الصفحة 467
فمسألة وقوع آيات مدنية في سورة مكية وبالعكس معلوم ومنصوص عليه كما قلناه، بل هو مذكور حتى في أوائل السور في بعض المصاحف المطبوعة سابقاً بالرسم العثماني في تركيا ومصر والشام والعراق، وفي خصوص المقام فقد ورد فيه: (سورة الإسراء مكية إلا الآيات: 26، 32، 33، 57 ومن آية: 73 إلى آية: 80 فمدنية...).

فتبيّن تدجيل ابن كثير وتضليله في قوله: وهذا الحديث مشكل لو صح إسناده، لأنّ الآية مكية وفَدَك انّما فتحت مع خيبر سنة سبع من الهجرة، فكيف يلتئم هذا مع هذا؟ فهو إذاً حديث منكر، والأشبه أنّه من وضع الرافضة، والله أعلم.

أقول: وبقيت مسألة فَدَك، ومطالبة الزهراء (عليها السلام) تشك عيون النواصب، فتبع ابن كثير نفر على رأيه، وهم عن الحق معرضون، فأبو الثناء الآلوسي (ت 1270هـ) قال في تفسيره روح المعاني(1):

وما أخرجه البزار، وأبو يعلى، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري من أنّه لما نزلت هذه الآية _ يعني: {وَآتِ ذَا القُرْبَى حَقَّهُ} _ دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاطمة فأعطاها فدكاً، لا يدل على تخصيص الخطاب به عليه الصلاة والسلام، على أنه في القلب من صحة الخبر شيء، بناء على أنّ السورة مكية، وليست هذه الآية من المستثنيات، وفَدَك لم تكن إذ ذاك تحت تصرّف رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، بل طلبها رضي الله تعالى عنها ذلك إرثاً بعد وفاته عليه الصلاة والسلام كما هو المشهور، يأبى القول بالصحة كما لا يخفى.

____________

1- روح المعاني 15: 58 _ 59.


الصفحة 468
وقال أيضاً(1) في تفسير قوله تعالى: {فَآتِ ذَا القُرْبَى حَقَّهُ وَالمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ}(2)، وخصّ بعضٌ الخطاب به صلى الله تعالى عليه وسلم، وقال: المراد بذي القربى بنو هاشم وبنو المطلب، أُمر صلى الله تعالى عليه وسلم أن يؤتيهم حقهم من الغنيمة والفيء، وفي مجمع البيان للطبرسي من الشيعة: المعنى: (وآت يا محمد ذوي قرابتك حقوقهم التي جعلها الله تعالى لهم من الأخماس، وروى أبو سعيد الخدري وغيره: أنّه لما نزلت هذه الآية أعطى عليه الصلاة والسلام فدكاً وسلّمه إليها، هو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله) انتهى.

وفيه: انّ هذا ينافي ما اشتهر عند الطائفتين من أنّها رضي الله تعالى عنها ادّعت فدكاً بطريق الإرث، وزعم بعضهم انّها ادعت الهبة أولاً، وأتت على ذلك بعلي والحسن والحسين رضي الله تعالى عنهم، وبأم أيمن رضي الله تعالى عنها، فلم يقبل منها لمكان الزوجية والبنوّة، وعدم كفاية المرأة الواحدة في الشهادة في هذا الباب، فادّعت الإرث فكان ما كان، وهذا البحث مذكور على أتم وجه في التحفة إن أردته فارجع إليه.

أقول: يا للعجب من أناس هم يروون الخبر عن رجالهم وبأسانيدهم المقبولة عندهم، حتى إذا فزّع عن قلوبهم بذكر ما يتعلق بأهل البيت (عليهم السلام) أعرضوا عنه وقالوا: هذا كتاب مفترى، والأشبه أنّه من وضع الرافضة، كما مرّ عن ابن كثير، أو أنّه في القلب من صحة الخبر شيء، كما مرّ عن الآلوسي.

ومن كان على الحق لا يستوحش وإن كان وحده، فكيف ويجد على صدق مدّعاه شهود صدق ما بهم مراء، مثل البزار، وأبي يعلى الموصلي(3)، وابن أبي

____________

1- المصدر نفسه 21: 39 _ 40.

2- الروم: 38.

3- مسند أبي يعلى 2: 224، و524.


الصفحة 469
حاتم، وابن مردويه، وقد مر الخبر عن طريقهم عند الآلوسي قريباً، ونضيف إليهم الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل(1)، فقد روى الخبر بسبعة أسانيد، وأخرجه الحاكم النيسابوري في تاريخه، وابن النجار كما في كنز العمّال ومنتخبه بهامش مسند أحمد(2)، وأخرجه الطبراني وعنه الهيثمي في مجمع الزوائد(3) وقال: رواه الطبراني وفيه عطية العوفي، وهو ضعيف متروك.

أقول: لقد سبقت منّا ترجمته وما قيل فيه من غمز فيه، ولم نجد من قال فيه متروك، بل وجدنا قول ابن معين فيه: صالح، وقول ابن عدي: وهو مع ضعفه يكتب حديثه، وكان يعدّ من شيعة الكوفة. وهذا ذنب لا كفارة له عند النواصب، وما أدري هل يكفي في توثيق عطية العوفي رواية البخاري عنه في حديث رفع الأيدي، وأبي داود في سننه، والترمذي في سننه، وابن ماجة في سننه، أم يبقى على أنّه ضعيف متروك كما قال الهيثمي في مجمع الزوائد.

ثم إنّ من ذكرناهم ممن أخرج خبر أبي سعيد كلهم من غير الرافضة، فهل علم ابن كثير وأضرابه بماذا يهرقون ويخرفون، وإذا كان الخبر من وضع الرافضة فكيف تسلّل إلى كتب أعلام القوم؟

وقد أغرب العيني في عمدة القارئ(4) حين أنكر ذلك فقال: فإن قلت رووا أن فاطمة طلبت فَدَك وذكرت أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أقطعها إياها وشهد علي (رضي الله تعالى عنه) على ذلك فلم يقبل أبو بكر شهادته لأنّه زوجها (؟) قلت _

____________

1- شواهد التنزيل 1: 338 _ 341.

2- منتخب كنز العمال 1: 228.

3- مجمع الزوائد 7: 49.

4- عمدة القارئ 15: 20.


الصفحة 470
والقائل هو العيني _ هذا لا أصل له ولا يثبت به رواية أنّها ادعت ذلك، وإنّما هو أمر مفتعل لا يثبت.

أقول: وهذا من أغرب الغرائب وأعجب العجائب فالعيني إنّما كتابه هو شرح لصحيح البخاري، وهو قد ذكر مطالبة الزهراء (عليها السلام) لأبي بكر بفدك فأبي أن يعطيها إياها فهجرته حتى ماتت وهي واجدة عليه، فكيف عميت عين العيني عن رؤية ذلك.

ولعل ابن أبي حاتم في علل الحديث(1) أكثر إنصافاً حين قال: سألت أبي وأبا زرعة، عن حديث رواه سعيد بن خيثم، عن فضيل بن مرزوق، عن عطية، عن أبي سعيد، قال: لما نزلت هذه الآية {وَآتِ ذَا القُرْبَى حَقَّهُ} دعا النبي (صلى الله عليه وآله) فاطمة فجعل لها فَدَك؟ فقالا: إنّما هو عن عطية قال: لما نزلت مرسل، قال: ليس فيه ذكر أبي سعيد، قال أبو زرعة: حدّثنا أبو نعيم، عن فضيل، عن عطية فقط قال: لما نزلت ليس فيه ذكر أبي سعيد.

وأخيراً تبقى مسألة فَدَك وغصبها شاهد صدق وعدل على ما لحق بسيدة نساء العالمين من حيف وظلم، ألا لعنة الله على الظالمين.

ما ذكره نور الدين الهيثمي:

الثلاثون: نور الدين الهيثمي (ت 807 هـ) فماذا عنده في مجمع الزوائد؟

النص الأول(2): عن عائشة أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: «ستة لعنتهم ولعنهم الله، وكل نبي مجاب: الزائد في كتاب الله (عزّ وجلّ)، والمكذب بقدر الله (عزّ وجلّ)، والمستحل حرمة الله، والمستحل من عترتي ما حرّم الله، والتارك للسنّة»، رواه الطبراني في الكبير،

____________

1- علل الحديث 2: 57.

2- مجمع الزوائد 1: 176.


الصفحة 471
وفيه عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب، قال يعقوب بن شيبة: فيه ضعف، وضعّفه يحيى بن معين في رواية ووثّقه في اُخرى، وقال أبو حاتم: صالح الحديث، ووثقه ابن حبان، وبقية رجاله رجال الصحيح.

أقول: فما رأي القارئ فيمن روّع فاطمة حتى أعلنت سخطها وقالت: أتراك محرقاً عليّ بيتي، واشتكت إلى أبيها قائلة: «ماذا لقينا بعدك من ابن أبي قحافة وابن الخطاب»(1).

النص الثاني(2): عن عمر قال: لما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله)، جئت أنا وأبو بكر إلى علي فقلنا: ما تقول فيما ترك رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قال: «نحن أحق الناس برسول الله (صلى الله عليه وآله) ». قال: فقلت: والذي بخيبر؟ قال: «والذي بخيبر»، قلت: والذي بفدك؟ قال: «والذي بفدك». فقلت: أما والله حتى تحزوا رقابنا بالمناشير فلا.

قال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه موسى بن جعفر بن إبراهيم، وهو ضعيف.

النص الثالث(3): عن جابر أن النبي (صلى الله عليه وآله) دعا عند موته بصحيفة ليكتب فيها كتاباً لا يضلون بعده أبداً، قال: فخالف عليها عمر بن الخطاب حتى رفضها. قال الهيثمي: رواه أحمد، وفيه ابن لهيعة وفيه خلاف.

النص الرابع(4): وعن عمر بن الخطاب قال: لما مرض النبي (صلى الله عليه وآله) قال: «ادعوا لي بصحيفة ودواة أكتب لكم كتاباً لا تضلون بعدي أبداً»، فقال النسوة من وراء الستر: ألا تسمعون ما يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقلت: إنكنّ صواحبات يوسف، إذا

____________

1- أنساب الأشراف _ كما مر _.

2- مجمع الزوائد 9: 39، باب فيما تركه (صلى الله عليه وآله).

3- المصدر نفسه 9: 33.

4- المصدر نفسه 9: 34.


الصفحة 472
مرض رسول الله (صلى الله عليه وآله) عصرتنّ أعينكنّ، وإذا صحّ ركبتنّ رقبته، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): دعوهنّ فإنهنّ خير منكم. رواه الطبراني في الأوسط، وفيه محمد بن جعفر بن إبراهيم الجعفري، قال العقيلي: في حديثه نظر، وبقية رجاله وثقوا.

النص الخامس(1): عن أم الفضل بنت الحارث _ وهي أم ولد العباس أخت ميمونة _ قالت: أتيت النبي (صلى الله عليه وآله) في مرضه، فجعلت أبكي، فرفع رأسه فقال: ما يبكيكِ؟ قالت: خفنا عليك ولا ندري ما نلقي من الناس بعدك يا رسول الله، قال: «أنتم المستضعفون بعدي»، رواه أحمد.

النص السادس(2): عن ابن عباس قال: جاء ملك الموت إلى النبي (صلى الله عليه وآله) في مرضه الذي قبض فيه، فاستأذن ورأسه في حجر علي رضوان الله عليه....

ما ذكره ابن الشحنة:

الواحد والثلاثون: ابن الشحنة (ت 815 هـ) فماذا عنده في تاريخه روضة المناظر في أخبار الأوائل والأواخر؟

قال: وكتب _ الأفضل واسمه علي _ إلى الخليفة الإمام الناصر يشكو من عمه أبي بكر العادل، ومن أخيه عثمان، أول الكتاب شعر:


مولاي إنّ أبـا بـكـر وصـاحبه عثمان قد أخذا بالظلم حق علي
فانظر إلى حظ هذا الاسم كيف لقي من الأواخر ما لاقى أمر الأول

فكتب الناصر جوابه:


غصبوا علياً حقه إذ لم يكن بـعـد الـنـبي له بيثرب ناصر
فاصبر فإنّ غداً عليه حسابهم وابشر فناصرك الإمام الناصر(3)

____________

1- المصدر نفسه 9: 34.

2- المصدر نفسه 9: 35.

3- روضة المناظر في أخبار الأوائل والأواخر 12: 106.


الصفحة 473
أقول: إنّ ابيات الملك الأفضل علي بن يوسف، وجواب الناصر العباسي مذكورة في جملة من المصادر، وهي أكثر مما ذكره ابن الشحنة، فقد ذكرها ابن خلكان في وفيات الأعيان(1) وهي كما يلي:


مولاي إنّ أبا بكر وصاحبه عثمان قد غصبا بالسيف حق علي
وهو الذي كان قد ولاه والده عليهما فاستقام الأمر حين ولي
فخالفاه وحلاّ عقد بيعته والأمر بينهما والنص فيه جلي
فانظر إلى حظ هذا الاسم كيف لقي من الأواخر ما لاقى من الأولِ

كما ذكر جواب الإمام الناصر، وفي أوله:


وافى كتابك ياابن يوسف معلنا بالودّ يخبر أنّ أصلك طاهر
غصبوا علياً حقه إذ لم يكن بعد النبي له بيثرب ناصر
فابشر فإنّ غداً عليه حسابهم واصبر فناصرك الإمام الناصر

وقد ذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء(2) الأبيات، كما ذكرها ابن خلكان بتفاوت يسير، وذكرها الصفدي في تمام المتون(3)، وذكر ابن كثير في البداية والنهاية(4) أبيات الملك الأفضل دون جواب الناصر، وفي ذكرهم هذا ما يدلّ على غصب الشيخين حق الإمام علي في الخلافة، حتى صار غصبهما مضرب مثل حتى عند من والاهما من خليفة وملك ومؤرّخ.

____________

1- وفيات الأعيان 3: 429.

2- سير أعلام النبلاء 5: 444.

3- تمام المتون للصفدي: 249.

4- البداية والنهاية 13: 108.


الصفحة 474

ما ذكره ابن حجر العسقلاني:

الثاني والثلاثون: ابن حجر العسقلاني (ت 852 هـ) له فتح الباري وهو شرح صحيح البخاري، وقد ذكر في شرح الأحاديث التي سبق أن ذكرناها عن البخاري، ما تميز به من الدفاع عن بيعة الفلتات، كما له في لسان الميزان(1) تحامل على علوان بن داود البجلي مولى جرير بن عبد الله؛ لأنّه ذكر حديث مثلثات أبي بكر في خبره مع عبد الرحمن بن عوف، وقد مر ذكره موثقاً بمصادره فراجع وهي كثيرة.

غير أنّ ابن حجر لم يستسغ الخبر برواية (عُلوان بن داود) فنال منه، ولعلّه غاضه ما جاء فيه من قول أبي بكر: (وددت أنّي لم أكشف بيت فاطمة وتركته وإن أغلق على الحرب) وهذا اعتراف بجناية ما فوقها من جناية، فكشف بيت فاطمة بالصورة المروعة التي حدثت تستدعي الندم وتأنيب الضمير لو كان ينفع ذلك، ولات مندم.

وله في لسان الميزان بعض النصوص نذكر منها ما ذكره في ترجمة (اسفنديار بن الموفق بن محمد بن يحيى أبو الفضل الواعظ) قال: روى عن أبي الفتح ابن البطي ومحمد بن سليمان وروح بن أحمد الحديثي، وقرأ الروايات على أبي الفتح بن زريق، وأتقن العربية وولى ديوان الرسائل، روى عنه الدبيثي وابن النجار وقال: برع في الأدب وتفقه للشافعي وكان يتشيع، وكان متواضعاً عابداً كثير التلاوة. وقال ابن الجوزي: حكى عنه بعض عدول بغداد انّه حضر مجلسه بالكوفة فقال: لما قال النبي (صلى الله عليه وآله): (من كنت مولاه فعليّ مولاه) تغيّر وجه أبي بكر وعمر، فنزلت: {فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا}.

____________

1- لسان الميزان 4: 188.


الصفحة 475
هذا ما ذكره ابن حجر بنصّه ولم يزد في التعقيب عليه إلاّ قوله: فهذا غلوّ منه في شيعيته، وذكره ابن بابويه فقال: كان فقيهاً ديّناً صالحاً لقبه صائن الدين.

أقول: ولا يظهر في تعقيبه إنكار ما ذكره عنه، بمجرد زعمه (فهذا غلو منه في شيعيته) الرجل ليس بشيعي بل هو شافعي بل من فقهاء الشافعية. ولعل ابن حجر أضمر في نفسه صحة الخبر، إلاّ انّه على استحياء أو لضغط الموروث قال (فهذا غلو منه في شيعيته).

وهذا ما لم يعجب المناوي فقال في كتابه فيض القدير(1): ومن الغريب ما ذكره في لسان الميزان في ترجمة اسنفديار ثم ساق ما ذكره ابن حجر، وعقب عليه بقوله: هكذا ذكره الحافظ في اللسان بنصّه، ولم أذكره إلاّ للتعجب من هذا الضلال وأستغفر الله، قال ابن حجر حديث كثير الطرق جداً استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد منها صحاح ومنها حسان وفي بعضها قال ذلك يوم غدير خم، وزاد البزار في رواية: (اللّهمّ وال من والاه، وعاد من عاداه، وأحب من أحبّه، وأبغض من أبغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله).

ولما سمع أبو بكر وعمر ذلك قالا _ فيما أخرجه الدارقطني عن سعد بن أبي وقاص_: أمسيت يا بن أبي طالب مولى كل مؤمن ومؤمنة. وأخرج أيضاً قيل لعمر: إنّك تصنع بعليّ شيئاً لا تصنعه بأحد من الصحابة؟ قال: انّه مولاي.

وفي تفسير الثعلبي عن ابن عينية: أن النبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) لما قال ذلك طار في الآفاق فبلغ الحارث بن النعمان فأتى رسول الله (صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم) فقال: يا محمد أمرتنا عن الله بالشهادتين فقبلنا، وبالصلاة والزكاة والصيام والحج فقبلنا، ثم لم ترضى حتى رفعت بضبعي ابن

____________

1- فيض القدير 6: 217.


الصفحة 476
عمك تفضله علينا، فهذا شيء منك أم من الله؟ فقال: (والذي لا إله إلاّ هو انّه من الله) فتولى وهو يقول: اللّهمّ إن كان ما يقوله محمد (صلى الله عليه وآله) حقاً فأمطر علينا حجارة من السماء أو أئتنا بعذاب أليم، فما وصل راحلته حتى رماه الله بحجر فسقط على هامته فخرج من دبره فقتله.

ثم قال المناوي: ولا حجة في ذلك كله على تفضيله على الشيخين، كما هو مقرر في محله من فن الأصول؟!

ما ذكره السيوطي:

الثالث والثلاثون: جلال الدين السيوطي (ت 911) ماذا عنده؟

النص الأول: أخرج في تفسيره الدر المنثور(1)، في ذيل تفسير قوله تعالى: {وَآتِ ذَا القُرْبَى حَقَّهُ}(2)، قال: أخرج البزار وأبو يعلى، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، عن أبي سعيد الخدري قال: لما نزلت هذه الآية: {وَآتِ ذَا القُرْبَى حَقَّهُ} دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاطمة فأعطاها فَدَك.

وقال أيضاً: وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: لما نزلت: {وَآتِ ذَا القُرْبَى حَقَّهُ} أقطع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاطمة فدكاً.

أقول: وهذا قد أخرجه في كتابه أسباب النزول أيضاً، كما مرّ في التعقيب على ابن كثير، وقد نقضه في كتابه تاريخ الخلفاء، فلنقرأ ما فيه.

النص الثاني: ما رواه في كتابه تاريخ الخلفاء(3) قال:

وعن مغيرة قال: جمع عمر _ يعني ابن عبد العزيز _ حين استخلف بني مروان فقال: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كانت له فَدَك ينفق منها، ويعول منها على صغير بني

____________

1- الدر المنثور 3: 177.

2- الإسراء: 26.

3- تاريخ الخلفاء: 154.


الصفحة 477
هاشم، ويزوّج منها أيمّهم، وإنّ فاطمة سألته أن يجعلها لها فأبى، فكانت كذلك حياة أبي بكر ثم عمر، ثم أقطعها مروان، ثم صارت لعمر بن عبد العزيز، فرأيت أمراً منعه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاطمة ليس لي بحق، وإنّي أشهدكم أنّي قد رددتها على ما كانت على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله).

أقول: عجباً من السيوطي، فهو الذي روى عن أربعة من أكابر الحفاظ أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما نزلت الآية: {وَآتِ ذَا القُرْبَى حَقَّهُ} دعا فاطمة (عليها السلام) وأعطاها فدكاً، كما عن أبي سعيد الخدري، وفي رواية عن ابن مردويه عن ابن عباس: أنّه أقطعها فدكاً.

ثم هو يذكر عن عمر بن عبد العزيز في تاريخه، أنه أرجع فدكاً على ما كانت على عهد رسول الله، بعد أن صارت إليه من أبيه من مروان، ولم يذكر من الذي أقطعها مروان؟ وهنا موضع العجب، من أين صارت لمروان، ثم لعبد العزيز، ثم لعمر بن عبد العزيز؟ ولو أغمضنا النظر عن شرعية انتقالها إلى عمر بن عبد العزيز، فهل صحيح أنّ عمر قال: كانت له _ لرسول الله (صلى الله عليه وآله) _ فَدَك ينفق منها، وإنّ فاطمة سألته أن يجعلها لها فأبى؟

وما أدري كيف استساغ أن يكتب مثل هذا الدجل والتلفيق، مع أنّ مسألة إعطاء فَدَك لفاطمة (عليها السلام) من الثوابت التاريخية، وعليها كان النزاع مع أبي بكر، وخبر عمر بن عبد العزيز في مسألة فَدَك وإرجاعها إلى ولد فاطمة (عليها السلام) مذكور في التواريخ، راجع على سبيل المثال معجم البلدان لياقوت الحموي (فَدَك)(1) وفيه:

فلما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة كتب إلى عامله بالمدينة يأمره برد فَدَك إلى ولد فاطمة (رضي الله عنها)، فكانت في أيديهم في أيام عمر بن عبد العزيز، فلما ولي يزيد بن عبد الملك قبضها، فلم تزل في أيدي بني أمية حتى ولي أبو العباس السفاح الخلافة،

____________

1- معجم البلدان 4: 238 _ 240.


الصفحة 478
فدفعها إلى الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، فكان هو القيّم عليها يفرقها في بني علي بن أبي طالب، فلما ولي المنصور وخرج عليه بنو الحسن قبضها منهم، فلما ولي المهدي بن المنصور الخلافة أعادها عليهم، ثم قبضها موسى الهادي ومن بعده إلى أيام المأمون، فجاءه رسول بني علي بن أبي طالب فطالب بها، فأمر أن يسجل لهم بها، فكتب السجل وقرئ على المأمون، فقام دعبل الشاعر وأنشد:


أصبح وجه الزمان قد ضحكا بردّ مأمون هاشم فدكا

وفي فَدَك اختلاف كثير في أمره بعد النبي (صلى الله عليه وآله)، وأبي بكر وآل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومن رواة خبرها من رواه بحسب الأهواء وشدة المراء، وأصح ما ورد عندي في ذلك ما ذكره أحمد بن جابر البلاذري في كتاب الفتوح.

أقول: لقد ذكرنا آنفاً ما ذكره البلاذري فراجع، واقرأ أيضاً خبر ارجاع عمر بن عبد العزيز في شرح النهج لابن أبي الحديد(1) وغيره.

ما ذكره المتقي الهندي:

الرابع والثلاثون: المتقي الهندي (ت 975 هـ) فماذا عنده في كتابه (كنز العمّال) الذي رتب فيه الجامع الكبير للسيوطي، ورتبه على سنن الأقوال والأفعال، فهو في الحقيقة كتاب الجامع الكبير مرتباً على نهج ارتضاه المتقي الهندي.

وقد أورد فيه من الأحاديث الدالة على خلافة أهل البيت (عليهم السلام) الشيء الكثير، ومما يتعلق بفترة الأحداث التي تزامنت مع اسقاط المحسن السبط (عليه السلام)، نذكر بعض ذلك.

النص الأول(2): عن عمر مولى غفرة قال: لما توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله) جاء مال من البحرين، فقال أبو بكر: من كان له على رسول الله (صلى الله عليه وآله) شيء أو عدة فليقم فليأخذ،

____________

1- شرح النهج 16: 216.

2- كنز العمّال 5: 343، برقم: 2274.