ولسائل أن يسأل: متى كانت وفاة المحسن؟ وكم سنّه يوم مات؟ وأين دفن؟ سؤال بعد سؤال ولا جواب.
وأخيراً نعود إلى الرياض النضرة لنقطف من أزهارها ما قاله المحب الطبري(2): (ذكر ما رواه أبو بكر في فضل علي وروى عنه).
وقد ذكرنا ذلك مفرقاً في الأبواب والفصول، ونحن ننبه عليه لتوفّر الداعية، فمنه حديث: النظر إليه عبادة، في الفضائل، وحديث استواء كفه وكف النبي (صلى الله عليه وآله)، وحديث: إنّه خيّم وعلى بنيه خيمة، وحديث: انّه من النبي (صلى الله عليه وآله) بمنزلة النبي (صلى الله عليه وآله) من ربه، وحديث: لا يجوز أحد الصراط إلا بجواز يكتبه علي، كل ذلك في الخصائص، وقوله: من سرّه أن ينظر إلى أقرب الناس قرابة، وإحالته على علي لما سئل عن وصف رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الفضائل، وحديث: مشاورة أبي بكر له في قتال أهل الردة في اتباعه للسنّة.
ثم ذكر المحب الطبري بعد هذا (ذكر ما رواه عمر في علي وروى عنه مختصراً).
وقد تقدم جميع ذلك مفرقاً في أبوابه، فمنه حديث: الراية يوم خيبر، وحديث: ثلاث خصال لأن يكن لي واحدة منهن، وحديث: أنه (صلى الله عليه وآله) قال: في علي ثلاث خصال لوددت أن لي واحدة منهن، وحديث: أنت مني بمنزلة هارون من موسى، وحديث: رجحان إيمانه بالسماوات السبع والأرضين، وحديث: من كنت
____________
1- المصدر نفسه: 55.
2- الرياض النضرة 2: 244.
أقول: وثمة أزاهير في الرياض النضرة، إلى جنب تلك الأزهار ما يحوطها من أشواك، فحذار لمن يقتطف الزهرة ألاّ تدميه الشوكة، ومهما يكن فلنا تعقيب بلا تثريب، فنقول: إنّ عمر قد مر عنه روايته لحديث «من كنت مولاه فهذا علي مولاه»، وقد ذكر المؤرّخون أنه كان ممن سلّم على علي بإمرة المؤمنين يوم غدير خم، وقال له: بخ بخ يا أبا الحسن (علي بن أبي طالب) أصبحت مولاي ومولى كل مسلم (أو مؤمن)، كما في مناقب ابن المغازلي المالكي(1).
وهذا القول منه مشعر بالرضى والقبول، غير أنّ ابن حجر العسقلاني روى لنا في لسان الميزان(2) في ترجمة اسفنديار بن الموفق بن محمد بن يحيى، أبو الفضل الواعظ، أمراً لم يبلغ أسماعنا من قبل، ولا مرّ في النصوص التي ذكرناها، فنحن ننقل ما ذكره ابن حجر بنصه وفصه والتبعة _ إن كانت _ فعليه.
قال بعد ذكر اسمه ونسبه كما مرّ: روى عن أبي الفتح ابن البطي ومحمد بن سليمان وروح بن أحمد الحديثي، وقرأ الروايات على أبي الفتح بن رزيق، وأتقن العربية، وولي ديوان الرسائل، روى عنه الدبيثي وابن النجار وقال: برع في الأدب، وتفقّه للشافعي، وكان يتشيع (؟)، وكان متواضعاً عابداً كثير التلاوة، وقال
____________
1- المناقب لابن المغازلي: 18، ح24.
2- لسان الميزان 1: 387.
انتهى ما ذكره ابن حجر، ولم يعلق على ما قاله المترجم له بأكثر من قوله: (فهذا غلو منه في شيعيته) وهذا منه أيضاً تحامل في غير محلّه، فالرجل شافعي كما صرح هو بذلك، وإنّما قال عنه: وكان يتشيع، فأين من يتشيع ممن هو شيعي؟ ثم سكوت ابن الجوزي عن التعقيب على ما رواه عنه يشعر إمضاءه لما قال اسفنديار كما يبدو.
ما ذكره أبو الفداء:
الخامس والعشرون: أبو الفداء صاحب حماة (ت 732 هـ) ماذا عنده؟
النص الأول: قال في تاريخه(2): لما قبض الله نبيّه قال عمر بن الخطاب: من قال إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مات علوت رأسه بسيفي هذا، وإنّما ارتفع إلى السماء، فقرأ أبو بكر: {وَمَا مُحَمَّدٌ إلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أفَإنْ مَاتَ أوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أعْقَابِكُمْ}(3)، فرجع القوم إلى قوله، وبادروا سقيفة بني ساعدة، فبايع عمر أبا بكر، وانثال الناس عليه يبايعونه، في العشر الأوسط من ربيع الأول سنة إحدى عشرة، خلا جماعة من بني هاشم، والزبير، وعتبة بن أبي لهب، وخالد بن سعيد بن العاص، والمقداد بن عمرو، وسلمان الفارسي، وأبي ذر، وعمار بن
____________
1- الملك: 27.
2- المختصر في أخبار البشر 1: 156.
3- آل عمران: 144.
ما كنت أحسب أن الأمر منصرف | عن هاشم ثم منهم عن أبي حسن |
عن أول الناس إيماناً وسابقة | وأعلم الناس بالقرآن والسنن |
وآخر الناس عهداً بالنبي ومَن | جبريل عون له في الغسل والكفن |
من فيه ما فيهم لا يمترون به | وليس في القوم ما فيه من الحسن |
النص الثاني: قال(1): وكذلك تخلّف عن بيعة أبي بكر أبو سفيان من بني أمية.
النص الثالث: قال(2): ثم انّ أبا بكر بعث عمر بن الخطاب إلى علي ومن معه ليخرجهم من بيت فاطمة (رضي الله عنها)، وقال: إن أبوا عليك فقاتلهم، فأقبل عمر بشيء من نار على أن يضرم الدار، فلقيته فاطمة (رضي الله عنها) وقالت: إلى أين يابن الخطاب، أجئت لتحرق دارنا؟ قال: نعم، أو تدخلون فيما دخلت فيه الأمة، فخرج علي حتى أتى أبا بكر فبايعه، كذا نقله القاضي جمال الدين بن واصل، وأسنده إلى ابن عبد ربه المغربي.
النص الرابع: قال: وروى الزهري عن عائشة قالت: لم يبايع علي أبا بكر حتى ماتت فاطمة، وذلك بعد ستة أشهر لموت أبيها (صلى الله عليه وآله)، فأرسل علي إلى أبي بكر فأتاه في منزله فبايعه....
ما ذكره النويري:
السادس والعشرون: شهاب الدين النويري (ت 733 هـ) فماذا عنده؟
النص الأول: قال في نهاية الإرب(3): وعن مالك بن مغول، عن ابن أبجر قال: لما بويع أبي بكر الصديق جاء أبو سفيان بن حرب إلى علي فقال: غلبكم على
____________
1- المختصر في أخبار البشر 1: 156.
2- المصدر نفسه 1: 156.
3- نهاية الإرب 19: 40.
النص الثاني: ذكر ما تقدم من رواية ابن عبد البر في الاستيعاب عن زيد بن أسلم عن أبيه _ وهذا هو مولى عمر _ إنّ علياً والزبير كانا حين بويع لأبي بكر يدخلان على فاطمة فيشاورانها في أمرهم، فبلغ ذلك عمر، فدخل عليها فقال: يابنت رسول الله ما كان في الخلق أحد أحب إلينا من أبيك _ إلى أخر ما مرّ وليس فيه من جديد _ إلا أنّ النويري عقّب على ذلك بقوله: (وهذا الحديث يردّ قول من زعم أنّ علي بن أبي طالب لم يبايع إلا بعد وفاة فاطمة (رضي الله عنها)).
ومن حق القارئ أن يسأل النويري كيف اعتمد هذا الحديث وهو مخدوش سنداً ومتناً، أما سنداً فإن زيد بن أسلم قال عنه مالك: كان زيد يحدث من تلقاء نفسه، وهو يروي عن أبيه أسلم، وهذا مولى عمر بن الخطاب، وهو ممن كان معه يوم الهجوم على بيت فاطمة الزهراء، وأما متناً فإنّ الامتناع عن البيعة من حديث عائشة في البخاري، ويرويه عنها عروة ابن اختها، وعنه الزهري، وكلّهم غير متهم في المقام.
النص الثالث: ذكر شعر ابن أبي عزة الجمحي في بيعة أبي بكر(1)، وهذا أيضاً مرّ عن الاستيعاب، وقلنا أنّ الشعر منحول، بدليل ما يقوله ابن حزم انّ أبا عزة الجمحي _ الذي قتله النبي (صلى الله عليه وآله) يوم اُحد _ لا عقب له، ولم يكن في بني جمح من يسمى بأبي عزة غيره.
النص الرابع: قال(2): وروي عن سعيد بن المسيب قال: لما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) ارتجّت مكة، فسمع أبو قحافة فقالوا(3): ما هذا؟ فقالوا: قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله)،
____________
1- المصدر نفسه 19: 41.
2- المصدر نفسه 19: 41.
3- والصحيح: فقال.
وهذا النص ورد في كثير من المصادر، واللافت للنظر فيه قول أبي قحافة: فهل رضيت بذلك بنو عبد مناف وبنو المغيرة؟ لأنّ الرجل يعرف من نفسه وقومه بني تيم ليسوا بالموضع الذي يؤهلهم لنيل خلافة النبي (صلى الله عليه وآله)، وهم على حد ما قال أبو سفيان أرذل بيت في قريش، ولم يتجن عليهم أبو سفيان ولا غيره حين يصفون بني تيم بالضعة، وشاعرهم يقول: (وما تيم إلا أعبد وإماء) ازدراء بهم واحتقاراً لهم.
ما ذكره الذهبي:
السابع والعشرون: الذهبي (ت 748 هـ) فماذا عنده؟
النص الأول: قال في سير أعلام النبلاء(2):
فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) سيدة نساء العالمين في زمانها، البضعة النبوية، والجهة المصطفوية، أم أبيها، بنت سيد الخلق رسول الله (صلى الله عليه وآله) أبي القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشية الهاشمية وأم الحسنين، مولدها قبل المبعث بقليل، وتزوجها الإمام علي بن أبي طالب في ذي القعدة أو قبيله من سنة اثنتين بعد وقعة بدر، وقال ابن عبد البر: دخل بها بعد وقعة اُحد فولدت له الحسن والحسين وأم كلثوم وزينب.
أقول: ما حكاه ونقله عن ابن عبد البر لايوجد في ترجمة فاطمة (عليها السلام) من الاستيعاب، وبين يدي فعلاً ثلاث طبعات وهي: طبعة حيدر آباد سنة 1336 هـ،
____________
1- والصحيح: فقال.
2- سير أعلام النبلاء 3: 425.
ثم ما ذكره في أول العنوان بقوله: (سيدة نساء العالمين في زمانها) نصب وعجب في زعمه هذا بعد ما صح عن النبي (صلى الله عليه وآله) من قوله: (فاطمة سيدة نساء أهل الجنة) وهذا رواه أحمد في مسنده(1) مسند حذيفة وغيره، فنساء أهل الجنة من الأولين والآخرين إذن ليست سيدة العالمين (في زمانها) فحسب، وكذلك قوله (عليه السلام): «ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين، وسيدة نساء المؤمنين، وسيدة نساء هذ الأمة».
وهذا الحديث روته عائشة كما في المستدرك على الصحيحن(2) وصححه، ورواه الذهبي نفسه في تلخيص المستدرك وصححه أيضاً، وقد ذكرت الأحاديث باختلاف ألفاظها وتعدد رواتها وكثرة مصادرها ما يثبت لها السيادة المطلقة سلام الله عليها فراجع كتاب (علي إمام البررة)(3).
النص الثاني: قال(4): ولما توفي أبوها تعلّقت آمالها بميراثه، وجاءت تطلب ذلك من أبي بكر الصديق، فحدثها أنه سمع من النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: (لا نورث، ما تركنا صدقة) فوجدت عليه ثم تعللت؟
النص الثالث: قال(5): روى إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي قال: لما مرضت فاطمة أتى أبو بكر فاستأذن، فقال علي: يافاطمة هذا أبو بكر يستأذن
____________
1- مسند أحمد 5: 391، ح 23718.
2- المستدرك على الصحيحين 3: 156.
3- علي إمام البررة 2: 231 _ 293.
4- سير أعلام النبلاء 3: 426.
5- المصدر نفسه.
وقد كرر ذكر الخبر مرّة اُخرى بأخصر من ذلك وبنفس السند عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي(1).
وإسماعيل هذا أطروه كثيراً ووثقوه لأنه كان صاحب سنّة، ومع ذلك كان أميّاً حافظاً ثقة، وأغرب من ذلك قول هيثم فيه: كان إسماعيل فحش اللحن، كان يقول: حدّثني فلان عن أبوه (!)، وهو مع ذلك الإطراء في التوثيق قال يحيى بن سعيد: مرسلات ابن أبي خالد ليست بشيء.
أقول: وهذا الذي ذكره الذهبي عنه من زعمه: «ثم ترضاها حتى رضيت» من المرسلات، لأنّ الشعبي لم يكن حاضراً يومئذٍ بالمدينة، ولا هو ممن أدرك عيادة أبي بكر لفاطمة (فترضاها حتى رضيت) فالخبر من المرسلات، ومرسلات ابن أبي خالد ليست بشيء كما قال يحيى بن سعيد، مضافاً إلى نُصب الشعبي وكذبه، راجع بشأنه كتاب (علي إمام البررة)(2).
النص الرابع: ذكر في ميزان الاعتدال(3) ترجمة أحمد بن محمد بن السري بن يحيى بن ابن أبي دارم فقال: أبو بكر الكوفي الرافضي الكذاب، مات في أول سنة سبع وخمسين وثلاثمائة... روى عنه الحاكم وقال: رافضي غير ثقة، وقال
____________
1- المصدر نفسه 3: 431.
2- علي إمام البررة 2: 323 _ 334.
3- ميزان الاعتدال 1: 139.
وفي خبر آخر في قوله تعالى: {وَجَاءَ فِرْعَوْنُ} _ عمر _ {وَمَنْ قَبْلَهُ} _ أبو بكر {وَالمُؤْتَفِكَاتُ}(1) عائشة وحفصة، فوافقته على ذلك، ثم إنّه حين أذّن الناس بهذا الأذان المحدث وضع حديثاً متنه: «تخرج نار من قعر عدن تلتقط مبغضي آل محمد»، ووافقته عليه.
وجاءني ابن سعيد في أمر هذا الحديث فسألني، فكبر عليه، وأكثر الذكر له بكل قبيح، وتركت حديثه، وأخرجت عن يدي ما كتبته عنه، ويحتجون به في الأذان، زعم أنّه سمع موسى بن هارون عن الحماني، عن أبي بكر بن عياش، عن عبد العزيز بن رفيع، عن أبي محذورة قال: كنت غلاماً، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): اجعل في آخر أذانك حيّ على خير العمل(2).
وهذا حدّثنا به جماعة عن الحضرمي عن يحيى الحماني، وإنّما هو: اجعل في آخر أذانك: الصلاة خير من النوم. تركته ولم أحضر جنازته.
أقول: أتعلم أيّها القارئ الكريم من هو ابن أبي دارم الذي تحامل عليه الذهبي؟ إنّه هو الذي ذكره في سير أعلام النبلاء فقال عنه:
ابن أبي دارم، الإمام الحافظ الفاضل، أبو بكر أحمد بن محمد السري بن يحيى بن السري ابن أبي دارم، التميمي الكوفي الشيعي، محدّث الكوفة.
____________
1- الحاقة: 9.
2- راجع رسالتنا (حي على خير العمل) مسائل شرعية بين السنّة والبدعية ط دار الهادي بيروت سنة 1423 هـ، تجد أن الأذان بها شرعية لأنّه كان بأمر النبي (صلى الله عليه وآله) , والأذان بالصلاة خير من النوم بدعيّة لأنّه كان بأمر عمر.
كان موصوفاً بالحفظ والمعرفة إلا أنه يترفض، قد ألف في الحط على بعض الصحابة، وهو مع ذلك ليس بثقة في النقل، ومن عالي ما وقع لي منه _ ثم ساق بإسناده إليه حديث «الحلال بيّن والحرام بيّن، وبين ذلك مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس، من ترك الشبهات استبرأ لدينه وعِرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي إلى جنب الحمى، يوشك أن يواقعه» الحديث متفق عليه.
مات أبو بكر في المحرم سنة اثنتين وخمسين وثلثمائة، وقيل: سنة إحدى وخمسين، قال الحاكم: هو رافضي غير ثقة.
وقال محمد بن أحمد بن حماد الحافظ: كان مستقيم الأمر عامة دهره، ثم في آخر أيامه كان أكثر ما يقرأ عليه المثالب، حضرته ورجل يقرأ عليه: انّ عمر رفس فاطمة حتى أسقطت محسناً.
وفي خبر آخر قوله تعالى: {وَجَاءَ فِرْعَوْنُ} عمر {وَمَنْ قَبْلَهُ} أبو بكر {وَالمُؤْتَفِكَاتُ}(1) عائشة وحفصة، فوافقته وتركت حديثه، قلت _ والقائل هو الذهبي _: شيخ ضال معثر.
أقول: وترجمه في تذكرة الحفاظ(2) فقال: أبو بكر بن أبي دارم، الحافظ المسند الشيعي، أحمد بن محمد بن السري بن يحيى بن السري التميمي الكوفي، محدّث الكوفة _ ثم ذكر مشايخه ومن روى عنه كما مرّ في سير أعلام النبلاء _ جمع في الحط على الصحابة، وكان يترفض وقد اتهم في الحديث...، وكان
____________
1- الحاقة: 9.
2- تذكرة الحفاظ 3: 884.
وهكذا تحامل على الرجل لأنّه يروي الإفك المبين (؟) فيما يراه الذهبي، ولو أنصف نفسه قبل أن ينصفه، لعلم أنّه ما من دخان إلا من وراء نار، أوليس هو _ الذهبي _ قد ترجم عُلوان _ بالضمّ _ بن داود، وذكر في ترجمته مثلّثات أبي بكر، وفيها: وددت أنّي لم أكشف بيت فاطمة وتركته وإن أغلق على الحرب، ألا مسائل الذهبي: لماذا ندم أبو بكر؟ وماذا جرى بأمره في كشف بيت فاطمة؟ أليس هو مجيئ عمر ومن معه بقبس من نار ليحرق البيت على من فيه، فقالوا له: إنّ في الدار فاطمة، قال: وإن.
ومن المضحك المبكي _ وشر البلية ما يضحك، وشر الرزية ما يبكي _ أنّ الذهبي ابتعد كثيراً في كتابه (المنتقى من منهاج الاعتدال) عن منهج الاعتدال، حيث ذكر(1) ما ذكره شيخه ابن تيمية في منهاج السنة تعليقاً على مثلثات أبي بكر ومنها ما يتعلق بالمقام.
قال: _ ابن المطهر _ «: وقال عند موته: ليتني كنت تركت بيت فاطمة لم أكشفه، وليتني في سقيفة بني ساعدة كنت ضربت على يد أحد الرجلين، فكان هو الأمير وكنت الوزير، وهذا يدلّ على إقدامه على بيت فاطمة عند اجتماع علي والزبير وغيرهما، ويدلّ على أنّه كان يرى الفضل لغيره».
قلنا: لا يقبل القدح إلا إذا ثبت النقل، ونحن نعلم يقيناً أنّ أبا بكر لم يقدم على علي والزبير بشيء من الأذى، بل ولا على سعد بن عبادة الذي مات ولم يبايعه، وغاية ما يقال: انه كبس البيت لينظر هل فيه شيء من مال الله الذي أمر
____________
1- المنتقى: 583.
أقول: ما دام الرجل لا يستحي من الكذب، وقد لعن من وضع هذا ومن افتعل الرفض، فمن حقنا نحن أيضاً أن نقول: لعن الله من تعمّد الكذب ومن أسس النصب، ولقد مرّ ما يتعلق برد العذر البارد والتافه من أنّ كبس البيت كان لينظر هل فيه شيء من مال الله الذي أمر بقسمته، فلا حاجة إلى اعادته.
ما ذكره الصفدي:
الثامن والعشرون: الصفدي (ت 764 هـ) فماذا عنده؟وليعلم مسبقاً انّه نسج على نول الذهبي، وطرّزه بما يلي:
النص الأول: قال في ترجمة إبراهيم بن سيّار النظام من شيوخ المعتزلة(1): ومنها ميله إلى الرفض ووقوعه في أكابر الصحابة، وقال: نص النبي (صلى الله عليه وآله) على أنّ الإمام عليّ وعيّنه، وعرفت الصحابة ذلك، ولكن كتمه عمر لأجل أبي بكر.
حسب القائل أن يقول: صدق النظام في دعوى النص، ويوم الغدير شاهد على الملأ الإسلامي يومئذٍ، وقد سلّم الشيخان على الإمام كما مرّ بإمرة المؤمنين(2).
النص الثاني: قال في نفس الصفحة: وقال: إنّ عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتى ألقت المحسّن من بطنها.
____________
1- الوافي بالوفيات للصفدي 6: 17.
2- قال المناوي في فيض القدير 6: 218 ط 1 سنة 1357 مطبعة مصطفى محمد نقلاً عن ابن حجر في ذكر حديث الغدير: (ولما سمع أبو بكر وعمر ذلك قالا _ فيما أخرجه الدارقطني عن سعد بن أبي وقاص _ أمسيت يا بن أبي طالب مولى كل مؤمن ومؤمنة.
النص الثالث: قال في نفس الصفحة: ووقع في جميع الصحابة فيما حكموا فيه بالاجتهاد، فقال: لا يخلو إمّا أن جهلوا فلا يحلّ لهم، أو أنهم أرادوا أن يكونوا أرباب مذاهب فهو نفاق، وعنده الجاهل بأحكام الدين كافر، والمنافق فاسق أو كافر، وكلاهما يوجب الخلود في النار.
ما ذنب النظام إذا قرأ عن أبي بكر وعمر وغيرهما من الفتاوى التي تخالف النص، ولا اجتهاد في مقابل النص، وحسب القارئ مراجعة كتاب الغدير للشيخ الأميني (رحمه الله)(1)، وكتاب الاجتهاد والنص للسيد شرف الدين (رحمه الله).
النص الرابع: قال(2) في ترجمة الشاه بوري الواعظ البلخي، وقد ذكر إطراءه عن ابن النجار ومنه: وروى عنه شيخه السلفي، وكان يعظمه ويجلّه ويعجب بكلامه... وكان يميل إلى الرفض... وكان يدسّ سبّ الصحابة في كلامه، مثل قوله: قال علي يوماً لفاطمة وهي تبكي: لم تبكين؟ أأُخذت منكِ فَدَك؟ أفعلتُ كذا؟ أفعلتُ كذا؟
ما ذكره ابن كثير:
التاسع والعشرون: ابن كثير الشامي (ت 774) فماذا عنده؟
النص الأول: قال في البداية والنهاية(3): وقد اتفق الصحابة على بيعة الصديق في ذلك الوقت _ غداة اليوم الثاني من بيعة السقيفة _ حتى علي بن أبي طالب
____________
1- الغدير: ج6، و7، وما بعدهما.
2- الصفدي 3: 243.
3- البداية والنهاية 6: 301.
قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) واجتمع الناس في دار سعد بن عبادة، وفيهم أبو بكر وعمر، قال: فقام خطيب الأنصار فقال: أتعلمون أنّا أنصار رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فنحن أنصار خليفته كما كنّا أنصاره، قال: فقام عمر بن الخطاب فقال: صدق قائلكم ولو قلتم غير هذا لم نبايعكم، فأخذ بيد أبي بكر وقال: هذا صاحبكم فبايعوه، فبايعه عمر، وبايعه المهاجرون والأنصار، وقال: فصعد أبو بكر المنبر فنظر في وجوه القوم فلم ير الزبير، قال: فدعا الزبير فجاء، قال: قلتَ: ابن عمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) أردتَ أن تشقّ عصا المسلمين، قال: لا تثريب يا خليفة رسول الله، فقام فبايعه.
ثم نظر في وجوه القوم فلم ير علياً، فدعا بعلي بن أبي طالب قال: قلت ابن عم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وختنه على ابنته، أردت أن تشق عصا المسلمين، قال: لا تثريب يا خليفة رسول الله فبايعه، هذا أو معناه.
____________
1- هو أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة (ت 311 هـ) من كبار حفّاظ الحديث, وقد أثنى عليه الذهبي في تذكرة الحفاظ كثيراً، وساق في ترجمته بعض معتقده في مسائل, منها قوله:... وانّه تعالى ينزل إلى سماء الدنيا، ومن زعم أنّ علمه ينزل أو أمره ضلّ، ويكلّم عباده بلا كيف، الرحمن على العرش استوى بلا كيف، لا كما قالت الجهمية أنه استولى....
2- في المصادر: يسار، والصحيح بشار، وهو محمد بن بشار العبدي البصري النساج، كان عالماً بحديث البصرة... قال العجلي: ثقة كثير الحديث حائك, توفي سنة 252 هـ , قال الذهبي في تذكرة الحفاظ 1: 511: ولا عبرة بقول من ضعفه.
3- في المصدر: أبو نصرة, والصحيح هو أبو نضرة، وهو المنذر بن مالك بن قطعة العوفي البصري.