عيون أخبار الرضا (عليه السلام)

الشيخ الصدوق أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين

بن بابويه القمي المتوفى 381

الجزء الأول والثاني

 

قدم له

العلامة الجليل السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان

 

بسم الله الرحمن الرحيم

حياة المؤلّف والتعريف بالكتاب:

الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين.

وبعد، فهذه صحائف أقدم بها لكتاب من تآليف شيخنا أبي جعفر محمّد بن عليّ الصدوق(رحمه الله)، وهو كتاب (عيون أخبار الرضا (عليه السلام)).

وحيث سبق لي تقديم ثلاثة كتب من تآليف شيخنا(رحمه الله)، أوّلها كتاب «التوحيد» وذلك في سنة (1386 هـ)، فعرّفت المؤلِّف والمؤلَّف في مقدّمة تقرب من خمسين صفحة، وثانيها «إكمال الدين» ومقدّمته في 28 صفحة، وثالثها كتاب «الأمالي» ومقدّمته في 48 صفحة وذلك في سنة (1389 هـ)، ونظراً لقرب صدورهما يومئذ، فقد شركت بينهما في تعريف المؤلّف(رحمه الله) في سطور، وخصصت كلّ واحد من الكتابين بما يخصه من تعريف وذكرت عذري في ذلك التشريك، بيد أن العذر لم يكن مقبولا لدى بعض القراء، فقد صارحني بعضهم بذلك، بحجّة أنّ كثيراً من القراء ليس بوسعه الرجوع إلى المصادر سعياً وراء المزيد من التعرف على حياة المؤلّف.

فالواجب يقضي بتعريف المؤلّف تعريفاً كاملا شاملا في مقدّمة كلّ كتاب له ينشر، ليستغني القارئ بذلك عن الرجوع إلى سطور متفرقة، وكلمات مبثوثة في مصادر متعددة، قد لا يتسنى الحصول عليها لعامة القراء، فضلا عن مراجعتهم للإستفادة منها، وقد يكون له الحقّ في ذلك، ولكن من يقدّم لكتاب لا يسعه أن يترجم لمؤلّفه إلاّ في حدود ما يتناسب وشأن الكتاب، وحجمه ومكانة المؤلّف وشهرته، فإذا ما قدر له العود إلى نفس المؤلّف في تقديم كتاب آخر له يحسن به أن لا يعيد ما سبق منه تقديمه في كتابه الأوّل وإلاّ كان إجتراراً لما سبق، فلابدّ له من منحى آخر يبعده عن الإجترار، وليس أولى من الإقتصار على تعريف المؤلّف في سطور، يستغنى بها عن إعادة صفحاته السابقة، وهذا هو ما دعاني إلى ترجمة مؤلّفنا في سطور في مقدمتي (الأمالي) و (الإكمال).

أمّا الآن وهذه هي المرّة الرابعة الّتي أعود فيها إلى مصادر ترجمة المؤلّف الشيخ الصدوق(رحمه الله)، فقد رأيت أن أسلك طريقاً وسطاً بيني وبين القارئ الّذي عتب عليَّ في اختصار الترجمة، وذلك الطريق قد يمرّ بنا من قريب أو بعيد على ما سبق لنا من ترجمة المؤلّف في حدود ما يجب المرور به من الخطوط العامة، كما قد يؤدي ذلك الإلتقاء بالمقدّمات السابقة إلى إقتباس نصوص كاملة منها ومن مقدّمة (من لا يحضره الفقيه) لسماحة سيّدنا الوالد دام ظلّه وهي أوسع ما كتب عن المؤلّف(رحمه الله) والّتي ساعدتنا والقراء على تفهم شخصية المؤلّف واضحة المعالم كما كانت ووصلت إلينا عبر أدوار التاريخ، وإن كانت شخصيته خصبة المواهب، كثيرة الجوانب لا تزال بعض جوانبها بحاجة إلى مزيد بحث يكفل تصويرها تصويراً تاماً، ولعلّ في الباحثين المعنيين من يسد ذلك الفراغ بدراسة موضوعية شاملة، تحدد جوانب تلك الشخصية الفذة في سلوكها العلمي والعملي إن شاء الله.

 

الشيخ الصدوق ـ مؤلّف الكتاب:

هو أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي.

ولم ترفع كتب التراجم نسبه إلى ما فوق (بابويه) الأمر الّذي يدلنا على أنّه الشخصية الاُولى من آبائه الّذي تمتع بشهرة حتّى صارت النسبة إليه، كما يترك المجال مفتوحاً لاحتمال نسبة عدة من المحدثين والعلماء المشهورين ينسبون إلى مثل هذا الاسم (بابويه)، إنّهم من لحمة الشيخ الصدوق وأبناء عمومته، فإنّهم أيضاً لم ترفع أنسابهم إلى من فوق بابويه إلاّ في واحد كما سيأتي، ونظراً لتقارب عصورهم مع عصر الصدوق فيبدوا احتمال أ نّهم جميعاً من أسرة واحدة ويرجعون إلى جد واحد وهو بابويه، وقد ذكرت ذلك في رسالتي (التنويه بأسماء المختومين بويه) عند ذكر أسماء الأعلام من المحدثين المنسوبين إلى بابويه وإن لم أجزم به.

أمّا الأشخاص المشار إليهم آنفاً ممن نسب إلى بابويه ولم يرفع نسبه إلى من فوقه إلاّ في واحد وهو:

1 ـ محمّد بن سليمان بن بابويه بن مهرويه المخرمي ـ كما في الإكمال ـ وفي رواية الخطيب أ نّه بابويه بن فهرويه بن عبدالله، سمع عثمان بن عبدالله بن عمرو ابن عثمان العثماني وغيره، حدّث عنه ابنه عبيدالله ـ الآتي ذكره ـ وغيره، توفي سنة 307 هـ .

2 ـ عبيدالله بن محمّد بن سليمان ـ الآنف الذكر ـ أبو محمّد الدقاق، حدّث عن أبيه، وجعفر الفريابي، وإبراهيم بن عبدالله بن أيوب المخرمي وغيرهم.

3 ـ أبو القاسم محمّد بن عبيدالله بن بابويه ـ الرجل الصالح ـ وهو ممّن يروي عنه أبو نصر أحمد بن الحسين بن أحمد بن عبيدالله الضبي، وهذا من مشايخ المؤلّف شيخنا الصدوق، روى عنه كما في أسانيد كتبه.

4 ـ الحسين بن إبراهيم بن بابويه، عدّه سماحة السيّد الوالد دام ظلّه من جملة مشايخ الصدوق في مقدّمة الفقيه(1) استناداً إلى ما ذكره المحدّث النوري في خاتمة المستدرك، ولم نجد ذكره في أسانيد الصدوق في كتبه، نعم وردت رواية الصدوق عنه بواسطة في إسناد حديث في بشارة المصطفى(2) حيث ذكر أنّ الصدوق يروي عن الحسين بن موسى عن الحسين بن إبراهيم بن بابويه، عن عليّ ابن إبراهيم بن هاشم القمي.

5 ـ أبو الحسن عليّ بن عبدالله بن أحمد بن بابويه المذكر، وهو من شيوخ الصدوق، روى عنه في معاني الأخبار(3).

6 ـ أبو الحسن عليّ بن محمّد بن بابويه الأسواري الأصبهاني، قال ابن مندة: هو آخر الأغنياء الأتقياء، ورع دين، دخل شيراز وسمع من جماعة، وكتب، مات سنة (358 هـ).

7 ـ أحمد بن الحسن بن عليّ(4) بن بابويه الحنائي، حدّث عن يوسف بن موسى القطان، وحدّث عنه عمر بن أحمد بن شاهين في معجم شيوخه، وابن شاهين هذا ولد سنة (297 هـ) وأوّل ما سمع الحديث منه (305 هـ) وله إحدى عشرة سنة(5)، وتوفي سنة (385 هـ) .

8 ـ أبو الحسن عليّ بن بابويه قتيل القرامطة في الطواف بالمسجد الحرام، ذكره القطبي في كتابه الإعلام بأعلام بيت الله الحرام(6): أنّ القرامطة لمّا أغاروا على الحجاج في سنة (317 هـ) ودخلوا المسجد الحرام أيّام الموسم، وراثت خيولهم في المسجد، وقتلوا خلقاً كثيراً في المطاف قدرهم بألف وسبعمائة طائف محرم، وكان عليّ بن بابويه ممّن يطوف فلم يقطع طوافه، وجعل يقول:

ترى المحبين صرعى في ديارهم *** كفتية الكهف لا يدرون كم لبثوا

والسيوف تقفوه إلى أن سقط ميتاً، رحمه الله تعالى(7).

9 ـ أبو الحسن عليّ بن الحسين بن بابويه الرازي، خرج لنفسه أربعين حديثاً رواها عنه أبو المجد محمّد بن الحسين بن أحمد القزويني (ت 622 هـ) بسماعه منه(8).

ومن الواضح أنّ هؤلاء كلّهم إلاّ الأخير منهم ممّن يقارب عصرهم عصر الصدوق أو عصر والده كتقارب بلدانهم، فيا هل ترى وجاهة احتمال أ نّهم من ذرية بابويه جد المؤلّف، أو أ نّهم من بابويه آخر أو آخرين.

ومهما يكن الواقع فانّ بني بابويه ـ اُسرة المؤلّف ـ من بيوتات القميين المشتهرة بالعلم والفضيلة، وقد تبوأ رجال منهم مكان الصدارة والمرجعية، كما كان بيتهم حتّى القرن السادس بيت علم وحديث، ذكرت المعاجم الرجالية منهم عدة علماء ومحدّثين، أحصينا منهم ما يقرب من عشرين عالماً من بينهم شيخ الإسلام وثقة الدين، كما فيهم من تسمى باسم جدهم الأعلى (بابويه) إحياءً لذكره.

وبالرغم من كثرة البحث في تاريخ هذه الاُسرة الكريمة الباسقة أفنانها والناضجة ثمارها، لم نقف على مبدء سكناهم في قم الحاضرة الإسلامية ومهد العلم في ذلك العصر، لكن الّذي لا نشك فيه أنّ والد المؤلّف ـ وهو الشيخ أبو الحسن عليّ بن الحسين ـ كان في قم، ومن أبرز أصحاب الشيوخ الأجلّة سعد ابن عبدالله بن أبي خلف الأشعري، وأبي العباس عبدالله بن جعفر الحميري صاحب قرب الاسناد، وأبي الحسن عليّ بن إبراهيم بن هاشم القمي المفسّر وطبقتهم.

كما كانت له مكانة مرموقة في وسطه، بل يعد من علية رجالات بلده، وفي الطليعة بين أعلامهم الطائري الصيت إن لم يكن هو الأوّل المشار إليه من بينهم، وقد أثنى عليه علماء الرجال ووصفوه بكل جميل، ممّا يكشف عن عظيم قدره، وعلو كعبه.

كما ذكروا أنّ الإمام الحسن العسكري(عليه السلام) (ت 260 هـ) كتب إليه كتاباً فيه ما يغني عن سرد جمل الثناء العاطر، وآيات التعظيم، جاء فيه:

(اعتصمت بحبل الله، بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله ربّ العالمين، والعاقبة للمتقين، والجنة للموحّدين، والنار للملحدين، ولا عدوان إلاّ على الظالمين، ولا إله إلاّ الله أحسن الخالقين، والصلاة على خير خلقه محمّد وعترته الطاهرين).

وفيه: (أمّا بعد، اُوصيك يا شيخي ومعتمدي وفقيهي أبا الحسن عليّ بن الحسين القمي، وفّقك الله لمرضاته، وجعل من صلبك أولاداً صالحين برحمته).

وفيه: (فاصبر يا شيخي يا أبا الحسن عليّ، وأمر جميع شيعتي بالصبر، فانّ الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين، والسلام عليك وعلى جميع شيعتنا ورحمة الله وبركاته).

والّذي يلفت النظر في فقرات هذا الكتاب خطاب الإمام(عليه السلام) لأبي الحسن بن بابويه بالشيخ، ولابدّ أن يكون من باب شيّخه تشييخاً دعاه شيخاً تبجيلا وتعظيماً(9)، وإلاّ فلا مجال للقول بأنّ ابن بابويه كان حين صدور الكتاب شيخاً في السن، أي من الخمسين إلى الثمانين، كما هو معنى الشيخ على ما حكاه ابن سيّده في المخصص وغيره.

ولو كان شيخاً لعدّ من المعمّرين، إذ أنّ وفاة الإمام العسكري(عليه السلام) كانت سنة (260 هـ)، وعاش أبو الحسن ابن بابويه بعد الإمام(عليه السلام) ما يقرب من سبعين عاماً حيث كانت وفاته سنة (328 هـ)، ولم يذكر أ نّه كان من المعمّرين الّذين تجاوزوا المائة وناهزوا المائة وخمسين مثلا، ولم يذكر في ترجمته ما يشير إلى ذلك ولو من بعيد.

على أ نّه لو كان من المعمّرين الّذين تجاوزوا المائة وناهزوا المائة وخمسين مثلا لأشار ولده الشيخ الصدوق إلى ذلك في كتابه إكمال الدين في باب التعمير والمعمّرين، وما يناسب ذلك من أبواب الكتاب، فلابدّ إذن من أن يكون المعني بالشيخ هو التبجيل والتعظيم، ولعلّ في مخاطبته بالكنية ما يشعر بذلك مضافاً إلى وصفه بالمعتمد والفقيه، فهو من الشيوخ شأناً، وإن لم يكن منهم سناً.

وممّا يسترعي الانتباه أنّ هذا الكتاب لم يروه ولده الصدوق في تضاعيف كتبه الّتي وصلت إلينا على كثرة الأبواب المناسبة لذكره، كما لم يذكره القدماء من أصحابنا.

وأقدم مصدر حكى عنه ـ فيما أعلم ـ هو كتاب الاحتجاج لأبي منصور أحمد بن عليّ الطبرسي، اُستاذ الحافظ ابن شهرآشوب السروي (ت 588 هـ)، حكاه عنه البحراني في لؤلؤة البحرين(10)، ولم أجده في مطبوع الاحتجاج.

ورواه بصورة مختصرة الحافظ ابن شهرآشوب في المناقب(11)، وذكره مفصّلا القاضي المرعشي في مجالس المؤمنين(12)، والخوانساري في الروضات(13)، والنوري في خاتمة المستدرك(14) وغيرهم من المتأخّرين.

ذكر الشيخ النجاشي في رجاله(15) أبا الحسن ـ والد المؤلّف ـ ووصفه بقوله:

شيخ القميين في عصره، ومتقدّمهم وفقيههم وثقتهم، كان قدم العراق واجتمع مع أبي القاسم بن روح(رحمه الله)، وسأله مسائل ثمّ كاتبه بعد ذلك على يد عليّ بن جعفر الأسود(16) يسأله أن يوصل رقعة إلى الصاحب(عليه السلام) ويسأله فيها الولد، فكتب إليه: قد دعونا لك بذلك، وسترزق ولدين ذكرين خيّرين.

وذكر الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة(17) أنّ عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه كانت تحته بنت عمّه محمّد بن موسى بن بابويه، فلم يرزق منها ولداً، فكتب إلى الشيخ أبي القاسم بن روح(رضي الله عنه) أن يسأل الحضرة أن يدعو الله أن يرزقه أولاداً فقهاء، فجاء الجواب: إ نّك لا ترزق من هذه، وستملك جارية ديلمية، وترزق منها ولدين فقيهين.

وفي لفظ الصدوق ـ مؤلّف الكتاب ـ قال: حدّثنا أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الأسود، قال: سألني عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه(رحمه الله) بعد موت محمّد بن عثمان العمري(رضي الله عنه) (وكانت وفاته سنة 305 هـ) أن أسأل أبا القاسم الروحي أن يسأل مولانا صاحب الزمان(عليه السلام) أن يدعو الله عز وجل أن يرزقه ولداً ذكراً، قال: فسألته فأنهى ذلك، فأخبرني بعد ذلك بثلاثة أيّام انّه قد دعا لعليّ بن الحسين، وأ نّه سيولد له ولد مبارك ـ كذا ـ ينفعه الله عز وجل به وبعده أولاده.

قال أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الأسود(رضي الله عنه):وسألته في أمر نفسي أن يدعو الله لي أن يرزقني ولداً ذكراً، فلم يجبني إليه وقال: ليس إلى هذا سبيل، قال: فولد لعليّ ابن الحسين(رضي الله عنه) محمّد بن عليّ ـ مؤلّف الكتاب ـ وبعده أولاد، ولم يلد لي شيء.

وهكذا تم للشيخ ـ والد المترجم له ـ ما كان يصبو إليه من الدعاء بالولد الصالح، كما تم له بعد ذلك حصول الأثر، فملك الجارية ورزق منها أوّل مولود ذكر، كان هو شيخنا ـ المترجم له ـ أبا جعفر محمّد بن عليّ الصدوق، ولعلّ في اختيار والده لاسمه ما يشعر بأ نّه من بركات دعاء صاحب هذا الاسم وهو صاحب الأمر (عجل الله فرجه الشريف)، وكانت ولادته بعد سنة (305 هـ) الّتي هي سنة وفاة العمري وأولى سني سفارة الروحي، ولعلّها كانت سنة (306) كما استقر بها السيّد الوالد دام ظلّه واستدلّ عليها، وأياً ما كان فقد ولد شيخنا الصدوق ببركة دعوة الناحية المقدّسة.

ومن الطبيعي أن يكون لتلك الدعوة أثرها في تقويم شخصيته، وتكوين مؤهلاته العلمية، حتّى توقّع الناس ظهور أثرها بيناً في تاريخه، فكان الأمر كما أملوا، وكانوا بعد ولادته ونشأته يرجعون جلّ تلك الظواهر من مميزاته إلى أثر تلك الدعوة الصالحة الّتي بارك بها الإمام(عليه السلام) وليد أبي الحسن عليّ بن موسى بن بابويه، كما كان المؤلّف نفسه يفتخر بذلك ويقول: أنا ولدت بدعوة صاحب الأمر (عجل الله فرجه الشريف)(18).

وقال في ذيل حديثه الآنف عن ابن الأسود: وكان أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الأسود(رحمه الله) كثيراً ما يقول إذا رآني أختلف إلى مجلس شيخنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد(رضي الله عنه)، وأرغب في كتب العلم وحفظه: ليس بعجب أن تكون لك هذه الرغبة في العلم، وأنت ولدت بدعاء الإمام(عليه السلام)(19).

قال أبو عبدالله بن سورة(رحمه الله): كلّما روى أبو جعفر ـ مؤلّف الكتاب ـ وأبو عبدالله الحسين ابني عليّ بن الحسين شيئاً، يتعجب الناس من حفظهما، ويقولون لهما: هذا الشأن خصوصية لكما بدعوة الإمام لكما، وهذا أمر مستفيض في أهل قم(20).

ومن الغريب ما ذكره دوايت م دونلدسن في كتابه عقيدة الشيعة(21) أنّ المؤلّف ولد بخراسان أثناء زيارة والده لمشهد الرضا، ولم نقف على مستند يثبته، وقد تابعه على ذلك صاحب المنجد في الأدب والعلوم(22).

وأغرب من ذلك ما ذكره الدكتور محمّد مصطفى حلمي ـ اُستاذ الفلسفة الإسلامية والتصوف بكلية الآداب بجامعة القاهرة ـ في تعليقه على كتاب توفيق التطبيق حيث قال: وقد ترك في صباه خراسان عام سنة (355 هـ ـ 966 م) إلى بغداد ... الخ(23).

فمع الاغماض عمّا ذكر من كونه بخراسان، إلاّ أنّ الدكتور زعم أ نّه ترك خراسان في صباه سنة (355 هـ) إلى بغداد، ولو بحث قليلا عن ولادته لعلم أ نّه حين ورد بغداد سنة (355 هـ) كان قد ناهز الخمسين من عمره، فكيف يصح قوله في صباه؟!

نشأ المترجم له تحت رعاية أبيه الّذي سبق أن وقفنا على شيء من مكانته، والّذي اشتهر بعلمه وتمسكه بدينه، وعرف بورعه وتقواه، ورجعت إليه الشيعة في كثير من الأقطار، وأخذوا عنه أحكامهم، ولم يمنعه سمو مقامه في العلم من اتخاذ وسيلة لمعاشه، وركائز تضمن الرفعة عمّا في أيدي الناس، شأن الأحرار في الدنيا، فكانت له تجارة يديرها غلمانه ويشرف عليهم بنفسه، فيعتاش ممّا يرزقه الله من فضله، ولم يشأ أن يثرى على حساب الغير، أو يكون اتّكالياً في رزقه(24).

وليس من شك أنّ أباه أولاه عناية كبيرة، ورعاه رعاية صالحة، لأ نّه أمله في هذه الحياة الدنيا، ورسالته الباقية بعده، نتيجة البشارة الّتي حبي بها من الناحية المقدّسة، فكان الفتى الكامل آية في الحفظ والذكاء، يحضر مجالس الشيوخ ويسمع منهم ويروي عنهم، فقد اختلف إلى مجلس شيخه محمّد بن الحسن بن الوليد ـ وكان من أكابر الشيوخ وأعاظم العلماء ـ وهو حدث السن.

وأدرك من أيّام أبيه أكثر من عشرين عاماً، اقتبس خلالها من أخلاقه وآدابه ومعارفه وعلومه ما سما به على أقرانه، حتّى روى عنه جميع مصنفاته، وهي مائتا كتاب فيما يذكره ابن النديم في فهرسته.

قال: قرأت بخطّ ابنه محمّد بن عليّ على ظهر جزء: (قد أجزت لفلان ابن فلان كتب أبي عليّ بن الحسين وهي مائتا كتاب، وكتبي وهي ثمانية عشر كتاباً)(25).

ومع الأسف الشديد ضياع تلك الثروة العلمية الضخمة، فلم نعثر إلاّ على أسماء ما يقارب من عشرين كتاباً ذكرها الشيخ النجاشي والشيخ الطوسي في فهرستيهما، ولم يبق منها إلاّ كتاب الاخوان الّذي يعرف بمصادقة الاخوان، ونسب اشتباهاً إلى ولده مؤلّف هذا الكتاب، ونصوصاً من رسالته الّتي كتبها إلى ابنه.

فممّا يكشف عن مزيد عناية الأب بتربية ابنه، رسالته الّتي كتبها لأجله لخص له فيها كثيراً من الاُصول الحديثية، فاختصر الطريق بطرح الأسانيد والجمع بين النظائر، والإتيان بالخبر مع قرينه حتّى قيل أ نّه أوّل من ابتكر ذلك في رسالته إلى ابنه، وكثير ممّن تأخّر عنه يحمد طريقته فيها، ويعوّل عليها في مسائل لا يجد النص عليها، لثقته وأمانته وموضعه من الدين والعلم، وهذه الرسالة من مصادر كتاب من لا يحضره الفقيه نقل عنها المؤلّف كثيراً، وصرّح بذلك.

والّذي يسترعي الانتباه كثرة مرويات المؤلّف عن طريق أبيه كثرة تفوق مروياته عن كلّ من شيوخه الآخرين، ممّا يدلّنا على مدى استعداده الذهني والنبوغ المبكّر الّذي كان له أكبر الأثر في قابليته الجيدة لكلّ ما يقرأ ويسمع.

ولا غرابة في نتائج الإحصاء والمقارنة الّتي تثبت أنّ الأب ـ وهو المنبع الأوّل من منابع ثقافة وليده المرجّى ـ بذل أقصى جهده في سبيل تثقيف ولده وإسماعه أكبر عدد من مروياته، حتّى كان أكثر ما يرويه الولد هو عن طريق شيخه الأوّل ومربّيه الأكمل، والده أبي الحسن(رحمه الله).

وللتدليل على ذلك خذ مثلا كتاباً من كتب المؤلّف(رحمه الله)، ونظّم احصاءاً شاملا لمروياته عن كلّ من شيوخه، فستخرج بنتيجة أنّ للأب السهم الأوفر من تلك الروايات.

وهذا كتابه (من لا يحضره الفقيه) لمّا كان هو أكبر كتبه وأكثرها رواية، فقد اختصر أسانيده مقتصراً على ذكر من ينتهي إليه سند الرواية، وكان هو الراوي الأوّل، ووضع في آخره مشيخة ذكر فيها إسناده إلى اُولئك الرواة الّذين ورد الحديث عنهم في الكتاب ولم يعرف طريق المصنّف إليهم، ومن هذه المشيخة يستطيع الباحث كشف حقيقة ما قلناه عن كثرة رواياته عن أبيه على قصر المدة الّتي عايشه فيها، حتّى فاقت رواياته ما يرويه عن أشهر شيوخه الآخرين وأكثرهم ملازمة زمنيّة، لتأخّر وفاته عن وفاة والد المؤلّف المذكور، كابن الوليد مثلا الّذي مات سنة (343 هـ) أي بعد وفاة عليّ بن الحسين بن بابويه بنحو خمسة عشر عاماً.

فالباحث يجد المؤلّف ذكر في المشيخة (215) راوياً روى عنهم في كتابه من طريق أبيه، بينما روى عن (124) راوياً من طريق شيخه محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، وعن (50) راوياً من طريق محمّد بن عليّ ماجيلويه، وعن (39) راوياً من طريق محمّد بن موسى بن المتوكل، وهؤلاء من أشهر شيوخه الّذين اشتهر بالتلمذة عليهم والأخذ عنهم، وعرف بشدة الإتصال بهم.

وهكذا تتضاءل النسبة في مروياته عن سائر شيوخه الآخرين الّذين هم دون هؤلاء شهرة أو أقل اتصالا بهم.

وكذلك تكون نتائج الاحصاء عند المقارنة بين مروياته في سائر كتبه الأخرى، فهذان كتابا معاني الأخبار والأمالي، نجد المؤلّف يكثر الرواية عن طريق أبيه فيهما حتّى فاق ما يرويه عن طريقه سائر ما يرويه عن باقي شيوخه، فله في كتاب المعاني ما يناهز المائتين، وفي كتاب الأمالي ما يقرب من (160) حديثاً، بينما نجد جميع ما يرويه عن طريق شيخه محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد في الكتابين معاً، لا يبلغ ما يرويه عن أبيه في كتاب المعاني وحده، أمّا إذا نظرنا إلى الأحاديث الّتي يرويها عن شيخه محمّد بن موسى بن المتوكّل، فجميع ما ورد عن طريقه في الكتابين معاً لا يبلغ (120) حديثاً، وعلى هذا القياس تتضاءل أيضاً نسبة مروياته عن سائر شيوخه الآخرين في هذين الكتابين(26).

وثمّة ظاهرة في مؤلّفات هذا الشيخ الجليل لها قيمتها، هي توريخه السماع غالباً مع ذكر المكان ممّا يزيد في قيمة السند والرواية.

فإنّا إذا رجعنا إلى كتب المؤلّف(رحمه الله)، نجده يمتاز في أسانيده عن شيوخه الكثيرين بتحديد زمان سماعه، والمكان الّذي سمع فيه غالباً، وهذه الظاهرة كما أوقفتنا على منهج المؤلّف، دلّتنا على ما أنار لنا جوانب من تاريخه أهملها مؤرّخوه.

فهو لم يقتصر في أخذه عن مشايخ بلده فحسب، بل رحل إلى كثير من البلدان طلباً للحديث واستزادة في العلم، وسمع الكثير من شيوخ العلم في مختلف الحواضر العلمية، وربّما حدّث هو في بعض تلك البلاد، فسمع منه أشياخ البلد على حداثة سنّه.

وقد ذكر شيوخه سماحة سيّدي الوالد دام ظلّه، فأنهى عددهم إلى أكثر من مائتي شيخ، اقتبسنا منهم العلويين خاصة، فذكرناهم في مقدّمة كتابه (التوحيد) مع بسط تراجمهم فكانوا سبعة(27).

أمّا البلاد الّتي رحل إليها فأوّلها الري، وقد التمسه أهلها للإقامة بينهم، وزاد في اقناعه باجابتهم ما طلبوا وجود الأمير ركن الدولة البويهي، وما كان عليه من رعاية العلماء وإكرامهم والقيام بشؤونهم، ولم نعثر على تحديد تاريخ هجرته إلى الري، إلاّ أنّ في أسانيده ما يشير إلى وجوده بقم في رجب سنة (239 هـ) حيث سمع بها من الشريف أبي يعلى حمزة بن محمّد الزيدي العلوي(28)، كما إنّا نجده يحدّث عن سماعه في الري من أبي الحسن محمّد بن أحمد الأسدي المعروف بابن جرادة البردعي في رجب سنة (347 هـ)(29)، وأ نّه لم تنقطع صلته بوطنه الأوّل قم، فربّما دخلها إمّا لزيارة المشهد فيها أو للقاء الشيوخ، كما يظهر من مقدّمة كتابه إكمال الدين حين صرّح بوجوده بقم، وذلك بعد عودته من زيارته للمشهد الرضوي، وكانت زيارته الاُولى سنة (352 هـ) فقد اجتمع بقم بالشيخ نجم الدين أبي سعيد محمّد بن الحسن بن محمّد بن أحمد بن عليّ بن الصلت القمي، وكان قد ورد من بخارى فذاكره في أمر الغيبة وسأله أن يصنّف فيها كتاباً(30).

وقد خرج إلى خراسان قاصداً زيارة الإمام الرضا(عليه السلام) في طوس سنة (352 هـ) فاستأذن الأمير البويهي ركن الدولة فأذن له، ولمّا خرج من عنده استدعاه ثانياً وسأله أن يدعو له عند المشهد(31)، فكانت تلك الزيارة هي اُولى زياراته الثلاث، فقد زار المشهد ثانياً سنة (367 هـ) بعد موت الأمير البويهي المذكور بسنة، كما زار المشهد ثالثاً في سنة (368 هـ) في طريقه إلى بلاد ما وراء النهر.

وفي سنة (352 هـ) في شعبان كان في نيسابور في طريقه إلى المشهد الرضوي، فسمع في ذلك التاريخ أبا الطيب الرازي(32)، وابن عبدوس النيسابوري(33)، وأبا سعيد المعلم(34)، والحسين بن أحمد البيهقي، وكان سماعه منه في داره(35).

وقد سمع في نيسابور من شيوخ آخرين لم نعثر على تاريخ سماعه منهم، فلا ندري هل في سفره هذا أم في أسفاره الّتي بعد ذلك، وكان منهم أبو نصر الضبي وقال عنه: وما لقيت أنصب منه، وبلغ من نصبه أ نّه كان يقول: اللّهمّ صلِّ على محمّد فرداً، ويمتنع من الصلاة على آله(36)، وعبدالله بن محمّد بن عبدالوهاب السجزي(37)، وأحمد بن إبراهيم الخوزي(38).

وفي مرو الروذ سمع من رافع بن عبدالملك، ومحمّد بن عليّ بن الشاه الفقيه المروذي في داره، كما سمع في سرخس أبا نصر محمّد بن أحمد بن إبراهيم بن تميم السرخسي الفقيه، كلّ ذلك في طريقه إلى خراسان في أسفاره إليها.

ولمّا عاد من خراسان في سنته تلك (352 هـ) توجّه إلى بغداد في طريقه إلى الحجّ فدخلها في تلك السنة، وسمع منه شيوخ الطائفة وهو حدث السن(39)، وقد سمع ببغداد من جماعة منهم أبو الحسن عليّ بن ثابت الدواليبي(40)، والشريف النسّابة أبو محمّد الحسن بن محمّد بن يحيى العلوي المعروف بابن أخي طاهر بداره طرف سوق العطش، كما أجاز له ممّا صح عنده من حديثه(41).

ويبدو أ نّه لم يتجاوز بغداد في سفره هذا، لكنه في سنة (354 هـ) حجّ بيت الله الحرام، فسمع بالكوفة من محمّد بن بكران النقاش(42)، ومن أحمد بن هارون الفامي في مسجد الكوفة(43)،ومن الحسن بن محمّد بن سعيد الهاشمي الكوفي(44)، وهؤلاء قد أرّخ سماعاته منهم، وأ نّها في سنة (354 هـ).

أمّا الّذين لم يؤرّخ سماعاته منهم، وصرّح بسماعه منهم في الكوفة فهم عليّ ابن عيسى المجاور في مسجد الكوفة، وأبو القاسم الحسن بن محمّد بن السكوني المذكر الكوفي، ومحمّد بن عليّ بن الفضل الكوفي في مسجد أميرالمؤمنين(عليه السلام)في الكوفة، وعليّ بن الحسين بن شقير الهمداني في منزله بالكوفة(45)، وغيرهم ممّن لم يسمّهم، فقد ذكر في نوادر كتابه الفقيه أ نّه سمع رجلا من أهل المعرفة باللغة في الكوفة(46).

كما سمع بعد منصرفه من الحجّ بفيد ـ وهو اسم مكان منتصف الطريق تقريباً بين مكة والكوفة ـ من أبي عليّ أحمد بن جعفر البيهقي(47)، وسمع ممّن يثق به من أهل المدينة في شأن وادي مهزور، والظاهر أنّ سماعه منه كان بها(48).

ولمّا قفل راجعاً إلى الري، ومرّ في طريقه بهمدان، سمع بها من الفضل بن الفضل بن العبّاس الكندي وأجازه(49)، ومن القاسم بن محمّد بن أحمد بن عبدويه الزاهد السراج الهمداني(50).

وفي سنة (367 هـ) توجّه لزيارة المشهد الرضوي ثانياً، حيث أملى المجلس الخامس والعشرين من أماليه في يوم الجمعة (13) ذي الحجة من تلك السنة، وعاد إلى الري في سنة (368 هـ) حيث أملى المجلس السابع والعشرين في يوم الجمعة غرة المحرم سنة (368 هـ) بها.

وفي شهر رجب توجّه لزيارة المشهد الرضوي ثالثاً، ومرّ في طريقه بنيسابور، فأملى عدة مجالس من أماليه، منها في دار الشريف أبي محمّد يحيى بن محمّد العلوي الأفطسي المعروف بشيخ العترة وسيّد السادة المجلس التاسع والثمانين في يوم الأحد غرة شعبان من تلك السنة.

وأملى بنيسابور عدة من مجالسه، آخرها ما أملاه يوم الجمعة (12) شعبان، وهو المجلس الثالث والتسعون، وسافر إلى طوس لزيارة المشهد، فكان بها يوم الثلاثاء (17) شعبان حيث أملى المجلس الرابع والتسعين، وهكذا بقي في المشهد الرضوي حتّى ختم أماليه بالمجلس (97) يوم الخميس (19) شعبان من سنة (368 هـ).

وتوجّه إلى بلاد ما وراء النهر، فدخل بلخ وسمع بها جماعة من شيوخ الحديث، منهم الحسين بن محمّد الأشناني، وعبيدالله بن أحمد الفقيه وقد أجازه، وطاهر بن محمّد بن يونس بن حيوة الفقيه، ومحمّد بن سعيد بن عزيز السمرقندي وغيرهم.

وورد سرخس، فسمع محمّد بن أحمد بن تميم السرخسي الفقيه، كما دخل سمرقند وسمع بها عبد الصمد بن عبد الشهيد، وعبدوس بن عليّ الجرجاني، ووصل إلى إيلاق ـ وهي كورة تتاخم كور الشاش وهما من أعمال سمرقند ـ فأقام بها، وسمع الحديث من محمّد بن الحسن بن إبراهيم الكرخي الكاتب، ومحمّد بن عمرو بن عليّ بن عبيدالله البصري.

وفي مدّة إقامته بها اجتمع بالشريف أبي عبدالله محمّد بن الحسن العلوي المعروف بنعمة، وسمع كلّ منهما من الآخر، ووقف الشريف المذكور على أكثر مصنّفات الصدوق الّتي كانت معه فنسخها، كما سمع منه أكثرها، ورواها عنه كلّها، وكانت مائتي كتاب وخمسة وأربعين كتاباً(51).

ودخل فرغانة، وسمع بها من محمّد بن جعفر البندار الشافعي، وإسماعيل بن منصور بن أحمد القصار، وتميم بن عبدالله بن تميم القرشي وغيرهم.

وهكذا نرى المؤلّف وهو في سن الشيخوخة ـ إذ قد تجاوز الستين ـ لا يزال يطوي المسافات الشاسعة في طلب الحديث وسماعه وإسماعه، ومعه من مصنّفاته (245) كتاباً.

وأكبر الظنّ أ نّه لم يسافر بعد سفره إلى ديار ما وراء النهر في سنة (368 هـ) حتّى توفى سنة (381 هـ) بالري، إذ لم نعثر على ما يشير إلى ذلك، ولا شك أ نّه كان في اُخريات أيّامه بالري، حيث أقام بها بعد أن قطع المسافات الشاسعة، وطاف كثيراً من البلدان النائية في سبيل سماع الحديث وإسماعه لم يتلهّف لماضي تمنى رجوعه، كما لم يتوجّع لحادث يخشى وقوعه، بالرغم من تقدّم سنه في الشيخوخة، ومضافاً إلى مكانته الإجتماعية، وصلاته الوثيقة برجال الحكم في الري، فانّه لو أراد أن ينعم بظلال الحياة الوارف كغيره من القابعين في بيوتهم; لكان ذلك من أيسر ما يروم، لكنّه العالم الّذي عرف لذة العلم، فهو لا يأنس إلاّ بكتابه، ولا يطربه إلاّ صرير قلمه، ولا يرى الكرامة والسعادة إلاّ بين المحابر والدفاتر.

فلا غرابة إذا ما أنتج عقله النتاج القيّم، وأثمر علمه الكثير الطيب، فهو في نحو سبعة عقود ونصف من أعوام الحياة الّتي عاشها، غذّى المكتبة الإسلامية في فنون العلم والآداب نحواً من ثلاثمائة مصنّف(52)، وقيل أكثر من ذلك.

وقد ذكر سماحة سيّدي الوالد دام ظلّه في رسالته حياة الشيخ الصدوق تفصيل أسماء آثاره، مع الإشارة إلى ما وصلت إلينا نسخته، وهو يبلغ العشر بالنسبة إلى ما حفظ اسمه واندثر رسمه، ومجموعها (220) كتاباً ورسالة، أمّا ما بقي فقد استأثر به التاريخ، فلم يسمح حتّى باسمه.

وقد ذكرت في مقدّمة كتاب التوحيد(53) تفصيل آثاره الباقية مع الإشارة إلى المخطوط والمطبوع منها، وأنّ فيها وفيما بقي من أسماء كتبه الاُخرى، الّتي سجلها أصحاب الفهارس وما لم يسجّلوها(54) لدلالة على جودة البضاعة ووفور الرصيد العلمي; حتّى تفجّرت تلك العقلية عن مئات من المصنّفات في فنون الآداب والعلوم الإسلامية.

فألّف في التفسير والفقه، والحديث، والكلام، والعقائد، والتاريخ، والرجال، والأخلاق، والآداب الشرعية، والدعاء، والزيارات، سوى ما كتبه في أجوبة المسائل الواردة إليه من سائر البلاد الإسلامية كمصر، وبغداد، والكوفة، والبصرة، وواسط، والمدائن، ونيسابور، وقزوين، أو ما كتبه في جواب مسائل شخصية; كجوابه إلى أبي محمّد الفارسي في شهر رمضان وغيره.

 

مع الكتاب:

والتعريف بالكتاب هو العنصر الثاني للتقديم، وربّما كان في نظر بعض الباحثين بمثابة من الأهمية تفوق التعريف بالمؤلّف، خاصة إذا كان المؤلّف من الأعلام المشاهير كمؤلّفنا(رحمه الله)، بحجّة أنّ المقدّم لكتاب ما يجب أن يستهدف أوّلا اطلاع القارئ على مجموع الكتاب بصورة إجمالية تنير له الدرب فيما سيقرأه في الكتاب مع التنبيه على المواضيع الّتي وفق المؤلّف في عرضها أو الاُخرى الّتي أخفق فيها، ومدى جهده فيهما.

ومهما يكن الأمر في ذلك، فالكتاب الّذي نحن على أبوابه لا يسعني تقديم دراسة فاحصة له مقارنة بين جميع أبوابه بعد بيان موضوعه، والداعي لتأليفه والإشارة إلى منهجية المؤلّف فيه، مع التنبيه على موضوع واحد له علاقة بغيره من المواضيع الّتي تمت إليه بسبب من الأسباب وهو موضوع خطير استعرضه المؤلّف بقدر ما سمحت به ظروفه وأدته إليه رواياته وهو أمر ولاية العهد.

أمّا معرفة موضوعه فإنّ في الإسم الّذي اختاره المؤلّف لكتابه ما يكشف عن حقيقة موضوعه، فهو يدلّ بوضوح أ نّه يتضمّن طائفة من أخبار إمام من أئمّة المسلمين وخلفاء الله في العالمين ـ الإمام عليّ بن موسى الرضا(عليه السلام) ـ ولمّا كانت أخباره كلّها صالحة لا يأتي عليها جميعاً المؤلّف في كتابه، فقد آثر المؤلّف انتخاب غرر منها سمّاها بالعيون وهو اختيار موفق.

وليعلم أنّ للمؤلّف(رحمه الله) فيما يتعلّق بالإمام الرضا(عليه السلام) أربعة كتب اُخرى هي:

1 ـ زهد الرضا(عليه السلام).

2 ـ جامع زيارة الرضا(عليه السلام).

3 ـ مسائل الرضا(عليه السلام).

4 ـ المصباح الحادي عشر في ذكر من روى عن الإمام الرضا(عليه السلام)، وهو من كتب المصابيح المرتبة على ذكر طبقات الرواة عن المعصومين(عليهم السلام) سوى ما ضمنه سائر تآليفه من أخبار الإمام(عليه السلام) كالّذي ورد في كتابه إكمال الدين وقد أحال إليه في كتابه هذا في أكثر من موضع.

وإذا أمكن اثبات أنّ الكتب الأربعة ألّفها الشيخ الصدوق(رحمه الله) قبل كتابه العيون، فيظهر لنا جلياً وجه تسمية الكتاب بعيون الأخبار.

وأمّا الداعي إلى تأليفه فقد أوضحه في مقدّمة الكتاب حيث قال:

(وقع إليَّ قصيدتان من قصائد الصاحب الجليل كافي الكفاة أبي القاسم إسماعيل بن عبّاد أطال الله بقاءه وأدام دولته ونعماءه وسلطانه، وأعلاه في اهداء السلام إلى الرضا عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب(عليهم السلام)، فصنّفت هذا الكتاب لخزانته المعمورة ببقائه، إذ لم أجد شيئاً آثر عنده، وأحسن موقعاً لديه من علوم أهل البيت(عليهم السلام) لتعلّقه بحبهم، واستمساكه بولايتهم، واعتقاده بفرض طاعتهم، وقوله بإمامتهم وإكرامه لذرّيتهم، أدام الله عزه، وإحسانه إلى شيعتهم، قاضياً بذلك حقّ انعامه عليَّ، ومتقرّباً به لأياديه الزهر عندي، ومننه الغر لديَّ، ومتلافياً بذلك تفريطي الواقع في خدمة حضرته، راجياً به قبوله لعذري، وعفوه بذلك عن تقصيري، وتحقيقه لرجائي فيه، وأملي والله تعالى ذكره يبسط بالعدل يده، ويعلي بالحقّ كلمته، ويديم على الخير قدرته، ويسهّل المحال بكرمه وجوده).

ثمّ ابتدأ كتابه بذكر القصيدتين، والقصيدة الاُولى وردت في ديوان الصاحب ابن عبّاد(55) بتفاوت وزيادة بيت واحد وهو البيت 16 في الديوان وذلك هو قوله:

ما زال عن عقد حبّكم أحد *** غير تهيم النصاب مدسوس

أمّا القصيدة الثانية وردت في الديوان كذلك(56) بتفاوت يسير.

فالدوافع الّتي دفعت بمؤلّفنا إلى تأليف كتابه هذا، أظهرها هو قضاء حقّ الصاحب، ورد لجميله السابق، إذ كان للصاحب ـ وهو نادرة دهره ـ في رعاية العلم والعلماء أحاديث فخر خالدة.

قال ياقوت: كان ما يخرج لكافي الكفاة في السنة في وجوه البر والصدقات والمبرات وصلات الأشراف، وأهل العلم، والغرباء، والزوار، ومن يجري مجرى ذلك ممّا يتكفله، ويريد به صيت الدنيا وأجر الآخرة يزيد على مائة ألف دينار(57).

وذكر أيضاً انّه رأى في كتاب هلال بن المحسن الصابىء:

وكان الصاحب أبو القاسم يراعي من ببغداد والحرمين من أهل الشرف، وشيوخ الكتّاب والشعراء وأولاد الاُدباء والزهّاد والفقهاء بما يحمله إليهم كلّ سنة مع الحاج على مقاديرهم ومنازلهم(58).

كما كان ما يقبله من تآليف العلماء في خزانته يعد مقبولا وما يرذله يعد مرذولا، إذ كان العلماء يؤلّفون الكتب باسمه ويهدونها لخزانته إمّا قضاءاً لحقّه أو تقرّباً منه واستزادة من فضله، فهذا ابن فارس اللغوي الشهير ألّف كتابه في فقه اللغة وأسماه بالصاحبي نسبة للصاحب، وقال: وأنا عنونته بهذا الاسم لأ نّي لمّا ألّفته أودعته خزانة الصاحب الجليل كافي الكفاة، عمّر الله عراص العلم والأدب والخير والعدل بطول عمره، تجملاً بذلك وتحسناً، إذ كان ما يقبله كافي الكفاة من علم وأدب مرضياً مقبولا، وما يرذله أو ينفيه منفياً مرذولا(59).

فلا عجب إذا ما كتب شيخنا المؤلّف(رحمه الله) كتابه هذا وأهداه لخزانة الصاحب، وقد أبان في مقدمته عن الداعي إلى تأليفه، وكان سببه وقوع قصيدتي الصاحب في مدح الإمام الرضا(عليه السلام) إليه فآثر أن يفتتح بهما مؤلّفه، ويجعل كتابه هدية لخزانة ناظمهما، إذ لم يجد شيئاً آثر عنده وأحسن موقعاً لديه من علوم أهل البيت(عليهم السلام)، وكتابه هذا جامع لعيون أخبار إمام من أئمّتهم، وسيّد من ساداتهم، فيه من تواريخه ونوادر أخباره، وآثار علومه ما يجعله في الرفوف العالية من خزانة الصاحب على نفاستها وسعتها.

أمّا المنهج الّذي سار عليه المؤلّف في كتابه هذا فقد أبانه وأوضحه في عرضه الشامل للمواضيع الّتي سوف يتطرق إليها في كتابه، وذلك في فهرست عام للأبواب مع ايضاح ما تشتمل عليه الباب، وبهذا فقد أبان عن الخطوط العامة الّتي رسمها لعمله قبل الشروع، وهذه ظاهرة لم نجدها في سائر كتبه الاُخرى الّتي وصلت إلينا.

فكتابه هذا يمتاز بها، وقد تدرج المؤلّف في عرضه العام وفهرسته الشامل لتاريخ الإمام الرضا(عليه السلام) ـ بعد بيانه العلّة الّتي من أجلها سمي الإمام بالرضا ـ منذ ولادته ونشأته، وأخبار إمامته، جملة وتفصيلا، وحتّى وفاته ومدفنه ومراثيه، وثواب زيارة قبره، وبعض كراماته، مضافاً إلى ما يتخلل ذلك من حديث الإمامة والنصوص الدالّة على إمامته، وتفنيد مزاعم الواقفة بالبحث عن أسباب الوقف، وعلّة بقاء جماعة من الواقفة على مقالتهم.

ثمّ ما جاء عن الإمام من الأخبار، وفيها طائفة من مروياته عن آبائه(عليهم السلام)في مختلف الحِكَم والأحكام، والسنن والآداب، وذكر مجالسه مع أهل الأديان، وأرباب المقالات والفرق ممّن كان البلاط المأموني يجمعهم، أو يستدعيهم للمحاججة، وما صدر عنه في بعض حكم التشريع، كأجوبة مسائل محمّد بن سنان، ومسائل الفضل بن شاذان، وحقيق بالثانية أن تعد رسالة بمفردها.

أمّا الأمر الّذي أشرت إليه آنفاً، وهو أمر ولاية العهد الّتي ذكرها المؤلّف(رحمه الله)في كتابه هذا، فقد وددت التنبيه على أنّ هذا الحدث السياسي الخطير لم يكن طبيعياً بالنسبة إلى المأمون العباسي كما يتصوره البعض من أ نّه نتيجة حتمية لشعوره الديني حيث كان يتشيع فيما يقولون.

كما لم يكون قبول الإمام الرضا(عليه السلام) لولاية العهد أمراً طبيعياً أيضاً.

فإنّ هذا الحدث السياسي يعتبر في بدايته نقطة تحول خطير في تاريخ الدولة العباسية الّتي بذل رجالها في سبيلها جهداً كبيراً حتّى حصلوا عليها، ولم يكن المأمون بعيداً في نفسه عن سيرة آبائه، وما كانوا عليه من القسوة والإضطهاد لأبناء عمّهم العلويين، الّذين كانوا أصحاب الدعوة والحقّ أوّلا وأخيراً.

كما لم يكن المأمون غافلا عن مغبة الأحداث الّتي سيواجهها نتيجة لذلك التحول الخطير، فيا هل ترى ما هي الدوافع الّتي دفعت بالمأمون لقيامه بذلك العمل؟

فهل كان مخلصاً في نيّته؟ وموفّقاً في عمله؟ لأ نّه كان يتشيّع، أو أ نّه كان وفاءاً بنذره لله تعالى إن أظفره بأخيه الأمين وقد أظفره؟

أو لا هذا ولا ذاك، بل هو أمر مفروض عليه من العنصر الفارسي الّذي كان مهيمناً عليه، وكان يحتمي به، وهم بعد ذلك أخواله وأنصاره؟

أو هو أبعد من ذلك كلّه وأعمق فهو من تفكير المأمون وحده، أملته عليه الأحداث الّتي واجهته في صدر حكومته، ففكر فيه للدفع في صدور الثوار العلويين وأنصارهم الّذين ما برح الثائر منهم يدعو إلى الرضا من آل محمّد إيهاماً للعامّة، وتسكيناً للحالة المتأزمة، كما فكر في الإجراءات الإحتياطية لإنجازه، وبالتالي لإنهائه؟

كلّ ذلك يدور حول ولاية العهد، ولأجل رفع العنت عن القارئ في تفسير ذلك، وفهم قصد المأمون الّذي أسيء فهمه من قبل المؤرّخين فشرّقوا وغرّبوا في حل رموزه، فكانت أحكامهم مختلفة، وأدلّتهم بدرجات متفاوتة، رأيت أن أبحث موضوع ولاية العهد في التشريع الإسلامي وشرعيتها عند الفرق الإسلامية وما يشترط في ولي العهد، وموقف الحاكمين ـ بعد الخلافة الراشدة ـ منها.

فبحثت جوانبها من ذلك واستعرضت سير الحاكمين في ولاية العهد الإنفرادية والثنائية والثلاثية، وغدر المتنافسين فيها، وأثر ذلك كلّه في ضعضعة كيان الدولة الإسلامية، كما بحثت الدعوة إلى الرضا من آل محمّد منذ نشأتها حتّى عصر المأمون وفي أيّامه وبعد ذلك، كما استعرضت جانباً من تاريخ الدعاة إلى الرضا من آل محمّد، مع عرض صفحات من مواقف العباسيين مع العلويين وأئمّة أهل البيت عامة، ومع رجال الدعوة إلى الرضا من آل محمّد خاصة، كما بحثت محاولة أكثر من واحد من العباسيين اختلاس ألقاب أهل البيت(عليهم السلام) الّتي كانت تجمع عليهم قلوب المسلمين فيملكون بها سيوف الأنصار، كالمهدي، والمرتضى، والرضا، والرضي، دفعاً في صدور العلويين، وتمويهاً على السذج الرعاع من الناس.

وبالتالي قرأت نفسية المأمون من تاريخه، فبينت النوازع الّتي كانت تعتمد في نفسه إلى التفكير في بيعة الإمام عليّ بن موسى الرضا بولاية العهد، وأهمّها الظروف الحاكمة، ومكانة الإمام وقابلياته، وبالتالي عمله على تحقيق الفكرة، والمفاوضات في ذلك ووثيقة البيعة وشروطها.

ومن ثمّ انتهيت بالإشارة إلى آثار البيعة الإيجابية من خطبة باسم ولي العهد الجديد، وضرب السكة باسمه، وتغيير اللباس الأسود ـ شعار الدولة ـ إلى الأخضر، وثمّ المصاهرة مع العلويين، وجعل ولاة منهم على بعض البلاد.

كما أشرت إلى نتائجها السلبية من نقمة العباسيين وخلع المأمون، وبيعة إبراهيم بن المهدي ـ شيخ المغنيين ـ وفوضى بغداد واضطراب الأمن بها، وكتمان وزير المأمون ـ الفضل بن سهل ـ أخبار ذلك عن المأمون، وأسباب ذلك، وموقف الإمام الرضا(عليه السلام) في إسداء النصيحة للمأمون بمعالجة الموقف المتأزم.

وبحثت عمل المأمون في القضاء على مصادر القوّة وعناصر الفوضى في سلطانه كقتل هرثمة بن أعين، واغتيال الفضل بن سهل ـ وزيره المستبد والمهيمن عليه ـ بأمره، وقتل جماعة لذلك وحبس آخرين أيضاً كان منهم الإمام الرضا(عليه السلام)وثمّ تدبير قتله مسموماً، كما سم محمّد بن محمّد بن زيد العلوي بالري، ومحمّد بن جعفر الديباج بجرجان، واغتيال طاهر بن الحسين، وأشرت إلى إجراءاته الإحتياطية لإخفاء معالم الجرائم في إغتيال أُولئك النفر.

وذكرت المرحلة الأخيرة من خطة المأمون، وهي العودة إلى بغداد، واعداد العدة لذلك ـ بعد قضائه على كثير من العناصر المشار إليها ـ فقطع المسافة في سنتين، بينما هي لا تحتاج إلى شهرين والوجه في ذلك، ومبادرته بخلع لباس الخضرة عند وصوله إليها، ومحاولته الفاشلة لخديعة شيخ من العلويين بولاية العهد ثانياً، والإمام الجواد ثالثاً، واكتفى بعد فشله مع الأخير بتزويجه من ابنته أم الفضل.

وبالتالي عرضت مواقف كثير من المؤرّخين والكتاب من ولاية عهد المأمون للإمام الرضا(عليه السلام) سواء القائلون بالشعور الديني أو السياسي أو المزيج منهما.

ولمّا كان هذا الموضوع الطويل لا تسعه أوراق التقديم، وهو بعد بحاجة إلى مزيد من البحث، لذلك اكتفيت بالإشارة إليه، ونسأل الله تعالى أن يوفّقنا لإتمام البحث المذكور ونشره مستقلا، إنّه سميع مجيب.

 

طرق رواية الكتاب عن المؤلّف:

جاء في نسخة منه توجد بمكتبة بيت الله المسجد الجامع العتيق في شيراز وهي بخطّ نسخ تعليق تاريخها ربيع الأوّل سنة 1050 في اصفهان:

1 ـ ابن أبي الحسن عليّ بن أبي طالب بن محمّد بن أبي طالب التميمي، عن أبيه، عن عز الدين سيّد الشرف أبو محمّد شرفشاه بن أبي الفتوح محمّد بن الحسين بن زبارة العلوي الخطيبي النيشابوري في سنة 573 في مشهد عليّ أيّام مجاورته، عن أبي الحسن عليّ بن عبدالصمد في داره في نيشابور في سنة 541، عن أبي البركات الخوزي، عن ابن بابويه.

2 ـ الحسن بن محمّد بن يحيى بن عليّ بن الجور، عن النقيب السديد كمال الدين أبي الفتوح حيدر بن محمّد بن زيد بن عبدالله بن الحسن الراوندي، عن شرف السادة المرتضى بن الداعي الحسني، عن أبي عبدالله جعفر بن محمّد بن أحمد بن العباس الدوريستي.

3 ـ الحسن بن محمّد بن يحيى بن عليّ بن أبي الجور، عن عماد الدين أبي الرضا أحمد بن عليّ بن الحسن بن أبي دهور الشبلي، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ بن شهرآشوب، عن أبيه، عن أبي نصر بن أبي الجيش، عن أبي جعفر محمّد ابن الحسن الطوسي، عن ابن بابويه.

4 ـ عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب كاتب الأصل المنقول كما في آخر الجزء الأوّل، عن أبي الفضل شاذان بن جبرئيل بن إسماعيل القمي الّذي قابله في المدينة بقراءة هبة الله بن دعويدار القمي وسعد بن كميج، عن أبي عبدالله جعفر بن محمّد بن أحمد بن العباس الدوريستي عن محمّد بن أحمد أبيه، عن ابن بابويه.

 

طبعات الكتاب:

وقد طبع هذا الكتاب الجليل عيون أخبار الرضا ـ قبل اليوم ـ فيما أعلم أربع مرات كانت الاُولى: في سنة (1275 هـ) بطهران، وهي طبعة حجرية بقطع الوزيري بلا ترقيم لصفحات الكتاب.

الثانية: في سنة (1317 هـ) بطهران أيضاً، وهي أيضاً طبعة حجرية بقطع الوزيري، وتعرف بطبعة نجم الدولة وتمتاز عن سابقتها بترقيم الصفحات وتبدأ من ص 67، كلّ صفحة في عمودين.

الثالثة: في سنة (1327 هـ) بطهران طبعة حجرية بقطع الوزيري.

الرابعة: في سنة (1377 هـ) بقم، طبعة حروفية في مجلدين بقطع الوزيري.

ومع تعدد طبعات الكتاب لا تزال نسخته عزيزة الوجود، ونظراً لنفاسة الكتاب، وندرة نسخته ـ تقريباً ـ فقد بادر الأخ الشيخ محمّد كاظم الكتبي سلّمه الله إلى اعادة طبعه لأوّل مرّة في مطبعته الحيدرية الّتي ما زالت تتحف القرّاء بجليل الكتب ونفائس الآثار، فحياه الله وجميع العاملين في خدمة الدين إنّه سميع مجيب.

النجف الأشرف

15 / 5 / 1390 هجرية

محمّد مهدي السيّد حسن

الموسوي الخرسان

(1) من لا يحضره الفقيه 1: 23، 75.

(2) بشارة المصطفى: 150 الطبعة الثانية (المطبعة الحيدرية).

(3) معاني الأخبار: 408.

(4) كذا في رسالة التنويه نقلا عن الذهبي، وفيها أيضاً عن المعلمي أ نّه أحمد بن عليّ بن الحسين بن بابويه.

(5) ورد في لسان الميزان 4: 283 أ نّه أوّل ما سمع الحديث في سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة، وله إحدى عشرة سنة، وهو من سهو القلم من ابن حجر إذ سبق منه ذكر ولادة ابن شاهين في سنة (297) ومعلوم أ نّه لمّا سمع وله إحدى عشرة سنة، فيكون الصواب سنة ثمان وثلاثمائة لا كما ذكر، فلاحظ.

(6) الإعلام: 75 ـ 76.

(7) ذكر القصة ابن كثير في تاريخه في حوادث سنة (317) ولم يسم عليّ بن بابويه، بل قال: وقد كان بعض أهل الحديث يومئذ يطوف، فلمّا قضى طوافه أخذته السيوف، فلما وجب أنشد وهو كذلك ثمّ ذكر البيت.

ومن الغريب أنّ الشيخ الطريحي ذكر في مجمع البحرين (قرمط) نقلا عن الشيخ البهائي أنّ الحادثة كانت سنة (310 هـ) وهو غير صحيح، فانّ دخول القرامطة إلى مكة كان في سنة (317) كما في تاريخ الكامل لابن الأثير، والبداية والنهاية لابن كثير وغيرهما، وورد ذكرها في حوادث سنة (316 هـ) في كتاب صلة تاريخ الطبري، فراجع.

(8) ذهب المرحوم الدكتور مصطفى جواد في هامش إكمال الإكمال: 17، إلى أنّ عليّ بن الحسين بن بابويه المذكور، هو والد الصدوق المتوفى سنة (328 هـ) ولمّا تفطن إلى أنّ بين وفاة ابن بابويه الّذي عينه وبين وفاة أبي المجد القزويني الراوي عنه سماعاً (294) سنة تمحل في تفسير قوله (بسماعه منه) فقال: يعني بسماع الجزء منه عن جماعة من الشيوخ، وهذا إجتهاد من الدكتور في مقابل النص، على أ نّه لم يذكر بين مؤلّفات والد الصدوق كتاب إسمه (الأربعين) فراجع فهرستي النجاشي والطوسي وغيرهما.

(9) تاج العروس 2: 268، طبع سنة (1286 هـ).

(10) لؤلؤة البحرين: 384.

(11) المناقب 3: 527.

(12) مجالس المؤمنين 1: 453.

(13) روضات الجنّات: 377.

(14) خاتمة المستدرك 3: 527.

(15) رجال النجاشي: 184.

(16) في إكمال الدين: 467، والغيبة للطوسي: 201، انّه محمّد بن عليّ الأسود.

(17) الغيبة للطوسي: 201.

(18) رجال النجاشي: 261.

(19) إكمال الدين: 467، طبع الحيدرية سنة 1389.

(20) غيبة الطوسي: 201.

(21) عقيدة الشيعة: 284.

(22) المنجد في الأدب والعلوم: 56.

(23) توفيق التطبيق: 168.

(24) في نفس المصدر: 262، تجد خبر منابذته للحلاّج حين دخل قم، واخراج أبي الحسن بن بابويه له من مجلسه حين أتاه في (سرايه) محله التجاري، فأمر غلمانه بأن يجروا برجله ويدفعوا بقفاه، فما رؤي بقم بعد ذلك.

(25) الفهرست: 277.

(26) إنّما خصصت هذين الكتابين بالذكر دون باقي كتبه، لأ نّي كنت نظمت فهرستاً خاصاً بأسماء شيوخه في الحديث لبيان مواضع رواياته عنهم في سائر كتبه، وابتدأت يومئذ بكتابيه المعاني والأمالي، ولم تسنح الفرصة باستيعاب باقي آثاره، نسأل المولى التوفيق لإكمال ذلك إن شاء الله.

(27) راجع مقدّمة كتاب التوحيد: 15 ـ 25.

(28) عيون الأخبار باب 22 حديث 5، والخصال 1:11، طبع قم سنة 1376،ومعاني الأخبار: 301.

(29) الأمالي: 206، طبع الحيدرية بتقديمنا.

(30) لاحظ إكمال الدين: 2 ـ 3 طبع الحيدرية بتقديمنا.

(31) عيون الأخبار باب 69، في ذيل الحديث الثاني من الباب تجد كلام الأمير البويهي مع المؤلّف، فراجع.

(32) عيون الأخبار باب 59 حديث 2.

(33) نفس المصدر باب 8 حديث 5.

(34) التوحيد: 40، طبع الحيدرية بتقديمنا.

(35) عيون الأخبار باب 2 حديث 1.

(36) معاني الأخبار: 56 .

(37) التوحيد: 307.

(38) المصدر السابق: 6.

(39) رجال النجاشي: 276، طبع بمبئي، وفيه أ نّه ورد بغداد سنة (355)، فلعلّ ذلك بعد حجّه في سنة (354)، ولم أقف على من صرّح بدخوله في سنة (355) في غيره، وفي سماعاته بهمدان تصريح بأ نّها بعد حجّه في سنة (354).

(40) عيون الأخبار باب 6 حديث 29.

(41) إكمال الدين: 469، 507.

(42) عيون الأخبار باب 11 حديث 26.

(43) نفس المصدر باب 25 حديث 2.

(44) نفس المصدر باب 26 حديث 22.

(45) مقدّمة من لا يحضره الفقيه: 19.

(46) من لا يحضره الفقيه 4: 261.

(47) مقدّمة من لا يحضره الفقيه: 19.

(48) من لا يحضره الفقيه 3: 56.

(49) التوحيد: 40، طبع الحيدرية.

(50) الخصال 1: 84 ، طبع الحيدرية.

(51) من لا يحضره الفقيه 1: 3.

(52) فهرست الطوسي: 135، ومعالم العلماء: 111، وراجع بشأنها مقدّمة الفقيه: 34 ـ 60.

(53) التوحيد: 34 ـ 35.

(54) عثرت على اسم كتاب له أحال عليه في كتابنا هذا، وهو (وصف قتال الشراة المارقين) وثمة اسم كتاب آخر ذكره في كتابه التوحيد: 228، وقال عنه: وسأخرج الأخبار الّتي رويتها في ذكر عظمة الله تبارك وتعالى في كتاب العظمة إن شاء الله، وهذان ممّا لم يسجلا في الفهارس.

(55) ديوان الصاحب بن عبّاد: 91 ـ 95 طبع بغداد سنة 1384.

(56) المصدر نفسه: 159 ـ 160.

(57) معجم الاُدباء 6: 249 طبع دار المأمون.

(58) المصدر نفسه 6: 300.

(59) الصاحبي في فقه اللغة: 2.