تاريخ
ابن الوردي
تأليف
زين الدين عمر بن مظفر
الشهير بابن الوردي
المتوفى سنة 749هـ
الجزء الأول
قدّم
له
السيد
محمد مهدي الخرسان
بسم الله الرحمن الرحيم
حياة المؤلّف
والتعريف بالكتاب:
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة على محمّد وآله
الطيبين الطاهرين، واللعنة على أعدائهم أجمعين، وبعد:
يرجع تاريخ معرفتي بابن الوردي ـ مؤلّف كتابنا
هذا ـ إلى أكثر من ربع قرن يوم كنت طالباً وكان اُستاذنا في الأدب،
يلزمنا بحفظ قصيدة وعظية لهذا الشيخ مطلعها:
اعتزل ذكر الأغاني والغزل *** وقل الفصل وجانب
من هزل
ولم يزد ذلك الاُستاذ يومئذ في تعريف الرجل لنا
فوق اسمه وشهرته، أمّا من هو ذلك الشيخ الناظم بحدوده العلمية
والتاريخية؟ كلّ ذلك لم يذكره أو لم يشأ أن يذكره وكأ نّه تركه لمستقبل
الأيّام، حيث صرت ألتقي بالشيخ ابن الوردي أحياناً في كتب التاريخ
والأدب حين يمرّ اسمه أمامي مكرراً، إمّا بمناسبة شعر يذكر له، أو
نادرة تاريخية تروى عنه، أو ذكر اُستاذ له، ولم يمر بخاطري في حينها
انّي سأحتاج إلى مراجعة تلك المصادر الّتي كانت تعرض اسمه أمامي
فاُدوّنها.
ولمّا طلب منّي الأخ الشيخ محمّد كاظم الكتبي
تقديم تاريخ تتمة المختصر ـ وهو كتابنا هذا ـ تذكرت الرجل المؤلّف
وأوّل معرفتي به، وأسفت أ نّي لو كنت دوَّنت تلك المعلومات المتناثرة
في حينها لكانت نواة لترجمة الرجل، ولبنة اُولى اُشيد عليها سائر
اللبنات الاُخرى، وبالتالي لكانت خير عون في هذا التقديم.
ولكن وهل يجدي الأسف شيئاً، فانّه لا يعيد
ماضياً كما لا يستعيد تالفاً، فأعود أبحث عن الرجل في مؤلّفاته،
ومؤلّفات معاصريه، وبعض كتب التاريخ والأدب فتتجمع لديَّ هذه الوريقات
الّتي اُقدّمها للقرّاء أمام مؤلّف من أهم مؤلّفاته، وأثر خالد خلّد
صاحبه ما دام للتاريخ شأن يذكر.
وانّي لأحسب أ نّي وفّرت عليهم كثيراً من الوقت
في مراجعة تلك المصادر الّتي جمعت ما تناثر فيها من سطور كاشفة عن
شخصية المؤلّف وحدودها، خصوصاً وانّ بعضها عزيز المنال بالنسبة إلى
كثير من القرّاء، ممّن لا يتسنى لهم الإطلاع عليها أو الحصول على
مصادرها، فإن كنت قد أغنيت القرّاء بهذه السطور فهو المطلوب، وإلاّ فهي
نواة لمن يريد استيفاء البحث، ونافذة يطل منها على تاريخ ابن الوردي،
وفي كلا الحالين لا تخلو من إفادة، وتلك هي الغاية المتوخاة والله من
وراء القصد.
اسمه ونسبه:
هو عمر بن المظفّر بن عمر بن محمّد بن أبي
الفوارس بن عليّ بن أحمد بن عمر بن فظلما (هكذا ورد وهو محرّف) بن سعيد
بن القاسم بن النصر بن محمّد بن طلحة بن عبدالله بن عبدالرحمن بن أبي
بكر بن أبي قحافة من بني تيم ابن مرّة.
قال الطباخ في أعلام النبلاء: ورأيت في الرسالة
المسمّاة بنفحة العنبر في نسب الشيخ عليّ اسكندر للصديق الأكبر ما نصه:
وفي غير الديار المصرية منهم ـ أي من المنسوبين للصدّيق(رضي الله عنه)
ـ جماعة منهم: زين الدين عمر ابن مظفّر ـ وساق النسب إلى آخره، ثمّ
قال: هكذا ساق الرملي نسبه في شرحه على البهجة ـ بهجة الحاوي.
وقد أشار المؤلّف نفسه إلى ارتفاع نسبه إلى
الخليفة أبي بكر مكرراً فمن ذلك قوله في لاميته المشار إليها آنفاً:
مع انّي أحمد الله على *** نسبي إذ بأبي بكر
اتصل
وقوله الآخر كما في ديوانه:
جدّي هو الصدّيق واسمي عمر *** وابني أبو بكر
وبنتي عائشة
لكن يزيد ناقص عندي ففي *** ظلم الحسين ألف ألف
فاحشة
وأورد الغزي في نهر الذهب: انّ جماعة من ولد
محمّد بن عبدالرحمن بن أبي بكر كانوا في حصن قسطون في قضاء جسر الشغر،
وفي سنة 448 نزل عليه أبو عليّ الحسن بن عليّ بن ملهم العقيلي فقاتله
أهلها وقل الماء عليهم فأنزلهم على الأمان وكان فيه قوم من أولاد طلحة
ومحمّد بن عبدالرحمن بن أبي بكر الصدّيق... الخ(1). فلعلّ من كان
بالمعرة من آباء ابن الوردي يرجعون في نسبهم إلى اُولئك.
بلده:
ذكر غير واحد من المؤرّخين انّه من أهل معرة
النعمان، وقد استندوا إلى تصريحه نفسه بذلك في كثير من الموارد في
تاريخه وغيره.
ومعرة النعمان: بفتح أوّله وثانيه وتشديد الراء،
قال ابن الأعرابي: المعرة: الشدة، والمعرة: كوكب في السماء دون المجرة،
والمعرة: الدية، والمعرة: قتال الجيش دون إذن الأمير، والمعرة: تلوّن
الوجه من الغضب. وقال ابن هانئ: المعرّة في الآية وهي قوله تعالى:
(فَـتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْم)(2) أي جناية
كجناية العرّ ـ بالضمّ ـ وهو الجرب، وقال محمّد بن إسحاق: المعرّة
الغرم(3).
والنعمان: هو النعمان بن بشير صحابي اجتاز بها
فمات، له بها ولد فدفنه وأقام عليه فسميت به، قال ياقوت: وهذا في رأيي
سبب ضعيف لا تسمّى بمثله مدينة، والّذي أظنه انّها مسمّاة بالنعمان،
وهو الملقّب بالساطع بن عدي بن غطفان بن عمرو بن بريح بن خزيمة ـ جذيمة
ـ بن تيم الله ـ وهو تنوخ ـ بن أسد بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران
بن الحاف بن قضاعة.
أمّا مؤرّخنا ابن الوردي فيذهب إلى الرأي
الأوّل، وحكى ذلك عن ابن خلّكان(4).
ومهما يكن وجه النسبة فانّها مدينة كبيرة قديمة
مشهورة، من أعمال حمص بين حلب وحماة، ماؤها من الآبار، وفيها الزيتون
الكثير والتين.
وقد ورد في ديوانه ـ المؤلّف ـ شواهد دالة على
اعتزازه ببلاده ـ المعرة ـ وحنينه إليها بعد ما فارقها ومنها قوله:
لي في المعرة شمس *** رضاه عين مرادي
فلا تذموه إنّي *** أدرى بشمس بلادي(5)
وكقوله يتشوق إليها بعد ارتحاله عنها من قصيدة
أوّلها:
قف وقفة المتألم المتأمّل *** بمعرّة النعمان
واُنظر بي ولي
إلى أن يقول في آخرها:
أقسمت لو نطقت لأبدت شوقها *** نحوي كشوقي نحوها
وترق لي
لِمَ لا ترق لدمع عين ما رقا *** وجوارح جرحى
وبال قد بلي
موتي حسيني بها، وملامكم *** فيها يزيد، وقدرها
عندي عليّ(6)
إلى غير ذلك من أقواله شعراً الدالّة على انّه
معري، وأمّا ما ورد عنه نثراً فكثير، ومن يلاحظ تاريخه الّذي نحن على
أبوابه يجد الكثير من ذلك، خصوصاً عند ذكر أحد المعريين ممّن له شأن
ونباهة، بل ربّما يظهر منه لهم التعصب أحياناً، وقد يطغى ذلك الخلق
عليه فيصرّح به كما في حوادث سنة 449 عند ذكر وفاة أبي العلاء المعري،
فقد أطال في ترجمته وذكر ما نقد به الرجل ومن انبرى للدفاع عنه إلى أن
قال: وأنا كنت أتعصب له، لكونه من المعرّة(7).
والّذي دعاني إلى اطالة القول في إثبات معريته
هو ما ورد في بغية الوعاة بطبعتها القديمة والحديثة المحققة بتحقيق
الاُستاذ محمّد أبو الفضل إبراهيم من انّه مصري وكذا في شذرات الذهب،
ولم ينبّه على ذلك بأ نّه خطأ مطبعي لتشابه الكلمتين (المعري)
(المصري)، ولما ورد في روضات الجنّات من انّه (مقري) وفي مكان آخر منها
المصري، لذلك رأيت لزاماً عليَّ ايضاح ذلك للقرّاء رفعاً للايهام
والتشكيك.
أبواه:
أبوه هو مظفّر بن عمر وكان رجلا اُمياً، دلَّ
على ذلك قول ابنه ـ المؤلّف ـ :
قولوا لمن يفخر بالعظم *** الفخر بالعلم وبالحلم
إذا علا قدري عن والدي *** بزعمكم دلّ على عزمي
يا رحمة الرحمن اُمّي وأبي *** فسرني كون أبي
اُمي
هذا وبالصدّيق لي نسبة *** ووصلة تعرف كالنجم(8)
مات أبوه في يوم الجمعة منتصف شهر رمضان المعظّم
سنة 723 بالمعرّة ولم يكن ابنه ـ المؤلّف ـ فيها، فقد ذكر وفاته وقال:
وحكى لي من حضر غسله انّه(رحمه الله)لمّا اُجلس على المغتسل وارتفعت
عنه الأيدي، جلس على المغتسل مستقلا ساعة وفاحت رائحة طيبة ظاهرة
جدّاً، فتواجد الحاضرون وغلبهم البكاء، نسبته إلى أبي بكر الصدّيق من
ولد عبدالرحمن بن أبي بكر... اهـ (9).
وخلّف سبعة أولاد ذكرهم المؤلّف بقوله من قصيدة
طويلة يشكو فيها دهره، وكثرة حساده:
وخلّفنا والدي سبعة *** من الولد مربعهم ممرع
رأى الدهر سبع شموس لنا *** فعاندنا فإذا أربع
وكان توجعهم موجعي *** ولكن فرقتهم أوجع(10)
ولمّا ورد المؤلّف إلى المعرّة بعد وفاة أبيه
ورأى داره فهاجت أشجانه قائلا:
ترى عدواً دعا علينا *** بدعوة صادفت نفاذا
خلت ديار الحبيب منه *** يا ليتني مت قبل
هذا(11)
اُمّه: ذكرها في تاريخه في حوادث سنة 720، قال:
وفيها في ثالث المحرم توفيت والدتي رحمها الله
تعالى وكانت من الصالحات، جدّها وليّ الله الشيخ نصير من رجال شط
الفرات وينتسب إلى اُويس القرني(رضي الله عنه).
ولادته:
لم تذكر كثير من المصادر الّتي ترجم فيها عن
ولادته شيئاً، بل جهلتها حتّى اللجنة المشرفة على إحياء آثار أبي
العلاء المعري، وهي مؤلّفة من كبار الأساتذة والمحققين، كالدكتور طه
حسين والأساتذة مصطفى السقا وعبدالرحيم محمود وعبدالسلام هارون
وإبراهيم الأبياري وحامد عبدالمجيد، فقد ذكرت اللجنة من تعريف القدماء
بأبي العلاء شيئاً من ترجمة المؤلّف ـ ابن الوردي ـ وقالت: ولم نعثر
لابن الوردي على تاريخ لولادته... اهـ .
وهذا من المستغرب منهم جدّاً فإنّ الرجل ذكر
ولادته بنفسه في حوادث سنة 691 من تاريخه ـ هذا ـ قال: قلت: وفيها ـ
691 ـ والملك الأشرف نازل على معرة النعمان متوجهاً إلى قلعة الروم كان
مولدي، واتفق انّ أهل المعرة رفعوا قصصاً إلى السلطان الأشرف يسألونه
ابطال الخمارة بها، فأمر بإبطالها وخربت في تلك الساعة، أحسن الله
العاقبة وختم بخير آمين والله أعلم(12).
دراسته وشيوخه:
لقد بحثت كثيراً عن شيوخه والعلوم الّتي أخذها
عنهم، فلم يحصل لي ما أستعين به في تفصيل ذلك، اللّهمّ إلاّ نتف استفدت
منها بأ نّه:
1 ـ أخذ عن العارف الزاهد عبس ـ بالباء الموحّدة
ـ بن عيسى بن عليّ بن علوان السرحاوي العليمي الدمشقي (ت 25 ج 1 سنة
707 هـ) وكانت إقامته بقرية قريب المعرة يقال لها سرحة وبها مات، وقد
ذكره تلميذه المؤلّف وصرّح بالرواية عنه كما ذكر وفاته في تاريخه.
2 ـ كما ذكرت تلك المصادر انّه تفقه على الشيخ
قاضي القضاة شرف الدين أبي القاسم هبة الله البازي بحماة وحلب، وقد ذكر
المؤلّف في تاريخه وفاته فقال: وفيها سنة ـ 738 ـ في ذي القعدة توفّي
شيخي المحسن إليَّ، ومعلّمي المتفضل عليَّ، قاضي القضاة شرف الدين أبو
القاسم هبة الله... الخ(13).
ثمّ استطرد يترجم شيخه ويطريه ويثني عليه كثيراً
ويذكر مؤلّفاته في كلّ فن بالتفصيل، وقال: وحدّثني رحمه الله تعالى في
ذي القعدة سنة 713(14)، كما ذكر انّه أجازه وأخبره حين أجازه بطريقين
في أخذ الفقه الشافعي، عن العراقيين والخراسانيين، وكلا الفريقين تنتهي
روايته إلى الإمام محمّد بن إدريس الشافعي رأس المذهب(15).
وقد رثاه بقصيدة بعث بها مع كتاب تعزية بوفاته
إلى حفيده القاضي نجم الدين عبدالرحيم بن القاضي شمس الدين إبراهيم بن
قاضي القضاة شرف الدين المذكور جاء فيها:
عجبت لفكرتي سمحت بنظم *** أيسعدني على شيخي
نظام
وأرثيه رثاءً مستقيماً *** ويمكنني القوافي
والكلام
ولو أنصفته لقضيت نحبي *** ففي عنقي له نِعَم
جسام
حشا أُذنيَّ درّاً ساقطته *** عيوني يوم حمّ له
الحمام
ويقول فيها:
أنا تلميذ بيتكم قديماً *** بكم فخري إذا افتخر
الأنام(16)
3 ـ كما أخذ أيضاً عن قاضي القضاة فخر الدين
عثمان بن الخطيب الطائي الشافعي الحلبي الشهير بابن خطيب جبرين (ت في
محرم سنة 739 هـ)، وورد في ديوانه ما يدلّ على سماعه منه جزءاً في
الحديث قال:
قد سمعنا من شيخ جبرين جزءاً *** نبوياً يعدّ في
الألطاف
فهو جزء نرجو به الفوز كلّ *** نتلقاه صافياً عن
صافي(17)
وقد ترجمه في تاريخه وأطراه وأثنى عليه كثيراً
وذكر مؤلّفاته وختم ترجمته بأبيات في رثائه(18).
وقد ذكر في تاريخه وديوانه جماعة وصفهم بالصحبة،
ويقوى في الظن انّهم كانوا صحابة في الدرس، كما يظهر من رثائه لصاحبه
كمال الدين عمر بن ضياء العجمي فقد قال في قصيدة يرثيه وهي في
ديوانه(19):
يا مؤنسي في غربتي ومشاركي *** في العلم أسمعه
وطوراً أسمع
كم قد قطعنا ليلة في وصلنا *** نظر العلوم
لغيرنا لا يقطع(20)
ومنهم الشيخ جمال الدين بن نباتة المصري الشهير،
وعبدالباقي بن عبدالمجيد بن عبدالله النحوي اللغوي الكاتب العروضي
الشاعر المنشي المعروف بالتاج اليماني، وله مع هؤلاء وغيرهم من أقرانه
واُدباء عصره مطارحات شعرية، ومساجلات أدبية، والمتصفح لديوانه يجد من
ذلك كثيراً مع القاضي بدرالدين بن الخشّاب المصري، وكمال الدين بن
الريّان، وشهاب الدين بن فضل الله العمري والأديب المعمّر علاء الدين
بن أبي أيبك الدمشقي وأضرابهم.
وذكر آخرين وعبّر عنهم بالمشيخة وهو لا ينتسب
إلاّ لمن أخذ عنه.
4 ـ فمنهم شهاب الدين أحمد بن جبارة المرداوي
الحنبلي الزاهد الفقيه الاُصولي المقري النحوي قال عنه في تاريخه: أقام
بمصر دهراً وجاور بمكّة، ثمّ قدم دمشق واشتغل الناس عليه بها مدّة، ثمّ
أقام بحلب واشتغلنا عليه ثمّ بالقدس، وكانت وفاة شيخه هذا سنة 728(21).
5 ـ ومنهم صدر الدين محمّد بن الوكيل العثماني،
صرّح بأ نّه شيخه حينما وقع نزاع في بعض المدارس بحلب في الراء من كرام
ـ وهو اسم والد محمّد بن كرام صاحب المقالة في التشبيه (ت 255 هـ) ـ هل
هي مشدّدة أم مخففة قال المؤلّف:
فأنشدت أنا هذين البيتين (وكان شيخنا العلاّمة
صدر الدين محمّد بن الوكيل العثماني ينشد لبعضهم):
الفقه فقه أبي حنيفة وحده *** والدين دين محمّد
بن كرام
إنّ الاُولى في دينهم ما استمسكوا *** بمحمّد بن
كرام غير كرام
فارتفع النزاع وعلموا ان راءه مخففة(22).
ولا يسعني في المقام تحديد دراسته كماً وكيفاً،
إلاّ انّه أشار إلى تفوقه في عدّة علوم بقوله من قصيدة ضمّنها المقامة
المشهدية، وقد أنشأها يخاطب بها قاضي القضاة ابن الزملكاني يستقيل من
منصبه في القضاء، لأنّ بلده الّذي كان به غير مناسب له وذلك قوله:
قد قلت يا فقه فقت المثل فيك فلِمَ *** خصصتني
بمكان ما ارتضاه غبي
وكيف يا نحو نحو الخفض تعطفني *** وقد نصبت قسيّ
الجزم في نصبي
ترى بقولي زيداً ضارب مثلا *** عمراً أردت
تجازيني على كذبي
ويا بديع المعاني والبيان خذي *** غيري فقد
أخذتني حرفة الأدب
وفي هذه القصيدة يطلب من القاضي ابن الزملكاني
الإقامة بحلب، ليكون عنده بحماه، مستزيداً من علومه فيخاطبه بقوله:
فانظر إليَّ وجد عطفاً عليَّ عسى *** رزق يعين
على سكناي في حلب
والبرّ أوسع رزقاً غير انّي في *** قلبي من
العلم والتحصيل والطلب
وفي المدارس لي حقّ فما بنيت *** إلاّ لمثلي في
حجر العلوم ربى
أهل الاعادة والفتوى أنا ومعي *** خطّ الشيوخ
بهذا وامتحن كتبي
فانّ في عمر عدلا ومعرفة *** فكيف يصرف عن هذا
بلا سبب(23)
وإذا رجعنا إلى تاريخ ولادته (691) ولاحظنا
سماعه من شيخه ابن البارزي في سنة 713 فيكون عمره 22 سنة، وإذا قرأنا
في تاريخه حضوره بدمشق سنة 715 واجتماعه بابن تيمية بمسجده بالقصاعين،
وبحثه في الفقه والتفسير والنحو حتّى أعجبه كلامه وقبَّل وجهه(24) كلّ
ذلك ما يوحي بنبوغه في سنّ مبكرة، خصوصاً إذا أضفنا إلى ذلك ما جرى له
في دمشق في هذه السنة قبل أن يشتهر أمره، وكان قد دخلها وهو رثّ الهيئة
رديّ المنظر فحضر إلى مجلس القاضي نجم الدين بن صصرى (ت 723 هـ) من
جملة الشهود، فاستخفت به الشهود وأجلسوه في طرف المسجد، فحضر ذلك اليوم
مبايعة مشترى ملك، فقال بعض الشهود: اعطوا المعري يكتب هذه المبايعة
على سبيل الاستهزاء به، فقال: أكتبه لكم نظماً أو نثراً؟ فتزايد
استهزاؤهم به، فقالوا له: بل اُكتب لنا نظماً، فأخذ ورقة وقلماً وكتب
فيها هذا النظم اللطيف وهو:
باسم إله الخلق هذا ما اشترى *** محمّد بن يونس
بن سنقرى
من مالك بن أحمد بن الأزرق *** كلاهما قد عرفا
من جلّق
فباعه قطعة أرض واقعه *** بكورة الغوطة وهي
جامعه
بشجر مختلف الأجناس *** والأرض في البيع مع
الغراس
وذرع هذي الأرض بالذراع *** عشرون في الطول بلا
نزاع
وذرعها في العرض أيضاً عشره *** وهو ذراع باليد
المعتبره
وحدّها من قبلة ملك التقي *** وحائز الرومي حدّ
المشرق
ومن شمال ملك أولاد عليّ *** والغرب ملك عامر بن
جهبل
وهذه تعرف من قديم *** بأ نّها قطعة بيت الرومي
بيعاً صحيحاً ماضياً شرعياً *** ثمّ شراءاً
قاطعاً مرعيا
بثمن مبلغه من فضّه *** وزانة جيدة مبيضّه
جارية للناس في المعامله *** ألفان منها النصف
ألف كامله
قبضها البايع منه وافيه *** فعادت الذمة منه
خاليه
وسلّم الأرض إلى من اشترى *** فقبض القطعة منه
وجرى
بينهما بالبدن التفرّق *** طوعاً فما لأحد تعلق
ثمّ ضمان الدرك المشهور *** فيه على بائعه
المذكور
وأشهدا عليهما بذاك في *** رابع عشر رمضان
الأشرف
من عام سبعمائة وعشره *** من بعد خمسة تليها
الهجره
والحمد لله وصلّى ربّي *** على النبيّ وآله
والصحب
يشهد بالمضمون من هذا عمر *** ابن المظفّر
المعري إذ حضر
فلمّا فرغ من نظمه ووضع الورقة بين يدي الشهود،
تأمّلوا النظم مع سرعة الإرتجال، فقبّلوا يده واعتذروا له من التقصير
في حقّه، واعترفوا بفضيلته عليهم، ثمّ انّه قال لبعض الشهود: سدّ في
هذه الورقة بخطك، فقال له: يا سيّدي أنا ما أحسن النظم، فقال له: ما
اسمك؟ فقال له: أحمد بن رسول، فكتب عنه وهو يقول:
قد حضر العقد الصحيح أحمد *** ابن رسول وبذاك
يشهد(25)
ولم ينقل مثل ذلك ـ فيما أعلم ـ إلاّ ما ذكر عن
محمّد بن وهيب البديهي الّذي قيل عنه انّه كان إذا جلس ابن أبي عامر في
الأعياد للشعراء وأذن لهم في الإنشاد على مراتبهم جلس ابن وهيب وبدأ
بما يصنعه بديهة فلا تأتيه نوبته حتّى يفرغ من قصيدته ويقوم وينشده وإن
مداده لم يجف.
قال الثعالبي في اليتيمة بعد نقله ذلك: وهذه
مادّة عظيمة... اهـ(26).
وأمّا ما نقل عنه في سرعة البديهة في نظم عقد
نكاح بشروطه وتاريخه وصداقه، فانّه حضر مجلس بعض الفقهاء في عقد نكاح
فقال له الفقيه: لو املكتك عقد هذا النكاح لشاركتنا في الحسنة، فقال
له: نعم كيف تريد ذلك نظماً أو نثراً؟ فاقترحوه نظماً، فقال: هات
كاتباً، فأملى عليه نظماً ذكر الشروط والتاريخ وكلّ ما له علاقة
بالصداق لم يتردد فيه ولا أبطأ كأ نّه يتلوه من حفظه، فبهت القوم وقال
له الفقيه: أمرك والله عجيب كاد لولا المشاهدة ألاّ اُصدّقه، وركب إلى
المنصور بن أبي عامر فأخبره بالمجلس وأراه الشعر فعجب من ذلك وأمر له
بصلة حملت إليه، وكان عدة ما ارتجله ثلاثين بيتاً منها:
لأصدق عبدالله نجل محمّد *** فتى أموياً زوّجه
البكر مريما
وأمهرها عشرين عجّل نصفها *** دنانير يحويها
أبوها مسلما
وأنكحها منه أبوها محمّد *** سلالة إبراهيم من
حي خثعما
وباقي صداق البكر باق إلى مدى *** ثلاثة أعوام
زماناً متمما
مؤخرة عنه يؤدي جميعها *** إذا لم يكن عند
التطلب معدما
ومن شرطها أن لا يكون مرحّلا *** لها أبداً عن
دارها أين تيمما
وأن لا يُرى حتماً بشيء يضرها *** بصرف فيه
الدهر كنا ولا فما(27)
والبديهي المذكور هو غير أبي الحسن البديهي،
فانّ أبا الحسن اسمه أحمد بن عبيدالله وهو أيضاً شاعر ذكره الصفدي في
الوافي بالوفيات(28) ونقل عن التنوخي في نشوار المحاضرة له قوله:
اُنظر إلى التاريخ في أغصانه *** نزهاً لأعيننا
وعطراً في اليد
ككباب نار في قباب زبرجد *** متوقداً بالطيب أيّ
توقد
ورق كاذان الجياد قدودها *** قد أثقلت بقلائد من
عسجد
توليه القضاء
واعتزاله له:
كان أمر تعيين القضاة في الولايات التابعة لحلب
وقراها وأريافها يصدر من قاضي القضاة الّذي كان يقيم بحلب، كما كان
تعيين قاضي قضاة جديد يلحق أخيراً ببعض قضاة النواحي، كما يكون عكس ذلك
بالنسبة إلى آخرين، والّذي يبدو ان المؤلّف ـ ابن الوردي ـ كان من
الفريق الثاني في غالب أيّامه الّتي شغل بها منصة القضاء، والّذي يقرأ
شعره يجده كثير البرم، شديد السأم، دائم الشكوى من زمانه، كثير العتب
على قضاته، إذ لم يلحقوه بأخدانه، ولم يساووه بأقرانه، بل يقرأ فيه
انّهم لم ينصفوه إذ قدّموا عليه من هو دونه علماً وتقوى.
وهذه الظاهرة يلمسها القارئ في ديوانه بوضوح،
أمّا لو أراد تحديد تاريخها ومعرفة مبدئها، ربّما لا يتسنى له ذلك
خصوصاً وان كثيراً من مؤرّخيه لم يولوها عناية تامة، ولكني نتيجة البحث
والتتبع أستطيع أن اُحدد زمانها بما بعد سنة 724 هـ وهي أوّل سني ولاية
قاضي القضاة ابن الزملكاني.
فان ابن حجر ذكر في الدرر الكامنة انّه ـ ابن
الوردي ـ كان ينوب في الحكم في كثير من معاملات حلب، وولي قضاء منبج
فتسخطها وعاتب ابن الزملكاني بقصيدة مشهورة على ذلك، ورام العود إلى
نيابة الحكم بحلب فتعذر اهـ (29).
وإذا رجعنا إلى تاريخ قضاة حلب في أيّام ابن
الوردي نجد اسمه يلمع أيّام ابن الزملكاني، وهذا تولى قضاوة القضاة في
سنة 724 وانتهت بموته سنة 727 وليس معنى ذلك انّه هو الّذي عيّنه في
القضاء، بل في أيّامه ظهر اسمه كقاض في البر ساخط ممّا مني به، وانّ
شعره طافح بالعتبى على زمانه، كما تظهر فيه محاولاته العديدة في التشبث
بالعودة إلى نيابة الحكم بحلب، فساوموه بالعودة إن أعطى على ذلك الذهب
كما اعترف به في شعره بقوله:
قيل لي زن الذهب *** وتولّى قضاء حلب
قلت هم يحرقونني *** وأنا أشتري الحطب؟!
ومهما يكن نصيب هذه الرواية من الصحة، فانّه بقي
على حاله يحاول كثيراً في كسب عطف ابن الزملكاني يتحين الفرص في
مراسلاته، وله في ذلك قصائد وأشعار وفي جميعها باء بالفشل، فلم يستجب
له ابن الزملكاني، وإذا استجاب له فانّما استجاب بنقله من مكان يتسخطه
إلى آخر مثله، فممّا جاء في قصيدة أرسلها ابن الوردي إلى ابن الزملكاني
يصف له مجيء رسوله يبلغه بصرفه عن مكانه إلى مكان آخر، قوله:
قال انصرف قلت انصرافي على *** مذهب أهل النحو
لن يجملا
فالعدل والتعريف عندي ولي *** منزلة في النحو لن
تجهلا
قال أضفناك إلى منصب *** آخر فالصرف أرى أمثلا
ولعلّ فيما كتبه ابن الوردي إلى ابن الزملكاني ـ
بعد 24 ج 1 سنة 727 وذلك حين انتزع ابن الزملكاني كنيسة يهودية في حلب،
وجعلها مدرسة وبنى بها جامعاً ومئذنة ـ خير دليل على عتبه وسأمه،
وشكواه وبرمه، فقد أرسل إليه قصيدة يهنئه بتلك الخطوة المباركة ويمدحه
كثيراً وضمّنها شكواه، وبثه فيها حزنه وجواه، قائلا:
وما لي أرى الحكّام غيرك إن رأوا *** ذكياً
فأوفى حظه منهم الهجر
يولونه في البر قصد خموله *** فيصبح ميتاً
والضياع له قبر
ومثلك لا يرضى لمثلي بالقرى *** وفي النفس حاجات
وفي سيّدي خبر
فدونكها وردية عربية *** سليلة بكري لها ودكم
مهر
ولو انّني لم انتسب ما خفى على *** ذكي بأنّ
الدر معدنه البحر
أمّا المقامة المشهدية الّتي ألحقها بقصيدة
طويلة فهي سجل حافل بأوضاع زمانه، وظلمه دون أقرانه، نقتطف من القصيدة
أبياته التالية، فهي في تصوير حالته كافية، قال يخاطب ابن الزملكاني
ويستقيل فيها من منصبه إن لم ترع حقوقه:
ياكامل الفضل جم البذل وافره *** جوداً مديد
القوافي غير مقتضب
انّي احب مقامي في حماك ومن *** يكن ببابك يا ذا
الفضل لم يخب
فليتني مثل بعض الخاملين ولا *** تكون تولية
الأحكام من سببي
فالحكم متعبة للقلب، مغضبة *** للربّ، مجلية
للذنب فاجتنب
وإن تكن رتبتي في البر عالية *** فالكون عندك لي
أعلا من الرتب
فانظر إليَّ وجد عطفاً عليَّ عسى *** رزق يعين
على سكناي في حلب
والبر أوسع رزقاً غير انّي في *** قلبي من العلم
والتحصيل والطلب
وفي المدارس لي حقّ فما بنيت *** إلاّ لمثلي في
حجر العلوم ربي
أهل الاعادة والفتوى أنا ومعي *** خط الشيوخ
بهذا وامتحن كتبي
فان في عمر عدلا ومعرفة *** فكيف يصرف عن هذا
بلا سبب
قالوا فلِمَ تطلب العزل الّذي هربت *** منه
القضاة قديماً غاية الهرب
فقلت نحن قضاة البر مهملة *** أقدارنا فهي
كالأوقاص في النصب
من كان منّا جرياً أكرموه وولو *** ه المناصب
بالخطبات والخطب
ومتقي الله منّا مهمل حرج *** مروّع القلب محمول
على الكرب
لا يعرفون له قدراً وعفته *** يخشون اعداءها
للناس كالجرب
إن دام هذا وحاشاه يدوم بنا *** فارقت زيي إلى
ما ليس يجمل بي
يا سيّدي يا كمال الدين خذ بيدي *** من القضاء
فما لي فيه من إرب
البر يصلح للشيخ الكبير ومن *** رمى سهاماً إلى
العليا فلم يصب
أما والّذي عُرفت بالفهم فطرته *** فانّه في
مقام البرّ لم يطب
ومات ابن الزملكاني سنة 727 وابن الوردي على
حاله، فعيّن فخرالدين بن البارزي الشافعي الحموي لتولية قضاء القضاة،
وكان هذا شيخ ابن الوردي وعليه تفقّه فعيّنه قاضياً في شيزر، حدّث ابن
الوردي في تاريخه عن تعيينه ذلك:
كان ـ قاضي القضاة ابن البارزي ـ ولاّني الحكم
بشيزر، فلمّا دخلتها صرعتني بزفرة هوائها، وأرسلت إليَّ الوخم على فترة
من مائها، وزارتني الحمى غبّاً، حتّى ازددت للموت حباً، فكتبت إليه
عاتباً عليه:
أيا باعثي اقضي بشيزر ما الّذي *** أردت قضا
أشغالهم أم قضا نحبي
حكيت بها الناعور حالا لأ نّني *** بكيت على
جسمي ودرت على قلبي
وكتبت إلى ابنه كمال الدين محمّد:
قيل لي شيزر نار *** وبها القاضي مخلّد
قلت لا أمكث فيها *** أنا من حزب محمّد
فلمّا وقف على ذلك أعفاني منها... اهـ(30).
ولم يذكر هو ولا غيره انّه اُعيد إلى حلب، بل
يظهر انّه لم يزل في القضاء بالبر طيلة أيّام ابن البارزي، ولمّا مات
سنة 730 تولى المنصب بعده شمس الدين محمّد الشهير بابن النقيب الشافعي،
وفي أيّام هذا لم يزل ابن الوردي على حاله، مستعتباً الزمان برجاله،
وإن ذكر ابن العماد الحنبلي في الشذرات(31) انّه ناب في الحكم بحلب في
شبيبته عن الشيخ شمس الدين ابن النقيب، إلاّ انّ ما ذكره لا يتم لكونه
أيّام ابن النقيب لم يكن شاباً فانّ عمره يومئذ في حدود الأربعين إن لم
يزد عليها، فانّ ابن النقيب تولّى سنة 730 وعزل سنة 737 وولادة ابن
الوردي سنة 691 كما مرّ فلاحظ.
وإذا تم ما قاله من انّه تولى نيابة الحكم بحلب
في شبيبته لكن ليس عن ابن النقيب وإنّما عن ابن الزملكاني الآنف الذكر
أو عن الّذي قبله وهو زين الدين أبو محمّد عبدالله بن محمّد الأنصاري
الخزرجي الشافعي، واستمر في القضاء ثلاثاً وعشرين سنة حتّى توفي سنة
724 هـ وزماناهما مناسب لأيّام شبيبة ابن الوردي فلاحظ.
قال ابن الخطيب في الدرر المنتخب: انّه ولي
القضاة بعدّة بلاد متفرقة من أعمال حلب ثمّ سكن بها واستوطنها إلى أن
مات(32).
ومن هذا النص يظهر انّه لم يزل ينقل بين أعمال
حلب قاضياً في البر إلى ان سكن حلب، وسكناه في حلب إنّما كانت بعد
استعفائه من القضاء، وذلك في عهد تولي شيخه ابن خطيب جبرين قضاوة
القضاة بعد عزل ابن النقيب الآنف الذكر وذلك في سنة 737.
قال في تاريخه: وفيها ـ 737 ـ في جمادى الآخرة
وصل البريد إلى حلب بعزل القاضي شمس الدين محمّد بن بدرالدين أبي بكر
بن إبراهيم ابن النقيب عن القضاء بالمملكة الحلبية، وبتولية شيخنا قاضي
القضاة فخر الدين أبي عمرو عثمان ابن خطيب جبرين مكانه، ولبس الخلعة
وحكم من ساعته، واستعفيته من مباشرة الحكم بالبر في الحال فأعفاني،
وكذلك أخي بعد مدّة فأنشدته ارتجالا:
جنبتني وأخي تكاليف القضا *** وكفيتنا مرضين
مختلفين
يا حي عالمنا لقد أنصفتنا *** فلك التصرف في دم
الأخوين(33)
وكان أخوه القاضي يوسف قاضياً بسرمين، وعزم في
آن ما على الرحلة إلى الشام، فكتب إليه المؤلّف قصيدة ينهاه عن الرحلة
جاء فيها قوله:
وانّك إن رحلت رحلتُ لكن *** نخلف أهلنا مثل
اليتامى
كفانا فقد اخوتنا ابتدءاً *** فلا تجعل تشتتنا
الختاما
أبالإسكندر الملك اقتدينا *** فليس نطيل في أرض
مقاما(34)
وباعفائه من منصبه يبدأ مرحلة جديدة في حياته،
فينصرف إلى بث العلم وتدريسه، وقد عوتب على تركه وظيفة القضاء فكان
يجيب معاتبيه بقوله:
قالوا زهدت عن الحكم *** قلت من حسن بختي
قد كنت قاضي وقتي *** فصرت سلطان وقتي(35)
وبقوله:
خلعت ثوب القضاء طوعاً *** هذا وما كنت بالظلوم
إن زال جاه القضاء عني *** يكفيني الجاه
بالعلوم(36)
وله في نحو ذلك شعر كثير.
آثاره:
والحديث عنها يقتضي البحث عن مدرسته، وإجازاته،
ومؤلّفاته، وشعره.
أمّا مدرسته: فقد أسس مدرسة للشافعية في المعرة
بلدته الاُولى ومسقط رأسه، البلدة الّتي قضى فيها أيّام صباه، وبها
خلّف اُمّه وأباه، ورحل في طلب العلم عنها وقلبه لا زال يحن إليها،
ولعلّ قصيدته الّتي سبق ذكر أبيات منها في (بلده) تدلّ على شوقه وحنينه
سوى ما له من أشعار تدلّ على ذلك، وفي قصيدته الضادية أبلغ وصف لها فهو
يذكر عيون مائها وطيب هوائها وحسن رباها متشوقاً إليها بعد فراقه لها،
فقد جاء فيها قوله:
رعى الله عيشاً بالمعرة لي مضى *** حكاه ابتسام
البرق إذ هو لي أومضا
وعصر شباب في سباب قطعته *** وفي أرض حندوتين في
ذلك الفضا
إلى أن يقول:
فما المنحني ما البان ما السفح ما النقا *** وما
رامة عند المعرة ما الغضا
ولي خبر في طيبها فهو مبتدا *** ومرفوعها ما كان
عندي ليخفضا
فما بنيت بين الفرات وجلّق *** سدىً إنّما هذا
لسر قد اقتضى
منازل كانت مرتعي زمن الصبا *** فأبعدني المقدور
عنها وأنهضا
فللّه هاتيك الربى وسفوحها *** ولله عمر في
سواها لي انقضى
وما عن رضى كانت سواها بديلة *** لها غير انّ
الدهر ما زال مدحضا
قضاها لغيري وابتلاني بحبها *** فحمداً له فيما
ابتلاني وما قضى(37)
وأكبر الظن انّ الباعث له على تأسيس مدرسته في
المعرة وهو لم يكن ساكناً بها بل كان يقيم بحلب هو حبّه لبلدته، فأراد
أن يأخذ بضبعها عالياً ويخدم أبناءها ممّن لا يسعدهم الحال ولا المال
في الهجرة في طلب العلم، فأسس لهم مدرسة تفي بحاجتهم، إذ سبق أن مرّ
بمرحلة الإغتراب القاسية في سبيل طلب العلم، ولا أظن به وهو الفذ في
ذهنيته خطر له غير ذلك، ولولا ذلك لكان تأسيسها في حلب تحت رعايته
وعنايته أولى به.
ومهما يكن الوجه الباعث له على ذلك فقد بنى
مدرسته في المعرة وبنى جامعها على مثال الجامع الأعظم في حلب.
وقد نزل بها القاضي شهاب الدين أحمد بن فضل الله
العمري عندما دخل المعرة، ففرح بها وأنشد بيتين أرسلهما بخطّه إلى
مؤسسها وكان صاحبه وهما:
وفي بلد المعرة دار علم *** بنى الوردي منها كلّ
مجد
هي الوردية الحلواء حسناً *** وماء البئر منها
ماء ورد
فأجابه المؤلّف بقوله:
أمولانا شهاب الدين إنّي *** حمدت الله إذ بك تم
مجدي
جميع الناس عندكم نزول *** وأنت جبرتني ونزلت
عندي(38)
قال الجندي في تاريخ المعرة: وقد هدمتها الزلازل
والإهمال ولم يبق منها إلاّ بعض جدرانها وكان المقامرون يجلسون فيها،
وكذلك شرّاب الخمر والحشّاشون إلى أن قيّض الله لها رجلا من أهل المعرة
يقال له مصطفى البلاّني، فرممها نحو سنة 1315 هـ تقريباً، وهي واقعة في
الشرق الشمالي من المعرة مسامتة لمقام الشيخ حمدان تقريباً، وطول
الباقي من هذه المدرسة عشرة أمتار، وعرضها سبعة، وليس في شرقيها بناء
في عهدنا هذا، ولا في جنوبها سوى الخان ودار الحكومة الّتي بنيت
حديثاً(39).
إجازاته:
ورد في ديوانه نماذج كثيرة من إجازاته لجماعة من
أعلام عصره، يجيزهم بمؤلّفاته ومؤلّفات غيره في الفقه والنحو والمعاني
والبيان.
وتختلف تلك الإجازات في أساليبها فبعضها بقراءة
المجاز الكتاب عليه، وبعضها بسماعه قراءة غيره، وبعضها بدون قراءة إمّا
بمناولة أو بمراسلة، ولولا خوف الاطالة لذكرت تفصيل ذلك، ولكنّي اُحيل
القارئ على مراجعة ديوانه، فإنّه يجد:
في ص 150: إجازته وقد عرض عليه كتاب الكافية في
النحو، واُخرى ببهجة الحاوي من تصنيفه.
وفي ص 151: إجازته لمحمّد بن الحسن الحنفي وقد
عرض عليه كتاب البداية واُخرى لعلاء الدين، وقد عرض عليه قراءة كتاب
التنبيه لأبي إسحاق الشيرازي الشافعي.
وفي ص 154: إجازته لضياء الدين سليمان العجمي
بنظم الحاوي في الفقه من تصانيفه.
وفي ص 157: إجازته لابن شجرة بكتاب الجمل
لعبدالقاهر الجرجاني، وخلاصة ألفية ابن مالك المسمّاة التحفة الوردية
من تصانيفه.
وفي ص 161: إجازته للصلاح الصفدي وستأتي صورتها
فانّها إجازة بجملة مصنّفاته ومرويّاته.
وفي ص 171: إجازته لأبي بكر تقي الدين وقد قرأ
عليه كتاب بهجة الحاوي من تصانيفه.
وفي ص 172: إجازته لتاج الدين بن صدقة.
وفي ص 174: إجازته لعليّ بن العطّار وقد عرض
عليه التنبيه للشيرازي واُخرى للكمال وقد عرض عليه التحفة.
وفي ص 175: إجازته لمحمّد بن عمر بن عليّ اليمني
بكتاب البهجة في نظم الحاوي من تصانيفه، واُخرى للقاضي نور الدين
الفيومي وهو أبو المحاسن يوسف الخزرجي الشافعي بجملة من مؤلّفاته، وقد
ضمنها بمقطوعة شعرية في مدحه تاريخها في ربيع الآخر سنة 743.
وإلى القارئ نموذجاً من إجازاته، وذلك ما كتبه
إلى الصلاح الصفدي وقد طلب منه مستجيزاً، قال الصلاح في أعيان العصر
(نسخة مصوّرة بالميكروفلم بمكتبة الإمام أميرالمؤمنين(عليه السلام)
العامة في النجف): وكنت قد كتبت إليه من دمشق في جمادى الآخرة سنة
أربعين وسبعمئة:
سلام على الحضرة العاليه *** سلام امرئ نفسه
عانيه
لأنّ لها رتبة في العلى *** ذوائبها في السما
ساميه
ويونس من قد غدا يجتني *** قطوف مسرّاتها دانيه
أيا عمر الوقت أنت الّذي *** كراماته في الورى
ساريه
ويا بحر علم طمى لجة *** فكم جاءنا عنه من راويه
ويا فاضلا أصبحت روضة الـ *** ـعلوم بتحقيقه
زاهيه
لك الخط كم فيه من نقطة *** لها الخط بالقلب في
زاويه
تقدمت في النظم من قد مضى *** لأ نّك في الذروة
العاليه
ورخّصت أسعار أشعارهم *** كأن مدادك من غاليه
وكم من قصيد إذا حكتها *** تكون القلوب لها
قافيه
ونظمت في مذهب الشافعي *** كتاباً غدا حاوياً
حاويه
وزدت مسائله جملة *** بتحقيق مذهبه وافيه
فمالك من مشبه في الورى *** ويا حسن ما هاهنا
نافيه
لئن كنت أرسلتُ هذا القريض *** فللبحر قد سقته
ساقيه
وإلاّ فأهديت نحو الريا *** ض وقد أينعت زهرة
ذاويه
وسترك إن لم أكن حاضراً *** يغطي مساويه الباديه
فلا زالت في نعمة وفرها *** تساق له جملة باقيه
يقبّل الأرض ويسأل الله أن يمنّ عليه بجمع شمله،
ويقرب اللقاء فإن التمني قد أطال المدّة في وضع حمله، وأن يريد ذلك
الشخص الّذي يروق البدور السيارة ويروع الأسود الزآرة، وأن يرزقه
اجتلاء ذلك الروض الّذي يجني بسمعه أزهاره، الّتي تسلب النظارة
بالنضارة، وأن يورده على ظمأ المبرح تلك الفضائل الّتي أبحرها زخارة
أمواجها هدارة، وأن ينزله المحل الّذي يخرج منه ومعه بكارة المعاني
الّتي يبرز منها بكارة بعد بكارة، وأن يمتّع طرفه بذلك البدر الّتي ـ
كذا ـ يأخذ من فوائده الكواكب السيّارة، وأن يطلع عليه شمس فوائده
الّتي تشرق الطلبة في الهالة والداره.
لعل الله يجعله اجتماعاً *** يعين على الإقامة
في ذراكا
وينهي انّه لمّا كان في الديار المصرية حضر من
حلب المحروسة شمس الدين محمّد بن عليّ بن أيبك السروجي، وأنشد المملوك
تضمين أعجاز ملحة الإعراب لمولانا أدام الله فوائده فأخذ من المملوك
بمجامع قلبه، ودخل على لبه بهمزة سلبه، وعلم به القدرة على التصرف في
الكلام، وتحقق أن نظم غيره إذا سمع قوبل بالملال والملام، وقال في ذلك
الوقت عندما حصل له في كلام مولانا: المقدّ وفي كلام غيره: المقت:
يا سائلا عمّن غدا فضله *** مشتهراً في القرب
والبعد
الناس زهر في الورى نابت *** وماترى أذكى من
الوردي
وكان المملوك قد علقها، وأدخلها البوّاب حاصله
وأغلقها، فأغلاقها أيدي الضياع، وعدم أنسى حسنها المحقق من بين الرقاع.
ثمّ انّي سألته أن يجيزني رواية ما يجوز له
تسميعه، فكتب الجواب ومن خطّه نقلت:
كتب إليَّ فلان أمد الله تعالى في جاهه، وجمّل
النوع الإنساني بحياة أشباهه، يستجيز منّي رواية مصنفاتي ومروياتي
ومؤلّفاتي، فغديته سائلا وأجبته قائلا:
أمّا بعد حمد الله جابر الكسير، والصلاة على
نبيّه محمّد البشير النذير، وعلى آله الّذين أعربت أفعالهم فسكن حب
أسمائهم في مسكن الضمير، فانّي ألقي إليَّ كتاب كريم يشتمل بعد بسم
الله الرحمن الرحيم على نظم فائق بهي، ونثر رايق شهي، غرس لي اُصوله
بفضله خليل جليل، فامتد عليَّ من فروعه ظل ظليل، فرأيته فانتصبت له
قايماً على الحال، وتميزت به على غيري فطبت نفساً بعد الاعتلال،
وابتهلت بالدعاء لهديه مخلصاً، ولكن أسأت الأدب إذ وازنت جوهر نظمه
بالحصى، حيث قلت:
سلام على نفسك الزاكيه *** وشكراً لهمتك العاليه
أزهراً أم الزهر أهديتها *** لعبد مدامعه جاريه
كتاب يفوح شذا نشره *** فلي منه رايحة جائيه
وسعد معاديه على مركـ *** ـز السعادة يلجى إلى
زاويه
إذا حمل الجدي في نطحه *** ففاس إلى رأسه دانيه
وقابلني حين قبلته *** من الطيب ما أرخص الغاليه
وفكهني في جنا غرسه *** ولا سيّما بيت ما
النافيه
تردد عيني به لا سدى *** ولكنّها تطلب العافيه
فمهديه أفديه من سيّد *** أياديه رائقة راقيه
لعلّ الخليل يداني به *** ليجعلها كلمة باقيه
فيا جابراً دم معاداً فكم *** بعثت لمحلى من
ساريه
لأقلامك الرُفع تبنى بها *** على الفتح أفعالها
الماضيه
ولو لم يكن قد سبا نورها *** لما حمل الخادم
الغاشيه
وإن أهلك الناس جهل بهم *** فأنت من الفرقة
الناجيه
فكم باب نصر تبوأته *** فأذهاننا منه كالجابيه
رضى بك عن دهره ساخط *** فلا زلت في عيشة راضيه
وإنّي لفي خجل منك إذ *** أجبتك في الوزن
والقافيه
فعفواً وصفحاً ولا تنتقد *** ويا بحر مالك
والساقيه
ليهنك أ نّك عين الزما *** ن فليت على عينه
الواقيه
ولمّا انتهيت إلى إجازته الّتي انتظمت في سلوك
الحسن بحسن السلوك، واستعظمت فلولا حسن الظن لأوهمت تهكم المالك
بالمملوك، أحجمت عن إجازة من شمر في العقل والنقل لتحقيق القديم
والحديث، وتبحر في اعراب الاغراب حتّى كأنّ النحاة إيّاه عنوا بمسألة
سيرك السير الحثيث.
وقلت ماذا أصف وبأي عبارة انتصف، في إجازة من
إذا كتب طرز بالليل رداء نهاره، وإذا نثر فالأنجم الزهر بعض نثاره،
وإذا نظم لم يقنع من الدر إلاّ بكباره، ولم يرض من المعاني إلاّ بدقيق
من بين حجريه الثمين بل أحجاره، ان أعرب فويه على سيبويه، وان نحا فهو
الخليل غير مكذوب عليه، يأتي بما يفتر عنه المبرّد، ويشق له الكسائي
كساه وتجرّد، ويقول الزجاجي أيّها الشاب لقد أخجلت جواهرك صرحي الممرد،
وينادي ابن أبي الحديد سطا على لسانك المبرّد، ويستخدم ملك النحاة في
جنده، ويرفرف ابن عصفور عليه بجناحيه ويحلف انّه الخليفة من بعده،
بتعمق يرهف حروف الحروف، وينصف حتّى لا يعدو ثعلب ولا أكبر منه على ابن
خروف، ويصدق حتّى لا يقال ضرب زيد عمرواً، ويعدل لا يشتم خالد بكراً،
مع بساتين فنون اُخر تهتز بنسمات السحر عذبات أفنانها، ويقول حاسدها آه
فيشبه ألفه في العظم قدود نخلها وهاؤه ثمر رمانها.
ثمّ فكرت انّ كتابه الشريف آمنني النوب وخصني
بالنوبة الجليلة من بين بيَن النِوب، وكفاني مواتية العكس والطرد،
وأولاني مناسبة الغرس للورد فترددت هل أفعل أو لا، ثمّ ظهر لي ان
امتثال المرسوم أولى، وجسرني على ذلك مرسوم شيخ الأدب ورحلته، وركنه
الأعظم وقبلته، شيخنا الفذ جمال الدين بن نباتة فسح الله في مدّته
وأبقى حياته، الّذي إن نثر جعل اللجين أبريزاً بحسن السبك، وإن نظم قال
نظمه لقرينيه الحسن والقبول قفا نضحك من قفا نبك، لا جرم انا من بحره
الحلو نغترف، وبالتقاط جواهره الّتي زان بها مفارق البلاغة نعترف،
فأطعت إذاً أمره، طالباً صفحه وستره، وقلت لقد بدأتني أعزك الله بما
كنت أنا به أحرى، وكلفتني شططا فتلوت: (سَتَجِدُنِي إنْ شَاءَ اللّهُ
صَابِراً وَلا أعْصِي لَكَ أمْراً)(40).
وها قد أجزت لك متطفلا عليك، وأذنت لك متوسلا
إليك، ان تروي عني ما تجوز لي روايته وإسماعه، ليتصل بك فيما اتصل بك
ما آمن انقطاعه، من منقول ومقول، وفروع واُصول، ونثر ونظم، وأدب وعلم،
وشرح وتأليف، وبسط وتصنيف، بشرطه المضبوط وضبطه المشروط.
أمّا مصنّفاتي الشاهدة عليَّ بقصور الباع،
ومؤلّفاتي المشيرة إليَّ بقلة الاطلاع فمنها في الفقه: البهجة الوردية
في نظم الحاوي، وفوائد فقهية منظومة.
ومنها في النحو: شرح ألفية ابن مالك، وضوء
الدرّة على ألفية ابن معط، وقصيدة اللباب في علم الاعراب، وشرحها،
واختصار ملحة الاعراب نظماً، وتذكرة الغريب نظماً وشرحاً.
ومنها في الفرايض: الوسائل المهذبة في المسائل
الملقبة.
ومنها في الشعر والأدب: أبكار الأفكار.
ومنها في غير ذلك: المختصر في أخبار البشر
اختصار تاريخ (صاحب ظ) حماه والذيل عليه والتتمات في أثنائه، وارجوزة
في تعبير المنامات نظماً خمسمائة بيت، وارجوزة في خواص الأحجار
والجواهر، ومنطق الطير نظماً ونثراً فيه نوع أدب تصوفي، وما لا يحضرني
الآن ذكره، وكان الأولى ستره، أجزت لك أيدك الله رواية الجميع عني
بافضالك، ورواية ما اُدونه وأجمعه من ذلك، حسبما اقترحه خاطرك العزيز،
واستوجبت به مدحي فأنا المادح وأنا المجيز.
قاله وكتبه عمر بن المظفّر في العشر الاُول من
شعبان سنة أربعين وسبعمائة...اهـ.
مؤلّفاته:
لقد مرّ علينا في الإجازة الآنفة الذكر أسماء
أربعة عشر مصنفاً، وله غير ذلك ممّا لم يذكره وذكرته كتب التراجم
ونسبته إليه المعاجم، وإلى القارئ بياناً مفصّلا مع الإشارة إلى ما طبع
منها وما لم يطبع مرتبة على الحروف:
1 ـ ابكار الأفكار في مشكل الأخبار: كذا أسماه
إسماعيل باشا في ايضاح المكنون وقد سبق في الاجازة انّه في الشعر
والأدب.
2 ـ أحوال القيامة: مستخلص من كتابه خريدة
العجائب الآتي ذكره، طبع باعتناء المستشرق سيغفرد فربناند ـ برسلاو سنة
1853 م.
3 ـ بهجة الحاوي أو البهجة الوردية: نظم فيها
الحاوي الصغير للشيخ نجم الدين عبدالغفار القزويني في خمسة آلاف بيت،
وقال ابن حجر: انّها في خمسة آلاف بيت وثلاث وستين بيتاً، أتى على
الحاوي الصغير بغالب ألفاظه، وأقسم بالله لم ينظم أحد بعده في الفقه
إلاّ وقصر دونه (اهـ) أوّلها:
قال الفقير عمر بن الوردي *** الحمد لله أتم
الحمد
فرغ من نظمها سنة 730 هـ، طبعت وبهامشها التيسير
نظم متن التحرير ونظم متن أبي شجاع للعمريطي (فقه شافعي) بمطبعة أبي
زيد طبع حجر سنة 1311 هـ في 236 صفحة، وقد ذكر كاتب چلبي للبهجة
الوردية عدة شروح(41).
4 ـ تتمة المختصر في أخبار البشر: ويعرف بتاريخ
ابن الوردي، وهو هذا الكتاب وسنعود إلى الحديث عنه بعد هذا.
5 ـ تحرير الخصاصة في تيسير الخلاصة في حل
الألفية نثراً: ذكره الطباخ في أعلام النبلاء.
6 ـ التحفة الوردية وسمّاها كاتب چلبي بالنفحة
الوردية: أرجوزة في النحو عدد أبياتها مائة وخمسون بيتاً أوّلها:
لله شكري أبداً وحمدي *** مصلياً على النبيّ
العربي
طبعت باعتناء ألبخيت ومعها شروح باللاتينية في
برسلاو سنة 1891 م في 44 صفحة وقد شرحها الناظم شرحاً مزجاً، كما شرحها
عبدالشكور(42).
7 ـ تذكرة الغريب في النحو: منظومة أيضاً، وقد
شرحها بنفسه، ذكرها كاتب چلبي في كشف الظنون.
8 ـ خريدة العجائب وفريدة الغرائب: وهو مجلد
أوّله في ذكر الأقاليم والبلدان والباقي في أحوال المعادن والنبات
والحيوان، وقد نقده كاتب چلبي في كشف الظنون(43) فراجع وذكر انّه ترجم
إلى التركية ترجمه بعض الأروام بالتماس عثمان بن اسكندر باشا، وقد طبعت
الخريدة باعتناء المستشرق هيلاندر مع ترجمة لاتينية في لوند (اسوج) سنة
1824 م باسم ذكر البلدان والأقطار من خريدة العجائب، كما طبع منها
الخمسة الأقسام الاُولى مع ترجمة لاتينية باعتناء ترنبرغ في جزءين في
أوبسلا 9 / 1835 م، وطبعت على الحجر بمصر سنة 1298 وعلى الحروف مكرراً
بمصر.
9 ـ الدراري السارية في مائة جارية: رسالة في
مائة مقطوع لطيفة، ذكرها الصفدي في أعيان العصر باسم الكواكب السارية
وقال عنها: كتبته جميعه بخطي أيضاً وهو في الجزء الثالث والثلاثين من
التذكرة.
10 ـ ديوان شعره: وقد طبع بالجوائب ضمن مجموعة
أوّلها قصيدة الشنفرى وهي لامية العرب وشرحها، ويبدأ الديوان من ص 131
وقد ذكر في أوّله بعض مقاماته كالمقامة الصوفية والمقامة الانطاكية
والمقامة المنجية والمقامة المشهدية وجملة من إجازاته، وبعض رسائله
المختصرة كرسالة السيف والقلم، وصفو الرحيق في وصف الحريق، ورسالة
النبا في الوبا وهي آخر تآليفه، وكلّها تعد من النثر الأدبي، وإن
تخللها شواهد شعرية. ثمّ بعد ذلك ذكر شعره ومطارحاته مع اُدباء عصره
كابن نباتة المصري وابن الخشّاب المصري وابن الريّان وشهاب الدين ابن
فضل الله العمري وابن الضياء العجمي وابن أيبك الدمشقي وغيرهم. طبع
بالجوائب في القسطنطينية سنة 1300 هـ.
11 ـ الرسائل المهذبة في المسائل الملقبة: في
الفرايض ذكره في إجازته للصلاح الصفدي.
12 ـ رسالة السيف والقلم: قال الصفدي: وكتب
أيضاً بخطّه مفاخرة له نثراً بين السيف والقلم وجوّدها... وهي في الجزء
الثامن عشر من التذكرة لي، وقد مرّ انّها طبعت ضمن ديوانه من صفحة 158
فما بعدها.
13 ـ صفو الرحيق في وصف الحريق: ذكره إسماعيل
باشا في هدية العارفين(44) وسبق أن ذكرنا طبعه ضمن ديوانه، يجده القارئ
في صفحة 167 فما بعدها.
14 ـ ضوء درة الأحلام في تعبير المنام: وهو
المعروف بألفية ابن الوردي أو الألفية الوردية أوّلها:
قال الفقيه عمر بن الوردي *** الحمد لله المعين
المبدي
وختمها بباب مرتب على الحروف، طبع ببولاق سنة
1285 هـ وبمطبعة شرف سنة 1303 هـ ، وأيضاً ملحقاً به منظومة الفراسة في
القيافة لفاضل بك بمصر سنة 1326 هـ في 64 صفحة.
15 ـ ضوء الدرة في شرح ألفية ابن معطي في النحو:
ذكره في إجازته للصلاح الصفدي.
16 ـ الكلام على مائة غلام: ذكره في إجازته
للصلاح.
17 ـ اللباب في علم الاعراب: منظومة وقد شرحها
بنفسه، ذكرها في إجازته للصلاح.
18 ـ مختصر ملحة الاعراب: ذكره في إجازته
للصلاح، اختصر فيها ملحة الاعراب لأبي محمّد القاسم الحريري (ت 516
هـ).
19 ـ مختصر لمحة الاعراب: اختصر فيها اللمحة في
النحو لأبي حيّان الأندلسي (ت 745 هـ) ذكره كاتب جلبي في كشف الظنون
وإسماعيل باشا(45)وسمّاها اللمعة.
20 ـ المقامات الوردية: طبعت ضمن مجموعة ديوانه
من ص 132 فما بعدها.
21 ـ الملقبات الوردية: منظومة في الفرائض،
ذكرها إسماعيل باشا(46) وذكر انّ الشيخ عبدالله بن بهاء الدين الشنشوري
الشافعي (ت 999 هـ) قد شرحها وسمّى شرحه الفوائد المرضية.
22 ـ منطق الطير بإرادة الخير: وصفه في الإجازة
بأ نّه نظم ونثر وفيه نوع أدب تصوفي.
23 ـ نصيحة الأخوان: منظومة في 77 بيتاً وهي
القصيدة المشهورة بلامية ابن الوردي ومطلعها:
اعتزل ذكر الأغاني والغزل *** وقل الفصل وجانب
من هزل
طبعت مع شرح عليها لمسعود القونوي بمصر سنة 1307
وسنة 1310، ومع تخميسها لمرزوق الرشيدي بمصر سنة 1310 أيضاً، وقد شرحها
عبدالوهاب بن عبدالله الخطيب الغمري وسمّى شرحه العرف الندي، فرغ منه
سنة 1030 ذكره إسماعيل باشا(47) وقد طبعت ضمن كثير من الكتب الأدبية
لاشتمالها على جملة محاسن الأخلاق، ومن تلك الكتب نزهة الجليس
للمكّي(48).
شعره:
اشتهر ابن الوردي بشاعريته الفيّاضة حتّى غالى
السبكي فقال عنه: له شعر أحلى من السكر المكرر وأغلى قيمة من الجوهر.
وقال ابن شاكر الكتبي: أجاد في المنثور
والمنظوم، نظمه جيّد للغاية.
وقال ابن العماد والسيوطي: ونظمه في الذروة
العليا والطبقة القصوى، ونقل الطباخ عن بعض العلماء انّه قال: جمع في
شعره بين الحلاوة والطلاوة والجزالة، وذكر انّه سيّد شعراء عصره.
ومع هذا الاتفاق على تفوقه وتفننه، وإجادته في
الناحية الشعرية، حتّى صار موضع إعجاب وتقدير، لم يسلم من مؤاخذة عليه
في شعره، ربّما تغض من مكانته وتنقص من قدره، وتلك تهمة السطو على
اشعار غيره، بالاغارة على ألفاظها واختلاس معانيها، وأوّل من نقده في
ذلك، هو معاصره وصاحبه والمجاز منه الصلاح الصفدي فقد قال في أعيان
العصر:
أجاد في منثوره ومنظومه، شعره أسحر من عيون
الغيد، وأبهى من الوجنات ذات التوريد، قام بفن التورية فجاءت معه
قاعدة، وخطها في الطروس وهي فوق النجوم صاعدة، يطرب اللبيب لسماعها ولا
طرب الصوفي للشبابه، ويعجب الأديب لانطباعها ولا عجب الغواني بمن التحف
شبابه، ويرغب الأديب لارتجاعها ولا رغبة الروض الّذي مترع في صوب
السحابة، ويدأب النجيب في اقتطاعها ولا دأب المحبّ في التمسك بأذيال
محبوبه السحّابة.
لفظ كأن معاني السكر تسكنه *** فمن تحفظ بيتاً
منه لم يفق
كأ نّه الروض يبدي منظراً عجباً *** وإن غدا فهو
مبذول على الطرق
إلاّ أ نّه مع هذه القدرة وهذا التمكن من فن
الأدب، وكونه إذا تصدى للنظم تسيل إليه المعاني من كلّ حدب، لا يسلم من
الاغارة على من سواه واغتصاب ما سبته المغيرة وما حواه، ولا يعفّ عمّا
هو لمن تقدّمه أو عاصره، أو استسلم له أو حاضره، وهذه الخلة نقص،
ولولاها صفّق له الزمان ورقص.
وقال أيضاً: ولمّا وقفت له على كتابه (الكلام
على مائة غلام) عند القاضي الرئيس شهاب الدين ابن ريان وجدت غالبه من
نظمي في الحسن الصريح في مائة مليح، وكان ذلك عقيب قدومي من القاهرة،
فقلت له: يا مولانا اُكتب إليه وقل له: قد وقع صاحب العملة بها وعرفها،
فكتب إليه وعرّفه المقصود، فغيّر فيها أشياء في غير ما نوع قد اغتصبها
واختلسها، فكتبت إليه رحمه الله تعالى:
أغرت على أبكار فكري ولم أغر *** عليها فلا تجزع
فما أنا واجد
ولو غير مولاي استباح حجابها *** أتته من العتب
الأليم قصائد
قواطع لا يحميه درع اعتذارها *** وألسنها عند
الخصام مبارد
ولكنه لا فرق بيني وبينه *** يبين لأ نّا في
الحقيقة واحد
فكتب هو الجواب إليَّ وأجاد:
وأسرق ما أردت من المعاني *** فان فقت القديم
حمدت سيري
وإن ساويته نظماً فحسبي *** مساواة القديم فذا
لخيري
وإن كان القديم أتم معنى *** فهذا مبلغي ومطار
طيري
فانّ الدرهم المضروب باسمي *** أحب إليَّ من
دينار غيري
ثمّ أورد له الصفدي أبياتاً في مختلف الأغراض
وقارن بينها وبين شعره وقال عنها: انّه أخذها منه امّا بزيادة أو نقصان
أضربت عن نقلها لكثرتها، ولاحتمال ما قاله الحافظ ابن حجر في هذا
المقام عنه، فانّه انبرى للدفاع عن هذه التهمة الّتي وجهها إلى ابن
الوردي فقال:
وذكر الصفدي في أعيان العصر انّه اختلس معاني
شعره وأنشد في ذلك شيئاً كثيراً، ولم يأت بدليل على انّ ابن الوردي هو
المختلس، بل المتبادر إلى الذهن عكس ذلك، نعم استشهد الصفدي على صحّة
دعواه بقول ابن الوردي: (وأسرق ما أردت من المعاني) وذكر الأبيات
الأربعة المارّة الذكر.
وهذا الدفاع من ابن حجر إن سلم من المناقشة
فانّما يسلم بالنسبة إلى شعر الصفدي وأمثاله من أبناء عصره ممّن يجري
فيهم احتمال اختلاسهم من ابن الوردي لا اختلاس ابن الوردي منهم، ولكن
أنى لابن حجر أو غيره الدفاع عنه وردّ التهمة في الإغارة على شعر
المتقدّمين ممّن لا يجري فيهم احتمال اختلاسهم منه.
فمن ذلك مثلا إغارته على شعر أبي العلاء المعري
فقد ذكر محمّد سليم الجندي(49) تحت عنوان: (في سرقة الشعراء أقواله)
قال: ومنهم عمر بن الوردي فقد أكثر من الاغارة على ألفاظ أبي العلاء
ومعانيه، من ذلك قوله(50):
تعب كلّها الحياة فما أعجب *** إلاّ من راغب في
المزيد
إن حزناً في ساعة العزل *** أضعاف سرور في حالة
التقليد
وقوله(51):
لو حط رحلي فوق النجم أرفعه *** ألفيت ثَمّ
خيالا منك ينتظر
وقوله(52):
رفعت كلي عن الأصحاب كلّهم *** فلا أثقل في مال
ولا جاه
وقوله(53):
قالوا فلان جيد *** فأجبت ابن الجيد
إمّا غني باخل *** أو معسر متصيد
وقوله(54):
أنا بدر وقد بدا الصبح في رأ *** سك والصبح طارد
للبدور
وقوله(55):
غير أ نّي في زمان من يكن *** فيه ذا مال هو
المولى الأجل
ثمّ عطف الجندي على تعيين مواضع تلك الألفاظ
المسلوبة والمعاني المنهوبة فقال:
فالبيتان الأوّلان مأخوذان من بيتي أبي العلاء
المشهورين بتغيير كلمتي القافية وابدال الموت بالعزل.
والبيت الثالث مأخوذ بذاته إلاّ انّه بدل
(منظري) بقوله: ينتظر(56).
والرابع مأخوذ من قصيدة أجاب بها ابن نصر(57):
وما أنا إلاّ قطرة من سحابة *** ولو انّني صنفت
ألف كتاب
والخامس مأخوذ من قوله في قصيدة كتبها إلى أبي
حامد الاسفراييني(58):
ولا أثقّل في جاه ولا نشب *** ولو غدوت أخا عدم
وإدقاع
والسادس مأخوذ من قوله(59):
قالوا فلان جيد فأجبتهم *** لا تكذبوا ما في
البرية جيّد لصديقه
والثامن مأخوذ من قوله(60):
أنا بدر وقد بدا الصبح في *** رأسك والصبح يطرد
الأقمارا
والتاسع مأخوذ من قوله(61):
كلّ من تشاء مهجناً أو خالصاً *** وإذا رزقت
غنىً فأنت السيّد
وفي كلام ابن الوردي كثير من هذا مثل قوله(62):
أبالاسكندر الملك اقتدينا *** فليس نطيل في أرض
مقاما
وهو مأخوذ من قول أبي العلاء في قصيدة كتبها إلى
خاله يقول فيها(63):
أبا لاسكندر الملك اقتديتم *** فما تضعون في بلد
وسادا
وكذلك قوله(64):
فليس يزاد في رزق حريص *** ولو جاب المهامة
والأكاما
وهو مأخوذ من قول أبي العلاء(65):
فليس يزاد في رزق حريص *** ولو ركب العواصف كي
يزادا
وهذه طائفة من أشعاره الّتي أخذها من شعر أبي
العلاء المعري وهو ابن وطنه، فبماذا توجه هذه الإغارة اللفظية
والمعنوية؟
على انّ هذه الظاهرة قلَّ أن يسلم منها شاعر
مهما علت منزلته، فذلك المتنبي وقد عدت عليه سرقاته كما أحصيت مآخذ
الشعراء منه، بل وحتّى الأوائل من الشعراء كان يغير بعضهم على شعر بعض،
فيأخذ منه المعنى واللفظ بتغيير يسير ويكاد أن يكون ذلك خُلقاً فيهم،
ولست في مقام تبرير عمل ابن الوردي أو تعذيره على تلك الخلة، ولكني
أقول: هو وغيره من الشعراء، في اختلاس المعاني والألفاظ سواء .
وإلى القارئ بعض أشعاره انتخبتها من ديوانه تمثل
مختلف أغراضه فمنها(66):
فلا تك في الدنيا مضافاً وكن *** مضافاً إليه إن
قدرت عليه
فكلّ مضاف للعوامل عرضة *** وقد خص بالفعل
المضاف إليه
وقوله فيمن أخذ ديوانه(67):
أغضبتني وغصبت ديواني الّذي *** أنفقت فيه
شبيبتي وزماني
لو كنت يوماً بالمودّة عاملا *** ما كنت تغضب
صاحب الديوان
وقوله(68):
لا تحرصن على فضل ولا أدب *** فقد يضر الفتى علم
وتحقيق
ولا تعد من العقّال بينهم *** فانّ كلّ قليل
العقل مرزوق
والحظ أنفع من خطّ تزوّقه *** فما يفيد قليل
الحظ تزويق
والعلم يحسب من رزق الفتى وله *** بكلّ متسع في
الفضل تضييق
أهل الفضائل والآداب قد كسدوا *** والجاهلون فقد
قامت لهم سوق
والناس أعداء من سارت فضائله *** وإن تعمق قالوا
عنه زنديق
وقوله وقد سمع من ينشد(69):
فيا سائلي عن مذهبي ان مذهبي *** ولاءً به حب
الصحابة يمزج
فمن رام تقويمي فانّي مقوّم *** ومن رام تعويجي
فانّي معوّج
وقوله(70):
يا آل بيت النبيّ من بذلت *** في حبّكم روحه فما
غُبِنا
من جاء عن بيته سائلا *** قولوا له البيت
والحديث لنا
وقوله وقد سمع من ينشد(71):
كم عالم عالم أعيت مذاهبه *** وجاهل جاهل تلقاه
مرزوقا
هذا الّذي ترك الألباب حائرة *** وصيّر العالم
النحرير زنديقا
فقال:
كم عالم عالم يشكو طوى وظما *** وجاهل جاهل
شبعان ريانا
هذا الّذي زاد أهل الكفر لا سلموا *** كفراً
وزاد اُولي الإيمان إيمانا
وقوله في جارية له اسمها لؤلؤة وقد ماتت(72):
أيا موت رفقاً على حسنها *** فقد بلغت روحها
الترقوه
تركت جواهر عند اللئا *** م وتحسد مثلي على
لؤلؤة
وقال فيها أيضاً:
فريدة من لئالىء *** تتثنى من المرض
ثمّ ماتت فجسمها *** جوهر زال بالعرض
وقوله(73):
إنّ لحسادي عندي يداً *** يحق أن يعرفها مثلي
أبدوا عيوبي فتجنبتها *** ونبّهوا الناس على
فضلي
وقوله(74):
إذا أحببت نظم الشعر فانتهز *** لنظمك كلّ سهل
ذي امتناع
ولا تكثر مجانسة ومكّن *** قوافيه وكله إلى
الطباع
وقوله(75):
دنيا تضام كرامها بلئامها *** ودليل ذاك حسينها
ويزيدها
يا خاطب الدنيا الدنية انّها *** طبعت على كدر
وأنت تريدها
وقوله(76):
أبني زماني ما أنا *** منكم وقول الحقّ يثبت
وإذا نشأت خلالكم *** فالورد بين الشوك ينبت
وقوله(77):
قالت إذا كنت ترجو *** اُنسي وتخشى نفوري
صف ورد خدي وإلاّ *** أجور ناديت جوري
وقوله(78):
ومالي إلاّ حبّ آل محمّد *** فكم جمعوا فضلا وكم
فضلوا جمعا
محبتهم ترياق زلاتي الّتي *** تخيل لي من سحرها
انّها تسعى
وقوله(79):
قلت لدنياي لِمَ ظلمت بني *** عليّ المرتضى أبي
الحسن
قالت أما تنصفوا لطائفة *** أبوهم بالثلاث طلقني
وقوله مضمناً عجز بيت من الحماسة(80):
أرأس السبط ينقل والسبايا *** يطاف بها وفوق
الأرض رأس
ومالي غير هذا السبي ذخر *** ومالي غير هذا
الرأس رأس
وقوله (81):
وكم قد محا خير بشر كما انمحت *** ببغض عليّ
سيرة المتوكل
تعمق في عدل ولما جنى على *** جناب عليّ حطه
السيل من علي
وقوله من رسالة بعث بها إلى شخص بدمشق كان قد
أعاد إليه ديوانه بعد ما جلَّده بجلد أحمر:
وافى كتاب العبد ضمن كتابكم *** فالقلب بين
مسرتين موزع
فغدوت أحسد من كتابي أحرفاً *** ظلت بحسنك برهة
تتمتع
قد كنت أخشى أن يرد بعيبه *** شرعاً فعاد بخلعة
تتلمع
حمراء من حلل الصبا فضفاضة *** ذهبية أوصافها
تتنوّع
لو لم تجلّده وحقك لم يطق *** عنك اصطباراً
فالتجلد ينفع
أنت الّذي أكبرتني عن خلعة *** أدباً فرحت على
كتابي تخلع
حجت إليك بنات أفكاري وقد *** رجعت بفضلك
كالحمائم تسجع
وقوله(82):
فرّق الحب بين عقلي وبيني *** فاستهلت دموع عيني
كعين
طال في أنسه القصير غرامي *** وهو بدر وينجلي في
حنين
بي نار من جنّتي وجنتيه *** لهف قلبي على جنى
الجنّتين
حسن قدره عليَّ فيا من *** في ملامي يزيد موتي
حسيني
وقوله في حفيد له توفي كما في ديوانه:
أمفارقي طفلا أشبت مفارقي *** إذ كنت محبوباً
إلى محبوبي
فجرت أنابيب الدماء عوالياً *** كالرمح انبوباً
على انبوب
إلى غير ذلك من محاسن شعره الّذي جمع فيه بين
الحلاوة والطلاوة والجزالة، كما مرّت الإشارة إلى ذلك وقلَّ أن يخلو
شعر له من المحسنات البديعية.
وكان له تفنن خاص في النظم والنثر طرداً وعكساً
فمن ذلك قوله:
سعده دائم مقيم *** ضدّه مكمد سقيم
مثله ليس للورى *** فضله كامل عميم
للمهمات مرتجى *** للعطيات مستديم
حفظه الدين شامل *** لفظه رقَ كالنسيم
حقّه الآن واجب *** خلقه بيننا عظيم
باسم عاذر رضي *** راحم محسن عليم
حكمه الحقّ ظاهر *** حلمه وافر رحيم
علمه طم بحره *** فهمه جيد قويم
عبده مخلصاً دعا *** رفده عندنا قديم
للمحبين محسن *** للموالين مستقيم
وإذا عكس كلمة كلمة فتكون قطعة نثرية تؤدي نفس
المعنى، وهذا فن لا يقوى عليه كلّ أديب.
|