التعريف
بالمؤلّف:
هو العالم العابد الورع البارع التقي(1) الشيخ
سليمان بن إبراهيم المعروف بخواجه كلان بن محمّد معروف المشتهر ببابا
خواجه بن إبراهيم بن محمّد معروف ابن الشيخ السيّد ترسون الباقي
الحسيني القندوزي البلخي(2).
ولد في سنة 1220 هـ ورقى مراقي العلوم والآداب
في بلخ، وأكمل التحصيل ببخارا ونال الإجازات من أعلامها، وسافر إلى
البلاد الأفغانية والهندية، وصاحب كبار مشايخ الطريقة، فكمل في مقامات
السلوك، وتفقّه في الدين لينذر قومه إذا رجع إليهم، فعاد إلى قندوز
وأقام بها زماناً ينشر العلم والآداب، وبنى بها جامعاً وخانقاهاً
ومدرسة، وأراد السفر إلى بلاد الروم حيث كان يرغب في استيطان مكّة
ومجاورة البيت الحرام، فبدا له أن ينصب بمكانه الخليفة محمّد صلاح
فيكون في مسند الإرشاد خلفاً عن أخيه محمّد ميرزا خواجه بن مولانا
خواجه كلان، ولأمر التدريس العالم الأفضل ملا عوض إذ كان هذا قد بزّ
أقرانه من تلاميذ المترجم له ونال شرف الإجازة منه.
وهاجر الشيخ المترجم له من قندوز في سنة 1269 هـ
مستصحباً معه من تلاميذه نحواً من ثلاثمائة شخص من أهل الطلب والسلوك،
وكان سفره عن طريق ايران فجاء إلى بغداد في سنة 1270 هـ فأكرم والي
بغداد مثواه، وأعز أصحاب الفضائل قدومه، فأخذوا عنه وارتووا من نمير
علومه، ثمّ عزم على التوجه إلى دار الخلافة العلية ـ الاستانة ـ وكان
طريقه على الموصل وديار بكر وأورفة وحلب.
وفي هذه البلدان أطال المكث وربّما كان ذلك أكثر
من ثلاث سنين حتّى إذا وصل إلى قونية أقام بها ثلاث سنين وستة أشهر،
وفي مدّة مكثه بها استنسخ بنفسه الفتوحات المكّية، الفصوص، النصوص من
النسخ الّتي كانت بخطّ مؤلّفها الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي
الحاتمي، وكانت تلك النفائس محفوظة بدار الكتب الكائنة في مقبرة الشيخ
الكبير العارف صدر الدين القونوي.
وفي شهر ذي الحجة من سنة 1277 هـ خرج من قونية
متوجهاً نحو دار الخلافة، ولمّا حل بها شملته عواطف السلطان عبدالعزيز
فنال من الألطاف السنية من الحضرة العلية السلطانية كما يقول بعض
مترجميه، وبينما كان متهيئاً للعزيمة على الخروج نحو بيت الله الحرام
صدر الأمر العالي من جانب السلطان بتعيينه بمسند مشيخة تكية الشيخ مراد
البخاري ـ وموقعها خارج باب أدرنة عند مرقد أبي أيّوب الأنصاري ـ
فامتثل الأمر وباشر بالوظيفة فقام بالإرشاد ونشر العلوم من حديث
وتفسير، وكان لا يخلو في أيامه تلك من تأليف الكتب والرسائل، ولم يصل
إلينا من تآليفه سوى أسماء ثلاثة منها، وهي الّتي أشار إليها في كتابه
هذا (ينابيع المودّة) وهي:
1 ـ أجمع الفوائد.
2 ـ مشرق الأكوان.
3 ـ ينابيع المودّة: وهذا هو الوحيد الّذي وصل
إلينا من تآليفه، وسيأتي الحديث عنه.
وكان الشيخ سليمان هذا من أعلام الحنفية في
الفروع، وأساطين النقشبندية في الطريقة، وقد كتب ولده وخليفته الشيخ
سيّد عبدالقادر أفندي إلى بعض الأفاضل الّذين ترجموه: ان ّوالده كان
حنفي المذهب نقشبندي المشرب... الخ.
كما انّه ينتسب إلى السلالة الحسينية، ولم نقف
على تفصيل نسبه ومدى صحّة دعواه.
توفي في القسطنطنية في يوم الخميس سادس شهر
شعبان سنة 1294 هـ ودفن في مقبرته الخاصة في خانقاه المرادية، وقد زار
مرقده الحجة الشيخ عليّ كاشف الغطاء(رحمه الله) فذكر في كتابه الحصون
المنيعة(3) ترجمته وقال: فمضيت لزيارته وقرأت له الفاتحة وكان قبره تحت
السماء لوصية منه، وخلّف ولدين الأكبر منهما قام مقام أبيه في التكية
واجتمعت معه فيها، والثاني الأصغر كان يلمّ بي كثيراً أيام إقامتي في
الاستانة، وكان شاعراً لبيباً بالفارسية وأنشدني بعض أشعاره أثبتها في
بعض مجاميعي وكلاهما موظفان بالمعاش من الدولة العلية العثمانية اهـ.
وقد اشتبه صاحب معجم المطبوعات ـ يوسف اليان
سركيس ـ في لقب والده فذكر انّه خواجه ابراهيم قبلان(4)، ونبه على وهمه
ذلك في هامش ايضاح المكنون، وتبع الزركلي في الأعلام(5) صاحب المعجم
المشار إليه في خطأه ذلك، وتابعه في خطأ فاحش آخر وذلك في سنة وفاته،
فقد ذكر صاحب المعجم انّه توفي سنة 1270 هـ ـ 1853 م فحذا الزركلي حذوه
في ذلك كلاهما تابع في الخطأ لفانديك في اكتفاء القنوع(6) حيث ذكر
وفاته في سنة 1270 هـ ـ 1853 م، كما انّه ذكر خطأ ان لقب والده خوجه
كيلان، وقد سبق ان عرفت انّ لقبه (خواجه كلان).
وقد صرّح المؤلّف نفسه بذلك في مقدّمة كتابه،
فكان من اللازم على باحثي العصر كالزركلي وأضرابه التثبت بما يكتبون
ولا يتبع بعضهم أثر بعض في الخطأ.
ومن الغريب أن يذكر المترجم له في فهرس الخزانة
التيمورية(7) وانّه من علماء القرن الرابع عشر، مع أ نّه من علماء
القرن الثالث عشر، حيث أنّ المؤلّف نفسه صرّح في خاتمة كتابه بتاريخ
تأليفه وانّه كان سنة 1291 هـ في أيّام السلطان عبدالعزيز العثماني،
وذكر مترجموه انّه توفي سنة 1294 هـ، فهو لم يدرك القرن الرابع عشر،
نعم طبع كتابه أوّل القرن الرابع عشر، فلعلّ مفهرس الخزانة اشتبه عليه
الأمر فلاحظ.
ينابيع
المودّة:
(هَذَا كِتَابُـنَا يَنطِقُ عَلَيْكُمْ
بِالحَقِّ)(8) فهو مجموعة ينابيع لا ينبوع واحد، فكم جمع فيه مؤلّفه من
اُصول المناقب وعيون الفضائل الخاصة بأهل البيت الّذين أذهب الله عنهم
الرجس وطهّرهم تطهيراً، مستنداً في تخريجها إلى الكتب المعتمد عليها
والمصادر الموثوق بها كالصحاح الستة الّتي لا خلاف في صحتها أو
اعتبارها بين أهل السنّة والجماعة من المسلمين، أو غير الصحاح ممّا لا
يمكن القدح والتعريض فيه، لمعاضدة تلك النقول بمحكمات الآيات وصحاح
الروايات، وليس لانكارها سبيل لأحد من المسلمين.
وقد ذكر المستشرق فانديك هذا الكتاب القيّم
وعرّفه بقوله: «ينابيع المودّة وهي شمائل النبيّ(صلى الله عليه وآله
وسلم) وآل البيت فيها اقتباسات كثيرة من المصنّفات القديمة ولذا لها
فائدة كبرى وهي مرغوبة في بلاد العجم...».
والصحيح أ نّها مرغوبة في عامة بلاد المسلمين،
ولعلّ في تعدد طبعاتها كما ستأتي الإشارة إليه ما يكذّب زعم فانديك
وأتباعه، ويدعم المدّعى من رغبة عموم المسلمين الّذين يشعرون بمودّة
القربى إمتثالا لقوله: (قُلْ لا أسْألُكُمْ عَلَيْهِ أجْراً إلاّ
المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى وَمَنْ يَـقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ
فِيهَا)(9) واقتراف الحسنة مودّتهم كما في بعض التفاسير، وقد ذكره
المؤلّف في كتابه هذا فلاحظ.
فلا شكّ انّ من كان مؤمناً بالله واليوم الآخر
ويصدّق النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) فيما جاء به من عند ربّه يودّ
قرابة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) ومودّتهم أجر الرسالة.
وقد استعرض المؤلّف في كتابه هذا فضائل
النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، فرتبه على مقدّمة وأبواب أنهاها إلى
مائة باب فاستعرض في المقدّمة ان التصلية والتسليم على الآل والأصحاب
ثابت في كتاب الله تعالى، وقول رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)
وقول الأصحاب الكرام.
ثمّ ذكر في الأبواب 1 ـ 5 سبق نور النبيّ(صلى
الله عليه وآله وسلم) وشرف آبائه ودوام الدنيا بدوام أهل بيته، وأحاديث
سفينة نوح، وحطة بني إسرائيل، وحديث الثقلين، وحديث الغدير.
ثمّ خصَّ أميرالمؤمنين(عليه السلام) من الباب
السادس إلى الباب العشرين، وذكر في الأبواب 21 و29 الآيات النازلة في
شأن أهل البيت أو الدالة على فضلهم مع ذكر تفسيرها من كتب الحفّاظ
والمفسّرين.
وعاد في الباب الأربعين إلى الباب الواحد
والخمسين إلى ذكر فضائل أميرالمؤمنين(عليه السلام) وما صحّ من مناقبه
الّتي خصّ بها.
وفي الباب الثاني والخمسين أورد رسالة الجاحظ في
تفضيل بني هاشم على غيرهم.
أمّا الباب الثالث والخمسين فقد استعرض فيه قصّة
الدير في صفّين وبعض خطب الإمام ووصيته عند وفاته(عليه السلام).
وخصص الباب الرابع والخمسين بفضائل السبطين، كما
خصّ الخامس والخمسين بفضائل جدتهما خديجة واُمّهما سيّدة النساء فاطمة،
وذكر تزويجها بالإمام(عليه السلام).
وفي الباب السادس والخمسين ذكر ميلاد الإمام ثمّ
استعرض ما ورد من الحديث النبوي في فضائل أهل البيت عامة، أو في
أفرادهم خاصة في الكتب التالية:
كنوز الدقائق، لعبد الرؤوف المناوي.
الجامع الصغير، للسيوطي.
ذخائر العقبى، للمحب الطبري، فذكره ثمّ أورد
تمام الكتب التالية:
المناقب السبعين.
مودّة القربى، لمير سيّد عليّ الهمداني.
الأحاديث الأربعين المنسوبة للإمام الرضا(عليه
السلام)، وبعد ذلك ذكر ما ورد في كتاب مشارب الأذواق من مناقب عليّ
وكلماته الدالة على وجوب محبته خالصاً من غير أن يدخل في قلب محبه حبّ
أعدائه... الخ.
وفي الباب 57 و58 ذكر بعض فضائل أهل البيت وأورد
بعض ما في جواهر العقدين للسمهودي.
وفي الباب التاسع والخمسين أورد ما في كتاب
الصواعق المحرقة من فضائل أهل البيت.
واستعرض في الباب 60 الأحاديث الواردة في شهادة
الحسين(عليه السلام).
وخص الباب 61 بايراد بعض ما في كتاب مقتل أبي
مخنف في شهادة الحسين(عليه السلام) وأصحابه.
وفي الباب 62 أورد مدائح الشافعي في أهل البيت،
وتفسير بعض الآيات والأحاديث الواردة في ثواب البكاء على الحسين(عليه
السلام).
أمّا الأبواب 63 ـ 73 فقد خص كلّ باب لذكر ما
ورد في بعض الكتب وهي حسب الترتيب: الصواعق المحرقة، فصل الخطاب، جواهر
العقدين، درّة المعارف، العقد المنظم، الدرّ المكنون، المطالب العلية،
كتاب المحجة، مشكاة المصابيح، جواهر العقدين.
وذكر في الرابع والسبعين ما ورد من كلام
أميرالمؤمنين(عليه السلام) في نهج البلاغة في شأن المهدي(عليه السلام).
وفي الباب الخامس والسبعين ذكر ما يصيب أهل
البيت حتّى يظهر قائمهم(عليهم السلام).
واستعرض في الباب 76 ـ 77 بيان الأئمّة الاثنى
عشر بأسمائهم وتحقيق حديث بعدي اثنى عشر خليفة.
أمّا الباب 78 فقد خصّه لايراد ما في كتاب فرائد
السمطين، والبيان في شأن المهدي(عليه السلام).
وذكر في الباب 79 ولادة المهدي(عليه السلام)،
ثمّ استعرض زايجة ولادته مع زايجة ولادة عيسى(عليهما السلام).
وفي الباب الثمانين إلى الباب التاسع والثمانين
كلّها فيما يخصّ المهدي(عليه السلام)أفرد كلّ باب لذكر ناحية من
شأنه(عليه السلام).
وأورد في الباب التسعين خطبة الإمام الحسن بعد
شهادة أبيه(عليهما السلام).
وفي الباب الحادي والتسعين استعرض تفسير بعض
الآيات وبعض كلمات الإمام أميرالمؤمنين(عليه السلام) في الإمامة.
وذكر في الباب الثاني والتسعين عزم المأمون على
مبايعة الإمام الرضا(عليه السلام)وما جرى له، وجوابه لبني العبّاس في
ذلك.
وفي الباب الثالث والتسعين ذكر حديث النبيّ(صلى
الله عليه وآله وسلم) في فضله وفضل أهل بيته وما رآه من أنوارهم عند
المعراج، وعاد في الرابع والتسعين إلى ما ورد في شأن المهدي(عليه
السلام).
وفي الباب الخامس والتسعين فسر بعض الآيات
الدالة على فضل أهل البيت.
وفي الباب السادس والتسعين ذكر خبر الراهب الّذي
أخبر المسلمين وهم مع الإمام عليّ في طريقهم إلى صفّين بما عليه من
كتبه في فضل النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) وعليّ والمهدي وبشارة
عيسى بهم.
وجعل الباب السابع والتسعين خاصاً بكلام الإمام
في شأن الحديث الصحيح وهو من نهج البلاغة.
واستعرض في الباب الثامن والتسعين بعض أدعية
الصحيفة الكاملة السجّادية الّتي تدعى زبور آل محمّد.
وفي الباب التاسع والتسعين استعرض بعض خطب
الإمام وبعض وصاياه الحكمية.
وختم الكتاب بالباب المائة وهو في فضائل
الأئمة(عليهم السلام).
الطبعات
القديمة لهذا الكتاب:
طبع هذا السفر الجليل لأوّل مرّة في سنة 1302 في
استانبول أي بعد وفاة مؤلّفه بثمان سنوات وكان الناشر له مهدي ملك
التجار في 527 صفحة وهي طبعة لا تخلو من الغلط.
وطبع ثانياً في استانبول بعد ذلك، وأثبت عليها
تاريخ سنة 1301 والمعروف ان هذه الطبعة كانت متأخّرة زمناً عن سابقتها،
ولغرض ما قدم تاريخ الطبع، كما انّها أكثر من سابقتها في الغلط.
وطبع ثالثاً في ايران في مشهد سنة 1308 في جزئين
مجموع صفحاتهما 455 وقد كتب عليها انّها بتصحيح محمّد شفيع اعتماد
الدولة، وهي طبعة حجرية ليس فيها ما تمتاز به.
وطبع رابعاً في الهند في بمبي سنة 1311 باهتمام
الشيخ عليّ المحلاتي في 448 صفحة وهي طبعة حجرية عادية، وبالرغم من
رداءة طبعها فانّها تمتاز بما في خاتمتها من ترجمة المصنّف.
وطبع خامساً أيضاً في ايران في طهران سنة 1312
بهامش مفاتيح المحبة في 614 صفحة ولم تقع إليَّ من هذه الطبعة نسخة
لأتعرف حالها نعم هي من القطع الكبير وقد طبعت بالهامش وفي المتن ترجمة
الكتاب بالفارسية للسيّد موسى بن عليّ بن أبي القاسم بن عيسى
الفراهاني.
وطبع سادساً في بيروت في ثلاثة أجزاء بدون
تاريخ.
وهذه الطبعة الّتي بين يدي القارئ هي الطبعة
السابعة تقوم بتصحيحها ونشرها ادارة المطبعة الحيدرية، والّتي يتمثل
نشاطها في شخص صاحبها الاُستاذ محمّد كاظم الكتبي «سلّمه الله»، فإنّي
منذ تعرفت عليه قرابة عشرين عاماً وهو يدأب في إحياء التراث الإسلامي
واتحاف القرّاء بألوان من الكتب من تفسير إلى أحاديث إلى تاريخ إلى
أنساب إلى جغرافية إلى إلى...
وبحقّ أقول انّه الوحيد الّذي يمتاز بكثرة النشر
المثمر في هذا البلد المقدّس فجزاه الله خير ما يجزي العاملين ووفقه
وإيانا لما فيه الخير والصلاح إنّه سميع مجيب.
محمّد مهدي الخرسان
نزهة
الجليس
ومنية الأديب الأنيس
تأليف
سماحة العلامة المتضلع
السيد
العباس بن علي بن نور
الدين الحسيني الموسوي المكي
المتوفى سنة 1180هتـ
وضع المقدمة
السيد محمد مهدي الخرسان
بسم الله الرحمن الرحيم
حياة المؤلّف
والتعريف بالكتاب:
الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على محمّد
المصطفى، وعلى آله الطيبين الشرفا.
وبعد: فهذا كتاب «نزهة الجليس ومنية الأديب
الأنيس» الّذي سجّل فيه مؤلّفه العلاّمة الأديب المؤرّخ النسّابة:
السيّد عباس المكّي ما شاهده في أسفاره من العجائب في البلدان، وحيث
انّ ذهن رحالتنا المكّي لم يقف فيه عند ذكر ذلك فحسب، بل تجاوزه إلى
أبعد من ذلك ممّا يشهد له بعلو كعبه في مقام الفضل، فبينا يترجم
الشخصية الإسلامية الفذة من أئمّة المسلمين، يعرض تاريخ علم من أعلام
الأدب، ويستشهد بالبيت العربي النادر، والمثل السائر، والنكتة الأدبية،
والطرفة النادرة، والحادثة التاريخية، والبحوث اللغوية، مضافاً إلى
إيضاح أبعاد المسافات بين تلك الأقطار الّتي زارها أحياناً، إلى غير
ذلك ممّا أفادنا به وحفل به كتابه الّذي طابق اسمه مسمّاه فهو (نزهة
الجليس)، وقد طبع سنة 1293 هـ فما ظنّك بكتاب كهذا، ويمر على طبعه ما
يقرب من قرن كيف لا تعز نسخته بل تندر حتّى تكون من نفائس المكتبات
الّتي حوتها.
لذلك انبرى الأخ محمّد كاظم الكتبي ـ سلّمه الله
ـ إلى اعادة طبعه تيسيراً له وخدمة للقرّاء، وقد طلب إليَّ أن اُقدّم
للكتاب بما يعرّف المؤلّف عند القارئ ولو بصورة موجزة، وحيث انّ في ذلك
خدمة للمؤلّف وهو من أعلام الأدب الأفذاذ، ولكتابه وهو من الكتب
الممتعة الّتي تستحق التقديم، وللقرّاء وهم أهل لذلك، فأجبته داعياً
بالموفقية والتسديد، والله ولي ذلك انّه سميع مجيب.
السيّد المكّي
مؤلّف النزهة
نسبه:
هو السيّد عباس بن السيّد عليّ بن نور الدين
عليّ بن عليّ نور الدين بن الحسين بن محمّد بن الحسين بن عليّ بن محمّد
بن تاج الدين المعروف بأبي الحسن العاملي الموسوي(10) ابن محمّد بن
عبدالله بن أحمد بن حمزة بن سعد الله بن حمزة بن محمّد بن محمّد بن
عبدالله(11) بن محمّد بن عليّ بن عبدالله بن محمّد بن طاهر بن الحسين
(بن موسى) بن إبراهيم بن الإمام موسى بن جعفر(عليه السلام)(12).
وإلى (عليّ) وهو خير أرومة *** نسب تبلج كالسماء
الضاحية
اُسرته:
لا يسعني استيفاء جميع أفراد اُسرته العلمية ولا
استقصاء أخبارهم واستقراء آثارهم، فانّ ذلك يحتاج إلى وقت طويل وجهد
بالغ، مع قلة فائدة بعد أن استوفى ذلك بعض أحفادهم وهو الحجّة السيّد
شرف الدين في كتابه (بغية الراغبين) واستعرض كثيراً منهم السيّد الحسن
الصدر في كتابه (التكملة).
ولكن من الخير عرض شيء عن آباء المترجم له خاصة
اُولئك الّذين ورث عنهم المجد والفضل، وأثنت عليهم المعاجم، بما يكشف
عن جوانب الخير فيهم، مقتبساً منها ما يسعني ـ بهذه المناسبة ـ اقتباسه
وهم:
1 ـ الحسين بن محمّد بن الحسين بن عليّ بن محمّد
بن أبي الحسن العاملي:
كان عالماً فاضلا، فقيهاً جليلا مقدّماً،
معاصراً للشيخ الشهيد الثاني، وكان الشهيد مصاهراً له على ابنته، من
أجلّة سادات العلماء، وله كتب الشيخ الشهيد رسالة عدم جواز تقليد
الميّت.
ترجمه الميرزا عبدالله الأفندي في رياض العلماء
(مخطوط) والشيخ الحرّ العاملي(13) والسيّد الأمين(14) واطراه الشيخ
عليّ الحفيد في الدرّ المنثور كما حكي عنه بقوله: الإمام السيّد البدر
أوحد الفضلاء وزبدة الأتقياء السيّد المرحوم المبرور عزّالدين... الخ.
2 ـ السيّد عليّ نور الدين بن الحسين الآنف
الذكر:
كان فاضلا عالماً كاملا محققاً وصفه المحقّق
الداماد بالسيّد الثقة الثبت المركون إليه في فقهه المأمون في حديثه
وذلك في روايته عنه وقد قرأ عليه وسمع منه وأجازه سنة 988 في المشهد
الرضوي على صاحبه السلام.
وذكره المحقق البحراني فقال: كان من أعيان
العلماء والفضلاء في عصره، جليل القدر من تلامذة شيخنا الشهيد
الثاني(رحمه الله) ولد سنة 931 في جبع من أبوين كريمين، فوالده هو
الحسين المتقدّم الذكر واُمّه بنت الشيخ شمس الدين محمّد بن مكي
العاملي الشامي أحد شيوخ الشهيد الثاني(15).
قرأ أوّلا على أبيه ثمّ لازم الشيخ الشهيد وكانت
شقيقته زوجة الشهيد الثاني فرّباه كالوالد لولده، ورقّاه إلى المعالي
بمفرده، وزوّجه ابنته ـ من غير العلوية بنت الحسين ـ رغبة فيه، وجعله
من خواص ملازميه، قرأ عليه جملة من العلوم الفقهية والعقلية والأدبية
وغيرها وأجازه اجازة عامة ويروي عنه جماعة من علماء عصره كالأمير فيض
الله التفريشي والمحقق الداماد والشيخ حسن صاحب المعالم وولديه السيّد
محمّد صاحب المدارك والسيّد نور الدين عليّ ـ وهو أخ الشيخ حسن صاحب
المعالم لاُمّه ـ واستجازه الشيخ محمّد بن فخر الدين الأردكاني فأجازه
وكتب له الاجازة بخطّه على نسخة من مصباح المتهجّد تاريخها سنة 999.
تشرف بحجّ بيت الله الحرام وزيارة الرسول(صلى
الله عليه وآله وسلم) سنة 952 وفي سنة 988 تشرف بزيارة الرضا(عليه
السلام)، ترجم له الشيخ عليّ الحفيد في الدرّ المنثور وابن العودي
العاملي في تاريخه في أحوال الشهيد، وأثنى عليه ثناءاً بليغاً ومدحه
مدحاً عظيماً(16) والشيخ الحرّ العاملي(17) والبحراني(18) والمحدّث
النوري(19) والسيّد الأمين(20).
3 ـ السيّد نور الدين عليّ بن عليّ نور الدين
الآنف الذكر:
طود العلم المنيف، وعضد الدين الحنيف، ومالك
أزمّة التأليف والتصنيف الباهر بالرواية والدراية، والرافع لخميس
المكارم أعظم راية، فضل يعثر في مداه مقتفيه، ومحمل يتمنى البدر لو
أشرق فيه، وكرم يخجل المزن الهاطل، وشيم يتحلى بها جيد الزمن العاطل،
وصيت حل من حسن السمعة بين السحر والنحر.
فسار مسير الشمس في كلّ بلدة *** وهب هبوب الريح
في البر والبحر
وكان له في مبدأ أمره بالشام، مكان لا يكذّبه
بارق العز إذا شام، بين إعزاز وتمكين ومكان في جانب صاحبها مكين، ثمّ
قطن مكّة شرّفها الله وهو كعبتها الثانية، يعتقد الحجيج قصده من غفران
الخطايا، وينشد بحضرته: تمام الحجّ أن تقف المطايا(21).
كان عالماً فاضلا أديباً شاعراً منشئاً، جليل
القدر، عظيم الشأن، قرأ على أبيه وأخويه صاحبي المعالم والمدارك(22).
ووصفه البحراني في اللؤلؤة بقوله: كان فاضلا
محققاً مدقّقاً مشاراً إليه في وقته وقد توطّن بمكّة المشرّفة(23).
تولّد في جبع سنة 970 واُمّه اُمّ الشيخ حسن
صاحب المعالم، فانّ والده كان قد تزوّج بابنة الشهيد الثاني في حياته
فولد له منها صاحب المدارك، ثمّ تزوج اُمّ الشيخ حسن بعد شهادة أبيه
الّتي هي غير اُمّ زوجته فولد له منها صاحب الترجمة، فهو أخو السيّد
محمّد صاحب المدارك لأبيه، وأخو الشيخ حسن صاحب المعالم لاُمّه.
رآه الشيخ الحرّ العاملي في عاملة وحضر درسه
بالشام أيّاماً يسيرة قال: وكنت صغير السن ورأيته بمكّة أيضاً أيّاماً
وكان ساكناً بها أكثر من عشرين سنة.
ورآه السيّد عليّ خان المدني صاحب السلافة قال
فيها: وقد رأيته ـ بمكّة ـ وقد أناف على التسعين، والناس تستعين به ولا
يستعين، والنور يسطع أسارير جبهته، والعزّ يرتع في ميادين جدهته(24).
ورآه السيّد ضامن بن شدقم صاحب تحفة الأزهار قال
فيها بعد الثناء عليه: منشؤه في الشام، ثمّ عطف عنان عزمه إلى البيت
الحرام، تشرفنا برؤيته مراراً بمكّة المكرمة، له من التصانيف: الغرر
الجامع على المختصر النافع، قال في اللؤلؤة: وهو جيّد قد أطال فيه
البحث والاستدلال إلاّ انّه لم يتم، وكتاب الفوائد المكّية في الردّ
على الفوائد المدنية كتبه ردّاً على الملاّ محمّد أمين الاسترآبادي
الأخباري، وشرح الأثنى عشرية في الصلاة للبهائي، ورسالة في تفسير قوله
تعالى: (قُلْ لا أسْألُكُمْ عَلَيْهِ أجْراً إلاّ المَوَدَّةَ فِي
القُرْبَى)(25) وغنية المسافر عن النديم والمسامر، يشتمل على فوائد
وأخبار ونوادر وأشعار، وتعليقات كثيرة على كتب الفقه والاُصول والحديث،
وأجوبة وسؤالات وغيرها.
يروي عن أخيه لأبيه السيّد شمس الدين محمّد صاحب
المدارك، وعن أخيه لاُمّه الشيخ حسن صاحب المعالم والمنتقى، وعن السيّد
الفاضل الورع التقي السيّد عليّ العلوي البعلبكي.
أمّا مشايخه من العامّة فقد ذكر في اجازته
للمولى محمّد محسن بن محمّد مؤمن المؤرّخة يوم الجمعة 11 ربيع الآخر
سنة 1051 فقال: انّي أروي جانباً من مؤلّفات العامّة في المعقول والفقه
والحديث عن الشيخين الجليلين المحدّثين أعلمي زمانهما رئيسي أوانهما
عمر العرضي الحلبي، وحسن البوريني السامي بالاجازة منهما بالطرق
المفصّلة في اجازتهما إليَّ... الخ(26).
وروى عنه المولى الأمير محمّد مؤمن الحسني
الاسترآبادي كما في اجازته للمجلسي(27).
وروى عنه المولى الفاضل محمّد باقر الخراساني
كما في اجازته للمولى محمّد شفيع.
وروى عنه المولى محمّد محسن بن محمّد مؤمن كما
سلف.
وروى عنه الشيخ أبو عبدالله الحسين بن الحسن
العاملي كما في اجازة الشيخ الحرّ العاملي للمجلسي الثاني(28) وغيرها.
وروى عنه اجازة محمّد طاهر القمي من مشايخ
المجلسي(رحمه الله).
وروى عنه اجازة وقراءة الشيخ عليّ بن الشيخ
محمّد سبط الشهيد الثاني من مشايخ المجلسي(29) وغيرهم جمع كثير.
توفي في 17 ذي الحجة الحرام سنة 1068 ورثاه
الشيخ الحرّ العاملي بقصيدة قال: نظمتها في يوم واحد وأوّلها:
على مثلها شقت حشاً وقلوب *** إذا شققت عند
المصاب جيوب
لحا الله قلباً لا يذوب لفادح *** تكاد له صم
الصخور تذوب
ومنها قوله:
ومن يجمع الدنيا مع الدين والتقى *** مع الجاه
إنّ المكرمات ضروب(30)
وذكره حفيده في نزهة الجليس وقال: وله شعر يدلّ
على علوّ محلّه وابلاغ هدى القول إلى محلّه، ثمّ ذكر نماذج من شعره ـ
فلتراجع في محلّها ـ (31).
وذكره السيّد الأمين في أعيان الشيعة قال: ووجد
على جامع جبع ما صورته:
قد وفّق الله لهذا البنا *** ولم يكن في الوسع
تيسيره
فهو بحمد الله قد تم في *** أحسن ما قد كان
تصويره
من بدوه أحكم بنيانه *** بالخير والتقوى وتفسيره
فجاء تاريخ به معبد *** كان لوجه الله
تعميره(32)
عمّر هذا المسجد بعد اندراسه، وجدّده بعد
انطماسه راجي عفو ربّه وغفرانه نور الدين بن عليّ الحسين الشهير بابن
أبي الحسن الموسوي تجاوز الله عن سيّئاتهم، في ختامه سنة (1029) تسع
وعشرين بعد الألف من الهجرة.
تُرجم سيّدنا نور الدين في سلافة العصر(33)،
وأمل الآمل(34)، وتحفة الأزهار (مخطوط)، ولؤلؤة البحرين(35)، وقصص
العلماء(36)، ومستدرك الوسائل(37)، ونزهة الجليس(38) وغيرها.
4 ـ السيّد عليّ بن نور الدين عليّ المتقدّم
الذكر:
جهبذ نحرير فاضل، فما الصاحب لديه وما الفاضل،
تفرّد بعلم البديع والمعاني فاق البديع الهمداني، وتوحّد بالنحو
والصرف، فلو عاصره سيبويه والتفتازاني ما نطقا في حضرته بحرف، وتعزز في
اللغة وعلوم الأوائل، فبارز في حلبة الفصاحة والبلاغة قس بن ساعدة
وسحبان بن وائل، وتبحّر في سائر العلوم، وتفنّن في المنطوق والمفهوم.
كان بمكّة المشرّفة... وما برح مشهوراً بكلّ فضل
لدى البادي الحاضر، وموقراً ومكرماً عند السادة آل الحسن وجميع الرؤساء
والوزراء الأكابر(39).
وذكره الشيخ الحرّ العاملي في أمل الآمل وقال:
فاضل صالح شاعر أديب ...(40).
وذكره المحبي في خلاصة الأثر في ذيل ترجمة أخيه
السيّد جمال الدين(41)فقال كما أخبرني بذلك أخوه روح الأدب السيّد عليّ
بمكّة المشرّفة(42).
ولد بمكّة المعظّمة سنة 1061 ولمّا مات أبوه كان
عمره سبع سنين فكفله أخوه السيّد زين العابدين فعلمه القراءة والكتابة،
ولمّا بلغ اثنى عشر عاماً توفي أخوه أيضاً فتولّى تربيته جماعة من
تلامذة أبيه، فأخذ عنهم وعن غيرهم من علماء الخاصّة والعامّة.
توفّي بمكّة صبح ثامن عشر من ذي الحجة الحرام
سنة 1119 وأرّخ وفاته ولده السيّد مصطفى بقوله: (دخل الجنّات) وأعقب
ثلاثة أولاد وهم السيّد مصطفى والسيّد سليمان(43) والسيّد عباس ـ مؤلّف
كتابنا هذا ـ .
وللمترجم له شعر مذكور في النزهة ووصفه بقوله:
وله كلّ قصيدة تهزأ باللؤلؤ المنثور وتخجل بحسنها الورد والياسمين
والمنثور، ثمّ ذكر شيئاً من غزله وقصيدة له مصدراً ومعجزاً قصيدة ذي
الوزارتين القائد أبو عيسى بن لبون(44) وذكر له في ترجمة الشيخ البهائي
قصيدة كافية عارض بها قصيدة البهائي(رحمه الله) وقد ذكر منها في
الأعيان أربعة أبيات. وقد خلط السيّد الأمين بين مشايخ السيّد عليّ ـ
المترجم له ـ وبين مشايخ أبيه السيّد نور الدين عليّ ـ المترجم آنفاً.
والعصمة لله وحده.
ترجم السيّد عليّ المذكور الشيخ الحرّ
العاملي(45) وولده(46) والسيّد الأمين(47).
ولادته ونشأته:
ولد السيّد المكّي ـ مؤلّف النزهة ـ بمكّة في
سنة 1110 هـ ولقد جاء في ترجمته في نشر العرف: ولد في جمادى الاُولى
سنة احدى عشرة ومائة وألف بمكّة المكرّمة ونشأ بها(48).
ولا نعرف عن نشأته شيئاً يعبأ به، سوى أ نّه
اُصيب بفقد أبيه وهو ابن تسع سنين، والمظنون قوياً انّ الّذي تولى
تربيته وتوجيهه هما أخواه السيّد مصطفى والسيّد سلمان، وقد ذكر المكّي
أخاه الثاني فأطراه بقوله: أخي الشقيق الشفيق وعضدي القوي وركني
الوثيق، ولعلّه الّذي كفله.
وجاء في نشر العرف ترجمة مفصّلة لعليّ بن مصطفى
بن عليّ بن نور الدين الحسيني الدمشقي الأصل المكي مسكناً اليمني
الصنعاني وهو فيما أظن ابن أخ المؤلف فليحقق(49).
دراسته
وشيوخه:
لم نعثر على كلّ مشايخه الّذين أخذ عنهم في جميع
مراحل دراسته، ولكنا نذكر من صرّح هو بأخذه عنهم وتلمذه عليهم وهم:
1 ـ السيّد نصر الفائزي الحائري المدرّس
المستشهد فقد صرّح بتلمذه عليه وهو ابن عشرين سنة فقال:
كنت مغرماً بفنّ القريض، رائعاً في روضه الأريض،
مولعاً بانشائه وانشاده... لكني لم أظفر بمن يثقف قناتي، ويجلو صدأ
مرآتي، فلذا كان يخفى تارة وتارة يستبين... حتّى ظفرت بجهينة الأخبار،
ونادرة الفلك الدوار... السيّد نصر الله...
ظفرت بالكنز فاحمل من نفائسه *** وقد وقفت ببحر
الفضل فاغترف
فسقاني بكأس من معين، بيضاء لذة للشاربين،
وناولني راية الأدب، فتناولها عرابة فكري باليمين.
فاشتغلت بالطلب لديه... ففتح الفتاح ومنح، وجاد
في الوقت ببغيتي وسمح ونلت الأدب... فكان اجتماعي به بمكّة المشرفة عام
1130 هـ .
واُستاذه هذا هو الّذي أشار عليه بالسفر معه إلى
العراق، وحفزّه على ذلك بما أنشده من أبيات تنسب إلى الإمام
أميرالمؤمنين(عليه السلام) أوّلها:
تغرب عن الأوطان في طلب العلى *** وسافر ففي
الأسفار خمس فوائد
وكان سفره هذا مع اُستاذه أوّل أسفاره المتتابعة
الّتي تمخضت عنها رحلته ـ نزهة الجليس ـ .
2 ـ السيّد عبدالله بن جعفر باعلوي الملقّب
بمدهر، وقد وصفه بقوله: شيخنا واُستاذنا العالم العلاّمة الحبر
الفهّامة.
3 ـ السيّد بدر بن السيّد غالب الرفاعي ووصفه
بقوله عندما اجتمع به ببلاد كوندو الهندية: السيّد الكريم صاحب الفضل
العميم والخلق العظيم والخلق الوسيم الرئيس الأجل، الكهف الأظل شيخي
واُستاذي، وعمدتي وملاذي، دليلي إلى الله في طريقة الرفاعية وكذلك
القادرية، مولانا الّذي لم أزل لإحسانه شاكراً ولجنابه بالدوام داعي...
4 ـ السيّد عليّ نقيب القادرية ببغداد، أخذ على
يديه الطريقة وألبسه اُستاذه المذكور خرقة التصوّف وقلّده الخلافة
القادرية.
5 ـ الشيخ محمّد بن أحمد عقيلة الأحمدي الشناوي
الصوفي الحنفي المكّي ووصفه بقوله: شيخنا إمام أهل العرفان وخلاصة
الصوفية أولياء الرحمن، المحقق المدقّق العلاّمة الفهّامة...
6 ـ السيّد يوسف بن عبدالرحيم الرفاعي ووصفه
بقوله وقد صحبه إلى بلدة عالي جهان من بلاد الهند: السيّد السند، الصدر
المعتمد، شيخي في علوم الشريعة والطريقة، ودليلي إلى الوصول لعلم
المعرفة والحقيقة، من هو لنهج السلوك ساع وراع...
7 ـ العلاّمة الشيخ عبداللطيف وهو نجل ابن عمته،
حضر دروسه في شرح الملاّ جامي على الكافية في اصفهان، وجاء في نشر
الروح: ونشأ بها ـ بمكّة ـ وأخذ عنه عدّة من علمائها(50).
الرحلة
وأسبابها، مبدؤها ومنتهاها:
لم يكن رحالتنا المكّي من اُولئك الّذين
استهواهم حب الاستطلاع على المسالك والممالك فشدّ الرحال، وركب
الأهوال، وجاب البلاد ليسجل مشاهداته الشخصية وملاحظاته الخاصة، فيبين
حدود الأقاليم وخططها وطبائع أهلها وخصائص تربتها، باحثاً ناقداً يتحرى
التمحيص في ذلك السبيل شأن الجغرافيين الّذين جابوا البلاد، فانّهم وان
اختلفت أهواؤهم والدواعي الّتي حدت بهم إلى ذلك ولكلّ منهم شأن إلاّ
أ نّهم جميعاً دونوا الأبعاد بين البلدان ووصفها وخصائصها من صناعة
وزراعة وتجارة، وقد لا يغفلون الإشارة إلى أخلاق الناس وعاداتهم
وتقاليدهم، وغير ذلك ممّا دوّنوه اعتماداً على مشاهداتهم الخاصّة في
الغالب، وإن توسع بعضهم فدوّن ما سمعه من أفواه النقلة والرحلة عن
البلاد الّتي لم يطأ ثراها ولم تبلغه إليها الركائب.
فانّ رحالتنا لم يكن كاُولئك الجغرافيين، بل
انّه سجّل مشاهداته الخاصة وملاحظاته الشخصية في البلاد الّتي ساقته
إليها المقادير، فدوَّن ما استهواه من نوادر وآثار، ولم يستهدف من
رحلته معرفة الأقاليم ولا مشاهدة المسالك والممالك، لذلك كانت رحلته لا
تشبه رحلات الرحّالين في كثير من النواحي.
أمّا الأسباب الّتي حدت به إلى تلك الرحلة
والّتي استدامت ردحاً من الزمن، فقد أوضحها في مقدّمة كتابنا هذا ـ
النزهة ـ ويجمل بنا الإشارة إلى بعض تلك الأسباب، ولعلّ أقواها وأبلغها
أثراً هو الضغط المادّي الّذي كان يعانيه حتّى اضطره إلى الاعلان به
تبريراً لهجرة وطنه ومسقط رأسه ومهبط آبائه مستشهداً لذلك بأحاديث
وآثار، وأخبار واشعار كلّها تبيح لأمثاله هجر الوطن مع الذلّ والغربة
مع العزّ.
ولم يقصد بالذلّ الّذي سامه الزمان به إلاّ
الضائقة المالية الّتي كان يعاني ألمها وحده، مضافاً إلى ما أحاطت به
من عوامل اُخرى من يتم مبكر، ومحاربة اخوان حسداً، وأعداء بغضاً كلّ
ذلك ممّا ألهب في نفسه جذوة تستعر، تركته يفكر في الخلاص من ذلك الأسر
الاجتماعي الّذي لا يستساغ لأمثاله، وكيف تستساغ حياة الجحيم لإنسان
أخذ من أطراف العزّ أعلاها وأغلاها، فنسب وضّاح ومواهب جمّة وسن فتية،
وقوى متكاملة، كلّ ذلك ممّا يأبى له الإقامة بدار تظن عليه بلماظ
العيش، ولعلّ أصرح شاهد على ذلك قوله:
ولم أغترب إلاّ لأكتسب الغنى *** فأسقي منه كلّ
ذي ظمأ سجلا
ويعلو الغمام الأرض من أجل انّه *** يسوق إليها
وهي لن تبرح الوبلا
إذا ما قضت نفسي من العزّ حاجة *** فلست اُبالي
الدهر أملى لها أم لا
فهو مرغم على رحلته الّتي دامت اثنتى عشرة سنة
يسيح في أرض الله العريضة طلباً للقوت ونيل النوال، ويكفينا دليلا على
ذلك قوله:
وكان يعزّ عليَّ سفري من بيت الله الحرام،
ومفارقتي لتلك المآثر العظام:
بلاد بها نيطت عليَّ تمائمي *** وأوّل أرض مس
جلدي ترابها
لكن لي برسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)
اُسوة فانّه خرج منها وهي أحب البقاع إليه حين آذاه أهل الشرك
والطغيان، فهاجر منها إلى طيبة وأقام بها إلى أن كان من أمره ما كان:
وانّ صريح الحزم والمجد لامرىء *** إذا بلغته
الشمس أن يتحولا
فانّي لحقت فيها وقتاً قليل الانصاف، ينصب
السفلة ويخفض الأشراف، ويرفع فيه الجاهل وينحط العالم، ويتدنى فيه سهيل
وتستعلي النعائم:
هذا الزمان على ما فيه من كدر *** حكى انقلاب
لياليه بأهليه
غدير ماء تراءى في أسافله *** خيال قوم تمشوا في
نواحيه
فالرجل تنظر مرفوعاً أسافلها *** والرأس ينظر
منكوساً أعاليه
وبليت فيه بأقارب، هم في الحقيقة كالعقارب،
وأصحاب واخوان أشدّ أذية من الثعبان.
واخوان اتخذتهم دروعاً *** فكانوها ولكن للأعادي
وخلتهم سهاماً صائبات *** فكانوها ولكن في فؤادي
وقالوا قد صفت منا قلوب *** لقد صدقوا ولكن عن
ودادي
وقالوا قد سعينا كلّ سعي *** لقد صدقوا ولكن في
فسادي
فهؤلاء الّذين ظلموني ببعدي عن بلد الله الأمين
المأمون، (وَيْكَأ نَّهُ لا يُفْلِـحُ الظَالِمُونَ).
وجاء في نشر العرف: وجال في الأقطار(51).
أمّا مبدؤ رحلته فكان في سنة 1131 هـ وذلك بعد
اجتماعه باُستاذه العلاّمة الجليل السيّد نصر الله الحائري في سنة 1130
فهو الّذي شجّعه على السفر والاغتراب، ولعلّ السر في مطاوعة التلميذ
المكّي لاُستاذه الحائري هو ما كان يلمسه لديه من عطف وحنان غمره بهما
ذلك السيّد الجليل، كما كفل تربيته أدبياً مدّة إقامته بمكّة.
فقد كان مؤلّفنا وهو ابن عشرين سنة في عنفوان
شبابه يدفع به طموحه الأدبي إلى نظم القريض متردداً بين أغواره
وانجاده، ومولعاً بانشائه وانشاده، لكنه لم يظفر بمن يثقف قناته، ويجلو
صدأ مرآته، فبقي على ذلك حتّى ظفر بحاجته عند السيّد الحائري الّذي
أنشد عند بلوغ قصده يحكي حاله:
ظفرت بالكنز فاحمل من نفائسه *** وقد وقفت ببحر
الفضل فاغترف
ولمّا انقضى موسم الحجّ من عام 1131 هـ تأهب
السيّد الحائري للسفر مع الحاج العراقي قاصداً العودة إلى بلاده كربلا،
وكان صحبة والده السيّد حسين الحائري، فأشار على تلميذه بالسفر وأنشده
أبياتاً لاح له منها الظفر كما يقول في النزهة، فامتثل أمر اُستاذه
واكترى له جملاً وصمم على السفر صحبة اُستاذه، تاركاً أهله على الله
كما يشعر بذلك قوله:
انّ الّذي وجهت وجهي له *** هو الّذي خلّفت في
أهلي
فانّه أشفق منّي بهم *** وفضله أوسع من فضلي
وفي عصر ثامن عشر من ذي الحجة الحرام من السنة
المذكورة خرج الركب إلى الأبطح ومعهم مؤلّفنا الرحّالة المكّي، وهذا
أوّل رحلته الّتي زار فيها كثيراً من الأقطار الإسلامية وافداً على
ملوكها واُمرائها، وأوّل قطر إسلامي بلغته إليه الركائب هو العراق، كما
انّ أوّل بلد زاره من بلدانه هو النجف الأشرف، وكان ذلك بتاريخ 3 صفر
سنة 1131 وقد وصف زيارته تلك وما لاقاه فيها من حفاوة وإكرام من أهالي
البلد وعلمائها بكلّ فخر واعجاب ولسانه ينشد فيهم:
لا عيب فيهم سوى انّ النزيل بهم *** يسلو عن
الأهل والأصحاب والوطن
وكان نزوله في دار العالم العامل النحرير الفاضل
مولانا الشيخ إبراهيم الخميسي (خميس)، وكانت مدّة إقامته في النجف
الأشرف شهراً تاماً اجتمع خلالها بأقطاب العلم والفضيلة ذكر منهم الولي
الشهير، المجتهد الكبير، العابد الزاهد، بحر المعارف والفوائد، تاج
السادّة الأكارم، مولانا السيّد هاشم(52).
وبالعالم العامل الفاضل، التقي النقي الكامل،
الشيخ محمّد يحيى الخميسي، وبالفاضل الأديب العاقل الكامل الأريب،
الشاعر الماهر اللطيف، المؤنس الظريف، الشيخ يونس بن أنسى، كما اجتمع
بحاكم النجف يومئذ السيّد مراد(53) وقد أكرم الجميع وفادته.
وزار كربلا بتاريخ 6 ربيع الأوّل سنة 1131 وأقام
بها شهرين موضع عناية اُستاذه، واجتمع بها بالسادن السيّد حسين(54)
وأخيه السيّد مرتضى وبالعالم العلاّمة المولى أبي الحسن، وهذا الأخير
جمع بين مؤلّفنا وبين الأمير حسين أوغلي بيك ايشك أغاسي باشي الحرم،
وكان هذا الأمير قد تشرّف بالزيارة ذلك العام فأشار على المترجم له أن
يذهب معه إلى اصفهان حيث مقر السلطنة لكي يجمعه مع السلطان الشاه حسين
الصفوي.
ويظهر انّ إشارة الأمير صادفت من المترجم له
رغبة تامة، فأجاب شاكراً وسافر صحبته بعد أن زار بقيّة المشاهد الشريفة
في بغداد والكاظميين وسامراء والمدائن، واجتمع فيها ببعض العلماء وأخذ
عن بعضهم وقد قال في سفره ذلك:
إذا أذن الله في حاجة *** أتاك النجاح على رسله
وقرب ما كان مستبعداً *** ورد الغريب إلى أهله
ووصل إلى اصفهان في 11 رجب 1131 فأنزله الأمير
الّذي اصطحبه معه في داره، فكان موضع تجلة الاُمراء وعناية الأعلام
واجتمع في اصفهان بابن عمّه السيّد المرتضى، وبنجل ابن عمّه السيّد بدر
الدين بن كمال الدين، وبابن عمته الشيخ زين الدين، وبنجل ابن عمته
الشيخ عبد اللطيف وحضر دروسه في شرح الملاّ جامي على الكافية، ووصف
هؤلاء كلّهم بما يشعر بمقامهم العلمي خصوصاً ابن عمته الشيخ زين الدين
الّذي أطراه كثيراً وذكر شيئاً من شعره كما سيقرؤه القارئ في كتابنا
هذا ـ النزهة ـ .
والّذي يظهر انّ الحظ لم يحالف رحالتنا في سفره
هذا كما ينبغي، أو انّه حالفه ولكن لم يحسن هو مداراته ـ كما يقولون ـ
ولعلّ قوله بعد وصفه النعمة الّتي صادفها والخير الوفير الّذي حازه:
لكنّي لم أقم لتلك النعمة بأداء بعض الشكر،
فلهذا خلعت من ملك النعيم واعتضت عن حلاوة الاقبال، مرار تقلّب الأحوال
بالبؤس والضرّ:
رزقت ملكاً فلم أحسن سياسته *** وكلّ من لا يسوس
الملك يخلعه
ومن غدا لابساً ثوب النعيم بلا *** شكر عليه
فعنه الله ينزعه
كلّ هذا يشعر انّه لم يكن موفقاً في سفره هذا
لذلك عاد أيّام الموسم مع الحاج وصحبة اُمرائه إلى بلاده وصادف في
رجوعه من المزعجات ما أتعبه، وكان آخرها الحرب الّتي دارت بين جند أمير
الحاج وبين عبيد شرفاء مكّة وكادت أن تصدّ الناس عن أداء المناسك، وقد
خرج لاستقباله إلى الأبطح أخوه السيّد سليمان (ت 1134 هـ) في غيبة
رحالتنا إلى الهند وقد رثاه بأبيات لمّا بلغه خبر موته.
وكانت رحلته هذه مفتاحاً لرحلات متوالية ففي سنة
1132 خرج مع الحاج العراقي متوجهاً إلى العراق مرّة ثانية وزار المشهد
العلوي على صاحبه السلام، وزار الحلة وحدث عن مشاهدته لمنارة مسجد
الشمس المشهور فقال:
ورأينا المنارة الّتي هي من عجائب الدهور،
فانّها تهتز بقوّة إذا حلفتها بعليّ بن أبي طالب أسد الله المنصور،
فصعدنا فوقها وحلفناها أن تهتز بعليّ، فاهتزت حتّى خشينا أن تقع من عل،
بل نقول انّ هذه المنارة ليست من العجائب، فكم مثلها من معجزات وغرائب
وهذا قليل من كثير من معجزاته وبراهينه وآياته... الخ.
وتوجّه من العراق إلى اصفهان ثانياً فدخلها في
24 جمادى الاُولى من تلك السنة ونزل بدار السيّد سعد بن السيّد جعفر
نقيب السادة الحسينية فأكرم مثواه.
وخرج من اصفهان في 24 ج 1 إلى شيراز ودخلها في 6
ج 2 ونزل فيها بدار الأمير ميرزا محمّد تقي وزير شيراز، واجتمع بها
بالسيّد محمّد النجفي وابنه السيّد عليّ النجفي وشيخ الإسلام السيّد
مهدي، وزار قبور جماعة من العلويين هناك كقبر السيّد أحمد بن الإمام
موسى بن جعفر المعروف شاه جراغ وقبر السيّد عليخان المدني صاحب
السلافة.
ثمّ أنهى رحلته في البلدان الايرانية في 18 رجب
حيث خرج من بندر أبي شهر إلى الحسا ومنها إلى البصرة، وقد دخل بندر
الريق فنزل في دار أميره الأمير سليمان بن مسفر، وجمع الأمير بينه وبين
صهره حاكم البندر الأمير عبدالرحيم.
وفي 6 شعبان خرج من البندر على ظهر سفينة الأمير
سليمان بن مسفر إلى البصرة فدخلها في 12 شعبان، وقد أطنب في كتابه
النزهة ـ هذا ـ في وصف البصرة، وكان نزوله في دار الحاج محمود القندي،
وسرد أسماء من اجتمع بهم من ذوي الشأن من أعلام سواء كانوا من العلماء
أو التجّار أو الزعماء أو غيرهم من ذوي النباهة، ومن الطريف انّه كلّما
ذكر اسم واحد منهم ذكره محفوفاً بالألقاب المشعرة بالتعظيم وختم ذلك
ببيت شعر يمدحه به، وهم تسعة عشر رجلا وقد حصل له من هؤلاء القبول
والاكرام فشكرهم على ذلك واختتم حديثه بقوله:
لو كنت أعلم فوق الشكر منزلة *** أعلى من الشكر
لاستقصيتها لهم
ومن البصرة صحّ عزمه على التوجّه إلى بلاد
الهند، فغادرها عصر 6 صفر سنة 1133 في مركب كان قد استأجره الأمير فارس
خان أمير سورت لنفسه خاصة وسمح له بصحبته فيه، فدخل في غرة ربيع الأوّل
بندر كنج وهناك اجتمع بالعلاّمة الشيخ محمّد بن ماجد البحراني.
وفي صبح 27 منه دخل بندر سورت واجتمع بأميرها
فارس خان فأكرمه، وكذلك اجتمع بحاكم سورت شيخ الإسلام خان فذمّه كثيراً
لأ نّه كان أعمى البصيرة والبصائر، وقد مدح من اجتمع بهم من أعيان
وتجار وأشراف لأ نّهم أكرموا مثواه.
ودخل من بلاد الهند بلدة عالي مهان وكان ذلك في
15 شعبان سنة 1133 كما انّه تولى الحسبة في قرية (ديوهي) وذلك أيّام
عظمة السلطان مهر عليّ خان.
ودخل من بلاد الهند بلدة پرها نبور ونزل بدار
الأمير السيّد أحمد الدمشقي (كنوال البلاد) أي محتسبها، ودخل أيضاً
بلاد كوند واند، ونزل بدار سلطانها الراجه بخت بلند، وفيها اجتمع بشيخه
السيّد بدر الرفاعي فتقدم إلى السلطان بنقل المؤلّف من منزل الراجة إلى
منزله، فنقله إليه، وقد اصطحبه اُستاذه المذكور إلى بعض البلدان فكان
موضع حفاوة اُمرائها وسلاطينها، كما حدّث بذلك عن سفرهم إلى بلدة باكرة
وخروج سلطانها الراجة عليّ شاه لاستقبالهم على بعد نصف مرحلة، وكان في
جمع كثير وموكب كبير بالخيل والجنود والرايات والبنود، وصنع لهم وليمة
عظيمة، وأمر بانزالهم بدار الأمير شير خان وكان صاحب الديوان.
ودخل من بلاد الهند الشهيرة في 23 ربيع الثاني
سنة 1163 هـ واجتمع بحاكمها وهو عم الوزير نظام الملك الأمير حامد خان
وبجماعة من الاُمراء وغيرهم.
كما انّه وصل إلى شاه جهان آباد وذلك بصحبة شريف
مكّة الشيخ أحمد علان وكان على طريقه عليّ أحمد اباد فشهد الحرب الضروس
بين الراجات حتّى سئمت نفسه فصحب عمة الأمير قمر الدين خان وزير
السلطان وكانت قاصدة للحجّ فسار معها إلى سورت فدخلها في 28 رمضان 1138
وأقام بها حتّى غرة جمادى الآخرة سنة 1139. ثمّ خرج منها متوجهاً إلى
عدن فوصلها في 18 من الشهر المذكور.
ووصل بندر المخا(55) في 20 ج 2 وحاكمها يومئذ
الأمير أحمد بن يحيى خزندار وهو الّذي كتب برسمه هذا الكتاب، والشيء
الّذي يلفت النظر في هذا الكتاب انّ المؤلّف كان يرعى الجميل بلسان
الثناء والشكر لكلّ من أولاه احساناً وأكرم مثواه، لما كان أهالي بندر
المخا وحاكمهم قد بالغوا في اكرامه فقد أطنب في مدحهم بكلّ جميل وأثنى
عليهم بشعره كما يلاحظ ذلك عند ذكر بندر المخا وذلك في الجزء الثاني من
الرحلة فراجع.
ولقد أقام في المخا حتّى 12 ربيع الأوّل سنة
1140 ثمّ توجّه إلى جدّة قاصداً للحجّ فنزلها غرة جمادى الاُولى ومنها
توجّه إلى المدينة فدخلها 22 جمادى الاُولى سنة 1140 وقد أرّخ ذلك
شعراً.
فاجتمع فيها بجماعة الأشراف والعلماء وقد سمّاهم
ومدح بعضهم شعراً، وأقام بينهم إلى 15 شعبان حيث توجّه تلقاء البيت
الحرام فدخل مكّة المكرمة في 28 شعبان، وأرّخ ذلك بشعره، وكان نزوله في
دار ابن عمّه السيّد نور الدين بن السيّد أحمد وقد ترجمه، واجتمع
بآخرين من الأعلام والتجّار والحكّام، وفي 6 شوال رحل إلى الطائف ويبدو
انّه كان يروم الاجتماع بالأمير الشريف باز ابن الشريف شبير بن مبارك
وقد ترجمه في كتابه ومدحه بقصيدة مثبتة في كتابه هذا، وفي ذي الحجة سنة
1140 قفل راجعاً إلى مكّة صحبة الأمير الآنف الذكر.
وبعد انقضاء مناسك الحجّ عاد معه إلى الطائف في
6 محرم سنة 1141 وبقي حتّى 9 شوال خرج منها متوجهاً إلى بندر اللحية،
وقد فصل في رحلته وارتحاله وذكر زعماء القبائل الّذين نزل عليهم في
طريقه حتّى وصوله إلى بندر اللحية في 9 محرم سنة 1142 وخرج منها إلى
بيت الفقيه ومنه إلى صنعاء فدخلها غرة صفر سنة 1142 وقد مدح حاكمها
إبراهيم بن المهدي بقصيدة، ولم يطل مكثه بها حيث لم يجد ما يؤمّل فيها
فقفل إلى بندر المخا فدخله في 8 ربيع الأوّل سنة 1142.
وما زال متردداً بينه وبين مكّة إلى سنة 1145
حيث نوى الإقامة بالبندر المذكور، وتزوج هناك وولد له بها ابنه عبدالله
سنة 1146 وابنه الآخر محمّد، وكان ذلك آخر تطوافه في البلاد فبقى حتّى
سنة 1147 وسنة 1148 حيث أرّخ دخول الأمير عبدالله بن أحمد الخرندار إلى
المخا قادماً من صنعاء.
وفي هذه ختم كتابه الرحلة ـ النزهة ـ في 4 شوال
سنة 1148 وذلك ببندر المخا المذكور حيث وجد فيه ضمان عيشه وتقدير
مواهبه، وقد صرّح بذلك في ختام رحلته حيث تزوّج هناك وأقام مدّة ست
سنوات.
مؤلفاته:
لم يذكر مترجموه له من التآليف سوى كتابه (نزهة
الجليس) وهو هذا الّذي نقدّمه للقرّاء، كما انّه الأثر الوحيد المنتشر
من آثاره الفكرية.
أمّا كتابه الآخر (أزهار الناظرين في أخبار
الأوّلين والآخرين) فقد ذكره المؤرّخون استناداً إلى تصريح المؤلّف
نفسه بذلك في كتابه النزهة الآنف الذكر حيث أحال كثيراً على كتابه
الأزهار، والّذي يظهر من حوالاته الكثيرة عليه انّه مؤلّف ضخم جامع.
وقد ذكر الحجّة الخبير الرازي في كتابه الذريعة
للمؤلّف (أزهار بستان الناظرين في سيرة رسول ربّ العالمين وأخباره
وآثاره) ووصفه بأ نّه مجلد كبير، وكانت نسخته في خزانة الحاج شيخ
عبدالحسين بن الشيخ محمّد رحيم البروجردي المشهدي، ولعلّ الّذي ذكره
الرازي دام ظلّه هو بعض كتابه الأزهار حيث صرّح بأنّ المجلد المذكور في
سيرة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) وكتابه الأزهار في أخبار
الأوّلين والآخرين كما في النزهة وغيرها فلاحظ.
وللمؤلّف تأليف ثالث لم يذكره مترجموه وقد ذكره
هو نفسه في كتابه النزهة، هو مؤلّفه الّذي جمع فيه شعر ونثر صديقه
السيّد عبدالمطلب الحسيني المكّي في ديوان مفرد، ولعلّ السرّ في عدم
ذكر مترجميه لذلك ضياع نسخته منذ عهد مؤلّفه كما صرّح بذلك حيث قال:
(وكنت قد جمعت كثيراً من رقيق شعره وأنيق نثره فلم أدرِ أين ضاع
منّي؟).
شعره:
كان المؤلّف شاعراً متفنّناً في ضروب الشعر،
حتّى التخميس والمسلسل والدوبيت المستزاد وغيره، وشعره متوسط قليل
الجيد، يغلب عليه طابع عصره من التزام الصناعة اللفظية، وكثرة استعمال
المعاني البديعية.
والغالب على أغراضه الشعرية شكوى الزمان الّذي
حاربه وأمثاله من الموهوبين حتّى طغت تلك الظاهرة حتّى على مدحه لذوي
اليسار والمعروف الّذين استرفدهم بحكم ظروفه القاسية، والّتي اضطرته
إلى أن يجوب شرق البلاد وغربها وبرها وبحرها.
ويجد القارئ في ثنايا كتابه النزهة ـ هذا ـ
نماذج كثيرة لذلك كما يجد له متفرقاً في أغراض اُخرى، وجميعها تكشف عن
ذهنية خصبة وحسّ مرهف، ونماذج شعره في كتابه ـ هذا ـ مبثوثة تكشف عن
قابليته الشعرية وقوّته الأدبية، والّتي يطغى عليها أثر ما قلناه من
تعقيد في شؤون الحياة، وربّما يكون لذلك كبير الأثر في إلهاب الجذوة
الشعرية في نفسه.
ولم يكن مقتصراً في نظمه على اللغة العربية
الفصحى فحسب، بل كان ينظم باللغة العربية الدارجة، فقد روى له السيّد
الأمين في الأعيان وقبله الشرواني في الحديقة بيتاً على طريقة
(المواليا) العراقي الأعرج وذلك قوله:
دموع عيني بما تخفي الجوانح وشن *** وعلي غار
الهوى من كلّ جانب وشن
وأنت يا من شحذ أسياف لحظه وسن *** تروم قتلي
بها بالله بيِّن إليَّ
من جوَّز القتل في شرع المحبة وسن
ولقوّته الأدبية ومعرفته ببعض اللغات الحيّة غير
العربية كالفارسية والهندية والتركية، والّتي أجادها بحكم أسفاره إلى
بلادها وإقامته بين ظهراني أهلها، فقد كان يحسن النظم ببعضها كما انّه
استفاد أدبياً من جميعها حيث قرأ لشعرائها واطلع على لفتاتهم وبدائع
أفكارهم، فاستحسن منها ما جعله يترجم بعضه إلى لغته الأصلية ـ العربية
ـ كما صنع ذلك مع شعر (سورداس) الشاعر الأعمى الهندي الشهير فانّه ترجم
بعض شعره.
أمّا نظمه بغير العربية فقد ذكر لنفسه قصيدة
بالفارسية وعظية تناهز الأربعين بيتاً أوّلها:
بشنو از گنجشك اين نقل خبر *** يا سليمان نبيّ
خير البشر
كما انّ له قصيدة اُخرى ملمعة عربية وفارسية
وتركية تنوف على الثلاثين بيتاً عارض بها قصيدة السيّد عليّ المهري
الملمعة والّتي أوّلها:
لي دلبر آب الحياة *** معتق بدهانه
الماء طرة وجهه *** والدر من دندانه
فعارضه المؤلّف بقصيدة وأوّلها:
لي شادن أضنى الحشا *** بالسحر من چشمانه
أصمى الفؤاد وصادني *** بالتير من مچكانه
كما انّ له في المعارضة قوّة عارضة فقد يطيل
الحديث عن ذلك ويروي الكثير من الشواهد، فمن ذلك عند ذكره لقصيدة
المرحوم الشيخ الحسين بن عبدالصمد والد الشيخ البهائي الكافية والّتي
أوّلها:
لست أسلو هواك لا وأبيك *** يا حبيبي وطرفي
الفتيك
فقداستعرض كلّ من عارضها وذكر شعرهم وعدّ منهم
والده السيّد عليّ المكّي وأوّل قصيدته:
من لصب قضى غراماً فيك *** يا غزالا بالحسن صار
مليك
ثمّ ذكر تسعة آخرين منهم السيّد عليخان المدني
والشيخ البهائي وغيرهم وختم ذلك بقصيدته الّتي عارض بها قصيدة والده
والحسين بن عبدالصمد وأوّلها:
فاح نشر الصبا وصاح الديك *** فانتبه وانف عنك
ما ينفيك
وفي ثنايا كتابه شواهد اُخرى لا نطيل الحديث
عنها.
وجاء في نشر العرف قال في ترجمته: ومن شعر
المترجم له قصيدة مطلعها(56):
جرحتِ قلبي بلحظ منكِ فتّاكِ *** فمن بذا يا
حياة الروح أفتاكِ
ما كان عهدي بذايا منتهى أملي *** أن تشمتي بي
أعدائي وأعداكِ
وتحرميني لذيذ الوصل منكِ فعن *** هذا الجفا
والنوى ما كان أغناكِ
فهل تداوين قلبي باللقا كرماً *** فما لقلبي
دواء غير لقياكِ... الخ
وكتب إليه الفقيه إسماعيل النهمي اليمني صهر
المتوكّل على الله القسم بن الحسين ملغزاً في :
صفة الدمع اسم من لم أبنه *** صحف الدسم بعد أن
تقلبنه
وخذ الضدّ واقلب الميم ياء *** تجد الاسم واضحاً
فاعلمنه
فأجابه صاحب الترجمة بقوله:
أيّها الفاضل الّذي جاء منه *** نظم لغز يريد
أ نّي أبنه
أنت والله للبلاغة أهلٌ *** وأديب تُروى الفصاحة
عنه
والفقير الحقير في ضيق عيش *** من زمان مكدّر
صدّ عنه
غير أ نّي أقول والله أدرى *** حيث انّ الجواب
لابدّ منه
صفة الدمع يا رئيس سجوم *** وكذا القلب موجس
فاعرفنه
وإذا ما صحفته فهو لفظ *** موحش تنفر المسامع
عنه
فخذ الضدّ بعد ذا فهو شيء *** مونس لا تحل فديتك
عنه
واقلب الميم بعد ذلك ياءً *** فهو إذ ذا الرجوس
فاعلمنه...الخ
وله مضمناً للبيتين الأخيرين وهما للبدر يوسف
الذهبي:
شوقي لسكان المخا وتولعي *** لا ينقضي وصبابتي
وتوجعي
حتّى قال في آخر القصيدة:
من علّم الورقاء أ نّي مغرم *** بالبدر حتّى
أقبلت تبكي معي
والفرق بيني في البكاء وبينها *** متباين يا
صاحبي فاسمع وعي
فالدمع منّي أربعون وأربع *** يجري وتلك عيونها
لم تدمع
لكنّها مذ ساعدتني بالبكا *** واللوح والأشواق
نحو الأربع
أبثثتها شوقي وسري في الهوى *** وأجبتها نظم
البليغ اليلمعي
أحمامة الوادي بشرقي الغضل *** إن كنت مسعدة
الحزين فرجّعي
إنا تقاسمنا الغضل فغصونه *** في راحتيك وجمره
في أضلعي
مدح المؤلّف
والثناء عليه:
ذكر المؤلّف كثير من أعلام الفضيلة والأدب
وأثنوا عليه بما يكشف عن علوّ مقامه، ولعلّ أقدمهم اُستاذه الروحي
وموجهه الأدبي السيّد نصر الله الحائري، فقد كتب إليه حين أرسل المؤلّف
إلى اُستاذه مشطين أحدهما أبيض والآخر أصفر:
أيا عباس السباق *** بالأعذار للجاني
ويا من جود راحته *** جنى جناته داني
بعثت لنا بعاجي أبـ *** ـيض وبأصفر ثاني
كجبهة فاتن غنج *** وجبهة مغرم عان
هلالا اُفق كلّ ندى *** ولكن لا يغيبان
فكفي معهما أبداً *** لها شأن من الشأن
(فامساك بمعروف *** وتسريح بإحسان)(57)
وذكره الشرواني اليماني صاحب حديقة الأفراح حيث
قال:
السيّد عباس بن عليّ الموسوي المكّي صاحب (نزهة
الجليس) المحتوي على كلّ معنى نفيس، فصيح ألبسه الله حلّة الكمال،
وبليغ نسج القريض على أحسن منوال، ثمّ ذكر نماذج من شعره ومنها تخميسه
للبيتين المشهورين:
دع الدنيا الدنية مع بنيها *** وطلّقها الثلاث
وكن نبيهاً
ألم ينبيك ما قد قيل فيها *** هي الدنيا تقول
لساكنيها
حذار حذار من بطشي وفتكي
فلم يسمع لها فيهم كلام *** وتاهوا في محبتها
وهاموا
وكم نصحت وقالت يا نيام *** فلا يغرركم منّي
ابتسام
فقولي مضحك والفعل مبكي
وذكره الشيخ عليّ بن محمّد السبيتي العاملي
الكفراوي (ت 1303 هـ) في كتابه (العقد المنضّد في شرح قصيدة عليّ بك
الأسعد) فقال:
كعبة أهل الأدب، وجهبذ الجهابذة في لغة العرب،
العبّاس بن عليّ... ثمّ ذكر شيئاً من أحواله من ولادته حتّى وفاته.
وترجمه المرحوم السيّد الأمين في الأعيان(58).
كما ترجمه المرحوم السيّد شرف الدين في بغية
الراغبين (مخطوط) على ما حكي عنه.
وذكره الحجّة الشيخ أغا بزرك الطهراني سلّمه
الله في الكواكب المنتثرة (مخطوط) فقال: العالم الفاضل الكامل الناظر
الناثر الجامع لكلّ الفضائل المؤرّخ النسّابة المفسّر المحدّث...
وذكرته بقية المعاجم المعنية بفهرسة أسماء
المؤلّفين أو المؤلّفات، فورد ذكره في:
1 ـ الذريعة(59).
2 ـ معجم المطبوعات(60).
3 ـ معجم المؤلّفين(61).
4 ـ الأعلام للزركلي(62).
5 ـ فهرس المكتبة الأزهرية(63).
6 ـ فهرس المكتبة البلدية ـ الأدب(64).
7 ـ فهرس دار الكتب المصرية(65)
8 ـ بروكلمان(66).
وفاته:
ذكر الشيخ عليّ السبيتي في رسالته (العقد
المنضّد والجوهر المجرّد في شرح قصيدة عليّ بك الأسعد): انّ
المؤلّف(رحمه الله)رجع في آخر أيّامه إلى مسقط رأسه مكّة المكرّمة،
فلبث فيها إلى موسم الحجّ تلك السنة، ثمّ جاء مع الحاج الشامي إلى
بلادنا فقطن جبشيت وتوفّي فيها هو وولده زين العابدين في سنة واحدة وله
سبعون سنة تقريباً، أمّا ولده فلم يتجاوز العشرين.
وبناءاً على ذلك فتكون وفاته في حدود سنة 1180
هـ إذ سبق ان ذكرنا ولادته في سنة 1110 هـ فلاحظ.
ذرّيته:
ذكر المؤلّف في حديثه عن صاحب بندر المخا الفقيه
أحمد بن يحيى الخزندار وما شمله به من عطف وإكرام حتّى رتّب له من بيت
المال مرتباً ضمن له الحياة الهادئة فصمم على الإقامة بالبندر المذكور
وذلك في سنة 1145 هـ قال:
فلمّا رأيت توجههم إليَّ وبرّهم بي وإحسانهم
عليَّ استخرت الله تعالى ونويت الإقامة ببندر المخا، ومجاورة أهل الكرم
والسخاء، المعتمد عليهم في الشدّة والرخاء، وأقمت والحمد لله في ظلال
عدلهم، وتزوّجت وذلك من فضل الله وفضلهم، ورزقت ولداً بقدرة الله
وسمّيته عبدالله وذلك وقت الشروق يوم الاثنين غرة ذي القعدة الحرام سنة
1146... وأرّخت ولادته بقولي:
قد حباني خالقي ربّ السما *** بغلام طاب أصلا
ونما
وهو عبدالله قد سمّيته *** راجياً من فضله أن
يسلما
فلربّي الحمد والشكر فكم *** عمني فضلا وكم قد
أنعما
وأتى التاريخ في مولده *** بيت شعر مثل در نظما
(أبقه يا ربّ لي طول الزمان *** في سعود وصعود
قد سما)
ثمّ توفي ذلك المولود في صبح 14 صفر من تلك
السنة.
ثمّ رزقني الله بعد ذلك الولد ولداً وسمّيته
محمّداً وكانت ولادته في نصف الليل من ليلة الأربعا، عندما ذكر المذكّر
في السحر ودعا، في 16 محرم الحرام سنة 1148...، وهذا كلّه من فضل ربّي
توكلت عليه، وفضل مولانا الفقيه أحمد المشار إليه لا زال لواء الدولة
والاقبال منشوراً عليه وعلى أولاده وكلّ من لديه.
وهذا دعاء لا يرد لأ نّه *** إذا ما دعونا أمنته
الملائك
وذكر الشيخ عليّ السبيتي ـ فيما حكي عن كتابه ـ
انّ له زين العابدين، المتوفّى هو وأبوه في سنة واحدة، ومنه عقبه في
السيّد عبدالسلام المولود في حدود سنة 1179 وكان من الفقهاء
والمحدّثين، وقد ذكر في تكملة الأمل للصدر والبغية والأعيان وغيرها.
ومن عبدالسلام بقي عقب جدّه ـ المؤلّف ـ فانّ
عبدالسلام بن زين العابدين ابن المؤلّف أعقب أربعة وهم: السيّد عيسى،
والسيّد موسى، والسيّد إبراهيم، والسيّد محمّد، والسيّد عيسى هو والد
السيّد عباس المؤرّخ الثقة وقد شافه الشيخ السبيتي بتاريخ آبائه.
وللسيّد عباس خمسة أولاد: السيّد أمين سم بمصر
ومات بها، والسيّد محمّد نزيل بلاد الفرس صاحب الرياضيات والكرامات مات
في النجف الأشرف، والسيّد محمود، والسيّد عليّ، والسيّد قاسم.
والسيّد موسى بن عبدالسلام كان فاضلا أديباً
شاعراً ووصفه السبيتي بالثقة، وقال: وذرّيتهم ميمونة صالحة تعرف ببيت
عباس ـ نسبة إلى جدّهم الأعلى السيّد عبّاس المكّي مؤلّف النزهة ـ
وفيهم الفقهاء والاُدباء.
نزهة الجليس:
كتابنا هذا الّذي نقدّمه للقرّاء أسماه مؤلّفه
بـ (نزهة الجليس ومنية الأديب الأنيس) وهو كاسمه، حيث يجد القارئ فيه
الطرفة الممتعة والنادرة الأدبية، والحادثة التاريخية، والنكتة
اللغوية، فهو كمن ينتقل بين الرياض المونقة، ويستاف منها مختلف الروائح
الذكية. ولقد وصفه مؤلّفه وأطراه بقوله:
جميع الكتب يدرك من قراها *** ملال أو فتور أو
سئآمه
سوى هذا الكتاب فانّ فيه *** بدائع لا تمل إلى
القيامه
وقد جعل تأليفه لكتابه هذا جزاءاً للإحسان الّذي
غمره به الفقيه عبدالله بن أحمد الخزندار فقال:
وجعلته باسم مولانا الفقيه المشار إليه... ولم
أجعله باسم أحد غيره لما ترادف عليَّ من وافر إحسانه وخيره... فكم له
علينا من فضل وأيد وكم أغنانا عن بذل ماء الوجه لعمرو وزيد... فلهذا
ختمت هذا الكتاب بذكر جنابه...
وكان الفراغ من تأليفه ببندر المخا في رابع شوال
سنة 1148 هـ.
هذا ما تيسر لنا عرضه من حديث عن المؤلّف
وكتابه، وأرجو أن أكون قد أفدت القارئ بشيء عن حياة المؤلّف(رحمه
الله). والحمد لله بدءاً وختاماً.
محمّد مهدي السيّد حسن
الموسوي الخرسان
النجف الأشرف
11 ربيع الأوّل سنة 1387 هـ
|