سبق أن قدمت جدولا بأسماء الشعراء الّذين انتقى البهائي من أشعارهم شواهد وشوارد، كما أتبعته بفهرست أسماء الكتب الّتي استمد منها في جمع مادّة كتابه (الكشكول) فكان ذلك الجدول وهذا الفهرست المعين الّذي زخر الكشكول بما أمداه به، مضافاً إلى معلومات وبحوث خاصة سجّلها البهائي لنفسه، والّتي تظهر فيها شخصيته أحياناً، وقد تحتجب أحياناً اُخرى، فهو من هذه الناحية كما قلنا مجموعة قيمة في محتواها العام. ولعلّ أهم ما يمتاز به الكتاب هو الأسلوب الأدبي الّذي يعكس الطابع العام للكتاب، والّذي يمثّل لنا النهج الأدبي في عصره، أو بالأحرى الاسلوب البياني لمؤلّفه. أمّا سائر ما اشتمل عليه من مادّة فأشرفها تلك البحوث التفسيرية والنخبة الصالحة من الأحاديث الّتي اعتمد فيها المسانيد، ونقلها عن مصادر موثوق بها، وفي غير ذلك ممّا سجل فيه الغث والسمين، فانا لا نؤاخذ عليه المؤلّف لأنا لا نرى كمال المؤلّف في كتابه هذا. ومن فاحش القول أن نزعم له تمام التحري والدقة فيه حتّى ندينه بكلّ ما أورده على صفحاته. بل يجب أن نلاحظ في تقييم موادّه اعتبار موضوع الكتاب بشكله العام وانّه كشكول استدام جمع مفرداته طيلة ستة عشر عاماً على أقل تقدير. وكتاب هذا شأنه لابدّ من ملاحظة موادّه على انفراد، إذ لا شك في بقاء فجوات لم يسد فراغها، وهنات لم تعالج على أمل العودة إليها. وهذا ما يوضحه المؤلّف في منهجه الّذي قدّم به كتابه، فقد قال بعد وصفه: «ولمّا لم يتسع المجال لترتيبه، ولا وجدت من الأيّام فرصة لتبويبه جعلته كسفط مختلط رخيصه بغاليه، أو عقد انفصم سلكه فتناثرت لآليه... وتركت بعض صفحاته على بياضها، لاُقيد ما يسنح من الشواردَ في رياضها كيلا يكون به عن سمت ذلك نكول، فانّ السائل في معرض الحرمان إذا امتلأ الكشكول». فهو إذن كتاب فيه الغث والسمين، وهو بما ينقله عن الغير لا يعكس آراء المؤلّف الخاصة، وبما يحكيه من عقائد وآراء لا تحكي عقيدته الّتي يدين بها. كما أنّ مؤلّفه لم يتقدم بضمان صحّة جميع ما فيه، فهو قد يضم ما لا يعتقده المؤلّف، بل يجمع ما يعتقد كذبه، وإنّما نقله لغرض في نفسه، من تعقيب وتصحيح ونقد، وربّما تعقب ذلك، وربّما لم يتعقب، ولعل تركه التعقيب أملاً في العثور على ما يستزيده في التفنيد، ويعضده في التنقيد، ولم تسنح الفرصة فبقى ذلك على حاله، فلا يتخيلن متخيل، ولا يتوهمن متوهم أن ذلك ممّا يعكس رأي المؤلّف أو يكشف عن حكمه بصحته، ولست أطيل الحديث بسرد الشواهد على ذلك، بل أكتفي بذكر شاهد واحد ممّا وضح بطلانه، واستبان كذبه، وهو ما نقله عن أبي عبدالله الزبيري من اجتماع رواة الشعر جرير، وجميل، وكثير، والأحوص، ونصيب، وتنازعهم في تفضيل كلّ منهم صاحبه، واحتكامهم إلى السيّدة سكينة بنت الحسين(عليه السلام). وذكر هذا الخبر مع وضوح بطلانه سنداً ومتناً، لا يوحي من قريب أو بعيد أن البهائي ضامن لصحته، وإيراده بدون تعقيب لا يعني أ نّه قد ارتضاه، ومن خطل الرأي اعتقاد ذلك فيه، وهو الخبير بأحوال الرجال ومعرفة الأسانيد، مضافاً إلى ما كان يملكه من قوّة الملاحظة في المتون، وقد مرّ بنا في فهرست كتبه ما ألّفه في الدراية والرجال سبعة كتب، فكيف يتطرق إليه احتمال عدم معرفته بآفة السند، أو غفلته عمّا في المتن من هنات وهنات. وقد ذكرت(1) تعقيباً على الحديث ورواته بما سمح به المقام. وعلى هذا النهج يكون تفسير ما ورد من عقائد أهل النحل الباطلة، أو الاكثار من الاستشهاد بآرائهم وأشعارهم.
توجد عدّة نسخ من كتابنا هذا مخطوطة في مكتبات العالم مبثوثة لا يسعنا الاحاطة بها جميعاً، لكن بعض النسخ الّتي تقارب عصر المؤلّف هي الّتي أحببت التنويه بها، احاطة للباحثين الّذين يرغبون في اخراج الكتاب بعد مراجعته على اُصوله الخطية. والنسخ الّتي تكون ذات أهمية لقرب تاريخها من عصر المؤلّف هي: 1 ـ نسخة مؤرّخة 24 رجب سنة 1054 في (كتابخانه سلطنتي) برقم (3076)(2). 2 ـ نسخة بخط محمّد طاهر بن شمساي صحاف في خمس مجلدات تاريخها سنة 1056 في مكتبة الدكتور أصغر مهدي برقم 80 . 3 ـ نسخة اُخرى بخط محمّد معصوم بن معز الملك باغ آسيابي گنا بادي أتمها يوم الأربعاء 8 شوال سنة 1097 وهي برقم 183 بمكتبة الدكتور أصغر مهدوي المذكور(3). 4 ـ نسخة كتبت كلّ صفحة منها بشكل المشجر في 266 ورقة وتشمل ثلاثة أخماس الكتاب ولم يعرف كاتبها ولا تاريخ نسخها، توجد نسختها في (كتابخانه سلطنتي برقم 1832)(4). 5 ـ نسخة خزائنية بخط محمّد شريف بن شمس الدين سلماني الرشتي تاريخها 1091 في مكتبة المولوي عبدالحميد بخراسان برقم 403(5).
لقد حظى كتابنا هذا باقبال لم يقتصر على قرّاء لغته الأصلية العربية بل وحتّى من قرّاء اللغة الفارسية، فلم يغفل أعلامها ترجمتها إلى أبناء لغتهم: 1 ـ فترجم الشيخ أحمد العاملي بأمر السلطان عبدالله قطب شاه ملك الهند القسم العربي منه، ونشرت ترجمته هذه ضمن مجموعة باسم (مطارح الأنظار) في بمبئي سنة 1287(6). 2 ـ كما ترجمه فضل الله بن أحمد بيك الكردستاني باسم فتح عليّ شاه سنة 1222 وتوجد نسخته برقم 517 بمكتبة الدكتور أصغر مهدوي(7) ومن الترجمة نسخة بمكتبة شيخ الإسلام بالمدينة برقم 308 مجاميع. 3 ـ وثمة ترجمة اُخرى باسم فتح عليّ خان، ترجمها ملا محمّد بن ملا نجف عليّ باكوئي (من رجال القرن الثاني عشر ظاهراً) باستدعاء فتح عليّ خان(8).
لقد طبع الكشكول أربع عشرة طبعة وهي بحسب تسلسلها الزمني كما يلي: 1 ـ 1266 هـ في طهران طبعة حجرية. 2 ـ 1288 هـ في مصر بمطبعة بولاق وفي آخره شرح المنيني لقصيدة المؤلّف وسيلة الفوز والأمان في 435 صفحة. 3 ـ 1291 هـ في بمبئي طبعة حجرية. 4 ـ 1296 هـ في طهران وهي اُولى طبعاته المعتنى بها وتعرف بطبعة نجم الدولة في 648 صفحة. 5 ـ في 1302 هـ في مصر بالمطبعة البهية. 6 ـ 1302 هـ في مصر بالمطبعية الشرقية. 7 ـ 1305 هـ في مصر بالمطبعة الميمنية في 352 صفحة. 8 ـ 1318 هـ في مصر بالمطبعة العامرة المحمودية في 331 صفحة. 9 ـ 1321 هـ في طهران باهتمام نجم الدولة أيضاً. 10 ـ 1329 هـ في مصر بمطبعة الشرف العامرة في 431 صفحة وفي آخره شرح المنيني المذكور. 11 ـ 1329 هـ في مصر بمطبعة بولاق في 431 صفحة وفي آخره شر المنيني المذكور. 12 ـ 1337 شمسي في قم في مجلدين. 13 ـ 1377 هـ في قم ثلاثة أجزاء على نفقة الهيئة المتحدة الكتبي. 14 ـ 1380 هـ في مصر في مجلدين 510 / 535 صفحة. 15 ـ 1393 هـ في النجف في ثلاثة مجلدات وهي طبعتنا هذه . والأمر الّذي يلفت النظر في الطبعات المصرية جميعها اسقاط جميع ما فيه من الأدب الفارسي وهو يبلغ قدر ثلث الكتاب، مضافاً إلى وقوع التصحيف والتحريف، والتحوير والتزوير ممّا أمكن معه صحة سلب الكتاب عن مؤلّفه. أمّا طبعات العجم، فهي وإن اشتملت على الجانب الفارسي إلاّ أ نّها مملوءة من الأخطاء الفاحشة، وخيرها طبعتا نجم الدولة، وبالرغم من كونهما من الطبعات الحجرية إلاّ أنّ في صحتهما ما يفضلهما على سائر طبعات الكشكول السابقة على طبعتنا هذه. وختاماً لم يكن من عزمي تأخير الكتاب محجوباً عن القرّاء طيلة هذه المدّة، وأنا العارف بحرص الناشر على سرعة اخراجه، ولكنّي يوم لبيت طلبه بتقديم الكشكول لم تكن تساورني أي فكرة عن هذه الصفحات كماً وكيفاً، بل كلّما دار في خلدي يومئذ أقدم له ببضع صحائف توقف القارئ على شيء من تاريخ البهائي(رحمه الله) وعمله الأدبي في كتاب الكشكول. ولكن الّذي أغراني بالبحث والتنقيب هو إهمال كتّابنا المحدثين لشخصيات علمية أمثال البهائي، وأنكى من ذلك تخليط من كتب منهم عنه فلم يعرض تاريخه إلاّ مبتوراً. فعزّ عليَّ وقد أتاح لي الفرصة أخونا الكتبي سلّمه الله أن أتخطى ما ينقد به من سبقني، ورضيت لنفسي أن أجمع المعلومات من هنا وهناك، حتّى إذا انتهيت من جمعها، أخذت في ترتيبها وتبويبها، فكانت هذه الصفحات وهي في عرضها لا تخلو من استيعاب واحاطة، ولا أدّعي فيها شمولا تاماً، ولا استيفاء لجميع مناحي شخصية البهائي(رحمه الله)، ولكنها ـ من غير فخر ـ أوفى من جميع ما كتب عنه حتّى اليوم. ولتكن هذه الصفحات بمثابة الألف باء من تاريخ البهائي لمن يروم دراسته دراسة علمية، فانّ تاريخه لم يكن هزيلا ولا مظلماً، بل هو تاريخ عملاق مشرق استمر يشع في الذهنية العلمية والثقافية أكثر من ثلاثة قرون ونصف ولم يزل كما بدأ حياً خالداً بآثاره وثماره. (وَآخِرُ دَعْوَانا أنِ الحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ العَالَمِينَ)
محمّد مهدي السيّد حسن الموسوي الخرسان النجف الأشرف
|
(1) في هامش 1: 385 ـ 387. (2) كما في در باره نسخه هاي خطي 1: 192. (3) نشريه كتابخانه مركزي 2: 168. (4) كما في نشريه در باره نسخه هاي خطي 1: 191. (5) كما في نشريه كتابخانه مركزي 5: 53. (6) مطارح الأنظار: 298 ـ 336. (7) نشريه كتابخانه مركزي 2: 68. (8) گلستان ارم ودانشمندان آذربيجان: 332. |