وخلاصة المقال فيهم ما قاله شيخنا البهائي في الثناء على آبائه وأجداده: ان أباءنا وأجدادنا في جبل عامل كانوا دائماً مشتغلين بالعلم والعبادة والزهد وهم أصحاب كرامات ومقامات(1). فمن تلك الشجرة الطيبة العريقة في الولاء، وفي ذلك البيت العلمي الّذي توارث المجد كابراً عن كابر، تفرع غصن الفضل وبسق، فولد الشيخ البهائي، وليس ينكر أثر المحيط البيتي في تكوين الفرد وبلورة نفسه. وقد ذكر المؤرّخون في ولادته أقوالا مختلفة، ولم يقتصر الخلاف بينهم في تعيين الزمان بل وحتّى المكان، ويكفينا في اختيار الصحيح الثابت في تعيين الزمان ما وجد بخط البهائي نفسه على نسخة من إرشاد العلاّمة الحلي، وحكاه عن خط والده وقد سجّل مواليد ووفيات جماعة من أفراد اُسرته ومنهم البهائي وعبدالصمد وأُختاهما، فقد كتب: (ولدت المولودة الميمونة بنتي.. ليلة الأثنين 3 صفر سنة 950، وأخوها أبو الفضائل محمّد بهاءالدين أصلحه الله وأرشده عند غروب الشمس يوم الأربعاء 17 ذي الحجة سنة 953، وأُختهما اُم أيمن سلمى بعد نصف الليل 16 المحرم سنة 955 وأخوهم أبو تراب عبدالصمد ليلة الأحد وقد بقى من الليل نحو ساعة 3 صفر سنة 966 في قزوين...)(2). وهذا النص كما يوقفنا على الصحيح في تاريخ ولادة البهائي وعلى اسمه وكنيته ولقبه كذلك يشعرنا بأ نّه ولد هو وأُختاه في بلدهم الأوّل (جبل عامل) إذ لو كانت ولادتهم في غيره لأشار إلى ذلك أبوهم كما أشار في ولادة أخيهم عبدالصمد بأ نّه ولد في قزوين. ولعلّ ما ذكره البهائي(رحمه الله) في سانحة من سوانحه في الكشكول ما يؤيّد ذلك حيث قال: (لو لم يأت والدي قدّس الله روحه من بلاد العرب إلى بلاد العجم، ولم يختلط بالملوك لكنت من أتقى الناس وأعبدهم وأزهدهم، لكنه طاب ثراه أخرجني من تلك البلاد وأقام في هذه البلاد)(3). فقوله: أخرجني من تلك البلاد ـ والمشار إليها هي بلاد عاملة ـ صريح في أ نّه كان هناك، وقد صرّح المحبي في نفحة الريحانة بذلك فقال: (وذلك انّه كان بالشام ـ ويقصد به البلاد الشامية الّتي تشمل بلاد جبل عامل ـ تكون خلقته، وبها بان رشده، وأحسبه من حين لفّته قابلته في خرقته ثمّ انتقل به أبوه... الخ)(4) كما صرّح بذلك أيضاً المدني فقال: مولده بعلبك(5). وهذا كلّه ينفي ما زعمه الطالوي في ان مولده بقزوين(6)، وما زعمه الصنعاني انّه أصبهاني المولد(7)، وما زعمه سامي باشا وأحمد رفعت(8) وآخرون، أخيرهم قدري حافظ طوقان، انّ مولده في آمل الكائنة على طريق مازندران، أو آمل الخراسانية الواقعة على الضفة اليسرى لنهر جيحون، كما حكاه الأخير عن بعضهم(9). ولعلّ منشأ الخلط عند هؤلاء جميعاً هو التشابه اللفظي بين آمل وعامل، ووحدة الخط بينهما بالإفرنجية. وفي بعلبك نشأ نشأته الاُولى حيث كانت مهجر أبيه ومحط العلماء، وقد رعاه أبوه بحسن رعايته، وأولاه عنايته، فربّاه وهذّبه، وتولى تعليمه، وإن في آثاره الّتي تركها ما يدلّ على نبوغه في سن مبكرة، كما انّ فيها ما يدلّ على ذكائه المفرط. ولم يخضع النبوغ في يوم لقانون الطبيعة والعادة، والشواهد على ذلك كثيرة، كقصة الغلام الّذي حمل إلى المأمون وكان قد قرأ القرآن ونظر في الرأي غير انّه إذا جاع بكى، وكقصة السيّد غياث الدين عبدالكريم ابن طاووس الّذي استقل بالكتابة واستغنى عن المعلم وهو ابن أربع سنين، وكحفظ أبي محمّد عبدالله بن محمّد الأصفهاني القرآن وله خمس سنين، وحمل إلى ابن المقرئ ليستمع منه وهو ابن أربع سنين(10). وكم لهؤلاء من نظائر، فلا غرابة في دعوى إكمال الشيخ البهائي(رحمه الله) مبادئ العلوم وهو في سن مبكرة، فإن والده هو اُستاذه الأوّل، بل عبّر عنه غير مرة بقوله: (والدي واُستادي ومن إليه في العلوم الشرعية استنادي)(11). فقد أخذ عنه الشيء الكثير من علوم العربية والفقهية والحديث والتفسير والرجال.
ويبدأ هذا الدور من حياة شيخنا البهائي بهجرة أبيه إلى ايران، ولا نطيل الحديث عن أسباب تلك الهجرة، بل نكتفي بالإشارة إلى نص ذكره الوالد نفسه في مقدّمة رسالته في الدراية الّتي ألّفها في ايران حيث قال: (وممّا حثني على تأليف هذه الرسالة بعد هربي من أهل الطغيان والنفاق وأوجبه عليَّ بعد اتصالي بدولة الإيمان والوفاق...). وهذا يشير بوضوح إلى انّه خرج من بلاده فاراً بنفسه من حكم ظالم وسطوة معتد غاشم، وليس يعسر على الباحث تلمس الواقع المخيف الّذي كان يعيشه الحسين بن عبدالصمد وأمثاله من العلماء في بلاد عاملة، فقد كانت تضايقهم سلطات الحكم العثماني حتّى سامت بعضهم سوء العذاب ففر منهم جماعة إلى بلاد ايران، وآخرون إلى بلاد الهند، كما التجأ بعضهم فجاور العتبات المقدّسة في العراق. وقد اشتد ذلك بعد حادثة استشهاد الشهيد الثاني(رحمه الله) حتّى ذكر بعضهم: (انّه لمّا جرى ما جرى في تلك البلاد من القضاء المحتوم على المبرور المرحوم الشهيد الثاني(رحمه الله) تضعضعت البلاد ـ العاملية ـ واضطرب أهلها وشملهم الخوف والتقية، خرج الشيخ عليّ بن أحمد بن أبي جامع مع أولاده وعياله خائفاً يترقب حتّى وصل كربلا فأقام بها... وكان السيّد محمّد ـ صاحب المدارك ـ أيضاً قد جاء من البلاد وسكن كربلا)(12). أمّا إذا تساءلنا عن سبب اختياره ايران مهجراً، فانّ الجواب يتضح لمن يلم بتاريخ العامليين المهاجرين إلى ايران أيّام الحكم الصفوي في القرن العاشر وما بعده، حيث كانوا ينالون الحظوة لدى الحكّام والعطف والإقبال من الناس. وانّ الباحث ليجد في جل تراجم اُولئك الأعلام انّهم عينوا بمناصب دينية رفيعة تليق بمقامهم العلمي كمنصب الافتاء ومشيخة الإسلام والقضاء وإمامة الجمعة، وغير ذلك ممّا يسر لهم سبل العيش ورحابة المقام كما ضمن لهم حرية الفكر والقلم. على انا نجد أن الشيخ حسين بن عبدالصمد لم يتوجه إلى ايران إلاّ بعد دعوته إليها (فانّ الشيخ عليّ المنشار العاملي وهو شيخ الإسلام باصفهان هو الّذي طلبه من بلاده، ولمّا جاء أخذ في ترويجه)(13). أمّا عن تاريخ الهجرة فثمة قول لمؤرّخ صفوي معاصر للبهائي، وهو اسكندر المنشي فقد ذكر في كتابه (عالم آراي عباسي) انّ الشيخ حسين بن عبدالصمد هاجر إلى ايران في أيّام حكم الشاه طهماسب، بعد شهادة شيخه الشهيد الثاني!؟ وردد هذا القول غير واحد من المتأخّرين، أمّا أنا فلا اُصادق عليه لأ نّا إذا علمنا انّ الشيخ الشهيد الثاني قبض عليه في سنة 965 وهو في طريق الحجّ، فطلب من الّذي قبض عليه أن يمهله ويكون معه حتّى يتم الحجّ، فقبل منه، وذكروا انّه حبس بمكّة شهراً وعشرة أيّام، ثمّ أبحر به إلى القسطنطينية فقتل بها على ساحل البحر(14). فيكون قتله(رحمه الله) في أوائل شهر صفر سنة 966 ولو فرضنا وصول خبر الشهادة في ثلاثة أيّام، فلابدّ أن تكون هجرة الشيخ حسين بن عبدالصمد في أواسط صفر، ووصوله إلى ايران لابدّ أن يكون في شهر ربيع الآخر، بينما نجد حسين بن عبدالصمد كان في شهر صفر سنة 966 في قزوين، وقد ولد له في ليلة 3 صفر ولده عبدالصمد، فكيف يصح قول اسكندر المنشي بأ نّه هاجر بعد شهادة شيخه الشهيد؟ على أ نّي لا أعدم شاهداً على ردّ قوله وذلك ما ذكر من انّ الحسين كان رفيق الشهيد إلى مصر في طلب العلوم، وإلى اسلامبول في المرّة الاُولى، وفارقه إلى العراق وأقام بها مدّة، ثمّ ارتحل إلى خراسان، واستوطن هناك(15) وأيضاً ما كتبه الحسين بن عبدالصمد في سفره لبلاد العجم إلى شيخه الشهيد، وهو كتاب وصف بأ نّه في نهاية الحسن والبلاغة، ومنه قوله: (ولطالما كانت تطفح عليَّ نشوة الإقبال والقبول، وتهزني مزة الوصول إلى المأمول، فأترنم بأبيات يكشف عندها الهواء، وتقف لديها الأهواء، وأثبتها في رسالتي هذه ليلتئم شمسها ببدرها، وتمزج عذب زهرها بفرائد بحرها، وتتشرف بنظرك ومجلسك الرحيب، ويثبت لها قدم صدق عند كلّ لبيب، وهي هذه: ومرسل صدغ قد دعا الناس للهوى *** جهاراً فآمنا وإن لم يدع أمنا أرانا هوى يولي هواناً لذي النهى *** ولم يولنا يمناً بيسرى ولا يمنى وأسلمنا للموت عمداً ولم يكن *** ليحيي بالحُسنى وقد ملك الحسنى أقول وقد أبدى من الشعر منطقا *** بوعد وما هنا غرامي ولا هنا يمنّي بوصل لا يمنّ ببذله *** بنفسي من منّي زماناً ولا منّا نعمنا به لكن منعنا من المنى *** وإذ صدّ عنا قبل نيل المنى عنّا وسل لدينا الموت إذ سلّ جفنه *** فيا حسن ما سلاّ ويا حسن ما سنا نسيم الهوى إن أنّ من لوعة الهوى *** فلا تعجبوا انّي أئن وقد أنا وليل الجفا والصد جنّى واظلما *** فلابدّ إذ جنّى لمثلي إذ جنا وأسقمنا ذاك الجفا بل أماتنا *** فيا ليلتي عودي فإن عدت ما عدنا ويا قوم لبنى لا بعدتم فاننا *** إلى قربكم لبنا وان بعدت لبنى(16) فهذا يدلّ على انّ الهجرة كانت في حياة الشيخ الشهيد الثاني(رحمه الله) ولعلّها كانت في أواخر الخمسينات، فثمة نص يدل على وجوده في العراق في سنة 958 فقد سجّل سماعه قراءة بعض تلامذته عليه شرحه لألفية الشهيد في الحائر الحسيني ـ كربلا ـ في ذلك التاريخ(17) وربّما كان ذلك وهو في طريقه إلى ايران، وقد ذكروا أ نّه أقام في العراق مدّة، ثمّ ارتحل إلى خراسان واستوطن هناك(18)، فاحتمال انّه كان زائراً وعاد إلى بلاده بعد ذلك، فهو ضعيف ولم نعثر على شاهد يدعمه، وآخر ما وصل الينا من تاريخ يثبت وجوده في البلاد هو سنة 954 حيث قابل مع شيخه الشهيد الثاني فهرست الطوسي، وكتب الشهيد(رحمه الله) سماعه بالمقابلة في آخر النسخة، وكان ذلك في مجالس آخرها 15 رمضان سنة 954(19) . وربّما يؤيّد ما احتملناه من انّه كان في سنة 958 في طريقه إلى ايران ما حكاه المحدّث البحراني عن بعض مشايخه بأنّ عمر البهائي يوم هاجر به أبوه كان سبع سنين(20)، وقد مرّ بنا انّ ولادته كانت سنة 953 فتكون هجرته حدود سنة 960 وهذا التاريخ يتفق مع ما سيأتي من تحديد إقامته في البلاد الإيرانية وما سنعرضه من ذاتيات مؤرّخة. ومهما كان الباعث على الهجرة، وكيف كان السبيل المؤدى إليها فقد قال المولى مظفّر عليّ ـ تلميذ البهائي ـ في رسالته الّتي خصّها بترجمة اُستاذه: (وقد توجّه ـ الشيخ حسين بن عبدالصمد ـ في دولة الشاه طهماسب الصفوي مع كافة أهل بيته وأتباعه إلى أصفهان، فأقام بها ثلاثة أعوام مستقلا بالإفادة، وكان السلطان المبرور يومئذ بقزوين، مستقر السلطنة، فلمّا اطلع على خبر هذا الشيخ أرسل إليه بتحف وهدايا فاخرة يلتمس منه شخوصه إليه في تلك البلدة، فقبل الشيخ واتصل بالسلطان وحظي بما لا مزيد عليه بالتكريم وفوّض إليه منصب شيخ الإسلام بقزوين، واستمر على ذلك سبع سنين)(21). وعلى ضوء ذلك يظهر معنى قول المحبي: (ثمّ انتقل به أبوه إلى قزوين، وهلاله آخذ في تدويره وذهنه في مبادي ملاحظته للدقائق وتصويره، فاستكمل فضائله المعجبة، وصير عندها فضائل الأوَل كالمتحجبة)(22). وفي طيلة سبع سنين عاشها في قزوين كان موضع عناية ورعاية نظراً لمكانة أبيه في نفس الشاه ورجال الدولة والعلماء، فهو شيخ الإسلام في البلاد وإليه يرجع في الأحكام، وقد كتب باسم الشاه العقد الطهماسي، كما كان الشاه يفزع إليه في تحرير الكتب إلى السلاطين على لسانه. وقد عثرت على صورة جواب أرسله الشاه طهماسب إلى السلطان سليمان العثماني في سنة 967، وكان السلطان قد كتب إلى الشاه يطلب منه ارجاع ولده الّذي عصاه وفرّ منه والتجأ إلى الشاه فآواه وأكرم مثواه(23)، فطلب الشاه من الشيخ حسين بن عبدالصمد أن يكتب له الجواب على لسانه، فكتب إليه بخطه: (بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الّذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الدين كلّه ولو كره المشركين، المخاطب بما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين، محمّد رسول الله والّذين آمنوا معه أشداء على الكفار، ذلك جدّنا سيّد الأوّلين والآخرين، صلوات الله وسلامه عليه...). ويقول في آخره: (فأنسابنا أنور من ليلة القدر، وأحسابنا أشهر من يوم بدر، وقصر محمّدنا أقرت له القصور بالقصور، ولبست منه الشعرى العيور شعار الغيور، وجوهرنا من جوهر الشرف لا من جوهر الصدف، ويواقيتنا من يواقيت الأحرار لا من يواقيت الأحجار، لسنا بحمد الله في شك من الدين وانا لعلى هدى بيقين، وأي يقين رأينا فيه ولله المنة سديد، وبأسنا شديد، وكيدنا عتيد لكلّ جبار عنيد، وحينا سعيد وقتيلنا شهيد، وما عند الله خير... الخ)(24). قال المولى مظفّر الدين عليّ في رسالته المشار إليها آنفاً: (واستمر ـ الحسين بن عبدالصمد ـ على ذلك سبع سنين، أيّام إقامته فيها، وكان يقيم بها إذ ذاك صلاة الجمعة أيضاً من غير إحتياط باعادة الظهر لقوله بعينيتها كما هو مذهب شيخه الشهيد، ثمّ صار ذلك المنصب له بأرض المشهد الرضوي على مشرّفها السلام، وانتقل إليها وأقام بها أيضاً برهة)(25). وقد مرّ بنا في تقريب هجرته إلى ايران انّها كانت حدود سنة 960 وإذا أضفنا إليها مدّة إقامته باصفهان وهي ثلاث سنين، ومدّة إقامته بقزوين وهي سبع سنين فيكون في سنة 970 أوّل مدّة إقامته بالمشهد الرضوي، ولعلّه في المشهد أنهى مقابلة كتاب (عيون أخبار الرضا(عليه السلام)) للصدوق فانّه أنهاه في سنة 970(26). وأقدم ما عثرت عليه من نص يحدد تاريخ وجوده بالمشهد هو إجازته للشيخ رشيد الدين بن إبراهيم الأصفهاني وتاريخها 9 جمادى الاُولى سنة 971(27). وبعده إجازته لولديه بهاء الدين محمّد ـ المترجم له ـ وأخيه عبدالصمد، فقد كتب لهما على ظهر إجازة شيخه الشهيد الثاني له: (بسم الله الرحمن الرحيم، نحمد الله كما يليق به، وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله، أمّا بعد: فقد أجزت لولدي بهاء الدين محمّد وأبي رجب عبدالصمد حفظهم ـ ؟ ـ الله تعالى بعد أن قرأ عليَّ ولدي الأكبر جملة كافية من العلوم العقلية والنقلية، جميع ما تضمنته هذه الإجازة واحتوت عليه بالطرق المقررة فيها، وكذلك أجزت لهما أسبغ الله نعمه عليهما جميع ما تجوز لي روايته من طرق الخاصة والعامة، وجميع ما ألّفته نظماً ونثراً شارطاً عليهما الإحتياط في الرواية، باتباع شرايطها المقررة عند أهل الرواية والدراية، بلغهم ـ ؟ ـ الله سبحانه وتعالى آمالهما، وأصلح في الدارين أحوالهما انّه جواد كريم. قال ذلك بفمه ورقمه بقلمه أبوهما الشفيق الخاطئ المذنب فقير رحمة ربّه الغني حسين بن عبدالصمد الجباعي، وفقّه الله لمراضيه، وجعل مستقبله خيراً من ماضيه، وكان ذلك يوم الثلثاء ثاني شهر رجب المرجب المعظم سنة احدى وسبعين وتسعمائة في المشهد المقدّس الرضوي على مشرّفه وعلى آبائه وأبنائه أفضل الصلوات وأكمل التسليم)(28). وقد صرّح البهائي أيضاً بسماعه من والده في التاريخ المذكور في دارهم بالمشهد الرضوي. وأقام البهائي مع أبيه في المشهد الرضوي مدّة تولي أبيه لمشيخة الإسلام هناك مستفيداً من علومه، مستزيداً من معارفه وآدابه، مضافاً إلى ما كان تلقاه من شيوخه الآخرين الّذين أخذ عنهم سواء في أصفهان أو في قزوين أو في المشهد، فقد كانت دراسته على أبيه في جملة العلوم العقلية والنقلية، أمّا أساتذته الآخرين الّذين تلقّى عنهم فروع العلم باختصاص فهم: 1 ـ المولى عبدالله اليزدي (ت 981 هـ) صاحب كتاب الحاشية في المنطق والّتي لا زالت تدرّس في المعاهد العلمية في النجف الأشرف وخراسان وقم وغيرها، فقد قرأ عليه قسماً من المعقول. 2 ـ القاضي المولى أفضل، درس عليه الرياضيات. 3 ـ المولى عليّ المذهب المدرّس، درس عليه الرياضيات. 4 ـ المولى محمّد باقر بن زين العابدين اليزدي قرأ عليه الهيئة وعيون الحساب(29). 5 ـ الشيخ أحمد الكجائي المعروف بپير أحمد قرأ عليه في قزوين. 6 ـ الحكيم عماد الدين محمود، درس عليه الطب(30). ولم يقتصر في أخذه عن هؤلاء الشيوخ فحسب، بل لاشكّ انّه درس على آخرين من ذوي الإختصاص في فنون العلم الّتي كان مشاركاً فيها. كما انّ له مشايخ أخذ عنهم في سفره إلى الحجّ، فقد أخذ عن: 1 ـ محمّد بن أبي الحسن العسكري، وعبّر عنه بالاُستاذ وأطراه كثيراً في الكشكول(31). 2 ـ الشيخ عمر بن أبي اللطف المقدسي مفتي القدس الشريف(32). 3 ـ محمّد بن محمّد بن محمّد بن أبي اللطف المقدسي وقد روى عنه صحيح البخاري بسند المحمّدين(33) وهو سند نادر الاتفاق وقد أكمله من أوّله إلى الشيخ البهائي تيمّناً الشيخ يوسف البحراني وذكر طريقه في اللؤلؤة(34). 4 ـ الشيخ عمر الفرضي في حلب(35). وأخذه عن هؤلاء كان في الدور الرابع من حياته كما سيأتي الحديث عنه. وأقدم أثر له وصلنا من ثمار هذا الدور نظمه لتاريخ وفاة الشيخ الشهيد الثاني(رحمه الله)ـ اُستاذ والده ـ فقد ذكر الشيخ يوسف البحراني في كشكوله أنيس المسافر(36) قوله في ذلك: تاريخ وفاة ذلك الأوّاه *** الجنّة مستقره والله وذكر الشيخ الحرّ العاملي هذا البيت في أمل الآمل ولم ينسبه إلى البهائي وقال هو لبعض الاُدباء، وتعقبه صاحب الروضات فيها بقوله: أقول وكأنّ هذا البعض هو شيخنا البهائي المرحوم كما في بعض المواضع المعتبرة(37). واستبعد السيّد الأمين نسبة ذلك إلى البهائي لأ نّه متأخّر عنه وشعره أمتن من هذا...اهـ . أقول: أمّا تأخّره عنه في الطبقة فصحيح، لكنّه أدرك سنة شهادته، وكان عمره يومئذ 13 سنة، وأمّا انّ شعره أمتن فهو كذلك، لكن لا يمنع من نسبة البيت إليه بعد أن يكون من أوائل نظمه. وآخر ما عثرت عليه ممّا يثبت وجوده بخراسان وهو في نهاية هذا الدور تصريحه في كتابه الأربعين بوجوده سنة 972 في المشهد الرضوي، وقد اطلع على الكتاب الضخم الّذي أفرده بعض العلماء للقضايا الغريبة المنقولة عن أميرالمؤمنين(عليه السلام)(38).
هذا هو الدور الثالث من أدوار تاريخه، وقد ظهرت فيه آثار البهائي في كيان شخصي مستقل. ولقد كان ما سجّله تلميذه مظفّر عليّ في رسالته الآنفة الذكر من خير ما أمدنا بمعلومات هامة ساعدتنا على التحديد والضبط، ومع ذلك فلم يسد ما عثرنا عليه منها تمام الفراغ، ومن ذلك تعيين المدّة الّتي قضاها البهائي مع أبيه في خراسان وكلّما ورد منه في حديثه عن والد البهائي قوله: (وأقام بها ـ بخراسان ـ برهة إلى أن صدر الأمر بتوجهه إلى هرات المحروسة، لإرشاد أهلها... وروعي من قبل السلطان بثلاث قرى من مزارعها المعمورة، وورد أمر السلطان إلى وزير خراسان(39) أن يحضر ولده الملقّب بخدابنده(40) كلّ يوم من الجمعات إلى جامعها الكبير لسماع الفقه والحديث من الشيخ الموصوف... وان ينقاد إلى جميع حكوماته وفتاويه، لئلاّ يجسر بعد ذلك أحد على مخالفته، فكان بها أيضاً نحواً من ثمان سنين)(41). ولمّا كان التحديد بالبرهة غير واضح، وكانت البرهة في تفسير اللغوين المدّة الطويلة من الزمان(42) وقد تكون عشر سنين(43) فقد استطعت بعد الموازنة والمقارنة أن اُحدد زمنها على وجه التخمين بما لا يقل عن ثلاث سنين ولا يزيد على خمس سنين بالتقريب التالي: ان والد البهائي فارق هرات بعد ثمانية سنين قضاها بمنصبه (شيخ الإسلام) وانّه عاد إلى قزوين يطلب الإذن بالذهاب إلى الحجّ، فأذن له فكان بمكة سنة 983، 983 ـ 8 = 975 فهو في هذه السنة كان بهرات. وقد سبق أن قدّمنا ما دلّ على وجوده بخراسان في سنة 970 فيكون ما بين سنة 970 ـ 975 هي تحديد البرهة على التخمين. وثمة غموض آخر لم تفصح المصادر المعتبرة عن حقيقته هو ذهاب البهائي مع أبيه إلى هرات كما تقتضيه العادة، أو عودته إلى قزوين لما سنقف على ما يثبت وجوده بها بعيداً عن أبيه وأهله حيث كانوا بهرات. والّذي يبدو لي انّ البهائي صحب أباه في أوّل سفره إلى هرات، ومكث هناك مدّة ثمّ فارقها إلى قزوين، لأ نّا نجد البهائي ألّف كتابه الفوائد الصمدية لأخيه عبدالصمد وسمّاه باسمه، وأتم تأليفه في 7 شوال سنة 975(44) وإذا استعدنا إلى الذهن أنّ عبدالصمد ولد سنة 966 في قزوين، فيكون عمره حين تأليف الصمدية له دون العاشرة ومن البعيد أن لا يكون مع أبيه بهرات كما انّ من المظنون قوياً أنّ البهائي ألّفه لأخيه وهو معه يتولى تدريسه المبادئ، وقد يشير ذلك إلى انّ البهائي كان بهرات في تلك السنة. نعم كان بهرات في تلك السنة فقد اطلعت أخيراً على نص في الكشكول(45)جاء فيه انّه اطلع على كتاب ضخم في مجموع أقسام الكيمياء والليمياء والهيمياء والسيمياء والريمياء لبعض أساطين الحكماء سماه (كله سر)(46). كما احتمل انّه غادرها في سنة 976، فقد ذكر انّ خديجة بنت الحاج عليّ زوجة الشيخ حسين والد البهائي، توفّيت في تلك السنة وحملت جنازتها إلى المشهد الرضوي(47). فمن المحتمل أ نّه حمل جنازتها إلى المشهد وتوجه بعدها إلى قزوين، كما يحتمل أ نّها كانت اُمّه، ولكنّي لم أقف على ما يدعم ذلك، لكن الّذي يقرّبه عندي عدم وجود ما يشير إلى بقائه في هرات بعد سنة 975 وعدم وجود ما يثبت كونه في قزوين قبل ذلك. وأوّل تاريخ نحصل عليه يدلّنا على وجوده في قزوين بعيداً عن أبيه هو رسالته الشعرية الّتي كتبها من قزوين وأرسلها إلى أبيه في هرات في سنة 979 وهي من جميل موشحاته: يا ساكني أرض الهرات أما كفى *** هذا الفراق بلى وحقّ المصطفى عودوا عليَّ فربع صبري قد عفا *** والجفن من بعد التباعد ما غفا خيالكم في بالي والقلب في بلبال إن أقبلت من نحوكم ريح الصبا *** قلنا لها أهلا وسهلا مرحبا وإليكم قلب المتيم قد صبا *** وفراقكم للروح منه قد سبا والقلب ليس بخالي من حب ذات الخال يا حبذا ربع الحمى من مربع *** فغزاله شب الغضا في أضلعي لم أنسه يوم الفراق مودعي *** بمدامع تجري وقلب موجع والصب ليس بسالي عن ثغره السلسال(48) ويوحي جو الموشحة باكتئاب يخيّم على نفس الشاعر لبعد الدار وطول الفراق الّذي طال أمده، وربّما كان أربع سنوات. ودام الفراق حتّى سنة 981 والأب بعد في هرات، وقد أتم في أواخر المحرم من تلك السنة شرحه الآخر لألفية الشهيد(رحمه الله)(49). فكتب إليه أيضاً ابنه البهائي من قزوين رسالة شعرية، وهي قوله: بقزوين جسمي وروحي ثوت *** بأرض الهرات وسكانها فهذا تغرّب عن أهله *** وتلك أقامت بأوطانها(50) وقد دلّ البيتان على مدى البرم والسأم من طول الفراق، وبالرغم من ذلك الحزن الّذي كان يملأ نفس البهائي لطول مفارقته لأهله، فقد كانت نفسه متفتحة بعطاء مثمر وهو في عنفوان الشباب، فألّف رسالة في تحقيق مقدار الكر رسمها باسم الشاه طهماسب بهادرخان، وهي رسالة مطبوعة مع كتابيه مشرق الشمسين والحبل المتين، وهي غير رسالته الاُخرى في بيان مقدار الكر الّتي رسمها باسم محمّد خدابنده ابن الشاه طهماسب(51) كما انّه ألّف كتابه المخلاة وهو في عنفوان الشباب، وضمّنه: (ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين من جواهر التفسير، وزواهر التأويل، وعيون الأخبار ومحاسن الآثار، وبدائع حِكَم يستضاء بنورها، وجوامع كلم يهتدى ببدرها، ونفحات قدسية تعطر مشام الأرواح، وواردات إنسية تحيي رميم الأشباح، وأبيات رائقة تشرب في الكؤوس لسلاستها، وحكايات شائقة تمزج بالنفوس لنفاستها، ونفائس عرائس تشاكل الدر المنثور، وعقائل مسائل تستحق أن تكتب بالنور على وجنات الحور، ومباحثات سديدة سنحت للخاطر الفاتر حال فراغ البال، ومناقشات عديدة سمح بها الطبع القاصر أيّام الاشتغال، مع ترتيب أنيق لم أسبق إليه، وتهذيب رشيق لم اُزاحم عليه)(52). وهكذا بدت في هذا الدور الدلائل الواضحة على ما ستقدّمه تلك العقلية الناضجة، من علوم نافعة وثمار يانعة، على ما كان يحز في نفس صاحبها من مفارقته لأهله طيلة ثماني سنوات قضاها الأب في هرات. (توجه بعدها إلى قزوين ثانية لتحصيل الرخصة من الحضرة السلطانية لنفسه ولولده البهائي على السفر إلى حجّ بيت الله الحرام، فلم يأذن السلطان إلاّ له، وأمر شيخنا البهائي أن يقوم مقام أبيه هناك مشغولا بالافاضة والتدريس)(53). فذهب والد البهائي إلى الحجّ عن طريق العراق، فكان في النجف الأشرف في 18 شوال سنة 983 وقد اجتمع به الشيخ حسن بن زين الدين الشهيد، فاستجازه فكتب له الحسين بن عبدالصمد الاجازة في الحرم العلوي بالتاريخ المذكور(54)، ثمّ توجه بعد ذلك إلى الحجّ فنزل على السيّد الحسن الشدقمي في داره وقد حدّث عن ذلك بقوله: (وبعد فانّه لمّا منَّ الله تعالى عليَّ سنة ثلاث وثمانين وتسعمائة بالتشرف بحجّ بيت الله الحرام وزيارة أشرف أنبيائه وأطائب عترته عليه وعليهم أفضل الصلاة وأتم السلام، وكان ممّا تزينت به بعد ذلك الشرف، وتأنيت به عن تجشم التكلف والكلف أن أنزلني في بيته المولى الأجل الأكرم، الشريف الأمجد الأعظم... الأمير الكبير... حسن بن عليّ بن حسن المشهور بابن شدقم، فبالغ في الإحسان والإكرام... الخ)(55). وقد استجازه السيّد الشدقمي له ولأولاده الثلاثة محمّد وعليّ وحسين واُختهم اُم الحسين فأجازه وأجازهم، وكتب ذلك في 19 ذي الحجة سنة 983 في دارهم بمكّة المكرّمة(56). وقد سأله السيّد الشدقمي عن حديث جرى له مع شيخه الشهيد(رحمه الله) وقد نزلا بموضع في استانبول، فكتب له الحسين جواب السؤال في 18 ذي الحجة الحرام سنة 983(57). وفي مدّة إقامته تلك كتب مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام لشيخه الشهيد الثاني ويوجد منها (السابع) ـ كذا ـ نسخة حسنة بقلم نسخ عليها حواشي وتعليقات بآخرها آثار بلل، الأقوال بالحمرة، قابلها عبدالله بن حسن سنة 1003 هـ ، تمّ نسخها سنة 983 هـ في مكّة المكرّمة والناسخ حسين الحارثي، في 183 ورقة والنسخة في مكتبة جامعة الرياض برقم 2475 في فهرس مخطوطات جامعة الرياض(58). وبعد أداء مناسك الحجّ عرج على بلاد البحرين واستحسن الإقامة بها، وكتب إلى ولده البهائي الّذي خلّفه في مقامه بأمر الشاه، وتولّى مشيخة الإسلام بهرات: (يستدعي انتهاؤه إليه بمثل هذا المقال في جملة ما كتبه: فيا ولدي لو كنت تطلب شيئاً لدنياك فاعمد؟ بلاد الهند، وإن حاولت الآخرة فالحق بنا إلى هذا المقام، وإن لم ترد شيئاً منهما فلازم العجم ولا تبرح)(59). كما كتب إليه بالأبيات التالية: خف الفقر ملتمساً للغنى *** فبالفقر كم من فقار كسر وفي كلّ أرض أنخ برهة *** فان وافقتك وإلاّ فسر فما الأرض محصورة في هرات *** ولا الرزق في وقفها منحصر(60) ولم تذكر المصادر أنّ البهائي فارق هرات والتحق بأبيه، بل أُشير في بعضها إلى بقائه في هرات، كما نص في جميعها انّ والده أقام بالبحرين حتّى توفّي في 8 ربيع الأوّل سنة 984 ودفن بالمصلى فرثاه ابنه البهائي بقصيدة في 23 بيتاً، مطلعها: قف بالطلول وسلها أين سلماها *** ورو من جَرع الأجفان جرعاها ويقول فيها مخاطباً أباه: يا ثاوياً بالمصلى من قرى هَجَر *** كُسيتَ من حلل الرضوان أضفاها أقمت يا بحر بالبحرين فاجتمعت *** ثلاثة كن أمثالا وأشباها ثلاثة أنت أنداها وأغزرها *** جوداً وأعذبها طعماً وأصفاها(61) ورثاه جماعة من الشعراء(62) منهم السيّد رحمة الله(63) فقد رثاه بأبيات مطلعها: جارتي كيف تحسنين ملامي *** أيداوى كلم الحشى بكلام وطلب من البهائي القول على طرزها، فأجابه بقصيدة مطلعها: خلياني بلوعتي وغرامي *** يا خليلي واذهبا بسلام ويخاطبه فيها بقوله: أيها المرتقى ذرى المجد فردا *** والمرجى للفادحات العظام يا حليف العلا الّذي جمعت فيـ *** ـه مزايا تفرقت في الأنام نلت في ذروة الفخار محلا *** عسر المرتقى عزيز المرام نسب طاهر ومجد أثيل *** وفخار عال وفضل سامي قد قرنا مقالكم بمقال *** وشفعنا كلامكم بكلام ونظمنا الحصى مع الدر في سمط *** وقلنا العبير مثل الرغام لم أكن مقدماً على ذا ولكن *** امتثالا لأمركم إقدامي عمرك الله يا نديمي أنشد *** (جارتي كيف تحسنين ملامي)(64) ولم تذكر المصادر المعنية الفترة الّتي قضاها البهائي في منصبه بهرات، إلاّ أنّ الّذي لا شكّ فيه انّها كانت طويلة، ربّما نافت على السنتين، بقي فيها يشغل منصب أبيه ] مشغولا بالافاضة والتدريس [(65) وقد وصلت إليه نصائح أبيه في تلك الفترة(66). ومهما تكن المدّة الّتي قضاها في هرات، فانّها خلّفت في نفسه ذكريات جميلة لم تزل تداعب خواطره بعد انفصاله عنها فيحن إليها، وقد أفصح عنها في ارجوزته (الزاهرة) الّتي نظمها في قزوين، عندما أصابه رمد اضطره لملازمة البيت ومنعه من التدريس، فسجل ذكرياته الحلوة في تلك الارجوزة، قتلا للفراغ الّذي لم يكن من عادته، وترويحاً لنفسه ممّا ألم بها من جهة الرمد، وتخليداً لتلك الأيّام الّتي قضاها في ربوعها، واجابة لمن طلب منه ذلك، وهي منظومة زاهرة كاسمها، في مائة بيت، أبدع فيها وصف البلاد وطيب هوائها وعذوبة مائها، وجمال نسائها، ويانع ثمارها، وخصّ عنبها وبطيخها بوصف رائع، كما وصف فيها المدرسة المرزائية، وفخامة بنائها، ووصف بقعة تدعى (گازرگاه)(67) ويبدو من وصفه لها انّها كانت منتزه البلد، وختمها بالتحسر على فراقها وبعد رفاقها، وهي مذكورة في الكشكول(68). وأظن انّ البهائي(رحمه الله) ظل مقيماً بهرات يشغل منصبه الرفيع حتّى وفاة الشاه طهماسب الّذي توفي في 15 صفر 984 أي قبل وفاة والد البهائي بثلاثة وعشرين يوماً، فانّه لمّا مات حدثت الفتن بين اُمراء البيت الصفوي، وكان لكلّ واحد منهم جماعة يرفعون بضبعه، كما انّ الحريم السلطاني كان له الأثر في تطور النزاع وتغلب في النتيجة إسماعيل بن طهماسب فقتل من اخوانه وأعمامه وأبنائهم في يوم واحد أحد عشر أميراً، وكاد أن ينقرض نسل الصفوية إذ لم يبق منهم إلاّ هو وأخوه محمّد خدابنده وأبناء أخيه عباس وإسماعيل وحمزة فقط(69) وقد عزم على قتل محمّد وأبنائه، لولا التقدير الإلهي فقد أخّر أنصاره اجراء الحكم فيهم لحرمة ليلة القدر، وكانت ليلة جمعة أيضاً، فوصل الخبر صباحاً بموت إسماعيل(70) إذ مات يوم 23 رمضان سنة 985 فجأة ولم تنقطع بموته الفتن، بل استمرت بين محمّد خدابنده الّذي تسلم الحكم، وبين اُمراء مالوا إلى ابنه عباس ميرزا وكان بهرات. وأظن أنّ الشيخ البهائي فارق هرات في تلك الأيّام المسعورة وعاد إلى قزوين حيث سبق له أن كان مقيماً بها عدّة أعوام، ولم أجد ما يدلّنا على أحواله طيلة أربع سنوات مرّت عليه، كان الوضع محموماً لاختلاف الحاكمين، وما ينتاب البلاد بين آونة واُخرى من حروب دامية. ولعلّه قصد هذه الفترة بالذات، فعبّر عنها في أبياته الّتي قالها في قزوين متسلياً من طول الاقامة بها: قد اجتمعت كلّ الفلاكات في الأردو *** فقوموا بنا نعدوا فقوموا بنا نعدوا فمختلطات الهم فيها كثيرة *** فليس لها رسم وليس لها حد وأشكال آمالي أراها عقيمة *** ومعكوسة فيها قضاياي يا سعد فقم نرتحل عنهم فلا عدل فيهم *** ولكن لديهم عجمة ما لها حد فمن قلة التمييز حالي سيء *** وفعلي معتل وهمي ممتد كأنّ على الأبصار منهم غشاوة *** ومن بين أيديهم ومن خلفهم سد
إذا صح القول: انّ من المقاييس الصالحة لتقييم الأشخاص، هو معرفة علاقاتهم بالكون الفسيح، واستجلاء مظاهر الابداع فيه، وانّه بقدر ما تتطلع إليه نفوسهم من معرفة ذلك، تتسع آفاقهم في العلم والمعرفة. وسواء صح هذا أم لا، فانّ الّذي لا شكّ فيه انّ للسياحة في البلاد أثرها في تطوير الخبرات، وتصحيح المعلومات، فانّ لعنصر المشاهدة أكبر الأثر في ذلك. ولعلّ الشيخ البهائي(رحمه الله) كان يصبو إلى ذلك من وراء أسفاره الكثيرة، والّتي وصفت بأ نّها سياحة طويلة؟ أو انّه انّما طوف في كثير من البلاد ابتعاداً عن محل استيطانه الّذي أصبح محموماً بسبب اختلال الأمن لتطاحن الاُمراء على العرش حتّى شاعت الفوضى بين الناس. أو أ نّه رغب في الأسفار ارتياداً لوطن جديد عزوفاً عن البلاد الايرانية الّتي أضحت تجهل قدره في تلك الفترة بالذات حتّى عبّر عن ألمه في بعض سوانحه بقوله: (لقد فسد الزمان وأهله، وتصدر للتدريس من قل علمه وكثر جهله، فانحطت رتبة العلم وأصحابه، واندرست مراسمه بين طلابه)(71). وبقوله في اُخرى: (أيها المغرور بالجاه والامارة، لا تنظر الينا بعين الحقارة)(72). فأنف وهو الغيور المؤمن أن يحتمل المقام بدار الهوان، وهو ابن من ترك ما كان مقيماً عليه حينما سمع بعضهم يقول: (ان أردت أن تعرف مقامك فانظر فيما أقامك). وحدّث ابنه بما سمع وبما طبعه في نفسه من أثر، وقد لخص البهائي نظرته إلى الحياة الدنيا بقوله: (الدنيا لا تطلب لذاتها، بل للتمتع بلذاتها، والعاقل لا يطلبها إلاّ لبذلها لصالح يرجو إعانته، أو طالح يخاف إهانته)(73) فان فقد الشيخ البهائي ذلك في ايران فله في أرض الله العريضة ما يسره، وقد ربّاه أبوه على عزة وشمم وإباء بسيرته العملية، مضافاً إلى ما كان يحدّثه به من آداب تربوية تلتقي وسيرته التطبيقية إذ ان كثيراً ما ينشده: صل من دنا وتناس من بعدا *** لا تكرهن على الهوى أحدا قد أكثرت حواء ما ولدت *** فإذا جفا ولد فخذ ولدا وقد مرّ بنا آخر ما نصحه به في كتابه الّذي أرسله من البحرين إليه وهو في هرات فقد دعاه في نثره وشعره إلى مفارقة البلاد لشعوره الكبير في نفسه واعتزازه بمقامه، وكلّ ما حصل عليه فهو دون ما هو أهل له. ولعلّ بيته في رسالته هو الّذي ترسّمه ابنه البهائي في سياحته: وفي كلّ أرض أنخ برهة *** فان وافقتك وإلاّ فسر فلا غرابة أن يكون ذلك أحد دواعي أسفاره. كما يحتمل أن يكون أراد قطع المألوفات، والانسلاخ من ركون النفس إلى معهود ومعلوم والتحامل على النفس بتجرع مرارة الفراق، كما يفعله أصحاب السلوك في مخالفة الهوى. أو أراد استكشاف دقائق النفوس لأ نّها لا تكاد تتبين الحقائق بغير السفر وقيل: سمي السفر سفراً لأ نّه يسفر عن الأخلاق، فإذا وقف على دائه يشمر لدوائه. وهذان الاحتمالان الأخيران ربّما أشعر بهما كلام ابن معصوم المدني في السلافة حيث يقول: (فلمّا اشتد كاهله، وصفت له من العلم مناهله، ولي بها شيخ الإسلام وفوّضت إليه اُمور الشريعة... ثمّ رغب في الفقر والسياحة، واستهب من مهاب التوفيق رياحه فترك تلك المناصب، ومال لما هو لحاله مناسب فقصد حجّ بيت الله الحرام وزيارة النبيّ وأهل بيته الكرام عليهم الصلاة والتحية والسلام، ثمّ أخذ في السياحة، فساح ثلاثين سنة؟ واُوتي في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة واجتمع في أثناء ذلك بكثير من أرباب الفضل والحال، ونال من فيض صحبتهم ما تعذر على غيره واستحال)(74). ويشعر بذلك كلام المحبي أيضاً حيث قال: ولمّا طنت حصاته في العراق وتجاوزت فيه المدائح من الغلو إلى الاغراق، استدعاه الشاه فصيّره رئيس العلماء في تخت ملكه، وحلى جيد مملكته منه بجوهر عقد كلّ جهابذته شذرات في سلكه. ثمّ رغب في الفقر والسياحة، واستهب من مهاب القبول رياحه، فطلع طلوع الشارد، يرد البلاد كالطيف الوارد، وهو يقتري المسالك، ويقتفر المهالك ويعاني الممالك، فحجّ البيت الحرام، ودخل مصر اُم الأهرام، ثمّ ورد دمشق فنمّ عليه فضله كما نمّ ريح الورد على الورد، ومنها ظهر بحلب الشهباء كما ظهر العلم الفرد، فلم يمكنه إلاّ أن شدّ للعجم نطاق التسيار، ولمّا وصلها حط بها رحل الاختيار)(75). ولابدّ من وقفة قصيرة عند هذين النصّين فكلاهما نصّ على انّ البهائي كان في مقامه الرفيع في الدولة المرجع الديني الأعلى، فإليه مشيخة الإسلام ورئاسة العلماء، وهذا منصب يغبط لا بل يحسد عليه، وكيف إذن نفسر ما مرّ نقله عنه من تذمر واستياء، وهل بعد هذا المنصب ما كان يرجوه ويليق به، هذا من جهة، ومن جهة اُخرى فانّ قولهما (ثمّ رغب في الفقر والسياحة...) هل كان صرف اجتهاد منهما مستندَين فيه إلى سلوك البهائي(رحمه الله)؟ ولم يوازنا الظروف الّتي كان يعيشها في تلك الفترة، وساعدهما ما وجداه مبثوثاً في جملة من كتبه وخصوصاً الكشكول من كلامه وأشعاره ما يشبه أحاديث الصوفية وأشعارهم. وهذا هو الّذي حمل غير واحد على الجزم بنسبة البهائي إلى المتصوّفة دون أن يلتفتوا إلى انّ الالتقاء بين أصحاب الآراء والفرق والطرائق في بعض الممرات السلوكية أو العقائدية لا يعني ذلك انّهم جميعاً من نمط واحد أو كلّهم على شاكلة واحدة. ولست الآن في مقام التدليل على صحّة النسبة أو نفيها، فلنا إليها عودة اُخرى، لكن الّذي يلفت النظر في كلام ابن معصوم(رحمه الله) هو ذلك الاغراق في تحديد سني السياحة الّذي لم أعثر عليه عند غيره، وظاهر تحديده أن الثلاثين كانت متصلة السنين، ولم يحدّد لنا مبدء تلك الثلاثين ولا منتهاها وقد سبق أن مررنا بالجدول الزمني فلم نجد ثمة فترة تسع ذلك التحديد الطويل. على أنّ في كلامه ما يزيد في غرابته حيث ذكر انّه بعد ترك المناصب (قصد حجّ بيت الله الحرام، وزيارة النبيّ وأهل بيته الكرام(عليهم السلام) ثمّ أخذ في السياحة... الخ)(76). ومعلوم أنّ (ثمّ) حرف عطف يدلّ على الترتيب في المعنى مع التراخي عن المعطوف عليه حكماً في الزمان، ولا يورد على ما ذكرنا ما ورد أحياناً من الاتيان بذلك الحرف ] ثمّ [ للترتيب في الذكر فقط، أو وقوعه موقع الفاء من اتصال في المعنى وغير ذلك فانّه نادر. ومن الطريف انّ لشيخنا البهائي رباعية أشار فيها إلى تفاوت العطف بثمّ وبالفاء، وان الأوّل يقتضي المهلة، والثاني يقتضي التعاقب، وهي قوله: لا تبك معشراً أو إلفا *** القوم مضوا ونحن نأتي خلفا بالمهلة أو تعاقب نتبعهم *** كالعطف بثمّ أو كعطف بالفا(77) وأظن ـ وظن الألمعي يقين ـ انّ ما أقحم من أساطير في تاريخ شيخنا البهائي لم تترك جانباً من حياته لم تلحق به نصيبه من الحمل عليه، ومن ذلك جانب أسفاره فهو الآخر أيضاً كان من نصيبه تلك الحفنة من السنين الّتي لا تثبت أمام التمحيص. ومهما كان الباعث لذلك التحديد فانّي لا اُصدّقه، وقد لا يصدّقه كلّ باحث إذا تفطن إلى الجدول الزمني وكلّ ما له نصيب في تاريخه. وفي نظري انّ المحبي أكثر اعتدالا، وأبعد عن الإغراق حين يتحدّث عن سياحة البهائي، فقد ذكر البلاد الّتي طاف بها مبتدءاً من الحجّ ومختتماً لها بحلب، وذلك هو الّذي يساعد عليه تسلسل الحوادث المذكور في الجدول، فراجع ستجد أنّ البهائي كتب باسم الشاه محمّد خدابنده رسالة في تحقيق مقدار الكر(78)، وهذا تولى من سنة 985 ـ 995 والبهائي إلى سنة 991 كان بعد في ايران وربّما كان في قزوين أيضاً عاصمة المملكة. نعم في سنة 988 كان في تبريز، وكان بها قحط شديد وغلاء فاحش، وقال في ذلك: لا تخرجن من البيوت *** وكن لجوعك كالفريسة لا يخطفنك الجائعون *** ويطبخوك لهم هريسة(79) وفي سنة 990 أنهى شرح الچغميني بمحروسة أصفهان. ولعلّه في هذه السنة أو سنة 993 حيث مرّ بتبريز أيضاً زار قبر أبي محجن الثقفي كما في الكشكول(80). وفي 20 رجب سنة 991 كان باصفهان وقد كتب في ذلك التاريخ رباعيتين له في آخر مجموعة جدّه الجباعي، أولاهما: شرب كأس الموت يكرهه *** كلّ من يمشي على الغبرا وبعين القلب لو نظروا *** لرأوه الراحة الكبرى والثانية: وثورين حاطا بهذا الورى *** فثور الثريا وثور الثرى وهم تحت هذا ومن فوق ذا *** حمير مسرّجة في قرى وقال بعد ذكر التاريخ المذكور في أصفهان أيّام العزم على التوجه إلى بيت الله الحرام(81). وهذا التصريح يحدد لنا مبدء أسفاره، فهو عازم على الحجّ منذ رجب سنة 991 وقد حجّ في تلك السنة.
في الحرمين ـ مكّة والمدينة: وقد سنحت له سوانح في طريقه إلى الحجّ سجلها في: (سوانح الحجاز في الترقي إلى الحقيقة عن المجاز) وفي (سفر الحجاز) ونقل عن الثاني في الكشكول(82) ومنه يظهر مغايرته لسوانح الحجاز الآنف الذكر. وذكر انّه لمّا حجّ البيت الحرام وشاهد تلك المشاعر العظام قال: يا قوم إلى مكّة هذا أنا ضيف *** ذي زمزم ذي منى وهذا الخيف كم أعرك عيني لأستيقن هل *** في اليقظة ما أراه أم ذا طيف(83) وقد أعرب عن شوقه إلى زيارة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله: للشوق إلى طيبة جفني باكي *** لو أنّ مقامي فلك الأفلاك يستحقر من مشى إلى روضتها *** المشي على أجنحة الأملاك(84) ولمّا أشرف على المدينة المنورّة ونظر إلى القبّة الشريفة قال: هذه قبة مولاي *** وأقصى أملي أوقفوا المحمل كي *** ألثم خفي جملي(85)
في مصر: ومن الحجاز توجه إلى مصر وأقام بها مدّة اجتمع فيها بالشيخ محمّد بن أبي الحسن البكري وامتدحه بقصيدة غرّاء وقعت من البكري غاية الموقع الحسن، ومطلعها: يا مصر سقياً لك من جنّة *** قطوفها يانعة دانية(86) وكان الشيخ البكري يبالغ في تعظيمه، فقال له البهائي مرة: يا مولانا أنا درويش فقير كيف تعظمني هذا التعظيم، فقال له: شممت منك رائحة الفضل. وقد حدّث البهائي في الكشكول عن لقائه مع البكري سنة 992، وممّا كتبه عنه ـ وقد عبّر عنه بالاُستاذ الأعظم ـ قصيدته الّتي أوّلها: بين أهل القلوب والحقّ حال *** هو سر يدق عنه المقال كما كتب عنه قوله: شربنا قهوة من قشر بُنّ *** تعين على العبادة للعباد حكت في كف أهل اللطف صرفاً *** زباداً ذائباً وسط الزبادي(87) وزار في سفره ذلك قبّة الإمام الشافعي، ووصفها وصفاً رائعاً(88) وفي سفره ذلك كان مشغولا بكتابة الكشكول.
في القدس الشريف: وتوجه من مصر إلى الديار الشامية، فزار القدس الشريف، وقد حكى الرضي بن أبي اللطف المقدسي فقال: ورد علينا من مصر رجل من مهابته محترم فنزل من بيت المقدس بفناء الحرم، عليه سيماء الصلاح، وقد اتسم بلباس السيّاح... وكان يألف من الحرم فناء المسجد الأقصى، ولم يسند إليه أحد مدّة الإقامة نقصاً، فألقي في روعي انّه من كبار العلماء الأعاظم، وأجلّة أفاضل الأعاجم، فما زلت لخاطره أتقرب، ولما لا يرضيه أتجنب، فإذا هو ممّن يرحل إليه للأخذ منه، وتشدّ له الرحال للرواية عنه، يسمى بهاء الدين محمّد الهمداني الحارثي، فسألته عند ذلك القراءة في بعض العلوم، فقال: بشرط أن يكون ذلك مكتوم، وقرأت عليه شيئاً من الهيئة والهندسة، ثمّ سار إلى الشام(89). وقد جرت مطارحات أدبية بينه وبين شيخ الإسلام الشيخ عمر بن أبي اللطف وهو المفتي بالقدس الشريف، ذكر جانباً منها في الكشكول(90).
في دمشق: قال المحبي: ولمّا ورد دمشق نزل بمحلة الخراب عند بعض تجارها الكبار، واجتمع به الحافظ حسين الكربلائي القزويني أو التبريزي نزيل دمشق ـ صاحب الروضات الّذي صنّفه في مزارات تبريز(91) ـ فاستنشده شيئاً من شعره وكثيراً ما سمعت انّه كان يطلب الاجتماع بالحسن البوريني، فأحضره له التاجر الّذي كان عنده بدعوة وتأنق في الضيافة، ودعا غالب فضلاء محلته. فلمّا حضر البوريني إلى المجلس رأى فيه صاحب الترجمة بهيئة السياح وهو في صدر المجلس والجماعة محدقون به، وهم متأدبون غاية التأدب، فعجب البوريني وكان لا يعرفه ولم يسمع به، فلم يعبأ به ونحّاه عن مجلسه، وجلس غير ملتفت إليه، وشرع على عادته في بث رقائقه ومعارفه إلى أن صلّوا العشاء ثمّ جلسوا، فابتدر البهائي في نقل بعض المناسبات، وأخذ في الأبحاث، فأورد بحثاً في التفسير عويصاً فتكلم عليه بعبارة سهلة فهمها الجماعة كلّهم ثمّ دقق في التعبير حتّى لم يبق يفهم ما يقول إلاّ البوريني، ثمّ أغمض في العبارة، فبقى الجماعة كلّهم والبوريني معهم صموتاً جموداً لا يدرون ما يقول غير انّهم يسمعون تراكيب واعتراضات وأجوبة تأخذ بالألباب، فعندها نهض البوريني واقفاً على قدميه وقال: إن كان ولابدّ فأنت البهائي الحارثي، إذ لا أجد في هذه المثابة إلاّ ذاك، واعتنقا وأخذا بعد ذلك في ايراد أنفس ما يحفظان، وسأل البهائي من البوريني كتمان أمره وافترقا تلك الليلة، ثمّ لم يقم البهائي فأقلع إلى حلب(92) وقد رأى بالشام نظماً اُشير فيه بالرمز إلى ملوك مصر وسمع انّه مستخرج من الجفر والجامعة(93).
في حلب: قال أبو الوفاء الفرضي: قدم ـ البهائي ـ حلب مستخفياً في زمن السلطان مراد بن سليم مغيّراً صورته بصورة رجل درويش، فحضر درس الوالد الشيخ عمر وهو لا يظهر انّه طالب علم حتّى فرغ ـ وذكر مسائل جرت بينهما اعترف الشيخ عمر الفرضي بفضل البهائي واعتذر إليه من التقصير في حقّه ـ . قال: ولمّا سمع بقدومه أهل جبل عامل تواردوا عليه أفواجاً، فخاف أن يظهر أمره فخرج من حلب(94).
في الكرك: وفي الكرك ـ كرك نوح ـ اجتمع به الشيخ حسن بن الشيخ الشهيد الثاني وهو صاحب المعالم والمنتقى(95)، ولم يذكر ماذا جرى بينهما من رواية أو اجازة، وقد مرّ بنا ان الشيخ حسن هذا اجتمع بالحسين بن عبدالصمد ـ والد البهائي ـ في النجف الأشرف سنة 983 فأجازه والد البهائي في الحرم العلوي في 18 شوال من تلك السنة، وكان في طريقه إلى الحجّ. وفي طريقه بين حلب وآمد نظم ثلاثة أبيات بالفارسية، وقال عنها: وممّا سمح به الطبع الجامد، فيما بين حلب وآمد، عند هبوب الرياح في وقت الصباح: روح بخشي أي نسيم صبحدم *** كوئيا ميائي از ملك عجم تازه گرديد از تو داغ اشتياق *** ميرسي گويا ز اقليم عراق مرده صد ساله يابد از توجان *** تومگر كردي گذر بر أصفهان(96) وهذه الأبيات توحي بأ نّه في اشتياق العودة إلى أصفهان، وقد رجع إلى ايران في تلك السنة، فكان في 5 شهر رمضان بوان ـ قلعة بين خلاط ونواحي تفليس من عمل قاليقلا(97) ـ فقد ذكر بخطه في سفينة توجد عند الاُستاذ سعيد نفيسي «لكاتب الأحرف ممّا سنح في بلدة وان» وكتب في الهامش: (قد سنح بالخاطر في ليلة الثلاثاء خامس شهر رمضان المبارك سنة 992 أيّام المعاودة من مكّة المشرّفة)(98). ولقد عثرت وأنا اُنقب عن آثار البهائي في بطون الفهارس والكتب على اسم رسالة ضمن مجموعة في مكتبة الدكتور أصغر مهدوي بطهران، برقم [ 332 ] نوه بها دانش پژوه(99) وتضم المجموعة: 1 ـ جفر خابيه وجامع بالفارسية. 2 ـ خواص الحروف لابن سينا. 3 ـ رسالة في استخراج الأسماء من الجفر الجامع بالفارسية. 4 ـ اللوح المتسع من الألواح الجفرية للشيخ البهائي. 5 ـ جوامع الفوائد في حصول المقاصد. 6 ـ مفاتيح المغاليق، وكلاهما لإهداء عياني. وقد كتبت سنة 1259 فلفت نظري أوّلا نسبة الرسالة ] 4 [ إلى البهائي مع خلو الفهارس المعنية عن اسمها فضلا عن نسبتها. وثانياً: ما جاء فيها من قول البهائي انّي رأيت في اليمن وصنعاء الأمير أحمد بن سيّد طاووس المكّي؟ مع عدم ذكر ذلك في شيء من المصادر على كثرتها بل وحتّى مؤلّفاته لم يشر فيها إلى دخوله اليمن كما هي عادته في إشاراته إلى البلدان الّتي دخلها غالباً كما في الكشكول وغيره. فلاحظ. فظهر بما مرّ انّه اختتم أسفاره في البلاد العربية ] الحجاز ومصر والشام [ في سنة 992 ومجموع سياحته فيها لم يتجاوز السنتين. وإذا أضفنا تجواله في بلاد آران وقفقاسية ورجوعه منها على طريق تبريز والّتي لم تتجاوز الستة أشهر إذ أ نّه كان بتبريز في صفر سنة 993، فيكون مجموع سياحته سنتين ونصف تقريباً، فأين تكون هذه المدّة من التحديد بثلاثين سنة؟ وإذا أضفنا إليها ستة أشهر اُخرى لم نعلم أين قضاها، لكنا وجدناه بعدها في تبريز حيث نظم وحرر في سحر الجمعة 20 شهر رمضان سنة 993 قوله: فرخنده شبي بودكه آن دلبرمست *** آمد زپي غارت دل تيغ بدست غارت زده أم ديد خجل كشت ودمي *** بامن زپي رفع خجالت بنشست(100) وأضفنا إليها سنة وستة أشهر اُخرى لم تصلنا أخباره فيها، بل علمنا بوجوده بعدها في أصفهان بتاريخ 23 صفر 995 حيث فرغ من تأليف كتابه الأربعين وأرّخ إتمامه بقوله: لقد تم تأليف هذا الكتاب *** و [ تم الأحاديث ] تاريخه 440 زائداً 555 يساوي 995 فمجموع ذلك كلّه لا يتجاوز خمس سنين، وهو لا يتفق ودعوى ان سياحته كانت ثلاثين سنة كما ذكرها المدني والطالوي والمحبي والخفاجي وغيرهم من المتأخّرين. كما لا تتفق وما حكي عن السيّد الجزائري انّه قال: انّ رحلته إلى مكّة استغرقت أربع سنين؟ وان رحلته إلى مصر كان أمدها سنتان(101)؟ وإذا رجعنا إلى المصادر نستجوبها عن الشيخ البهائي بعد ذلك فلا نجد لديها ما يكفي أو يشفي، لكن في آثار الشيخ نفسه ما ينير الدرب لمن تلمس الواقع وفيها التعريف بكثير ممّا أغفله المؤرّخون. وإلى القارئ عرضاً بالسنين الّتي ظهرت فيها شخصية البهائي في أثر من آثاره: ففي 9 ربيع الأوّل سنة 995 أجاز بسپاهان ـ أصفهان ـ لأخيه عبدالصمد اجازة عامة وكتابه الأربعين خاصة بعد سماعه بقرائته عليه، فكتب له على نسخة منه كتبها عليّ بن عليّ سپاهاني في العشر الثالث من صفر سنة 995 أي في حدود التاريخ الّذي أتم فيه تأليف كتابه، واجازته لأخيه كانت بعد ستة عشر يوماً من اتمامه(102). وفي سنة 997 أجاز لشاه مير الحسيني اجازة كتبها على نسخة من كتابه الأربعين(103). وفي شعبان سنة 998 أجاز لملك حسين بن ملك عليّ التبريزي اجازة عامة وكتبها له على ظهر كتابه الأربعين، وقد قرأه عليه بداره في أصفهان(104). وفي 27 شعبان من تلك السنة أجاز لمحمّد بن يوسف البحراني العسكري اجازته الاُولى، وكان في كوشك زرود من بلاد فارس(105). وأجاز في شوال من تلك السنة لنور الدين عليّ ابن الحائك [ الحاسب ] البحراني ولعلّها كانت في بلاد فارس أيضاً، إذ لم يصرّح بمكان الاجازة فيها. وربّما يستظهر وجوده بالمشهد المقدس الرضوي في سنة 999 حيث أوقف بخطه نسخة من كتابه الأربعين كتبت سنة تأليفه سنة 995 على المكتبة الرضوية، فقد كتب على ظهرها بخطه بمداد أحمر [ كتاب الأربعين حديثاً تأليف الفقير إلى الله تعالى بهاء الدين محمّد العاملي تجاوز الله عنه] وبعد ذلك بخطه أيضاً: [ وقفت هذا الكتاب على الروضة المقدّسة الرضوية والعتبة العلية العلوية على مشرّفها أشرف السلام وأكمل التحية، في أواخر ذي حجة الحرام سنة 999 والحمد لله وحده] والنسخة في 245 ورقة برقم 23 أخبار(106). وكان في هذه السنة قد أجاز لمحمّد بن يوسف العسكري اجازته الثانية، فانّ تاريخها في ربيع الأوّل سنة 999(107) واجازه اجازة ثالثة في غرة ربيع الثاني سنة 1000 ولعلّه كان في المشهد أيضاً(108). وفي سنة 1001 كان في قزوين وقد كتب بقصيدة إلى السيّد الأمير رحمة الله النجفي، يوحي جوها بأ نّه لم يحمد الاقامة في البلاد الايرانية، إذ لم يجد المتسع والظل الوارف الّذي يعيش في كنفه، حيث قال في أوّلها: أحبتنا إنّ البعاد لقتّال *** فهل حيلة للقرب منكم فيحتال إلى أن يقول: خليليَّ قد طال المقام على القذى *** وحال على ذا الحال يا قوم أحوال يمر زماني بالأماني وينقضي *** على غير ما أبغي ربيع وشوال إلى كم أرى في مربع الذل ثاوياً *** وفي الحال إخلال وفي المال إقلال ونجمي منحوس وذكري خامل *** وقدري مبخوس وجدي بطال فلا ينعشن قلبي قريض أصوغه *** ولا يشرحن صدري فعول وفعال ولا ينعمن بالي بعلم أفيده *** ومعضلة فيها غموض وإشكال أميط جلابيب الخفا عن رموزها *** لترفع أستار ويذهب إعضال ويلمع نور الحقّ بعد خفائه *** فيُهدى به قوم عن الحقّ ضُلاّل سأغسل رجس الذل عني بنهضة *** يقل بها حل ويكثر ترحال فأركب متن البيد سيراً إلى العلا *** وما كلّ قوّال إذا قال فعّال أأقنع بالمر النقيع وأرتوي *** وبالقرب منّي سلسبيل وسلسال إذن لاتندّت في السماحة راحتي *** ولا ثار لي يوم الكريهة قسطال ولا همّ قلبي بالمعالي ونيلها *** ولا كان لي عن موقف الذل إجفال(109) ولا ندري بعد هذا الشعر المفعم بالأسى والبرم ما جرى له، وهل أنّ السيّد رحمة الله واساه في حاله أم لا؟ إلاّ أنّ البهائي كان في جمادى الثاني سنة 1002 في أصفهان، فقد أجاز لتلميذه السيّد حسين بن حيدر العاملي اجازة مبسوطة كتبها له بخطه على ظهر كتاب قواعد العلاّمة الحلّي(110) وهو يومئذ بأصفهان. ويظهر أنّ الحالة العامة في البلاد يومئذ كانت من التردي والانحطاط إلى حد بعيد، وإلاّ فالشاه عباس الأوّل الّذي صفت له الاُمور منذ سنة 996 كان يعرف الشيخ البهائي وفضله منذ كانا في هرات إذ نشأ الأوّل منهما هناك حتّى لمع نجمه، وكان الثاني يشغل منصب ] مشيخة الإسلام [ بها مدّة من الزمن، ولعلّ في شغل الشاه بتصفية الأجواء في مملكته من أعدائها في الداخل والخارج ما يذره في غفلة عن رعاية الشيخ البهائي(رحمه الله). وفي سنة 1003 توجه الشيخ البهائي إلى العراق، ولعلّ سفره هذا كان بعد وقوع الفتنة الّتي وقعت بين الطائفتين الحيدرية والنعمت اللهية، والّتي اُريقت فيها الدماء، فانّها كانت في هذه السنة(111). ولا يفوتني التنبيه إلى أنّ النعمت اللهية يزعمون انّ الشيخ البهائي من جملة مشايخهم، وواقع في سلسلة الطريقة(112) وسواء صح ذلك أم لا، فانّ الشيخ البهائي غادر ايران في تلك السنة إلى العراق لزيارة العتبات المقدّسة فيه. فكان يوم السبت 16 جمادى الاُولى سنة 1003 في المشهد الكاظمي، وقد أجاز لتلميذه السيّد حسين بن حيدر العاملي الكركي داخل العتبة تجاه ضريحي الإمامين(عليهما السلام) كلّ ما اشتمل عليه ] من لا يحضره الفقيه [ اجازة مناولة بطرقه المقررة، وأنشده بعدها ثلاثة أبيات قالها في مدح الإمامين(عليهما السلام) رواها عنه تلميذه وقال: نقلتها للتبرك والتيمّن فانّها أحسن ما قيل في مدحهما(عليهما السلام): ألا يا قاصد الزوراء عرج *** على الغربي من تلك المغاني ونعليك اخلعن واسجد خضوعاً *** إذا لاحت لديك القبتان فتحتهما لعمرك نار موسى *** ونور محمّد متقارنان(113) وكان فيها أيضاً ليلة الجمعة 7 جمادى الثاني وقد أجاز لتلميذه المذكور رواية كلّ كتاب عيون أخبار الرضا(عليه السلام)(114). كما انّه أتم الحديقة الهلالية داخل القبّة في أوائل جمادى الثانية، وكان ابتداء تأليفها في قزوين(115). وقد زار المشاهد الشريفة، فكان في النجف الأشرف وحدّثنا عن ذلك فقال: وقد صمم العزيمة محمّد المشتهر ببهاء الدين العاملي على أن يبني مكاناً في النجف الأشرف لمحافظة نعال زوار ذلك الحرم الأقدس، وأن يكتب على ذلك المكان ذين البيتين اللذين سنح بهما الخاطر الفاتر، وهما: هذا الاُفق المبين قد لاح لديك *** فاسجد متذللا وعفّر خديك ذا طور سينين فاغضض الطرف به *** هذا حرم العزة فاخلع نعليك(116) قال السيّد حسين بن حيدر العاملي ـ تلميذ الشيخ البهائي ـ : (كنت في خدمته منذ أربعين سنة في الحضر والسفر، وكان له معي محبة وصداقة عظيمة سافرت معه إلى زيارة أئمّة العراق عليهم الصلاة والسلام، فقرأت عليه في بغداد والكاظمين والنجف الأشرف وحائر الحسين(عليه السلام) والعسكريين كثيراً من الأحاديث، وأجازني في كلّ هذه الأماكن جميع كتب الحديث والفقه والتفسير وغيرها)(117). وإذا عرفنا أنّ هذا السيّد كان في غرة شهر رجب سنة 1003 في الحائر الحسيني حيث روى عن المولى معاني التبريزي في ذلك التاريخ(118) وبقي حتّى نهار الأحد 7 رجب سنة 1003 حيث روى أيضاً عن السيّد حيدر التبريزي في الحائر الحسيني(119)، فمن المحتمل قوياً انّ الشيخ البهائي(رحمه الله) كان أيضاً في ذلك التاريخ في الحائر الحسيني، فانّ السيّد المذكور تلميذه ومصاحبه في السفر والحضر، وقد جاء معه من ايران إلى زيارة أئمّة العراق، ومن البعيد انفصاله عنه في هذه الفترة. وقد زار الشيخ البهائي مشهد الإمامين العسكريين(عليهما السلام) في سر من رأى ولمّا أشرف على المدينة أنشأ: أسرع السير أيها الحادي *** إنّ قلبي إلى الحمى صادي وإذا ما رأيت من كثب *** مشهدا العسكري والهادي فالثم الأرض خاضعاً فلقد *** نلت والله خير إسعاد وإذا ما حللت بناديهم *** يا سقاه الإله من نادي فاغضض الطرف خاضعاً ولهاً *** واخلع النعل انّه الوادي(120) ولمّا بارح العراق لم تبارحه الأشواق إلى أهلها، فكان يحن إلى من فيها بين حين وآخر، فيكاتب بعض اخوانه في النجف الأشرف بقوله: يا ريح إذا أتيت أرض النجف *** فالثم ترابها ثمّ قف واذكر خبري لدى عُريب نزلوا *** واديه وقص قصتي وانصرف(121) كما أرسل إلى خدّام حرم الحسين(عليه السلام): يا سعد إذا جزت ديارالأحباب *** وقت السحر قبّل عني تراب تلك الأعتاب *** واقض وطري إن هم سألوا عن البهائي فانطق *** رؤيا النظر قد ذاب من الشوق إليكم قد ذاب *** هذا خبري |
(1) روضات الجنّات: 191. (2) رياض العلماء: (مخطوط) في ترجمة الحسين بن عبدالصمد. (3) الكشكول 1: 182. (4) الكشكول 2: 292. (5) سلافة العصر: 290. (6) أعيان الشيعة 44: 217. (7) نسمة السحر 2: 255 (مخطوط). (8) ريحانة الأدب 2: 382. (9) أعيان الشيعة 44: 223. (10) دراية الشهيد: 83 . (11) مشرق الشمسين: 13، وأوّل أحاديث الأربعين. (12) تكملة أمل الآمل للسيّد الصدر (مخطوط) في ترجمة نور الدين عليّ بن أحمد بن أبي جامع العاملي. (13) تكملة أمل الآمل (مخطوط) في ترجمة الشيخ عليّ المنشار. (14) الكنى والألقاب 2: 348. (15) أعيان الشيعة 33: 275 وروضات الجنّات في ترجمة الشهيد. (16) تحفة العالم 1: 138. (17 و 18) رياض العلماء (مخطوط) في ترجمة الحسين بن عبدالصمد.
(19) أعيان الشيعة 33: 275. (20) لؤلؤة البحرين: 26. (21) رياض العلماء (مخطوط) في ترجمة الحسين بن عبدالصمد. (22) نفحة الريحانة 2: 292. (23) جاء في آثار الشيعة الإمامية 75: وفي سنة 966 لحق بالشاه طهماسب السلطان بايزيد بن سليمان. (24) جنّة النعيم: 53. (25) رياض العلماء (مخطوط). (26) والنسخة بمكتبة الإمام الرضا(عليه السلام) في مشهد برقم 177 أخبار. (27) الذريعة 1: 186. (28) إجازات البحار: 95. (29) أحوال وأشعار فارسي شيخ بهائي، نفيسي: 153 نقلا عن فهرست عمومي كتابخانه معارف 1: 159. (30) هؤلاء المشايخ ذكروا في خاتمة المستدرك والروضات والغدير وغيرها من المصادر في ترجمة البهائي. (31) الكشكول 1: 37. (32) نفس المصدر 1: 59 ـ 61. (33 و 34) لؤلؤة البحرين: 434.
(35) خلاصة الأثر 3: 443. (36) أنيس المسافر 1: 431 طبع الهند. (37) روضات الجنّات عن ترجمة الشهيد. (38) الأربعين: 181 ذيل حديث 28 طبع تبريز. (39) وكان يومئذ شاه قلي سلطان يكان أغلي استاجلو. (40) وكان مقيماً بهرات بحكم أبيه الشاه طهماسب. (41) رياض العلماء (مخطوط). والكنى والألقاب 1: 91 ط الحيدرية سنة 1376 هـ . (42) مختار الصحاح: 63 طبع الأميرية سنة 1329 هـ . (43) الأزمنة والأمكنة للمرزوقي 1: 227. (44) وقد نظم البهائي مادّة تاريخه بقوله: بسابع شهر شوال *** جنينا زهر أكمامه و (سابع شهر شوال) *** غدا تاريخ إتمامه 133 زائد 505 زائد 337 يساوي 975. (45) الكشكول 3: 44. (46) لقد ورد في المطبوع من الكشكول سنة سبع وخمسين وتسعمائة وهو خطأ والصواب سنة خمس وسبعين وتسعمائة. (47) أعيان الشيعة 26: 258. (48) الكشكول 1: 24 وفيه انّه كتبها سنة 989 وهي من سهو النسّاخ فانّ والد البهائي لم يكن حياً في ذلك الوقت فضلا عن بقائه في هرات فالصواب ما أثبتناه تبعاً لما في نفحة الريحانة 2: 294، وسلافة العصر: 296. (49) رياض العلماء (مخطوط) والنسخة بخطّ مؤلّفها في المكتبة الرضوية كما في فهرستها2:84 . (50) الكشكول 1: 42. (51) نسختها عند السيّد محمّد المشكاة كما في أحوال وأشعار فارسي شيخ بهائي: 165. (52) الكشكول: 1 مقدّمة المؤلّف. (53) رياض العلماء (مخطوط)، والكنى والألقاب 1: 99 ط الحيدرية سنة 1376. (54) مجمع الإجازات 2: 219 (مخطوط). (55) رياض العلماء (مخطوط). (56) رياض العلماء (مخطوط)، وفيه صورة الاجازة بكاملها . (57) مستدرك الوسائل 3: 428. (58) فهرس مخطوطات جامعة الرياض القسم السابع: 74 برقم 440 من الفهرس. (59) رياض العلماء (مخطوط). (60) الكشكول 2: 141. (61) الكشكول 1: 291. (62) رياض العلماء (مخطوط). (63) هو الأمير رحمة الله النجفي الفتّال وكان إماماً في عهد الشاه طهماسب الصفوي، وله شعر بالعربية جيد ومنه ما قاله في رثاء الشهيد الثاني(رحمه الله) كما انّه في عداد المشايخ في الرواية راجع للمزيد عنه اجازات البحار: 136، ملحقات روضة الصفا 8: 574، أعيان الشيعة 33: 293 و294 في ترجمة الشهيد. (64) الكشكول 1: 145. (65) رياض العلماء (مخطوط). (66) من الغريب المضحك ما ذكره اسكندر المنشي في تاريخه (عالم آراي عباسي) وتبعه على ذلك بعض المعاصرين: انّه لمّا قصد الشيخ حسين بن عبدالصمد البحرين، كان معه ابنه البهائي واُمّه، ولمّا مات الشيخ حسين بالبحرين، حملت زوجته ابنها الصغير ـ البهائي؟ ـ إلى ايران...الخ. ولو تفطن المنشي ومن تبعه إلى أن عمّر البهائي يومئذ كان 31 سنة، ومن كان بمثل هذا السن لا يقال له صغيراً، ولا تحمله اُمّه، بل هو الّذي يحمل معه اُمّه إن صح ذلك، وكيف يصح؟ وقد نص تلميذ البهائي المولى مظفّر عليّ في رسالته الآنفة الذكر ـ وهو أعرف بتاريخه ـ انّ الشيخ حسين بن عبدالصمد لمّا استأذن الشاه طهماسب له ولابنه بالذهاب إلى الحجّ (فرخص الشاه للشيخ، ولم يرخص لولده الشيخ البهائي، وأمره أن يقوم مقام أبيه هناك مشغولا بالإفاضة والتدريس) وفي استئذان الشيخ حسين من الشاه له ولابنه البهائي وكتابته من البحرين إلى ولده وهو بهرات ما يفند دعوى اسكندر المنشي من انّ البهائي كان صبياً صغيراً مع أبيه بالبحرين... فلاحظ. (67) وأصل گازگاه: گذرگاه بمعنى مقبرة وهي واقعة في شمال هرات على نشز من الأرض مرتفع موصوفة بطيب الهواء وسعة الفضاء وبها قبر خواجه عبدالله الأنصاري العارف المشهور (ت 481 هـ) صاحب كتاب منازل السائرين وتفسير كشف الأسرار (توجد قطعة من تفسيره في المكتبة الرضوية بمشهد برقم 30 تفسير خطي كما في فهرستها) والمناجاة. وللمترجم له في وصف هذا الموضع مقطوعة تأتي في كتابه الكشكول 3: 204. لقد تفضّل العلاّمة المرحوم المولوي محمّد حسن القندهاري (جيراننا) فأفادني بالمعلومات التالية حول (گازرگاه): يوجد بعض العمران حول المقبرة الّتي هي شمالي هرات وتقع المقبرة فوق تل عال، موصوفة بطيب الهواء وسعة الفضاء وفيها قبر خواجه عبدالله الأنصاري العارف المشهور المنتهي نسبه إلى أبي أيّوب الأنصاري الصحابي الجليل وهو صاحب كتاب منازل السائرين وتفسير كشف الأسرار وله المناجاة المعروفة باسمه وقد توفي سنة 481 هـ . وبالقرب من (گازرگاه) قرية يسكنها أولاد وخدام الخواجه عبدالله الأنصاري ويلقّب رئيس المتولين للخدمة (مير گازرگاه) ويعتبر ديوانه بمثابة حرم للخائفين وملجأ للهاربين كالمشاهد المقدّسة، فإذا ما احتمى به جان لم يؤخذ منه، ولا يعاقب ما دام فيه، وفي تلك المقبرة قبور قدامى السلاطين وعليها ألواح الرخام من المرمر الفاخر، وبينها حجر أسود يعرف باسم (سنگ هفت قلم) أي: حجر الأقلام السبعة، وقد نقشه بهزار الرسام المشهور والنحّات الماهر أجود نقش وأبدعه وربّما يكون هو الوحيد في بابه، وتوجد عدة نواح في هرات موقوفة على مقبرة (گازرگاه). (68) الكشكول 1: 163 ـ 167. (69) وفي ملحقات روضة الصفاء 8: 164 كما قتل من أبرياء المتصوفة 1200 شخصاً سوى غيرهم. (70) تاريخ اصفهان وري ـ جابري: 184. (71 و72) الكشكول 1: 180.
(73) الكشكول 1: 180. (74) سلافة العصر: 290. (75) نفحة الريحانة 2: 292. (76) السلافة: 290. (77) ريحانة الألباء: 105. (78) نسختها كانت عند السيّد محمّد المشكاة بطهران، كما نقل ذلك سعيد نفيسي في أحوال وأشعار فارسي شيخ بهائي: 165. (79) أنيس المسافر للشيخ يوسف البحراني 1: 386، والكشكول للمؤلّف 3: 88 ، وفيه قال أيضاً بيتين على ذلك المنوال. (80) الكشكول 3: 204. (81) الذريعة 20: 79. (82) الكشكول 1: 55. (83) الكشكول 1: 24. (84) الكشكول 1: 118. (85) الكشكول 1: 23. (86) ريحانة الألباء: 104 والمذكور فيها ستة عشر بيتاً وهي أكثر من ذلك. (87) الكشكول 1: 37 . (88) الكشكول 1: 32 . (89) خلاصة الأثر 3: 442 ـ 443. (90) الكشكول 1: 59 ـ 61. (91) توجد نسخة منه برقم 16 في مكتبة أقا يحيى ذكاء كما في 3: 138 نسخه هاي خطي ؤفي ايران. (92) خلاصة الأثر 3: 443. (93) الكشكول 2: 181، والأربعين: 150 ذيل حديث 21. (94) خلاصة الأثر 3: 443. (95) أمل الآمل 1: 58. (96) هب الروح يا نسيم الصباح *** أظنك تأتي من ديار العجم فلقد جددت جذوة الاشتياق *** أظنك قد وصلت من اقليم العراق تبعث الروح في ميت منذ مئين السنين *** أفهل أنت مررت على أصفهان الكشكول 1: 24. (97) مراصد الاطلاع 3: 1423. (98) أحوال وأشعار فارسي شيخ بهائي: 34. (99) في فهرست نسخه هاي خطي 2: 112. (100) الكشكول 1: 88 . (101) قصص العلماء: 226. (102) فهرست اهدائي آقاي مشكاة بكتابخانه دانشگاه 3: 1067. (103) الذريعة 1: 425. (104) الذريعة 1: 239. (105) مجمع الاجازات (مخطوط) 2: 236. (106) فهرست المكتبة الرضوية كتب الأخبار الخطية 1: 7. (107 و 108) مجمع الاجازات 2: 236 و238.
(109) الكشكول 1: 206. (110) والنسخة عند المشكاة بطهران. (111) تاريخ أصفهان جابري: 189. (112) طرائق الحقائق 1: 254. (113) اجازات البحار: 137. (114) اجازات البحار: 138. (115) فهرست مكتبة دانشكاه طهران 1: 100 ـ 101. (116) الكشكول 1: 118. (117) تكملة أمل الآمل (مخطوط)، روضات الجنّات: 506. (118 و 119) اجازات البحار: 138 و137. (120) الكشكول 1: 142. (121) الكشكول 1: 23. |