تذكرة الألباب

بأصول الأنساب

للشيخ أبي جعفر أحمد بن عبدالولي البتي البلنسي الأندلسي

(المتوفى 488هـ)

رواية عبدالملك بن زكريا بن حسان المقري

 

تحقيق

السيد محمد مهدي الموسوي الخرسان

 

تقديم

السيد هادون أحمد العطاس

 

تقديم

بقلم: السيّد هادون أحمد العطاس

بسم الله الرحمن الرحيم

يعتبر إحياء تراثنا الإسلامي العربي من أجَلّ الخدمات الّتي يقوم بها النخبة الواعية من علمائنا.

ومن حسن الصدف أ نّي حينما كنت أُراجع فهارس مكتبة شيخ الإسلام عارف حكمت في المدينة المنورة، عثرت على كتاب (تذكرة الألباب بأصول الأنساب) تأليف أبي جعفر أحمد بن عبدالعزيز بن عبدالولي البتّي المتوفى عام 488 هـ رواية عبدالملك بن زكريا بن حسان المقري.

وبعد أن قرأت المخطوطة أدركت أهميتها وكلّفت ابني محمّد بنسخها، ثمّ قمت بالاشتراك معه بمراجعتها ثانياً على الأصل بدقّة، وكان ذلك بتاريخ 10 شوال سنة 1382 هـ .

ويمكن القول إنّ هذه المخطوطة من نوادر المخطوطات بالنسبة لمكتبات الجزيزة العربية وبعض الأقطار العربية الّتي اطلعت على فهارسها المطبوعة.

ولعله من المناسب أن أُشير الى أن القرن الخامس الهجري الّذي عاش فيه المؤلّف ـ فبالرغم من انحسار حدة النفوذ العربي في الأندلس، وتزايد الخطر الأسباني وكثرة نشوب الفتن والإضطرابات بين أُمراء الطوائف ـ فقد كان هذا القرن بالذات من أخصب القرون في تاريخ الأندلس، وخاصة في علمي الأنساب وتقويم البلدان، ولا تخفى الصلة بين هذين العلمين، فقل ما يذكر شخص ما إلاّ ويتبادر إلى الفكر في أي قطر كان؟ ثمّ في أي بلد عاش؟

فقد عاصر المؤلّف في هذا القرن العلاّمة النسابة ابن حزم المتوفى عام 456 هـ مؤلّف كتاب «جمهرة أنساب العرب».

والعلاّمة ابن عبدالبر النميري المتوفى عام 463 هـ مؤلّف رسالتي «القصد والأمم في التعريف بأحوال العرب والعجم»، و «الإنباه على قبائل الرواه».

وكذا العلاّمة أبا عبيد، عبدالله بن عبدالعزيز البكري المتوفى عام 487 هـ مؤلّف كتاب «معجم ما استعجم»، وغيرهم.

ولنعد إلى كتاب (تذكرة الألباب بأصول الأنساب) فقد فكرت في إهدائه إلى أحد العلماء المتخصصين في هذا العلم ليقوم بتحقيقه وتقديمه إلى الباحثين.

وفي تلك الفترة أسعدني الحظ بزيارة الباحث المحقق العلاّمة السيّد محمّد مهدي بن السيّد حسن الخرسان الموسوي ثمّ النجفي، إبان تأديته فريضة الحجّ عام 1388. ومرة أُخرى كرمني بزيارته في حجّ عام 89، والعلاّمة الخرسان معروف في الأوساط العلمية ليس في العراق فحسب، بل ولدى جميع قرّاء المكتبة العربية في العالم أجمع. فقد قام بتحقيق أحد عشر كتاباً، كما قدم لواحد وعشرين كتاباً ـ كلّها مطبوعة ـ وقلما تخلو مكتبة شهيرة منها، سوى مؤلّفاته الشخصية.

وقد انتهزت الفرصة فأهديت لفضيلته مخطوطتي الخاصة، ورجوت منه القيام بتحقيقها ونشرها فتفضل بقبولها، ووعدني بتحقيقها في أوّل فرصة ممكنة ـ ووعد الحر دين عليه ـ .

ثمّ شرفني مرة ثالثة بزيارته لي في موسم الحجّ عام 94، ولم نكد نتبادل التحية حتى قدم لي مفاجأة سارة بتقديم مسودة تحقيق كتاب «تذكرة الألباب بأصول الأنساب».

وقد تفضل، بما جبل عليه من تواضع علمي، وطلب إليَّ قراءة المسودة وإبداء الرأي فيها.

ومن خلال اللمحات السريعة التي ألقيتها على التحقيق أدركت المجهود العلمي الكبير الذي قدمه فضيلة المحقق برجوعه الى العديد من المصادر المطبوعة منها، والّتي لا يزال قسم منها مخطوطاً، بل وقد أبدى بعض الملاحظات على ما تفرد به المؤلّف أو خالف غيره من المسلمين.

وكنت أود لو تمكن فضيلة المحقق من العثور على نسخة خطية أُخرى أو أكثر لمقابلتها بالنسخة الّتي لديه، ولكنه حيث تعذر عليه ذلك عوض عنه بتقويم النص على المصادر النسبية الأُخرى.

وختاماً أُكرر ثانية شكري وتقديري لفضيلة المحقق العلاّمة الخرسان، والله أسأل أن يجزيه خير جزاء العاملين، وأن يعم النفع بهذه الرسالة، إنّه سميع مجيب.

هادون أحمد العطاس

مكة المكرمة في: 14/12/1994

 

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين، وصحبه الطيبين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد لقد تشرّفت في عام (1388 هـ) بأداء فريضة الحجّ، وقد لمست من آثار الحجّ ومنافعه المحسوسة ـ وما أكثرها ـ التعرّف على نخبة صالحة من علماء وأساتذة من مختلف الأقطار الإسلامية.

وكان ممّن سعدت بالتعرّف عليه الاُستاذ الفاضل السيّد هادون أحمد العطّاس، من علية اُدباء الشرفاء الحضارمة الّذين يسكنون في مكّة المكرمة، وهو ممّن لمع اسمه على صفحات مجلة العرب وغيرها بملاحظاته الدقيقة وأبحاثه القيّمة.

فزارني وكرّمني وتفضل مشكوراً بتعريفي إلى جمع من شيوخ وعلماء واُدباء السادة الحضارمة حفظهم الله.

وقويت أواصر المحبّة بيننا حتّى بعد عودتي إلى بلدي النجف الأشرف، إذ كانت الرسائل الأخوية، والكتب العلمية خير دليل على ذلك.

وعندما تشرّفت بحجّ البيت الحرام مرّة ثانية في سنة (1389 هـ)، كان الاُستاذ العطّاس في طليعة من استقبلني بالتكريم بما ينبئ عن خلقه الرفيع، وفي يوم من أيّام زياراتي له في بيته العامر وفي مكتبته أطلعني على بحوث له قيد الدرس، وتفضل فأهدى إليَّ كتاباً مخطوطاً في الأنساب وقال:

انّه أمر ولده السيّد محمّد ـ أكبر أنجاله حفظهم الله ـ فكتب له نسخته عن نسخة في مكتبة شيخ الإسلام عارف حكمت في المدينة المنورة، وعارضه بنفسه ثانياً مع ولده على نسخة الأصل، اطمئناناً على صحّة النسخة، وطلب منّي تحقيقها.

ولم أشأ أن أخلف ظن صاحبي أبي محمّد بصدق المودّة، فقبلت الهدية ووعدته بالتحقيق إن ساعد التوفيق، وعدت إلى المنزل الّذي كنت فيه وتصفحت الكتاب فإذا هو: (تذكرة الألباب باُصول الأنساب) تأليف أبي جعفر أحمد البتي الأندلسي، فكان ذلك ـ بالنسبة لي ـ شيئاً جديداً، إذ لم أكن قد رأيته أو سمعت به، أو قرأت عنه، قبل ذلك اليوم.

والكتاب من نمط أمثال له جلها لأندلسيين ومعاصرين للمؤلّف.

واحتفظت بالكتاب إلى حين رجوعي إلى النجف الأشرف، ولمّا رجعت بدأت أقرأ الكتاب قراءة فاحصة، فألفيته كسائر كتب النسب لا يخلو من الفائدة، كما أ نّه لا يسلم من الملاحظة.

ونظراً لرغبتي في تحقيق اُمنية صديقي الفاضل فقد صممت على تحقيق الكتاب، وبدأت أنسخ لنفسي عن نسخة الاُستاذ العطّاس، بالشكل الّذي يصلح للتحقيق ويكون مهيأ للطبع، وفي نفس الوقت شرعت في فحص فهارس المكتبات سواء منها ما كان في البلاد الإسلامية أو في غيرها.

فلم أقف في تلك الفهارس الّتي تم لي الإطلاع عليها، إلاّ على وجود نسختين في دار الكتب المصرية ـ ستأتي الإشارة إليهما ـ ولم يتسن لي الإطلاع عليهما رغم محاولاتي، فكاد يأسي من الحصول على صورة منهما يعوقني عن المضي في تحقيق الكتاب، إلاّ أنّ الشعور بتحقيق رغبة الأخ العطّاس كان يدفعني على التصميم في انجاز العمل بأقرب وقت، فإنّ للتأخير آفات، فرأيت الإستعانة في تقويم النص ببقية المصادر النسبية والتاريخية، على ما في ذلك من عناء مضاعف،وفضّلت ذلك، وهكذا صممت، وكذلك عملت، فتم الإستنساخ وبدأ التحقيق، فكان عملي يتلخص في:

1 ـ تقويم النص، ومطابقته مع نصوص بقيّة المصادر النسبية أو غيرها.

2 ـ تعريف الأعلام الّذين ذكرهم المؤلّف ممّن نَبه ذَكرهم في الهامش.

3 ـ التنبيه ـ في الهوامش ـ على بعض من فات المؤلّف ذكرهم ممّن نبهوا، وكان ذكرهم من شرط المؤلّف في الكتاب، ولعلّ عدم ذكره لهم، لأ نّه لم يطلع على أسمائهم لأ نّهم من المشرق، والمؤلّف يعيش في المغرب، ولم يذكر أ نّه دخل إلى المشرق.

4 ـ التنبيه ـ في الهامش ـ على بعض ما فات المؤلّف، أو خالف فيه جمهرة النسّابين من عدم وصل بعض البطون بقبائلهم والشعوب بعمائرهم، وانّا كما لا ندّعي له تمام الإحاطة في كتابه هذا، لا ندّعي لأنفسنا تمام الاستدراك عليه، فانّ في الالتزام بتوفية جميع ذلك ما يرهق القارئ بكثرة الهوامش.

5 ـ التعريف بالمؤلّف بالقدر الّذي تسمح به طبيعة التقديم.

وقد تم جميع ذلك والحمد لله، إلاّ التعريف بالمؤلّف، الّذي ادّخرته لسيادة الاُستاذ العطّاس سلّمه الله، وبقيت أنتظر وسيلة ايصال الكتاب محققاً إليه، ليتولى هو تقديمه إلى القرّاء بتعريف المؤلّف.

وشاء الله سبحانه ـ والحمد له على مشيئته ـ أن وفقني في عام (1394 هـ) لحجّ بيته الحرام، فحملت الكتاب معي، وقدّمته ـ هدية ـ لفضيلة الاُستاذ هادون في أوّل لقائي معه، فكانت له مفاجأة سارة، وفرحته به عظيمة، فطلبت منه مراجعة الكتاب محققاً وابداء رأيه، كما أخبرته عن تأخيري تعريف المؤلّف تاركاً ذلك لسيادته.

وبعد اطلاعه عليه شكرني ـ متفضلا ـ على عملي، وتفضّل بعد ذلك فأعاد الكتاب مصحوباً بكلمة، آثرنا وضعها في مقدّمة الكتاب، ايذاناً بفضله، لأ نّه أوّل من حفّزنا على تحقيقه، واعلاناً بنبله، لسخائه بنشره تعميماً لفائدته.

أمّا تعريف المؤلّف فقد أوكله إلينا، ونحن إذ نشكر سيادته على حسن ظنه أوّلا، نشكره على ثقته ثانياً، ونسأل الله سبحانه أن يجعلنا عند حسن ظنه، ويتقبّل منا أعمالنا، ويجعلها خالصة لوجهه الكريم، وأن ينفع بها، إنّه سميع مجيب.

 

المؤلّف:

أبو جعفر أحمد بن عبدالولي بن أحمد بن عبدالولي البتي البلنسي الأندلسي.

وبلنسية: حاضرة من حواضر الأندلس الكبرى، متصلة بالبحر والجبل، وكانت قاعدة الحكم في شرق الأندلس أيّام بني اُمية، وقد وصفها المراكشي في المعجب بقوله:

«هي مدينة في غاية الخصب واعتدال الهواء، كان أهل الأندلس يدعونها فيما سلف من الزمان: مطيب الأندلس، والمطيب عندهم: حزمة يعملونها من أنواع الرياحين، ويجعلون فيها النرجس والآس وغير ذلك من أنواع المشمومات، سمّوا بلنسية بهذا الاسم لكثرة أشجارها وطيب ريحها»(1).

أمّا أبو الوليد الشقندي فقد أطنب كثيراً في رسالته الّتي كتبها في فضل الأندلس وأهلها فقال في مدحها:

«فإنّها لكثرة بساتينها تعرف بمطيّب الأندلس، ورصافتها من أحسن متفرجات الأرض، وفيها البحيرة المشهورة الكثيرة الضوء والرونق، ويقال: إنّه لمواجهة الشمس لتلك البحيرة يكثر ضوء بلنسية، إذ هي موصوفة بذلك، وممّا خصت به النسيج البلنسي الّذي يسفر لأقطار المغرب، ولم تخل من علماء ولا شعراء ولا فرسان يكابدون مصاقبة الأعداء، ويتجرعون فيها النعماء ممزوجة بالضراء، وأهلها أصلح الناس مذهباً، وأمتنهم ديناً، وأحسنهم صحبة، وأرفقهم بالغريب»(2).

وإذا كان ما تقدّم عن عالمين من علماء المغرب، فثمة ثالث من المشرق هو زكريا بن محمّد بن محمود القزويني (ت 682 هـ) أوجز في وصف بلنسية فجمع ما أطنب فيه غيره فقال:

«مدينة قديمة بأرض الأندلس، ذات خطة فسيحة، جمعت خيرات البر والبحر والزرع والضرع، طيبة التربة ينبت بها الزعفران ويزكو بها، ولا ينبت في جميع أرض الأندلس إلاّ بها»(3).

أمّا بتة الّتي ينسب إليها المؤلّف فهي من توابع بلنسية، قال ياقوت: «وبته: بالهاء، قرية من أعمال بلنسية... منها أبو جعفر البتي له أدب وشعر»(4). وذكر نحو ذلك في كتابه المشترك وضعاً والمفترق صقعاً(5).

وهذا القول منه ـ وهو من رجال القرن السابع ـ يدلّنا بوضوح على شهرة المؤلّف في عصره حتّى تجاوزت المغرب إلى المشرق، ومن كان بهذه المثابة من الشهرة فلا عناء في تعرّف أخباره وتلمّس آثاره والدلالة عليهما، ولكن فيما يبدو أ نّه كان محارباً من الزمن، فقد لاحقته الظلامات(6) في حياته وحتّى بعد وفاته.

أمّا ما لحقه في حياته فقد كان أمراً فظيعاً وبشعاً، وعلى رغم بشاعته وشناعته فقد كان عاملا مهماً في تخليده، وسيأتي الحديث عن ذلك فيما نسميه ـ بظُلامة القنبيطور ـ .

أمّا ما لحقه من خطوب الزمان بعد وفاته، فهو خلط المؤرّخين بينه وبين شاعر آخر يشاركه في الكنية والصحبة فقط، ويختلف عنه حسباً ونسباً، كما يختلف عنه سلوكاً وأدباً، ونتج عن ذلك الخلط ضياع الصحيح من شعره، وتعذر تمييزه تمييزاً تاماً، وهذا ما سنعرضه فيما نصطلح عليه بظُلامة المؤرّخين .

ولم يكفّ الزمن عن ملاحقته فيكتفي بما أصابه في جسمه وفي أدبه، بل لاحقه حتّى فيما سلم من آثاره وعصارة ذهنه، والّتي لم يسلم منها إلاّ كتاب واحد، وحتّى ذلك الكتاب لم يسلم من ظُلامة الناسخ، فقد كاد أن يوقعنا فيما أوقع به غيرنا من اشتباه في نسبه، وذلك فيما سجّله على ظهره، وهذا ما سنقرؤه في ـ ظُلامة الناسخ ـ .

ولابدّ لنا من الحديث عن هذه الظلامات الثلاث، وسوف نستعرضها على الوجه التالي:

1 ـ ظُلامة القنبيطور.

2 ـ ظُلامة المؤرّخين.

3 ـ ظُلامة الناسخ.

1 ـ ظُلامة القنبيطور: لقد مرّت بالأندلس فترة انحلال وانقسامات بين الحاكمين من بني اُمية، أدت إلى انهيار الوجود العربي، وزاد في اختلال الأمن وتدهور الحال تعدد الزعامات من غيرهم.

وتبدأ تلك الفترة باعلان الوزير أبي الحزم ابن جهور في سنة (432 هـ) بيانه القاضي بتقويض الحكم الخليفي، وأ نّه لم يعد هناك من يستحق لقب الخلافة، كما أعلن أ نّه سيحكم مملكة قرطبة حكماً دستورياً جمهورياً(7).

ولم يعلن ذلك ابن جهور حتّى استقل كثير من الاُمراء بمدنهم ومقاطعاتهم، بالإضافة إلى من استقلوا من قبل، وأصبح في الأندلس حوالي عشرين اُسرة حاكمة(8) سوى الدويلات الّتي حدثت في عصر الإضمحلال الأوّل في أواخر حكم الأمويين(9)، فقد عدّ زامباور سبعاً وعشرين دولة من تلك الدول(10) وربّما فاتته غيرها.

وتلك الدول هي الّتي يطلق عليها المؤرّخون دول الطوائف «والّتي لم يعد خلفاؤها إلاّ دُمى تحركها القوى المضطربة»(11) «وأغلب ملوك الطوائف لا يستحقون الذكر وأكثرهم جاء وليد الضعف أو المصادفات»(12).

وعليهم وحدهم تبعة ما أصاب المسلمين وبلادهم من وهن وضعف وانحطاط، حتّى أطمع ذلك الفرنجة فاستصغروهم، وفرضوا الأتاوة عليهم، فأدّوها إليهم عن يد وهم صاغرون.

يقول الدكتور أحمد شلبي: «وتعتبر هذه الفترة فترة فوضى وهزائم وانحلال وتفكك، وكان بعض المتصارعين من الحكّام المسلمين يلجأ للنصارى يطلب العون ضدّ حاكم مسلم آخر، ودفعوا لذلك الأتاوات وتملقوا الفونس السادس»(13).

وكان الفونس ـ كما يقول ستانلي ـ عرف ما يجب ان يفعله تمام المعرفة، فقد رأى أ نّه لم يكن عليه إلاّ أن يمد حبله لملوك الطوائف مداً كافياً ليشنقوا به أنفسهم، لأنّ هؤلاء الجهلة لم ينظروا في العواقب.

وكانوا يجثون عند قدمي الفونس لإستجداء معاونته كلّما ضعفوا عن مقاومة إخوانهم المسلمين، وتقربت كلّ الدويلات الإسلامية إلى الفونس بتقديم الأتاوات، وكان الفونس يزيد فيها كلّ عام كلّما زادت قوّته، لأ نّها ثمن عطفه وحمايته، وقد بذل ملوك الطوائف هذه الأتاوات للإستعانة بجيوش الفونس ضدّ بعضهم البعض، وكان الفونس يقدّم خطوطه في كلّ فرصة، ويستولي على الحصون والقلاع واحدة إثر اُخرى، حتّى وثب وثبة استولى فيها على طليطلة سنة (478 هـ) وقد أحدث بوثبته هذه فزعاً كبيراً في صفوف المسلمين بأسبانيا(14).

وظهر على مسرح الأحداث يومئذ قائد مغامر لمع اسمه، حتّى حيكت حول شخصيته الأساطير، ورووا فيه المعجزات، ذلك هو القنبيطور، أتعلم من هو ذلك؟

هو القائد القشتالي واسمه «الكونت رود ريجود يازدي بيفار» وقد جعل الأسبان منه بطلهم الأمثل فلقّبوه «الكمبيادور» القمبيطور، أي القائد الكبير نتيجة لأعماله الحربية، كما سمّوه (السيّد)، وبهذا الإسم كتب عنه دوزي الهولندي كتابه (السيّد من وثائق جديدة) أصدره سنة (1849 م)، كما كتب عنه مندث بيدال كتابه (أسبانيا في عصر السيّد)(15) وكذلك صنع ليفي بروفنسال فكتب عنه في دائرة المعارف الإسلامية بعنوان (السيّد)(16) وقد ذكر مترجموه: أنّ الشعراء والقصاص وجدوا في تأريخه مجالا خصباً للخيال فساعد ذلك على شهرته(17).

وتجمع المصادر العربية على أ نّه قائد مغامر تجمّع حوله جنود مرتزقة، فاستغل تدهور الحالة في الأندلس، وتنازع الحكّام بينهم، فكان يبيع خدماته للمسلمين والمسيحيين على السواء، ما دامت ثمّة سوق تدرّ عليه وعلى أتباعه ما يشاء من مال الأسلاب.

وفي ذلك الوسط المحموم فقد المواطن الأندلسي الحماية، لعدم القدرة على الدفاع عن نفسه، حتّى أيقن كثير من المسلمين بصعوبة العيش في الأندلس، وبدأ الكثير يفكر في الهجرة منها، ولعلّ أبيات ابن الغسّال الشاعر تصوّر تلك الروح الإنهزامية، والقوى المنهارة أمام غزو الفرنجة حيث يقول:

يا أهل أندلس شدّوا رحالكم *** فما المقام بها إلاّ من الغلطِ

السلك ينثر من أطرافه وأرى *** سلك الجزيرة منثوراً من الوسطِ

من جاور الشرّ لا يأمن بوائقه *** كيف الحياة مع الحيّاة في سفطِ(18)

وفي ذلك الوسط المحموم أخذت تتهاوى حبّات السلك الّذي نعاه ابن الغسّال، فسقطت كثير من الدويلات بيد الفرنجة، وكان منها مملكة بلنسية، فقد طمع فيها القنبيطور، وزحف نحوها بجيوشه حتّى (ضرب حول المدينة حصاراً صارماً، وعاث في الأنحاء المجاورة، ولم يدّخر وسعاً في قطع الأقوات عن المدينة المحصورة، خوفاً من أن تصمد له حتّى يداهمه المرابطون ـ وكان أهل بلنسية قد أرسلوا إليهم يطلبون النجدة منهم ـ واستمر الحصار على هذا النحو عشرين شهراً، حتّى بلغ الضيق بالبلنسيين المنتهى، وفتك بهم الجوع أيّما فتك، (وأكلوا الفيران والكلاب والجيف) وغدوا كالأشباح هزالا، وعندئذ اجتمع أعيان المدينة وأرغموا ابن جحّاف ـ وكان آخر رؤساء المسلمين ببلنسية ـ على مفاوضة السيّد ـ القنبيطور ـ في التسليم وعقد الصلح، فأذعن وترك لهم المفاوضة، فذهب وفد منهم لمفاوضة السيّد، وتمّ الإتفاق...)(19).

ولكنّه سرعان ما انهار الصلح إذ غدر الطاغية، وأذاق الناس بطشه الشديد، حتّى انّ بعض المؤرّخين اصطلح على تسمية ذلك الفتح وما تعقبه من شرّ بـ ـ محنة المسلمين ـ .

قال ابن الأبّار في الحلة السيراء، وهو يذكر القاضي أبا أحمد جعفر بن عبدالله ابن جحّاف المعافري، وشهد محنة المسلمين ببلنسية على يد الطاغية الّذي كان يدعى الكنبيوطور:

وهذا أبو إسحاق ابن خفاجة وهو شاعر عاصر المحنة فقال فيها:

عاثت بساحتك العدا يا دار *** ومحا محاسنك البلى والنار

فإذا تردد في جنابك ناظر *** طال اعتبار فيك واستعبار

أرض تقاذفت الخطوب بأهلها *** وتمحصت بخرابها الأقدار

كتبت يد الحدثان في عرصاتها *** لا أنت أنت ولا الديار ديار(20)

وأشدّ ما قاساه أهل بلنسية من فظاظة القنبيطور ـ لعنه الله ـ أساليبه الإنتقامية، وأفظعها شنعة حرق الأحياء بالنار، عملية تقززت منها نفوس المسلمين وأغضبت المسيحيين، فأعلنوا الإستنكار على السواء.

وكان القاضي أبو أحمد جعفر بن عبدالله بن جحّاف المعافري ـ وهو آخر من تولى رئاسة بلنسية بعد مقتل القادر يحيى بن إسماعيل بن ذي النون ـ أوّل ضحايا التحريق.

(فإنّ الطاغية أمّنه في نفسه وماله عند دخول بلنسية صلحاً، وتركه على القضاء نحواً من عام، ثمّ اعتقله وأهل بيته وقرابته، وجعل يطلبهم بمال القادر بن ذي النون، ولم يزل يستخرج ما عندهم بالضرب والإهانة وغليظ العذاب، ثمّ أمر بإضرام نار عظيمة، كانت تلفح الوجوه على مسافة بعيدة، وجيء بالقاضي أبي أحمد يوسف في قيوده، وأهله وبنوه حوله، فأمر بإحراقهم جميعاً.

فضجّ المسلمون والروم، وقد اجتمعوا ورغّبوا في ترك الأطفال والعيال، فأسعفهم بعد جهد شديد، واحتفر للقاضي حفرة، وذلك بولجة ـ رحبة ـ بلنسية، وأدخل فيها إلى حنجرته، وسوى التراب حوله، وضُمت النار نحوه، فلمّا دنت منه ولفحت وجهه قال: بسم الله الرحمن الرحيم، وقبض على أقباسها وضمّها إلى جسده، يستعجل المنية، فاحترق(رحمه الله)، وذلك في جمادى الاُولى سنة ثمان وثمانين وأربعمائة.

ويوم الخميس منسلخ جمادى الاُولى من السنة قبلها كان دخول القنبيطور المذكور بلنسية)(21).

هكذا وصف ابن الأبّار تلك الحادثة في كتابه الحلة السيراء، وعلّق عليها الدكتور حسين مؤنس بقوله: «وفي بلنسية اليوم موضع يسمّى رحبة القاضي، أمام كنيسة سانتاكاتالينا، وأصلها مسجد من مساجد بلنسية الإسلامية وقد حوّل إلى كنيسة بهذا الإسم بعد سقوط البلد نهائياً في أيدي النصارى، ولعلّ هذا هو الموضع الّذي اُحرق فيه ابن جحّاف، ولم يحقق مندذ بيدال ذلك الموضوع لأ نّه ـ فيما أحسب ـ رغم دفاعه عن هذا العمل البشع الّذي أتاه القنبيطور يشعر في نفسه بشناعته»(22).

ومن جملة من أحرقه القنبيطور: أبا جعفر أحمد بن عبدالولي البتي ـ مؤلّف كتابنا هذا ـ فقد نصّ على ذلك من مؤرّخي الأندلس: أبو محمّد الرشاطي (ت 542 هـ)، والضبي (ت 599 هـ)، وابن دحية (ت 633 هـ)، وابن الأبّار (ت 658 هـ)، وابن سعيد (ت 685 هـ)، والبلبيسي (ت 802 هـ)، ومن غيرهم الصفدي (ت 764 هـ)، والسيوطي (ت 911 هـ)، وشكيب أرسلان (1366 هـ)، وغيرهم، وسنأتي على عرض نصوصهم في الحديث عن ـ ظُلامة المؤرّخين ـ .

ومن المظنون قوياً أنّ البتي كان من منسوبي القاضي ابن جحّاف سبباً أو نسباً، كما لا يبعد أ نّه كتب له أيّام توليه الحكم، أو أيّام القادر بن ذي النون، فقد جاء في ترجمته (بما كتب لبعض الوزراء) أو (كتب عن بعض الوزراء).

وفيما تقدم من تصريح ابن الأبّار من اعتقال الطاغية لابن جحّاف (وأهل بيته وقرابته... ثمّ أمر باضرام نار عظيمة... وجيء بالقاضي أبي أحمد يوسف في قيوده وأهله وبنوه حوله، فأمر بإحراقهم جميعاً، فضجّ المسلمون والروم، وقد اجتمعوا ورغّبوا في ترك الأطفال والعيال فأسعفهم بعد جهد شديد).

ففي هذا النصّ ما يدلّ على أ نّه لم يسلم من الحرق لا العيال ولا الأطفال، ولم يكن البتي منهما جميعاً، وحيث لم يذكر أنّ الطاغية كرّر عملية الإحراق، ولو كانت لأشار إليها المؤرّخون، كلّ ذلك يجعلنا نظن قوياً بأنّ البتي اُحرق مع ابن جحّاف بنفس الموضع وفي ذلك التاريخ، وإن لم نعثر ـ فعلا ـ على تفاصيل عن حادثة إحراقه وبقيّة من أحرقهم الطاغية في ذلك اليوم، ولو كان قد وصل إلينا (كتاب البيان الواضح في الملم الفادح) للمؤرّخ البلنسي أبي عبدالله محمّد بن خلف الصدفي المعروف بابن علقمة (ت 509 هـ) وهو ممّن عاصر تلك الأحداث المروعة ـ لأفدنا منه كثيراً ـ ولكن ضاع هذا الكتاب ـ للأسف الشديد ـ فيما ضاع من تراث الأندلس المجيد، وربّما أحرقته الأيدي الأثيمة فيما أحرقت من آثارنا ورجالنا، فقد أحرقت النصارى ثمانين ألف مخطوط في ساحة غرناطة فقط، كما ذكر ذلك الباحث فيليب دي طرازي في كتابه (خزائن الكتب العربية في الخافقين)(23)، كما أ نّه ذكر نهب الأسبانيين مكتبة الجامع الأعظم بتونس(24).

وربّما كان كتاب ابن علقمة ممّا نهبته أيدي الغزاة من المستعمرين، كما نهبت آلافاً مؤلّفة غيره، فإنّ جُلّ ما في مكتبات أسبانيا وايطاليا وفرنسا وغيرها من التراث الإسلامي والعربي، انتقل إليهم عن طريق النهب والإختلاس والمصادرة، ولا تزال بقيّة مكتبة الأمير زيدان الناصر أحد اُمراء المغرب في حدود (1016 هـ) في قصر الأسكوريال في أسبانيا وعليها تواقيع (مولانا زيدان)(25)، وقد رأيت أنا في فهرس مكتبة الأسكوريال إسمه على كتاب خريدة العجائب لابن الوردي (ت 805 هـ)، ونسختها خطّ سنة (898 هـ)، فقد كتب على النسخة: من كتب زيدان أميرالمؤمنين بن أحمد المنصور أميرالمؤمنين الحسني(26).

كما يوجد فيها المعجم في أصحاب أبي عليّ الصدفي برقم 1730 كتب عليه: اُشتري للخزانة المباركة العلمية الإمامية المنصورية الحسنية المولوية عمّرها الله بدوام ذكره على يد عبده وقائم خزانته أقل عبيده محمّد بن الحاج الأندلسي(27).

كما رأيت في الفهرس المذكور نسخة من شرح عقائد النسفي برقم 1840 كتب عليها:

الحمد لله، حَبس مولانا أبي فارس أيّده الله جميع شرح عقائد النسفي المكتوب هذا على ظهر أوّل ورقة منه، على المسجد الجامع الّذي من إنشائه برباط الشيخ الولي سيّدي أبي العبّاس السبتي... على ألاّ يخرج من موضعه تحبيساً مؤبّداً ووقفاً مخلّداً... أوائل ربيع النبوي المبارك عام 1006(28).

ولئن ضاع جميع كتاب ابن علقمة وقد وصلت إلينا عنه النقول في كتب ابن الكردبوس وابن عذاري وابن الأبّار وابن الخطيب وغيرهم.

ولقد ضاع كذلك نظم القاضي أبي الوليد هشام بن أحمد بن هشام الوقشي، فإنّ له (قصيدة مؤثّرة) بكى فيها مصاب بلنسية أيّام حصار (القنبيطور) لها سنة (487 هـ) قالوا: ضاع أصلها وبقيت منها ترجمة أبيات نقلت إلى الأسبانية، منها ما معناه:

«إذا أنا مضيت يميناً هلكت بماء الفيضان

وإذا ذهبت يساراً أكلني السبع

وإذا مضيت أمامي غرقت في البحر

وإذا التفت خلفي أحرقتني النار»(29)

2 ـ ظلامة المؤرّخين: لقد خلط بعض المؤرّخين بين مؤلّف كتابنا وبين شخص آخر، لإشتراكهما في الكنية والإسم والشبه في النسبة، فمؤلّفنا أبو جعفر أحمد بن عبدالولي البتي، والمشتبه به هو أبو جعفر أحمد بن محمّد البنّي، على ما بينهما من فوارق في اسم الأب والنسبة والسلوك وبعد ذلك فارق العصر.

وفي ظنّي انّ ما أصاب مؤلّفنا من حيف نتيجة ذلك الخلط، لم يحدث مرّة واحدة، بل مرّ بمراحل التطور تدريجاً، فابتداءً من الإشتباه في النسبة ومروراً باسم الأب وانتهاءً باسمه، وآخر ضحية من ضحايا الخلط كانت آثاره الأدبية.

فإنّ لفظ (البتي) نسبة إلى بتة قرية من قرى بلنسية، قريب جدّاً في الخطّ من (البنّي) نسبة إلى بنّا حصن بالأندلس ـ كما في معجم ياقوت ـ ولا فرق بينهما غير نقطة واحدة، ففي البتي ـ تاء مثنّاة ـ وفي البنّي ـ نون ـ وبأدنى سهو من النسّاخ أو القرّاء يقع التصحيف، ولابدّ أن يؤدي ذلك إلى الخلط بين منسوبي المكانين، ما دام ما به الإشتراك من كنية واسم ووصف موجوداً، وكان من المقبول جدّاً دعوى تداخل آثارهما حتّى يعسر الفصل والتمييز.

وهذا النوع من التصحيف هو الّذي تحاماه العلماء المحققون بما كتبوه من ضبط بالحروف بعد أسماء الأعلام، ومع ذلك الإحتياط فقد وقع الخلط كثيراً، وهذا نوع من أنواع المتّفق والمفترق، أو ما يسمّى بالمؤتلف والمختلف، ويراد به ما اتفق في الصورة واختلف في المعنى، وقد يسمّى اختصاراً بالمشتبه.

وقد عالج العلماء ذلك في مؤلّفات عديدة من أهمها (الأنساب المتّفقة في الخطّ المتماثلة في النقط) لابن القيسراني (507 هـ)، (والمشترك وضعاً والمفترق صقعاً) لياقوت الحموي (626 هـ)، (والمشتبه) للذهبي (748 هـ)، و (تبصير المنتبه) لابن حجر (852 هـ)، وكلّها مطبوع، وثمّة غيرها من مخطوط ومطبوع الشيء الكثير، سوى ما يستفاد منه في المقام كأنساب السمعاني، وإكمال ابن ماكولا، واللباب لابن الأثير ونحوها.

وبعد هذه التقدمة سنعرض ما ورد عند المؤرّخين من تراجم خاصة بمؤلّفنا، ثمّ بعض ما يخص المشتبه به، وبعد ذلك ما خلط فيه المؤرّخون:

1 ـ قال أبو محمّد الرشاطي (ت 542 هـ) في كتابه (إقتباس الأنوار والتماس الأزهار في أنساب الصحابة ورواة الآثار)، ويعرف اختصاراً بالأنساب.

قال عنه ابن الأبّار: لم يسبق إلى مثله واستعمله الناس(30).

وبتة: قرية من قرى بلنسية ينسب إليها أبو جعفر أحمد بن عبدالولي بن أحمد ابن عبدالولي البتي، كاتب شاعر بليغ مطبوع، كثير التصرّف، مليح التظرف، فممّا أنشدته له:

غصبت الثريا في البعاد مكانها *** وأودعت في عينيَّ صادق نوئها

وفي كلّ حال لم تزالي بخيلة *** فكيف أعرت الشمس حلّة ضوئها

أحرقه القنبيطور حين تغلبه على بلنسية حرسها الله وذلك في سنة ثمان وثمانين وأربعمائة(31).

2 ـ وقال أحمد بن يحيى بن أحمد بن عميرة الضبي (ت 599 هـ) في كتابه (بغية الملتمس في تاريخ رجال أهل الأندلس):

أحمد بن عبدالولي البتي أبو جعفر ينسب إلى بتة، قرية من قرى بلنسية، كاتب شاعر لبيب، أحرقه القنبيطور ـ لعنه الله ـ حين غلب على بلنسية، وذلك في سنة (488 هـ) ذكره الرشاطي في كتابه(32).

3 ـ وقال عمر بن الحسن بن عليّ الكلبي الأندلسي المعروف بابن دحية (ت 633 هـ) في كتابه (المطرب من أشعار أهل المغرب):

الأديب الشاعر الأديب أبو جعفر أحمد بن عبد الولي البتي:

وبتة: قرية من قرى بلنسية، وكان كثير التصرّف مليح التظرف، أنشدني له غير واحد من أهل مدينة بلنسية:

«غصبت الثريا...» البيتان.

أحرقه القنبيطور ـ لعنه الله ـ في حين تغلبه على بلنسية، وذلك في سنة ثمان وثمانين وأربعمائة(33).

4 ـ وقال محمّد بن عبدالله بن أبي بكر القضاعي، المعروف بابن الأبّار (ت 658 هـ) في كتابه (التكملة لكتاب الصلة):

أحمد بن عبدالولي بن أحمد بن (34) عبد الولي البتي: من أهل بلنسية يكنّى أبا جعفر، وبتة المنسوب إليها: قرية بشرقيها.

كان كاتباً شاعراً بليغاً مطبوعاً، كثير التصرّف، مليح التظرف، قائماً على الآداب، وكتب النحو واللغة والأشعار الجاهلية والإسلامية، وكان ربّما كتب لبعض الوزراء، ولم يكن ممّن يعلّم، أحرقه القنبيطور ـ لعنه الله ـ حين تغلبه بالروم على بلنسية، وذلك في سنة ثمان وثمانين وأربعمائة.

قرأت اسمه وأكثره بخطّ ابن حبيش، وذكره ابن عزير، وحكى انّ إحراقه كان سنة تسعين وأربعمائة، وذكره الرشاطي أيضاً وأنشد له:

«غصبت الثريا...» البيتان.

وقد أنشد مؤلّف (قلائد العقيان) هذين البيتين لأبي جعفر البتي اليعمري وأحدهما غالط من قبل اشتباه نسبهما، والتفرقة بينهما مستوفاة في تأليفي الموسوم بـ (هداية المتعسف في المؤتلف والمختلف)(35).

5 ـ وقال الصفدي (ت 764 هـ) في كتابه (الوافي بالوفيات):

أحمد بن عبدالولي أبو جعفر البتي الكاتب، ذكره العماد الكاتب في الخريدة.

وقال: ذكره ابن الزبير في الجنان، وأورد له أشعاراً منها:

«غصبت الثريا...» البيتان.

وأورد له أيضاً:

صدّني عن حلاوة التشييع *** اجتنابي مرارة التوديع

ما يفي أنس ذا بوحشة هذا *** فرأيت الصواب ترك الجميع(36)

6 ـ وقال البلبيسي (ت 802 هـ) في مختصر الأنساب (للرشاطي):

بتة: ومنها أبو جعفر أحمد بن عبدالولي بن أحمد، كاتب شاعر بليغ مطبوع كثير التصرّف، مليح التظرف... (ثمّ ذكر ما تقدّم عن الرشاطي)(37).

7 ـ وقال الجلال السيوطي (ت 911 هـ) في كتابه (بغية الوعاة):

أحمد بن عبدالولي البلنسي البتيني(38) أبو جعفر، قال ابن عبدالملك: كان قائماً على الآداب وكتب النحو واللغة والأشعار، كاتباً شاعراً كتب عن بعض الوزراء، وأحرقه القنبيطور ـ لعنه الله ـ لمّا تغلب على بلنسية سنة ثمان وثمانين وقيل سنة تسعين وأربعمائة(39).

8 ـ وقال الأمير شكيب أرسلان (ت 1366 هـ) في كتابه (الحلل السندسية):

أحمد بن عبدالولي البتي، أبو جعفر ينسب إلى بتة ـ قرية من قرى بلنسية ـ كاتب شاعر لبيب، أحرقه القنبيطور ـ لعنه الله ـ حين غلب على بلنسية، وذلك سنة (488 هـ)، ذكره الرشاطي في كتابه، نقل ذلك ابن عميرة في (بغية الملتمس) ونقله عنه دوزي في كتابه (مباحث عن تاريخ أسبانية وآدابها في القرون الوسطى)، ونقل دوزي أيضاً عن السيوطي في (تراجم النحاة) ذكر أحمد بن عبدالولي البلنسي هذا، فقال: ثمّ ذكر ما نقلناه عن السيوطي آنفاً(40).

وذكره مرّة اُخرى عند ذكر بتة(41).

9 ـ وقال الاُستاذ محمّد عبدالله عنان في كتابه (دول الطوائف منذ قيامها حتّى الفتح المرابطي):

أبو جعفر أحمد بن عبدالولي البتي وكان من أكابر الاُدباء وعلماء اللغة(42).

10 ـ وقال الشيخ عبدالرحمن المعلمي في تعليقه على الإكمال لابن ماكولا:

وبالأندلس قرية يقال لها بتة، من نواحي بلنسية منها: أبو جعفر أحمد بن عبدالولي البتي كان شاعراً أديباً، استشهد البتي هذا(رحمه الله) حرقاً بالنار، أحرقه القنبيطور الرومي النصراني ـ لعنه الله ـ لمّا تغلب على بلنسية سنة سبع وثمانين وأربعمائة(43).

تلك عشرة نصوص كاملة ممّا عثرت عليه في مختلف المصادر من ترجمة أبي جعفر أحمد بن عبدالولي البتي ـ مؤلّف كتابنا هذا ـ وهي وإن لم يكن جميعها موصوفاً بالأصالة، لأنّ في بعضها ترديد لما سبق عليه، إلاّ أ نّها تخص مؤلّف كتابنا فعرضناها جميعاً.

أمّا ما يخص ترجمة المشتبه به لمشابهته في الاسم والكنية فهو:

1 ـ ما ورد في (قلائد العقيان) للفتح بن خاقان (ت 528 هـ)، الأديب أبو جعفر ابن البنّي:

«مطبوع النظم نبيله، واضح نهجه في الإجادة وسبيله، ويضرب في علم الطب بنصيب، وسهم يخطئ أكثر ممّا يصيب، وكان أليف غلمان، وحليف كفر لا إيمان، ما نطق متشرعاً، ولا رمق متورعاً، ولا اعتقد حشراً، ولا صدّق بعثاً ولا نشراً، وربّما تنسك مجوناً وفتكاً، وتمسك باسم التقى وقد هتكه هتكاً، لا يبالي كيف ذهب، ولا بم تمذهب»، إلى أن قال الفتح: «وكنت بميورقة، فدخلها متسماً بالعبادة، وهو أسرى إلى الفجور من خيال أبي عُبادة، وقد لبس أسمالا، وآنس الناس منه أقوالا وأعمالا، وسجوده هجود، وإقراره بالله جحود»، ثمّ قال: «ولمّا تقرر عند ناصر الدولة من أمره ما تقرر... أخرجه من بلده ونفاه... فأقلع إلى المشرق وهو جار، فلمّا صار من ميورقة على ثلاثة بحار، نشأت له ريح صرفته عن وجهته، إلى فقد مهجته، فلمّا لحق بميورقة أراد ناصر الدولة إماحته، وأخذ ثار الدين منه وإراحته»(44).

ثمّ ذكر له من الشعر أبياتاً، منها في القاضي عبدالحقّ بن الملجوم(45)، ومنها في هجاء بني يوسف، ويمدح القاضي أبا الوليد هشاماً وأخاه عليّاً(46).

2 ـ ما ورد في (مطمح الأنفس) للفتح بن خاقان أيضاً:

«الأديب أبو جعفر بن البنّي.

ثمّ ترجم له بنحو ما سبق عنه في القلائد، بتفاوت يسير في اللفظ، وذكر له من الشعر ما ذكره هناك، إلاّ ما نبهنا عليه من أغراضه في المدح والهجاء، فلا حاجة لإعادته ثانياً»(47).

3 ـ ما ورد في (المطرب في أشعار أهل المغرب) لابن دحية (ت 633 هـ):

الأديب أبو ] جعفر أحمد بن [ محمّد البتي(48).

وذكر ما مرّ نقله عن الفتح في كتابيه القلائد والمطح في مدح أدبه ثمّ قال:

«إلاّ أ نّه كان خبيث اللسان، ما كف هجوه عن إنسان، ما برح مدّة حياته منتزحاً عن الأوطان، خائفاً مترقباً من السلطان، لما شهد به الناس عليه، ونسبوه إليه، من الزندقة والإلحاد، وإنكار حشر الأجساد، وانكبابه...

ثمّ ذكر قصّة نزوله في خان بمغيلة ـ بلد بالمغرب قرب زرهون ـ واجتماعه بمعاصره أبي بكر اليكي وإنشاد اليكي بيتاً:

وقنديل كأن الضوء منه *** محيّا من أحبّ إذا تجلّى

فأجابه أبو جعفر(49) بن البتي، بقوله:

أشار إلى الدجى بلسان أفعى *** فشمّر ذيله فرقاً وولى

فقال: أنت البتي؟

فقال: أنت اليكّي؟ فتعانقا...»(50).

4 ـ ما ورد في (المعجب في تلخيص أخبار المغرب) لعبدالواحد المراكشي (647 هـ):

في ذكر ولاية أبي الحسن عليّ بن يوسف بن تاشفين قال:

«فبلغ الفقهاء في أيّامه عظيماً لم يبلغوا مثله في الصدر الأوّل من فتح الأندلس، ولم يزل الفقهاء على ذلك، واُمور المسلمين راجعة إليهم، وأحكامهم صغيرها وكبيرها موقوفة عليهم، طول مدّته، فعظم أمر الفقهاء كما ذكرنا، وانصرفت وجوه الناس إليهم، فكثرت لذلك أموالهم، واتسعت مكاسبهم، وفي ذلك يقول أبو جعفر أحمد بن محمّد المعروف بابن البنّي، من أهل مدينة جيان من جزيرة الأندلس:

أهل الرياء لبستم ناموسكم *** كالذئب أدلج في الظلام العاتم

فملكتم الدنيا بمذهب مالك *** وقسّمتم الأموال بابن القاسم(51)

وركبتم شهب الدواب بأشهب (1) *** وبأصبغ(1) صبغت لكم في العالم

وإنّما عرّض أبو جعفر هذا في هذه الأبيات بالقاضي أبي عبدالله محمّد بن حمدين قاضي قرطبة، وهو كان المقصود بهذه الأبيات، ثمّ هجاه بعد هذا صريحاً بأبيات أوّلها:

أدجّال هذا أوان الخروج *** ويا شمس لوحي من المغرب

يريد ابن حمدين أن يعتفي *** وجدواه أنأى من الكوكب

إذا سئل العرف حك أسته *** ليثبت دعواه في تغلب(52)

في أمثال لهذه الأبيات، وكان القاضي أبو عبدالله بن حمدين ينتسب إلى تغلب ابنة وائل(53).

وأمّا ما خلط فيه المؤرّخون بين ترجمتي المتشابهين، فمن ذلك:

1 ـ ما ورد في (خريدة القصر) للعماد الأصبهاني (ت 579 هـ)، فقد جاء في الجزء الأوّل من القسم الرابع (شعراء الأندلس):

«أبو جعفر عبدالولي البتي الكاتب.

معروف من أهل الفضل، ولم يقع إليَّ أيضاً من شعره، لكنّني قرأت في ديوان أبي الصلت اُمية الأندلسي، أ نّه كتب إلى عبدالولي البتي مجاوباً عن قصيدة خاطبه بها... .

ثمّ طالعت كتاب الجنان لابن الزبير، وذكر أ نّه خليع العذار، قليل المحاشمة في اللهو والإعتذار، لا يبالي أي مذهب ذهب، ولا يفكر فيمن عذر أو عتب، وله أهاج أرغمت المعاطس، وبدائع أخّرت المنافس، وأخذت المنافس»(54).

وجاء في الخريدة أيضاً في قسم شعراء المغرب:

«أبو جعفر عبدالولي البنّي الكاتب:

معروف من أهل الفضل، ولم يقع إليَّ أيضاً من شعره...»(55).

فذكر العماد في ترجمة الرجل ما ذكره آنفاً بلفظه، بدون زيادة أو نقصان إلاّ في تغيير النسبة، فقد وردت في الاُولى (البتي) بالتاء وفي الثانية (البنّي) بالنون، فلاحظ.

2 ـ وممّا ورد فيه الخلط أيضاً: (كتاب المغرب في حلى المغرب) لابن سعيد (ت 685 هـ) وآخرين، فقد جاء فيه:

«أبو جعفر أحمد بن عبدالولي البنّي.

من المسهب: من سوابق حلبة عصره، وغرر دهره، خلع عذاره في الصبا، وهبّ مع غرامه جنوباً وصبا، وذكره الفتح في المطمح، ثمّ ذكره في ضمن القلائد، وقال: هو مطبوع النظم نبيله، واضح نهجه في الإجادة وسبيله...»(56).

3 ـ وممّا ورد فيه الخلط كتاب (رايات المبرزين وغايات المميزين) لابن سعيد (ت 685 هـ) فقد جاء فيه:

«أبو جعفر بن البنّي.

حرقته الفرنج حين دخلوا بلنسية، وهو من شعراء الذخيرة، أنشدت له وبعض الناس يذكر أ نّها للرمادي:

عجبت من الخيري إذ نمَّ بالدجى *** وقد صاد ريّاه مع الصبح يذهبُ

فخلت الريا من طبعه فكأ نّه *** فقيه يرائي وهو بالليل يشربُ

ثمّ ذكر له بيتين آخرين، ثمّ قال:

وأنشد له مؤرّخ الأندلس أبو الحجّاج البياسي:

يامن قصدت إليه ألتمس الغنى *** والنفس مقرون بها إتلافها

وعبرت لجّة زاخر ذي سطوة *** يخشى الردى صولاتها ويخافها

فكأنّ شهب النجم قد غرقت به *** فطفت على أمواجه أعرافها(57)

هذه جملة ما أطلعت عليه من تراجم يختص بها المؤلّف وهي القسم الأوّل، وتراجم تخص مشاركاً له في الاسم والكنية ويختلف عنه في النسبة، وهذا هو القسم الثاني.

وتراجم خلط فيها المؤرّخون كان مؤلّفنا أحد أطراف الشبهة، وهذا هو القسم الثالث، وقد وقع في تراجم القسم الثاني من الخلط أيضاً، إلاّ أنّ مؤلّفنا لم يكن من المشتبه بهم لذلك لم نفصل القول في مواقع الخلط(58).

وحيث أنّ جملة تلك المصادر وغيرها ممّا رجعنا إليها قد طبعت محققة بتحقيق أساتذة أعلام فعلقوا على ما ارتأوا التعليق عليه بما ظنّوه مناسباً.

وتبعاً لما مرّ في جميع المصادر فقد التبس الأمر على هؤلاء المحققين المحدثين، إذ نجد في تعليقاتهم ـ رغم تحقيقاتهم ـ ما يدعو إلى الدهشة من أمرهم، فإنّ فيهم الاُستاذ اللامع، والدكتور الكبير، والباحث المحقق.

وسنعرض فيما يلي لبعض مؤاخذتنا عليهم، بالقدر الّذي ينبغي تنبيه القارئ عليه، فيما يخص ترجمة مؤلّف كتابنا والله هو العالم والعاصم:

(أوّلا): مع الاُستاذ محمّد أبو الفضل إبراهيم في تحقيق (بغية الوعاة)، في ترجمة المؤلّف.

أ ـ وردت نسبة المؤلّف (البنيني) كما أ نّها وردت في طبعة مصر الاُولى بالجمالية سنة (1326 هـ) (البتيني) وكلاهما خطأ فات المحقق المذكور تصويب ذلك، وعدم تصويبه دلّ على عدم التفاته إلى الخطأ في ذلك، ولو رجع المحقق إلى بعض المصادر الّتي ذكرناها آنفاً فيما يخص ترجمة المؤلّف لوجد التصريح بأ نّه منسوب إلى بتة، فلابدّ من أن يكون (البتي)، ومن تلك المصادر كتاب التكملة لكتاب الصلة لابن الأبّار، وفيه نفس النص الّذي في البغية ونحو ذلك في بغية الملتمس للضبي.

ب ـ وردت نسبة المؤلّف (البتيني) في فهرس الأعلام، مع أنّ المثبت في أصل الترجمة (البنيني)، ولم ينبّه المحقق على ذلك في التصويبات آخر الكتاب.

ج ـ ورد اسم والد المؤلّف في أصل الترجمة (عبد الولي) وفي فهرس الأعلام (عبد المولى) مع أنّ الصواب ما في الأصل، ولم ينبّه المحقق عليه في التصويبات.

د ـ ورد اسم بلنسية في بغية الوعاة، في ترجمة المؤلّف(59)، ولم ينبّه عليه المحقق في فهرس الأماكن والبقاع.

(ثانياً): مع الأساتذة: إبراهيم الأبياري، حامد عبدالمجيد، أحمد محمّد بدوي، الدكتور طه حسين في تحقيقهم كتاب المطرب لابن دحية في ترجمة المشتبه به.

أ 0 في عنوان الترجمة (أبو ] جعفر أحمد بن [ محمّد البتي)، فعلق الأساتذة المحققون بأنّ تكملة ما بين القوسين من المعجب(60) وأشاروا إلى أنّ لصاحب العنوان ترجمة في بغية الوعاة.

والملاحظ عليهم أنّ ما نقلوه من التكملة عن المعجب صحيح، لكن كان عليهم أن يتنبهوا إلى أنّ المذكور فيه هو (أبو جعفر أحمد بن محمّد المعروف بابن البنّي من أهل مدينة جيان من جزيرة الأندلس) فكان عليهم تصحيح النسبة.

ب 0 ذكروا أنّ المترجم له هو المذكور في المعجب، وهو المترجم في البغية للسيوطي، وكان عليهم الإلتفات إلى أنّ المذكور في المعجب منسوب إلى جيان والمذكور في البغية منسوب إلى بتة، هذا أوّلا.

وثانياً: إنّ هناك دلالة صريحة على التغاير، وهي أنّ المذكور في البغية (أحرقه القنبيطور سنة ثمان وثمانين وقيل سنة تسعين وأربعمائة) كما يقول السيوطي فيها.

والمذكور في المعجب كان في أيّام (ولاية أبي الحسن عليّ بن يوسف بن تاشفين) وولايته من سنة 500 ـ سنة 533 هـ فلاحظ.

وثالثاً: إنّ مطارحة المترجم له مع اليكي لتكفي في تنبيه الأساتذة المحققين لو حققوا في الأمر، فإنّ اليكي توفي بعد سنة (560 هـ) فيستبعد جدّاً أن يكون هو البتي المترجم في (البغية) لأ نّه توفي سنة (488 هـ).

ورابعاً: إفراد ابن دحية لترجمة البتي عن البنّي في كتاب (المطرب) خير دليل للأساتذة محققي المطرب على التغاير.

(ثالثاً): مع الاُستاذين: عمر الدسوقي، عليّ عبدالعظيم في تحقيقهما (خريدة القصر) للعماد الأصبهاني(61) شعراء الأندلس في ترجمة المشتبه به وقد مرّ نقلها فعلقا بما يلي:

اضطربت الروايات في شأن البتي هذا بين القدماء والمحدثين، فقد ترجم العماد في شعراء المغرب لشاعر سمّاه: أبا جعفر عبدالولي البتي؟(62) ثمّ ترجم له في شعراء الأندلس باسم جعفر بن البتي؟ واختار لكلّ منهما مجموعة خاصة من الشعر؟

وفعل هذا ابن دجنة؟ في المطرب حيث أورد ترجمتين: الاُولى: باسم أبي أبي جعفر أحمد بن محمّد البتي(63) والثانية: باسم أبي جعفر بن عبدالولي البتي(64)، وقد ذكر الأساتذة محققوا كتاب المطرب: إنّ الإسمين لشاعر واحد، وقد ترجم له ابن خاقان في (القلائد)(65) و (المطمح)(66) باسم أبي جعفر بن البتي، وترجم له ابن سعيد في (المغرب)(67) باسم أبي جعفر أحمد بن عبدالولي البتي، ونقل مختارات له عن المطمح والقلائد، ونحن نرجّح بل نجزم أنّ هناك شاعرين متشابهين في الإسم؟

أوّلهما: أبو جعفر بن عبدالولي البتي من شعراء الأندلس أحرقه القنبيطور المعروف باسم السيّد، حين فتح بلاده سنة 488 أو سنة 490 هـ ؟

وثانيهما: هو أبو جعفر أحمد بن محمّد البتي، وكان شاعراً مستهتراً ملحداً نفي من الأندلس إلى المغرب، وعاصر أبا بكر البكي؟ المتوفى سنة (560 هـ)؟ وكانت بينهما مطارحات، ولمّا ارتفع شأن الفقهاء في عهد عليّ بن يوسف بن تاشفين (تولى الحكم من سنة 500 ـ سنة 533 هـ) سلَّ أحمد بن محمّد لسانه وهجا الفقهاء، ثمّ هجا حمدين قاضي قرطبة (ولم يتول القضاء إلاّ في أوائل القرن السادس).

ومن هنا يتضح أنّ الأوّل قتل حرقاً بالأندلس سنة 488 أو سنة 490 هـ وأنّ الثاني كما يقرر ابن دجنة؟ في المطرب: مات متردّياً في حفرة(68)؟ والأوّل ظل في بلده، والثاني نفي إلى خارج الأندلس، ومات بعد هذا بكثير.

وكما التبس الإسمان التبس على المؤلّفين نسبة أشعارهما، فحدث بينهما خلط كبير، وقد تنبه إلى هذا ابن الأبّار حيث قال في (التكملة):

] بعد أن ذكر البيتين: غصبت الثريا في البعاد [ وقد أنشد مؤلّف (قلائد العقيان هذين البيتين لأبي جعفر البتي اليعمري، وأحدهما غالط من قبل اشتباه نسبهما، والتفرقة بينهما مستوفاة في تأليفي الموسوم بهداية المتعسف في المؤتلف والمختلف)(69).

وقد نقل عنه هذه العبارة المقري في (نفح الطيب): ونعتقد أنّ الشاعر المقصود هنا من شعراء المغرب هو أبو جعفر أحمد بن محمّد البتي، وإنّ الأمر التبس على المصنّف كما التبس على غيره(70).

وينبغي أن نلاحظ أنّ هناك شاعراً ثالثاً سابقاً لهما هو: أحمد بن عليّ البتي (ت 403 هـ) أبو الحسن، وقد ترجم له ياقوت في (معجم الاُدباء)(71) ؟انتهى ما أفاده المحققان.

وتعقيباً منّا على ما أفادا ـ وقد أجادا فيما أفادا ـ فنقول:

إنّ الإختلاف المذكور في المصادر الّذي أوجب الإضطراب في شأن البتي، حتّى التبست التراجم لتشابه الأسماء، وتبعاً لذلك التبست الأشعار وهو كما ذكر المحققان، ولكن لم يسلم من ذلك الإلتباس نفس هذين المحققين على دقة تحقيقهما في أمر البتي، فإنّ فيما ذكراه عدّة علامات استفهام وضعناها تنبيهاً على النظر فيما ذكراه، وهي:

أ ـ نقلا عن العماد ترجمته في (الخريدة في شعراء المغرب) لشاعر اسمه أبو جعفر عبد الولي البتي وهو ليس كذلك، بل الموجود في الخريدة (شعراء المغرب) بتحقيق: محمّد المرزوقي، محمّد العروسي المطوي، الجيلاني ابن الحاج يحيى، طبع الدار التونسية للنشر سنة 1966 م: أبو جعفر عبدالولي البنّي الكاتب ـ بالنون ـ (72) وقد علّق المحققون في الهامش بما يلي: في النسختين (البتي) والإصلاح من مخطوطات قلائد العقيان و (معجم البلدان)(73)، الأنساب للسمعاني عن اللباب(74).

ب ـ نقلا أيضاً عن العماد ترجمته في (الخريدة في شعراء الأندلس) لشاعر باسم جعفر بن البتي، وهذا أيضاً ليس بصحيح، ومن الغريب منهما أ نّهما حققا ذلك، وكتبا ما تقدّم من تحقيقهما في نفس الصفحة الّتي فيها ترجمة الشاعر وعنوانها أبو جعفر عبد الولي البتي الكاتب.

ج ـ ذكرا بأنّ العماد اختار لكلّ من الشاعرين مجموعة خاصة من الشعر، وهذا أيضاً ليس بصحيح، بل لم يذكر العماد في ترجمة الثاني إلاّ ما ذكره في ترجمة الأوّل بدون زيادة أو نقصان، إلاّ في النسبة فقط، ففي الأوّل (البتي) وفي الثاني (البنّي) فليراجع.

د ـ قالا: وفعل هذا ابن دجنة في المطرب، وهو غلط والصواب في اسمه ابن دحية، وهو الحافظ أبو الخطّاب عمر بن الحسن بن عليّ من ذرّية دحية الكلبي صاحب النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) واُمّه بنت أبي عبدالله أبي البسّام الحسيني، فكان يكتب بخطّه (ذو النّسبين دحية والحسين رضي الله عنهما).

هـ ـ ذكرا: أنّ ابن سعيد ترجم للبتيّ في المغرب 2: 375 وهو خطأ صوابه 2: 357.

و ـ قالا: ونحن نرجّح بل نجزم أنّ هناك شاعرين متشابهين في الاسم... الخ. وهذا غير صحيح، بل المقطوع به وجود أربعة وغيرهم مشكوك فيه، وهم على سبيل الإجمال:

1 ـ أبو جعفر أحمد بن عبدالولي البتي من شعراء الأندلس، الّذي أحرقه القنبيطور، وهو المترجم له في المصادر العشرة الّتي ذكرناها آنفاً، وهو مؤلّف الكتاب.

2 ـ أبو جعفر أحمد بن محمّد بن البنّي المذكور في المعجب.

3 ـ أبو جعفر أحمد بن الحسين بن خلف المعروف بابن البنّي العمري الأبّدي المذكور في حماسة البياسي والمترجم في (القلائد) و (المطمح)(75).

4 ـ أبو جعفر أحمد بن صمادح البنّي المذكور في كتاب الملح لابن القطاع(76).

وهؤلاء كلّهم من الأندلسيين وكلّهم شعراء، أوّلهم (البتي) بالتاء والثلاثة الآخرون بالنون.

ز ـ قالا: أوّلهما أبو جعفر... أحرقه القنبيطور حين فتح بلاده سنة 488 أو سنة 490 هـ وهذا خطأ فإنّ القنبيطور فتح بلنسية سنة 487 هـ كما مرّ نقل ذلك عن ابن الأبّار في ظُلامة القنبيطور فلاحظ. وإنّما الإحراق كان سنة 488 هـ فكان عليهما التعبير بما عبّر به المؤرّخون، وهو حين غلب أو تغلّبه على بلنسية، وهو يشمل فترة حكمه منذ الفتح إلى ما بعده، بخلاف حين فتحه لبلاده الّتي تخص فترة الفتح فقط.

ح ـ قالا: وثانيهما... وعاصر أبا بكر البكي، والصواب اليكي بالياء المثناة من تحت.

ط ـ ذكرا أنّ وفاة اليكي سنة 560 هـ وهو أبو بكر يحيى بن عبدالجليل بن سهل اليكي، شاعر هجّاء من أهل يكة أحد حصون مرسية، كان كثير الهجاء للمرابطين.

ي ـ قالا: وإنّ الثاني كما يقرّر ابن دجنة في المطرب، والصواب ابن دحية كما سبق.

ك ـ قالا: مات متردياً في حفرة، ونقلا ذلك عن المطرب، وقد سبق منّا نقل ما في المطرب بلفظه، وليس فيه ما يشعر بذلك، فضلا عن النصّ عليه.

ل ـ قالا: ونعتقد أن الشاعر المقصود هنا من شعراء المغرب هو أبو جعفر أحمد بن محمّد البتي، وليس هذا بصحيح بل الصحيح البنّي ـ بالنون ـ كما في المعجب(77).

والغريب من الاُستاذين المحققين أ نّهما حين ذكرا أنّ اسم الثاني هو أحمد بن محمّد، وأ نّه سلَّ لسانه على الفقهاء أيّام تولي أبي الحسن عليّ بن يوسف بن تاشفين، قد استقيا هذه المعلومات كلّها من المعجب لعبدالواحد المراكشي، إذ لم ترد في غيره، كيف غفلا عن صحيح نسبته ولم يلتفتا إلى قول المراكشي: (أبو جعفر أحمد بن محمّد المعروف بابن البنّي، من أهل مدينة جيان من جزيرة الأندلس) فأين هذا من البتي المنسوب إلى بتة قرية من قرى بلنسية فلاحظ.

م ـ قالا: وينبغي أن نلاحظ أنّ هناك شاعراً ثالثاً... الخ وكان عليهما أوّلا التنبه إلى أنّ هذا الشاعر الثالث ـ وهو أحمد بن عليّ البتي (ت 403 هـ) أبو الحسن، وقد ترجم له ياقوت في (معجم البلدان)(78) ـ منسوب إلى البّتَ ـ بالفتح ثمّ التشديد ـ قرية كالمدينة من أعمال بغداد قريبة من راذان كما في (معجم البلدان)(79).

فأين هذا من البتي المنسوب إلى بتة، ومع الإغماض عن ذلك فقد سهوا في سنة وفاته فقد ذكرا أ نّها سنة 403 والصحيح 405 هـ كما ذكرها ياقوت الحموي في (معجم البلدان)، والسمعاني في (الأنساب)(80)، وابن الأثير في (اللباب)(81) والرجل ممّن كتب للقادر بالله العبّاسي.

وليس من نافلة القول تنبيه القارئ على أنّ مكاناً آخر يسمّى البَتّ أيضاً والنسبة إليه البتي، وذلك من نواحي بوهرز قرب بعقوبا من نواحي بغداد أيضاً(82)ولعل نهر البتّ الّذي هو من أنهار دجلة العظيم ويسقى أراضي العيث(83) كان منسوباً باسم هذا المكان أو باسم الّذي قبله.

وفي البصرة موضع يسمّى (البتّ) أيضاً وقد نسب إليه بعض المحدّثين باسم البتي كما سيجيء ذكره.

ن ـ وآخر ما نلاحظه عليهما في موضوع النسبة خاصة، أ نّهما سوّغا لأنفسهما ذكر شاعر ثالث، لمجرد اشتراك في لفظ النسبة (البتي) مع بعده عن الآخرين بُعد المشرق عن المغرب، فكان عليهما إذ استساغا ذلك ذكر بقيّة من يشترك في النسبة سواء في ذلك المشارقة والمغاربة، ما دام الإتفاق وضعاً يرد ذكر المنسوبين وإن اختلفوا صقعاً.

وإتماماً للفائدة فنحن نذكر من عثرنا عليه ممّن يقال له (البتي) غير من ذكره المحققان، وهم:

1 ـ أبو عليّ، الحسن بن أحمد بن عليّ البتي البغدادي، كان كاتباً للخليفة القائم بأمر الله، وله ترسل صالح وشعر(84) وهذا هو ابن أبي الحسن أحمد بن عليّ كاتب القادر بالله الّذي ذكره المحققان.

2 ـ محمّد بن عليّ البتي شاعر من أهل البتّ ـ قال السمعاني : وهو موضع أظن بنواحي البصرة ـ وحكي أنّ أهله اُصيبوا بسنة لحقهم فيها العطش والجراد، فصار منهم جماعة إلى محمّد بن عبدالملك بن الزيّات يتظلمون، فوجه برجل يقف على مظالمهم، وكان الرجل ضعيف البصر فكتب اليه محمّد بن عليّ البتي:

أتيت أمراً أبا جعفر *** لم يأته برٌ ولا فاجرُ

أغثت أهل البتّ إذ أهلكوا *** بناظر ليس له ناظرُ(85)

3 ـ عثمان بن مسلم بن هرمز البتي، فقيه أهل البصرة، رأى أنس بن مالك وروى عن الحسن وصالح بن أبي مريم وغيرهما(86) وكانت له حلقة حضرها يوماً الحجّاج بن أرطاة، فجلس في عرض الحلقة، فقيل له: ارتفع إلى الصدر، فقال: أنا صدرٌ حيث كنت(87).

4 ـ أحمد بن عبدالرحمن أبو غالب ابن البتي، روى عن أبي بكر محمّد بن بشران(88).

5 ـ أحمد بن محمّد بن عبدالله البتي، روى عن يزيد بن زريع(89).

(رابعاً): مع الدكتور شوقي ضيف في تحقيقه المغرب في حلى المغرب في ترجمة أبي جعفر أحمد بن عبد الولي البنّي حيث علّق عليه بما يلي:

ترجم له الفتح في (القلائد)(90)، و (المطمح)(91)، والمراكشي في (المعجب)(92)، وابن سعيد في (الرايات)(93)، وقال: حرقته الفرنج حين دخلوا بلنسية، وكان ذلك سنة (488 هـ)، واُنظر في ذلك (المغرب)(94) واُنظر (النفح)(95) حيث يظهر أنّ الفتح وتبعه ابن سعيد خلط بين أبي جعفر البنّي، وآخر يسمّى أبا جعفر بن عبدالولي، وقد ناقش ذلك ولفت إليه ابن الأبّار ونقله المقري، واُنظر في ترجمته (المسالك)(96)، و (الخريدة)(97) واُنظر (معجم السلفي)(98).

ونحن في الوقت الّذي نقدر للدكتور شوقي ضيف جهده في تحقيقه، نود أن نلفت النظر إلى ما زاغ عن المؤلّف، ولم ينبّه عليه الدكتور المحقق، وذلك أنّ الّذي ترجمه صاحب المغرب ذكره في كتاب (المنّة في حلى قرية بنّة) وهو الكتاب الخامس من الكتب الّتي يشتمل عليها كتاب المملكة البلنسية، وهي من شرقي الأندلس، بينما كان الموضع المناسب لذكر المترجم له هو كتاب (النفحة البستانية في حُلى المملكة الجيانية) من الكتب الّتي ضمّها كتاب (الشفاه اللعس في حلى متوسطة الأندلس) لأ نّه من أهلها، كما ذكره المراكشي فقال: من أهل مدينة جيان من جزيرة الأندلس.

كما أنّ الدكتور نفسه قد وهم في أنّ الّذي ذكره ابن سعيد في (الرايات)(99) هو نفسه المترجم له في المغرب، ولو تنبّه الدكتور إلى تاريخ تحريق الفرنج له، وأ نّه كان سنة (488 هـ) لتبين له أ نّه غير المذكور في المعجب الّذي كان في أيّام ولاية عليّ بن يوسف بن تاشفين وولايته من سنة 500 ـ 533 هـ.

(خامساً): مع الدكتور احسان عباس في تحقيق (وفيات الأعيان) لابن خلّكان في ترجمة أبي جعفر أحمد بن الحسين بن خلف بن البنّي اليعمري الأبدي، حيث علّق الدكتور في الهامش فقال: اُنظر ترجمة أبي جعفر البنّي في (القلائد)(100)، و (المطمح)(101)، و (المغرب)(102)، و (الخريدة)(103)، وله أشعار في مواطن متفرّقة من (نفح الطيب).

فأوّل وهم: عدَّ الدكتور المحقق لكتاب المغرب في جملة المصادر، فإنّ المذكور فيه هو أبو جعفر أحمد بن عبدالولي البنّي وأين هو من المذكور في (وفيات الأعيان) باسم أحمد بن الحسين بن خلف بن البنّي... الخ.

ووهم ثان: ذكر الدكتور كتاب (الخريدة) مع المصادر الّتي تترجم المذكور في (وفيات الأعيان)، مع أنّ المذكور في (الخريدة) ـ قسم شعراء المغرب ـ أبو جعفر عبدالولي البنّي الكاتب، والمذكور فيها ـ قسم شعراء الأندلس ـ أبو جعفر عبدالولي البتي الكاتب.

وكلا الإسمين في القسمين غير المذكور في الوفيات فلاحظ.

وثمّة وهم ثالث: سها فيه ابن خلّكان ولم يتنبّه له الدكتور المحقق وذلك: ما ذكره ابن خلّكان بقوله: وله في صفة قنديل:

وقنديل كأن الضوء فيه *** محاسن من أحب إذا تجلى

أشار إلى الدجى بلسان أفعى *** فشمّر ذيله فرقاً وولى

فإنّ البيت الأوّل ليس له، وإنّما هو لأبي بكر اليكي، كما نصّ على ذلك ابن دحية الكلبي في كتابه (المطرب) في قصّة جرت بينهما ومطارحة أدبية، قال اليكي البيت الأوّل وأجازه مجيباً البنّي بالبيت الثاني.

(سادساً): مع الدكتور النعمان عبد المتعال القاضي في تحقيقه (رايات المبرزين وغايات المميزين) لابن سعيد الأندلسي في ترجمة أبي جعفر بن البنّي، حيث علّق على اسمه بقوله: ترجم له في (القلائد)(104)... وترجم له ابن سعيد في (المغرب)(105)، وقد جعل غومس اسمه ابن البتي والأصل أصح كما في (المطمح)(106)، و (القلائد)(107)، و (النفح)(108).

وقد وهم في جميع ذلك، فإنّ المترجم في الأصل هو البتي كما هو في طبعة مدريد للكتاب بتحقيق الاُستاذ غرسية غومس هذا أوّلا، والمترجم في المغرب هو غير هذا، لأنّ ذلك لم تحرقه الفرنج، وقد التبس الأمر على ابن سعيد فظن الإسم لشخص واحد مع تعددهما في الواقع هذا ثانياً، وثالثاً: من ذكر في (القلائد) و (المطمح) و (النفح) أيضاً غير الّذي حرقته الفرنج في سنة (488 هـ) وقد سبق منّا التنبيه على ذلك.

ثمّ إنّ الدكتور النعمان علّق في هامش آخر على ابن سعيد (حرقته الفرنج حين دخلوا بلنسية) فقال: وكان ذلك الدخول سنة 488 أو سنة 490 هـ ، ويظهر أنّ صاحب (القلائد) وتبعه صاحب (المغرب) خلطا بين ابن البنّي هذا، وبين شخص آخر يسمّى أبا جعفر بن عبدالمولى(109).

وفي هذا عدّة أوهام مضافاً إلى ما سبق من أوهام الدكتور وهي:

أ ـ انّ دخول الفرنج كان سنة (487 هـ) كما نصّ على ذلك ابن الأبّار في الحلة السيراء، والحرق كان سنة (488 هـ) كما سبق ذكر ذلك مفصّلا في ظُلامة القنبيطور فراجع.

ب ـ إنّ الخلط في القلائد ليس بين ابن البنّي وبين شخص آخر يسمّى أبا جعفر ابن عبدالمولى، بل إنّما الخلط بين ابن البنّي اليعمري وبين البنّي المستهتر في سلوكه، إذ خلط بين أشعارهما، ولم يكن أبو جعفر البتي ممّن قصده الفتح بالترجمة في كتابه (القلائد)، والّذي يدلّ على ذلك أ نّه ذكر الترجمة باسم أبي جعفر ابن البنّي، ولم يصرّح باسمه ولا اسم أبيه، وقد راجعنا من طبعات القلائد طبعتين.

1 ـ طبعة التقدم بمصر سنة 1320.

2 ـ طبعة تونس وهي عن طبعة باريس وفي جميعها وردت النسبة (البنّي) وأكّد صحّة ورودها كذلك ما نقله محققوا الخريدة (قسم شعراء المغرب) أ نّه الموجود في مخطوطات القلائد، وقد مرّت الإشارة إلى ذلك.

والّذي لا يدع مجالا للشك في أ نّه البنّي ـ بالنون ـ وليس البتي، ما نقله المقري في (نفح الطيب)(110)، مضافاً إلى تصريح السيوطي في تبصير المنتبه حيث قال في مادّة (البتي):

وبنون بدل التاء المثنّاة ـ وبكسر أوّله ـ (البِنِّي) أبو جعفر بن البنّي اليعمري، ذكره الفتح في (القلائد)، وأنشد له شعراً، وضبطه ابن عبدالملك في (التكملة)، وأشار إلى أ نّه يلتبس بأبي جعفر البتي بفتح ثمّ مثنّاة(111).

ج ـ المذكور في (المغرب) هو أبو جعفر أحمد بن عبدالولي، لا كما قال الدكتور النعمان: أ نّه أبو جعفر بن عبدالمولى. والتعليقة مقتبسة من تعليقة الدكتور شوقي ضيف على المغرب فراجع.

وممّا ينبغي التنبيه عليه إذ لم يلتفت إليه أحد ممّن ذكرنا من المحققين، هو أنّ الفتح ذكر في (القلائد) أبا جعفر بن البنّي في غير ترجمته في موضعين آخرين، لهما نصيب في تسليط الضوء على أوهام الفتح نفسه ومن تبعه، وهما:

1 ـ ذكر في ترجمة الرئيس الأجل أبي عبدالرحمن محمّد بن طاهر جملة من مراسلاته إلى ناصر الدولة صاحب ميورقة(112) فقال: ومنها إليه: أطال الله بقاء الأمير الأجل ناصر الدولة... وهذا الوزير الأجل الكاتب أبو جعفر بن البنّي عبدك الآمل أبقاه الله ضممت به إلى ذراك همم عوال...(113).

2 ـ وفي نفس الترجمة السابقة قال: ولم تزل الشعراء تسليه عن نكبته، وتمنّيه بالعود إلى رتبته، بأفصح مقال وأملح انتقال، فمن ذلك قول الوزير أبي جعفر البنّي:

أترضى عن الدنيا فقد تتشوّف *** لعمر المعالي إنّها بك تكلف

في أبيات ثمانية(114).

فإنّ هذا البنّي الوزير الّذي يدعو له الرئيس الأجل أبو عبدالرحمن محمّد بن طاهر بالبقاء ليس هو البنّي المستهتر الّذي دعا عليه الفتح في ترجمته، لكنّه التبس عليه الأمر فخلط بين أشعارهما، وربّما خلط شعر غيرهما أيضاً فيما ذكره في الترجمة.

وفي هذين الموضعين تأكيد لما مرّ من أنّ المذكور في (القلائد) هو البنّي ـ بالنون ـ وليس البتي كما تخيّله بعضهم من مؤرّخين ومحققين.

والآن نكتفي بهذه المناقشات مع عشرة من أساتذة المحققين فيما وهموا فيه، على أنّا لم نقصد بذلك غمز الأساتذة أو التقليل من أهمّية تحقيقاتهم، إلاّ أنّ إيماننا بخدمة العلم وإظهار الحقيقة هو الّذي سوّغ لنا صرف الوقت في تحقيق ذلك تنبيهاً للقارئ، لئلاّ يؤخذ ببهرجة الالقاب، وحسبي في هذا مساهمة في إذاعة الصحيح.

3 ـ ظُلامة الناسخ: لم يكن ما لحق المؤلّف من ظُلامة الناسخ دون ما أصابه من المؤرّخين ومن قبلهم جميعاً القنبيطور، فإن يكن ذلك الطاغية أحرق جسمه، واُولئك التبس عليهم تعريفه ورسمه، فإنّ الناسخ هو الآخر أجهز عليه فسدّد قلمه، واقتحم على حمى أبيه ليضيع لنا إسمه.

وكان ذلك، وتسبب في توريط بعض المحدثين، فاعتمدوا على ما كتبه دون التحقيق في أمره، وفشا ذلك حتّى فيما تبقى من نسخ الكتاب، إذ لم يقتصر على نسخة دون اُخرى، ممّا دل أنّ جميعها ترجع إلى أصل واحد، كان ناسخه هو مصدر التحريف وهو مصدر العناء، فإنّ الموجود من الكتاب فيما وقفت عليه بعد البحث في فهارس المكتبات هو ثلاث نسخ، وقفت على واحدة منها، واطلعت على وصف اثنتين اُخريين، والنسخ الثلاث هي:

1 ـ نسخة الخزانة التيمورية: وهي اليوم في دار الكتب المصرية، ذكرها الاُستاذ لطفي بديع في فهرس المخطوطات المصورّة (التاريخ) ج 2 / ق 1 / ص 86 فقال: تذكرة الألباب باُصول الأنساب، لأبي جعفر أحمد بن عبدالعزيز بن عبدالمولى البتي... تحت رقم (161).

نسخة كتبت بخطّ قديم 52 ق 10 سم × 12 سم التيمورية 89 ضمن مجموعة (ف 570).

2 ـ نسخة اُخرى بدار الكتب المصرية: وصفها المرحوم فؤاد سيّد في فهرس المخطوطات ق 1 / ص 148 فقال: تذكرة الألباب باُصول الأحساب تأليف أبي جعفر أحمد بن عبدالعزيز بن عبدالولي البتي (ت 488 هـ) نسخة مصورّة بالفوتستات عن الأصل المخطوط سنة 1108 المحفوظ بالدار برقم 6 مجاميع ش (ضمن مجموعة من لوحة 146 ـ 155) (418/ج) واُشير إلى أصل هذه النسخة في فهرس الكتب العربية الموجودة في الدار ج 5/ ص132 وحيث لم أطلع على هاتين النسختين أكتفي في تعريفهما بما ورد عنهما في الفهارس المذكورة.

3 ـ نسخة في مكتبة شيخ الإسلام عارف حكمت بالمدينة المنورة: وهي الّتي اتخذتها أصلا، واعتمدت على ما نسخ عنها في التحقيق، وقد اطلعت عليها بنفسي في سنة (1389 هـ) وسجّلت أوصافها، مضافاً إلى ما سبق لي الإطلاع عليه من معلومات كتبها الاُستاذ السيّد هادون العطّاس والاُستاذ السيّد محمود إكينلي أمين مكتبة شيخ الإسلام عارف حكمت في مراسلاتهما في هذا الشأن.

ورغم ذلك كلّه فقد وجدت تفاوتاً في أوصافها عند آخرين، ولولا ما سجّلته بنفسي لحملني ذلك على التشكيك في أمر النسخة.

أمّا وصفها كما رأيتها: فهي نسخة ضمن مجموعة تحتوي على 39 كتاباً ورسالة، وكتابنا هذا هو الثلاثون من كتب تلك المجموعة، ويبدأ من ورقة 329 وينتهي في ورقة 344 ومسطرته 27 سطراً في كلّ صفحة، وقياسها 6 سم × 12 سم أمّا قياس المجموعة 11 سم × 18 سم.

والكتاب مخطوط بقلم تعليق كنحو خط باقي كتب المجموعة، وكلّها جيّدة الخطّ مجدولة مذهبة، ممّا يظهر أ نّها خزائنية نفيسة، وهي برقم 21 مجاميع قسم التاريخ.

كتب على ظهر كتابنا: كتاب تذكرة الألباب باُصول الأنساب (بالحمرة) تأليف الشيخ أبي جعفر أحمد بن عبدالعزيز بن عبدالولي البتي(رحمه الله) رواية عبدالملك بن زكريا بن حسّان المقري.

ونقل الناسخ ترجمة المؤلّف عن أنساب الرشاطي، فكتبها على ظهر الكتاب وسبق منا أن ذكرناها عنه.

وجاء في آخر كتاب في المجموعة لم أكتب اسمه في حينه، ولعلّه كتاب النبات للأصمعي: نجز الكتاب والحمد لله ربّ العالمين، نقلت جميعه من نسخة نقلت جميعها من خطّ أبي الفتح عثمان بن جنّي، وصحّحها رضي الدين الشاطبي بتاريخ 15 صفر سنة 1187 هـ).

ونظراً لوحدة الخطّ ربّما كان ذلك تاريخاً لنسخ كتابنا هذا أو قبله، أمّا وصف النسخة عند الآخرين: فقد وصفها المرحوم فؤاد سيّد في فهرس المخطوطات المصورّة (التاريخ) ج 2 / ق /3 ص 100 فقال:

تذكرة الألباب بأصول الأنساب (984)

تأليف أبي جعفر أحمد بن عبدالعزيز بن عبدالولي البتي الأندلسي المتوفّى سنة 488 (كما في أنساب الرشاطي).

رواية عبدالملك بن زكريا المقري، عنه.

ثمّ ذكر شيئاً من أوّل الكتاب وآخره وقال: نسخة بقلم تعليق واضح مضبوطة الشكل، كتبها أبو بكر محمّد بن رستم بن أحمد بن محمود الشرواني في 11 ورقة ومسطرتها 21 سطراً (عارف حكمت بالمدينة 21 مجاميع ف 22).

ووصفها الاُستاذ عمر رضا كحالة في كتابه فقال:

9 ـ مجموع فيه:

3 ـ تذكرة الألباب باُصول الأنساب، لأحمد بن عبدالعزيز بن عبدالولي المتوفّى سنة 488 هـ = 1905 م عدد أوراقه: 43 ـ 51 نسخة جيّدة مضبوطة بالشكل (21 قديم ـ 207 جديد مجاميع)(115).

ولا شك أنّ الرقم في جميع الأوصاف متحد، لكن الوصف متغاير، خصوصاً في الكم، فإنّ النسخة الّتي رأيتها واعتمدتها تشغل الأوراق من 329 ـ 344 أي 16 ورقة، بينما النسخة الّتي وصفها فؤاد سيّد تشمل 11 ورقة، والّتي وصفها كحالة تشمل 9 أوراق، ثمّ انّ مسطرة النسخة الّتي اعتمدتها 27 سطراً، والّتي وصفها فؤاد سيّد 21 سطراً.

وهكذا تعددت الأوصاف والرقم واحد؟!

والملاحظ على كاتب النسخة سواء كان هو الشرواني كما ذكره فؤاد سيّد أو غيره، وسواء كان هو مصدر الوهم أم لا، أ نّه كتب على ظهر الكتاب (أحمد بن عبدالعزيز بن عبدالولي) بينما المؤلّف نفسه ذكر اسمه ونسبه في مقدّمة الكتاب فقال:

أحمد بن عبدالولي بن أحمد بن عبدالولي البتي... الخ.

فكيف غفل الناسخ عن تلك الحقيقة؟ خصوصاً إذا كان هو الشرواني الّذي ذكره فؤاد سيّد: فإنّه أديب فاضل من رجال الدولة العثمانية (ت 1135 هـ) من آثاره: ما لابدّ منه للأديب(116).

ومهما يكن سبب الوهم لدى الناسخ، فإنّه تسبب في ايهام غير واحد من الباحثين، ونحن إذا عذّرناه بأ نّه نسخ ما وجد في أصل النسخة الّتي كتب عنها، فلا مجال لتعذير الباحثين المتأخّرين الّذين رأوا النسخة وكتبوا عنها وعن مؤلّفها، مثل إسماعيل باشا صاحب (ايضاح المكنون) فقد ذكر اسم الكتاب وقال: هو لأحمد بن عبدالعزيز(117).

ممّا دلّ على أ نّه رأى نسخة من الكتاب فسجّل ذلك عنها، ولا مجال للإعتذار عنه بأ نّه اعتمد على غيره ممّا تقدّم من المصادر، فإنّها جميعاً لم تذكر اسم أبيه عبدالعزيز، كما أ نّها لم تذكر للمؤلّف كتاباً أصلا، وقد مرّ عرض جميع ذلك مفصّلا فراجع، وبحق يعتبر أنّ البغدادي هو أوّل من ذكر كتاب المؤلّف في الإيضاح غير أ نّه وهم في اسم أبيه.

وإن يكن قد سها في الإيضاح مرّة واحدة فقد وهم في كتابه (هدية العارفين) ثلاث مرّات حيث ترجم المؤلّف :

1 ـ فوهم في اسم أبيه فسمّاه عبدالعزيز.

2 ـ ووهم في اسم جدّه فسمّاه عبدالمولى، بعد أن ذكره في الإيضاح (عبدالولي).

3 ـ ووهم في سنة وفاته فقال: سنة 448 ثمانية وأربعين وأربعمائة، وقد ذكر وفاته في (الإيضاح) سنة 488 صحيحاً(118).

وممّن وهم من محققي المتأخّرين اعتماداً على إسماعيل باشا هو الباحث الاُستاذ عمر رضا كحالة، فقد ترجم المؤلّف في موسوعته القيّمة (معجم المؤلّفين)(119)، واعتمد على كتاب (ايضاح المكنون) ـ وقد عرفت سهو مؤلّفه فيه ـ وعلى تاريخ بروكلمان، ولدى مراجعة ما ذكره من جزء وصفحة لم نجد ترجمة البتي، بل الموجود هو ترجمة أحمد بن محمّد بن حنبل صاحب المذهب، وهكذا انتشرت الأوهام حتّى كادت تطغى على الحقيقة لولا التنقيب عنها والتنويه بها.

ومن الغريب من الاُستاذ كحالة بعد أن اطلع على نسخة الكتاب في المدينة إذ نوّه عنها في كتابه (المنتخب من مخطوطات المدينة المنورة) أن يوهم في اسم والد المؤلّف فيسمّيه عبدالعزيز، على أنّ لفتةً عابرة منه إلى أوّل صفحة من الكتاب وهي مقدّمة المؤلّف، تدلّه على إسمه ونسبه الصحيح، كما كانت تدلّه على أنّ للمؤلّف كتاباً آخر سمّاه (قسط الألباب من ثمار الأنساب) حيث أحال عليه عند اعتذاره عن بسط الكلام، راجع مقدّمة المؤلّف في كتابه.

وقد آن لنا أن نكتفي بهذا العرض الشامل لما لحق المؤلّف من ظلامات ثلاث فاكتنفت شخصيته بالغموض من جرّائها، ولم يبق لنا ما نتبين به معالمها المتميزة.

وكلّ ما تحصّل لدينا من جميع ما تقدّم:

انّ المؤلّف عاش حياة سياسية لا نعرف تفاصيلها، لكن عنوانها العام كان مناوأة الغزاة والمرتزقة من جنود المستعمرين، وهذا الطابع النضالي دلّ عليه نهاية المؤلّف، تلك النهاية المحزنة، كما أ نّا لا نعدو الصواب إذا ما قلنا: إنّ الرجل عاش حياة أدبية ذات آفاق عريضة نجهل دقائقها ويعسر عرضها مفصّلا، إلاّ أ نّا نقيّمها من خلال وصف ابن الأبّار له: بأ نّه قائم على الآداب وكتب النحو واللغة والأشعار الجاهلية والإسلامية.

وهذا يدلّ بوضوح على أ نّه كان أديباً متسع الجوانب في رحاب عريضة من فنون العلم والأدب.

هذا ما تيسر لنا من تعريف المؤلّف، ولعلّ القارئ يكتفي بذلك، أمّا الحديث عن الكتاب، فقد سبق في أوائل التقديم ما يمكن تقييم الكتاب على ضوئه، كما مرّت الإشارة إلى الخطة الّتي التزمناها عملياً في تحقيقه، فلا حاجة إلى إعادة الحديث ثانياً.

ولكن الّذي ينبغي أن نشير إليه هو ملاحظة الهدف الّذي قصده المؤلّف من تأليف كتابه، فإنّه أبان لنا أ نّه كتبه إجابة إلى من وجبت إجابته، وهذا هو السبب الداعي وليس هو الهدف.

ولعلّ في ملاحظة العصر الّذي عاش فيه المؤلّف، وما سبقه وقارنه وتعقبه من حوادث ذلك القرن بل وما بعده، نتلمس ظاهرة جديرة بأن تدلّنا على الهدف المنشود من وراء تأليف الكتاب.

وتلك الظاهرة هي تأليف عدّة كتب في الأنساب في وقت يحتدم الصراع بين القوميات المتنازعة على السلطان في الأندلس في القرنين الخامس والسادس الهجريين.

فقد ألّف في القرن الخامس ابن حزم (ت 456 هـ) كتابه (جمهرة أنساب العرب).

وألّف فيه ابن عبدالبر (ت 463 هـ) كتابيه (القصد والاُمم في التعريف بأنساب العرب والعجم) و (الإنباه على قبائل الرواه).

وألّف فيه البتي كتابيه: (تذكرة الألباب) و (قسط الألباب).

وفي القرن السادس ألّف الرشاطي (ت 542 هـ) كتابه (إقتباس الأنوار وإلتماس الأزهار في أنساب الصحابة ورواة الآثار).

وهذه الظاهرة إن دلّت على شيء فإنّما تدلّ على مدى التطاحن بين المتصارعين على الحكم للإنفراد باسم الخلافة، إذ كانت لا تحل إلاّ للقرشي، وكتب الأنساب من أهم الوثائق الّتي تدلّ على صحّة الإنتساب لمن صحّت قرشيته، كما تفضح دعوى غيره.

ونحن لا نعدم شاهداً على ذلك الهدف حين نجد في مقدّمة جمهرة ابن حزم مؤشراً نحوه فليراجع.

ومن الخير قبل أن نودّع القارئ أن نشير إلى أنّ سند الكتاب إلى مؤلّفه لم نقف عليه بعد خلو المصادر القديمة حين تترجم للمؤلّف.

وقد يبعث ذلك على التردّد في صحّة النسبة، إلاّ أنّ في تصريح المؤلّف باسمه في أوّل الكتاب، ورواية عبدالملك بن زكريا بن حسان المقري عنه، ما يطمئن النفس بصحّة النسبة، والله العالم.

وفي الختام نحمد الله سبحانه وتعالى على إتمام ما قدّمناه، وله الشكر على ما حققناه، ونسأله أن يتقبّل أعمالنا ويجعلها خالصة لوجهه الكريم، إنّه أرحم الراحمين، والحمد لله ربّ العالمين.

محمّد مهدي السيّد حسن الموسوي الخرسان

4 ربيع الأوّل 1395 هـ

(1) المعجب في تلخيص أخبار المغرب: 370.

(2) نفح الطيب 4: 207.

(3) آثار البلاد للقزويني: 513.

(4) معجم البلدان 2: 55.

(5) المشترك وضعاً والمفترق صقعاً: 37.

(6) الظلامات: جمع ظُلامة.

(7) التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية 4: 116.

(8) المصدر السابق 4: 116.

(9) تاريخ المسلمين وآثارهم في الأندلس: 243.

(10) معجم الأنساب والأسرات الحاكمة: 86 ـ 92.

(11) التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية 4: 114.

(12) نفس المصدر 4: 119.

(13) نفس المصدر 4: 115.

(14) المجمل في تاريخ الأندلس: 127.

(15) الإسلام في المغرب والأندلس، ليفي بروفنسال: 201 ـ 202.

(16) دائرة المعارف الإسلامية الترجمة العربية 12: 427 ـ 432.

(17) هامش دائرة المعارف 4: 118.

(18) مأساة انهيار الوجود العربي بالأندلس: 481.

(19) دول الطوائف منذ قيامها حتّى الفتح المرابطي: 233.

(20) دول الطوائف: 235.

(21) الحلة السيراء 2: 126.

(22) هامش الحلة السيراء 2: 126.

(23) خزائن الكتب العربية تحت عنوان فواجع مكتبات الأندلس: 1020.

(24) خزائن الكتب العربية في الخافقين: 1023.

(25) المورد العراقية 3: العدد الرابع / 300 ـ ملاحظات حول الخزائن المخطوطة في تونس والجزائر والمغرب لعبد الكريم الدجيلي.

(26) فهرس الأسكوريال: 3 / 175 / ط باريس سنة 1928 م.

(27) نفس المصدر: 3/243.

(28) نفس المصدر: 3 / 315.

(29) تاريخ الفكر الأندلسي لأنخل بلنشيا ترجمة حسين مؤنس: 116.

(30) معجم أصحاب الصدفي: 218.

(31) عن ظهر نسخة (تذكرة الألباب باُصول الأنساب) كتابنا هذا، نسخة عارف حكمت.

(32) بغية الملتمس: 182.

(33) المطرب: 195.

(34) في بعض النسخ أحمد عبدالولي، وفي نسخة ظ أحمد بن عبدالولي.

(35) التكملة 1: 24.

(36) الوافي بالوفيات 7: 160 ـ 161.

(37) مختصر الأنساب: نسخة مصورّة بمكتبة المعلمي الملحقة بمكتبة الحرم المكّي (برقم 10).

(38) كذا في الطبعة المصرية الاُولى بالجمالية: 144، ولكن في الطبعة المصرية بتحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم 1: 332، و (البنيني) ومعلوم أنّ ما فيهما معاً محرّف عن البتي وسيأتي التعقيب عليه.

(39) بغية الوعاة 2: 332.

(40) الحلل السندسية 3: 86 طبع دار الحياة لبنان.

(41) نفس المصدر: 242.

(42) دول الطوائف منذ قيامها حتّى الفتح المرابطي: 235.

(43) هامش الإكمال 1: 478 ط، حيدر آباد الدكن.

(44) قلائد العقيان: طبعة تونس عن طبعة باريس (ص 343) وطبعة مصر بمطبعة التقدم سنة (1220 هـ / 311 ـ 313).

(45) المذكور في كتاب المرقبة العليا فيمن يستحق القضا والفتيا في تاريخ قضاة الأندلس لأبي الحسن النباهي المالقي: عبدالحقّ بن غالب بن عطية، ولي القضاء بمدينة المرية سنة 529 وتوفي سنة (541 هـ) ولم يُكنّ بابن ملجوم، أمّا المكنّى بابن ملجوم من القضاة فهو عيسى بن يوسف بن عيسى الأزدي من أهل فارس رحل إلى قرطبة سنة (475 هـ / وتوفي سنة 543 هـ) لاحظ ص 102 و109 من الكتاب المذكور.

(46) لعلّ المراد ببني يوسف أبناء يوسف بن تاشفين من المرابطين، فانّ ابن البنّي كان معاصراً لعليّ بن يوسف الّذي تولى الحكم سنة 500 إلى سنة 523 هـ ، وقد أطلق لسانه في الفقهاء والقضاة في عصره كما سيأتي عن المعجب.

أمّا القاضي أبو الوليد هشام فأخاله الوقشي الّذي سبق أن ذكرنا أنه بكى بلنسية بقصيدة مؤثّرة ضاع أصلها ووصل إلينا بعض أبياتها مترجماً عن الأسبانية.

(47) مطمح الأنفس: 103 ـ 106 ط السعادة بمصر سنة 1325 هـ.

(48) ذكر محققوا المطرب في الهامش: أنّ التكملة من المعجب: 171، وأشاروا إلى ترجمة السيوطي له في البغية ونقلهم الأوّل صحيح والثاني قد وهموا فيه كما سنبينه.

(49) في هامش المطرب: في الأصل أبو محمّد، وأحالوا على الحاشية الاُولى.

(50) المطرب: 124.

(51) كلّهم من فقهاء المالكية ولهم تراجم في الديباج المذهب لابن فرحون وغيره.

(52) يشير إلى قول الشاعر:

والتغلبي إذا تنحنح للقرى *** حك استه وتمثل الأمثالا

(53) كذا في المطبوعة بتحقيق العريان والصواب (ابن) ولم ينبّه عليه.

(54) خريدة القصر 1: 355 ق 4.

(55) نفس المصدر، قسم شعراء المغرب 1: 279 ط تونس.

(56) المغرب في حلى المغرب 2: 357، بتحقيق الدكتور شوقي ضيف ط دار المعارف.

(57) رايات المبرزين: 128، بتحقيق الدكتور النعمان عبد المتعال القاضي، ط القاهرة 1393 هـ.

(58) المغرب في حلى المغرب 2: 357، بتحقيق الدكتور شوقي ضيف، ط دار المعارف.

(59) بغية الوعاة 1: 332.

(60) المعجب: 171.

(61) خريدة القصر 1: ق 4.

(62) علامة الاستفهام في هذا المقام وما يأتي هي من وضعنا للدلالة على النظر في كلام المحققين كما سيأتي تفصيل ذلك في تعقيبنا عليهما.

(63) المطرب: 124.

(64) المطرب: 195.

(65) القلائد: 295.

(66) المطمح: 103.

(67) المغرب 2: 375.

(68) المطرب: 124.

(69) التكملة 1: 24.

(70) نفح الطيب 2: 429.

(71) معجم الاُدباء 3: 254.

(72) شعراء المغرب 1: 279.

(73) معجم البلدان 1: 201.

(74) الأنساب 2: 344.

(75) وفيات الأعيان لابن خلّكان تحقيق الدكتور احسان عباس 7 : 132.

(76) نفس المصدر.

(77) المعجب: 171.

(78) معجم الاُدباء 3: 254.

(79) معجم البلدان 1: 55 ط مصر الاُولى.

(80) الأنساب 2: 82 .

(81) اللباب 1: 97.

(82) المشترك وضعاً والمفترق صقعاً: 37.

(83) بلدان الخلافة الشرقية: 121 هامش 19.

(84) الإكمال لابن ماكولا 1: 478، وهامش 2: 82 أنساب السمعاني.

(85) الأنساب للسمعاني 2: 82 .

(86) الأنساب للسمعاني 2: 82 ، والإكمال 1: 478.

(87) وفيات الأعيان 2: 55.

(88) الأنساب للسمعاني 2: 82 ـ هامش.

(89) نفس المصدر السابق.

(90) القلائد: 298.

(91) المطمح: 91.

(92) المعجب: 122.

(93) الرايات: 94.

(94) المغرب: الورقة 145.

(95) النفح 2: 429.

(96) المسالك 11: الورقة 393.

(97) الخريدة 11: الورقة 118 و12: الورقة 190.

(98) معجم السلفي: الورقة 212.

(99) الرايات: 94.

(100) القلائد: 298.

(101) المطمح: 91.

(102) المغرب 2: 257.

(103) الخريدة قسم المغرب والأندلس 2: 606.

(104) القلائد: 298.

(105) المغرب 2: 357.

(106) المطمح: 91.

(107) القلائد: 300.

(108) النفح: 327 و583.

(109) اُنظر الفتح 2: 429.

(110) نفح الطيب 5: 359 عن ابن الأبّار.

(111) تبصير المنتبه 1: 123.

(112) اسمه مبشر (مباشر) بن سليمان راجع عن مكّة سنة 485 في (معجم زامباور) 1: 91.

(113) القلائد: 61 طبعة التقدّم و67 ط تونس.

(114) 62 ط التقدم و69 ط تونس.

(115) المنتخب من مخطوطات المدينة المنورة: 97.

(116) هدية العارفين 1: 241.

(117) ايضاح المكنون 1: 272.

(118) هدية العارفين 1: 76.

(119) معجم المؤلّفين 1: 276.