وقد روى عبد الرزاق عقب ما سبق بلا فصل خبراً رواه عن معمر عن قتادة أنّ علياً قال: القضاة ثلاثة: قاض ٍاجتهد فأخطأ في النار، وقاض ٍرأى الحق فقضى بغيره في النار، وقاض ٍ اجتهد فأصاب في الجنة. وفي هذا التعقيب نحو من التكذيب لما رواه عمر، فلاحظ.
النص الثاني عشر: وروى عبد الرزاق(2) عن معمر، عن رجل، عن الحسن أنّ أبا بكر الصديق خطب فقال: أما والله ما أنا بخيركم، ولقد كنت لمقامي هذا كارهاً، ولوددت لو أنّ فيكم من يكفيني، فتظنون أنّي أعمل فيكم سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذاً لا أقوم لها، إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يُعصم بالوحي، وكان معه ملك، وإنّ لي شيطاناً يعتريني، فإذا غضبت فاجتنبوني، لا أوثر في أشعاركم ولا أبشاركم، ألا فراعوني، فإن استقمت فأعينوني، وإن زغت فقوموني.
قال الحسن: خطبة والله ما خطب بها بعده(3).
____________
1- المصنف 11: 328.
2- المصنف 11: 336.
3- أخرجه ابن سعد في الطبقات عن وهب بن جرير عن أبيه عن الحسن 3: 213، وأخرجه أحمد في مسنده من حديث قيس بن أبي حازم، ولفظه مختصر 1: 188 (طبعة أحمد شاكر عن هامش المصنف).
فهذان الخبران فيهما اعتراف أبي بكر بأنّه ليس بخير الصحابة، وهذا ينسف ما يعدّه ابن عمر من قاعدة في التفضيل، كما في الخبر الأول اعتراف ليس دون ما تقدم في الخطورة، وهو أنّ له شيطاناً يعترية، فحذّرهم من نفسه إذا غضب، فهل كان أمره لعمر بجلب علي والزبير حين تخلفا عن بيعته: «إئتني بهما بأعنف العنف»، من حضور الشيطان وساعة الغضب؟ ربما كان كذلك، وربما كانت الخطبة من الدجل السياسي الذي عند الحاكمين يستعملونه في أول ولاياتهم يخادعون به الناس، والله يخادعهم.
ما ذكره نصر بن مزاحم:
ثالثاً: ماذا عند نصر بن مزاحم (ت 212 هـ)؟
فقد روى في كتابه وقعة صفّين(3)، عن محمد بن عبيد الله، عن الجرجاني، قال: فبقي أصحاب علي يوماً وليلة _ يوم الفرات _ بلا ماء، وقال رجل من السكون من أهل الشام يُعرف بالسليل بن عمرو: يا معاوية
اسمع اليوم ما يقول السليل | إن قولي قول له تأويل |
امنع الماء من صحاب علي | أن يذوقوه والذليل ذليل |
واقتل القوم مثل ما قُتل الشـ | ـيخ ظماً والقصاص أمر جميل |
____________
1- المصنف 11: 336.
2- أخرج ابن سعد بعضه من حديث هشام بن عروة عن أبيه 3: 182، (عن هامش المصنف).
3- وقعة صفّين181 _ 182.
فقال معاوية: الرأي ما تقول، ولكن عمرو لا يدعني.
قال عمرو: خل بينهم وبين الماء، فإنّ علياً لم يكن ليظمأ وأنت ريّان، وفي يده أعنّة الخيل، وهو ينظر إلى الفرات حتى يشرب أو يموت، وأنت تعلم أنّه الشجاع المطرق، ومعه أهل العراق وأهل الحجاز، وقد سمعته أنا وأنت وهو يقول: لو استمكنت من أربعين رجلاً فذكر أمراً، يعني لو أنّ معي أربعين رجلاً يوم فُتش البيت يعني بيت فاطمة.
وهذا النص بالرغم من تكتم الراوي على ما كان يفعله الإمام لو تمكن من أربعين رجلاً يوم فُتش البيت يعني بيت فاطمة، فهو يكشف عن شيوع أمر الهجوم على بيت فاطمة (عليها السلام) بعد موت أبيها، ولم يطرأ نسيان على ذكره بالرغم من مرور ربع قرن عليه، فهو لا يزال في خزين الذاكرة عند أعداء علي فضلاً عن شيعته، يتحدثون به عند مسيس الحاجة إليه للاستشهاد به.
ما ذكره ابن هشام:
رابعاً: ماذا عند ابن هشام (ت 218هـ)؟
وليس عنده من جديد، بعد أن كان هو مصدرنا الوحيد، فيما نقلناه عن ابن إسحاق، وقد مرّ برقم/ 1، فراجع فليس ثمة من مزيد.
ما ذكره ابن سعد:
خامساً: ماذا عند محمد بن سعد كاتب الواقدي (ت 231 هـ)؟
النص الأول: فقد روى(1) فقال: أخبرنا محمد بن عمر، حدّثني معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: إنّ فاطمة بنت رسول الله أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيما أفاء الله على رسوله، وفاطمة حينئذٍ تطلب
____________
1- الطبقات (لمحمد بن سعد) 2: 273.
النص الثاني: وروى(2) بسنده قال: لما ولي أبو بكر خطب الناس... أيها الناس قد وليت أمركم ولست بخيركم....
النص الثالث: وقال ابن سعد(3): أخبرنا الفضل بن دكين وشعيب بن حرب قالا: حدّثنا مالك بن مغول عن مُصرِّف، قال: سألت عبد الله بن أبي أوفى: أوصى رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قال: لا، قلت: فكيف كتب على الناس الوصية وأُمروا بها؟! قال: أوصى بكتاب الله، قال: وقال هُذيل(4): أكان أبو بكر يتأمّر على وصي رسول الله، لودّ أبو بكر أنّه وجد من رسول الله (صلى الله عليه وآله) عقداً فخزم أنفه بخزامة.
وهذا الخبر يكشف عن عمق الصدمة التي عاشها المجتمع الواعي في المدينة إثر بيعة أبي بكر، فطلحة بن مصرف يعجب كيف لم يوص رسول الله (صلى الله عليه وآله)
____________
1- أورده النويري بنصّه 18: 1396.
2- المصدر نفسه 3، ق 1: 129.
3- المصدر نفسه 3، ق 1: 129.
4- هكذا ورد اسمه في طبعة ليدن، غير أنّ الصواب هو هزيل بن شرحبيل كما في 2: 228،طبعة مكتبة الخانجي بمصر بتحقيق الدكتور علي محمد عمر, حيث ورد الخبر مرّة ثانية في الطبقات وفيه: قال هزيل بن شرحبيل: أأبو بكر كان يتأمر على وصي رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ وقد أورد الخبر جماعة من المحدثين في كتبهم, راجع مسند أبي عوانة 3: 475، وسنن الدارمي 2: 496، ومسند البزار 8: 298، وفتح الباري 5: 361، والرياض النضرة 2: 97.
ولتنوير القارئ بمعرفة هؤلاء الأشخاص الثلاثة، وأنّهم ليسوا بمتهمين عند الحاكمين وأتباعهم، فليسوا هم من الشيعة.
فأولهم: طلحة بن مصرف، وصفه ابن سعد في طبقاته(1)، فقال: وكان قارئ أهل الكوفة يقرأون عليه القرآن، فلما رأى كثرتهم عليه كأنّه كره ذلك لنفسه، فمشى إلى الأعمش فقرأ عليه، فمال الناس إلى الأعمش وتركوا طلحة.
ثم روى من أخباره ما دلّ على تواضعه وحسن خلقه، إلى أن روى عن الحسن بن عمرو قال: قال طلحة بن مصرف: لولا انّي على وضوء أخبرتك بما تقول الشيعة؟ إذن فهو يرى إنّ حكاية ما تقول الشيعة من نواقض الوضوء، أتريد فوق هذا دليل على مخالفته للشيعة وتعصبه ضدهم. وقد وثقه ابن سعد فقال: وكان ثقة له أحاديث صالحة.
وثانيهم: عبد الله بن أبي أوفى صحابي ترجمه ابن سعد في الطبقات(2) وذكره مرّة اُخرى(3) ، وقال فيهما: لم يزل بالمدينة حتى قبض النبي (صلى الله عليه وآله) ، فتحوّل إلى الكوفة فنـزلها حيث نـزلها المسلمون، وابتنى بها دارا في أسلم وكان قد ذهب بصره، وتوفي بالكوفة سنة ست وثمانين، وحكى عن الحسن أنّه آخر من مات من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) بالكوفة.
____________
1- طبقات ابن سعد 6: 215.
2- المصدر نفسه 4، ق 2: 36.
3- المصدر نفسه 6: 13.
واحتمال التصحيف في اسمه وإنّه هزيل، فقد ذكره ابن سعد في الطبقات(2) باسم الهزيل بن شرحبيل ووثقه، ومهما يكن فالرجل على أحسن تقدير مأخوذ بالإعلام السياسي الذي أذاعه رواة الخالفين بأنّ النبي مات من دون أن يوصي إلى أحد.
وعلى أسوء تقدير انه زاد على ذلك أن جعل نفسه محامي دفاع حين قال: أكان أبو بكر يتأمّر على وصي رسول الله، لودّ أبو بكر أنّه وجد من رسول الله (صلى الله عليه وآله) عقداً فخزم أنفه بخزامة.
وإلا فمن ينكر وصاية الإمام علي عن النبي (صلى الله عليه وآله) ينكر ضوء الشمس، فبدءاً من حديث بدء الدعوة، وانتهاء بحديث الغدير، وما بينهما من أحاديث في سائر الأيام، وكلها تتثبت انّ النبي (صلى الله عليه وآله) قال فيها لعلي: «وصيي وخليفتي من بعدي» ولكن للإعلام الكاذب أثره على عواطف الناس، وفي المقام يردّ على هذيل المجهول في زعمه المرذول: أكان أبو بكر يتأمّر؟
نعم، بل وتآمر حتى تأمّر، وبين يدي القارئ النصوص الثابتة فليقرأ ويتدبّر، كيف كانت بيعة أبي بكر.
النص الرابع: وروى في الطبقات(3) بسنده عن عائشة قالت: توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله) بين سحري ونحري وفي دولتي لم أظلم فيه أحداً، فعجبت من حداثة سني أنّ
____________
1- المصدر نفسه 7، ق 2: 66.
2- المصدر نفسه 6: 122.
3- المصدر نفسه 2، ق 2: 50.
وهذا الخبر يستبطن كذبه، لعدة أمور:
منها: قولها: بين سحري ونحري وفي دولتي، فماذا تعني بدولتها؟ وأيّ دولة كانت لها؟
ومنها: لم أظلم فيه أحداً، وهذا يكشف عن ظلم اتهمت بارتكابه في زعمها الأول، وهو دفع دخل كما يقولون.
ومنها: أنّها عجبت من حداثة سنّها كيف لم تترك النبي (صلى الله عليه وآله) على حاله في حجرها حتى يغسّل؟
ومنها: أنّها تناولت وسادة فوضعتها تحت رأسه، وكأن الوسادة كانت بالقرب منها وتحت متناول يدها؟
ومنها: أنّها قامت تصيح وتلتدم مع النساء، وقد وضعت رأسه على الوسادة، وأخّرته عن حجرها بكل يسر وسهولة؟
وأخيراً: كلّ ذلك كان وحدث، وكأنّ البيت خال لوحدها ليس ثمة أحد من أهل البيت لا رجالاً ولا نساء؟ وما أدري كيف يروي ابن سعد وغيره أمثال هذه الترهات التي لا يمكن تصديقها بأيّ وجه من الوجوه؟
وروى بسنده(1) عن عائشة: توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بيتي وبين سحري ونحري، وكان جبريل يدعو له بدعاء إذا مرض، فذهبت أدعو له فرفع بصره إلى السماء وقال: في الرفيق الأعلى.
____________
1- المصدر نفسه2، ق 2: 50.
فأين ما في هذا الخبر مما سبق ذكره عنها؟ وإن بيت القصيد فيه، هو الجمع بين ريقه (صلى الله عليه وآله) وريقها ولا تعجب كما عجب ابن أخيها القاسم بن محمد بن أبي بكر، وذلك فيما رواه ابن سعد أيضاً من ذكر السواك الذي روى فيه ثلاثة أخبار عن عائشة(1)، في كل خبر لديها كشف جديد، وفي ثالثها رواه بسنده عن القاسم بن محمد بقول: سمعت عائشة تقول: كان من نعمة الله عليّ وحسن بلائة عندي، انّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) مات في بيتي وفي يومي وبين سحري ونحري، وجمع بين ريقي وريقه عند الموت.
قال القاسم: قد عرفنا كل الذي تقولين فكيف جمع بين ريقك وريقه؟ قالت: دخل عبد الرحمن بن أمّ رومان أخي على النبي (صلى الله عليه وآله) يعوده وفي يده سواك رطب، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) مولعاً بالسواك، فرأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يُشخص بصره إليه، فقلت: يا عبد الرحمن أقضم السواك، فناولنيه فمضغته ثم أدخلته في فم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فتسوك به فجمع بين ريقي وريقه.
وهكذا تبقى عائشة تروي لنفسها اختصاصاً برسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يحض به باقي أهل بيته، وحتى ابنته فاطمة (عليها السلام) فضلاً عن باقي أزواجه، فهو حكر لعائشة، وهو من مروياتها فحسب، فإن شئت أن تصدّق وإلاّ فلا.
النص الخامس: وروى ابن سعد في الطبقات(2) عن عبد الله بن نمير، حدّثنا إسماعيل، عن عامر، قال: جاء أبو بكر إلى فاطمة حين مرضت فاستأذن، فقال
____________
1- المصدر نفسه 2، ق 2: 30.
2- المصدر نفسه 8: 17.
وهذا الخبر على ما فيه من آفة في الإسناد لوجود عامر، فهو غير عامر في دينه، وعامر هذا هو الشعبي المعروف بولائه للأمويين، وهو قاضي الكوفة أيام عبد الملك بن مروان، وفي تاريخه أيام القضاء مخازي أخلاقية، يراجع عن بعضها كتاب (علي إمام البررة)(1) ، ومع غض النظر عن السند فإنّ في المتن ما يلزم البكريين بالإدانة لما يلي:
1 _ مجيئ أبي بكر إلى فاطمة حين مرضت ربّما يستساغ خبره، فابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) مريضة، وأبو بكر جاء لعيادتها فلا شيء، لكن قول علي لفاطمة (عليها السلام): فإن شئت أن تأذني له، يوحي بأنّ شيئاً مّا يمنع من الإذن له دون أخذ موافقة فاطمة (عليها السلام)؟ فما هو ذلك الأمر؟ أهو الهجوم على بيتها بعد موت أبيها؟ وما جرى عليها من كسر ضلع وإسقاط جنين، وغير ذلك ما سبب لها المرض، ربما هو ذلك؟
أو هو مضافاً إليه منعها من حقها من الأرث والفيء والخمس والنحلة، لذلك هجرته ووجدت عليه، ولم تزل مغاضبة له حتى مرضت، فجاءها يترضاها؟ وهذا هو الذي دلّ عليه الخبر في خبر (فدخل عليها واعتذر إليها وكلّمها فرضيت عنه) فثمة اعتذار ولا يكون إلا من جناية، ثم (وكلّمها فرضيت عنه) ، وهذا لا يكون إلا عن غضب منها عليه.
وزعم الشعبي (فرضيت عنه) يكذبه ما جاء في صحيح البخاري _ كما سيأتي _ من حديث عائشة، بأنّها ماتت وهي غضبى فانتظر رجباً ترى عجباً، وأعجب من ذلك أن نقرأ الحديث عند ابن سعد بالصورة التالية:
____________
1- علي إمام البررة 2: 323 _ 334.
فهذا الخبر الذي قلنا أخرجه البخاري _ كما سيأتي _ وفيه ماتت وهي غضبى، فهنا ذكر الغضب عليه، ولم يرد ذكر للرضا عنه لكنه صرّح فيما ذكره بما هو أفظع من جميع ذلك أن يروي ابن سعد الخبر التالي:
النص السابع: روى(2) بسنده عن عائشة قالت: إنّ فاطمة بنت رسول الله أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيما أفاء الله على رسوله، وفاطمة حينئذٍ تطلب صدقة النبي التي بالمدينة وفدك، وما بقي من خمس خيبر.
فقال أبو بكر: إنّ رسول الله قال: لا نورّث ما تركنا صدقة، إنّما يأكل آل محمد في هذا المال، وإنّي والله لا اُغيّر شيئاً من صدقات رسول الله عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ولأعملنّ فيها بما عمل فيها رسول الله. فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً، فوجدت فاطمة (عليها السلام) على أبي بكر، فهجرته فلم تكلمَه حتى توفيت، وعاشت بعد رسول الله ستة أشهر.
النص الثامن: روى(3) بسنده عن إبراهيم _ وهذا هو ابن سعد الزهري _ قال: صلّى أبو بكر الصدّيق على فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فكبّر عليها أربعاً.
____________
1- طبقات ابن سعد 8: 18.
2- المصدر نفسه 2، ق 2: 86.
3- المصدر نفسه 8: 19.
روى ابن سعد(1) بسنده عن عمرة بنت عبد الرحمن قالت: صلّى العباس بن عبد المطلب على فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ونـزل في حفرتها هو وعلي والفضل بن عباس.
وروى ابن سعد(2) بسنده عن عروة: إن علياً صلّى على فاطمة.
وروى ابن سعد(3) بسنده عن الزهري قال: دُفنت فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليلاً ودفنها علي.
وروى ابن سعد(4) بسنده عن ابن شهاب _ الزهري _ قال: دفنت فاطمة ليلاً دفنها علي.
وكم من نظير نحو ما مرّ عن عروة، وكسابقه عن عائشة، وكسابقه عن يحيى بن سعيد، وأخيراً:
روى ابن سعد(5) بسنده عن علي بن حسين _ يعني زين العابدين _ قال: سألت ابن عباس متى دفنتم فاطمة؟ فقال: دفنّاها بليل بعد هدأة، قال: قلت: فمن صلّى عليها؟ قال: علي.
هذه جملة من النصوص التي رواها ابن سعد في طبقاته، وفيها دلالة واضحة على ظلامة فاطمة الزهراء (عليها السلام).
ما ذكره ابن أبي شيبة:
سادساً: ماذا عند ابن أبي شيبة (ت 235 هـ)؟
النص الأول: أخرج ابن أبي شيبة في كتابه المصنف(6)، بسنده عن هشام، عن
____________
1- 5 المصدر نفسه 8: 19.
6- المصنف 12: 139، برقم: 12355.
قال: فكان أناس من الناس يطعنون في ذلك لتأمير رسول الله (صلى الله عليه وآله) أسامة عليهم، قال: فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) فخطب الناس ثم قال: إنّ أناساً منكم قد طعنوا علي في تأمير أسامة، وإنّما طعنوا في تأمير أسامة كما طعنوا في تأمير أبيه من قبله، وأيم الله إن كان لخليقاً للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إليّ، وإنّ ابنه لأحبّ الناس إليّ من بعده، وإنّي أرجو أن يكون من صالحيكم فاستوصوا به خيراً.
فهذا الخبر أورده مرّة ثانية(1) ، وذكره ابن سعد في الطبقات(2) ، وعبد الرزاق(3) باختصار، وأورده في كنـز العمّال(4) من رواية ابن أبي شيبة، كلّهم عن هشام بن عروة.
والخبر صريح في أنّ أناساً طعنوا على النبي (صلى الله عليه وآله) ، فمَنْ هم أولئك الذين طعنوا على النبي (صلى الله عليه وآله) في تأميره أسامة بن زيد على بعث فيه أبو بكر وعمر؟.
والجواب: إنّهم لا شك من الصحابة بل ومن وجوه الصحابة _كما يسمونهم _ ولو شئت أن أسمي لسميت، لماذا طعنوا؟ وليس من حقهم أن يطعنوا لو كانوا مؤمنين، فإن القرآن الكريم يقول: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللّهُ وَرَسُولُهُ أمْراً أنْ يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أمْرِهِمْ}(5).
النص الثاني: أخرج ابن أبي شيبة في المصنف(6) بسنده عن ابن جريج عن أبيه أنّهم شكوا في قبر النبي (صلى الله عليه وآله) أين يدفنونه؟ فقال أبو بكر: سمعت النبي (صلى الله عليه وآله) يقول:
____________
1- المصنف 14: 520، برقم: 18826.
2- طبقات ابن سعد 4، ق 1: 46.
3- المصنف 11: 234.
4- كنـز العمّال 5: 312.
5- الأحزاب: 36.
6- المصنف 14: 553.
وهذا الخبر أورده الهندي في كنـز العمّال(1) من طريق ابن أبي شيبة، والإمام أحمد، وفيه قال ابن كثير: هذا منقطع، فإنّ والد ابن جريج فيه ضعف، ولم يدرك أبا بكر الصديق، وكأنّ المهم ملاحظة السند فقط أما المتن في ذمة الرواة.
أقول: وما أدري لماذا يروي مدونوا الحديث والسيرة والتاريخ أمثال هذه الأخبار التي تستبطن كذبها، أليس هم يروون باتفاق بأنّ أبا بكر وعمر وأبا عبيدة بن الجراح، كانوا في سقيفة بني ساعدة ينازعون الأنصار على الخلافة، حتى صرح عروة بن الزبير _ وهو ممّن لا يتهم عندهم _ فقال: إنّ أبا بكر وعمر لم يشهدا دفن النبي (صلى الله عليه وآله) كانا في الأنصار، فدفن قبل أن يرجعاً.
وهذا أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف(2) ، وأورده المتقي الهندي في كنـز العمّال(3) أيضاً من طريق ابن أبي شيبة، ويكذبه أيضاً ما رواه النص الثالث ابن أبي شيبة في المصنف(4) بسنده عن سعيد بن المسيب أنّ الذي ولي دفن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإجنانه أربعة نفر دون الناس: علي وعباس والفضل وصالح مولى النبي (صلى الله عليه وآله) ، فلحدوا له ونصبوا عليه اللبن نصباً.
وهذا أخرجه البيهقي في السنن الكبرى(5) ، وأورده الهندي في كنـز العمّال(6) من طريق ابن أبي شيبة.
____________
1- كنـز العمّال 4: 50.
2- مصنف ابن أبي شيبة 14: 568، برقم: 18892.
3- كنـز العمّال 3: 140.
4- مصنف ابن أبي شيبة 14: 556.
5- السنن الكبرى للبيهقي 4: 53.
6- كنـز العمّال 4: 60.