الفصل الرابع

أحكام التصرفات الشخصية في العتبات المقدسة

 

وفيه مبحثان:

المبحث الأول: أحكام الجوانب العبادية

المبحث الثاني: أحكام الجوانب غير العبادية

 

المبحث الأول

أحكام الجوانب العبادية

 

نعني بالتصرفات العبادية، سلوك الأفراد من حيث العبادة داخل حرم العتبة المقدسة، وبلحاظ المكان، ونوع التصرف، نستطلع آراء الفقهاء لتلك التصرفات وضمن مطلبين:

 

المطلب الأول: الصلاة في الروضة المشرفة:

وينقسم إلى فروع ثلاثة :

الفرع الأول: حكم الصلاة متقدماً على قبر المعصوم (ع) .

الفرع الثاني: حكم الصلاة محاذياً لقبر المعصوم (ع).

الفرع الثالث: حكم الصلاة خلف قبر المعصوم (ع) .

المقدمة :

لابد من تحقيق الكلام أولاً عن مشروعية الصلاة عند القبور بصورة عامة. فهل الأصل المنع أو الجواز ؟

فلقد ذكر الفقهاء في مباحث مكان المصلي، أن الصلاة في الأمكنة على خمسة أضرب(1):

الأول: مكان تُحرم الصلاة فيه: وهو المكان المغصوب .

الثاني: مكان تُكره الصلاة فيه: كمطاعن الإبل وبيوت النيران، وبيت فيه خمر أو مسكر وغيرها من المواطن .

الثالث: مكان تجب الصلاة فيه وهي ركعتا الطواف في مقام إبراهيم، ويلحق به الصلاة المنذورة في ذلك الموضع المنذور .

الرابع: مكان تُستحب فيه: وهو المساجد ومواطن العبادات .

الخامس: مكان تجوز فيه الصلاة، وهو عموم الأماكن المباحة، ولقد روي به عن رسول الله (ص): «أعطيت خمساً لم يعطها احد قبلي: جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، ونُصرت بالرعب، وأحل لي المغنم، وأعُطيت جوامع الكَلِمْ، وأعطيت الشفاعة»(2).

فهل المشاهد المشرفة من عموم ما جعله الله تعالى مسجداً وطهوراً بحيث يترتب على ذلك جواز أداء الصلاة فيها، أم أنها تلحق بالأرض التي فيها قبور، فيرد عليها النهي عن الصلاة أمام القبور .

وعلى الفرض الثاني، فهل المراد بالحديث الذي نهى عن الصلاة أمام القبور إرادة الجمع، أم يدخله فيه القبر أو القبرين، وهل القبور مطلقاً بحيث تدخل فيه قبور المعصومين (ع) . للإجابة على تلك يُلحظ الأمرين الآتيين :

الأمر الأول: الصلاة أمام مطلق القبور: لقد ورد في حكم الصلاة أمام مطلق القبور قولان: القول الأول: التحريم: وهو ما ذهب إليه الشيخ الصدوق والحلبي(3): فقد جاء في المقنعة : «ولا تجوز الصلاة إلى شيء من القبور، حتى يكون بين الإنسان وبينه حائل ولو قدر لِبنة، أو عنزة(4) منصوبة أو ثوب موضوع»(5). إلا أنه ذكر بلفظ (قيل) استثناء قبر الإمام(ع) من حكم المسألة فقال: «وقد قيل: لابأس بالصلاة إلى قبلة فيها قبر أمام»(6).

إلا أن الشيخ المفيد (ره) بعد أن نقل الاستثناء. عاد فأكد الأصل فقال: «والأصل ما ذكرناه»(7).

واسُتدل له بروايات، منها :

(1) رواية عمار الساباطي: عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن الرجل يصلى بين القبور ؟ قال: «لا يجوز ذلك، إلا أن يجعل بينه وبين القبور إذا صلى عشرة أذرع من بين يديه، وعشرة أذرع من خلفه، وعشرة أذرع عن يمينه، وعشرة أذرع عن يساره ثم يصلي إن شاء» (8).

(2) رواية عبد الله بن الفضل: عن أبي عبد الله (ع) قال: «عشرة مواضع لايصلى فيها: الطين، والماء، والحمام، والقبور، ومسان الطرق، وقرى النمل، ومعاطن الإبل، ومجرى الماء والسبخ، والثلج» (9).

وفي النهي دلالة مشتركة بين الكراهة والتحريم .

ولكن يمكن الدلالة على توجيه حرمة الصلاة أمام القبر إذا كان المصلي قد اتخذ القبر قبلة . بدلالة صحيحة معمر بن خلاد: «لا بأس بالصلاة بين المقابر ما لم يتخذ القبر قبلة» (10).

وصحيحة زراره: عن أبي جعفر (ع) قال: قلت له الصلاة بين القبور ؟ قال: «صلِ بين خلالها ولا تتخذ شيئاً منها قبلة، فان رسول الله (ص) نهى عن ذلك، وقال: لا تتخذوا قبري قبلة ولا مسجداً، فان الله عز وجل لعن الذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» (11).

وعليه فمن لا يتخذ القبر قبلة فان الحرمة منتفية بانتفاء العلة، لان الحكم يدور معها وجوداً وعدماً، وبها تصح الصلاة في المشاهد المطهرة .

القول الثاني: الكراهة :

وهو المشهور(12) من العلماء، بل عليه عامة من تأخر، وفي ظاهر المنتهى وعن الغنية الإجماع عليه(13). وذلك مقتضى الجمع بين الأخبار المانعة المتقدم والروايات المجوزة مثل :

(1) صحيحة علي بن يقطين: قال: سألت أبا الحسن (ع) عن الصلاة بين القبور هل تصلح ؟ قال: «لا بأس» (14).

(2) صحيحة علي بن جعفر: أنه سأل أخاه موسى بن جعفر (ع) عن الصلاة بين القبور، هل تصلح ؟ فقال: «لا بأس به» (15).

ونفي البأس دلالة على صحة الصلاة ومشروعيتها لأنها وقعت في ارض طاهرة، ولهذا حمل الفقهاء كما دلت عليه صحيحة زرارة على الكراهة جمعاً بينها وبين صحيحة علي بن يقطين الدالتين على جواز الصلاة بين القبور(16).

الأمر الثاني: في الصلاة عند قبور المعصومين (ع) ، لما ورد الحث على زيارة قبور المعصومين (ع) وهي بيوت رفع الله شأنها وأمر ان ترفع ويذكر فيها اسمه بل هي أفضل من المساجد لما روي أن سبب صيرورة بعض البقاع مساجد «أنه قد أصابها شيء من دم نبي أو وصي نبي فأمر الله أن يعبد في تلك البقعة» (17).

واستحباب الصلاة في مشاهد المعصومين لا سيما في مشهد أمير المؤمنين الإمام علي (ع) وحائر الحسين (ع) . وقد ورد في المأثور «أن الصلاة عند علي (ع) بمائتي ألف صلاة» (18) .

وفي حديث زيارة الحسين (ع): «من صلى خلفه صلاة واحدة يريد بها الله لقي الله تعالى يوم يلقاه وعليه من النور ما يغشى له كل شيء يراه» (19).

مما تقدم ظهر لنا :

1. إن الصلاة في مقبرة عامة الناس ما لم تتخذ القبور قبلة، أو يتوفر قصد تعظيم الأموات فيها جائزة حتى إذا حملناها على الكراهة كون كل مكروه جائزا .

2. أما في مشاهد المعصومين (ع) فإنها: لا تعامل على أنها مقبرة فالصدق العرفي الكاشف عن الحكم الشرعي لا يعاملها معاملة المقبرة بل تعامل معاملة المسجد أو المكان المشرّف والمطهر .

3. إن في المشاهد أروقة وفضاءات وصحونا فان الصلاة في الأروقة والفضاءات جائزة قطعاً كونها مفصولة تماماً عن القبر الشريف فتنقيح المسألة يقع قرب الضريح المطهر وبما أن هذا الضريح تحول إلى شعيرة من شعائر الله ومكان يقصد طاعة الله وقربة فان حمل المشاهد المشرفة على (المقبرة عموماً) فيه فارق .. فلا تقاس عليها .

إنما الذي أراه راجحاً أن المشاهد طالما ألحقت بالمساجد، فان حكم الصلاة فيها مستحباً ناهيك عن ورود الروايات الصحيحة في ذلك .

ومع كل ما تقدم وقع الخلاف بين الفقهاء حول الصلاة داخل المشاهد الشريفة إذا تقدم المصلي على القبر أو ساواه مما يلي رأسه أو رجليه، أو تأخر عنه .

وفي ذلك وردت الأقوال متعددة بتعدد المواضع فلذا كان الوقوف في هذا الأمر على فروع ثلاثة :

 

الفرع الأول: حكم الصلاة متقدماً على قبر المعصوم (ع) :

ورد النهي عن الصلاة متقدماً على قبر المعصوم، أو بتعبير آخر الصلاة بين يديه، واختلف الفقهاء في دلالة ذلك النهي هل هو الحرمة أم الكراهة ؟

وقبل بيان الأقوال في المسألة لابد من استعراض الروايات التي كانت دليل الحكم عندهم، والدالة على عدم الجواز بالتقدم على قبر المعصوم (ع) هي :

(1) صحيحة الحميري: رواها الشيخ الطوسي (ره) عن محمد بن عبدالله الحميري، قال: كتبت إلى الفقيه (ع) أسأله عن الرجل يزور قبور الأئمة هل يجوز أن يسجد على القبر أم لا ؟ وهل يجوز لمن صلى عند قبورهم أن يقوم وراء القبر، ويجعل القبر قبلة.. ويقوم عند رأسه ورجليه ؟ وهل يجوز أن يتقدم القبر ويصلي ويجعله خلفه أم لا ؟ فأجاب: وقرأت التوقيع ومنه نسخت، وأما السجود على القبر فلا يجوز في نافلة ولا فريضة ولا زيارة، بل يضع خده الأيمن على القبر. وأما الصلاة فإنها خلفه ويجعله الامام، ولا يجوز أن يصلي بين يديه لان الامام لا يتقدم ويصلى عن يمينه وشماله» (20).

ويظهر من الرواية :

أولاً: النهي الصريح من قوله (ع) في الرواية «ولا يجوز أن يصلي بين يديه»، فقد عبر السيد الحكيم (ره) عن النهي: «ظاهر ظهوراً لا ينكر في المنع» (21).

ثانياً: جعل وتنزيل القبر الشريف منزلة الامام (ع) فكما لا يتقدم على الامام(ع) في الصلاة لا يتقدم على قبره .

وهذه الرواية جعلت الشيخ صاحب الحدائق (ره) يستقرب الحرمة قال: «وهو الأقرب عندي إذ لا معارض للخبر المذكور بل في الأخبار ما يؤيده» (22).

(2) رواية الطبرسي في الاحتجاج ، عن محمد بن عبد الله الحميري عن الأمام صاحب الزمان (ع): «ولا يجوز أن يصلي بين يديه، ولا عن يمينه، ولا عن يساره، لان الامام لا يتقدم عليه ولا يساوى» (23). وفي هذه الرواية ورد النهي في جهات عدة وليس التقدم فحسب .

(3) رواية هشام بن سالم المروية في كامل الزيارات ، عن أبي عبد الله (ع) قال أتاه رجل فقال له: يا بن رسول الله هل يزار والدك ؟ قال: «نعم. ويصلى عنده، وقال: يصلي خلفه ولا يتقدم عليه»(24).

وهذه كالأوليتين ظاهرة في النهي .

ويبدو من خلال الروايات المستدل بها أن الفقهاء انقسموا على قولين بالجملة:

القول الأول: لجمهور الإخباريين، وذهبوا إلى التحريم . القول الثاني: جمهور الأصوليين، وذهبوا إلى الكراهة .

القول الأول: التحريم :

وممن ذهب إلى الحرمة الشيخ البهائي (ره) الذي استفاد من الحديث: «عدم جواز التقدم على الضريح المقدس حال الصلاة، لان قوله (ع): «يجعله الإمام» صريح في جعل القبر بمنزلة الامام في الصلاة، فكما أنه لا يجوز للمأموم أن يتقدم على الامام بان يكون موقفه أقرب إلى القبلة من موقف الامام، بل يجب أن يتأخر عنه أو يساويه في الموقف يميناً وشمالاً فكذا هنا وهذا هو المراد بقوله (ع) «ولا يجوز أن يصلي بين يديه، لان الامام لا يتقدم ويصلي عن يمينه وشماله» (25).

ونقل المجلسي (ره) كلام الشيخ البهائي (ره) في كتاب الصلاة من كتابه البحار ولم يعترض عليه بشيء، وعدم الاعتراض مؤذن بميله واعتماده عليه(26).

وقد أفاد المحقق البحراني (ره) من صحيحة الحميري المتقدمة ما يقرب من القول بالتحريم والحمل على الكراهة تمسكاً بالأصل وهو ضعيف والنص يوجب الخروج عن الأصل .

فقد قال: «ولا اعرف لهم مستنداً في رد الخبر وتأويله بالحمل على الكراهة إلا التمسك بالأصل» (27).

القول الثاني: الجواز على كراهة:

واليه ذهب المشهور وجاء التصريح بذلك في كتاب الدروس للشهيد الأول (ره) فقال: «ولو استدبر القبر وصلى جاز وان كان غير مستحسن» (28). على من يرى أن لفظة غير مستحسن تدل على الكراهة، وبذلك يتوافق مع العلامة الحلي (ره) في المنتهى الذي نقل بعد نقله صحيحة الحميري المتقدمة برواية الشيخ في التهذيب، وعلّق عليها :

«واعلم أن المراد بقوله لا يجوز أن يجعله خلفه الكراهية لا التحريم وفهم من ذلك كراهية الاستدبار في غير الصلاة» (29).

وممن ذهب الى القول بالكراهة المحقق الاردبيلي (ره) في المجمع، فبعد البحث في حكم الصلاة إلى القبور ذكر صحيحة الحميري المتقدمة ثم قال: «فالقول بالكراهة غير بعيد في قبر المعصوم، إلا أن يجعل القبر خلفه فانه يكره حينئذ لما مر» (30).

مناقشة أدلة القائلين بالتحريم :

نوقشت أدلة القائلين بالتحريم بما يأتي :

اولاً: ضعف روايات القول بالتحريم سنداً ودلالة (أ). أما من حيث السند ، فان الرواية الأولى: رواية الحميري فيها وقفتان :

أولاهما: كون الرواية مروية عن الشيخ الطوسي (ره) عن محمد بن احمد بن داود ولم يذكر طريقه إليه في المشيخه(31).

ثانيهما: إن الفقيه (ع) المروي عنه من ألقاب الامام الكاظم (ع) لا من ألقاب الامام الحجة (ع) بقرينة عود ضمير المتكلم في قوله (قرأتُ نسختُ) الواردة في الرواية إلى الحميري نفسه فعليه تكون طبقة الحميري متأخرة عليه، ومع عدم وجود واسطة، فتكون الرواية بحكم المرسلة أو المقطوعة(32).

ويمكن مناقشة اشكال سند رواية الحميري من خلال :

أولاً: أن عدم ذكر الشيخ الطوسي (ره) طريق الرواية في المشيخة، لا يوجب الضعف لكونها مذكورة في كتاب رجالي آخر له، وقد ذكر الميرزا الاسترابادي في منهج المقال(33) طريق الرواية عن الشيخ في كتابه (الفهرست): «محمد بن احمد بن داود القمي ... أخبرنا بكتبه ورواياته جماعة، منهم الشيخ المفيد (ره) والحسين بن عبيد الله، واحمد بن عبدون كلهم، عنه» (34). وبهذا يسقط الاحتجاج بالضعف .

ثانياً: إن لقب الفقيه ليس مختصاً بالإمام الكاظم (ع) بل يطلق عليه وعلى الامام صاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه) كما يظهر في روايات حد حرم الامام الحسين (ع)، وقد يطلق ويراد منه الامام الحسن العسكري (ع)(35).

فقد جاء عن الامام العسكري (ع) خاصة في موارد معينة منها، كرواية الحسن بن راشد(36) في ما لا يجب فعله في الغسل والوضوء من المضمضة والاستنشاق، أو رواية المروزي فيما يجب على المسافر فعله دبر كل صلاة(37)، وعليه فيصح حملها وإسنادها، وتسقط شبهة الإرسال أو القطع .

ولكن يبقى الإشكال قائم من حيث سند الروايات الأخرى .

أما الرواية الثانية: وهي المروية في كتاب الاحتجاج عن الحميري كذلك فهي مرسلة ايضاً من جهة مراسيل الكتاب بأجمعه .

أما الرواية الثالثة: المروية في كامل الزيارات عن هشام بن سالم فهي ضعيفة بعبد الله بن عبد الرحمن الأصم. قال عنه النجاشي: «عبد الله بن عبد الرحمن الأصم المسمعي، بصري، ضعيف غالٍ ليس بشيء...»(38).

وان كان السيد الخوئي (ره) قد اعتبر كل من وقع في سلسلة أسانيد كامل الزيارات موثقاً، لكن التضعيف قائم لوجود المعارض وفي قول النجاشي، بقوله: «ونحن وان اعتبرنا كل من وقع في سلسلة أسانيد كامل الزيارات لكنه ما لم يكن معارضاً بتضعيف مثل النجاشي» (39).

وأما من حيث الدلالة :

فلضعف روايتي الحميري في الاحتجاج، وهشام بن سالم في كامل الزيارات، وبعد مناقشة رواية الشيخ عن الحميري بين مصحح للسند وطاعن فيه ومع التنزل والقول بالصحة سنداً، يبقى الإشكال قائما من حيث الدلالة وذلك من وجوه :

الوجه الأول: إن النهي وان كان ظاهراً بالمنع، فان القول بالتحريم لو كنا والنص متوقف على قوله (ع): «ولا يجوز أن يصلي بين يديه» ولكن وجود القرائن المتصلة بالرواية، تجعل للرواية حكماً آخر .

الوجه الثاني: وجود القرينة الدالة على تغيّر حكم الحرمة إلى غيرها من عبارته(ع) «ويجعله الامام» فالمجعول أما :

(أ) تنزيل القبر الشريف بمنزلة الامام المعصوم (ع) حيث أن الجعل والفرض أو التنزيل اعتباري، وإذا كان اعتبارياً لا يغير الواقع عما هو عليه، لان التقدم على نفس الامام (ع) لا حرمة فيه ما لم يستلزم الهتك المنفي(40).

قال صاحب الجواهر (ره): «إذ حرمة التقدم عليه في المكان الذي هو غير منافٍ للاحترام الواجب في زمن الحياة غير معلومة، فضلاً عما بعد الموت، وفضلاً عن كونه شرطاً في صحة الصلاة»(41).

(ب) وأما تنزيل القبر منزلة إمام الجماعة (لان الامام لا يتقدم) فان التقدم على امام الجماعة موجب للبطلان بما هو حكم، لا بما هو جعل القبر بتلك المنزلة فان الجعل لا يوجب صيرورة القبر بمنزلة الامام فتترتب عليه الأحكام ولهذا استغرب صاحب الجواهر من هذا التعليل. فقال (ره): «وان كان المراد إمام الجماعة فغرابة انطباقه على المعلل واضحة» (42).

 

أدلة القول بالكراهة:

وهو قول المشهور كما تقدم من أقوال الأساطين (ره) وتأكيد هذا من خلال الرواية الحاكية عن هذا القول بـ :

أولاً: المراد من لفظ (الأمام) من قوله (ع): «ويجعله الأمام» القراءة بفتح الهمزة فيكون معنى اللفظ القدام، وعليه تكون موكدة لسابقتها (وأما الصلاة فإنها خلفة ويجعله الأمام) واليه ذهب السيد الخوئي (ره) فقال :

«والمراد أن يصلي خلف القبر الشريف. ويجعل القبر قدامه وأمامه أو عن يمينه أو شماله فأمر (ع) بجعله قدامه معللاً بان الامام (ع) لا يتقدم عليه» (43).

ثانياً: قد يستفاد من التعليل بان (الامام لا يتقدم) دالة على الحرمة، ولكن لما كان التعليل تأديبا فقد صرحوا بالجواز على كراهة، فقد جاء في مستند العروة:

«وحيث أن التعليل حكم تأدبي قطعاً لعدم المحذور في التقدم على شخص الامام (ع) فضلاً عن قبره إذ لم يعهد أنه (ع) عند مشيه في الطريق كان الناس يقفون على جانبيه حتى يتعدى، ولا يمشون قدامه فهو محمول على الكراهة فلا يتضمن الإلزام والمنع، فالأقوى ما عليه المشهور من الالتزام بالكراهة دون الحرمة» (44).

الفرع الثاني: حكم الصلاة محاذياً لقبر المعصوم (ع) :

للمحاذاة معنيان :

المعنى الأول: المساواة مع الرأس أي كون المصلي محاذياً للرأس الشريف الموجب للمساواة، ولا سيما في المقابلة بالخلف .

المعنى الثاني: إن تكون أوسع من المساواة للرأس الشريف، حيث تشمل الرجوع قليلاً إلى الخلف كما في جملة من الروايات :

(1) رواية ابن فضال: في وداع أبي الحسن (ع) لقبر النبي (ص) قال: «فقام إلى جانبه يصلي، فألزق منكبه الأيسر بالقبر قريباً من الاسطوانة المخلقة التي عند رأس النبي (ص) وصلى ست ركعات» (45). ويظهر منها أنه صلى بمحاذاة القبر .

(2) رواية أبي حمزة الثمالي: «ثم تدور من خلفه إلى عند رأس الحسين (ع) وصلّ عند رأسه ركعتين، وان شئت صليت خلف القبر، وعند رأسه أفضل» (46) .

هذا الإلصاق بالمنكب والصلاة عند الرأس محاذاة وهي أوسع واعم من المحاذاة العرفية .

وقد أكد هذا المعنى السيد عبد الأعلى السبزواري (ره): «أن ذلك كله اعم من المحاذاة العرفية، لان إلصاق المنكب الأيسر بالقبر يمكن أن يكون بمؤخر القبر، فيقع القبر في القدام، وكذا الصلاة عند الرأس، فإنها اعم من المحاذاة قطعاً» (47). مضافاً إلى اوسعية الضريح من القبر الشريف .

أقوال الفقهاء :

للفقهاء أقوال تبعاً للروايات المتقدمة في المسألة الأولى وعلى النحو الآتي :

القول الأول: المنع: أي منع المصلي من الصلاة بمحاذاة قبر المعصوم (ع)، وهذا القول نادر جداً، بل ليس من قائل له إلا ما حكاه صاحب مفتاح الكرامة(48) عن متأخري المتأخرين ودليلهم رواية «وأما الصلاة فإنها خلفه» المستفاد من الحصر في لسانها وجوب التأخر عنه .

وأيضاً رواية الاحتجاج :والتعليل «إن الامام لا يتقدم» .

ويناقش هذا القول بـ :

اولاً: إن الرواية التي فيها «وأما الصلاة فإنها خلفه» والمفيدة دلالة على الحصر على منع التقدم أو المحاذاة، هذا الحصر ليس حقيقياً بل هو ناظر إلى التقدم فقط دون المحاذاة بقرينة المقابلة بالنفي ولإثبات النفي: من مقطع قوله (ع): «لان الامام لا يتقدم» هو اختصاص المنع بصورة التقدم. والإثبات: من مقطع قوله (ع): «ويصلي عن يمينه ويساره» فيشمل المحاذاة وغيرها(49).

ثانياً: وأما ما استدل به من (إن الامام لا يتقدم عليه) ضمن مرسلة الاحتجاج فبالإضافة إلى ارسالها ان هذا المقطع من الرواية ينفي التقدم، بل أكثر من هذا فإن فيه قرينة على جواز المحاذاة.

القول الثاني: الجواز مع الكراهة ، وهو قول المشهور(50)، ويناقش هذا القول من وجوه :

اولاً: لا وجه لهذا القول بناءً على القول بجواز التقدم على الكراهة، فإذا كان في المسألة الأولى إعطاء صفة الجواز فهنا أولى .

ثانياً: فان ما ورد في مرسلة الحميري المذكورة في الاحتجاج: «لا يجوز أن يصلي بين يديه ولا عن يمينه ولا عن يساره لان الامام لا يتقدم ولا يساوى». فهي مردودة لجهتين:

الجهة الأولى: الإرسال كما تقدم .

الجهة الثانية: لمعارضتها بالصحيحة المنقولة عن الشيخ الطوسي (ره) «ويصلي عن يمينه وشماله».

ثالثاً: مضافاً إلى ما سيأتي من الروايات أو الزيارات الحاثة على الصلاة عند الرأس الشريف.

القول الثالث: الجواز على نحو الأفضلية .

ويدل على الجواز مع الأفضلية: اولاً: الروايات، ثانياً: أقوال الفقهاء :

اولاً: الروايات ومنها :

(1) رواية أبي حمزة الثمالي بالنسبة إلى زيارة الامام الحسين (ع) :

(أ) عن الامام الصادق (ع) قال: «ثم تأتي قبر الحسين (ع) ثم تدور من خلفه إلى عند رأس الحسين (ع) وصلِ عند رأسه ركعتين تقرأ في الأولى الحمد ويس، وفي الثانية الحمد والرحمن، وان شئت صليت خلف القبر، وعند الرأس أفضل» (51).

(ب) وفي رواية صفوان عن الامام الصادق (ع) وفيها «ثم قم فصل ركعتين عند الرأس أقرأ فيهما ما أحببت» (52). إلى غيرها من الروايات بحقه (ع) .

(2) رواية الشيخ الصدوق (ره) في زيارة الإمامين الكاظم والجواد (ع) .

«ثم صلِ في القبة التي فيها محمد بن علي أربع ركعات بتسليمتين عند رأسه، ركعتين لزيارة موسى بن جعفر، وركعتين لزيارة محمد بن علي، ولا تصلِّ عند رأس موسى (ع)، فانه يقابل قبور قريش، ولا يجوز اتخاذها قبلة إن شاء الله تعالى» (53).

وايضاً لعل النهي من باب الصلاة عند رأس الامام موسى بن جعفر (ع) يكون متقدماً على الامام الجواد (ع) فتقع المزاحمة لذا ورد المنع بالتقدم والجواز عن رأس الامام الجواد (ع) لرفع التنافي .

(3) رواية الشيخ المجلسي في باب زيارة الامام الرضا (ع) قال: «ففي خبر معتبر عن الامام الهادي (ع) أنه يصلى عند رأسه (ع)» (54).

ثانياً: أقوال الفقهاء :

(1) قال الشهيد الأول (ره) في الدروس: «وسادسها: صلاة ركعتين للزيارة عند الفراغ، فان كان زائراً للنبي (ص) ففي الروضة، وان كان لأحد الأئمة (ع) فعند رأسه، ولو صلاهما بمسجد المكان جاز» (55).

(2) وقال ايضاً في الذكرى: «وهي ركعتان بعد الفراغ من الزيارة، تصلى عند الرأس» (56).

(3) ما ذكره ابن طاووس بعد نقله لزيارة طويلة يزار بها الامام الحسين (ع) (ثم اعدل إلى موضع الرأس، واستقبل القبلة، وصلِ ركعتين صلاة الزيارة ...)(57).

وقد عقب عليها المحقق البحراني (ره) بقوله: «أقول: وهذه الزيارة إما أن تكون من مرويات السيد (ره) ـ أي ابن طاووس ـ فيكون سبيلها سبيل الروايات المتقدمة، أو تكون من إنشائه، كما يقع ذلك منه كثيراً، فيكون فيه لما ذكرناه لدلالته على كون ذلك هو المختار عنده والأفضل لديه أو المتعين» (58).

الفرع الثالث: حكم الصلاة خلف قبر المعصوم (ع) :

الروايات المتقدمة في المسألة الأولى ونفسها في المسألة الثانية بالإضافة إلى الصلاة بين المقابر أوقعت الخلاف بين الفقهاء بالنسبة إلى الصلاة خلف قبور المعصومين (ع)أو مشاهدهم لذا كانت الأقوال متعددة :

القول الأول: التحريم ، وهو ما ذهب إليه البعض من الفقهاء ومنهم :

(1) الشيخ الصدوق (ره)، حيث استفاد هذا الحكم بالتحريم من ظاهر قوله، أو ما نقله من رواية «ولا تصل عند رأس موسى (ع) فانه يقابل قبور قريش، ولا يجوز اتخاذها قبلة إن شاء الله تعالى» (59). ونقل العلامة (ره) (60) هذا القول عنه ايضاً .

ويمكن توجيه النهي فيه من جهتين :

الجهة الأولى: إن الرواية مطلقة من حيث حرمة الصلاة لمطلق القبور العامة أو الخاصة .

الجهة الثانية: إن الحرمة من جهة اتخاذ المعصومين قبلة .

(2) صرّح الشيخ المفيد (ره) بالحرمة على نحو الإطلاق، وعندما تدارك بما نقله بعدم البأس إلى قبر الامام أفتى بما جعله أصلا وهو الإطلاق، فقال: «ولا تجوز الصلاة إلى شيء من القبور، حتى تكون بينه وبينها حائل، ولو قدر لبنة، أو عنزة منصوبة أو ثوب موضوع» .

ثم قال: «وقد روي أنه لا بأس بالصلاة إلى قبلة فيها قبر إمام، والأصل ما قدمناه» (61).

وما أشار إليه بـ (روي) ظاهر في نسبتهِ إلى رواية التوقيع المنقولة عن الحميري المتقدمة .

ويبدو أن القول بالتحريم جاء لسببين :

السبب الأول: اتخاذه قبله، كما تدل عليه الروايات المطلقة والمقيدة .

رواية معمر بن خلاد: عن الإمام الرضا (ع): «لا بأس بالصلاة بين المقابر ما لم تتخذ قبلة»(62).

ورواية أبي اليسع: قال: سأل رجل أبا عبد الله (ع) وأنا اسمع قال: اذا أتيت قبر الحسين (ع) أجعله قبلة إذا صليت ؟ قال: «تنح هكذا ناحية» (63).

ورواية زرارة: عن أبي جعفر (ع) قال: قلت له: الصلاة بين القبور ؟ قال: «صل بين خلالها ولا تتخذ شيئاً منها قبلة، فان رسول الله (ص) نهى عن ذلك، وقال: لا تتخذوا قبري قبلة، ولا مسجداً، إن الله عز وجل لعن الذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» (64).

السبب الثاني: الحمل على التقية .

وذلك بحمل الأخبار الناهية والداعية إلى التنحي على التقية(65) لان العامة قد رووا ذلك مثل رواية أبي هريرة أن رسول الله (ص) قال: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» (66).

القول الثاني: الكراهة، وهو ما نسب للمشهور في الحدائق(67).

وقد دفع العلاّمة (ره) ذلك الرأي بقوله: «إن ذلك محمول على الكراهية، إذ القصد بذلك النهي عن التشبه بمن تقدّمنا في تعظيم القبور، بحيث يتخذ مساجد، ومن صلى لا لذلك لم يكن قد فعل محرماً، إذ لا يلزم من المساواة التحريم، كالسجود لله تعالى المساوي للسجود للصنم في الصورة ... » (68).

القول الثالث: الجواز على نحو الاستحباب، وهو ما ذكره صاحب الرياض (ره) بعد تعجبه ممن قال بالكراهة: «وأعجب من ذلك انه قال بالكراهة إلى قبورهم (ع) مطلقاً مع أن بعض الروايات صرحت بالاستحباب خلف أبي عبد الله (ع)»(69).

لازم هذا القول إبطال ما تقدم من القولين ويؤيده :

(1) إبطال القول بالتحريم نظراً لان رواية الحميري بالاحتجاج فوق انها مرسلة فانها معارضه برواية الشيخ الطوسي (ره) .

(2) ما حكي عن المشهور من كراهة استقبال القبر وجعله قبلة، والظاهر أن علة التحريم جعل القبر قبلة كالكعبة المشرفة. قال السيد عبد الأعلى السبزواري (ره): «الظاهر منها قصد كونه قبلة كالكعبة الشريفة، لا مجرد جعل المصلي له أمامه، وأما الكراهة فلا وجه لها ظاهراً إلا فتوى الجماعة بناءً على التسامح في أدلة السنن»(70).

واستدل للاستحباب بالروايات الآتية :

رواية محمد البصري عن أبي عبد الله (ع) في حديث زيارة الحسين (ع) قال: «من صلى خلفه صلاة واحدة يريد بها الله تعالى، لقى الله تعالى يوم يلقاه وعليه من النور ما يغشى له كل شيء يراه ... » (71).

ورواية هشام بن سالم المتقدمة يا بن رسول الله هل يزار والدك ؟ قال: «نعم، ويصلى عنده» وقال: «يصلي خلفه ولا يتقدم عليه» (72).

ورواية الحسن بن عطية عن أبي عبد الله (ع) قال: «إذا فرغت من السلام على الشهداء فأت قبر أبي عبد الله (ع) فاجعله بين يديك ثم صلِ ما بدا لك» (73).

وإذا صحت الصلاة محاذاة القبر الشريف أو خلفه وثبت هذا العنوان صحت فريضة أو نافلة. قال صاحب الجواهر (ره): «والظاهر عدم الفرق فيما ذكرنا بين الفريضة والنافلة» (74).

مما تقدم يظهر لنا :

1. استحباب أداء الفرائض في المشاهد المشرفة بوصفها من شعائر الله تعالى .

2. استحباب أداء النوافل والقربات فيها ومن تلك ركعتي الزيارة .

3. استحباب الدعاء في هذه المشاهد .

4. لا حرمة ولا كراهة في الصلاة بالمشاهد المشرفة خلف الضريح، ولا حرمة ولا كراهة في صلاة الزائر بمحاذاة القبر الشريف، كما لا حرمة ولا كراهة بالصلاة متقدماً على القبر الشريف إلا من جهة التأدب، فتكون المسألة من آداب الزيارة والأعراف المحمودة، وليس من التكاليف .

 

ـ المطلب الثاني: صلاة المسافر في العتبات المقدسة (حكم القصر) :

مقدمة :

لصلاة المسافر أحكام خاصة، تتعلق بها من حيث قطع المسافة الشرعية، ونية الإقامة، وإقامتها على نحو الرخصة أو العزيمة إلى غير ذلك من الأحكام(75).

وقد حددت المسافة من قبل الفقهاء «حد المسافة التي يجب فيها التقصير بريدان: ثمانية فراسخ، لا يجوز في اقل منها، إلا أن يقصّر أربعة فراسخ ويرجع من يومه» (76).

والفرسخ هو: «ثلاثة أميال، والميل أربعة الآلف ذراع بذراع اليد، وهو من المرفق إلى طرف الأصابع، فتكون المسافة أربعاً وأربعين كيلو متر تقريباً»(77).

ويكون مبدأ حساب المسافة من «سور البلد أو آخر البيوت فيما لا سور له في البلدان الصغار والمتوسطات وآخر المحلة في البلدان الكبار»(78).

جريان هذه الأحكام وتطبيقها في العتبات المقدسة هل هو المتعين ام المتعين غيره هذا ما سنقف عليه في فروع هذا المطلب :

الفرع الأول: أقوال الفقهاء:

القول الأول: تعين القصر، أن الأماكن الشريفة كغيرها من الأماكن، فعلى المسافر فيها القصر، إلا انه لأجل قداستها يستحب قصد الإقامة والإتمام فيها، لاأنه يتم من دون قصد الإقامة، ولهذا منع الشيخ الصدوق (ره) الإتمام في هذه المواطن وذلك لما رواه محمد بن إسماعيل عن الصلاة بمكة والمدينة قصراً أو تماماً ؟ فقال: «قصَّر ما لم تعزم على مقام عشرة أيام»(79)، وتبعه ابن البراج(80)والوحيد البهبهاني (ره) والسيد بحر العلوم (ره)، بل ادعي أنه المشهور بين متقدمي الأصحاب(81).

القول الثاني: الإتمام، وهذا منسوب إلى السيد المرتضى (ره)، وابن الجنيد الاسكافي، قال السيد المرتضى: «لا تقصير في مكة ومسجد النبي (ص) ومسجد الكوفة ومشاهد الأئمة القائمين مقامه (ع)»(82).

وعبارته (ره) صريحة في عدم التقصير وكذلك عبارة ابن الجنيد على ما حكي عنه العلامة في المختلف: «والمسجد الحرام لا تقصير فيه على احد، ومكة عندي يجري مجراه، وكذلك مسجد رسول الله (ص) ومشاهد الأئمة القائمين مقام الرسول (ع)، فأما ما عدا مكة والمشاهد من الحرم فحكمها حكم غيرها من البلدان في التقصير والإتمام»(83).

القول الثالث: التخيير بين القصر والإتمام أفضل، وضمن أماكن معينة كما سيأتي وهذا مذهب الأكثر من الفقهاء بل ادعي عليه الإجماع كما عن (التذكرة) (84)، و(الذكرى) (85) وفي (الجواهر): «فاني لا أجد فيه خلافاً إلا من ظاهر الصدوق أو صريحة»(86).

وعلى هذا الرأي فقهاؤنا المعاصرون(87) بل وعليه المشهور، ومنه يعلم أن الإتمام خير ومحبوب للإمام وبه يستكشف أنه محبوب عند الله سبحانه .

وواضح أن ما استقرت عليه الفتوى أن الحرم المكي والحرم المدني ومسجد الكوفة، والحائر الحسيني ـ كقدر متيقن ـ يجوز للمسافر فيهما التخيير بين القصر والإتمام، ولان هذه الأماكن مما يستحب فيهما الفعل العبادي فالإتمام أفضل منفرداً كان المصلي أو جماعة وقد ألحقت فتوى السيد السيستاني (حفظه الله) مؤخراً بمسجد الكوفة بلدة الكوفة القديمة بما يشتمل الأمر على مسجد السهلة حيث قال: «يتخير المسافر بين القصر والتمام في الأماكن الأربعة مكة المعظمة والمدينة المنورة والكوفة وحرم الحسين»(88).

الفرع الثاني: حكم التخيير من حيث السعة والضيق ـ الموضوع ـ في العتبات المقدسة.

تحديد المكان الذي يستحب فيه الإتمام أربعة أماكن بعد طرح الحديث عن حدود مكة لأنها ليست موضع البحث وهي :

اولاً: في صلاة المسافر داخل عتبة النبي (ص) ، وقد وقع النزاع بين الفقهاء بشأن تحديد المسافة المسموح بها أو المكان لمن أراد الصلاة في مدينته (ص) تخييراً بين القصر والإتمام هل يقتصر على مسجده المقدس أو بلدته المباركة أو حرمه الشريف ؟ وهذا التنازع سببه اختلاف التعابير والألفاظ الواردة في الروايات التي جاءت على طوائف ثلاث :

الطائفة الأولى: الأحاديث المشتملة على التعبير بلفظ المسجد، حيث حددت هذه الأحاديث أن التخيير المسموح فيه هو مكان عتبة النبي (ص) والتي لا يحق لأحد انتهاكها بحدود مسجده الشريف ومن تلك الروايات :

رواية عبد الحميد خادم إسماعيل بن جعفر، عن أبي عبد الله (ع) قال: سمعته يقول: «تتم الصلاة في أربعة مواطن: في المسجد الحرام، ومسجد الرسول، ومسجد الكوفة، وحرم الحسين (ع)»(89). فجاء تعبير المسجد، لئلا ينصرف الذهن الى ما هو أوسع منه .

وهذا القول هو مختار البعض من الفقهاء كما في السرائر(90)، والتذكرة(91)، ونهاية الأحكام(92) ، والمختلف(93) ، والذكرى(94) ، والدروس(95) ، واللمعة(96) ، وجامع المقاصد(97)، والمسالك(98)، والروضة(99).

الطائفة الثانية: النصوص المشتملة على لفظ المدينة حيث ورد بلسان الروايات التخيير في البلدة (المدينة) نفسها سواء بحدودها الإدارية أو العرفية القديمة أم المستحدثة وفيه روايات منها :

الأولى: صحيحة علي بن مهزيار قال: كتبت إلى أبي جعفر الثاني (ع): أن الرواية قد اختلفت عن آبائك في الإتمام والتقصير والصلاة في الحرمين، فمنها أن يأمر بتتميم الصلاة ومنها أن يأمر بقصر الصلاة بان يتم الصلاة ولو صلاة واحدة، ومنها أن يقصّر ما لم ينو عشرة أيام، ولم أزل على الإتمام فيها إلى أن صدرنا في حجنا في عامنا هذا، فان فقهاء أصحابنا أشاروا إليَّ بالتقصير إذ كنت لا أنوي مقام عشرة أيام، فصرت إلى التقصير، وقد ضقت بذلك حتى أعرف رأيك.

فكتب اليَّ (ع) بخطه «قد علمت يرحمك الله فضل الصلاة في الحرمين على غيرهما، فانا أحب إذا دخلتهما أن لاتقصّر وتكثر فيهما من الصلاة» فقلت له بعد ذلك بسنتين مشافهة: إني كتبتُ إليك بكذا وأجبتني بكذا، فقال: «نعم» فقلت: أي شيء تعني بالحرمين فقال: «مكة والمدينة»(100) ومنه استفاد الفقهاء، أن البلدة كلها مكان للتخيير .

الثانية: صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال: «سألت أبا عبدالله (ع) عن التمام بمكة والمدينة فقال: أتم وان لم تصل فيهما إلا صلاة واحدة»(101).

وجاءت أقوال الفقهاء وفق نصوص الروايات، فقد ذكر الشيخ (ره) في الخلاف: «يستحب الإتمام في أربعة مواطن: مكة والمدينة ومسجد الكوفة ...»(102).

وقد استظهر الشهيد الأول (ره) في الذكرى من كلام الشيخ (ره): «أن ظاهر الشيخ الإتمام في البلدان الثلاثة، وهو الظاهر من الروايات وما ذكر فيه المسجد فلشرافته لا لتخصيصه»(103).

وأشار العلامة (ره) إلى ذلك في المنتهى والتحرير(104) والسيد المجاهد (ره) في المدارك(105) انه مذهب الأكثر، وكذلك نسبه البحراني إلى المشهور(106) والطباطبائي إلى الأشهر(107).

الطائفة الثالثة: الروايات المشتملة على التعبير بلفظ الحرم، والتي يمكن أن نستفيد منها حدود الإتمام إلى ما هو أوسع من حدود البلد (المدينة) .

الأولى: رواية حمّاد بن عيسى عن أبي عبد الله (ع) أنه قال: «من مخزون علم الله الإتمام في أربعة مواطن: حرم الله، وحرم رسوله (ص)، وحرم أمير المؤمنين (ع)، وحرم الحسين بن علي (ع) »(108).

الثانية: رواية إبراهيم بن شيبه كتبت إلى أبي جعفر (ع) اسأله عن إتمام الصلاة في الحرمين فكتب إليَّ: «كان رسول الله (ص) يحب إكثار الصلاة في الحرمين فأكثر فيها وأتم»(109).

وقد استفيد من التعبير بالحرمين ما عُين لمدينة الرسول (ص) من حدود أوسع من البلد في (التلخيص)(110) و(والإرشاد)(111) و(التبصرة)(112) و(المنتقى)(113) و(المنتهى)(114). حيث ورد في التخليص: «ويستحب الاتمام في حرم الله ورسوله وجامع الكوفة والحائر خاصة»(115).

ثانياً: في صلاة المسافر داخل عتبة أمير المؤمنين علي (ع)، دلت الروايات على تحديد الكوفة وجعلها حرماً لأمير المؤمنين (ع) منها :

(1) ما هي صريحة كرواية حسان بن مهران قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: قال أمير المؤمنين (ع): «مكة حرم الله، والمدينة حرم رسول الله (ص)، والكوفة حرمي لا يريدها جبار بحادثة إلا قصمه الله»(116).

(2) ما فيه إشارة إلى ذلك الحريم ، عن رسول الله (ص) لعلي (ع): «ثم ارض كوفان متشرفها بقبرك يا علي، فقال: يا رسول الله أقبر بكوفان العراق ؟ فقال: نعم، يا علي بظاهرها قتلاً بين الغريين والذكوات البيض»(117).

وهنا يبرز التساؤل هل أن ظهر الكوفة داخل ضمن حريم الكوفة ؟ ولما ذكر في علم الأصول من دخول الغاية في المغيا إن دلت عليها قرينة ؟ وخصوصاً من لفظ كوفان وتشريف علي (ع) لتلك الأرض، وإلا لذكر رسول الله (ص) من أول وهلة مكان الدفن لعلي (ع).

وعليه وقع النزاع بين الفقهاء في شمول ذلك الظهر المدفون به وجعله ضمن حرمه الشريف فيكون شاملاً للبلد والحرم، أم يقتصر على موضع معين .

فالأقوال ثلاثة تبعاً لاختلاف طوائف الروايات:

1 ـ الحرم. 2 ـ الكوفة. 3 ـ المسجد .

الطائفة الأولى: الحرم: وفيه روايتان: الأولى: رواية حسان بن مهران المتقدمة، الثانية: رواية حماد بن عيسى: عن أبي عبد الله (ع) أنه قال: «من مخزون علم الله التمام في أربعة مواطن: حرم الله، وحرم رسوله (ص)، وحرم أمير المؤمنين (ع) وحرم الحسين ابن علي(ع)» (118).

فان ظاهر الروايتين تعيّن الاتمام في المواطن الأربعة وان الاتمام من مذخور علم الله . وقد مال الشيخ الطوسي في ظاهر المبسوط والنهاية إليه حيث ذكر في آخر كلامه إلى تعديه الحكم إلى النجف الاشرف فقال فيهما: «فعلى هذه الرواية جاز التمام خارج المسجد بالكوفة وبالنجف الاشرف»(119).

وقال المجلسي بعد نقل كلام المبسوط: «كأنه نظر إلى أن حرم أمير المؤمنين (ع) ما صار محترماً بسببه واحترام الغري به أكثر من غيره ولا يخلو من وجه ويومي إليه بعض الأخبار»(120).

الطائفة الثانية: ما تضمن لفظ الكوفة (البلد)، رواية زياد القندي قال: قال أبو الحسن (ع): «يا زياد أحب لك ما أحب لنفسي، وأكره لك ما اكره لنفسي، أتم الصلاة في الحرمين والكوفة وعند قبر الحسين (ع) »(121).

ومن هذه الرواية، وغيرها(122) استفيد الاتمام ببلدة الكوفة للعموم كما في مجمع الفائدة والبرهان(123). وفي الحدائق نقل جمع عن الشيخ أنه قال: «إذا ثبت في الحرمين من غير اختصاص بالمسجد يكون الحكم كذلك في الكوفة»(124).

الطائفة الثالثة: ما تضمن من معنى الكوفة المسجد: وهذه الروايات تخصص حدود الكوفة بالمسجد الأعظم وهي خمسة روايات منها :

رواية حذيفة عمن سمع أبا عبد الله (ع) يقول: «تمم الصلاة في المسجد الحرام ومسجد الرسول (ص) ومسجد الكوفة وحرم الحسين (ع)»(125).

وعلى تقدير اختصاص الحكم بالمسجد فهل يختص بالمسجد الموجود الآن أو المسجد القديم ؟ ففي خبر المفضل بن عمرو الذي رواه العياشي في تفسيره قال: «كنتُ مع أبي عبد الله (ع) أيام قدومه عن أبي العباس، فلما انتهينا إلى باب الكناسة نظر عن يساره ثم قال: يا مفضل ها هنا صلب عمي زيد رحمه الله تعالى ثم مضى حتى أتى طاق الرواسي، وهو آخر السراجين فنزل وقال لي: إنزل فان هذا الموضع كان مسجد الكوفة الأول، الذي خطه آدم وأنا اكره أن ادخله راكباً فقلت له: فمن غيَّرهُ عن خطته؟ فقال: أما أول ذلك فالطوفان في زمن نوح، ثم غيَّرهُ بعد أصحاب كسرى والنعمان بن منذر ثم غيره زياد بن أبي سفيان. فقلت: جعلت فداك وكانت الكوفة في زمن نوح؟ فقال: نعم يا مفضل ... »(126).

وروي في البحار عن كتاب المزار رواية عن أمير المؤمنين (ع) قال في آخره «ولقد نقص منه اثنا عشر ألف ذراع وان البركة منه على اثنتي عشر ميلاً من أي الجوانب جئته»(127).

وفي الكافي عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع): «إن القائم (ع) إذا قام رد البيت إلى أساسه ومسجد الرسول إلى أساسه، ومسجد الكوفة إلى أساسه»(128).

وان كانت رواية العياشي تحدد مسجد الكوفة والتي هي حرم أمير المؤمنين (ع) من جهة فان رواية البحار تحددها من كل الجهات، ولا يخفى أن بعد المرقد الشريف عن المسجد هو بحدود ثمانية أميال فيكون مرقده الشريف ضمن حدود حرمه الشريف .

ومن روايات المسجد اقتصر للمسافر على خصوص المسجد كما في الخلاف(129)أو السرائر(130) ونسب العلامة(131) في المختلف الاقتصار على المسجد إلى الشهرة في موضعين وكذلك إلى المسجد الذي هو عليه اليوم لأنه القدر المتيقن .

ثالثاً: في صلاة المسافر داخل عتبة الإمام الحسين (ع) ، وقد جاء ثبوت حكم التخيير بين القصر والإتمام في الروايات بشأن حدود عتبة الإمام الحسين (ع) بطوائف ثلاث :

الطائفة الأولى: ما تضمنت عنوان حرم الحسين (ع). الطائفة الثانية: ما كانت بعنوان الحائر. الطائفة الثالثة: ما كان بعنوان قبر الحسين (ع) .

أما الطائفة الأولى (الحرم): فقد ورد فيها عدة روايات منها :

1 ـ رواية حذيفة بن منصور عمن سمع أبا عبد الله (ع) يقول: «تتم الصلاة في المسجد الحرام، ومسجد الرسول، ومسجد الكوفة، وحرم الحسين (ع)»(132).

2 ـ رواية أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال: سمعته يقول: «تتم الصلاة في أربعة مواطن: في المسجد الحرام، ومسجد الرسول (ص)، ومسجد الكوفة، وحرم الحسين (ع)»(133).

أما تحديد الحرم نفسه فقد اختلفت الروايات في تحديده منها :

الرواية الأولى: مرفوعة منصور بن العباس إلى أبي عبد الله (ع) قال: «حرم الحسين (ع) خمس فراسخ من أربع جوانبه»(134).

الرواية الثانية: رواية احمد بن داود القمي عن الصادق (ع) أنه قال: «إن حرم الحسين (ع) الذي اشتراه، أربعة أميال في أربعة أميال فهو حلال لولده ومواليه، حرام على غيرهم ممن خالفهم، وفيه البركة»(135).

الرواية الثالثة: مرسلة محمد بن إسماعيل البصري عن أبي عبد الله (ع) قال: «حرم الحسين فرسخ في فرسخ من أربع جوانب القبر»(136).

ويؤيد أخبار توسعه الحرم على الفرسخ، أو الخمس فراسخ، أخبار افتخار كربلاء على الكعبة، أو ما ورد من اتخاذ الله كربلاء حرماً آمناً مباركاً(137).

3 ـ رواية يونس بن ظبيان: عن أبي عبد الله (ع) انه قال له: «إذا أتيت أبا عبد الله (ع) فاغتسل على شاطئ الفرات ثم البس ثيابك الطاهرة ثم امش حافياً فانك في حرم الله وحرم رسوله»(138). إلى غير ذلك من الروايات .

فمن هذه الأحاديث نستكشف سعة حرمه (ع) وان حرمه (ع) ليس مقتصراً على خصوص قبره الشريف أو ما دار عليه سور الصحن وجعل السيد بحر العلوم سعة الحرم دليلا على سعة جلالة قدر المدفون به فقال: «لا شبه في أن ليس المراد من حرم الحسين (ع) خصوص البقعة المقدسة، فان سعة الحرم دليل على جلالة صاحب الحرم، فلا يناسبه جلالة قدره ضيق حرمه بحيث يقتصر على نفس القبة، أو ما دار عليه سور المشهد»(139).

وقد حكي في الذكرى عن الشيخ نجيب الدين يحيى بن سعيد في كتاب السفر «حكم بالتخيير في البلدان الأربعة حتى في الحائر المقدس لورود الحديث بحرم الحسين (ع) وقدر بخمسة فراسخ وبأربعة فراسخ. قال: والكل حرم وان تفاوتت في الفضيلة»(140).

الطائفة الثانية: ما كان بعنوان الحائر: حيث يدل عليه مرسلة الصدوق عن محمد بن علي بن الحسين قال: قال الصادق (ع): «من الأمر المذخور إتمام الصلاة في أربعة مواطن: مكة، والمدينة، ومسجد الكوفة، وحائر الحسين(ع)»(141).

والحائر لغة: ذكر ابن منظور: «المكان المطمئن الوسط، المرتفع الحروف يكون فيه الماء»(142).

وبهذه المناسبة أطلق لفظ الحائر على موضع قبر الحسين (ع) لوقوعه في ارض منخفضة وقد ذكر صاحب تاج العروس في معرض كلامه عن الحائر «بالعراق فيه مشهد الإمام المظلوم الشهيد أبي عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم لتحير الماء فيه»(143) ولكن قد وقع الاختلاف في تحديد موضع الحائر على أقوال :

القول الأول: ما حدده ابن ادريس بأنه «ما دار عليه سور المشهد والمسجد عليه، دون ما دار سور البلد عليه، لان ذلك هو الحائر حقيقة، لان الحائر في لسان العرب: الموضع المطمئن الذي يحار فيه الماء، وقد ذكر ذلك المفيد في الإرشاد في مقتل الحسين (ع) لما ذكر من قُتل معه من أهله فقال: «الحائر محيط بهم إلا العباس رحمه الله تعالى: فانه قتل على المسناة»(144).

وإليه ذهب صاحب (الذكرى)(145) و(المنتهى)(146) و(نهاية الأحكام)(147) و(التذكرة) (148). وان وردت تعابيرهم بألفاظ مختلفة حائط المشهد الشريف أو سور المشهد أو ما دار عليه سور الحضرة الشريفة وكلها ذو معنى واحد .

القول الثاني: ما استظهره العلامة المجلسي (ره): الصحن القديم «والأظهر عندي انه مجموع الصحن القديم لا ما تجدد في الدولة الصفوية»(149). واستدل له من خلال القرائن التي سمعها «وسمعت من مشائخ تلك البلاد الشريفة أنه لم يتغير الصحن من جهة القبلة، ولا من اليمين، ولا من الشمال، بل زيد من خلاف جهة القبلة»(150) وهو ما جدد من قبل الصفويين .

القول الثالث: ما دار عليه سور البلد أو البلدة:

وقد فهم هذا المعنى من خلال ما رواه الشيخ الطوسي (ره) بإسناده عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: «من خرج من مكة أو المدينة أو مسجد الكوفة أو حائر الحسين (ع) قبل أن ينتظر الجمعة نادته الملائكة أين تذهب لا ردك الله»(151).

وعلل السيد بحر العلوم الخروج من الحائر بالبلدة «إذ لا معنى للخروج من نفس القبة بل المراد البلدة قطعاً كما هو المغروس في الأذهان وعليه عمل أهل الإيمان»(152).

مضافاً إلى ما ذكره (ره) في فهرست رجاله ما لفظه: «حميد بن زياد(153) من أهل نينوى قرية إلى جنب الحائر على ساكنه السلام»(154).

والتي استدل بها السيد بحر العلوم: «إن المتبادر من لفظ الحائر في المواضع المذكورة هو ما دار عليه سور البلد، وبالجملة فالظهور العرفي كاف لحمل لفظ الحائر على البلد وهو مع ما سيأتي كافٍ عن الخروج عن مقتضى الأصل اعني القصر في كل مسافر بمقتضى استصحاب حكم المسافر قبل حضور البلد»(155).

الطائفة الثالثة: ما كان بعنوان قبر الحسين (ع) وفيها عدة روايات، منها :

الأولى: رواية زياد القندي قال: قال أبو الحسن (ع): «يا زياد أحب لك ما أحب لنفسي، وأكره لك ما اكره لنفسي، أتم الصلاة في الحرمين وبالكوفة وعند قبر الحسين (ع)»(156).

والثانية: عن إبراهيم بن أبي البلاد، عن رجل من أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) قال: تتم الصلاة في ثلاثة مواطن: في المسجد الحرام، ومسجد الرسول (ص) وعند قبر الحسين (ع)»(157).

وقد حددت بعض الروايات حريم القبر بأبعاد متفاوتة سميت حرماً أو حائراً فمنها ما حددته بـ:

أولاً: عشرون ذراعاً. وتدل عليه رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) قال: سمعته يقول: «قبر الحسين (ع) عشرون ذراعاً مكسراً روضة من رياض الجنة»(158).

ثانياً: خمسة وعشرون ذراعاً من كل جهة. وتدل عليه رواية إسحاق بن عمار قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: «إن لموضع قبر الحسين بن علي H حرمه معلومة من عرفها واستجار بها أجير» قلت: فصف لي موضعها جعلت فداك، قال: «امسح من موضع قبره اليوم خمسة وعشرين ذراعاً من قدامه وخمسة وعشرين ذراعاً من عند رأسه وخمسة وعشرين ذراعاً من ناحية رجليه وخمسة وعشرين ذراعاً من خلفه، وموضع قبره منذ يوم دفن روضة من رياض الجنة، ومنه معراج يعرج فيه بأعمال زواره إلى السماء، فليس ملك في السماء ولا في الأرض إلا وهم يسألون الله في زيارة قبر الحسين (ع) ففوج ينزل وفوج يعرج»(159).

ثالثاً: فرسخ وتدل عليه مرسلة محمد بن إسماعيل البصري عن أبي عبد الله (ع) قال: «حرمة قبر الحسين فرسخ في فرسخ من أربع جوانب القبر»(160).

رابعاً: خمس فراسخ وتدل عليه مرفوعة منصور بن العباس عن أبي عبدالله(ع) قال: «حريم قبر الحسين (ع) خمس فراسخ من أربعة جوانب القبر»(161).

خامساً: عشرة أميال وتدل عليه رواية الحجال عن أبي عبدالله (ع) قال: «البركة من قبر الحسين بن علي (ع) على عشرة أميال (وفي نسخة القربة)» (162).

رابعاً: في صلاة المسافر داخل عتبات الأئمة المعصومين الباقين (ع) :

من الروايات نفسها ألحق بعض الفقهاء مشاهد الأئمة (ع) بحرم النبي (ص) وحرم الإمام أمير المؤمنين (ع) وحرم الإمام الحسين (ع) لمناسبة الحكم والموضوع .

فقد جاء في فقه الرضا: «إذا بلغت موضع قصدك من الحج والزيارة والمشاهد وغير ذلك مما قد بينته لك فقد سقط عنك السفر ووجب عليك التمام»(163).

وقد ذكر ابن الجنيد (ره) كما حكاه عنه العلامة في المختلف: «والمسجد الحرام لا تقصير فيه على احد، ومكة ـ عندي ـ وكذلك مسجد رسول الله (ص) ومشاهد الأئمة (ع) القائمين مقام الرسول (ص)، فأما ما عدا مكة والمشاهد من الحرم فحكمها حكم غيرها من البلدان في التقصير والإتمام»(164).

والى نفس المعنى ذكر السيد المرتضى (ره) : «لا تقصير في مكة ومسجد الرسول(ص)، ومشاهد الأئمة (ع) القائمين مقامه (ع)»(165) وهذه العبارة تفيد منع التقصير، وعموم الحكم في مشاهد الأئمة .

وقد استعرضنا في هذه الجولة أقوال الفقهاء في تحديد الحد المسموح به لمصلي الفريضة لمن كان مسافراًَ على نحو التخيير بين القصر والإتمام ـ أي إثبات جواز الاتمام ـ وقد كانت آراؤهم مختلفة باختلاف الروايات الدالة على استحباب الاتمام للمسافر ويكمن ذلك الاستحباب في المسجد أو المدينة أو الحرم .

الفرع الثالث: الراجح من الأقوال :

وللتحقيق في تحديد المكان الذي يستحب فيه الاتمام حول شمول تمام الموضوع للحكم وهو الحرم بسعته، ويكون ذكر البلد والمسجد من باب الغلبة، لأن الصلاة تقع غالباً في المسجدين، أو البلدين، أو يكون الموضوع خاصا بالبلدين أو المسجدين، ويكون ذكر الحرمين من جهة ثبوت الحكم إجمالا بثبوته في بعضها وللتحقيق نلاحظ الأمور الآتية :

في صلاة المسافر ضمن عتبة النبي المصطفى محمد (ص) ، للتحقيق في هذا المجال ينبغي الرجوع إلى القواعد الأصولية ليتعين المقام، حيث أننا أمام قاعدة أصولية لها مقتضي والقاعدة هي: الحمل على الأعم الأغلب أو التمسك بالعام في الدوران في التخصيص بين الأقل والأكثر(166)ـ أي المشتمل على توسعة الحرم لعدم المنافاة بين المطلق الانحلالي والمقيد وذلك لان المطلق والمقيد قد يكونان متنافيين أو مثبتين، وعلى الثاني، إما أن يكون إطلاق المطلق بدلياً، أو يكون شمولياً، فان كانا متنافيين فيحمل المطلق على المقيد سواء كان الإطلاق شمولياً أو بدلياً .

وأما إذا كانا مثبتين فان كان إطلاق المطلق بدلياً فيحمل المطلق على المقيد ايضاً وان كان شمولياً فلا يحمل بل يبقى على إطلاقه وذلك لعدم التنافي(167).

وفيما نحن فيه ثبوت الحكم في المطلق وهو الحرم على نحو الإطلاق الشمولي فيثبت التخيير في كل أجزاء الحرم سواء كان المسجد أو البلد أو خارجه، ومقتضى هذه القاعدة ثبوت التخيير حتى في خارج المدينة المنورة لان الحرم أوسع من البلاد .

وقد استشكل على هذه القاعدة بثبوت الحكم بالتخصيص بالمسجد، حيث أن الوصف وان لم يكن له مفهوم بالمعنى المصطلح، ولا يمكن اخذ الحكم من خلاله. لكن ما المانع من ثبوت الحكم بالتخصيص كما في روايات المسجد ؟ وعليه لا يكون موضوع الحكم هو الطبيعي على إطلاقه ـ الحرم ـ بل ثبوت الحكم نستكشفه من خلال التقييد وإلا عُد مجيئه وعدم الأخذ به لغواً فعليه يثبت المدعى وهو عدم تعلق الحكم للإطلاق بل لما هو مخصص(168). وانه إذا دار الأمر بين التخصيص والترجيح تعين الأول أي أن هناك مناسباً للحكم وانطباقه على موضوعه المقتضي له وهو خصوص المسجد دون مطلق الحرم أو البلد، وان كان للحرم شرف، وللبلد كذلك، ولكن لا ربط له بالمقام.

ويمكن مناقشته: أولاً: صحة الأخبار الدالة على التخيير في المدينة المنورة كما في صحيحة حماد بن عيسى وغيرها .

ثانياً: إن الاستعمال إذا كان وارداً مورد الغالب لا يدل على التخصيص حيث أن ورود الروايات الدالة والمعللة للصلاة في المسجد وان كانت تقتضي وجود مناسبة الحكم والموضوع إلا أنها لا تقتضي الاختصاص .

وذلك لما ورد في علم الأصول من أن الشرط لا مفهوم له إلا أن تكون هناك نكتة ظاهرة وان كانت هي الغلبة كما في قوله تعالى : ((ورَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم...))(169). والنكتة هنا بعينها موجودة ضرورة أن الغالب فيمن يقدم حرم الأماكن الأربعة المخيرة فيها إيقاع صلواته ولا سيما الظهرين والعشائين في المسجد الذي اعد للصلاة مع ما ذكر من الفضل فيمن صلى فيهن(170).

ثالثاً: إن روايات التقييد المذكورة والواردة بلفظ (مسجد) ليست روايات معتبرة حتى يصح التخصيص بها، بل كلها ضعيفة السند من جهة الإرسال فدلالتها على المدعى تكون سالبة بانتفاء الموضوع .

وان كانت رواية (عبد الحميد) لها طريقان ذكر الشيخ الطوسي (ره):

الطريق الأول: وكان فيه محمد بن سنان، وعبد الملك القمي وعبد الحميد والأخيران مجهولان(171) فاجتمع الضعف مع الجهالة .

الطريق الثاني: أورده ابن قولويه في كامل الزيارات بسند آخر وليس فيه محمد بن سنان ولكن لا يمكن الاعتماد على هذا السند لمعارضته برواية الشيخ (ره) .

وكذلك أورد الحر (ره) في وسائله رواية بهذا المضمون عن الشيخ الكليني (ره) إلا أن المشكلة أن النسختين المطبوعتين القديمة والحديثة خاليتان عنه وبالأخير يشك في وجود ابن سنان في السند وعدمه(172)، فعليه لا تصلح روايات المسجد أن تكون حاكمة أو مخصصة لروايات الحرم والبلد .

نعم، أوردت عدة إشكالات على القول بصحة روايات المسجد منها :

الإشكال الأول: على القول بان روايات المسجد صحيحة، فعليه تكون معارضة للصحاح الدالة على التخيير في حرم النبي (ص)، أو البلد، وعند التعارض يتساقطان، فيرجع إلى الأصل، أو ينحصر علاج التعارض في حمل المطلق على المقيد أو بالعكس، وان ظهور دليل المقيد في دخالة القيد أقوى من ظهور دليل المطلق في كون الحيثية المطلقة تمام الموضوع للحكم، فيجب حمل الأخبار على التخيير بالمسجد فقط(173).

ويمكن مناقشته: بأنه لا تعارض بين الطائفتين، وان ذكر المسجد ليس من باب الحصر، بل لأجل غلبة صلاة الحاج أو الزائر لحرمه (ص) وكونه أفضل بقعة(174).

نعم اختلف الفقهاء في تحديد الحرمين بالبلدين من جهتين :

الأولى: ما اشرنا إليها من أن المطلق الانحلالي إذا كان شمولياً فلا يحمل على المقيد، بل يبقى على إطلاقه، وذلك لعدم إحراز هذا الحكم لجواز أن يكون الاستحباب مراتب مختلفة، فالإتمام في المسجد أفضل من البلد، وفيه، أفضل من البلد.

الثانية: لابد من الحمل، وذلك لوجود حكم واحد مرتبته واحدة وموضوعه واحد لا أحكام متفاضلة تحمل موضوعات متعددة فيحمل المطلق على المقيد .

وأشار إلى ذلك السبحاني: «إن ملاك حمل المطلق على المقيد، فرع وجود التعارض والتخالف بينهما هو فرع وحدة الحكم، وإلا فلا مانع أن يكون هناك مكانان مختلفان موضوعاً، والظاهر أن الشرط محرز، وان هنا حكماً واحداً وهو جواز الاتمام، وكونه أفضل والاختلاف في سعة الموضوع وضيقه، فلا محيص من الحمل»(175).

الإشكال الثاني: أن لفظ (الحرم) في نفسه مجمل لا يكون له ظهور في مقدار محدد كما أشارت له روايات التحديد بين (عاثر) إلى (وعير) أو حدوده بفراسخ معينة، فيمكن أن يكون المراد منه خصوص المسجد، لأنه لو دار الأمر بين الأقل والأكثر فيجب الاقتصار على القدر المتيقن وهو المسجد أو لا أقل البلد .

ويمكن مناقشته: صحيح أن لفظ الحرم مجمل لم يتفق العلماء على تعريفه بحد معين يكون جامعاً مانعاً وان ما عرف به هي تعريفات بلحاظ الحكم وليس بلحاظ الموضوع وتحديده، ومنه يظهر عدم انطباق لفظ (الحرم) على تمام موضوعه ولكن يمكن أن يكون المراد به البلد بعد أن طرحنا المقدار المتيقن من جهة الترجيح بالمسجد وذلك لضعف الأخبار .

ويستدل على إطلاق (الحرم) على بلد رسول الله(ص) وذلك من خلال عدة نقاط:

النقطة الأولى: أنه لم يطعن أحد من الفقهاء في صحة الروايات الدالة على أن المراد من الحرم تمام البلد كما تقدم. مضافا إلى صحة الروايات الواردة فيها تعبير البلد بالمدينة.

النقطة الثانية: الأخبار الدالة على التخيير في الحرم فقد فسَّر المراد منها في رواية علي بن مهزيار (بالمدينة) فقال: أي شيء تعني بالحرمين ؟ فقال «مكة والمدينة» فلو كان التخيير مختصاً بالمسجد وهو المراد بالحقيقة والواقع لبيّن ذلك الإمام (ع) لأنه في مقام البيان وإلا للزم تأخير البيان عن وقت الحاجة وقد أشار إلى هذا المعنى السيد الخوئي (ره): «فبمقتضى هذه الرواية المفسرة مضافاً إلى تعلق الحكم بنفس البلدين في جملة أخرى من النصوص ـ وقد تقدمت ـ يكون التخيير ثابتاً في تمام البلدين الشريفين(176)، ولا يختص بالمسجدين الأعظمين، فان الحرم لو كان مجملاً فصحيحة ابن مهزيار شارحة وبقية الأخبار ظاهرة في العموم»(177).

ومنه يعرف انه بواسطة روايات التخيير والاستحباب الواردة بشأن مدينة الرسول (ص) المدينة المنورة وإنها حرمه المنطبق على تمام بلدته المشرّفة .

ثانياً: في صلاة المسافر ضمن عتبة أمير المؤمنين (ع):

إن الروايات الواردة في حرم أمير المؤمنين بعضها صحيحة من ناحية السند، ولكنها غير واضحة من ناحية الدلالة ـ أي أن المراد منها هل المسجد، أم الكوفة، ام الكوفة بما فيها ظهرها النجف الاشرف ؟ ـ وتحقيق الكلام هو نفس ما دار حول تحديد ماهية المراد من حرم رسول الله(ص) ويكون المراد تمام بلدة الكوفة لوحدة المناط في الحكم.

قال المحقق البحراني (ره): «إذا ثبت الحكم في الحرمين من غير اختصاص بالمسجد، يكون الحكم كذلك في الكوفة، لعدم القائل بالفصل»(178).

وتدل عليه صحيحة حسان بن مهران قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: «قال أمير المؤمنين (ع) مكة حرم الله، والمدينة حرم رسول الله (ص)، والكوفة حرمي، لا يريدها جبار بحادثة إلا قصمه الله»(179).

وصحيحة خالد القلانسي عن الصادق (ع) قال: «مكة حرم الله وحرم رسوله وحرم علي بن طالب والصلاة فيها بمائة ألف صلاة، والدرهم فيها بمائة ألف درهم، والمدينة حرم الله، وحرم رسوله وحرم علي بن أبي طالب والصلاة فيها بعشرة الآلف صلاة والدرهم فيها بعشرة الآلف درهم، والكوفة حرم الله وحرم رسوله وحرم علي بن أبي طالب الصلاة فيها بألف درهم»(180).

ولهذا لم يستبعد السيد الخوئي (ره) من خلال هاتين الصحيحتين إلحاق الكوفة بالمدينة ومكة فقال: «لا يبعد إلحاق الكوفة بالحرمين في ثبوت التخيير لمطلق البلد وذلك لصحيحتين تضمنتا أن حرم أمير المؤمنين (ع) هو الكوفة .

وبغض النظر عن الروايات الأخرى واجماليتها، فان رواية حماد بن عيسى المتقدمة، كافية ـ وبمناسبة الحكم والموضوع ـ يستفاد منها على تمام البلدة(181) الكوفة فان من المناسب أن يكون حرم أمير المؤمنين (ع) تمام البلدة .

بقي الكلام هل تلحق النجف وهي ظهر الكوفة بالكوفة أو لا ؟ استدل على الإلحاق بـ :

الأول الروايات كما في رواية حماد بن عيسى(182) المتضمنة إتمام الصلاة في حرم أمير المؤمنين (ع)، وانه من مخزون علم الله، ومنه جوز الشيخ الطوسي (ره) في المبسوط الاتمام في النجف، قال: «فعلى هذه الرواية يجوز الاتمام خارج المسجد بالكوفة وبالنجف»(183).

الثاني العرف: وهو ما تعارف في اعصارنا على إطلاق لفظ الحرم على مدفنه الشريف (ع)، مضافاً إلى ان الحرم ليس له معنى اصطلاحي مغاير للمعنى اللغوي والعرفي، ولو كان كذلك للزم البيان، فالاكتفاء بالذكر من دون تفسير، يكشف عن إرادة المعنى العرفي .

ولكن الفقهاء لم يرتضوا إلحاق النجف بالكوفة وذلك :

1 ـ لضعف رواية حماد بن عيسى من جهة إنها مرسلة، وهي إن دلت على شيء فإنما تدل على الأفضلية والتعظيم، لا لترتيب حكم تقصير الصلاة ولهذا أبطل إلحاق النجف من حيث حكم تخيير الصلاة بالكوفة، قال السيد الخوئي (ره): «وأما النجف الاشرف فهو ظهر الكوفة وليس منها، وان احتمل بعض الفقهاء شمول الحكم لحرم أمير المؤمنين (ع)»(184).

2 ـ وأما من العرف: صحيح أن الحرم ليس له معنى اصطلاحي مغاير للمعنى العرفي، ومقتضى الإطلاق عدم إدخال قيد زائد، ولكن هذا لا يوجب رفع اليد عن معنى الظهر كلياً، لأنه قد يكون للمتكلم معنى قابل للاحتمال لذا فان دليل العرف والاستشهاد به «لا يوجب رفع اليد عن الظهور، فانه ربما يكون كلام المتكلم ظاهراً في معنى غير صريح فيه قابل لاحتمال إرادة الخلاف، فيسأل المخاطب لرفع الاحتمال وحصول التصريح مع تمامية الحجة بدون ذلك كما لو قال المولى (أكرم علماء البلد) فيسأل العبد تريد إكرامهم كلهم ؟ لرفع الاحتمال»(185).

ويؤيد ما ذكر وحدة السياق مثل رواية حسان بن مهران الشارحة لمعنى المراد من حرم مكة والمدينة والكوفة، فلا يدخل فيها ظهرها أو غيره مضافاً إلى أن العرف يرى فرقاً ما بين الكوفة والنجف .

ثالثاً: في صلاة المسافر ضمن عتبة الإمام الحسين (ع) :

إن روايات التوسعة لحرم الإمام الحسين (ع)، أو روايات الحائر على الفرسخ والخمسة فراسخ، بل وشمول كربلاء منها على سعة حدود تلك البلدة وخصوصاً إذا أخذنا روايات القبر التي فيها لفظ (عند) كما في رواية صالح بن عقبه عن أبي شبل، قال: قلت لأبي عبد الله (ع) أزور قبر الحسين ؟ قال: «نعم زر الطيب وأتم الصلاة عنده، قلت: بعض أصحابنا يرى التقصير، قال: إنما يفعل ذلك لضعفه»(186).

أو ما ورد في رواية القندي(187) وإبراهيم بن أبي البلاد(188) من الأمر بالإتمام عند قبر الحسين (ع). والعندية من المقولات التشكيكيه «وان كان مقولاً بالتشكيك، يشمل ويطلق عرفاً على داخل الحرم وخارجه مما يطلق عليه مدينة كربلاء»(189).

وهذا الإجمال أو التشكيك يصدق على القرب والبعد، وهو في البعد اظهر كما نص عليه أهل اللغة من الفرق بينه وبين (لدى) بان الأخير لا يستعمل إلا في الحاضر بخلاف الأول(190).

إلا إنه لا يمكن المساعدة على ما ذهب إليه أهل اللغة من جهتين :

الأولى: إن الرواية داخلة على الاختصاص بالقبر ومتعرضة لبيان حكم الصلاة في ذلك المكان تحديداً .

ومنه استظهر السيد الخوئي (ره) أنها لا تدل على الاختصاص «وإنها لا تدل على عدم شمول الحكم لتمام كونها متعرضة لذلك كما هو ظاهر»(191). فالتشكيك بخصوص مدفنه في الموضع المنخفض الذي وقع القبر الشريف في وسطه .

الثانية: إن روايات القبر كما تقدم وردت مع المسجد فتكون مطروحة من جهة الضعف والإرسال أو كليهما هذا من جهة .

وكذلك الروايتان الواردة بخصوص الحائر لا يمكن الأخذ بها وفق الصناعة الفقهية وذلك لان كلتا الروايتين ضعيفتان بالإرسال الأولى مرسلة الصدوق والأخرى مرسلة حماد بن عيسى .

مضافاً إلى ذلك الإجمال في تحديد الحائر، وان حده ابن ادريس: بما دار عليه سور المشهد، فان الإجمال باق على إجماله، وذلك من جهة عدم معلوميته «حيث لم يبقَ السور الذي كان دائراً في الأزمان السابقة على المشهد الشريف ولا يعلم موضعه، وقد اختلف جداً بحسب التغييرات الحاصلة في الاعصر المختلفة، ثم المراد بالسور هل هو سور الحرم، أو الرواق، أو الصحن الشريف»(192).

فالكل محتمل فلابد من الحمل على القدر المتيقن وهو الأقل وذلك لدوران الأمر بين المخصص المنفصل والمجمل .

أما روايات الحرم فإجمالها يدور في عدة إطلاقات يدخل بضمنها الحائر :

أولاً: كربلاء: فإنها تسمى اليوم حرم الحسين (ع) ومثلها أطلق الحرم على مكة والمدينة والكوفة يطلق على كربلاء .

ثانياً: الصحن الشريف: وهو ما ذهب إليه المجلسي (ره) في تحديده للحائر «والأظهر عندي انه مجموع الصحن القديم لا ما تجدد منه في الدولة الصفوية».

ثالثاً: سور الحرم الحالي المعبر عنه بـ (الروضة)، وهو ما دار عليه السور الأول الذي يلي الضريح المقدس .

رابعاً: مدفنه الشريف المتضمن تحت قبته الشريفة حالياً .

ومن ذلك يبدو الاختلاف والإجمال في تحديد الحرم والحائر، فان كل ذلك يدخل ضمن المحتملات سعة وضيقاً وعليه لابد من الاقتصار في المقام على القدر المتيقن لان أخبار الاتمام من قبيل المخصص المنفصل المجمل اتجاه أدلة القصر في السفر، فلابد أن يقتصر على القدر المتيقن في التخصيص الأقل كما هو المعروف في علم الأصول .

رابعاً: في صلاة المسافر ضمن عتبات الأئمة المعصومين الباقين :

لم تذكر الروايات من قريب أو بعيد تخيير المسافر بصلاته داخل عتبات المعصومين غير النبي محمد (ص) والحسين (ع) وان ما ذكره القدامى من الفقهاء وكما تقدم من إلحاق عتبات المعصومين الباقين بالنبي (ص) والإمام الحسين (ع) لا وجه لإلحاقه سوى وجه الإلحاق لمزية الفضل والفضيلة والبركة والاهتمام بطلب الحاجات واستجابتها في مشاهدهم المشرفة، وهو دليل على التعظيم لا لإثبات حكم شرعي يتعلق بفعل المكلف من حيث الصلاة .

وتحصل مما تقدم:

1 ـ عدم شمول أدلة التخيير لمطلق المشاهد المشرفة، وما احتمله الشيخ بن بابويه، وابن الجنيد، والسيد المرتضى، يحمل على تعظيم تلك الأماكن، لا الإلحاق من جهة التقصير بالصلاة .

2 ـ ثبوت التخيير في حرم النبي (ص)على تمام مدينته المشرفة .

3 ـ عدم إلحاق النجف الاشرف (ظهر الكوفة) بالكوفة وذلك لعدم مساعدة الروايات والعرف على ذلك، وان ألحقت تمام الكوفة بالمسجد الشريف .

4 ـ ثبوت التخيير في حرم الإمام الحسين (ع)، ولكن على نحو القدر المتيقن، المتضمن للعشرين ذراعاً أو خمسة وعشرين ذراعاً .

***

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) منتهى المطلب: العلامة الحلي: ج4: 308 .

(2) من لا يحضره الفقيه: الصدوق، ج1: حديث 724 والوسائل: الحر العاملي، ج3 باب من أبواب مكان المصلي، حديث: 2 .

(3) ظ: من لا يحضره الفقيه: الصدوق، ج1: 156، وما نقله الشهيد الثاني عن الحلبي في روض الجنان: ج1: 228 .

(4) عصا في قدر نصف الرمح يتوكأ عليها الشيخ، ظ: لسان العرب، ج9،: (عَنَزَ) .

(5) المقنعة: المفيد: 151 .

(6) م. ن: 152 .

(7) م. ن: 152 .

(8) الكافي: الكليني، ج3، باب: الصلاة في الكعبة .. والمواضع التي تكره فيها الصلاة حديث: 13.

(9) الوسائل: الحر العاملي، ج2: باب 15 من أبواب عدم جواز الصلاة في الطين، حديث: 6، 7.

(10) الوسائل: الحر العاملي، ج3، باب 25 من أبواب مكان المصلي، حديث: 3 .

(11) م. ن، باب 26 من أبواب المصلي حديث: 5 .

(12) ظ: رياض المسائل: الطباطبائي، ج3: 26 .

(13) ظ: منتهى المطلب: العلامة، ج1: 244، والغنية ضمن الجوامع الفقهية، الحلبي، ابن زهره: 555 .

(14) تهذيب الأحكام: الطوسي، ج2، حديث: 1555، والوسائل: الحر العاملي ج2 باب: 25 من أبواب مكان المصلي، حديث: 4 .

(15) الوسائل: الحر العاملي، ج2، باب 25 من أبواب مكان المصلي، حديث: 1 .

(16) ظ: الحدائق الناضرة: البحراني، ج7: 206 .

(17) الوسائل: الحر العاملي، ج3، باب: 21 من أبواب أحكام المساجد، حديث: 1 .

(18) أبواب الجنان: الشلال، خضر، الفصل الثامن من الباب الثالث .

(19) الوسائل: الحر العاملي، ج3، باب: 27 من ابواب مكان المصلي، حديث: 6 .

(20) تهذيب الأحكام: الطوسي، ج2، باب 26 من أبواب مكان المصلي، حديث: 1 .

(21) مستمسك العروة الوثقى: الحكيم، ج5: 464 .

(22) الحدائق الناضرة: البحراني، ج7: 220 .

(23) الاحتجاج: الطبرسي، ج2: 312 .

(24) الوسائل: الحر العاملي، ج2، باب 26: من أبواب مكان المصلي، حديث: 7 .

(25) الحبل المتين: البهائي، الطبعة القديمة، منشورات مكتبة: بصيرتي قم: 159 .

(26) ظ: بحار الأنوار: المجلسي، ج8: 315 .

(27) الحدائق الناضرة: البحراني، ج7: 201 .

(28) الدروس : الشهيد الأول، ج2: 23 .

(29) منتهى المطلب: العلامة الحلي، ج1: 245 .

(30) مجمع الفائدة: المحقق الاردبيلي، ج2: 135 .

(31) ظ: مستمسك العروة الوثقى: الحكيم، ج5: 463 .

(32) رجال النجاشي: النجاشي: 35 .

(33) منهج المقال في تحقيق أحوال الرجال: الاسترابادي، محمد بن علي بن إبراهيم طبعة حجرية: طهران، 1306هـ: 186 .

(34) الفهرست: الطوسي: 211 .

(35) ظ: جامع الرواة: الاردبيلي، محمد علي، منشورات مكتبة المرعشي النجفي، قم، 1413هـ، ج2: 462 .

(36) ظ: الاستبصار: الطوسي، ج1: باب الجنب هل عليه مضمضة أو استنشاق حديث 4397 .

(37) ظ: تهذيب الأحكام: الطوسي، ج3: حديث: 594 .

(38) م. ن: 217 .

(39) مستند العروة الوثقى: الغروي، ج2: 111 .

(40) ظ: مستند العروة الوثقى: الغروي، ج2: 114 .

(41) جواهر الكلام: النجفي، ج8: 363 .

(42) جواهر الكلام: النجفي، ج8: 363 .

(43) مستند العروة الوثقى: الغروي، تقريرات السيد الخوئي ج2: 115 .

(44) م. ن، ج2: 115 .

(45) عيون أخبار الرضا (ع): الصدوق، ج1: 30 .

(46) مستدرك الوسائل: النوري، ج10، باب 52 من أبواب المزار، حديث: 3 .

(47) مهذب الأحكام: السبزواري، ج5: 400 .

(48) ظ: مفتاح الكرامة: العاملي، ج6: 214 .

(49) ظ: مدارك تحرير الوسيلة للسيد الخميني، بني فضل، مرتضى، مطبعة العروج: إيران، الطبعة الأولى: 1422هـ، ج1: 261 .

(50) ظ: مستند العروة الوثقى: الغروي، ج2: 110 .

(51) الوسائل: الحر العاملي، ج14، ب: 69 من أبواب المزار وما يناسبه، حديث: 5.

(52) بحار الأنوار: المجلسي، ج98: 200 .

(53) من لا يحضره الفقيه: الصدوق، ج2: 363 .

(54) تحفه الزائر: المجلسي: 28

(55) الدروس: الشهيد الأول، ج2: 32 .

(56) ذكرى الشيعة: الشهيد الأول، ج4: 287 .

(57) مصباح الزائر: ابن طاووس: 240 .

(58) الدرر النجفية من الملتقطات اليوسفيه: البحراني، يوسف بن احمد صاحب الحدائق تحقيق دار المصطفى(ص) لأحياء التراث، بيروت، الطبعة الأولى: 1423هـ، ج2: 296 .

(59) من لا يحضره الفقيه: الصدوق، ج2: حديث 222 .

(60) ظ: منتهى المطلب: العلامة الحلي، ج4: 316 .

(61) المقنعة: المفيد، 151 .

(62) تهذيب الأحكام: الطوسي، ج2: 228 .

(63) الوسائل: الحر العاملي، ج14، باب 69 من أبواب المزار، حديث: 8 .

(64) الوسائل: الحر العاملي، ج5: باب 26 من أبواب مكان المصلي، حديث: 5 .

(65) ظ: الحدائق الناضرة: البحراني، ج7: 206 .

(66) جامع مسلم: مسلم، ج5: 12 .

(67) ظ: الحدائق الناضرة: البحراني، ج7: 224 .

(68) منتهى المطلب: العلامة الحلي، ج4: 318 .

(69) رياض المسائل: الطباطبائي، ج3: 29 .

(70) تهذيب الأحكام: السبزواري، ج5: 467 .

(71) الوسائل: الحر العاملي، ج5: باب 26 من أبواب مكان المصلي، حديث: 6 .

(72) م ن، حديث: 7 .

(73) الوسائل: الحر العاملي، ج14: باب 69. أبواب المزار، حديث: 1 .

(74) جواهر الكلام: النجفي، ج8: 366 .

(75) ظ: منهاج الصالحين: السيستاني، ج1: 288 .

(76) مختلف الشيعة: العلامة الحلي، ج3: 101 .

(77) منهاج الصالحين: السيستاني، ج1: 288 .

(78) العروة الوثقى: اليزدي، ج3: 422 .

(79) من لا يحضره الفقيه: الصدوق، ج1 ص283.

(80) المهذب: ابن البراج، ج1: 110.

(81) ظ: جواهر الكلام: الجواهري، ج14: 330.

(82) رسائل المرتضى: المرتضى، ج3: 47 .

(83) مختلف الشيعة: العلامة، ج3: 136.

(84) التذكرة: العلامة، ج1: 217.

(85) الذكرى: الشهيد الأول .ج2: 114.

(86) جواهر الكلام: الجواهري، ج14: 329.

(87) ظ: منهاج الصالحين: السيستاني، ج1: 305 .

(88) منهاج الصالحين: السيستاني، ج1: 305 .

(89) الوسائل: الحر العاملي، ج5: كتاب الصلاة، باب: 25 من أبواب صلاة المسافر، حديث: 14.

(90) ظ: السرائر: ابن إدريس، ج1: 342.

(91) ظ: تذكرة الفقهاء: العلامة، ج4: 365 .

(92) ظ: نهاية الأحكام: العلامة ج2: 167.

(93) ظ: مختلف الشيعة: العلامة، ج3: 135، 137.

(94) ظ: ذكرى الشيعة: الشهيد الأول، ج4: 291.

(95) ظ: الدروس الشرعية الشهيد الأول، ج1: 209.

(96) ظ: اللمعة الدمشقية: الشهيد الثاني: 46.

(97) ظ: جامع المقاصد: المحقق الكركي، ج2: 509.

(98) ظ: مسالك الإفهام: الشهيد الثاني، ج1: 787.

(99) ظ: الروضة البهية: الشهيد الأول، ج1: 787.

(100) الوسائل: الحر العاملي، ج5، كتاب الصلاة باب 25 من أبواب صلاة المسافر حديث 4.

(101) الوسائل: الحر العاملي، ج5، كتاب الصلاة باب 25 من أبواب صلاة المسافر حديث: 5.

(102) الخلاف: الطوسي، ج1: 576 .

(103) ذكرى الشيعة: الشهيد الأول، ج4: 291 .

(104) منتهى المطلب: العلامة ج1: 394، س33 والتحرير ج1: 333 .

(105) مدارك الأحكام: المرتضى، ج4: 469 .

(106) الحدائق الناضرة: المحقق البحراني، ج11: 455 .

(107) رياض المسائل: علي الطباطبائي، ج4: 455 .

(108) وسائل الشيعة: الحر العاملي، ج5 كتاب الصلاة، أبواب صرة المسافر باب 25 حديث 1.

(109) م.ن: حديث 18.

(110) ظ: تلخيص المرام في معرفة الأحكام: العلامة، سلسلة الينابيع الفقهية، علي اصغر مراويد، دار التراث، بيروت، الطبعة الأولى 1990م، ج27: 573.

(111) ظ: إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان: العلامة، تحقيق فارس الحسون، مطبعة النشر الإسلامي، قم المقدسة، الطبعة الأولى، 1410هـ، ج1: 276.

(112) ظ: تبصره المتعلمين: العلامة، مطبعة احمدي، طهران، الطبعة الأولى: 41.

(113) ظ: منتقى الجمان: الشيخ حسين صاحب المعالم، المطبعة الإسلامية، قم المقدسة، الطبعة الأولى، ج2: 183.

(114) ظ: منتهى المطلب: العلامة، مؤسسة الطبع والنشر في الاستانة الرضوية، مشهد، الطبعة الأولى، 1413هـ، ج6: 366.

(115) تلخيص المرام: العلامة، ج27: 573 .

(116) الكافي: الكليني، ج4: باب تحريم المدينة، حديث: 1 .

(117) فرحة الغري: ابن طاووس: 19.

(118) الوسائل: الحر العاملي، ج5 كتاب الصلاة أبواب صلاة المسافر باب 25 حديث 1.

(119) المبسوط: الطوسي، في صلاة المسافر ج1: 141، والنهاية: في صلاة المسافر 124.

(120) بحار الأنوار: المجلسي، في مواضع التخيير ج89: 88.

(121) الوسائل: الحر العاملي، ج5 كتاب الصلاة أبواب صلاة المسافر باب 25 حديث 13.

(122) م. ن، حديث: 8، 12 .

(123) ظ: مجمع الفائدة والبرهان: الاردبيلي، ج3: 426.

(124) الحدائق الناضرة: المحقق البحراني، في موضع استحباب الاتمام في الكوفة ج11: 459.

(125) الوسائل: الحر العاملي: ج5 كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر باب 25 حديث 14.

(126) الكافي: الكليني، ج4 باب النوادر حديث 16: 543.

(127) البحار: المجلسي، ج97، باب فضل الكوفة، حديث: 29.

(128) المختصر النافع: المحقق الحلي، قسم المؤسسات الإسلامية، طهران، الطبعة الثالثة، 1410هـ 51.

(129) الخلاف: الطوسي، ج1 ص576 مسألة 330.

(130) السرائر: ابن ادريس، ج1 ص342.

(131) مختلف الشيعة: العلامة، ج3 ص131، 135.

(132) الوسائل: الحر العاملي، ج5 كتاب الصلاة، باب 25 من أبواب صلاة المسافر حديث 23 .

(133) م. ن حديث: 25 .

(134) الوسائل: الحر العاملي، ج10 كتاب الحج، باب 57 من أبواب المزار حديث: 1 .

(135) مستدرك الوسائل: الميرزا النوري، ج10 باب 51 استحباب التبرك بكربلاء حديث 6.

(136) تهذيب الأحكام: الطوسي، ج6 باب22 ، حد حرم الحسين (ع) وفضل كربلاء، حديث 2.

(137) ظ: كامل الزيارات: ابن طاووس: 451 .

(138) الكافي: الكليني، ج4 باب زيارة قبر أبي عبد الله (ع) حديث 2.

(139)كتاب تحفة العالم في شرح خطبة المعالم: السيد جعفر آل بحر العلوم مطبعة الغري، النجف الاشرف، 1354هـ ج1: 303.

(140) ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة: الشهيد الأول، ج4: 291.

(141) الوسائل: الحر العاملي، ج5 كتاب الصلاة أبواب صلاة المسافر باب 25 حديث 26، 29.

(142) لسان العرب: ابن منظور، ج1 فصل العين المهملة، 574.

(143) تاج العروس: الزبيدي، ج3: 163.

(144) السرائر: ابن ادريس، ج1 في أحكام صلاة المسافر: 342.

(145) ظ: ذكرى الشيعة: الشهيد الأول، ج4: 291.

(146) ظ: منتهى المطلب: العلامة، ج1: 395 س8.

(147) ظ: نهاية الأحكام: العلامة، ج2: 167.

(148) تذكرة الفقهاء: العلامة، ج4: 367.

(149) بحار الأنوار: المجلسي، ج89: 89.

(150) بحار الأنوار: المجلسي، ج89: 89.

(151) تهذيب الأحكام: الطوسي، ج6 باب من الزيارات حديث 4.

(152) كتاب تحفة العالم: بحر العلوم، ج1 ص305.

(153)عالم جليل القدر، واسع العلم، كثير التصانيف، ظ: الامالي: المفيد: 350 .

(154)الفهرست: الطوسي، 83 .

(155)كتاب تحفة العالم في شرح خطبة المعالم: جعفر بحر العلوم ج1 ص305.

(156) وسائل الشيعة: الحر العاملي، ج5 كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر باب 25 حديث 13، 22، 30.

(157) م. ن، حديث: 22 .

(158) تهذيب الأحكام: الطوسي، ج2: 25.

(159) المصدر نفسه، ج6: باب حد حرم الحسين، حديث: 3.

(160) ثواب الأعمال: الصدوق، ص85. وكامل الزيارات: 271.

(161) كامل الزيارات: ابن طاووس: 272.

(162) تهذيب الأحكام: الطوسي، ج2: 26.

(163)فقه الرضا: ابن بابويه، علي، مؤسسة آل البيت (ع) لإحياء التراث، قم المشرفة، الطبعة الأولى: 1406هـ: 160.

(164) مختلف الشيعة: العلامة، ج2: 136.

(165) رسائل المرتضى: الشريف المرتضى، مطبعة الخيام: قم، الطبعة الأولى: 1405هـ، ج3: 47 .

(166) ظ: أصول الفقه: المظفر، ج3: 66.

(167) ظ: كتاب الصلاة: تقريرات الميرزا محمد حسين النائيني، بقلم محمد تقي الآملي، مكتبة البوذرجمهري، طهران، ج3: 371.

(168) ظ: مستند العروة الوثقى :، كتاب الصلاة بقلم الشيخ مرتضى البروجردي، تقريرات السيد أبو القاسم الخوئي المطبعة العلمية، قم، ج8: 412.

(169) سورة النساء: 23.

(170) ظ: مستند العروة الوثقى كتاب الصلاة: البروجردي، ج8: 413.

(171) ظ: المفيد، معجم رجال الحديث: محمد الجواهري: 358 و 305.

(172) ظ: مستند العروة الوثقى: كتاب الصلاة، ج8، 412 .

(173) ظ: البدر الزاهر في صلاة الجمعة والمسافر: بقلم الشيخ حسين المنتظري تقريرات السيد الطباطبائي البروجردي، مطبعة ثكين، قم المقدسة، الطبعة الثالثة 1416هـ: 331.

(174) ظ: مصباح الشريعة: عبد النبي النمازي: 252.

(175) ضياء الناظر: جعفر السبحاني، مطبعة اعتماد، قم المقدسة، الطبعة الأولى 1418هـ :423.

(176) أي مكة والمدينة وموضع حاجتنا المدينة المنورة وحدودها وذكر مكة في الأثناء لورود الأحاديث والتعاليق ضمناً.

(177) مستند العروة الوثقى: البروجردي، تقريرات السيد الخوئي، ج8: 411.

(178) الحدائق الناضرة: البحراني، ج11: 459.

(179) وسائل الشيعة: الحر العاملي، ج10 كتاب الحج، أبواب المزار باب 16 حديث 1.

(180) م. ن: حديث: 13 .

(181) إن وجه الاستشعار والإلحاق بالروايتين من جهة السند حيث أن الأولى رواية حسان وثقه النجاشي، والسند إلى حسان صحيح، وكذلك رواية خالد القلانسي، وان رميت بالضعف من جهة نضر بن شعيب على انه لم يوثق كما في طريقي الصدوق والشيخ، إلا أن طريق الكليني ومزار ابن قولويه خالٍ عن ذلك. ظ: كتاب الصلاة: الخوئي، ج8: 411.

(182) الوسائل: الحر العاملي ج5، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر باب 25 حديث 1.

(183) المبسوط: الطوسي، ج1: 204.

(184) مستند العروة الوثقى: البروجردي، ج8: 418.

(185) جامع المدارك: الخوانساري، ج1: 589.

(186) وسائل الشيعة: الحر العاملي، ج5 كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر باب 25 حديث 3.

(187) وسائل الشيعة: الحر العاملي، ج5 كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر باب 25 حديث 3.

(188) م. ن: حديث 22.

(189) مصباح الشريعة: النمازي: 256.

(190) ظ: تحفة العالم: بحر العلوم: 306.

(191) مستند العروة الوثقى: البروجردي: تقريرات السيد الخوئي، ج8: 409.

(192) البدر الزاهر في صلاة الجمعة والمسافر: منتظري: 335.