن عباس قال: توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم الإثنين، فترك بقية يومه ومن الغد ودفن ليلاً، فتكلم عمر فقال: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يمت، وإنّما عُرج بروحه كما عُرج بروح موسى بن عمران، والله لا يموت حتى يقطع أيدي رجال وألسنتهم، وتكلّم حتى أزبد شدقاه، فقام العباس فقال: يا قوم إنّ النبي قد مات فادفنوا صاحبكم، فإنّه ليس يعزّ على الله إن كان كما يقولون أن ينحي عنه التراب، فوالله ما مات رسول الله حتى ترك السبيل نهجاً واضحاً، أحلّ الحلال وحرّم الحرام، ونكح وطلّق، وحارب وسالم، والله ما كان راعي غنم يخبط عليها العصاة بمخبطه، ويمد رحوضها بيده بأدأب من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيكم، ولا أتعب....
النص الخامس(4): بسنده عن القاسم بن محمد: لما توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله)... فلما اجتمع الناس على أبي بكر قسّم بينهم قسماً، فبعث إلى عجوز من بني عدي بن
____________
1- المصدر نفسه 1: 562.
2- المصدر نفسه 1: 562.
3- المصدر نفسه 1: 567.
4- المصدر نفسه 1: 580.
النص السادس(1): بسنده عن ابن عباس قال: بلغني أنّ عمر بن الخطاب أراد الخطبة يوم الجمعة، فعجلت الرواح حين صارت الشمس صكّة عُمّي، فلما سكت المؤذنون خطب فقال:... بلغني أنّ الزبير قال: لو قد مات عمر بايعنا علياً، وإنما كانت بيعة أبي بكر فلتة، فكذب والله.
النص السابع(2): بسنده عن ابن شهاب الزهري...: وأتي بأبي بكر المسجد فبايعوه، وسمع العباس وعلي التكبير في المسجد ولم يفرغوا من غسل رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فقال علي: ما هذا؟ فقال العباس: ما رده مثل هذا قط، لهذا ما قلت لك الذي قلت، قال: فخرج علي فقال: يا أبا بكر ألم تر لنا حقاً في هذا الأمر؟ قال: بلى، ولكني خشيت الفتنة، وقد قُلّدت أمراً عظيماً، فقال علي: وقد علمت أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمرك بالصلاة، وإنّك ثاني اثنين في الغار، وكان لنا حق ولم نستشر، والله يغفر لك، وبايعه.
النص الثامن(3): بسنده عن الزهري قال: لما قبض النبي (صلى الله عليه وآله) انحاز الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة، واعتزل علي والزبير وطلحة في بيت فاطمة، وانحاز المهاجرون إلى أبي بكر ومعهم أسيد بن حضير في بني عبد الأشهل، ورسول الله (صلى الله عليه وآله) في بيته لم يفرغ من أمره....
____________
1- المصدر نفسه 1: 581.
2- المصدر نفسه 1: 582.
3- المصدر نفسه 1: 583.
النص العاشر(2): بسنده قال: إن أبا بكر أرسل إلى علي يريد البيعة، فلم يبايع، فجاء عمر ومعه فتيلة، فتلقته فاطمة على الباب، فقالت فاطمة: «يا ابن الخطاب أتراك محرقاً عليّ بابي؟» قال: نعم، وذلك أقوى فيما جاء به أبوك، وجاء علي فبايع؛ وقال: «كنت عزمت أن لا أخرح من منـزلي حتى أجمع القرآن».
النص الحادي عشر(3): بسنده عن عائشة قالت: لم يبايع علي أبا بكر حتى ماتت فاطمة بعد ستة أشهر، فلمّا ماتت ضرع إلى صلح أبي بكر.
النص الثاني عشر(4): بسنده عن ابن عباس قال: بعث أبو بكر عمر بن الخطاب إلى علي (رضي الله عنهم) حين قعد عن بيعته وقال: إئتني به بأعنف العنف، فلما أتاه جرى بينهما كلام، فقال: أحلب حلباً لك شطره، والله ما حرصك على إمارته اليوم إلا ليؤثرك غداً.
النص الثالث عشر(5): بسنده عن أبي عون قال: لما ارتدت العرب مشى عثمان إلى علي فقال: يابن عم إنّه لا يخرج أحد إلى هذا العدو وأنت لم
____________
1- المصدر نفسه 1: 583.
2- المصدر نفسه 1: 586.
3- المصدر نفسه 1: 586.
4- المصدر نفسه 1: 587.
5- المصدر نفسه 1: 587.
النص الرابع عشر(1): بسنده عن محمد بن المنكدر قال: جاء أبو سفيان إلى علي فقال: أترضون أن يلي أمركم ابن أبي قحافة؟ أما والله لئن شئتم لأملأنّها عليه خيلاً ورجلاً، فقال: لست أشاء ذلك.
النص الخامس عشر(2): بسنده قال: إن أبا سفيان جاء إلى علي (عليه السلام) فقال: ياعلي بايعتم رجلاً من أذلّ قبيلة من قريش، أما والله لئن شئت لأضرمنّها عليه من أقطارها، ولأملأنّها عليه خيلاً ورجالاً، فقال له علي: «إنّك طال ما غششت الله ورسوله والإسلام فلم ينقصه ذلك شيئاً».
النص السادس عشر(3):، بسنده عن أبي هريرة قال: إنّ أبا سفيان كان حين قبض النبي (صلى الله عليه وآله) غائباً، بعث به مصدقاً، فلما بلغته وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) قال: من قام بالأمر بعده؟ قيل: أبو بكر، قال: أبو الفصيل؟ إنّي لأرى فتقاً لا يرتقه إلا الدم.
النص السابع عشر(4): بسنده عن الزهري قال: خطب أبو بكر حين بويع واستخلف فقال:... ألا وإنّي قد وليتكم ولست بخيركم، ألا وقد كانت بيعتي فلتة وذلك إنّي خشيت فتنة....
النص الثامن عشر(5): بسنده عن أبي عمرو الجوني قال: قال سلمان الفارسي
____________
1- المصدر نفسه 1: 588.
2- المصدر نفسه 1: 588.
3- المصدر نفسه 1: 589.
4- المصدر نفسه 1: 590.
5- المصدر نفسه 1: 590.
هذه جملة مقتطفات مما رواه البلاذري في كتاب أنساب الأشراف، وفيها من التهافت في الروايات ما يلفت النظر، لكن الذي لا شك فيه هو ما ساقه بإسناده، وساعد عليه الاعتماد والاشتهار نحو ما يلي:
1 _ أمر النبي (صلى الله عليه وآله) ببعث أسامة، وجعل فيه أبا بكر وعمر ووجوهاً من المهاجرين والأنصار، وقد تخلفوا جميعاً فخالفوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) حيث كان يقول: نفذوا جيش أسامة، وقد قال الله تعالى: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّـلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أمْرِهِ أنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ}(2).
بل روى الشهرستاني في الملل والنحل(3)، والعضد الإيجي كما في شرح المواقف للشريف الجرجاني(4)، قوله (صلى الله عليه وآله): «جهزوا جيش أسامة لعن الله من تخلّف عنه».
2 _ أراد (صلى الله عليه وآله) أن يكتب كتاباً لأمته لا يضلون بعده، فقالوا: أتراه يهجر، ولغطوا فغمّ ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأضجره، فطردهم وقال: «إليكم عنّي».
3 _ تصنّع عمر في بلبلة الموقف حتى يأتي أبا بكر، وكان غائباً بالسنح، فقال: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يمت، وردّ العباس على ذلك.
____________
1- كلام فارسي يكتب باللغة العصرية (كرديد ونه كرديد) وتلفظ الألف (كرداد) بالإمالة، وذكر هذا الكلام الفارسي أيضاً الجاحظ في الرسالة العثمانية (هامش المصدر).
2- النور: 63.
3- الملل والنحل 1: 23.
4- شرح المواقف للجرجاني 8: 408.
5 _ إنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة باعتراف نفسه، واعتراف عمر أيضاً بذلك، ومثل ذلك ما قاله الزبير بن العوام في اُخريات عهد عمر، وهذا يعني أنّ المسلمين حتى ذلك اليوم لم يكونوا جميعاً يرون صحة خلافة أبي بكر ولا شرعيتها، وإنّما هي فلتة، وقد سماها أحمد أمين (غلطة)(1).
6 _ إنّ العباس حاول مبايعة الإمام قبل أن يتم أمر السقيفة، إلا أنّ الإمام (عليه السلام) رفض ذلك العرض لاشتغاله بتجهيز النبي (صلى الله عليه وآله).
7 _ إنّ أبا بكر أرسل عمر لإحضار الإمام ليبايعه وأن يجيئ به بأعنف العنف، وانّ عمر جاء بفتيلة فتلقته فاطمة (عليها السلام)، وقالت له: «يابن الخطاب أتراك محرقاً عليّ بابي؟»، قال: نعم، وذاك أقوى فيما جاء به أبوك، فكان هذا منه بمنتهى الفظاظة والعنجهية.
8 _ إنّ علياً لم يبايع أبا بكر إلا بعد موت فاطمة (عليها السلام) وذلك بعد ستة أشهر، فضرع للبيعة.
9 _ وإنّه لم يضرع لو لم ير الردة قد تفشت في العرب، ولم يخرج أحد إلى العدو ما دام هو لم يبايع، وكلّمه عثمان في ذلك، ومع ذلك فقد روى أنّه بايع أول يوم، وله كلام دل على قناعته بأولوية أبي بكر مما نسجه الأفّاكون؟!
10 _ وإنّ أبا سفيان أعلن سخطه على تولي أبي بكر الخلافة، وأعجب كيف لم يراعي له حقاً وجميلاً سابقاً له عليه، وذلك فيما رواه البلاذري(2) قال: كان
____________
1- يوم الإسلام: 53، قال: ولذلك قال عمر: إنّها غلطة وقى الله المسلمين شرّها. وكذلك كانت غلطة بيعة أبي بكر لعمر.
2- أنساب الأشراف 1: 488.
أقول: وليتني أدري ماذا كان يقول أبو بكر في نفسه حين يأمر بجلب علي بأعنف العنف، وتهديد عمر باحراق باب فاطمة، أليس ذلك مما اغضبها؟ وهل غضبها دون غضب الصحابة الثلاث؟ أوليس صح قوله (صلى الله عليه وآله): «فاطمة بضعة منّي، فمن أغضبها فقد أغضبني، ومن أغضبني فقد أغضب الله».
النص التاسع عشر: قال أيضاً البلاذري في فتوح البلدان(1):
(فدك) قالوا بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى أهل فدك منصرفه من خيبر، محيصة بن مسعود الأنصاري يدعوهم إلى الإسلام، ورئيسهم رجل منهم يقال له يوشع بن نون اليهودي، فصالحوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) على نصف الأرض بتربتها، فقبل ذلك منهم، فكان نصف فدك خالصاً لرسول الله (صلى الله عليه وآله) لأنه لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، وكان يصرف ما يأتيه منها إلى أبناء السبيل.
النص العشرون: في فتوح البلدان(2) قال: وحدثنا عبد الله بن ميمون المكتب، قال: أخبرنا الفضيل بن عياض، عن مالك بن جعونة، عن أبيه قال: قالت فاطمة لأبي بكر: انّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) جعل لي فدك فأعطني إيّاها، وشهد لها علي بن أبي طالب فسألها شاهداً آخر فشهدت لها أم أيمن، فقال: قد علمت يا بنت رسول الله انّه لا تجوز إلاّ شهادة رجلين أو رجل وامرأتين، فانصرفت.
____________
1- فتوح البلدان: 36.
2- المصدر نفسه: 38.
النص الثاني والعشرون: في فتوح البلدان(2) بسنده عن الكلبي انّ بني أمية اصطفوا فدك، وغيّروا سنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيها، فلما ولي عمر بن عبد العزيز ردّها إلى ما كانت عليه.
النص الثالث والعشرون: في فتوح البلدان(3) بسنده عن أبي برقان انّ عمر بن عبد العزيز لما ولى الخلافة خطب فقال: انّ فدك كانت ممّا أفاء الله على رسوله، ولم يوجف المسلمون عليها بخيل ولا ركاب، فسألته فاطمة رحمها الله تعالى فقال: ما كان لكِ أن تسأليني، وما كان لي أن أعطيك، فكان يضع ما يأتيه منها في أبناء السبيل.
ثم ولي أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، فوضعوا ذلك بحيث وضعه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ثم ولي معاوية فقطعها مروان بن الحكم، فوهبها مروان لأبي ولعبد الملك، فصارت لي وللوليد وسليمان، فلما ولي الوليد سألته حصته منها فوهبها لي، وسألت سليمان حصته فوهبها لي، فاستجمعتها، وما كان لي من مال أحب إليَّ منها، فاشهدوا أنّي قد رددتها إلى ما كانت عليه.
____________
1- المصدر نفسه: 38.
2- المصدر نفسه: 37.
3- المصدر نفسه: 39.
وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أعطى فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فدك، وتصدّق بها عليها، وكان ذلك أمراً ظاهراً معروفاً لا اختلاف فيه بين آل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولم تزل تدعي منه ما هو أولى به من صدّق عليه، فرأى أمير المؤمنين أن يردّها إلى ورثتها، ويسلمها إليهم تقرّباً إلى الله تعالى بإقامة حقه وعدله، وإلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بتنفيذ أمره وصدقته.
فأمر باثبات ذلك في دواوينه والكتاب إلى عمّاله، فلأن كان ينادى في كل موسم بعد أن قبض الله نبيه (صلى الله عليه وآله) أن يذكر كل من كانت له صدقة أو هبة أو عدة ذلك فيقبل قوله وينفذ عدته، انّ فاطمة (رضي الله عنها) لأولى بأن يصدّق قولها فيما جعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) لها.
وقد كتب أمير المؤمنين إلى المبارك الطبري مولى أمير المؤمنين يأمره برد فدك على ورثة فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) بحدودها وجميع حقوقها المنسوبة إليها، وما فيها من الرقيق والغلاّت وغير ذلك، وتسليمها إلى محمد بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ومحمد بن عبد الله بن الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، لتولية أمير المؤمنين إياها القيام بها لأهلها.
فاعلم ذلك من رأي أمير المؤمنين، وما ألهمه الله من طاعته ووفقه له من التقرب إليه وإلى رسوله (صلى الله عليه وآله)، وأعلمه مَن قبلك وعامل محمد بن يحيى، ومحمد بن
وكتب يوم الأربعاء لليلتين خلتا من ذي القعدة سنة 210.
فلما استخلف المتوكل على الله... أمر بردها إلى ما كانت عليه قبل المأمون.
ما ذكره الطبري:
الثالث عشر: محمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ)، فماذا عنده في تاريخه من نصوص؟ مما رواه في أحداث السنة الحادية عشرة من الهجرة، وهي السنة التي توفي فيها رسول الله (صلى الله عليه وآله)؛ مما يعنينا نقله، ولمّا كان جملة مما راه ينتهي بإسناده إلى محمد بن إسحاق، فسوف لا نذكره جميعه لأنّه سبق لنا أن ذكرنا عن ابن إسحاق ما أردناه، فلسنا بحاجة إلى الإعادة، لكن نذكر الآن نصوصاً في ثلاث روايات ساقها الطبري بأسانيد متحدة عن ابن إسحاق، فقال: حدّثنا ابن حميد، قال: حدّثنا سلمة عن ابن إسحاق.
النص الأوّل: روى الطبري في تاريخه(1)، بسنده عن ابن إسحاق، عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مليكة، قال: لما كان يوم الإثنين خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) عاصباً رأسه إلى الصبح، وأبو بكر يصلي بالناس، فلما خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) تفرّج الناس فعرف أبو بكر أنّ الناس لم يفعلوا ذلك إلا لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، فنكص عن مصلاه، فدفع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ظهره، وقال: صل بالناس، وجلس رسول الله إلى جنبه، فصلى قاعداً عن يمين أبي بكر، فلما فرغ من الصلاة أقبل على الناس وكلمهم رافعاً صوته، حتى خرج صوته من باب المسجد يقول: «يا أيها الناس سُعّرت النار، وأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، وإنّي والله لا تمسكون عليّ شيئاً، إني لم أحلّ إلا ما أحلّ لكم القرآن، ولم أحرّم عليكم إلا ما حرّم عليكم القرآن».
____________
1- تاريخ الطبري 3: 198.
النص الثاني: رواه الطبري في تاريخه(1)، بسنده السابق عن ابن إسحاق، عن يعقوب بن عتبة، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: رجع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ذلك اليوم حين دخل المسجد، فاضطجع في حجري، فدخل علي رجل من آل أبي بكر في يده سواك أخضر، قالت: فنظر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى يده نظراً عرفت أنّه يريده، فأخذته فمضغته حتى ألنته، ثم أعطيته إياه، قالت: فاستن به كأشدّ ما رأيته يستنّ بسواك قبله، ثم وضعه، ووجدت رسول الله يثقل في حجري، قالت: فذهبت أنظر في وجهه، فإذا نظره قد شخص وهو يقول: «بل الرفيق الأعلى من الجنة»، قالت: قلت: خُيّرت فاخترت والذي بعثك بالحق، قالت: وقبض رسول الله (صلى الله عليه وآله).
النص الثالث: رواه الطبري في تاريخه(2)، بسنده السابق عن ابن إسحاق، عن يحيى بن عباد بن الزبير، عن أبيه عباد، قال: سمعت عائشة تقول: مات رسول الله (صلى الله عليه وآله) بين سحري ونحري وفي دوري، ولم أظلم فيه أحداً، فمن سفهي وحداثة سني أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قبض وهو في حجري، ثم وضعت رأسه على وسادة، وقمت ألتدمُ مع النساء وأضرب وجهي.
هذه ثلاث روايات رواها الطبري بإسناده عن ابن إسحاق، ورجال إسناده كما يلي:
1 _ محمد _ ابن حميد _ ابن حيان التميمي الرازي (ت 248 هـ)، قال ابن أبي شيبة: كثير المناكير، وقال البخاري: في حديثه نظر، وقال صالح بن محمد
____________
1- المصدر نفسه 3: 199.
2- تاريخ الطبري 3: 199.
2 _ سلمة هو ابن الفضل الأبرش الأنصاري (توفي بعد سنة 190هـ)، قال البخاري: عنده مناكير، وقال ابن عدي: عنده غرائب وإفراد، وعن أبي زرعة: كان أهل الري لا يرغبون فيه لمعانٍ فيه من سوء رأيه وظلم فيه...، إلى غير ذلك من تجريح ذكره ابن حجر في تهذيب التهذيب(2).
3 _ محمد بن إسحاق صاحب السيرة (ت 150 هـ)، كان مؤرّخ دولة، وطعنه مالك بقوله: دجّال الدجاجلة، وقال أحمد بن حنبل: كان ابن إسحاق يدلّس، وكذّبه سليمان التميمي، ويحيى القطان، ووهيب بن خالد. وقد مرّت ترجمته فيما سبق.
وحسبنا بيان حالهم، فهو يغنينا عن النظر في حال باقي رجال الإسناد في الروايات الثلاث، مع الغض عما في متونها من احتجان الساعات الأخيرة من الحياة النبوية، وجعلها قصراً على أبي بكر وآل أبي بكر، وبالطبع تكون عائشة هي سيدة الموقف فيما روته، لولا أنّ سفهها وحداثة سنّها غلبا عليها- كما قالت هي عن نفسها ومرّ ذلك في ثالث الروايات- فظن خيراً ولا تسل عن الخبر، هذا هو النص الذي تضمن حضور آل أبي بكر، وتغييب بني هاشم وباقي الأزواج، مما يحملنا على الريبة في صحته.
النص الرابع: قال أبو جعفر(3) بسنده عن الثالوث المتقدم ذكره: ابن حميد عن
____________
1- تهذيب التهذيب 9: 128 _ 131.
2- المصدر نفسه 4: 153 _ 154.
3- تاريخ الطبري 3: 200.
وهذا نص له خطره في تقييم الصحابة، فإنّ عمر رمى أناساً بالنفاق لأنّهم زعموا أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد مات، وإذا رجعنا إلى تاريخ الطبري نستقريه عن أولئكم الذين رماهم عمر بالنفاق؛ لأنّهم زعموا موت النبي (صلى الله عليه وآله) ، نجد أهل البيت جميعاً قالوا بذلك، وجميع أمهات المؤمنين اللاتي كنّ يلتدمن ويضربن وجوههنّ بما فيهنّ عائشة التي قالت: فمن سفهي وحداثة سنّي أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قبض وهو في حجري.
بل وكل الصحابة رجالاً ونساءاً، مهاجرين وأنصاراً إلاّ عمر، فهل يرضى العمريون بذلك؟ أو أنّها كانت منه حبكة وحنكة ليبلغ بها حاجة في نفسه، واعتذر له العمريون عنها بأنّها من الذهول من شدة الصدمة، وقال غيرهم: إنّها بلبلة واستغفال لعقول الناس، وقد بلغ بها ما أراد، ويكشف عن أنّها تضليل وتهويل ما يأتي في النص الخامس.
النص الخامس: رواه الطبري(1) عن ابن حميد، عن جرير، عن مغيرة، عن أبي معشر زياد بن كليب، عن أبي أيوب، عن إبراهيم قال: لما قبض النبي (صلى الله عليه وآله) كان أبو بكر غائباً فجاء بعد ثلاث، ولم يجترئ أحد أن يكشف عن وجهه، حتى اربدّ بطنه، فكشف عن وجهه وقبّل بين عينيه، ثم قال: بأبي أنت وأمي طبت حياً وطبت ميّتاً.
____________
1- المصدر نفسه 3: 201.
فاجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة ليبايعوا سعد بن عبادة، فبلغ ذلك أبا بكر، فأتاهم ومعه عمر وأبو عبيدة بن الجرّاح، فقال: ما هذا؟ فقالوا: منّا أمير ومنكم أمير، فقال أبو بكر: منّا الأمراء ومنكم الوزراء، ثم قال أبو بكر: إنّي قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين: عمر أو أبا عبيدة، إنّ النبي (صلى الله عليه وآله) جاءه قوم فقالوا: إبعث معنا أميناً، فقال: لأبعثنّ معكم أميناً حق أمين، فبعث معهم أبا عبيدة بن الجرّاح، وأنا أرضى لكم أبا عبيدة، فقام عمر فقال: أيكم تطيب نفسه أن يخلف قدمين قدمهما النبي (صلى الله عليه وآله) ، فبايعه عمر وبايعه الناس، فقالت الأنصار _ أو بعض الأنصار _: لا نبايع إلا علياً، انتهى.
فهذا النص فيه حقائق وفيه أباطيل، ضغث من هذا وضغث من هذا، ولا نطيل الوقوف عنده سوى تنبيه القارئ النبيه على قراءته بتدبر وإمعان لما فيه من علائم الاستفهام:
1 _ لماذا جاء أبو بكر بعد ثلاث؟ وهو بالسُنح في عوالي المدينة، وخبر موت النبي (صلى الله عليه وآله) شاع وذاع حتى غصت المدينة بمن جاءها مسرعين مهطعين، وصارت شبيهاً بالقيامة، ويضرب بها المثل في ذلك اليوم، وليس بينه وبين المدينة مسافة بعيدة، إنّما هي ساعة للراكب وساعتين للراجل.
2 _ ما معنى قول الراوي: لم يجترئ أحد أن يكشف عن وجهه _ النبي (صلى الله عليه وآله) _؟ أكان ذلك احتراماً له، فجاء أبو بكر فاخترق ذلك الإحترام؟ أم كان هناك رقيب
____________
1- آل عمران: 144.
3 _ ما معنى كلام أبي بكر: ومن كان يعبد محمداً فإنّ محمداً قد مات؟ فهل كان هنالك من يعبد محمداً حتى يقول له ذلك؟ أو هو تعريض بعمر الذي قال أنّه لم يمت، وتوعد بالقتل لمن قال أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) قد مات.
4 _ ثم ما بال أبي بكر يساوم الأنصار على الخلافة، فيقاسمهم وكأنّه يمتلك ناصية الأمر من قبل المهاجرين فيقول: منّا الأمراء ومنكم الوزراء؟ وهل كان ذلك من حقه؟ وقد مر في مثلثاته ما ينافي هذا العرض.
5 _ ما باله يرشح عمر وأبا عبيدة للأمر، ثم هو يؤكد على أمانة أبي عبيدة من دون أي مناسبة تستدعي ذلك الإجراء، أفهل كان أقرب إلى قلبه من عمر؟
6 _ ثم ما بال عمر يبادر إلى مبايعة أبي بكر؟ فهل أحسّ من إطرائه لأبي عبيدة مماكرة زيادة على الترشيح، فخشي أن يبايع له فماكر هو أيضاً.
7 _ لماذا قال الأنصار أو بعض الأنصار: لا نبايع إلاّ علياً؟ فهل كان ذلك مجرد طرح أو ترشيح منهم، أو أنهم قالوا للنص عليه وهو يستدعي ذلك القول منهم؟ ولو شهد علي اجتماع السقيفة لأخذت الأمور اتجاهاً آخر غير ما سارت عليه. إلى غير ذلك من فجوات في الخبر تثير علامات استفهام تستدعي الجواب عليها.
النص السادس: رواه الطبري(1) عن ابن حميد، عن جرير، عن مغيرة، عن زياد بن كليب قال: أتى عمر بن الخطاب منـزل علي وفيه طلحة والزبير ورجال من
____________
1- تاريخ الطبري 3: 202.