لغة شعره
بناء اللغة
إنَّ فن الأدب يختلف عن الفنون الأخرى،لأنّه يرتكز على اللغة، فاللغة المكوِّن الاساس الذي يمنح الشعر سر شاعريته المصورة للمعاني المختلجة في النفس الانسانية، فهي بحق لغة الانفعال المضيئة لمعنى يستحضر الشاعر فيه ماضي ذكرياته، أو واقع حاضره، أو كيان وجوده فيضفي عليها اصداءً أو اظلالا من الايحاءات تختلف باختلاف نفسيته في التعبير عنها باللغة المتكونة من الفاظ وتراكيب، وايقاع المتمثل بالوزن والقافية، والصور المتشكلة بالوانها المتباينة، فتتيح مجالا رحبا في التأويل المتعدد المداليل.
وتنتظم هذه المكونات في قالب بنائي محدد يختبيء وراءه جمال ابداع العمل الشعري بلغة فنية حيَّة مشعة بالدلالة، تتحقق فيه قيمة تعبيرية من انتظام التعبير اللفظي مع موسيقى النغم، والصورة المعنوية، لأنَّ غاية الشاعر اثارت عواطف المتلقي بتقنيات التعبير الدقيقة، وصدق الاحساس العميق، لنقله اليه.
فلغة الشعر بناء حي متكامل تتفجر فيه طاقات ايحائية متمثلة بمقومات القصيدة التي هي «مجموعة علاقات شكلية ومضمونية مترابطة لغة وجرسا ودلالة وايقاعا وصورة، تؤلف بنائها الفني المتمثل، من خلال نماذجها وامثلتها الشعرية المتوفرة لدينا، وفي نمط موسيقاها الشعرية ذات القافية الموحدة والوزن الواحد وفي تعدد اغراضها او تفردها بغرض واحد»
(1) ، فمن هذه المكونات التعبيرية جميعها يتكون البناء الفني المتكامل للقصيدة، بيد أن هذه العناصر، أو المكونات تبقى خاضعة لطبيعة الشاعر ومنها: روافده الثقافية، وهي الثمرة المتمخضة عن اطلاعه وتدريبه على نماذج شعرية لشعراء سابقين له؛ ليثري لغته بما استثمره من نتاجهم، وليكشف ذاته واصالته في اعماله الشعرية الابداعية التي يحاكي فيها تجاربه الحياتية؛ لأن الموهبة الشعرية وحدها لا تكفي، فتبقى لغته قاصرة عن اداء وظيفتها التعبيرية ما لم يصقلها باغنائها بالروافد الثقافية.وللبيئة اثرها في طبع الشاعر، فرقة الفاظ الشاعر الحضري وسهولتها ورشاقتها، تباين جفاف الفاظ الشاعر البدوي وخشونتها وغريبها، وقد يسهل لفظ شعر الشاعر،ويخشن اللفظ شعر شاعر اخر تبعا لاختلاف الطبع وتركيب الخُلق(
2)، وتبقى التجربة الشعورية الطابع الذي يصوره الشاعر، وهو يسكب عواطفه واحساسيه ومشاعره جاهدا في نقل خواطره التي تتدافع في نفسه عبر لغته الى المتلقي(3)، فالثقافة والبيئة والتجربة الشعرية تؤثر في لغة أي شاعر.وبما أنَّ اللغة الشعرية لغة انفعالية، فقد تتباين الانفعالات فيها بحسب التجربة الشعرية، ولهذا انمازت لغة الشعر بالمرونة والحيوية والتجديد تبعا لنوع الانفعال(
4) من حب وبغض، وحزن واسف، وفرح واعجاب، وخوف وقلق، وقوة وشدة إلى غير ذلك، فتخرج بصورة ترانيم ملحنة، لتكتمل بمقوماتها الصوتية اداء انفعال الشاعر الوجداني بلغة موسيقية زاخرة بالنغم مترابطة الاحكام مع انفعالاته، ومتسعة لخياله، لتغدو لغته لغة تصويرية تتشكل فيها وسائل الصورة بألوانها المختلفة، ولهذا كله استوعبت لغة الشعر عناصرها واجزاءها من الفاظ وصياغة، وايقاع، وصور بوصفها بناءً متكاملاً لا يمكن فصل عراه إلى اوصال، بيد أن طبيعة تقنيات البحث في تحديد مداليلها، وايضاح مفاهيمها تتطلب دراسة الوحدات بشكل منفصل في ثلاثة فصول.الألفاظ :
الألفاظ؛ هي احدى الدعائم الاساس لبنية القصيدة، واحدى ادوات الشاعر التي يستعملها، ليخلق نصا ادبيا معبرا عن تجربته الشعرية، ينقلها الى المتلقي سواء أكان المتلقي مستمعا ام قارئا ام ناقدا، ولهذا كان على الشاعر ان يعنى بالفاظه في نسيجه الشعري، مما يحفزه للجنوح الى رصانة الاسلوب، وانتخاب الألفاظ التي يتحرى فيها الوضوح في تأدية المعنى المقصود، والدقة في التعبير المشحون بانفعالاته المتباينة بحسب فن القول المطروق ليزود الالفاظ بطاقات ايحائية ومداليل مجازية اضافية، فتصبح مشعة بالتأثير والحيوية، فيخلق الشاعر عملا فنيا متساوقا مع تجربته الآنية، على ان هذه الالفاظ ضمن سياقاتها تحمل في الوقت نفسه مداليل معجمية.
والشاعر ينساب وراء الفاظه ليصوغها في تراكيب لغوية تبدأ من مرحلة انتقاء الالفاظ التي تدور في مخيلته ثم وصفها في عبارات الى ان تتكامل في جمل وانساق، ومما لا شك فيه ان الالفاظ تثمر دلالاتها من الواقع، فهي تعبير عن واقع الحياة اكتسبت قيمتها الدلالية من تشخيص طبيعة الواقع على نحو متميز في قالب شعري فني ذي بناء ايقاعي شكَّل سر جمال جوهر هذا البناء الشعري بعد ان طبعت بطابع احاسيس الشاعر ومشاعره وعواطفه وافكاره.
والسمة الغالبة في ألفاظ نسيج شعر أبي طالب قبل الإسلام وبعده الوضوح الذي ينأى عن الحوشي في قول الشعر وغريبه، ذلك بأن بيئة الشاعر لها اثرها في لغته، فأبو طالب عاش في مدينة حضرية تميل إلى استعمال الالفاظ السهلة المألوفة والمأنوسة إلى أذن السامع، والبعيدة عن الحوشي من الكلام، والغريب من الالفاظ، فلغتها لينة سهلة
(5)، وإن الطابع الغالب على شعر أبي طالب متسم باسلوب عصره، فطبعت الفاظه بطابع واقع الحياة المكية قبل الإسلام وفي بواكيره، فمثلت توكيدا لهذا الواقع وصورة صادقة له، مستظلة بمظلة خيال الشاعر ونبض روحه ومشاعره وصدقهما في التصوير.إن من العوامل التي جعلت شعر أبي طالب يحمل المزيتين: البساطة والوضوح، إنه عبارة عن رسائل موجهة إلى اولاده واخوته وابناء عمومته وعشيرته وقومه من زعماء قريش، لتأييد الدعوة الإسلامية ونصرة صاحبها، يتخللها النصح والتوجيه والوصية في الثبات على العقيدة واتباع المصطفى (صلى الله عليه وآله) تارة، والعتاب والتهديد والوعيد والهجاء للذين يعلنون عداءهم له ولرسول الله (صلى الله عليه وآله) وينأون عن تأييده ونصرته تارة اخرى، وهي تحمل اسلوبا واضحا، ليسري تأثيرها في نفوس رجال المجتمع المكي للانضواء تحت راية الإسلام؛ وليتوسع مداها، وليتردد ولينتشر في ارجاء الجزيرة العربية وخارجها، فهذه السهولة في استعمال الالفاظ فرضتها طبيعة المرحلة التي يحياها الشاعر في الحقبة الزمنية التي واكبت الإسلام، على اننا لا
نعدم من أن نجد في بعض الابيات لحظات تأملية انقاد لها الشاعر من دون تخطيط سابق لها.ونلحظ سمة البساطة والوضوح في شعر أبي طالب قبل الإسلام في حديث القسامة في الطلب بدم عمرو بن علقمة بن عبد المطلب بن عبد مناف حين ضربه خداش بن عبد الله بن أبي قيس بعصا فقتلته، ثم جحد، فلم يعرفوا من قتله وطالت المطالبة بدمه، فسألوا أبا طالب الفصل في الحكم(
6)، فقال:{من الطويل}
أفي فضلِ حَبْلٍ لا أباكَ ضَرَبْتَهُ قتلتَ الفتى، أوتُوضِحنَّ بحجَّةٍ حكمتُ عليكم فيهِ خمسينَ حلفَةً فيحلف قوم يطلبونَ بمثلها |
|
بِمنسَأةٍ قد جاءَ حَبْلٌ وأحبُلُ فبيَّنَ لنا ما كان إن كنتَ تعقلُ تُبَرَّئكم منه وأنت مرملُ فيؤخذُ بالدَّم الذي لا يُطلَّلُ( 7) |
إنَّ النزعة الخطابية المباشرة في الحوار الذي دار بين أبي طالب وخداش جعلت أبا طالب يسلك مسلك الطلب متوسلا باساليبه وهي الاستفهام والدعاء والامر بالفاظ واضحة لا تحتاج من المتلقي اجالة فكر، أو تأمل متأنٍ؛ لكشف دلالتها.
ومن ملامح بساطة الالفاظ وسهولتها في شعر أبي طالب في الإسلام، قوله معاتبا أخاه أبا لهب عن حديث له قد اعانه عليه رجال من قومه، يفصح عن عداوتهم له:
{من الوافر}
حديثٌ عن أبي لهبٍ أتانا بَغوهُ بذاكَ بعضَ القولِ حتّى وقد لَهِجَ العَدوُّ بنا فقالوا معاشر منهم ـ كانوا قديماً |
|
وأكْنَفَه على ذاكُم رجالُ تجَلَّلَنا بلُؤمِهم جِلالُ وقد كُنّا وليس لهم مَقالُ لئاماً ـ في تَوَسُّعهم قُلالُ(8) |
إنَّ الالفاظ (حديث، القول،لؤمهم، لهج، قالوا، مقال) المستعملة في وصف الحديث في النص الذي وردت فيه، أُستعملت بدلالات لغوية ذات سمة تقريرية مباشرة تنأى عن الايحاء الذي يثري اللغة الشعرية بالجمال، ويبدو ان صيغة حديث العتاب رتبت على الشاعر العزوف عن المحسنات اللفظية لاثراء لغة النص الشعر بالايحاء بيد أن الالفاظ لا تفقد تأثيرها في السامع المُعاتَب، وهي تكشف عن انفعال الشاعر المُعاتِب تجاه اولئك اللئام الذين اعانوا أخاه في ازدياد أوار العدواة بينهما.
وقد تحل محل سمة الوصف بالألفاظ التقريرية المباشرة مزية أُخرى تتعلق بالتعبير عن احاسيس الشاعر الموحية من السياق، فتصور احواله النفسية في التعبير الصادق عن مشاعره ولا سيما في لحظات الحزن الشديد، وفيها يكون الشاعر أشد صدقا مع ذاته، وهو يردد الحسرات على فراق رسول الله(صلى الله عليه وآله) فقال:
{من الكامل}
آهاً أُرَدِّدُ حَسرَةً لِفراقِهِ أَترى أراهُ وَاللِواءُ أَمامَهُ |
إِذ لم أَراهُ وَقَد تَطاوَلَ باسِقُ وَعَلِيٌّ اِبني لِلِّواءِ مُعانِقُ( 9) |
وإلى جانب التقرير المباشر في ألفاظ شعر أبي طالب يجنح الى الخيال لتقوية الالفاظ واثرائها بجمال الصورة متمسكا بالصدق الفني والواقعي انطلاقا من روح الإسلام، فقال:
{من البسيط}
لا تَيأسَنَّ إذا ما ضقتَ من فرجٍ فما تجرَّع كأس الصبرِ معتصمٌ |
|
يأتي به اللهُ في الروحاتِ والدَّلجِ باللهِ إلا أتاه اللهُ بالفرجِ( 10) |
إنَّ الايمان الصادق بالقيم الإسلامية التي نطقت بها الفاظ شعر أبي طالب جعلتها تدنو إلى الكمال في الأدب، فقلما نجد نصا شعريا متعمقا في النظر في الحياة، يرفع الانسان إلى الرقي فيها متبلورا في حكمة استخلصها الشاعر من تأمل فكره الناضج في الحياة الواقعية التي لها صلة وثيقة بثقافته الدينية ليخرجها بنصيحة متشكلة بالفاظ مختصرة ومركزة لها وشيجة بواقع نفس بني جنسه في الحياة، وذات تأثير في نفوس السامعين، وهو يزاوج بين الالفاظ التقريرية المباشرة والالفاظ الموحية التي أثرت اللغة الشعرية بجمال الصورة.
وبين الألفاظ التقريرية المباشرة والموحية ألفينا في شعر أبي طالب ألفاظاً تحتاج إلى الكشف عن دلالتها في المعجمات، وهذا الامر يعتمد على علم المستمع وثقافته اللغوية، فمما لا ريب فيه ان الألفاظ التي استغلق فهمها من المتلقي تعود الى ان البون الزمني الشاسع بين عصر الشاعر وعصره جعلها تشقُّ على فهمه، على نحو ما نجده في قول أبي طالب في وصف فروسيته، وهو يذب عن رسول الله (صلى الله عليه وآله):
{من المتقارب}
بضَرْبٍ يُذَبِّبُ دونَ النِّهابِ |
حِذَارَ الوَتايرِ وَالخَنفَقيقِ .... دَبيبَ البِكارِ حذارَ الفَنيقِ(11) |
اراد الشاعر بـالنهّاب: جمع «النَّهب: الغنيمة»
(12)، و«الوتاير جمع وتيرة الطريقة من الارض» (13)، و«الخنفقيق... الداهية» (14)، و البكار جمع بكر وهو«الفتي من الإبل»(15)، والفنيق: الفحل المكرم عند أهله(16).ومن قوله مفتخرا
ً:{من الكامل}
وأنا ابنُ بَ جْدتِها وفي صُيّابهاأدعُ الرَّقاحةَ لا أريدُ نماءها |
|
وسليلُ كلِّ مَسوَّدٍ مفضالِ كيما أُفيد رغائبَ الأنفالِ( 17) |
وقصد الشاعر بالصُيّاب: الخيار(
18)، و«الرقاحة: الكسب والتجارة، وترقِيحُ المال اصلاحه والقيام عليه» (19).إن مما يقرب المتلقي الى فهم اللفظة، لجوء الشاعر الى رصفها ضمن غيرها من الألفاظ في السياق؛ ليبين دلالتها من خلال وصفها، فلا يتعثر ذهن المتلقي في المعنى الذي قصده الشاعر على الرغم من انها تندرج ضمن سياقات جديدة كانت جزءا من بناء النص الذي يفصح عن دلالتها.
ومن خلال دراسة خصائص ألفاظ شعر أبي طالب السالفة الذكر يمكن دراستها بشيء من التفصيل؛ لمعرفة ما اسهمت به تجربة الشاعر في ايجاد لغة ملائمة لها تنسجم مع الموضوع الذي هو في صدد الحديث عنه.
ـ الأعلام:
أ
ـ أسماء الرجال:طالعنا شعر أبي طالب بمجموعة كبيرة من أسماء الرجال تلونت بدلالات مختلفة بحسب الموضوع المطروق
(20)، واحتلت اسماء رجال سلالة نسبه واهل بيته، والمقربين الذين تربطهم معه صلة نسب حضورا كبيرا في البناء اللفظي في شعره.فمن الاسماء التي وردت في سلالة نسبه، واهل بيته: قصي وابنه عبد مناف، وعمرو: هاشم بن عبد مناف، وأبو الحارث، شيب
ة : عبد المطلب بن هاشم، والد أبي طالب ، وأخوته، عبد الله والد النبي(صلى الله عليه وآله)، والزبير، والحمزة، والعباس،وأبي عتبة، عبد العُزى: أبي لهب،واولاده طالب وجعفر وعلي(21)، ذكرهم الشاعر في المديح والفخر والرثاء؛ لاثبات قيمة معنوية أو مادية جليلة، ولبيان فضائلهم، وشمائلهم، وخلائلهم، وقد يكون تكرار اسم الفقيد اثارة لشجون الشاعر والسامعين، فيجد الشاعر منفذا في التنفيس عن آلامه بالبكاء وندبه، أو يردد أسماء اشخاص؛ ليوصيهم برسول الله خيرا في حثّهم على مساندته والوقوف بجانبه والذود عنه ، والحض على نصرته، والتجمل بالصبر على الاذى، والعتاب لمن ترك مؤازرته، فذكر اسماء الاشخاص يعني ميل أبي طالب الى تقرير قضايا واقعية ترتبط بها وهذا يفصح عن سمة الوضوح التي اومأنا اليها آنفا.ومن المفيد أن اذكر ان ما ورد من ذكر أسماء سلالة نسب أبي طالب اقترنت بلفظ «سود» ومشتقاتها، ومنها السيادة، ولا غرو في هذا الامر، فقصي الجد الاعلى لأبي طالب هو الذي جمع قريش في مكة وسادها وتولى «الحجابة والسقاية، والرفادة، والندوة، واللواء، فحاز شرف مكة كلِّه»
(22)، ومن ثمَّ توارثها ابناؤه واحفاده من عبد مناف إلى ابنه هاشم ثم عبد المطلب، ثم الزبير، ثم أبي طالب، ولذلك نجد السيادة لا تنفك عن اقترانها بتلك الاسماء حية، أو ميتة في المديح والفخر والرثاء، على نحو ما نجد أبا طالب يرثي أباه ويردد اسمه شيبة تارة، وأبا الحارث تارة أُخرى استمراء في تلفظها بندبه وتأبينه في آن معا، فقال:{من البسيط}
أَبكى العُيونَ وَأَذرى دَمعَها درَراً كانَ الشُجاعَ الجَوادَ الفَردَ سُؤدَدُهُ مَضى أَبو الحَارثِ المَأمولُ نائِلُهُهُوَ الرَّئيسُ الَّذي لا خَلقَ يَقدُمُهُ العامِرُ البَيت بَيت اللَهِ يَملأُهُ |
مُصابُ شَيبَةَ بَيتِ الدِّينِ وَالكَرَمِ لَهُ فَضائِلُ تَعلو سادَةَ الأُمَمِ وَالمُختَشى صَولُهُ في الناسِ وَالنِّقمِ غَداةَ يَحمي عَنِ الأَبطالِ بِالعَلَمِ نوراً فَيَجلو كُسوفَ القَحطِ وَالظُّلَمِ( 23) |
اقترن اسم أبي الحارث: عبد المطلب بتولي المناصب الاد
ارية المهمة في المجتمع المكي، فهو سيدها ورئيسها وحاكمها(24)، والقائم على عمارة بيت الله الحرام وسدانة الكعبة(25)،«وساقي الحجيج» (26)، كانت بيده السقاية فضلا عما حباه الله بكرامة الاستسقاء(27) لوجاهته ومكانته ومنزلته عند ربه.ومن اسماء المقربين التي تربطهم مع الشاعر صلة النسب من طرف امه اخواله، وهم اولاد اعمامها: الوليد بن المغيرة، وأبو عثمان هشام بن المغيرة، وأبوالعاص اياس بن معبد(
28)، وترددت اسماء هذه الشخصيات في سياق الفخر والرثاء في بيان فضائلهم وسجاياهم في شعره المتمثل بمرحلة قبل الإسلام، اما من عاش منهم في الإسلام الوليد بن المغيرة، فخاطبه أبو طالب معاتبا تارة، وهاجيا له تارة اخرى.إنَّ هذا التلوين في القول للشخصية الواحدة المسماة ولا سيما أبو الوليد بمدحه بالفضائل والفخر ثم عتابه، وهجائه يفسره تبدل مواقف هذه الشخصية، فالوليد له مكانة سامقة في المجتمع القريشي في الجاهلية وكان عدل قريش كلها، فاذا كست قريش البيت الحرام كساه وحده(
29)، لكنه في الإسلام كان واحداً من الشخصيات التي ناصبت العداء لرسول الله(صلى الله عليه وآله) واحد المستهزئين الذين آذوه(30)، ومن هنا تغيرت مواقف أبي طالب تجاهه تبعا لمواقف الوليد، فهجاه قائلاً:{من الطويل}
وَليدٌ ابوهُ كان عبداً لجدِّنا |
|
إلى علجَةٍ رزقاءَ جالَ بها السِّحْرُ( 31) |
ومن اسماء المقربين أيضا، ابن خاله: أبو جهل عمرو بن هشام، وابن أخته زهير بن جعدة المخزومي، وابن أخيه أبو أروى: ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، فوردت اسماؤهم في التعزية لاحدهم في موت أبيه، لشد ساعده وعزمه في مصاب الفقيد، أو مديح شكر للشخصية المسماة التي سعت لنقض الصحيفة الجائرة، أو حث الشخصية على نصرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يتغنى بعراقة ارومتها على نحو ما نجده في قوله لابن أخيه:
{من الكامل}
اعلمْ أبا أروى بأنك ماجدٌ |
|
من صُلْبِ شيْبَةَ فانصرنَّ محمَّداً( 32) |
ووردت اسماء رجال تربطهم بالشاعر صفة الصداقة ومنهم : مسافر بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس، وأبو عمارة الوليد بن المغيرة،وأبو قيس بن الأسلت من بني وائل(
33)، وحملت هذه الاسماء دلالات مختلفة منها: ندب الشاعر صديقة وتأبينه، واخذ العزاء في رثائه، أو دعوة صديقه لنصرة رسول الله(صلى الله عليه وآله) والذود عنه، والوقوف إلى جانبه وحمايته، أو ابلاغ صديقه رسالة يمدحه فيها لأسداء معروف قد فعله صديقه في نصح قريش ونهيه عن الحرب، وكف الاذى وتحذيرهم من عصيانهم في قطع صلة الرحم، فيمدح صديقه بالشرف، والكرم، وطيب النسب، على نحو ما نجده في مخاطبة أبي طالب لأبي قيس:{من الطويل}
أبلغْ أبا قيسٍ رسالةَ شاعرٍ محضتَ قريشاً صَفوَ نُصحكَ جاهداً بقطعهم أرحامهم بعد وَصْلها .... ومثل أبي قيس المصفّى من الخنى |
|
عليم بما قد قالَ جمَّ التجاربِ وحذَّرتهم عصيان ربٍّ مُطالبِ وتركهم (....) للعجائبِ .... قَرِيعِ النَّدى وابنِ الكرام الأطائبِ( 34) |
وذكر أبو طالب اعلاما تربطهم به صلة قبلية، فمما يلحظ في غير واحدة من قصائده تتحول ابياتها الى سجل اعلام لشخصيات سَجَّلَ التاريخ مواقفهم من الدعوة الإسلامية فحملت شعار العداء لرسول الله(صلى الله عليه وآله) ولدينه واتباعه، وخلقت الاكاذيب عليه والطعن برسالته، وهم: أُسيد (بن ابي العيص بن أُمية بن عبد شمس بن عبد مناف)،
وبكرة: (عتاب) وخالد بن أسيد، وعثمان (بن عبيد الله التيمي)، وقنفذ (بن عمير بن جدعان بن عمر بن كعب بن سعد بن تيم)، وسبيع (بن خالد)، ونوفل (بن خُويلد بن اسد بن عبد العزى بن قصي)، وأبو عمرو (قُرظة بن عبد عمرو بن نوفل بن عبد مناف، وأُبِيّ (الأخنس بن شريق الثقفي حليف بني زهرة بن كلاب)، و(عتبة بن ربيعة)، وأبو سفيان (بن حرب بن امية)، ومُطْعِم (بن عدي بن نوفل بن عبد مناف)(35).إنَّ ذكر اسماء هذه الشخصيات يجسد حضور افعال اصحابها في ذهن الشاعر بحكم طبيعة الحياة الاجتماعية التي تحتم عليه ان يحتفل بها بوصفها زعامات بطون قريش، أو وجهائها، أو حلفائها في المجتمع المكي، حملت في شعره دلالة العتاب والتودد إليهم؛ لاقناعهم بما فضل الله به نبيه بالرسالة، فكان ترديد اسمائهم وسيلة من أبي طالب يستقطبهم بها إلى صف الايمان، وكف عداوتهم عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) وعنه على نحو قوله :
{من الطويل}
لَعَمري لَقَد أَجرى أُسَيدٌ وَرهطُهُ جَزَت رَحِمٌ عَنّا أُسَيداً وَخالِداً وَعُثمانُ لَم يَربَع عَلَينا وَقُنفُذٌ أَطاعا بنا الغاوينَ في كلِّ وجهةٍ كَما قَد لَهِبنا مِن سُبَيعٍ وَنَوفَلٍ فَإِن يُقْتلا أَو يُمكِن الل ه مِنهُماوَذاكَ أَبو عَمرٍو أَبى غَيرَ مُغضبٍ يُناجى بِنا في كُلِّ مَمسىً وَمُصبحٍ وَيُقسِمُنا بِاللَهِ ما إِن يَغُشَّنا |
إِلى بُغضِنا وَجَزَّاً بأكلَ ة آكِلِجَزاءَ مُسيءٍ لا يُؤَخَّرُ عاجِلِ وَلَكِن أَطاعا أَمرَ تِلكَ القَبائِلِ وَلَم يَرقُبا فينا مَقالَةَ قائِلِ وَكُلٌّ تَوَلّى مُعرِضاً لَم يُمايِلِ نَكِل لَهُما صاعاً بِكيلِ المكايِلِ لِيُظعننا في أَهلِ شاءٍ وَجامِلِ فَناجِ أَبا عَمرٍو بِنا ثُمَّ خامِلِ
بَلى قَد نَراهُ جَهرَةً غَيرَ خاتلِ(36) |
اقترنت بعض أسماء الشخصيات المذكورة آنفا بموضوع التعريض؛ لاصرارهم على عداوتهم وبغضهم لرسول الله(صلى الله عليه وآله) وعمه ومن حاماه من عشيرته، فراح أبو طالب يتوعدهم ويحذرهم، فهجاهم بوسائل مختلفة منها: التصغير، والتحقير،والتعريض بعدم نقاء النسب، والنعت بالعداوة والضغن، والضعة والحمق، وقلة الحلم والعقل، والدعاء عليهم بسوء العاقبة، ونفي عنهم القيم والفضائل والخلال والشمائل الجليلة التي يتحلى بها العربي الأصيل، وما يلحظ ان هذه الاسماء وردت
ـ في بعض الاحايين ـ بكنية المهجو، أو الاسم منسوب إلى أبيه، وهذا دليل على قرب مكانة المهجو من الشاعر، وعمق الرابطة التي تربط أبي طالب بالمهجو.وبخلاف المعارضين لدعوة رسول الله في مكة، برز اسم ملك الحبشة النجاشي
(37) المؤيِّد للدعوة خارج مكة، فحمل اسمه دلالة المدح في الاشادة بحسن معروفه في اجارة المسلمين الفارين من ظلم مشركي قريش وجورهم، فقال أبو طالب:{من الطويل}
جوارَ النجاشيِّ الذي ليس مثلَهُ |
|
مليكٌ مجيرٌ للضعِّافِ الأراملِ( 38) |
ونظفر ببعض الأسماء التاريخية كأسماء الانبياء: إبراهيم، وموسى، والمسيح ابن مريم، وذي النون، أو اسماء اقوام النبيين: عاد وثمود البائدة، او معجزة ناقة صالح، وهي اسماء ارتبطت بعقيدة توحيد الشاعر، واسم حرب داحس ارتبط ذكره بالتاريخ، وحرب أبي يكسوم: ابرهة الحبشي ارتبط ذكره بقدسية البيت المحرم(
39)، فهذه الاشارات الاسمية التأريخية اختزلت احداثاً تاريخية قصصية غايتها في الأداء الشعري الاستبصار والتحذير والوعيد، وبيان عاقبة الأمور لاتعاظ قريش، وردت في شعر أبي طالب الإسلامي، على نحو ما نجده في قوله:{من الطويل}
ألم تعلموا ما كانَ في حربِ داحسٍ |
|
ورهطِ أبي يكْسوم إذ ملأوا ا لشِّعبا( 40) |
ووردت اسماء علماء اصحاب الديانة اليهودية والنصرانية من احبار ورهبان وهم: بحيرا، ودريس، وهمام، وزرير، أو زبير(
41)، وذكرهم يرتبط بالنبوة، فشكلت هذه الأسماء وظيفة فنية في الحوار ضمن الأداء القصصي لرحلة أبي طالب إلى الشام، فقال:{من الكامل}
وَثَنى بحيراءٌ زَبيراً فَاِنثَنى وَنَهى دَريساً فَاِنتَهى لَمّا نُهي |
|
في القَومِ بَعدَ تَجادُلٍ وَتَعادِ عَن قَولِ حبرٍ ناطِق بِسَدادِ( 42) |
ب
ـ أسماء النساء:لأسماء النساء حظ في التشكيل اللفظي في بناء لغة أبي طالب الشعرية، المنبثقة من تجربته الآنية، والمرتبطة بانفعالاته المتنوعة في فنون الشعر، من رثاء، وهجاء، وفخر، وشكوى
(43)، وهي أسماء لها ظل في الواقع ـ ما خلا اسماً واحداً ـ سنتحدث عنه فيما بعد.فمن اسماء النساء المقربات لأبي طالب اختاه: صفية واميمة، استمد الشاعر دلالة هذين الاسمين من دعوته لهما في البكاء على ابيهما عبد المطلب
ـ والد الشاعر ـ، لبيان شدة هول المصاب، والأسى لفراقه نحو قوله :{من البسيط}
صفيَّ بكّي وجُودي بالدموع له |
|
وأسعدي يا أُمَيْمَ اليومَ بالسَّجمِ( 44) |
وقد يرتبط اسم المرأة في شعر أبي طالب بالتعريض، فذكر اسم أم أبي لهب الخزاعية «سمحج» بغليظ القول، تنكيلا باخيه أبي لهب من أبيه الذي لجَّ في عداء رسول الله(صلى الله عليه وآله) ونابذ أخاه أبا طالب علانية وجهرا، مما أثار حفيظة أبي طالب عليه، فوجد في هذه الوسيلة من الاداء اللغوي تنفيساً للترويح عن الضغط النفسي عنه؛ وليحقق توازنه المضطرب الذي سببه اخوه له بعداوته المستمرة، فقال:
{من السريع}
يُكْنى بسمْحجَ إذ يُخالفُنا فاجعلْ سماحِجَ وابنها غَرَضا .... صمَّاءَ ضاقَ اليك عائرها |
|
ويجدُّ في النَّكراء والكفرِ لكرائم الأكفاءِ والصِّهْرِ .... إسلامنا لنوائب الدهرِ(45) |
وبالمقابل يخضع تعريض الشاعر الى الفخر بأمه «أم الزبير» التي حملت دلالة الطهر والعفة والشرف والطيب فذكرها بكنيتها؛ للدلالة على عظم مكانتها وشرفها وعزها ومنزلتها، فقال من القصيدة ذاتها:
{من السريع}
إنّا بنو أُمِّ الزبير وفحلها |
|
حملَتْ بنا للطِّيبِ والطُّهرِ( 46) |
ويجنح أبو طالب إلى تجريد اسم المرأة ويخضعها لمقوماته الفنية في عمله الشعري للوحة الطلل الذي افاد لها من الاسلوب التراثي، وهي اسم وهمي؛ لأن «للشعراء أسماء تخف على السنتهم وتحلو في افواههم، فهم كثيرا ما يأتون بها زورا»
(47) فوظفها أبو طالب توظيفا فنيا يخدم غاية في نفسه من بث الهموم والشكوى من عداوة قريش له ولابن أخيه رسول الله(صلى الله عليه وآله) فاستهواه ترديد اسم (أم عاصم) على لسانه؛ لأنه وجد به فضاء رحبا لما يريد أن يقوله، فأنشد :{من الطويل}
وكيف بُكائي في الطُّلول وقد أتَتْ |
|
لها حِقَبٌ مُذْ فارقتْ أم عاصِمِ( 48) |
جـ
ـ أسماء القبائل :بيَّنت القراءة الفاحصة لشعر أبي طالب ترديد اسم قريش، وهي عمارة انحدرت من فهر بن مالك بن النضر بن كنانة وقد تفرعت الى بطون عديدة، وكانت متفرقة في كنانة إلى أن جمعها قصي بن كلاب، الى الحرم بعد أن ولي امر البيت ومكة
(49)، وتكررت أسماء بطون قريش(50)، في شعر أبي طالب للدلالة على الترابط الوثيق بين الشاعر وبينها، فشكلت صورة من صور انتماء الفرد بابناء مجتمعه الذي يظلهم ذلك البطن ولا سيما ان بعض هذه البطون تمثلت بكيانات صغيرة متزعمة في المجتمع المكي تربطها اواصر صلة النسب فأكثرها يعود الى عمود النسب النبوي(51).فمن أسماء القبائل الكبرى التي ينتسب أبو طالب إليها متشكلة في البناء اللفظي لشعره كنانة، وفهر، وقريش(
52)، وترددت في الرثاء بندب القبيلة على المرثي لعظم هول المصاب، او في الفخر للدلالة على علو مكانتها، أو في التحذير لمغبة سوء افعال من ينتسب اليها، والرد على الخصم منهم، أو التبليغ بخطاب موجه إليهم يحمل دلالة التعنيف على غرورهم وتأنيبهم لاتخاذهم قرارا في قتل محمد رسول الله(صلى الله عليه وآله) زورا وبهتانا واستنكار افعالهم، ومن ذلك ما قاله أبو طالب:{من الوافر}
أَلا أَبلِغ قُرَيشاً حَيثُ حَلَّت .... أَيامرُ جَمعُهُم أَفناء فِهرٍ .... وكيف يكون ذاكم من قريشٍ |
وَكُلُّ سَرائِرٍ مِنها غُرورُ .... بِقَتلِ مُحَمَّدٍ وَالأمرُ زورُ .... وما منّا الضّراعةُ والفتورُ(53) |
وذكر أبو طالب أكثر بطون قريش من بني غالب، ولؤي بن غالب ، وكعب بن لؤي، وعامر، وهصيص، وكلاب بن مرة، وتيم، ومخزوم، وسهم، وجمح، وزهرة، وقصي،وعبد مناف، وعبد شمس، ونوفل(
54)، فقد عارض الجزء الاوفر من بطون قريش رسول الله(صلى الله عليه وآله) ودينه، واتخذوا العداء سلاحا ضده بأساليب متنوعة منها السخرية، والافتراء، والتكذيب، والظلم، والجور، والتهديد بقتله، والطعن بدعوته، واجهاضها؛ لأنهم يمثلون كيانات سياسية في المجتمع المكي بوصفهم حماة بيت الله الحرام وجيرانه، ولهذا وردت اسماؤهم لتحمل دلالة الهجاء تارة،والعتاب تارة اخرى، فقال أبو طالب:{من الطويل}
أَخصُّ خُصوصاً عَبدَ شَمسٍ وَنَوفَلا |
|
هُما نَبَذانا مِثلَما يُنْبَذُ الجَمرُ(55) |
ومن الجدير ذكره ان اسمي: عبد شمس ونوفل متلازمان في شعر أبي طالب دائما(
56) وهذا لأنهما اخوان فأبوهما عبد مناف(57).ويستيع
ـن أبــو طالب بالله على ظلم قومه وبغيهم من بني لؤي بن غـالب فقال:{من الطويل}
فَقُلتُ لَهُم: الل ه رَبّي وَناصِري |
|
عَلى كُلِّ باغٍ مِن لُؤَيِّ بنِ غالِبِ( 58) |
ويخص أبو طالب ذكر أسماء بعض بطون قريش: عبد مناف ، وهاشم ، وعبد المطلب(
59)، في المديح، والثناء بشخصية الممدوح؛ ولبيان عراقة اصله الذي ينتمي اليه، قال أبو طالب في أبي لهب رجاءً في نصرة ابن اخيه (صلى الله عليه وآله):{من الطويل}
فلا تركبنَّ الدهرَ منه ذمامةً |
|
وأنت امرؤٌ من خير عبد منافِ( 60) |
وأشاد أبو طالب بذكر اسم بني هاشم في مديحه لهم فقال:
{من المتقارب}
عليها المَراجِيحُ من هاشمٍ |
|
هُمُ الأنجبونَ مع المُنتَجَبْ( 61) |
وفي الوقت نفسه تتشكل أسماء البطون: بني هاشم وعبد مناف وقصي(
62) للدلالة على الفخر والزهو والعز والمجد والرفعة والعلو وعراقة الاصل؛ لأنهم يدخلون في عمود النسب الهاشمي فقال، أبو طالب مفتخرا بنسبه:{من الطويل}
ونحن الصَّميمُ من ذؤابةِ هاشمٍ |
|
و آل قُصَيٍّ في الخُطوب الأوائلِ( 63) |
لأسماء الأمكنة ظل في بنية قصيدة أبي طالب، فهي تحمل شحنات دلالية متباينة(
64)، يتخيرها للتدليل على واقعيتها، وفنيتها بحسب تجربته الشعرية الآنية.وردت أسماء أماكن في شعر أبي طالب كان لها أثرها الكبير في تاريخ حياته، فشكلت معتقدا دينيا له اهميته بوصفها اماكن مقدسة عند العرب ولا سيما عند قريش، كانت تمارس فيها شعائر دينية معظمة، فتعوذ أبو طالب بها من شرور مشركي قريش لقداستها وعظمتها بعد أن تعوذ «بربِّ الناسِ»
(65)، في قصيدته اللامية التي جمع فيها قدرته الفنية، فقال:{من الطويل}
وَثَورٍ وَمَن أَرسى ثَبيراً مَكانَهُ وَبِالبَيتِ رُكن البَيتِ مِن بَطنِ مَكَّةٍ وَبِالحَجَرِ المُسوَدِّ إِذ يَمسَحونَهُ وَمَوطِئِ إِبراهيمَ في الصَّخرِ وطأةً وَأَشواط بَينَ المَروَتَينِ إِلى الصَّفا وَمَا حَجَّ بَيتَ اللَهِ مِن كُلِّ راكِبٍ وَبِالمَشعَرِ الأَقصى إِذا عَمَدوا لَهُ وَتَوقافِهِم فَوقَ الجِبالِ عَشيَّةً وَلَيلَةِ جَمعٍ وَالمَنازِل مِن مِنىً .... وَبِالجَمرَةِ الكُبرى إِذا صَمَدوا لَها وَكِندَة إِذ ترمي الجمارِ عَشيَّةً |
|
وعَيْرٍ وِراقٍ في حِراءٍ وَنازِلِ وَبِاللَهِ إِنَّ الل ه لَيسَ بِغافِلِإِذا اِكتَنَفوهُ بِالضُّحى وَالأَصائِلِ عَلى قَدَمَيهِ حافِياً غَيرَ ناعِلِ وَما فيهِما مِن صُورَةٍ وَتَماثِلِ وَمِن كُلِّ ذي نَذرٍ وَمِن كُلِّ راجِلِ إِلالاً إِلى مُفضى الشِّراجِ القَوابِلِ يُقيمونَ بِالأَيدي صُدورَ الرَواحِلِ وَما فَوقَها مِن حُرمَةٍ وَمَنازِلِ .... يَؤُمّونَ قَذفاً رَأسَها بِالجَنادِلِ تُجيرُ بِهِم حُجاج بَكرِ بنِ وائِلِ(66) |
حشد أبو طالب عددا
ً كبيراً من أسماء المواضع التي تؤدى فيها شعائر الحج، وهو يتعوذ بها، فمن أسماء مواضع الجبال التي تقع في مكة، وبقربها جبال: «ثور، وثبير، وحراء»، وأشار الى جبل حراء(67)، بعبادة النبي محمد (صلى الله عليه وآله) فيه، فتعوذ براقٍ ليستعلي عند ربه بعبادته، وبكل نازلٍ متعبدٍ من الجبل بعد رقيه للبر(68)،«وبالبيت» واخص «ركن البيت»في داخل مكة، يأمه الحجيجُ من كلِّ حدب وصوب؛ لأداء شعائرهم الدينية، ومناسكهم العبادية من حج بيت الله الحرام، وهم يمسحون بأيديهم موضع الحجر الاسود تبركا به، وبموضع «موطىء ابراهيم» خليل الله (عليه السلام)، فأبقى الله اثر قدمه آية للناس عندما رفع القواعد من البيت(69)، وبالسعي ما بين موضعي الجبلين: الصفا والمروة «وما فيهما من صور وتماثيل» التي تعظمها قريش، فاستعاذ بها مجاراة لهم؛ لأنهم يعرفون فضل الكعبة بيد أنهم يعظمون اصنامهم ويعبدونها ويطوفون بمواضعها كطوافهم بالكعبة.ويستمر الشاعر في تعوذه بالاماكن المقدسة بمن حج «بيت الله»، «وبالمشعر»: بعرفة، وبالوقوف بـ «الالى»: موضع جبل بعرفة الى منتهى «الشِّراج»: موضع سيل الماء، وافاضتهم من عرفات الى «جمع»: المُزدلفة، فهذه المواضع ما فوق حرمتها حرمة، ولا فوق هذه المنازل منازل في مكانتها ومنزلتها عند الناس، والوقوف بها ليلة المزدلفة من المواقف العظيمة، وبعدها يقصد الحجيج مكان مِنى وهو بالقرب من مكة واطرافها من الاعلى الى موضع «الجمرة الكبرى»: جمرة العقبة، لقذف الحجيج رأسها بالحصى، وبالوقوف على هذه المشاهد من مواضع، تتم شعائر الحج.
فصل أبو طالب في بيان دلالة المواضع والاماكن التي تؤدي العرب فيها طقوسها الدينية، في بيان اعمال الحجيج والوقوف بالمشاهد المذكورة التي تحمل دلالة التبجيل والتعظيم والتقديس في نفوس العرب، ونادرا ما نجد شاعرا يُعنى بهذا الحشد من التركيز عليها، وهذا يدل على حب الشاعر، وحب العرب لها، وتشبثهم الروحي والنفسي بها؛ لأنهم باجلالهم هذه المواضع يجلون الله، فهم يعرفون الله، لكنهم وثنيون يشركون بعبادته ظنا منهم أن اوثانهم تقربهم من الله منزلة.
وفي ذكر هذه الأسماء التي تدخل في معتقدات العرب يؤكد الشاعر واقعيتها؛ لأنها أماكن شعائرهم الدينية التي يعظمونها، ويعظمها أبو طالب، فقال مخاطبا قريشا
ً:{من الطويل}
لقد كانَ منّي ما رأيتُم وإنني |
|
لاُعظمُ حَقَّ البيتِ والركنِ والحجرِ( 70) |
المواضع المستقاة من البيت الشعري وهي «البيت والركن والحجر»، وغيرها التي ذكرناها آنفا، تدل على تجاه الشاعر للديانة الحنفية وشدة معتقده بها، وتتبين من تكراره لها ومن كثرة قسمه بها، ولاسيما مكان «الكعبة»، وهو يخاطب بني قصي في حصار الشّعب فيتعجب من عدائهم لابنائهم وهم ذو حسب واحد، وأهل ديانة(
71)، فأقسم بالكعبة ذات الكسوة المحيطة بها أن لا ينالوا من رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى تلتقي رؤوس الرماح والسيوف القاطعة: فيما بينه وبينهم فقال:{من المتقارب}
فَأنّي وَمَن حَجَّ مِن راكِبٍ تَنالونَ أَحمَدَ أَو تُصطَلُوا |
|
وَكَعبَة مَكَّةَ ذاتِ الحُجُبْ ظُباةَ الرِماحِ وَحَدَّ القُضُبْ( 72) |
أثرى المكان «كعبة مكة» السياق بالحيوية الواقعية، فلوَّنه الشاعر بانفعاله الذي استأثر عمق عاطفته من حب واعتزاز وتقدير وتقديس، وهو يقسم بافضل القسم بكعبة مكة وما يحيط بها من حُجُب، وهذه من الزيادات الفنية؛ متحديا بقسمه من يعادي رسول الله(صلى الله عليه وآله) ودعوته.
ويحشد أبو طالب في قسمه كثيرا من المواضع الدينية، وهو يخاطب بني لؤي، ويكذبهم بقتل رسول الله ، واذلال بني هاشم(
73)، فاكد بقسمه خيبة امالهم في أن يثلم ركن الإسلام، فقال:{من الطويل}
كَذَبتُم ـ وَبَيتِ الله ـ يُثلمُ رُكنُهُ وَبِالحَجِّ أَو بِالنيبِ تَدمى نُحورُهُتَنالونَهُ أَو تَعطِفوا دونَ قَتْلِهِ |
|
وَمَكَّةَ وَالإِشعار في كُلِّ مَعمَلِ بِمَدماه والرُّكنِ العَتيقِ المُقَبَّلِ صَوارِمُ تَفري كُلَّ عَظمٍ وَمِفصَلِ( 74) |
أثمر القسم بالمواضع المذكورة في النص الشعري سياقات مجازية، جعلت النص اكثر حيوية، وهو يقسم ببيت الله وبمكة، وبمكان نحر النوق: موضع الأضاحي المرتبطة بالشعائر الدينية، فهي بمثابة الرابط الدموي بين العبد وسيده الاعلى، سواء أكان ذاك الذي يدينون له بديانة التوحيد لله، أم من يدينون بالوثنية لآلهتم المتعددة، فتقربهم الى الله، وبالحجر الاسود الذي يقبله الناس تبركا به، بأن لايثلم ركنه، وأراد الشاعر مجازا
ً ركن رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله)، وهذه التعددية في اسماء المواضع الدينية والقسم بها بهذه التفاصيل الذي احتواها شعر أبي طالب تعدُّ من الزيادات الفنية الجديدة التي لم نعهدها في شعر غيره من الشعراء(75) وتركيز أبي طالب على المواضع الدينية وأماكنها التي تحمل دلالة التمجيد قد جاءت في شعره لأنها من بقايا عهد خليل الله ـ النبي ابراهيم (عليه السلام)ـ الذي بنى بيت الله ومسجده، وحفر بئر زمزم، وأقام الشعائر الدينية لتعظيمها في الطواف بها، والوقوف عليها، ونحر الاضاحي تقربا إلى الله بها وغير ذلك من الشعائر والطقوس العقائدية.وقد حملت بعض المواقع دلالة التحذير والتوعيد في شعر أبي طالب لقومه وهو يسفه احلامهم ويكذبها في قتل رسول الله محمد(صلى الله عليه وآله) مؤكدا بقسمه ببيت الله فقال
:{من الطويل}
يُرَجُّونَ أَن نَسخى بِقَتلِ مُحَمَّدٍ كَذَبتُم وَبَيتِ ال له حَتّى تَعَرَّفوا |
|
وَلَم تَختَضِب سُمرُ العَوالي مِنَ الدَّمِ جَماجِمَ تُلقى بِالحَطيمِ وَزَمزَمِ( 76) |
ساعد القسم بذكر «بيت الله» على تنشيط معاني النص في بناء الصورة واثرائها بالايحاء بما تحمل من دلالة انفعال الشاعر من تهديد لقريش فيما لو عزمت على قتل محمد رسول الله(صلى الله عليه وآله) فإنهم سيرون رؤوسهم تتهاوى في موضعي (الحطيم): جدار البيت، وفي بئر زمزم، للدلالة على شدة غضبه، بيد أن الحطيم وزمزم لم يذكرهما أبوطالب بدلالة دينية صرفة، وانما جنح إلى تعجيز خصومه من ان يمسوا رسول الله(صلى الله عليه وآله).
ويعد أبو طالب بحق اكثر الشعراء احتفالا بالاماكن الدينية، ولا سيما «مكة» بوصفها مركزا دينيا واداريا وسياسيا، مرتبطة بسيادته، وسيادة ابائه، فهم سدنة بيت الله وحجابه، ولهم الرفادة والسقاية، وهم الرؤوساء والحكام والسادة الأعلون فيها(
77)، فقال مفتخرا :{من المتقارب}
فَإِنّا بِمَكَّةَ قِدماً لَنا وَمَن يَكُ فيها لَهُ عِزَّةٌ وَنَحنُ بِبَطحائِها الرائسو نَشأنا فَكُنّا قَليلاً بِها إِذا عَضَّ أَزمُ السنين الأَنامَ |
|
بِها العِزُّ وَالخَطَرُ الأَعظَمُ حَديثاً فَعِزَّتُنا الأَقدَمُ نَ وَالقائِدونَ وَمَن يَحكُمُ نُجيرُ وَكُنّا بِها نُطعِمُ وَحبَّ القُتار بِها المُعدِمُ( 78) |
سجل أبو طالب مكان بطحاء مكة؛ لأنه موطن اقامته واقامة ابائه، وعشيرته منذ القدم، فاستحضارها في فن الفخر يثير في نفسه معاني الزهو والعلو والعز والمجد والكرم والرفعة والاجارة والمكانة السامقة بين العرب.
ووردت أسماء اماكن دينية في فن الرثاء بصورة متخيلة ومملوءة بالايحاء، صاغها أبو طالب باناقة فنية تجاوز فيها التعبير التقريري المباشر إلى التعبير المعنوي الذي يكشف جانبا من جوانب نفسيته وهو يرثي خاله هشام بن المغيرة:
{من الطويل}
فقدنا عميدَ الحَيِّ فالركنُ خاشِعٌ |
|
لفقد أبي عثمان والبيتُ والحجرُ( 79) |
بث الشاعر حزنه على من يحبه، فتخطى حاجز الواقع إلى الخيال المتزاوج مع العاطفة، فأثرى المكان بفاعلية الخيال في وصف عميد الحي، وخشوع الركن والبيت والحجر لوفاته، فلم يكن وصف الشاعر للمكان وصفا تقريريا مباشرا، وانما اغناه بالخيال الموحي المؤثر، فأثار ألواناً من الدلالات من التقدير والتبجيل والالم والحزن، والخسارة لفقد أبي عثمان.
وهناك أسماء ارتبطت بالصورة المتخيلة في الحديث عن ذكرى الطلل، وهي : «بولان، وخلَّة، وينبع، وهضب الرَّجائم، والحي» أثارت في نفس الشاعر الوانا من المشاعر الانسانية من حزن وبكاء وألم وحسرة لنوى الاحبة، وفراقهم، تحمل ذكريات الماضي لروابطهم الاجتماعية على نحو قول أبي طالب في الشكوى من ظلم قومه له:
{من الطويل}
فَكَلَّفتُ عَينَيَّ البُكاءَ وَخِلتُني ... غِفارِيَّةٌ حَلَّت بِبَولانَ خلَّةً فَدَعها فَقَد شَطَّت بِها غُربَةُ النَّوى |
|
قَدَ اِنزَفتُ دَمعي اليَومَ بَينَ الأَصارِمِ ... فَيَنبُعَ أَو حَلَّت بِهَضبِ الرَجائِمِ وَشِعبٌ لِشَتِّ الحَيِّ غَيرُ مُلائِمِ( 80) |
منحت اسماء الاماكن، ولاسيما المتتابعة بحروف العطف في السياق اللغوي للنص كثافة ايحائية في اثارة نفس الشاعر وشجونه للذكرى المتخيلة التي طواها الزمن، فبعثها المكان من جديد فكانت محطة لتفريج الشاعر عن ضغطه النفسي المبثوث في المقدمة الطللية التي جاءت استجابة لطبيعة موضوع القصيدة المطروق في اقتران افتراق الحبيبة بافتراق قومه عنه.
وقيد أبو طالب أسماء الأمكنة في نسيج شعره منها: «أرض، عرين، دور، منازل، معقل، بلاد، فلاة، فيفاء، قبور، حي»
(81)، مفردة، او مضافة إلى اسم مكان، وهي اماكن تتعلق بشؤون الشاعر العامة، أو بشؤون عشيرته و قومه، وقد وردت استجابة لطبيعة تجربته الشعرية، وتأطرت بلغة تعبيره الشعري التقريرية المباشرة، أو بمراتع خياله في التعبير المجازي.فمما ورد من الفاظ المكان في سياقات التعبير التقريري المباشر متخذة وظيفة فنية تحمل عنصرا من عناصر ملامح السرد القصصي في حديثه عن رحلته إلى الشام قوله:
{من الطويل}
فلمّا هبطنا أرضَ بُصرى تشوَّفوا |
|
لنا فوق دورٍ ينظرون عظامِ( 82) |
وقوله
أيضاً:{من الطويل}
فرُحنا مع العير التي راح رَكْبُها |
|
يَؤمُّونَ من غورين أرض إيادِ( 83) |
شكلت الأماكن في البناء اللفظي وصف رحلات الشاعر وهو في طريقه إلى الشام، فتمثلت جزءاً من معالجة قصص رحلاته متخذة حضورا واقعيا غير موحٍ، وغير مرتبط بسياقات مجازية، وقبال هذا الامر نجد أسماء أماكن ارتبطت بسياقات مجازية، وحققت حضورا واقعيا على نحو قول أبي طالب مفتخرا بصوت الجماعة في حمايتهم لأرضهم:
{من الوافر}
مَنَعنا أَرضَنا مِن كُلِّ حَيّ أَتاهُم مَعشَرٌ كَي يَسلِبوهُم |
|
كَما اِمتَنَعَت بِطائِفِها ثَقيفُ فَحالَت دونَ ذلكُمُ السُيوفُ( 84) |
حلَّقَ خيال الشاعر الى توضيح بيان حماية قومه لارضهم،فهم حراس عليها مثلما يحمي العسيس أرض ثقيف ممن أراد الاعتداء عليهم، فحمل المكان دلالة صونه، وحفظه، ومنعته، وحمايته، والذود عنه ضد من يطمع فيه.
الصياغة :
سبق أن تحدثنا عن الألفاظ ودلالاتها المعجمية، ودلالتها ضمن السياق الذي وردت فيه؛ لأن الألفاظ المجردة لا تشكل لغة أدبية ما لم تكن في انساق لغوية منظمة تقوم اساسا على الصياغة المتمثلة في تراكيب، والموافقة لفنية بناء النص الأدبي وتقنياته، وان عملية انتقاء الألفاظ وطريقة تصنيفها وانتظامها في انساق غير كفيلة بخلق نظام لغوي في قالب شعري مؤثر ما لم تنصهر بجوهر عاطفة الشاعر من احاسيسه ومشاعره وانفعالاته وتجربته التي هو في صدد الحديث عنها، فتنجز بمجموعها عملا شعريا ابداعيا له درجة من الاثارة بحسب ما يحمل من ايحاءات شعورية متباينة في نقل احساسه وفكرته إلى المتلقي، ولهذا وجب على الشاعر أن يحقق التوافق والانسجام بين هيأة التركيب ومحتواه؛ لكي تظهر قدرته الابداعية في عمله الذي حقق فيه الصلة بين الشكل والمحتوى.
وفيما سبق عرضنا الخصائص الفنية لألفاظ شعر أبي طالب المشاعة فيها سمتان: البساطة والسهولة، فاستقطبت حضوراً لمزايا ثلاث هي الوضوح؛ فنأت الالفاظ عن حوشي الكلام وغريبه وبما ان الالفاظ جزئيات مبعثرة رصفها الشاعر في تراكيب منسقة ومنظمة تصور تكوينه النفسي والعاطفي في منظومة شعرية، فلابد من أن تطبعَ اثارها في تراكيب لغوية تحتويها، فانمازت بمزايا الالفاظ للاسباب التي ذكرناها آنفا، فاحتفلت التراكيب بالبساطة والسهولة والوضوح المتشكلة في الخطاب الشعري، فنهض خيال الشاعر الرحب، وبطاقاته القائمة على تنويع التراكيب في النص الواحد مصوراً جانبه المسيطر الذي يمتلك السلطة الجماعية؛ لتوافر امكانات الارشاد والوعظ والنصح والتوجيه التابعة لسلطته عن طريق اكثار التراكيب الطلبية برسالة شعرية تحمل مداليل كثيرة محكومة بتجربة الشاعر المرسل.
وجنوح أبي طالب لهذه النزعة الخطابية الطاغية في اكثر شعره يعود إلى أنه سيد قريش وزعيمها وحاكمها ورئيسها، فهو معني بابلاغ خطابه الموجه إلى المجتمع القرشي لايصال فكرته التي ينادي بها في رسالة شعرية موجهة اليهم، أو إلى شخص بعينه، فيلجأ إلى هذا الأسلوب الذي يظهر فيه الجهر والانفعال والجدة التي يفصح عنه النص من خلال استعماله للوسائل الخطابية المنسجمة مع فنون القول المختلفة من هجاء وتوعد وتهديد وتحذير وعتاب والموافقة لانفعالاته صعودا وهبوطا والمتباينة سلبا
ً وإيجاباً.ومما ساعد على ابراز ظاهرة النزعة الخطابية في شعر أبي طالب أنه تصدَّر ساحة الشعر العربي في فجر الإسلام، فدعا إلى نصرة ابن أخي
ه رسول الله(صلى الله عليه وآله) وحمايته ومؤازرته بكثير من القصائد ذات الأساليب الطلبية المنشدة امام جمهور قريش في بيت الله الحرام، أو في دار الندوة، أو في مجالس قريش، فكان الانشاد وسيلة الشاعر الاقناعية في تبليغ ما يجول في ذهنه من وعظ وتوجيه وارشاد ونصيحة ووصية الى الجهة التي يرغب ايصال صوته إليها واذاعته وانتشاره؛ لاستقطابهم إلى صف الايمان، وعلى الشاعر ان يكون خطابه الموجه إلى الطرف الاخر حائزا على الرضا والقبول والتأثير، لذلك كله، فهو يُعنى بصياغة تراكيبه اللغوية المنصهرة بافكاره ونفسيته وخياله؛ ليستولي على عقول مستمعيها، ويؤثر في نفوسهم.إن عناية أُبي طالب بلغته الشعرية، ولا سيما التراكيب الطلبية المتنوعة في خطابه الشعري الموجه، يترتب عليها اقناع الطرف الآخر بما يصبو اليه من ايصال فكرته؛ لأنه الرجل المساند لابن اخيه رسول الله، ولدعوته وكلاهما يواجه خطرا حقيقيا متمثلا بعداء زعماء الشرك من قريش المتربصين بهما، لوأد الدعوة الإسلامية، والقضاء على صاحبها ومن سانده وحاماه، وهذا ما افرزه شعر أبي طالب بقصائد ومقطعات شعرية.
اما شعر فن الرثاء فيتوجه الشاعر فيه بخطابه الى المفقودين، وهو خطاب يباين خطابه الاحياء يعبر فيه عن حرارة انفعاله وصدق عاطفته ومراراة لوعته لفراقهم؛ ليشاطر المعزين المستمعين انفعالاته من بكاء وحزن وألم وحسرة وهو نادب ومؤبن ومعزٍ، ومن هنا كان الخطاب الشعري موجها الى الاحياء والاموات.
ويتوكأ أبو طالب في خطابه الشعري بوسائل الخطاب الجهرية من استفهام ونداء وأمر ونهي ودعاء وتحضيض وافعال الخطاب وضمائره، وقد تتلاقح أكثر من وسيلة من وسائل الخطاب لنتاج سياقات معبرة تثير انتباه السامع للخطاب.
ويعمل الخطاب الشعري على تعزيز حضور الشاعر والمتلقي أو المستمع سواء أكان الشاعر منشدا خطابه بنفسه، أم انشده راوية اخر عنه، فهذا لايقلل من اهمية الخطاب؛ لأن المرسل والمرسل اليه ركيزتان مهمتان في عملية التبليغ، وعلى نحو ذلك كان خطاب أبي طالب الشعري مباشرا أو بوساطة راوٍ اخر يحمل خطابه إلى الطرف الاخر لتبليغ ما يرغب في ايصال رسالة تتعلق بامر معين متوسلا فيها أساليب الطلب مقترنا، ـ ولاسيما
ـ بفعل الامر «ابلغ» (85)، وخطابه الشعري اما ان يكون موجها إلى قريش جميعها، أو يخص بعض البطون لقرابته منها، أو إلى أفراد يسميهم ويبلغهم أمور بعينها، بحسب تجربته الشعرية التي هو في صدد الحديث عنها، على نحو قوله مخاطبا قريش في قصيدته الرائية حين افتقد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وظن أن قريشا اغتالته:{من الوافر}
أَلا أَبلِغ قُرَيشاً حَيثُ حَلَّت فَإِنّي وَالضَّوابِحُ عادِياتٍ لآلِّ مُحَمّدٍ راعٍ حَفيظٌ ولَستُ بِقاطِعٍ رَحمي وَوُلدي .... فَلا وَأَبيكَ ما صدقت قُرَيشٌ أَيامرُ جَمعُهُم أَفناء فِهرٍ ألا ضلّت حُلومهم جميعا أترضى منكمُ الحُلماءُ هذا بُنيَّ أخي ونوط القلب منّي وتشربُ بعده الشبّانُ ريّا وكيف يكونُ ذاكم من قريشٍ فإما تفعلوه فإنَّ قلبي .... هنالك يا بُنيَّ تكونُ منّي كدَهْدَهَةِ الصُّخورِ من الروابي فلا تحفل لقيلهم فإنّي وَقيٌّ دونَ نفسكِ إن أرادوا أيا ابنَ الأنفَِ أنف بني قٌصيٍّ لكَ اللهُ الغداةَ وعَهْدَ شيخٍ بتَحفاظٍ ونُصرةُ أرْيَحِي |
|
وَكُلُّ سَرائِرٍ مِنها غُدُورُ وَما تَتلو السَفاسِرَةُ الشُّهورُ وَودُّ الصَدرِ مِنّي وَالضَميرُ وَلَو جَرَّت مَظالِمَها الجَرورُ .... وَلا أمَّتْ رَشاداً إِذ تُشيرُ بِقَتلِ مُحَمَّدٍ وَالأمرُ زورُ وأُطلِقَ عَقلُ حربٍ لا تبورُ وما ذاكم رضىً لي أن تبوروا وأبيضُ ماؤه غَدق كثيرُ وأحمدُ قد تضمَّنَهُ القبورُ وما منّا الضراعةُ والفتورُ أبيٌّ أمرَكم عنه نفورُ .... بوادرُ لا يقومُ لها ثبيرُ إذ ما الأرضُ زَلْزلَها النذيرُ وما حلت لكَعبَتِهِ النُّذُورُ بكَ الدَّهياءَ أو سالتْ بحورُ كأن جبينكَ القمرُ المنيرُ تَجَنَّبُه الفواحش والفجورُ من الأعمام أعضاءٌ نُصُورُ( 86) |
تمت عملية ابلاغ الخطاب الشعري بوسيلة اداء الطلب «ألا» مع فعل الطلب الأمري «أبْلِغْ» من الشاعر المخاطب المرسل برسالة تحتوي على سياقات فنية أدبية مشبعة بدلالات موحيه صورت ألواناً من انفعالات الشاعر وعواطفه من غضب وزهو وحب وحنان وشفقة منقولة الى الطرف الاخر المرسل اليه «قريش» بوساطة شخص معين تقع عليه مهمة تبليغ الرسالة، وهذا ما يفصح عنه لفظ «ابلغ»، بيد أنَّ هذه الصيغة الطلبية لا تعني عزوف الشاعر عن مخاطبة قريش مباشرة، وانما أراد أن يبلغ الحاضر منهم الغائب بما يود قوله من تحذيرهم ولهذا تزاوج في تعبير الخطاب الشعري ما يدل على الحاضر والغائب والمخاطب من خلال الافعال والضمائر الدالة عليهم، وظهرت صورة المخاطب المرسل هي الاكثر بروزا في نص الرسالة تتجلى في فخره الذاتي، وهو يسبغ على نفسه صورة الرجل الناصر الذي يتولى مهمة الذود عن محمد رسول الله(صلى الله عليه وآله) في حفظه وحمايته، مجددا العهد في تبليغ رسول الله، وقريش بأنه ماضٍ على مواصلة المسيرة في حماية ابن أخيه ونصرته.
وانساق الشاعر في عتاب قومه في خطابه الشعري، وهو يتخير من أساليب الطلب: العرض والتحضيض، اما صيغة العرض، فاستعمل «لوجرَّت» فافادت اللطف والملاينة الممزوجة بالعتاب في ترك ما عزمت عليه قريش من أذى رسول الله(صلى الله عليه وآله) ويظهر من السياق الطلب المنجر تناغم أصوات الألفاظ في صيغة العرض في بيان عزوف الشاعر عن قطيعة صلة رحمه، وانصرافه عن اولاده مهما نجم عن ذلك من حروب، وهو يخاطب قريشا عندما قررت قتل رسول الله محمد(صلى الله عليه وآله) .
وافادت الصيغة الطلبية للتحضيض «ألا ضلت» التأنيب واللوم في ضلالة حلوم قريش وعدم الاهتداء الى طريق الحق، فاستعمال اداة التحضيض حملت دلالة الطلب بالحث والشدة، والشاعر ساق هذا الاسلوب لتهديد قريش وتحذيرها من حرب لا هوادة لها.
ويلجأ الشاعر في خطابه إلى احدى طرائق الطلب ومنها: الأستفهام بوصفه وظيفة تعبيرية عن استنكاره في تآمر افناء قريش لقتل محمد رسول الله(صلى الله عليه وآله) وتسفيه احلامهم في «أيامر جمعهم افناء فهر... »، أو يفيد الاستفهام دلالة النفي في خطاب الشاعر «أترضى منكم الحلماء هذا»، «وكيف يكون ذاكم من قريش» أي: لا ترضى منكم الحلماء هذا، ولا يكون ذاكم من قريش.
ولكي يعقد أبو طالب موازنة نفسية بسبب ما سببته قريش من أذى نفسي له ولرسول الله كان من حكمته أن يخفف حدة انفعاله، فجنح بقدر معين إلى المعادل في تقوية النفس في التعبير عن القيم الاجتماعية والخلقية في الخطاب الموجه إلى ابن أخيه فناد
اه بصيغة الطلب مادحاً «يابنيَّ... » و«أيا ابن الأنف أنف بني قصي... » معاضدا نداءه بصورتين تشعان بهاء مستمدة الاولى من تشبيه ثورة انفعال الشاعر بدهدهة الصخور اذا أصابت الأرض الزلزال، والصورة الثانية من تشبيه جبين رسول الله(صلى الله عليه وآله) ـ بالقمر المنير، وهو يعاهده بالحفاظ عليه ونصرته.إنَّ تلازم اساليب الطلب المتنوعة من اداة استفتاح وتنبيه، وصيغ الأمر، والعرض، والتحضيض، والاستفهام، والنداء ساعدت على علو نبرة الشاعر الخطابية في بناء نص الرسالة الموجه الى قريش وتلوين انفعالاته، فاسهمت في تدفق صور حيوية معبرة.
واختلف خطاب أبي طالب الشعري الموجه الى قريش، ولاسيما أبناء لؤي بن غالب باختلاف اساليبه، وهو يقوم بوظيفة وعظية وحكمية في قصيدته الميمية، فيشكو ظلم قومه، ويفخر بنصرة رسول الله(صلى الله عليه وآله) فقال:
{من الطويل}
ألا أبلغنْ عني لُؤيَّ بن غالبٍ أَلَم تَعلَموا أَنَّ القَطيعَةَ مَأثَمٌ فإنَّ سَبيلَ الرُشدِ يُعلَمُ في غَدٍ فَلا تَسفَهَوا أَحلامَكُم في مُحَمَّدٍ تَمَنَّيتُمُ أَن تَقتُلوهُ وَإِنَّما فَإِنَّكُم ـ وَالله ـ لا تَقتُلونَهُولَمّا تَصِلْ للقومِ منّا ملاحمٌ وَتَدعوا بِأَرحامٍ أَواصِرَ بَيننا وَتَسمو لَخيلٍ نحو خَيلٍ يَحُثُّها أترجونَ انا مُسْلمونَ محمداً بكلِّ فتىً ضخمِ الدَّسيعةِ ماجدٍ نَبِيٌّ أَتاهُ الوَحيُ مِن عِندِ رَبِّهِ |
وأفنا قريشٍ عند نصِّ العزائمِ وَأَمرٌ تلاقيتم به غَيرِ حازِمِ وَأَنَّ نَعيمَ اليومِ لَيسَ بِدائِمِ وَلا تَتبَعوا أَمرَ الغُواةِ الأَشائِم أَمانيُّكُم تلكم كَأَحلامِ حالمِ وَلَمّا تَرَوا نثر الطُّلى والجماجمِ تحومُ عليها الطيرُ بعد ملاحمِ وَقَد قَطَعَ الأَرحامَ وَقعُ الصَّوارِمِ إِلى الرَّوعِ أَبناءُ الكُهولِ القَماقِمِ ولمّا نُقاذفْ دونَهُ بالمراجمِ تَمَكَّنَ في العلياءِ من نسلِ هاشمِ فَمَن قالَ: لا، يَقرَع بِها سِنَّ نادِمِ( 87) |
ألزم الشاعر نفسه تبليغ رسالته لافراد قريش جميعا، ولاسيما رهطه الذين يدخلون في عمود النسب النبوي، فهم أولى من غيرهم من قريش في نصرة رسول الله(صلى الله عليه وآله) فاستفتح خطابه باداة العرض «ألا» الدالة على التنبيه لطرق الاسماع، وايصال الشاعر خطابه عبر رسالة معبرا عما يرغب تبليغه بسياقات أدبية غايتها الفهم والوعظ مصاغة باسلوب يميل إلى الحكمة بعدم قطع صلة الرحم، لأن فيها اثما عظيما؛ وان طريق الرشاد سيعلم غدا وان السعادة ليست دائمة، مستعملا صيغة الأمر المؤكدة بنون التوكيد «أبلِغْنَّ» حرصا منه لتوكيد تبليغ الرسالة، وهو يجنح إلى استعمال صيغة الأستفهام «ألم تعلموا ان القطيعة مأثم... » الدالة على كمال علم قريش بحدوث ما تسببه القطيعة من أثم، ويتضمن الأستفهام نوعا من الاستبعاد في قول الشاعر «أترجون أنا مسلمون محمدا... » الدال على استبعاد حدوث تسليم رسول الله للقتل المرتبطة بعجز امكانات قريش، وبقوة الشاعر المؤكدة بـ «إن»، ويتلو الشاعر افعال الطلب بصيغة النهي «لاتسفهوا احلاكم في محمد، ولاتتبعوا امر الغواة» الدالة على الردع وطلب الكف، معقبا بالافعال المضارعة المبدوءة بتاء المضارعة الدالة على الخطاب ومكثرا من ضمائر الخطاب نحو كاف الخطاب وتاء الفاعل في «تمنيتم أن تقتلوه، أمانيكم تلكم، إنكم، لاتقتلونه، تروا، وتدعوا، وتسموا، ترجون» على الترتيب، وختم الشاعر رسالته بخطاب وعظي في ان محمدا نبي مرسل نُزِّل عليه الوحي من عند ربه، ومن رفض، فلات ساعة مندم.
إن التنوع في اسلوب الخطاب من وعظ وحكمة وتهديد ووعيد وتحذير في آن معا يدل على سيطرة الشاعر وتمتعه بسلطة قوية منحت له امكانيات هذا التلوين الخطابي وساعدت على علو نبرته، وهو يسفه اماني قريش، ويهددهم ويتوعدهم بالحرب والقتل، راسما من خياله صورا غنية بالايحاء مما افرزته دلالات الخوف والرعب والاشمئزاز ازاء صورة قطع الرؤوس وتهاويها، وصورة حوم الطيور حول جثث القتلى جراء القتل بحدة السيوف، فرفد الشاعر لغته بخصوبة خياله، واستعمل وسائل الخطاب المتنوعة من صيغ العرض والامر والنهي والمضارع المسند الى ضمير المخاطب وضمائر الخطاب الظاهرة، بيد أن الشاعر لا يركن الى استعمال صيغ الطلب والخطاب فحسب، وانما يتحول فخره بالذات المختزلة في فخره الجماعي إلى وسيلة وعظية تدعم خطابه لتقوم بوظيفة ايصال رسالته إلى قومه وافهامهم إياها، فنتجت منها حكمة وعظية انطلقت من بداية الرسالة وختمتها بحكمة وعظية أيضا.
حاول الشاعر في رسالة اخرى موجهة الى بني لؤي من ابناء عمومته الأقربين وهم تيم وعبد شمس ونوفل، أن يستعيض من الوعظ في افهامهم بما يود ايصاله إليهم باسلوب تعبيري اخر يظهر فيه علو صوت (الشاعر) المرسل، وحضور صوت المرسل إليه (قومه) بشكل واضح من خلال الفعل «يقولون» والضمير المخاطب «انتم» في قوله:
{من الطويل}
أَلا أَبلِغا عَنّي لُؤَيّاً رِسالَةً بَني عَمِّنا الأَدنَينَ تَيماً نَخُصُّهُم أَظاهَرتُمُ قَوماً عَلَينا أَظِنَّةً يَقولونَ إِنّا قد قَتَلنا مُحَمَّداً ... تَنالونَهُ أَو تَعطِفوا دونَ قَتْلِهِ وَتَدعو بِأَرحامٍ وَأَنتُم ظَلَمتُمُ فَمَهلاً وَلَمّا تُنتج الحَربُ بِكرَها فَإِنَّا مَتى ما نَمرِها بِسُيوفِنا وَتَلقَوا رَبيعَ الأَبطَحينِ مُحَمَّداً وَتَأوي إِلَيهِ هاشِمٌ إِنَّ هاشِماً فَإِن كُنتُمُ تَرجونَ قَتلَ مُحَمَّدٍ فَإِنّا سَنَحميهِ بِكُلِّ طمرَّةٍ وكلُّ رُدينيٍّ ظماءٍ كعوبُهُ وَكُلِّ جَرورِ الذَّيلِ زَعفٍ مُفاضَةٍ |
بِحَقٍّ وَما تُغني رِسالَةُ مُرسِلِ وَإِخوانَنا مِن عبدِ شَمسٍ وَنَوفَلِ وَأَمرَ غَوِيٍّ مِن غُواةٍ وَجُهَّلِ أَقَرَّت نَواصي هاشِمٍ بِالتَذَلُّلِ ... صَوارِمُ تَفري كُلَّ عَظمٍ وَمفصَلِ مَصاليتَ في يَومٍ أَغَرَّ مُحَجَّلِ بَيَتْنٍ تِمـــامٌ أَو بـــآخَـرَ مُعـجَلِ نُجالِح فَنَعرُك مِن نَشاءُ بِكَلكَلِ عَلى رَبوَةٍ في رَأسِ عَيطاءَ عَيطَلِ عَرانينُ كَعبٍ آخِراً بَعدَ أَوَّلِ فَروموا بِما جَمَّعتُمُ نَقلَ يَذبُلِ وَذي مَيعَةٍ نَهدِ المَراكِلِ هَيكَلِ وعَضْبٍ كإيماضِ الغمامةِ مقصَلِ دِلاصٍ كَهَزهازِ الغَديرِ المُسَلسَلِ(88) |
تركبت الرسالة من خطاب الشاعر؛ وخطاب قومه في ابداء رأيهم حول قضية الدعوة الإسلامية وموقفهم منها، ومن صاحبها بدلالة الفعل «يقولون» الدال على غياب المرسل اليه، وكان تبليغ الرسالة بوساطتين: الأولى، موجه إلى بطن تيم، والثانية، موجه إلى الأخوين عبد شمس ونوفل بدلالة القرينة السياقية لصيغة الامر «ألا ابلغا» الدالة على التثنية، واداة الاستفتاح والتنبيه لقرع الاذهان لسماع الخطاب، ويبدو أن سلطة قوم الشاعر محدودة في نص الرسالة، فسرعان ما تنتقل الى الشاعر متوسلا بأدوات الخطاب المتنوعة من استعمال الفعل المضارع المبدوء بالهمزة أو التاء، على نحو ما نجده في «اظاهرتم، تنالونه أو تعطفوا، تدعوا»، وضمير المخاطب الجمعي «أنتم»، وصيغة الدعاء المفهومة من سياق النص «... أقر
َّتْ نواصي هاشم بالتّذلُّل»، واستعمال احدى طرائق الخطاب الطلبي ومنها: اسم فعل الامر«مهلا» وفعل الامر «فرومُوا» الذي ألزم الشاعر فيه قومه بعدم القدرة المحددة بالعلاقة الشرطية بين جملة الشرط وجوابها المبنية على التقابل:«ف
ـــإن كنتـــم ترجـــونَ قتلَ محمـــدِ فـروموا بمـــا جمعتـــم نقـــلَ يذبُـــلِ»فقتل محمد مرهون بتعجيز القوم في نقل جبل يذبل ال
ى مكان اخر، أي لايستطيعون؛ لأنه في حماية حصينة، ولهذا علت نبرة الشاعر الخطابية في مديح رسول الله (صلى الله عليه وآله) في فخره الجماعي وهو يثري سياقات الخطاب بالصور المجازية من العالم الخارجي الذي ابتدعتها لغته الفنية، مما ساعدت على بيان القيمة الجمالية للخطاب الشعري وهيمنة صوت الشاعر في توضيح فكرة الابلاغ، وافهام قومه للرسالة التي شكلت بنية تعبيرية حملت فكرته وانفعالاته.وخلاصة القول إنَّ نص الرسالة سلط الضوء في الخطاب الشعري المشترك بين الشاعر وقومه وما نتج عنه من ايصال فكرته في غواية القوم من قتل رسول الله(صلى الله عليه وآله) ثم انفصام الخطاب المشترك، واعلاء نبرة الشاعر المسيطر في الرسالة الموجهة، وجنوحه لتقديم صور من العالم الخارجي نهضت باعلام الطرف الاخر في اشعال اوار نار الحرب، وما يدور في ساحة المعترك اذا ما أصرَّ القوم على غوايتهم وهذا هو جوهر توصيل ابلاغ الرسالة، فتحول الخطاب الشعري من تنبيه بوساطة اداة الاستفتاح في بداية الخطاب الى وسيلة اقناعية في التبليغ، وعلى هذا النحو نهج أبو طالب في قصائد أخرى خبرها بهذا الأسلوب التبليغي(
89).وهناك اساليب لغوية متعددة وردت في شعر أبي طالب اتخذها سبيلا لقول الشعر استوعبت تجربته الشعرية وسنورد منها ما يأتي:
ـ النفي :
النفي اسلوب اخبار سلبي يدل على النقض والانكار للاشياء المادية والمعنوية على السواء وهو ضد الايجاب يراد به ازالة ما في ذهن المخاطب من اقتناع بشيء معين، وورد تركيب النفي في شعر أبي طالب(
90) بطرائق متبانية بحسب طبيعة التجربة الموضوعية التي يكون الشاعر في صدد الحديث عنها في نقض موقف معين وانكاره، يتبين في بنية السياق التعبيري من استعمال الادوات (لا، لم، ما) في رثائه لخاله أبي أمية ابن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم فقال:{من الطويل}
تَوَلّوا وَلا أَبو أُمَيَّة فيهمُ تَرى دارَهُ لا يَبرَحُ الدَهر وَسطَها ... وَإِن لَم يَكُن لَحمٌ غَريضٌ فَإِنَّهُ فَيُصبِحُ آلُ الل ه بيضاً كَأَنَّما |
|
لَقَد بَلَغَت كَظَّ النُفوسِ الحَناجِرُ مُكَلَّلَةً أَدمٌ سِمانٌ وَباقِرُ ... يُكبُّ لَهُم أَفواههُنَّ الغَزائِرُ كَسَتهُم حُبُوراً رَيدَةٌ وَمَعافِرُ( 91) |
حدد الشاعر وظيفة النفي اللفظية والمعنوية، فاستعمل (لا) النافية المشبهة بـ (ليس) الدالة على معنى السلب وترتبط بمضمون الكلام في انكار فكرة رجوع أبي امية مع المسافرين العائدين من الرحلة،مما تزاحم في نفس الشاعر الغم، والحزن، والالم لموت خاله، ويبدو أنَّ النفي بـ (لا) الداخلة على الجملة الاسمية آكد وابلغ مما لو دخلت على الفعل المضارع، فتجعل زمنه شاملا للحاضر والمستقبل على نحو قول الشاعر «ترى داره لا يبرح الدهرُ وسطها» فدل سياق النفي على عدم براح الدهر، لزهو دار أبي أمية بكثرة الجمال المعدة للذبح لاكرام الضيوف فيما مضى ويمتد الى زمني: الحاضر والمستقبل في تصور الشاعر الذهني؛ لأن موت خاله يصطدم مع زمني: الحاضر والمستقبل، الحائل دون عادة الكرم.
ويجتهد الشاعر في استعمال اداة النفي (لم) الدالة على قلب دلالة زمن المستقبل الى المضي في نفي ان تكون لحوم النوق غير طرية يريد أن النوق المذبوحة للضيوف سمينة للدلالة على عظم كرم خاله، وافادت (ما) من السياق دلالة لفظية في تقوية الصورة التشبيهية وتوكيدها في «كأنما... » فقريش اهل الله بيض الوجوه كأنهم كستهم ثياب الحبيرية بكرم المرثي عليه، فارفد النفي بتوسيع دائرة توكيد التشبيه، وكان ذلك كله دافعا قويا لتأبين الشاعر لخاله بفضيلة الكرم.
واستعمل أبو طالب تركيب النفي وسيلة لدفع أقاويل قريش في اتهام رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالزور والبهتان مخاطبا قومه:
{من الطويل}
وَأَصبَحَ ما قالوا مِنَ الأَمرِ باطِلاً فَأَمسى اِبنُ عَبدِ ال له فينا مصَدّقاًفَلا تَحسبونا خاذِلينَ مُحَمَّداً ... فَلا وَالَّذي يَحدي لَهُ كُلُّ مُرتَمٍ يَميناً صَدَقنا الله فيها وَلَم نَكُن |
|
وَمَن يَختَلِق ما لَيسَ بِالحَقِّ يُكذِبِ عَلى ساخِطٍ مِن قَومِنا غَيرِ مُعتَبِ لدى غُربَةٍ مِنّا وَلا مُتَقَرَّبِ ... طَليحٍ بِجَنبَي نَخلَةٍ فَالمُحَصَّبِ لِنَحلِفَ بُطلاً بِالعَتيقِ المُحَجَّبِ( 92) |
حشد أبو طالب أدوات النفي من اسم وفعل وحرف وهي «غير، ليس، ما، لا، لم» منفردة، ومكررة، لاثبات حقيقة ونفيها باحدى أدوات النفي ومنها أداة النفي (لا) التي افادت ازالة ما في ذهن السامع من قناعة بصدق اقوال قريش، المفترية بالكذب، فأثبت الشاعر أن ما ادعته قريش باطلٌ وهو محض افتراء، ويبطن الشاعر الاثبات في موضع النفي في جملة الشرط، فأتاحت له أن يمد العبارة في قوله: «ومن يختلق ما ليس بالحق يُكَذَّب» فطول التركيب ساعد على توضيح فكرة الشاعر في تثبيت حقيقة تلازم اختلاق الاحاديث بدلالة الزمنين الحال والمستقبل.
ويتوحد صوت المخاطِب بالصيغة الجمعية في خطاب الشاعر الموجه إلى قريش لاثبات صدق ابن عبد الله النبي محمد (صلى الله عليه وآله) فيما ذكره من فعل الأرضة لأكلها الصحيفة، فينفي عن قريش العتب بالاسم «غير»، وبعد اثبات صدقه برسول الله يعلو صوت الجماعة مفتخرا بنصرته ومنعته في عدم تركه بلا عون، وخذلانه بلا ناصر، وهذا غريب عند الشاعر لا يكون ابدا، ويؤكد الشاعر بحرف النفي (لا) بالقسم في مقدساته وصدق الله في قسمه؛ ليؤكد نفيه بالحرف (لم) الذي قلب دلالة الزمن من المستقبل الى المضي، فيؤكد مرة أخرى بالقسم بعدم حلفه بالكعبة بالباطل،وبهذا كله اتاح الشاعر بناء تركيب النفي المجال في الافادة من طاقات الانفعال المتنوعة، فشكلت ضمن تراكيب النفي تراكيب اخرى مثل: الشرط والقسم وجملة العطف، فشحنت انفعالاته في صور رفع الظلم والضيم والافتراء عن رسول الله الموجهة من قومه، ومن ثمَّ اعلان نصرته وحمايته، فيصل بهذه التراكيب إلى عنصر مكمل للعبارات الممتدة في تراكيب طويلة دالة على طول النفس الشعري عند الشاعر.
ـ التوكيد :
يورد المتكلم أحيانا حديثا خاليا من التوكيد؛ لأنه يشعر أن المستمع يتقبل كلامه بلا شك، أو انكار، وهو يسوق خبرا، أو اقرارا بحقيقة معينة، فاذا احسَّ الشاعر أنَّ كلامه سيقابل بالارتياب والانكار من الطرف الاخر، لجأ الى توكيده بأحد انواع التوكيد، بمؤكد واحد أو اكثر بحسب درجة الانكار والارتياب؛ لدفع غفلة السامع عنه، ولتقوية كلامه وتثبيته في نفس المخاطب، وأفاض أبو طالب باستعمال تركيب التوكيد بطرائقه المختلفة(
93) بحسب علاقته بمضمون تجربته الشعرية الذي هو في صدد الحديث عنها، التي لها وشائج بمواقف حياته، ولاسيما في خطاباته الموجهة الى قريش يحثهم فيها على تصديق دعوة رسول الله(صلى الله عليه وآله) ونصرته ومؤازرته على نحو قوله مفتخرا بمقاتلة مشركي اشراف قريش إذا ما استدعىالامر لذلك:{من الطويل}
وإنّا لَعَمْرُ اللهِ إنْ جَدَّ ما أرى |
|
لَتَلْتَبسَنْ أسيافُنا بالأماثِلِ( 94) |
أكد الشاعر باكثر من مؤكد واحد؛ لتقويه كلامه المرسل إلى مشركي قريش المعادين للإسلام، فيتباهى بانه يقاتل السادة الاشراف اكفاءَهَُ، وبسط هذه المؤكدات على مساحة البيت، فأكد بـ (ان) والقسم «لعمر الله»، وبـ (ان) مرة اخرى، والفعل المضارع المسبوق بلام الطلب المؤكد بنون التوكيد «لَتَلْتَبِسَنَّ» رغبة منه في تثبيت ما
قرره في اذهان مشركي اشراف قريش، وازالة الارتياب في عدم مقاتلتهم إذا اصروا على عنادهم في معاداتهم، وتمكن التركيب اللغوي في جملة النفي «ما ارى» الدالة على الحال والاستقبال على اطالة العبارة؛ لتوضيح دلالتها.وأكد أبو طالب بالتوكيد المعنوي باللفظ «كل» الدال على التعميم والشمول، وبالجملة المرادفة التي تعبر عن معنى واحد في مديح رسول الله(صلى الله عليه وآله) فقال:
{من الطويل}
مَثابا لأفناءِ القبائلِ كلِّها |
|
تَخُبُّ اليهِ اليعملاتُ الدَّواملُ( 95) |
راعى أبو طالب ما اقتضاه المقام في اختيار اللفظ المؤكد في الموضع المناسب بطريقة فنية متقنة، واردف بضرب آخر في توكيد العبارة الأولى بالمعنى نفسه لازالة الارتياب في ارادة الجمع، فرسول الله مثاب «القبائل كلها» من دون استثناء للدلالة على علو مكانته وسمو شأنه بوصفه رسولا للأمة، وللدلالة على أن القبائل كلها خاضعة لامره، وتابعة له، بما اصطفاه الله لهذه المهمة، وقد اكد الشاعر المعنى نفسه في الشطر الثاني، لتثبيت المعنى في ذهن السامع لما قرره في الشطر الاول، بيد أنَّه حذف الرجال الذين يأمون الى رسو ل الله(صلى الله عليه وآله) وابقى إبلهم النجيبة التي تَخُبُّ اليه، للدلالة على انقيادهم وطاعتهم له، وكأن الإبل النجيبة تشارك اصحابها هذا السفر الميمون لما عرف من حرص العربي على مشاركة ناقته معه في مواقف الرفعة والسمو، والتعبير «تخب اليه اليعملات الدوامل» تقوية لصورة «مثابا لافناء القبائل كلها» فابرز التوكيد رغبة الشاعر في اماطة أي شك يخالج ذهن المخاطب في غير امر الطاعة والانقياد والتبعية، وليثبت عمق ايمانه بما يقول بهذا الاسلوب في ذهن السامع.
ـ الاستفهام:
الاستفهام من الأساليب اللغوية التي يراد بها طلب الافهام،وهو تركيب خاضع لقدرة الشاعر على استعماله استعمالا فنيا، وتوظيفه توظيفا ابداعيا في السياق، ويُبرز فيه تجربته الشعرية، ويثري عمله بامكاناته اللغوية في تقديم تجربة اكثر عمقا وشمولا في التعبير عن مثار انفعالاته التي تعتريه لحظة ابداع عمله الشعري، ليتعرف على حقيقة ذهنية معنوية، أو حسية مادية، فيكشف ما يخشاه من رؤية وحيرة.
وقد ينسج الشاعر تركيب الاستفهام في بناء لغته الشعرية مفتوحا ومغلقا في آن معا، أي في حال طلب الجواب على الحقيقة، أو عدمه في حال المجاز عندما يخرج الى معانٍ مجازية يراد بها التقرير، والانكار،والتوبيخ، والتعجب، والتذكير، والافتخار، والسخرية، والتهكم،والتهويل إلى آخره، بيد أنَّ صيغ الاستفهام لا تتحدد بهذه المعاني تحديدا تاما؛ لأن دلالة تراكيب الاستفهام ترتبط بالاطار العام للموضوع الذي يتفرع منه، مما يؤدي الى تداخل المعاني واتساعها، واسلوب الاستفهام له أثره في تنغيم الكلام، وطريقة السؤال لها وقعها على السامع في تصنيف صور الاستفهام المختلفة بالوانها المذكورة، وترتبط طبيعة الاستفهام في شعر أبي طالب(
96) في صوره المتعددة والمتعلقة بامور حياته العامة التي تتطلب من الشاعر نبرة عالية في التعبير ـ سواء أكان الاستفهام حقيقيا ام مجازيا ـ المتفاعل مع عناصر التراكيب الأخرى على نحو عتابه لأخيه أبي لهب فقال:{من الكامل}
أبلغْ أبا لهبٍ مقالةَ عاتبٍ أم هل أتى أني خَذَلْتُ وغالني ... أجزرتهم لحمي بمكة سادراً |
|
هل تُنْكِرَنْ عند المُقامَةِ محضري؟ عنه الغوائلُ بعد شَيبِ المَكْبرِ؟ ... ثكلَتكَ أُمُّكَ أيَّ لحم تُجزرِ؟( 97) |
استفهم الشاعر بالاداتين: (هل، أي) بحسب مقتضى طبيعة كلام العتاب، ورغبة منه في توصيل ما يريد ايصاله، وهو يعبر عن ثورة انفعاله، فكرر الاستفهام بالحرف «هل» الذي لا يريد به معرفة شيء مجهول فحسب، وانما توقع الشاعر النفي في عدم نكران مكانته، أي اراد «لا تنكرنَّ» ومما يعزز الاستفهام المتضمن معنى النفي توكيد فعل المضارع جوازا بنون التوكيد، فهو استفهام عن فعل مؤكد، وليس مجرد عن حدوث الفعل، وانما عن حدوث اكيد له، ونلحظ ان الشاعر في الاستعمال الثاني لحرف الاستفهام «هل» نزع التوكيد من الفعل «أتى» جوازا؛ لمراعاة منظور المعنى في التعبير عن مكانه المناسب له، اذ اراد في المرة الاولى توكيد نفي عدم النكران، وفي المرة الثانية اراد استحالة ان يتلمس اخوه منه الخذلان، فاستعمل أبو طالب حرف الاستفهام «هل» في غاية الدقة في اختياره مع التركيب الاخر بطريقة فنية متقنة.
ويتضمن استفهام الشاعر بـ «أي» تفخيم شأنه وتعظيمه، وهو ازاء حال كشف ما يفعل اخوه ابو لهب مع قومه بجزرهم لحم أبي كناية عن غيبتهم له بما لايحق لهم به.
وتت
ظافر قوة انفعال الشاعر مع صيغة الاستفهام التي أججت مشاعره واحاسيسه الحزينة؛ لفقدان صديقه مسافر، فلا يكتفي بصيغة استفهامية واحدة، وانما يردد بعض أدوات الاستفهام المقدرة والظاهرة متأزرة مع الوان التركيب اللغوية في قوله راثياً:{من الخفيف}
لَيتَ شِعري مُسافِرَ بنَ أَبي عَمـ أَيُّ شَيءٍ دَهاكَ أَوغالَ مَرآ ... كَم خَليلٍ يَزينُهُ وَاِبنُ عَمٍّ ... كانَ مِنكَ اليَقينُ لَيسَ بِشافٍ |
|
رٍو وَلَيتٌ يَقولُها المَحزونُ؟ كَ وَهَل أَقدَمَت عَلَيهِ المَنونُ؟ ... وَحَميمٌ قَضَت عَلَيهِ المَنونُ؟ ... كَيفَ إِذ رَجَّمَتكَ عِندي الظُّنونُ؟(98) |
اظهر الشاعر حزنه وألمه وحسرته على فقدان صديقه وهو يحشد ألوانا من أدوات الاستفهام «الهمزة المقدرة، وأيُّ ، وهل، وكم، وكيف» سعيا منه في تنويع التعابير الاستفهامية، فعندما يخاطب الشاعر الفقيد وهو يتعلق بكلمة (ليت) التي لاتجدي نفعا اخفى حرف الاستفهام (الهمزة) الدالة على استحالة تحقيق امنيته في الاجتماع بصديقه مسافر في يوم بعينه، لاختطاف الموت له، فبينتها دلالة السياق المقدر في الكلام: ليت شعري يا مسافر أنجتمع أم لا ؟ فتجاوز الشاعر نمط استعمال الاستفهام باحدى ادواته الظاهرة الى استعماله باحدى ادواته المقدرة، وكأنَّ غياب الاداة استوعبت الحدث في دلالة غياب الامنية في الاجتماع بصديقه، بيد أنَّ المقابلة في الاجتماع وعدمه لا تعني التضاد وانما هي نمط من التباين الذي يرتبط بالتركيب، وبهذا كله افادت الهمزة التعيين عندما كان الاستفهام بها تصورا.
والشاعر يتخير أداة الاستفهام «أيّ» في التعبير عن تعجبه بما اصاب صاحبه، فاهلكه في غفلة، ويردف باستفهام اخر بالحرف (هل) توكيدا للتعبير عن تعجبه في اختطاف المنية صديقه.
إن هذه التساؤلات المشحونة بانفعال الشاعر تحولت الى خاطره عن الموت في تغذية فكره وتعميقه باسلوب الاستفهام في الأداة «كم» الدالة على الكثرة العددية في رحيل الخليل والصديق والقريب الذين اختطفتهم المنية، ولكن في الوقت نفسه، فان الشاعر لم يمنح بعض الرؤية في استكناه حقيقة موت صاحبه باليقين استعظاما لموته، ولهذا تولد في شعور الشاعر اضطراب الحقيقة بشأن موته، فتراه يطلق استفهاما اخر بالاداة «كيف» الدالة على الحال.
ومن انعامنا للنظر في بناء نسيج اسلوب الاستفهام يتبين أن أبا طالب تصرف تصرفا بليغا يرتفع بمستوى الاداء في التنغيم بادواته الموظفة في سياقات فنية اقتضت نبرة عالية في الاداء، انكشفت من خلال انفعالاته الحزينة وهو يخاطب الفقيد.
ـ الأمر:
احد وسائل الطلب الذي يحمل المخاطب على الالتزام بالاستجابة لفعل الامر، وتحمل صيغة الامر نزعة خطابية فيها استعلاء وظفها أبو طالب في رسائله الشعرية بكثرة، فمكانته في قريش تتيح له هذا النمط من اساليب الامر التي تُقبل منه على اية حال، فهو ممن لا يعترض على كلامهم في قبيلتهم لما تعرفه من سامق مكانته، وقد ورد هذا الاسلوب في خطابه الشعري(
99) بحسب تجربته الشعرية الآنية في الموضوعات التي تقتضي منه الجهر والنبرة العالية في اصدار الاوامر إلى المخاطِب بشيء معين يتعلق به، أو بغيره، أو بالامور العامة، تبرز من خلالها انفعالاته، ويوظف أبو طالب صيغة الامر بوصفها وسيلة ابلاغية لدعوة قبيلة كنانة، ولاسيما من اتصف بمكانته السامقة، وكرمه الوافر، لقبول الدين الجديد،ولنصرة رسول الله(صلى الله عليه وآله) فقال:{من الخفيف}
قُلْ لمنْ كانَ من كنانةَ في العزِّقد أتاكم من المليكِ رسولٌ وانصروا أحمداً فإنَّ من اللّـ |
|
وأهل النَّدى وأهلِ الفعالِ فاقبلوه بصالحِ الأعمالِ ـــهِ رداءً عليه غيرَ مُدالِ(100) |
تظهر صيغة الامر (قل) في السياق الواردة فيه انه طلب فيه الزامٌ في تبليغ رسالة شعرية الى قبيلة كنانة، وتفرع الخطاب التبليغي بحروف العطف إلى أهل الندى، وأهل الفعال، مما ساعد على طول النفس الشعري، وشد انتباه السامعين إلى تتبع فحوى مضمون الرسالة في انبائه ببعثة رسول الله (صلى الله عليه وآله) معززا الرسالة بالفعلين الامريين: «اقبلوه، وانصروه»، ولكي يقنع الشاعر قبيلة كنانة ببعثة النبي عضّد كلامه بتعليلات افادت بان رسول الله سيبذل لهم الاعمال الصالحة؛ ولهذا يتوجب عليهم الزام قبول دعوته. واسهم تركيب التوكيد لتعليل امر نصرته بانه يلتحف برداء رباني لا يزول عنه ابدا، ليحتم الشاعر على القوم الالتزام باوامره الصادرة عنه في القبول والنصرة.
ويوظف أبو طالب صيغة اسم فعل الامر وسيلة لطلبه المتلازم مع صيغة النهي؛ لاتمام دلالة السياق في خطابه الموجه إلى قومه، يذكرهم ظلمهم وعقوقهم وحصارهم في الشِّعب(
101)، فقال:{من الوافر}
فمهلاً قومَنا لا تَرْكَبونا |
|
بمَظْلِمَةٍ لها أمرٌ عَظيمُ |
ألزم الشاعر أشراف قومه من هم بمنزلته بصيغة اسم فعل الامر «مهلا» في تحذيرهم من ظلمهم، وقد اسهم تركيب طبيعة النهي «لاتركبونا» في الكف وترك حدوث الظلم، ليكمل الشاعر دلالة الصيغة الامرية.
ـ النداء:
صيغة النداء هي إحدى طرائق الخطاب الموجه من المنادى إلى من يريد الاقبال عليه وتنبيهه، والالتفات لسماعه، وهي وسيلة لتصوير انفعاله في التعبير عن تجربته الشعرية وقد يخرج النداء من انه وسيلة لجلب الانتباه والاقبال والالتفات إلى وسيلة للمناجاة بحسب التجربة الشعرية التي يكون الشاعر في صدد الحديث عنها، وتعددت صورة المنادى في شعر أبي طالب(
102) بتعدد تجارب حياته عبر اسلوب تقريري مباشر ـ في أكثر الاحايين ـ فهو لا يميل الى استعمال صيغة النداء لغرض التنبيه فحسب، وانما بوصفها وسيلة ابلاغية يبرز فيها علو النبرة، وجهارة الصوت ولا سيما مع حرف النداء «يا» ليفصح عما يعتريه من انفعال كان مدعاة الى استعمال هذا اللون من التركيب من دون غيره من التراكيب، متمثلا بندب الفقيد وتأبينه، ونصح الابناء والاهل والاقارب والعشيرة وارشادهم، وتهديد الخصم وتحذيره، وحماسة القوم وحثهم على مصاولة الاعداء، بيد أنَّ وظيفة النداء تتشكل مع واحد او اكثر من التراكيب اللغوية التي تم بها مداليل صيغة النداء المستعملة على نحو قول أبي طالب:{من السريع}
يا قومُ ذودوا عن جَمَا هيركم |
|
بكلِّ مِقْصالٍ على مُسْبِلِ( 103) |
ويلحظ أن نداء أبي طالب في هذا البيت بعيدٌ عن الانشاء الفني؛ لانه معني بالدلالة الصريحة التي يوصل من خلالها الى ما يريده إلى المنادى، فاستعمل تركيب النداء لقرع اذهان القوم وشد انتباههم إليه، ومن ثمَّ ابلاغهم امرا معينا، فتعاضد التركيب الطلبي للنداء مع تركيب طلبي آخر ورد بصيغة الامر؛ للنهوض بمدلول النداء الذي عبر عن غليان انفعاله في اثارة حماسة القوم للذود عن اشرافهم واعلامهم.
إنَّ نداء الشاعر المتأزر مع طبيعة الطلب ذي النبرة العالية المسيطرة تنسجم مع حال اعتداده بنفسه، وتدل على جليل مكانته، وعلو رئاسته في قومه، ولهذا كله برزت سمة السلطة في النداء وهو يصدر الاوامر لقومه.
وفي صيغة النداء قد لا يقصد أبو طالب لفت انتباه السامع للاقبال، وانما يجنح الى المناجاة في التعبير الذي يناى عن التقرير، فصوت الشاعر يرجع الى داخله اذ ينادي نفسه؛ بل ينادي عينيه لتأذن له بالبكاء إلى آخر الحياة على رحيل أخيه عبد الله والد رسول الله(صلى الله عليه وآله) فقال:
{من البسيط}
عيني ائذني ببكاءٍ آخر الأبدِ |
|
ولا تَمَلّي على قَرْمٍ لنا سَنَدِ( 104) |
حذف الشاعر حرف النداء؛ لأنه في حال لايسمح معها باظهار هذا الحرف؛ إذ بلغ من الحزن في ندبه وتأبينه لأخيه درجةً دعته إلى حذف حرف النداء، ودعوة عينيه مباشرة لهول المصيبة، فاراد أن ينادي سريعاً ليطلب الاعانة منهما، وبرز مدلول تركيب النداء المتزاوج مع تركيب الطلب النهي في السياق، اثراء صورة المرثي الممدوح بالقيم المعنوية، فهو السيد والسند؛ ليمنح صيغة النداء دلالة قيمة فقدان أخيه الذي ترك خسارة عظيمة لذويه، وهو يغذي خيال المستمعين ويندب؛ لمشاركتهم احساسه الصادق المشحون بحرارة العاطفة.
أثر الإسلام في لغة شعره:
إنَّ لغة الامة شديدة الحس والتأثر في كل ما يعتريها من تحولات على المستويات كلها: السياسية والدينية والاجتماعية، ومقدار قوة التأثر تتوقف على مقدار قوة التحولات وضعفها، فتتأثر اللغة في ذلك كله صعودا أو هبوطا.
ولاشك في أن الإسلام حدث كبير في حياة العرب غيَّر مجرى حياتهم مما ترك اثره في التحول والتغير والتطور الذي طرأ على اللغة.
وكان من نتاج هذا الأثر ان بعض الشعراء حادوا باللغة من القديم إلى الجديد فعزفوا عن الالفاظ الغريبة والحوشية، واستحدثت معانٍ والفاظ جديدة، وعُدِل عن موضوعات إلى موضوعات جديدة،والمعين الذي امدهم في هذا الشأن هو القرآن الكريم المعجز بلفظه ومعناه واسلوبه، فكان المثل الحي الذي ينهل منه الشعراء في محاكاته لما بهرهم اعجازه ببديع اسلوبه، وصياغة آياته،وتلاؤم فواصله إلى آخره، فطفقوا يقتبسون منه وظهر في كلامهم لفظا
ً وأسلوباً ومعاني وأغراضاً (105).ولغة شعر أبي طالب سارت موازية لحركة تطور الحياة الإسلامية الجديدة في ابنيتها الشعريةالجديدة الى جانب الابنية الشعرية القديمة والمتطورة(
106) التي اسهمت في التعبير عن متطلبات الحياة الجديدة المواكبة للمرحلة الانتقالية من الجاهلية إلى الإسلام، وبالتحديد بداية الدعوة الإسلامية وانتشارها، فكان هذا دافعا للوقوف عند تأصيل الظاهرة اللغوية في بيان اثر الإسلام في شعره: الفاظه ومعانيه وتعابيره الجديدة، لأن أبا طالب اول شاعر أيد الرسول (صلى الله عليه وآله) وناصره وآزره ودافع عنه، ويعد شعره البذرة الأولى لتأصيل اثر الإسلام فيه، ورائد الشعراء الإسلاميين في استعمال الالفاظ الإسلامية ضمن سياقاتها الجديدة التي اوجدها التعبير القرآني في انتقال دلالة بعض الالفاظ من معانيها القديمة إلى معانٍ جديدة غير معروفة قبل الإسلام. على أن البحث لم يغفل عن أن أبا طالب عاش في بيئة دينية قبل الإسلام، فقد كان هو ووالداه من الموحدين، ونشأ في مكة من اسرة تتمتع بمراكز دينية من سدانة بيت الله الحرام، وسقاية الحجيج فضلا عن ان اعلاء صوت الحق وبزوغ نور الهدى خرج من بيته، وقد واكب الحقبة الزمنية لنزول الوحي على ابن أخيه النبي محمد (صلى الله عليه وآله) فلاغرو بعد ذلك كله ان يتأثر في لغة التنزيل الحكيم في شعره، فنصه الشعري قد زخر بالفاظ القرآن ومعانيه وتعابيره بوصفه نصا لغويا معجزا يمتلك الخصائص الفنية فضلاً عما يتمتع به من الجوانب الاخلاقية والتربوية والارشادية التي أولاها أبو طالب عناية كبيرة في استعمالها، واستثمار الافكار التي جاء بها القرآن في قصائده الشعرية.ومن خلال القراءة الفاحصة لشعر أبي طالب يتبين أن أثر الإسلام في لغة شعره الملتزم بقصائده الإسلامية الجهادية لنصرة رسول الله يختلف من قصيدة إلى أُخرى بحسب تعدد طبيعة الموضوعات في القصيدة الواحدة من حث على النصرة، والمجاهدة في سبيل الله، ودعوة رسوله، والعتاب، والتعريض، والانذار، والتوعد والتحذير، فنجد اقتباسه من آيات الذكر الحكيم لفظا ومعنى تارة، واستثماره القصص القرآني تارة ثانية، وتزيين شعره بالألفاظ القدسية لاسم الجلالة وتعظيم صفات رسول الله(صلى الله عليه وآله) تارة ثالثة، إلى جانب استعمال الالفاظ الإسلامية التي فرضتها طبيعة الحياة الجديدة في ظل الدين الجديد(
107) التي سنتطرق إليها بالتفصيل.إن الكم الكبير الذي نزل من السور القرآنية المكية(
108) على رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان لها بالغ الأثر في الثقافة الدينية للشاعر فصقلت موهبته وأثرت في اسلوبه، فكانت الفاظ التنزيل العزيز وتعابيره تزين شعره في أغلب قصائده قبل غيره من الشعراء.ويلجأ أبو طالب
ـ في بعض الأحايين ـ الى تغيير صوغ المفردات والتعابير القرآنية المستعملة في نصه الشعري مراعاة للوزن، أو رغبة بالافادة من صور التمثيل القرآني في الانتفاع من دلالة الالفاظ التي تبرز من خلالها خبرته وثقافته الدينية.ومن اثار اقتباساته القرآنية في القصيدة البائية التي حذر فيها بطون قريش عندما اجتمعت على خلافه بشأن دعوة رسول الله (صلى الله عليه وآله) حذرهم من ويلات الحرب المسعرة مذكرا إياهم بحرب داحس والغبراء، وحرب ابرهة الاشرم وما جرت فيها من ويلات(
109)، بيد أن رحمة الله الذي لا أحد غيره تداركتهم فأنشد:{من الطويل}
فواللهِ لولا اللهُ لا شيءَ غيرُهُ |
|
لاصبحتُمُ لا تملكونَ لنا سربا( 110) |
استمد أبو طالب دعوة قريش إلى الإسلام وعبادة الله الذي «لاشيء غيره» من قول الحق: «...مَا لَكُم مِّنْ إلهٍ غَيْرُهُ ... » (
111) معللا ذلك بالبراهين العقلية بما انفرد به الله من الملك والقدرة، فهو مالك الملك مليك الناس، ومالك السماوات والارض وما بينهما وكلٌّ عبيدٌ تابع له،وهو الوهاب، والمبديء الخلق، والذي يعيدهم بعد نشأتهم الاولى فقال:{من الوافر}
مليكُ النّاسِ ليس له شريكٌ ومَنْ فوقَ السَّماءِ له لّحّقٌّ |
هو الوَهّابُ والمُبْدي المُعِيْدُ ومَنْ تحتَ السماءِ له عَبِيْدُ( 112) |
زين أبو طالب ابياته الشعرية من تعبير التنزيل العزيز من قوله: «...وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ...» (
113)، وقوله تبارك وتعالى «إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ»(114)، وقوله تبارك وتقدس «وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ... »(115) .إنَّ هذا الاقتباس لفظا، أو معنى في شعره يدل على مقدرته الفنية في اجادته في التعبير عن فن قول الشعر المذهّب بكلام الله، وعلى تشرب نفسه بالحب الصادق، والايمان العميق بما انزل الحق تبارك وتعالى، فضلا عن ان الشعراء من بعده كانوا يقتبسون شيئا من آي الذكر الحكيم في قصائدهم؛ «ليكسبوا معانيها قوة، ويضيفوا على الفاظها حلاوة ورونقا، ويبرزوا بذلك مقدرتهم على التفنن في التعبير»
(116).ويصدق أبو طالب ابن أخيه النبي محمد (صلى الله عليه وآله) ويتحدى مشركي قريش، ومخاطبا أبا جهل بنشر دعوة ابن أخيه بما امره الله به(
117)، فقال:{من الكامل}
صدقَ ابنُ آمنة النبيُّ محمدٌ إن ابن آمنةَ النبيَّ محمداً |
|
فتميّزوا غيظا به وتقطّعوا سيقومُ بالحقِّ الجليِّ ويصدعُ( 118) |
استثمر أبو طالب دلالة «فتميزوا غيظا» من التعبير القرآني وهو يومىء إلى الآية «تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ ...»(
119) التي تصف حال غضب جهنم على المشركين، وكأنه يشير إلى ما ينتظر المشركين من عذاب يوم القيامة، فجاء استثمار هذا التعبير لغايتين:الاولى:فنية، والثانية : وعظية دينية، وهو يومىء إلى حقيقة صدق النبي، فمن آمن بالصادق فهو المنى، ومن لايؤمن، فليتميز بغيظه كتميز جهنم يوم الحشر.وبعد مرور ثلاث سنين من نشر الدعوة السرية امر الحق تبارك وتعالى نبيه الكريم بأن يصدع بأمره وينشر دعوته جهارا(
120)، وهذا ما توقعه أبو طالب بيقين في قوله: «سيقوم بالحق الجلي ويصدع»، فأعان ابن أخيه وايده وناصره وحاماه وشد من ازره، وطلب منه أن يصدع بما امره الله به، فقال:{من الكامل}
فانفَدْ لأمرك ما عليكَ غضاضةٌ |
|
فكفى بنا دُنْياً لديك ودينا( 121) |
تمثلا لما امر الله به نبيه في معنى قوله المجيد «فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ»(
122)، كأنَّ شعر أبي طالب صدى للآيات القرآنية، إذ حرص على تصوير معاني هذه الآيات؛ لأن الدعوة الإسلامية لها حاجة إلى من يقف مع رسول الله(صلى الله عليه وآله) في وجه طغاة قريش بشعره، فكان له ذلك.ومن هنا فإنَّ ترجيح الدوافع الدينية لاستثمار الفاظ القرآن ومعانيه
أقوى من الدوافع الفنية كما يبدو.ومن الأبيات التي وشحها أبو طالب من آي التنزيل العزيز في القصيدة اللامية التي انشدها في الشِّعب ايام الحصار الذي فرضه مشركو قريش على رسول الله
(صلى الله عليه وآله) ومن اتبعه وحاماه، فتعوذ أبو طالب من شروروهم، فقال:{من الطويل}
أعوذُ بِربِّ الناس من كلّ طاعنٍ |
|
علينا بشَرٍّ أو مُلحِّقِ باطلِ( 123) |
استمد أبو طالب من النبع القرآني «قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ»(
124) فنلحظ أنَّ استعمال أبي طالب الالفاظ والتعابير القرآنية امر واضح في شعره يصور حسه الممزوج بالشعر الديني النابع من صدق وجدانه، وادراكه ان لغة التنزيل المجيد تمتلك قيمة فنية تترك اثارها العميقة في معاني النص الشعري.وربما وجد الشاعر بهذه الوسيلة لفت انتباه المشركين إلى لغة القرآن، وهي لغة تستهوي من يسمعها، فإذا كان المشرك مكابرا ولا يريد أن يسمعها من القرآن فليسمعها من أبي طالب من خلال شعره، ومن هنا أدّى أبو طالب خدمة كبيرة للإسلام بهذا المفهوم.
ونستطيع أن نلحظ التأثير القرآني في قصيدة أبي طالب النونية التي اومأ فيها إلى أن كتاب الله المنزل على نبيه محمد(صلى الله عليه وآله) يماثل ما أنزل على النبيين موسى وذي النون، فلا انحراف فيه ولا اعوجاج، وقد افادت في بيان هذا الكلام سورة ياسين فقال في قصيدته التي ناصر بها صاحب رسول الله(صلى الله عليه وآله) عثمان بن مظعون (رضي الله عنه) حين عذبته قريش فغضب عليهم وهددهم(
125) مستنكرا عدم ايمانهم وتصديقهم برسول الله(صلى الله عليه وآله){من البسيط}
أَو يُؤمِنوا بِكتابٍ مُنزَلٍ عَجَبٍ يَأَتي بِأَمرٍ جَلِيٍّ غَيرِ ذي عِوَجٍ |
|
عَلى نَبِيٍّ كَموسى أَو كَذي النُّونِ كَما تَبَيَّنَ في آياتِ ياسينِ( 126) |
نعت أبو طالب كتاب الله المنزل على نبيه بالعجب مستأنسا بمعانٍ من قول الحق حكاية عن انكار المشركين لكتاب الله(
127)، واصفا إياه بالاستقامة الذي لايأتيه الباطل مثلما وصفه الجليل، فهو «قُـرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ...»(128) قد جاء به النبي محمد (صلى الله عليه وآله) على منهج قويم وشرع مستقيم، كما بيَّنته آيات ياسين في قوله تعالى : «يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ المُرْسَلِينَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ»(129).إنَّ خطاب أبي طالب الشعري موجه الى من أسلم ومن لم يسلم، فمن أسلم فيمكن أن يقرأ سورة ياسين من خلال هذه الاشارة؛ ليقف على استقامة الدين من خلال الدليل المتين، ومن لم يسلم يمكنه الاطلاع على هذه السورة لعله يهتدي بهدي القرآن.
اطلع أبو طالب على كتاب الله المتضمن للسور المكية التي واكبت زمن البعثة ومنها ماورد ذكرها في قصيدته الميم
ية التي يحث فيها على نصرة رسول الله(صلى الله عليه وآله)فقال:{من البسيط}
وقد أتانا بحقٍّ غير ذي عوجٍ فيه عجائبُ يرتاحُ الفؤادُ لها من العزيزِ الذي لاشيءَ يُدركُهُ |
|
مُنَزَّلٍ في كتاب اللهِ معلومِ ممّا تنَزَّلَ في صادٍ وحاميمِ فيه بصائرُ من حقٍّ وتعظيمِ( 130) |
ومن عجيب نظم القرآن المجيد حسنه وبديع تأليفه، فلا نقص، ولا تفاوت في نظمه، فهو بحق غير ذي عوج، وقد استمد أبو طالب هذا المعنى من اكثر الايات المكية(
131) التي تضمنته.إنَّ حصول ثبات القلب والاطمئنان يؤديان الى اليقين الصادق بمعجزة الله (القرآن المجيد) فهو المعجز بنظمه ومن بديع نظمه حروف الهجاء(
132) في فواتح السور التي تدل على براعة الاستهلال(133)، ليعرف العرب «ان هذا الكلام منتظم من الحروف التي ينظمون بها كلامهم» (134)، ولكنهم في الوقت نفسه عاجزون عن الاتيان بمثله، ويومىء أبو طالب الى السور القرآنية المرتبطة إلى بعض حروف الهجاء، ومنها حرف الـ (صاد» الذي يفتتح به سورة «صاد» نفسها، والحرفان «حاء» و«ميم» اللذان تفتتح بهما السور الآتية على الترتيب القرآني: غافر وفصلت والشورى والزخرف والدخان والأحقاف.وتأتي اهمية توظيف القصص القرآني في شعر أبي طالب من اتخاذهما حجة قوية لدعم ارائه وافكاره التي يراد بها أن تعم في عقول مشركي قريش وانذارهم؛ لبيان حقيقة مغبة طغيانهم واصرارهم على الكفر، والهدف من هذه القصص القرآني موعظتهم وتوجيههم ونصحهم،وهذا ما يتناسب مع موضوع القصيدة المطروق، ففي القصيدة القافية حذر فيها مشركي قريش عندما رأوا من العبرة ما كان مقنعاً بنبوة رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فكان حسدهم قد أضلهم من الاهتداء إلى سبيل الرشاد، فحذرهم من عنادهم على الكفر، واصرارهم في معاداة رسول الله مؤكدا بقسمه «... بِرَبِّ ال
ْـمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ...»(135) المستمد من التعبير القرآني؛ خشية ان يحل بهم العذاب مثلما حلَّ بقومي: عاد وثمود، الذين ذكرهم الله تعالى في محكم كتابه: «وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الأولَى وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى»(136) وأومأ أبو طالب إلى هذه الدلالة في شعره، وذكر القصتين فقال:{من المتقارب}
أَفيقوا بَني غالِبٍ وَانتَهوا وَإِلا فَإِنّي ـ إذَنْ ـ خائِفٌتَكونُ لِغابرِكُمُ عِبرَةً كَما نالَ مَن كانَ مِن قَبلِكُم غَداةَ أَتَاهُم بِها صَرصَراً فَحَلَّتْ عَلَيهِم بِها سَخطَةٌ غَداةَ يُعضُّ بِعُرقوبِها |
|
عَنِ البَغيِ في بَعضِ ذا المَنطِقِ بَوائِقَ في دارِكُم تَلتَقي وَرَبِّ المَغارِبِ وَالمَشرِقِ ثَموداً وَعاداً فَمَن ذا بَقي وَناقَةُ ذي العَرشِ إِذ تَستَقي مِنَ اللهِ في ضَربَةِ الأَزرَقِ حُساماً مِنَ الهِندِ ذا رَونَقِ( 137) |
استلهم أبو طالب قصص هلاك قوم عاد وثمود الذين كذبوا انبياءهم فاصابهم عذاب الله، فتمثلت قصة عاد
ـ وهم قوم نبي الله هود (عليه السلام) في قوله تعالى: «وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ فَهَلْ تَرَى لَـهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ»(138)، واستشهدنا بهذه الآيات من دون غيرها من الآيات؛ لأنها أكثر الصاقا بدلالة الابيات الشعرية، وكذلك قصة ثمود أيضا(139).وتتمثل قصة ثمود
ـ وهم قوم نبي الله صالح (عليه السلام) في قوله تعالى: «كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ فَقَالُوا أَبَشَراً مِنَّا وَاحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ أَءُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الأشِرُ إِنَّا مُرْسِلُو الْنَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ»(140).أشار أبو طالب بايجاز الى ما فصله التعبير القرآني للقصتين معتمدا على معرفة المستمع المسلم تفاصيلهما، وعلى معرفة المستمع المشرك الشكل العام لهما، ولهذا اوجز القول في هذا المعنى، وان الاستثمار لهاتين القصتين في شعره تبينان ان الأفكار التي تحكم اذهان قريش هي الأفكار نفسها التي تحكم اذهان قومي النبيين: هود وصالح
8 حول رفض فكرة تمثيل النبوة بالبشر، ومواجهة النبي محمد(صلى الله عليه وآله) بالكذب والافتراء، فلغة شعر أبي طالب في هذا المقام توجهت توجها : ترهيبيا يتحدد في موقف المشركين من معاداة رسول الله، وترغيبيا في الدعوة إلى الاستفادة من تاريخ الامم السابقة التي ورد ذكرها في التنزيل الحكيم، وبهذا كله توجهت لغة الأبيات إلى النصح والإرشاد والعظمة.وترد ظاهرة الأسماء كثيرا في الالفاظ الإسلامية في القصائد التي نظمت بعد بزوغ فجر الإسلام، ومنها الالفاظ القدسية للفظ الجلالة (الله) تبارك وتعالى، وأسماء نبي الهدى المرسل الى الناس كافة رسول الله محمد(صلى الله عليه وآله) .
فقد وردت بعض الصفات القدسية التي تتعلق بالله تبارك وتقدس تبين عظمة جلالته، وتدل على ايمان الشاعر الصادق وحبه وتقديسه للذات الالهية بوصفه رب الناس، الله ليس بغافل، الهاً، رب العباد، رب المغارب والمشرق، رب الورى، الحق، الله وحده ، الرب، الملك، ذو العرش، ربِّ قاهرٍ، الله ناصراً، الله اوحد، ربِّي، مليك الناس، ليس له شريك، الوهاب، المبدي، المعيد، العزيز، ذو العزة
(141). فهذه الصفات تقوم مقام اسم(الله) تبارك وتعالى، بيد أنَّ اسم الله مستولٍ على الأسماء كلها وإليه تنسب الأسماء جميعها(142)، قال تعالى: «وَلِله الأسْمَاءُ الحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ...»(143).وقد اقتضت طبيعة الموضوع الشعري والتزام أبي طالب بقضية نصرة رسول الله وحبه له، وايمانه بصدق قضيته، في كونه حامي حماة الإسلام، دفعه إلى ذكر صفات ابن أخيه نبي الهدى في مدائحه النبوية، فنجدها مسجلة في الديوان، ماثلة عبر أسمائه ونعوته،وهي: محمد، صاحب الله، أمين، النبي محمد، الرسول، رسول المليك، أحمد، رسول الله، المصطفى، خير من وطأ الترابا، ابيض يستسق
ى الغمام بوجهه، فلا زال في الدنيا جمالا لاهلها، يوالي الإله، حبيبا، مسوما بخاتم، برهانا عليه وهيبة، صادق القول، ابن عبد الله، لا يعاب لقوله كوحي الكتاب، يدعو الى الهدى، تنزل عليه من ذي العزة الكتب، أنف بني قصي، أمين الله، المتقي، المؤيد، وزير، إمام العالمين، مسوَّد، رسول الاله ... إلى آخره (144).وتقترب لغة أبي طالب الشعرية من ألفاظ الحياة الإسلامية اليومية الجديدة من لغة المخاطبين، وهي مفردات تنحى منحى النصح والارشاد، والدعوة للدين الحنيف، والتحذير والانذار والتوعد، واعلان نصرته لمؤازرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) والذود عنه، مفردات تتكرر في لغة شعره الإسلامي، فقد قرر اللغويون الى ان معاني إسلامية سميت بأسماء كانت في الجاهلية لمعانٍ اخر مثل: المسلم، والمؤمن،والكافر، والصلاة، والسجود،والهدى، والتقوى والجهاد إلى آخره من المفردات التي لم تعرفها العرب قبل الإسلام بدلالتها الجديدة(
145)، وذكرها أبو طالب في شعره(146).وهذه الحصيلة اللغوية في التحول الدلالي للالفاظ ناتجة من تأثر أبي طالب في ألفاظ الكتاب المجيد التي اعطاها التعبير القرآني سمة دينية متطورة لها اثرها في لغته الشعرية، فمن الألفاظ القديمة التي ارتدت حلة جديدة في ظل الحياة الإسلامية الجديدة ومتطلباتها، اللفظ المشتق من مادة «سجد» الذي ورد في شعر أبي طالب بدلالته القديمة والمتطورة.
فمما جاء في دلالته القديمة ما نتأمله في قصيدته الميمية التي تصف حال الراهب بحيرا عندما رأى احدى علامات النبوة في ابن أخيه فخر الراهب ساجدا له تصديقا به فقال أبو طالب :
{من الطويل}
حَنى رأسه شِبْهَ السجودِ وضَمَّهُ |
|
إلى نحرهِ والصدرِ أيَّ ضُمامِ( 147) |
والأصل في «سجد» تطلق على كل من طأطأ رأسه وانحنى(
148)، وبهذه الدلالة القديمة قصد بها الشاعر الاحترام والتقديس لمكانة النبي المرتقب، ولا يخفى ـ في البيت ـ ان السجود يعني التعظيم لقدر النبي لما عرف الراهب بحيرا انه سوف يكون النبي المنتظر المبعوث اخر الزمان، فقد «كان من سنة التعظيم في ذلك الوقت ان يسجد للمعظم» (149)، قبل أن ينهي المشرع الإسلامي عن هذا الاداء، فلم يجوز السجود لغير الله تبارك وتقدس، فسجود الراهب سجود تعظيم لا سجود عبادة.ثم تحولت دلالة «السجود» إلى دلالة تحمل معنى آخر، فالمسجد هو المكان الذي يؤدي فيه شعائر تعبدية، ومدح أبو طالب نبي الله محمد (صلى الله عليه وآله)، وفي مديحه
(150) تطرق إلى فخره بتولي بني هاشم منصبي: سقاية الحجيج وسدانة بيت الله الحرام: فقال:{من مجزوء الكامل}
وَلَنا السِقايَةُ لِلحَجيـ وَالمَأزمانِ وَما حَوَت |
|
جِ بِها يُماثُ العُنجُدُ عَرَفاتُها وَالمَسجِدُ( 151) |
على الرغم من أن بيت الله الحرام كان يأمه الحجاج العرب جميعا؛ لاداء شعائرهم الدينية وان الصلاة لم تكن على الشكل الذي يمكن ان يتصور، كانت دلالة المسجد ـ فيما بعد
ـ اطلقت على بيت الله الحرام، ومكان مصلى الجماعات(152)، وعلى هذا يكون أبو طالب ـ هنا ـ قصد مكان التعبد لله تعالى والخضوع له، ولاسيما ان الصلاة فرضت ـ في الحقبة التي عاشها ـ ركعتين ركعتين في العشي والا بكار(153) فيحتمل أنها كانت تؤدى هذه الشعيرة التعبدية في المسجد، ومن هنا فلفظ المسجد، دلالة متطورة لم تكن شائعة وقت ذاك .ومن الألفاظ التي تحمل الدلالة القديمة والجديدة في شعر أبي طالب كلمة «شفع» في القصيدة الرائية التي أبَّنَ بها والده عبد المطلب، فذكر فضائله فيها، فقد كان وجيها عند الله مستجاب الدعاء(
154)، فبشفاعته كان يستسقي أهل مكة أيام نضوب الماء، فمدح أبو طالب والده بهذه الفضيلة فقال:{من الطويل}
أبونا شفيعُ الناسِ حتّى سُقوا بهِ ونُحنُ سنينَ المَحْلِ قامَ شَفيعُنا |
|
من الغيثِ رَجّاسُ العَشِيِّ بكُورُ بمكَّة يدعو والمياهُ تَغُورُ( 155) |
فالأصل في لفظ «الشَّفْع» خلاف الوتر،ويقال شفع فلان لفلان اذا جاء ثاني
ة ملتمسا مطلبه ومعينا له(156)، وقد تكون «الشفاعة: كلام الشفيع للملك في حاجة يسألها لغيره» (157)، وقد كان عبد المطلب حاكم مكة ورئيسها، ومن الموحدين وله منزلة عظيمة عند الله تعالى، ولذلك كان يسأله أهل مكة أيام المحل في نزول المطر عليهم.ثم تحولت دلالة لفظ الشفاعة في العهد النبوي إلى دلالة أخرى مستمدة معناها من الخطاب القرآني(
158)، فالنبي محمد (صلى الله عليه وآله) الشفيع عند الله يوم يقوم الحساب، فيسأل الله الغفور التجاوز عن ذنوب عباده(159)،فالجديد في لفظ الشفاعة ان رسول الله(صلى الله عليه وآله) يكون شفيعا لأمته في الدنيا والاخرة، وإلى هذا المعنى الجديد تمنى أبو طالب أن يشفع له ابن أخيه يوم المحشر فقال:{من الطويل}
أتراهُ يشفعُ لي ويرحمُ عبرتي؟ |
|
هيهاتَ إنّي لا محالةَ راهقُ( 160) |
ولا يخفى من دلالة جديدة في طلب رسول الله محمد(صلى الله عليه وآله) الشفاعة لأمته يوم الحساب، وهذه الدلالة الجديدة المستمدة من التنزيل الحكيم غير معروفة عند الشعراء الموحدين قبل الإسلام(
161) .ومن الألفاظ الجديدة غير المعهودة في الاستعمال اللغوي عند العرب التي أوجدها الإسلام(
162)، لفظ الإسلام: وتعني دلالة اصل المادة اللغوية «سَلِم»: براءة الناس من العاهة والاذى(163)، ثم انتقلت دلالة الاسم المشتق منه «الإسلام» الى الانقياد والخضوع لاوامر الشريعة الإسلامية والزام اتباعها(164).وقد تعارف الناس عليه بوصفه لفظا دينيا إسلاميا معروفا ومتداولا في عهد النبوة، فاطلق اسم الإسلام على الدين الجديد الذي اتى به النبي محمد(صلى الله عليه وآله) وذكره التعبير القرآني(
165) واستعمله أبو طالب في شعره، فورد الاسم «مسلم» (166)، والفعل «اسلموا» (167) و«إسلام» مضاف الى النبي، فقال أبو طالب في الذود عن النبي (صلى الله عليه وآله) :{من الطويل}
نفارقه حتّى نُقَتَّلَ حولهُ |
|
وما نالَ إسلام النبيِّ المُقَرَّبِ( 168) |
والمؤمن من الالفاظ الإسلامية التي تحمل دلالة جديدة غير معروفة عند العرب قبل الإسلام، «وان العرب انما عرفت المؤمن من الامان والايمان وهو التصديق،
ثم زادت الشريعة شرائط واوصافا سمي المؤمن بالاطلاق مؤمنا» (169) ومن شرائط الايمان واوصافه «اظهار الخضوع والقبول للشريعة ولما اتى بعد النبي(صلى الله عليه وآله) واعتقاده وتصديقه بالقلب، فمن كان على هذه الصفة فهو مؤمن» (170).وبهذه الدلالة الإسلامية الجديدة المستلهمة من الكتاب المجيد(
171) استعملها أبو طالب في شعره بصيغ متعددة فمن المادة «أمِنَ» اشتق الاسم:«الايمان»
(172)، و«الامين»(173)، و«المؤمن» (174)،والفعل «آمن» (175)، و«آمنوا» (176)، و«تؤمنون» (177)، فقال في قصيدته اللامية في وصف مناصري رسول الله(صلى الله عليه وآله) من بني هاشم:{من الطويل}
بأيمانِ شُمٍّ من ذؤابةِ هاشمٍ |
|
مَغاويرَ بالأبطالِ في كلِّ جَحْفَلِ( 178) |
إنَّ لغة أبي طالب الشعرية التي نظم القصائد فيها بروح الإسلام الناتجة من تأثره في التعابير القرآنية، ابرزت ظاهرة أدبية ولغوية بالغة الأهمية في التحول الدلالي للألفاظ التي استعملها بدلالة إسلامية تتناسب والحياة الدينية التي استحدثت فيها تطورات في المستويات جميعها، ومنها اللغة الشعرية.
وفي ضوء ما تقدم يتبين: أنَّ لغة شعر أبي طالب جاءت استجابة لشمولية الحياة، واتساع ميدان الشعر بالوانه المختلفة المتمثلة بمرحلتين قبل الإسلام،وبعده، فغلب على شعره السهولة والوضوح والسلاسة المتناسبة مع طبيعة حياة المدينة التي يحياها الشاعر البعيدة عن حوشي الكلام، والغريب، والصنعة، والقريبة من لغة الحياة الإسلامية اليومية الجديدة، وذلك لان موضوعات شعره تنطوي على اهداف تدعو إلى قيم اجتماعية ودينية وعاطفية، ولهذا كله برزت السهولة والوضوح ليس في الالفاظ فحسب؛ وانما في الصياغة والاساليب الظاهرة في الخطاب الشعري المنسجم مع التوجيه والوعظ والحث والتحذير والتهديد إلى آخره.
ورفد شعر أبي طالب بالفاظ ومعانٍ مستمدة من النص القرآني في قصائد سهلة الاسلوب متقاربة المعاني تبرز فيها ظاهرة التأثر بالدين الحنيف الذي يفصح عنها سياق النص الشعري، واخذت بعض مفردات أبي طالب الشعرية بعدا جديدا في تحولها الدلالي المستوحى من الذكر الحكيم المعجز ومن تطور الحياة الإسلامية، فازدهرت ألفاظه بدلالتها المتغيرة في قصائده الإسلامية بشكل واسع توضح من خلالها ما يحويه المعجم الشعري الإسلامي من الفاظ وظفت توظيفا حيا في شعره قبل غيره من شعراء الإسلام بحكم مواكبته للحقبة المبكرة لظهور الإسلام.
***
الهوامش:
(1) بناء القصيدة عند الشريف الرضي (بحث): 198. ظ: مكانة القصيدة العربية بين نقاد والرواة العرب: 5، نقد الشعر في المنظور النفسي: 102.
(2) ظ: الوساطة بين المتنبي وخصومه : 17- 18.
(3) ظ: لغة الشاعر (بحث): 41.
(4) ظ: الأسس الجمالية في النقد العربي: 340، الأسلوب: 74.
(5) ظ: طبقات فحول الشعراء: 1/245.
(6) ظ: الديوان: 260- 261.
(7) م.ن: 261- 262.
(8) الديوان: 181، قُلال: أي قليل.
(9) الديوان: 340.
(10) الديوان: 331.
(11) الديوان: 111- 112.
(12) لسان العرب: «نهب».
(13) م.ن: «وتر».
(14) م.ن: «حنفق».
(15) م.ن: «بكر».
(16) ظ: م.ن: «فنق».
(17) الديوان: 209، (انا ابن بجدتها) مثل: ظ: جمهرة امثال العرب:1/38، فصل المقال في شرح كتاب الامثال:1/297، مجمع الامثال: 1/22، المستقصى في امثال العرب: 1/376.
(18) ظ:لسان العرب: «صيب».
(19) م.ن: «رقح».
(20) ظ: الديوان: 75، 76، 77، 78، 79، 83، 94، 96، 97، 101، 104، 107، 121، 126، 131، 133، 137، 138، 149، 169، 171، 175، 177، 178، 180، 184، 205، 220، 246،247، 251، 253، 259، 330، 334، 335، 339، 340، 341.
(21) ظ:م.ن: 94، 96، 97، 101، 149، 169، 171، 177، 178، 220، 246، 247، 253، 330، 340.
(22) السيرة النبوية لابن هشام: 1/125.
(23) الديوان: 97.
(24) ظ: المحبر: 132، 165.
(25) ظ: الديوان: 97.
(26) م.ن: 80، ظ :م.ن: 94، 333.
(27) ظ:م.ن: 149.
(28) ظ:م.ن: 78، 107، 121، 178، 334- 335.
(29) ظ: انساب الاشراف: 1/133.
(30) ظ: الكامل في التاريخ: 2/47- 48.
(31) الديوان: 107.
(32) الديوان: 101.
(33) ظ: م.ن: 100، 104، 205.
(34) الديوان: 205- 206. ما بين القوسين بياض في الديوان.
(35) ظ:م.ن: 75، 76، 77، 78، 79، 121، 178، ظ: السيرة النبوية لابن هشام: 1/281- 282، ما بين الاقواس التعريف بهذه الشخصيات.
(36) الديوان: 75- 77.
(37) ظ: م.ن : 247، 258، 259.
(38) م.ن: 258.
(39) ظ: الديوان: 72، 138، 211، 255، 259، الديوان (التونجي) : 95.
(40) الديوان: 183.
(41) ظ:م.ن: 131، 132، 133.
(42) م.ن: 131.
(43) ظ:م.ن: 97، 126 138، 180.
(44) الديوان: 97.
(45) م.ن: 180.
(46) الديوان: 180.
(47) العمدة: 2/121- 122.
(48) الديوان: 126.
(49) ظ: الكامل في التاريخ: 2/17- 18.
(50) ظ: الديوان: 75، 80، 81، 82، 83، 84، 88، 91، 92، 95، 97، 98، 99، 107، 113، 115، 116، 118، 120، 122، 127، 128، 129، 149، 177، 178، 183، 187، 205، 207، 211، 214، 222، 241، 242، 243، 244، 246، 330، 333، 336، 338.
(51) ظ: جمهرة انساب العرب: 2/464.
(52) ظ: الديوان: 97، 113، 124، 177، 183، 207، 242، 243، 335.
(53) م.ن : 242- 243.
(54) ظ: م.ن : 80، 81، 82، 83، 84، 88، 92، 95، 97، 107، 115، 117، 121، 127، 129، 178، 183، 187، 205، 211، 214، 222، 241، 242، 246، 330، 336.
(55) الديوان: 187.
(56) م.ن: 80، 107، 117، 178، 183، 187، 214.
(57) ظ: انساب الاشراف: 1/61.
(58) الديوان: 205.
(59) ظ:م.ن: 75، 91، 99، 113، 116، 118، 120، 122، 128، 177، 241، 338.
(60) م.ن: 177.
(61) م.ن : 182.
(62) ظ:الديوان: 80، 99، 113، 118، 177.
(63) الديوان : 80.
(64) ظ: م.ن: 72، 73، 74، 75، 78، 80، 81، 90، 94، 96، 97، 104، 106، 112، 117، 118، 122، 124، 126، 127، 132، 134، 138، 149، 165،166، 166،168، 174، 178، 182، 184، 187، 190، 191، 192، 193، 197، 198، 212، 214، 216، 222، 227، 230، 231، 235، 236، 238، 243، 244، 245، 251، 263، 330، 332، 333، 335، 336، 337، 339، 340.
(65) م.ن : 71.
(66) الديوان: 71- 73.
(67) يعرف اليوم بجبل النور.
(68) «كانت قريش اذا دخل رمضان، خرج من يريد التحنث (التعبد) منها إلى حراء، فيقيم فيها شهرا، ويطعم من يأتيه من المساكين، حتى اذا رأوا هلال شوال، لم يدخل الرجل إلى أهله حتى يطوف بالبيت اسبوعا، فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يفعل ذلك». أنساب الأشراف: 1/105.
(69) ظ: الرُّوض الأُنف في تفسير السيرة النبوية لابن هشام: 2/ 21- 22، خزانة الأدب: 2/ 62 .
(70) الديوان: 245.
(71) ظ: م.ن: 116.
(72) م.ن : 116.
(73) ظ: الديوان: 117.
(74) م.ن: 117- 118، المعمل: الطريق اللحب المسلوك.
(75) ظ: تمثيلاً: شرح ديوان زهيربن ابي سلمى:14 ، ديوان النابغة الذبياني: 25.
(76) الديوان: 124.
(77) ظ: الديوان: 80، 85، 90، 94، 97، 101، 107، 114، 120، 149، 235، 333.
(78) م.ن: 94، القتار: دخان الطعام المطبوخ.
(79) م.ن : 335، ظ: م.ن: 263، 264، 336، 337.
(80) الديوان:126- 127.
(81) ظ: م.ن: 80، 90، 106، 174، 222، 231، 243، 244، 245، 251، 339.
(82) م.ن: 132.
(83) م.ن : 134.
(84) الديوان: 339.
(85) ظ: الديوان: 82، 117، 127، 184، 205، 211، 227، 239، 242.
(86) م.ن : 242- 244، الضوابح: مفردها ضابحة، وهي الفرس التي ترسل صوتا حين عَدْوها ليس بالصهيل ولا بالحمحمة، السفاسرة: مفردها السِّفير، وهو العالم بالاصوات والقيِّم بالامر المصلح له، الشهور: العلماء، نصور: جمع ناصر، وصدر البيت التاسع غير مستقيم.
(87) الديوان: 227- 228، القماقم: مفردها القمقام، وهو السيد، الدسيعة: العطية الجزيلة.
(88) الديوان: 117- 119، المعُجل: صفة للناقة التي تلد قبل استكمال الحول، نمرها: نمسح ضرعها، جالح بالشيء: جاهر به، نعرك: ندلك، الكلكل: الصدر، العيطاء: الطويلة العنق، والعيطل: الطويل العنق في حسن، الطَّمرة: الفرس الجواد الطويل القوائم، ميعة الفرس: اول جريه، المراكل :موضع ركل الدابة بالقدم، الهيكل: الفرس الطويل، والكعوب من الرمح قدر ما بين العقدتين، حرور الذيل: صفة للدرع الطويل، الزغف: الدرع الواسعة الطويلة، الدلاص: اللينة البّراقة.
(89) الديوان: 82، 127، 184، 205، 211، 239.
(90) الديوان: 71، 72، 73، 74، 75، 76 ، 77، 78، 79، 80، 81، 82، 83، 84، 85، 87، 89، 91، 93، 96، 97، 98، 102، 104، 106، 107، 108، 110، 112، 113، 114، 115، 117، 118، 121، 122، 123، 124، 125، 128، 129، 130، 131، 132، 133، 134، 136، 137، 138، 149، 150، 177، 178، 181، 183، 184، 185، 206، 207، 208، 209، 212، 213، 221، 222، 244، 231، 235، 239، 240، 241، 242، 243، 244، 245، 246، 247، 251، 253، 254، 258، 259، 330، 331، 333، 336، 339، 340، 341، 342، 344.
(91) الديوان: 138، الأدم: شديد البياض، الباقر: جماعة البقر، الحبير: الثياب الموشاة والناعمة الجديدة، ريدة ومعافرة: بلدان في اليمن اشتهرا بالثياب الحبيرية.
(92) م.ن : 96، يحدي: يسرع، المرتمي: الساقط، الطليح: الهزيل، جنبا نخلة: واديان قرب مكة، ظ: معجم البلدان: 5/277، المحصب: موضع رمي الحجار،ظ: م.ن: 5/62.
(93) ظ: الديوان:70، 71، 72، 73، 74، 75، 76 ، 77، 78، 79، 80، 81، 82، 83، 84، 85، 87، 88، 90، 91 ،92، 93، 95، 96، 97، 98،99، 100،101، 102، 106، 107، 108، 112، 113، 114، 115،116، 117، 118،119، 121، 122، 123، 124، 125،126 ،127، 129، 130، 131، 132، 133، 137، 138، 149، 150،172،177، 180،181، 183، 184، 185، 206، 207، 208، 209،211، 212، 220، 221، 222، 231، 235، 239، 240، 241، 242، 243، 245، 246، 247، 254، 258، 259، 261، 274 ، 329، 330، 331،332، 333،334، 335، 336، 338، 340، 341، 342.
(94) الديوان: 75.
(95) م.ن : 341، اليعملات: جمع يعملة، وهي الناقة النجيبة، والدوامل: صفة لها وهي المصابة بجروح بسبب طول الطريق.
(96) ظ: الديوان: 73، 78، 85، 97، 104، 107، 109، 110، 115، 116، 123، 126، 127، 132، 177، 184، 209، 211، 213، 222،244،234 ، 237، 247، 255، 258، 261، 333، 338، 340، 344.
(97) م.ن : 184.
(98) الديوان (التونجي): 93- 94.
(99) ظ: الديوان: 78، 79، 81، 82، 87، 88، 96، 97، 98، 100، 101، 109، 117، 118، 122، 124 127، 137، 177، 178، 180، 184، 205، 207، 211، 212، 220، 231، 239، 241، 242، 246، 253، 254، 255، 259، 261، 334، 335،339، 340، 341.
(100) الديوان: 207.
(101) م.ن: 122.
(102) ظ: الديوان: 77، 78، 79، 92، 96، 98، 101، 109، 115، 124، 169، 177، 178، 183، 231، 244، 245، 251، 330، 334، 340.
(103) الديوان : 109، مِقصَال: سيف قاطع، مُسْبِل: فرسٌ طويل الذَّنَب.
(104) م.ن : 98 .
(105) ظ: تاريخ الادب العربي في العصر الإسلامي (السباعي): 4- 9.
(106) ظ: الفصل الخامس: البناء الفني في شعره من الاطروحة: 162- 188.
(107) ظ: الديوان: 71، 72، 73، 74، 76، 77،، 80، 81، 84، 85،87، 88،90، 91، 93، 95، 96، 100، 102، 107،108، 111، 112، 113، 115، 117، 118، 120،121، 124 ،127، 128، 130، 131، 133، 137، 149،150، 158، 159، 167، 171، 172، 175، 177، 178، 180، 183، 185، 189، 190، 191، 192، 193،198،205،206، 207، 211، 212، 214، 215، 228، 230،231 ،234، 235، 236، 239، 241، 242،244،246،251، 253، 254، 255،256، 258، 259،329، 331، 332، 333، 334، 338،339،340، 343، 344.
(108) ظ: القرآن الكريم: الفهرس باسماء السور فقد بلغ عددها ستاً وثمانين سورة مكية من مجموع مائة واربع عشرة سورة من القرآن والرسول(صلى الله عليه وآله) هاجر الى المدينة بعد وفاة عمه بثلاث سنين، تخللت هذه المدة خروجه الى الطائف وعرضه نفسه على القبائل ،ظ: السيرة النبوية لابن هشام: 2/46- 53.
(109) ظ: الديون: 183.
(110) الديوان: 183، السرب: الطريق.
(111) هود/ 50، 61.
(
112) الديوان: 158.(
113) الفرقان/ 2.(
114) البروج/ 13، ظ: يونس/ 4.(
115) الجاثية/ 27.(
116) اقتباس الآي القرآني في الشعر العربي (بحث) : 123.(
117) ظ: الديوان: 339.(
118) الديوان: 339.(
119) المُلك/ 8.(
120) ظ: السير والمغازي: 145.(
121) الديوان: 87.(
122) الحِجر/ 93.(
123) الديوان: 71.(
124) الناس/ 1.(
125) ظ: الديوان (التونجي): 95.(
126) الديوان: 95.(
127) ظ: الاعراف/ 63، ق/1- 2.(
128) الزمر/ 28.(
129) يس/ 1- 4.(
130) الديوان: 241.(
131) ظ: الأعراف/ 45، 86، هود/ 19، إبراهيم/ 3، الكهف/ 1، طه/ 107، 108، الزمر/ 28.(
132) ظ: تفسير ابن كثير: 1/64- 69، اختلاف آراء المفسرين في الحروف المقطعة في اوائل السور.(
133) ظ: الإتقان في علوم القرآن: 2/206.(
134) اعجاز القرآن: 66.(
135) المعارج/ 40.(
136) النجم/ 50- 51.(
137) الديوان: 255، البوائق: الدواهي والخصومات، مفردها بائقة، الأزرق: هو قِدار الأزرق الذي عقر ناقة صالح، عاد ولد من إرم، و«ثمود بن عاثر بن سام بن نوح... كانوا احياء من العرب العارب قبل إبراهيم (عليه السلام) وكانت ثمود بعد عاد ومساكنهم مشهورة فيما بين الحجاز والشام إلى وادي القرى وما حوله» تفسير ابن كثير: 3/ 189، ظ: قصص الانبياء: 112.(
138) الحاقة/ 6- 8.(
139) ظ: تمثيلاً: الأعراف/ 65- 72، هود/ 50- 60، الشعراء/ 123- 139، فصلت/ 13- 16، الاحقاف/ 21- 26، الذاريات/ 41- 44، النجم/ 50، القمر/ 18- 21، الحاقة/ 4، 6-8، على الترتيب القرآني قصة نبي الله هود (عليه السلام) مع قوم عاد، ظ: تمثيلاً: الاعراف/ 73- 79، هود/61- 68، الشعراء/ 141- 158، النمل/ 45- 47، فصلت/ 17- 18، الذاريات/ 43- 45، النجم/ 51، القمر/ 23- 31، الحاقة/ 4- 5، الفجر/ 9، على الترتيب القرآني قصة نبي الله صالح (عليه السلام) مع قوم ثمود.(
140) القمر/ 23- 31.(
141) ظ: الديوان: 71، 72، 84،88 ،91، 93، 95، 96، 111، 112، 137،128،127،، 150، 158، 160، 171، 174، 183، 191، 192، 198، 205، 207، ، 217، 224، 228، 235، 241، 255 ،256 ،329، 332، 334، 338.(
142) ظ: الزينة في الكلمات الإسلامية العربية: 2/12.(
143) الأعراف/ 180.(
144) ظ: الديوان: 150، 159، 160، 164، 168، 170، 171، 172،174، 175، 177، 178، 183،185، 189، 193،197، 198، 205، 207،211، 212،214، 216، 217، 218، 219، 220، 221، 223، 224، 228، 229، 230، 231، 235، 236، 241، 243، 244، 246، 253، 254، 255، 258، 259،329، 332، 333، 334، 338،339، 342.(
145) ظ: الزينة في الكلمات الإسلامية العربية: 1/140- 141، 146- 147، فقه اللغة وسنن العربية في كلامها: 45، المزهر في علوم اللغة وانواعها: 1/295.(
146) ظ: الديوان: 71، 72، 73، 74، 76، 77،، 80، 81، 84، 85،87، 88 ،90، 91، 93، 95، 96، 100، 102، 107،108، 111، 112، 113، 115، 117، 118، 120،121، 124 ، 127،128 ، 130 ، 131، 133، 137،147، 150، 158، 159 167، 171، 172، 175، 177، 178 ، 180 ، 183 ،185، 189، 190، 191، 192، 193،198،205،206، 207، 211، 212، 214، 215، 228، 230، 231،234، 235، 236، 239، 241، 242،244، 246، 251، 253، 254، 255،256، 258،259،329، 331، 332، 333، 334، 338 ،339 ، 340 ، 343، 344.(
147) الديوان: 166 ،ظ: م.ن: 168.(
148) ظ: مقاييس اللغة: «سجد».(
149) لسان العرب: «سجد».(
150) ظ: الديوان: 333.(
151) ظ: الديوان : 333، يماث: يذاب، العنجد: الزبيب.(
152) ظ: لسان العرب: «سجد».(
153) ظ: السيرة النبوية لابن هشام (الهامش): 1/243- 244.(
154) ظ: الديوان: 149.(
155) ظ: الديوان : 149، غيث رجاس: ذو رعد شديد وصوت، بكور: مُبكِّر في وقته.(
156) ظ: مقاييس اللغة: «شفع»، اساس البلاغة: «شفع».(
157) لسان العرب: «شفع».(
158) ظ: يونس/ 3، مريم/ 87، طه/ 109، الأنبياء/ 28.(
159) ظ: تفسير ابن كثير: 4/539، 5/549.(
160) الديوان: 340.(
161) أمثال زهير بن أبي سلمى، وزيد بن عمرو بن نُفيل، وورقة بن نوفل، ظ: شرح ديوان زهير ابن ابي سلمى، زيد بن عمرو بن نفيل حياته وما تبقى من شعره، ورقة بن نوفل حياته وشعره.(
162) ظ: الزينة في الكلمات الإسلامية العربية: 1/140، فقه اللغة وسنن العربية في كلامها: 45، المزهر في علوم اللغة وانواعها: 1/295.(
163) ظ: مقاييس اللغة: «سَلِم»، اساس البلاغة: «سَلِم».(
164) ظ: لسان العرب: «سَلِم».(
165) ظ: الانعام/ 125 ، الزمر/ 22.(
166) الديوان: 254.(
167) م.ن: 259.(
168) الديوان : 230.(
169) فقه اللغة وسنن العرب في كلامها: 45.(
170) لسان العرب: مادة «أمِنَ».(
171) ظ: الانعام/ 158، الأعراف/ 75، إبراهيم/11، النحل/ 106، طه/ 112، الانبياء/ 94، غافر/ 10، الشورى/ 52، الطور/ 21.(
172) الديوان: 215.(
173) م.ن : 150، 160، 185، 189، 246، 329.(
174) م.ن: 160، 253.(
175) م.ن: 334.(
176) م.ن: 241.(
177) م.ن: 344.(
178) الديوان: 215.